غياب
الحقيقة بين الغلو والتفريط
لعل
أغمض الموضوعات وأعقدها فيما
يتعلق بالمجتمع المسلم : اللهو
والفنون .
وذلك أن أكثر الناس وقعوا في هذا
الأمر بين طرفي الغلو والتفريط .
نظرا لأنه أمر يتصل بالشعور
والوجدان , أكثر مما يتصل بالعقل
والفكر , وما كان شأنه كذلك فهو
أكثر قبولا للتطرف والإسراف من
ناحية , في مقابلة التشدد
والتزمت من ناحية أخرى .
فهناك من يتصورون المجتمع
الإسلامي مجتمع عبادة ونسك ,
ومجتمع جد وعمل , فلا مجال فيه
لمن يلهو ويلعب , أو يضحك ويمرح ,
أو يغنى ويطرب . لا يجوز لشفة فيه
أن تبتسم , ولا لسن أن تضحك , ولا
لقلب أن يفرح , ولا لبهجة أن
ترتسم على وجوه الناس !!
وربما ساعدهم على ذلك سلوك بعض
المتدينين , الذين لا ترى أحدهم
إلا عابس الوجه , مقطب الجبين ,
كاشر الناب , وذلك لأنه إنسان
يائس أو فاشل أو مريض بالعقد
والالتواءات النفسية , ولكنه برر
ذلك السلوك العيب باسم الدين , أي
أنه فرض طبيعته المنقبضة
المتوجسة على الدين , والدين لا
ذنب له , إلا سوء فهم هؤلاء له ,
وأخذهم ببعض نصوصه دون بعض.
وقد يجوز لهؤلاء أن يشددوا على
أنفسهم إذا اقتنعوا بذلك , ولكن
الخطر هنا : أن يعمموا هذا
التشديد على المجتمع كله ,
ويلزموه برأي رأوه , في أمر عمت
به البلوى , ويمس حياة الناس كافة
.
وعلى العكس من هؤلاء : الذين
أطلقوا العنان لشهوات أنفسهم ,
فجعلوا الحياة كلها لهواً
ولعباً, وأذابوا الحواجز بين
المشروع والممنوع . . بين المفروض
والمرفوض . . بين الحلال والحرام .
فتراهم يدعون إلى الانحلال ,
ويروجون الإباحية ويشيعون
الفواحش ما ظهر منها وما بطن
باسم الفن , أو الترويح , ونسوا أن
العبرة بالمسميات والمضامين , لا
بالأسماء والعناوين . والأمور
بمقاصدها .
لهذا كان لا بد من نظرة منصفة إلى
الموضوع - بعيدا عن إفراط هؤلاء ,
وتفريط أولئك - في ضوء النصوص
الصحيحة الثبوت , الصريحة
الدلالة , وفى ضوء مقاصد الشريعة
وقواعد الفقه المقررة كذلك .
ولا أستطيع في هذا المجال
التفصيل , فقد كتبت في مفردات
الموضوع في أكثر من كتاب لي.
وخصوصاً في « الحلال والحرام
في الإسلام » , و « فتاوى معاصرة » الجزء
الأول والجزء الثاني . . وعلى
الأخص الثاني .
إلى الفهرس

واقعية
الإسلام في التعامل مع الإنسان
كله
والخلاصة
التي أود أن أذكرها هنا تتمثل في
هذه المبادئ أو الحقائق :
إن الإسلام دين واقعي , فهو
يتعامل مع الإنسان كله : جسمه
وروحه وعقله ووجدانه , ويطالبه
أن يغذيها جميعاً , بما يشبع
حاجتها , في حدود الاعتدال , الذي
هو صفة « عباد الرحمن » : (
الذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم
يقتروا وكان بين ذلك قوما ) , وليس هذا
خلقهم في أمر المال فقط , بل هو
خلق أساسي عام في كل الأمور , هو
المنهج الوسط للأمة الوسط.
وإذا كانت الرياضة تغذى الجسم ,
والعبادة تغذى الروح , والعلم
يغذى العقل , فإن الفن يغذى
الوجدان. ونريد بالفن : النوع
الراقي الذي يسمو بالإنسان , لا
الذي يهبط به .
إلى الفهرس

القراّن
ينبه على عنصري المنفعة والجمال
في الكون
وإذا
كانت روح الفن هي الإحساس
بالجمال وتذوقه , فهذا ما عنى
القرآن بالتنبيه عليه وتأكيده
في أكثر من موضع .
فهو يلفت النظر بقوة إلى عنصري «
الحسن » أو « الجمال » الذي أودعه
الله في كل ما خلق, إلى جوار
عنصري « النفع » أو « الفائدة »
فيها .
كما أنه شرع للإنسان الاستمتاع
بالجمال أو « الزينة » مع
المنفعة أيضا .
يقول الله تعالى في معرض
الامتنان بالأنعام :(
والأنعام خلقها , لكم فيها دفء
ومنافع ومنها تأكلون ), وفى هذا
تنبيه على جانب المنفعة
والفائدة , ثم يقول : (
ولكم فيها جمال حين تريحون وحين
تسرحون ) , فهذا تنبيه على
الجانب الجمالي , حيث يلفتنا إلى
هذه اللوحة الربانية الرائعة ,
التي لم ترسمها يد فنان مخلوق ,
بل رسمتها يد الخالق سبحانه .
وفى نفس السياق يقول سبحانه (
والخيل والبغال والحمير
لتركبوها وزينة ) , فالركوب يحقق
منفعة مادية مؤكدة , أما الزينة
فهي متعة جمالية فنية , بها يتحقق
التكامل للوفاء بحاجات الإنسان
كل الإنسان .
وفى هذا السياق من نفس السورة
امتن الله تعالى بتسخير البحر
فقال : ( وهو الذي سخر
البحر لتأكلوا منه لحماً طرياً
وتستخرجوا منه حلية تلبسونها ) فلم يقصر
فائدة البحر على العنصر المادي
المتمثل في اللحم الطري الذي
يؤكل , فينتفع به الجسم , بل ضم
إليه الحلية التي تلبس للزينة ,
فتستمتع بها العين والنفس .
وهذا التوجيه القرآني تكرر في
أكثر من مجال , ومن ذلك : مجال
النبات والزرع والنخيل والأعناب
والزيتون والرمان متشابها وغير
متشابه , يقول تعالى في
موضع من سورة الأنعام : ( كلوا من
ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم
حصاده ولا تسرفوا ) .
وفى موضع آخر من نفس السورة يقول
بعد ذكر الزرع وجنات النخيل
والعنب : ( انظروا إلى ثمره
إذا أثمر وينعه , إن في ذلكم
لآيات لقوم يؤمنون ) .
فكما أن الجسم في حاجة إلى الأكل
من الثمر إذا أثمر , فإن النفس في
حاجة إلى الاستمتاع بالنظر إلى
ثمره إذا أثمر وينعه . وبهذا
يرتفع الإنسان أن يكون همه الأول
أو الأوحد هو هم البطن !
ومثل ذلك قوله تعالى : ( يا
بنى آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد
وكلوا اشربوا ولا تسرفوا , انه لا
يحب المسرفين * قل من حرم زينة
الله التي أخرج لعباده والطيبات
من الرزق ) .
فأخذ الزينة لحاجة الوجدان ,
والأكل والشرب لحاجة الجثمان ,
وكلاهما مطلوب .
وكذلك نجد الاستفهام الإنكاري
في الآية الثانية ينصب على أمرين
: تحريم « زينة الله » التي أخرج
لعباد« , وتحريم « الطيبات » من
الرزق , و « زينة الله » , تجسد
عنصر الجمال الذي هيأه الله
لعباده , بجوار عنصر المنفعة
الذي يتمثل في « الطيبات من
الرزق » . وتأمل هذه الإضافة - إضافة كلمة
«زينة » - إلى لفظ الجلالة « زينة
الله » ففيها تشرف لهذه الزينة
وتنويه بها. وفى هذا السياق جاء
قبل هاتين الآيتين قوله تعالى في
شأن اللباس :
( يا بنى آدم قد
أنزلنا عليكم لباساً يوارى
سوءاتكم وريشاً , ولباس التقوى
ذلك خير) , فقد جعلت الآية
اللباس - الذي امتن الله تعالى
بإنزاله - أنواعاً , وإن شئت قلت :
جعلت له مقاصد ومهمات : مقصد «
الستر » المعبر عنه بقوله : « يواري
سوءاتكم » , ومقصد « التجمل
والزينة » المعبر عنه بقوله : «
وريشاً » ومقصد « الوقاية » من
الحر والبرد , المعبر عنه بقوله :
« ولباس التقوى » .
إلى الفهرس

المؤمن
عميق الإحساس بالجمال في الكون
والحياة والإنسان
إن
المتجول في رياض القرآن يرى
بوضوح : أنه يريد أن يغرس في عقل
كل مؤمن وقلبه الشعور بالجمال
المبثوث في أجزاء الكون من فوقه
ومن تحته ومن حوله : في السماء ,
والأرض , والنبات , والحيوان ,
والإنسان .
في جمال السماء يقرأ قوله تعالى :
( أفلم ينظروا إلى
السماء فوقهم كيف بنيناها
وزيناها وما لها من فروج ) , (
ولقد جعلنا في السماء بروجاً
وزيناها للناظرين ) .
وفى جمال الأرض ونباتها يقرأ : (
والأرض مددناها وألقينا فيها
رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج
بهيج )
. ( وأنزل لكم من
السماء ماءً فأنبتنا به حدائق
ذات بهجة ) .
وفى جمال الحيوان يقرا ما ذكرناه
قبل عن الأنعام : ( ولكم فيها
جمال حين تريحون وحين تسرحون ) .
وفى جمال الإنسان يقرأ : (
وصوركم فأحسن صوركم ) ,( الذي خلقك
فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء
ركبك )
.
إن المؤمن يرى يد الله المبدعة
في كل ما يشاهده في هذا الكون
البديع , ويبصر جمال الله في جمال
ما خلق وصور , يرى فيه (
صنع الله الذي أتقن كل شيء ) , (
الذي أحسن كل شيء خلقه ) .
وبهذا يحب المؤمن الجمال في كل
مظاهر الوجود من حوله ؛ لأنه أثر
جمال الله جل وعلا .
وهو يحب الجمال كذلك ؛ لأن «
الجميل » اسم من أسمائه تعالى
الحسنى وصفة من صفاته العلا . وهو
يحب الجمال أيضا , لأن ربه يحبه ,
فهو جميل يحب الجمال .
إلى الفهرس

إن
الله جميل يحب الجمال
وهذا
ما علمه النبي صلى الله عليه
وسلم لأصحابه , وقد توهم بعضهم أن
الولع بالجمال ينافي الإيمان ,
أو يدخل صاحبه في دائرة الكبر
المقيت عند الله وعند الناس .
روى ابن مسعود أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: « لا يدخل الجنة من كان في
قلبه مثقال ذرة من كبر» , فقال
رجل : إن الرجل يحب أن يكون ثوبه
حسنا , ونعله حسنة . قال : « إن
الله جميل يحب الجمال , الكبر بطر
الحق وغمط الناس » .
إلى الفهرس

القرآن
معجزة جمالية
والقرآن
الكريم آية الإسلام الكبرى ,
ومعجزة الرسول العظمى : يعتبر
معجزة جمالية , إضافة إلى أنه
معجزة عقلية , فقد أعجز العرب
بجمال بيانه , وروعة نظمه
وأسلوبه , وتفرد لحنه وموسيقاه ,
حتى سماه بعضهم : سحراً .
وقد بين علماء البلاغة وأدباء
العربية وجه الإعجاز البياني أو
الجمالي في هذا الكتاب , منذ عبد
القاهر إلى الرافعي وسيد قطب
وبنت الشاطئ وغيرهم في عصرنا .
ومن المطلوب في تلاوة القرآن أن
ينضم جمال الصوت والأداء إلى
جمال البيان والنظم . ولهذا قال
تعالى : ( ورتل القرآن
ترتيلا ) .
وقال الرسول صلى
الله عليه وسلم : « زينوا القرآن
بأصواتكم » , وفى لفظ آخر : «
فإن الصوت الحسن يزيد القرآن
حسناً » .
وقال : « ليس منا
من لم يتغن بالقرآن » ولكن التغني
المطلوب لا يعني التلاعب أو
التحريف.
وقال عليه الصلاة
والسلام لأبى موسى :« لو رأيتني
وأنا أستمع قراءتك البارحة ! لقد
أوتيت مزمارا من مزامير آل داود
» ! فقال أبو موسى : لو علمت ذلك
لحبرته لك تحبيرا » !! يعنى: زدت في
تجويده وإتقانه وتحسين الصوت به
.
وقال : « ما أذن
الله لشيء , ما أذن لنبي حسن
الصوت يتغنى بالقرآن , يجهر به »
ولقد
سمعت شيخنا الدكتور محمد عبد
الله دراز رحمه الله يحكي لنا عن
موقف له في المجلس الأعلى
للإذاعة , وقد كان عضواً فيه :
أنهم أرادوا أن يجعلوا وقت قراءة
القرآن في الافتتاح والختام
وبعض الفترات محسوبا على نصيب
الدين فقط , فقال لهم : إن سماع
القرآن ليس دينا فقط . إنه
استمتاع أيضا بالفن والجمال
المودع في القرآن , والمؤدى
بأحسن الأصوات .
وهذا صحيح , فالقرآن دين وعلم
وأدب وفن معاً . فهو يغذي الروح ,
ويقنع العقل , ويوقظ الضمير ,
ويمتع العاطفة , ويصقل اللسان .
إلى الفهرس

التعبير
عن الجمال
وإذا
كان الإسلام قد دعا إلى الإحساس
بالجمال وتذوقه وحبه , فإنه قد
شرع التعبير عن هذا الإحساس
والتذوق والحب بما هو جمال أيضاً
.
إلى الفهرس

فنون
القول والأدب
وأبرز
ما يتجلى ذلك في فنون القول من
الشعر والنثر والمقامة والقصة
والملحمة , وسائر فنون الأدب ,
وقد استمع النبي صلى الله عليه
وسلم إلى الشعر وتأثر به , ومنه
قصيدة كعب بن زهير الشهيرة «
بانت سعاد » وفيها من الغزل ما هو
معروف , وقصيدة النابغة الجعدي ,
ودعا له , ووظف الشعر في خدمة
الدعوة والدفاع عنها , كما صنع مع
حسان . واستشهد بالشعر كما في قوله
: « أصدق كلمة قالها شاعر : كلمة
لبيد : ألا كل شئ ما خلا الله باطل
»
واستشهد أصحابه بالشعر , وفسروا
به معاني القرآن , بل منهم من
قاله , وأجاد فيه , كما يروى عن
على كرم الله وجهه . وهناك عدد
كبير من الصحابة كانوا شعرا ء .
وكثير من الأئمة الكبار كانوا
شعرا ء , مثل الإمام عبد اله بن
المبارك , والإمام محمد بن إدريس
الشافعي وغيرهما .
وقال صلى الله
عليه وسلم « إن من الشعر حكمة » ,
« إن من البيان لسحراً »« إن من
البيان سحرا , وان من الشعر حكما
».
ومفهوم الحديث أن من الشعر ما هو
بعيد عن الحكمة بل هو نقيضها ,
مثل شعر المديح بالباطل , والفخر
الكاذب والهجاء المتعدى , والغزل
المكشوف , ونحو ذلك مما لا يتفق
مع القيم الأخلاقية والمثل
العليا .
ولهذا ذم القرآن الشعراء
الزائفين والمزيفين , الذين لا
يتورعون عن شئ , والذين تكذب
أفعالهم أقوالهم . وذلك في قوله
تعالى : ( والشعراء يتبعهم
الغاوون *ألم تر أنهم في كل واد
يهيمون * وأنهم يقولون ما لا
يفعلون * إلا الذين آمنوا وعملوا
الصالحات وذكروا الله كثيراًً
وانتصروا من بعد ما ظلموا . . . ) .
فالشعر - والأدب عامة , والفن
بوجه أعم - له هدف ووظيفة , وليس
سائبا , فهو شعر ملتزم, وأدب
ملتزم , وفن ملتزم .
أما القوالب التي يظهر فيها
الشعر أو الأدب فلا مانع من
تغيرها وتطورها , واقتباس ما
يلائمنا مما عند غيرنا . المهم هو
الهدف والمضمون والوظيفة .
اخترع العرب قديما قوالب في
الشعر كالموشحات , وغيرها . ولهذا
لا بأس من قبول القوالب الجديدة
في الشعر المعاصر . كالشعر الحر .
كذلك ابتكر العرب في العصور
الإسلامية قوالب أدبية
كالمقامات , والقصص الخيالية ,
كما في « رسالة الغفران » , و «
ألف ليلة وليلة » وترجموا مثل «
كليلة ودمنة » , وألف المتأخرون
الملاحم الشعبية مثل قصة « عنترة
» , وسيرة « بنى هلال » إلى غير
ذلك من القوالب .
وفى عصرنا يمكننا أن نستحدث من
القوالب ما شئنا , وأن نقتبس من
غيرنا ما ينفعنا , كالمسرحية
والرواية والقصة القصيرة .
والذي نود تأكيده هنا هو ضرورة
الالتزام بالعربية الفصحى ,
والحذر من المحاولات المشبوهة
لترويج اللهجات العامية
المختلفة للشعوب العربية , فإنها
تهدف إلى المباعدة بينها وبين
القرآن والسنة , كما تهدف إلى
تثبيت الفرقة والتجزئة
الإقليمية , التي تحرص على
بقائها القوى المعادية للعروبة
والإسلام .
ويغني عن ذلك اللغة السهلة التي
تفهم الجماهير العربية بها
نشرات الأخبار في الإذاعة
والتلفاز , وتفهم بها الصحف التي
تطالعها كل يوم .
كما أن الفصحى هي التي تقرب بين
العرب وسائر أبناء الإسلام ممن
يتعلمون العربية , فإنهم لا
يتعلمون إلا الفصحى , ولا
يستطيعون التفاهم مع الجميع إلا
بها .
وقد وجهت إلي في أكثر من مكان
أسئلة حول شرعية بعض القوالب
الإسلامية الأدبية كالمسرحية
والقصة , حيث يخترع القصاص أو
المؤلف المسرحي شخصيات , وينطقها
بأقوال وأمور لم تحدث في الواقع ,
فهل يدخل هذا في دائرة الكذب
المحرم شرعاً ؟
وكان جوابي : أن هذا لا يدخل في
الكذب المحظور : لأن السامع يعرف
جيدا أن المقصود ليس هو إخبار
القارئ بوقائع حدثت بالفعل .
إنما هو أشبه بالكلام الذي يحكى
على ألسنة الطيور والحيوانات ,
فهو من باب التصوير الفني
واستنطاق الأشخاص بما يمكن أن
ينطقوا به في هذا الموقف . كما
حكى القرآن عما تكلمت به «
النملة » أو نطق به « الهدهد »
أمام سليمان عليه السلام . فمن
المؤكد أنهما لم يتحدثا بهذا
الكلام العربي المبين , إنما
ترجم القرآن عما يمكن أن يكون
قولهما في هذا الوقت , وذلك
الموقف .
وقد شاركت شخصياً في التأليف
المسرحي بعملين :
أحدهما : مسرحية شعرية عن « يوسف
الصديق » عليه السلام . وذلك في
مطلع حياتي الأدبية , وأنا في
السنة الأولى من المرحلة
الثانوية , وكنت متأثراً في ذلك
بمسرحيات شوقي الشهيرة .
والثاني : مسرحية تاريخية عن
سعيد بن جبير والحجاج بن يوسف ,
سميتها «عالم وطاغية» وقد مثلت
في أكثر من بلد , ولاقت قبولا
حسنا . بخلاف الأولى ! لأنها
تتعلق بقصة نبي مرسل , والاتفاق
بين علماء العصر منعقد على أن
الأنبياء لا يمثلون .
إلى الفهرس

|