فن
الجمال المرئي
( الرسم والتصوير والزخرفة )
التصوير
في القرآن :
عرض
القرآن الكريم للتصوير على أنه
عمل من أعمال الله تبارك وتعالى ,
الذي يبدع الصور الجميلة ,
وخصوصا صور الكائنات الحية , وفي
مقدمتها الإنسان : ( هو
الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء
) . (
وصوركم فأحسن صوركم ) . ( الذي خلقك
فسواك فعدلك * في أي صورة ما شاء
ركبك )
.
وذكر القرآن أن من أسماء الله
الحسنى : اسم « المصور » . كما في قوله
تعالى : ( هو الله الخالق البارئ
المصور , له الأسماء الحسنى ) . كما عرض
القرآن للتماثيل في موضعين :
أحدهما : في موضع
الذم والإنكار , وذلك على لسان
الخليل إبراهيم عليه السلام ,
حيث اتخذها قومه أصناما , أي آلهة
تعبد , فأنكر عليهم ذلك قائلا
: ( ما هذه التماثيل التي أنتم لها
عاكفون * قالوا وجدنا آباءنا لها
عابدون ) .
والثاني : ذكرها
القرآن في معرض الامتنان
والإنعام على سليمان عليه
السلام , حيث سخر له الريح , وسخر
له الجن يعملون بين يديه بإذن
ربه ( يعملون له ما
يشاء من محاريب وتماثيل وجفان
كالجواب وقدور راسيات , اعملوا
آل داود شكراً ) .
أعلى
إلى الفهرس
التصوير
في السنة :
أما
السنة . . فقد حفلت بأحاديث كثيرة
صحيحة , معظمها يذم التصوير
والمصورين , وبعضها يشدد غاية
التشدد في منع التصوير وتحريمه
والوعيد عليه . كما ينكر اقتناء
الصور , أو تعليقها في البيت ,
ويعلن : أن الملائكة لا تدخل بيتا
فيه صورة .
والملائكة هم مظهر رحمة الله
تعالى ورضاه وبركته , فإذا منعت
من الدخول في بيت , فمعناه أنه
محروم من الرحمة والرضا والبركة
.
والمتأمل في معاني الأحاديث
الواردة في التصوير أو اقتناء
الصور , وفى سياقاتها
وملابساتها, ويقارن بين بعضها
وبعض , يتبين له : أن النهى
والتحريم والوعيد في تلك
الأحاديث لم يكن اعتباطاً ولا
تحكما , بل كان وراءها علل ومقاصد
يهدف الشرع إلى رعايتها
وتحقيقها .
أعلى
إلى الفهرس
تصوير
ما يعظم ويقدس :
( أ ) فبعض التصوير كان
يقصد به تعظيم المصور , وهذا
التعظيم يتفاوت , حتى يصل إلى
درجة التقديس , بل العبادة .
وتاريخ الوثنيات يدل على أنها
بدأت بالتصوير للتذكرة , وانتهت
بالتقديس والعبادة .
ذكر المفسرون في قوله تعالى
على لسان قوم نوح : ( وقالوا لا
تذرن آلهتكم ولا تذرن وداً ولا
سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً ) أن أسماء
هذه الأصنام المذكورة , كانت
أسماء رجال صالحين , فلما ماتوا
أوحى الشطان إلى قومهم : أن
انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا
يجلسون إليها أنصاباً , وسموها
بأسمائهم ففعلوا , فلم تعبد .. حتى
إذا هلك أولئك , ونسى العلم ,
عبدت. ( رواه البخاري وغيره عن
ابن عباس ) .
وعن عائشة قالت :
لما اشتكى النبي صلى الله عليه
وسلم , ذكر بعض نسائه كنيسة يقال
لها « مارية » , وكانت أم سلمه وأم
حبيبة , أتتا أرض الحبشة , فذكرتا
من حسنها وتصاوير فيها , فرفع
رأسه فقال : « أولئك إذا مات فيهم
الرجل الصالح , بنوا على قبره
مسجداً , ثم صوروا فيه تلك الصور ,
أولئك شرار خلق الله » (متفق عليه )
.
ومن المعروف أن الصور والتماثل
أروج ما تكون في رحاب الوثنية ,
كما عرف ذلك عند قوم إبراهيم ,
وعند المصريين القدماء ,
واليونان والرومان , وعند الهنود
- إلى اليوم - وغيرهم .
والنصرانية حينما « ترومت » على
يد قسطنطين إمبراطور الروم -
دخلها كثير مما كان عند الرومان
من مظاهر الوثنية .
ولعل بعض ما ورد من الوعيد
الشديد على التصوير يقصد به
الذين ينحتون الآلهة المزعومة,
والمعبودات المتنوعة عند الأمم
المختلفة : وذلك مثل حديث ابن
مسعود مرفوعا : « إن أشد
الناس عذابا عند الله : المصورون
» (
متفق عليه ) .
قال النووي : قل : هي محمولة على
من فعل الصورة لتعبد , وهو صانع
الأصنام ونحوها , فهذا كافر , وهو
أشد عذاباً , وقيل : هي فيمن قصد
المعنى الذي في الحديث من مضاهاة
خلق الله تعالى , واعتقد ذلك ,
فهذا كافر , له من أشد العذاب ما
للكفار , ويزيد عذابه بزيادة قبح
كفره .
وإنما ذكر النووي ذلك , وهو من
أشد المشددين في تحريم التصوير
واتخاذ الصور ؛ لأنه لا يتصور -
بحسب مقاصد الشرع - أن يكون
المصور العادي أشد عذابا من
القاتل والزاني وشارب الخمر
والمرابي وشاهد الزور . . . وغيرهم
من مرتكبي الكبائر والموبقات .
وقد روى مسروق
حديث ابن مسعود المذكور بمناسبة
دخوله - هو وصاحب له - بيتا فيه
تماثيل , فقال مسروق : هذا تماثيل
كسرى ؟ قال صاحبه : هذا تماثيل
مريم . . فروى مسروق الحديث .
أعلى
إلى الفهرس
تصوير
ما يعتبر من شعائر دين آخر :
( ب ) وقريب من هذا
اللون من التصوير ما كان يعبر عن
شعائر دين معين غير دين الإسلام ,
وأبرز مثل لذلك « الصليب » عند
النصارى . فما كان من الصور
مشتملا على الصليب فهو محرم بلا
ريب , ويجب على المسلم نقضه
وإزالته .
وفى هذا روى البخاري عن
عائشة : « أن النبي صلى الله عليه
وسلم لم يكن يترك في بيته شيئا
فيه تصاليب إلا نقضه »
أعلى
إلى الفهرس
المضاهاة
بخلق الله :
( جـ ) مضاهاة خلق الله
عز وجل , بدعوى أنه يبدع ويخلق
كما يخلق الله سبحانه . ويبدو أن
هذا أمر يتعلق بقصد المصور ونيته
, وان كان هناك من يرى أن كل مصور
مضاه لخلق الله .
وفى هذا جاء حديث عائشة
عن النبي صلى الله عليه وسلم : «
أشد الناس عذاباً يوم القيامة :
الذين يضاهون بخلق الله » ( متفق عليه )
.
فهذا الوعيد الغليظ يوحي بأنهم
يقصدون إلى مضاهاة خلق الله , وهو
ما نقله الإمام النووي في شرح
مسلم , إذ لا يقصد ذلك إلا كافر .
ويدل عليه حديث أبى هريرة
الصحيح قال : سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول : « قال الله
تعالى : ومن أظلم ممن ذهب يخلق
كخلقي , فليخلقوا ذرة , وليخلقوا
حبة , أو ليخلقوا شعيرة » ( متفق عليه )
.
فقوله : « ذهب يخلق كخلقي » يدل
على القصد والتعمد . ولعل هذا هو
سر التحدي الإلهي لهم يوم
القيامة , حيث يقال لهم : « أحيوا
ما خلقتم » وهو « أمر تعجيز » كما
يقول الأصوليون .
أعلى
إلى الفهرس
دخول
الصور في مظاهر الترف :
( د ) أن تكون جزءا من
أدوات الترف ومظاهره . وهذا ما
يظهر من كراهية النبي صلى الله
عليه وسلم لبعض الصور في بيته ,
فقد روت عائشة أنه
عليه الصلاة والسلام خرج في
غزاة, قالت : فأخذت نمطاً ( نوعا
من البسط اللطيفة أو الستائر )
فسترته على الباب , فلما قدم ,
فرأى النمط , فجذبه حتى هتكه , ثم
قال : « إن الله لم يأمرنا أن نكسو
الحجارة والطين » قالت : فقطعنا
منه وسادتين , وحشوتهما ليفا ,
فلم يعب ذلك على » ( متفق عليه ) .
والنص بهذه الصيغة - « إن الله لم
يأمرنا » - يقتضي أنه ليس بواجب
ولا مندوب , فهو لا يدل على أكثر
من الكراهة التنزيهية , كما قال
الإمام النووي , ولكن بيت النبوة
, ينبغي أن يكون أسوة ومثلاً
للناس في الترفع على زخرف الدنيا
وزينتها .
يؤكد هذا حديث عائشة الآخر
, قالت : كان لنا ستر فيه تمثال
طائر , وكان الداخل إذا دخل
استقبله , فقال لي رسول الله صلى
الله عليه وسلم : « حولي هذا ,
فإني كلما دخلت فرأيته , ذكرت
الدنيا » ( رواه مسلم ) .
ومثله : ما رواه القاسم بن محمد عنها
رضى الله عنها : أنه كان لها ثوب
فيه تصاوير , ممدود إلى سهوة ,
فكان النبي صلى الله عليه وسلم
يصلي إليه , فقال . « أخريه عني
قالت : فأخرته فجعلته وسائد » .
وفى رواية عند غير مسلم : « أخريه
عني , فإن تصاويره تعرض لي في
صلاتي ».
فهذا كله من زيادة الترفه
والتنعم , وهو من وادي الكراهية ,
لا من وادي التحريم . ولكن النووي
قال : هذا محمول على أنه كان قبل
تحريم اتخاذ ما فيه صورة , فلهذا
كان يدخل ويراه ولا ينكره .
ومعنى هذا : أنه يرى الأحاديث
التي ظاهرها التحريم ناسخة لهذا
الحديث وما في معناه . ولكن النسخ
لا يثبت بمجرد الاحتمال . فإثبات
مثل هذا النسخ يستلزم أمرين :
أولهما : التحقق من
تعارض النصين, بحيث لا يمكن
الجمع بينهما . مع أن الجمع ممكن
بحمل أحاديث التحريم على قصد
مضاهاة خلق الله , أو بقصرها على
المجسم ( أي ما له ظل ).
وثانيهما : معرفة
المتأخر من النصين . ولا دليل على
أن التحريم هو المتأخر , بل الذي
رآه الإمام الطحاوي في « مشكل
الآثار » هو العكس , فقد شدد
الإسلام في شأن الصور في أول
الأمر , لقرب عهده بالوثنية , ثم
رخص في المسطحات من الصور . أي ما
كان رقماً في ثوب , ونحوه .
وقد روى هذا الحديث عن عائشة
بصيغة أخرى , تدل على شدة
الكراهية من النبي صلى الله عليه
وسلم .
فعن عائشة : أنها
اشترت تمرقة ( وسادة صغيرة ) فيها
تصاوير , فلما رآها رسول الله صلى
الله عليه وسلم , قام على الباب ,
فلم يدخل , فعرفت في وجهه
الكراهية , قالت : فقلت : يا رسول
الله , أتوب إلى الله , وإلى رسوله
, ما أذنبت ؟ فقال : « ما بال هذه
النمرقة » قلت : اشتريتها لك
لتقعد عليها وتوسدها . فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : « إن
أصحاب هذه الصور يعذبون يوم
القيامة , ويقال لهم : أحيوا ما
خلقتم » .
وقال : « إن البيت
الذي فيه الصورة لا تدخله
الملائكة » ( متفق عليه ) .
أعلى
إلى الفهرس
نظرات
في فقه الأحاديث :
في
هذا الجو الذي كان يحيط بفن
التصوير والصور في عصر النبوة ,
ورد معظم الأحاديث المحرمة . ولا
غرو أن شددت الأحاديث النبوية في
هذا الأمر , وان كان تشديدها في
صنعة التصوير أكثر من تشديدها في
اقتناء الصورة , فبعض ما يحرم
تصويره يجوز اقتناؤه فيما يمتهن
مثل البسط والوسائد ونحوها مما
يبتذل بالاستعمال , كما رأينا في
حديث عائشة .
ومن أشد ما روى في منع التصوير : ما
جاء في الصحيحين عن ابن عباس
مرفوعاً : « كل مصور في النار ,
يجعل له بكل صورة صورها نفسا ,
فيعذبه في جهنم » .
وفى رواية للبخاري عن سعيد بن
أبى الحسن قال : كنت عند ابن
عباس , إذ جاءه رجل , فقال : يا بن
عباس , إني رجل إنما معيشتي من
صنعة يدي , وإني أصنع هذه
التصاوير . فقال ابن عباس : لا
أحدثك إلا ما سمعت من رسول الله
صلى الله عليه وسلم . سمعته يقول :
« من صور صورة فإن الله معذبه حتى
ينفخ فيها الروح , وليس بنافخ
فيها أبداً » . فربا الرجل ربوة
شديدة ( أي انتفخ غيظا وضيقاً )
فقال : « ويحك ؛ إن أبيت إلا أن
تصنع , فعليك بهذا الشجر , وكل شئ
ليس فيه روح » .
وروى مسلم من حيان بن حصين قال : «
قال لي علي بن أبى طالب رضي الله
عنه : ألا أبعثك على ما بعثني
عليه رسول الله صلى الله عليه
وسلم ؟ ألا تدع صورة إلا طمستها ,
ولا قبراً مشرفا إلا سويته » .
وروى مسلم عن عائشة أنها
قالت : واعد رسول الله صلى الله
عليه وسلم جبريل عليه السلام, في
ساعة يأتيه فيها , فجاءت تلك
الساعة , ولم يأته , وفي يده عصاً ,
فألقاها من يده , وقال : « ما يخلف
الله وعده ولا رسله » ! ثم التفت ,
فإذا جرو كلب تحت سريره , فقال : «
يا عائشة , متى دخل هذا الكلب
ههنا ؟ » فقالت : والله ما دريت !
فأمر به , فأخرج , فجاء جبريل ,
فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : « واعدتني , فجلست لك , فلم
تأت » ! فقال : منعني الكلب الذي
كان في بيتك . إنا لا ندخل بيتا
فيه كلب ولا صورة » .
وبهذا نرى أن عدد الأحاديث التي
وردت في شأن التصوير والصور , ليس
قليلا , كما زعم بعض من كتب في ذلك
, فقد رواها جمع من الصحابة منهم :
ابن مسعود , وابن عمر , وابن عباس ,
وعائشة , وعلي , وأبو هريرة , وأبو
طلحة . وكلها في الصحاح .
وقد اختلفت آراء الفقهاء في قضية
التصوير في ضوء هذه الأحاديث ,
وكان من أشدهم في ذلك الإمام
النووي الذي حرم تصوير كل ما فيه
روح من إنسان أو حيوان , مجسما (
له ظل ) أو غير مجسم , ممتهنا أو
غير ممتهن , ولكنه أجاز استعمال
ما يمتهن , وان كان تصويره حراما ,
كالمصور في البسط والوسائد
ونحوها .
ولكن بعض فقهاء السلف قصر
التحريم على المجسم ( الذي له ظل )
وهو ما نطلق عليه عرفاً (
التماثيل ) فهي أوغل في مشابهة
الوثنية , وهي التي يظهر فيها
مضاهاة خلق الله , لأن خلق الله
وتصويره مجسم : ( هو الذي
يصوركم في الأرحام كيف يشاء ) .
وفي الحديث
القدسي : « ومن أظلم ممن ذهب يخلق
كخلقي » , وخلق الله تعالى
مجسم , وهو الذي يمكن قبول نفخ
الروح فيه , إذ المسطح ليس قابلا
لذلك , ولأنها ادخل في الترف
والسرف , ولا سيما ما كان من
المعادن الثمينة .
وهذا مذهب بعض السلف ..
وقد قال النووي إن هذا مذهب باطل
, فتعقبه الحافظ ابن حجر بأنه
مذهب القاسم بن محمد , ولعله أخذ
بعموم قوله صلى الله
عليه وسلم : « إلا رقماً في ثوب » وسنذكر نص
هذا الحديث.
والقاسم بن محمد بن أبى بكر , أحد
الفقهاء السبعة بالمدينة , ومن
أفضل أهل زمانه , وابن أخي عائشة ,
وراوي حديث النمرقة عنها . ويحتج
له بالحديث التالي ..
ففي الصحيح عن بسر بن سعيد عن زيد
بن خالد الجهنى عن أبى طلحة
صاحب رسول الله صلى الله عليه
وسلم أنه قال : إن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال : « إن
الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة .
قال بسر : ثم اشتكى زيد بعد ,
فعدناه , فإذا على بابه ستر فيه
صورة, قال : فقلت لعبيد الله
الخولانى ربيب ميمونة زوج النبي
صلى الله عليه وسلم : ألم يخبرنا
زيد عن الصور يوم الأول ؟ فقال :
ألم تسمعه حين قال : « إلا رقما في
ثوب »
وأكد ذلك ما رواه الترمذي أن سهل
بن حنيف رافق أبا طلحة على هذا
الاستثناء : « إلا رقما في ثوب » .
وتأويل هذا بأن المراد به : ما
كان لغير ذي روح , يعارضه حديث
تمثال الطائر الذي كان في بيت
عائشة , وقول النبي لها : « حولي
هذا , فإني كلما رأيته ذكرت
الدنيا » أو : « فإن
تصاويره تعرض لي في صلاتي » .
فالأرجح قصر التحريم على المجسم
, وأما صور اللوحات المسطحة على
الورق , أو الجدران , أو الخشب
ونحوها , فأقصى ما فيها الكراهة
التنزيهية , كما ذكر الإمام
الخطابي , إلا ما كان فيه غلو
وإسراف , كالصور التي تباع
بالملايين ونحوها.
ويستثنى من المجسم المحرم : لعب
الأطفال , من الدمى والعرائس
والقطط والكلاب والقرود ونحوها ,
مما يتلهى به الأطفال , لأن مثله
لا يظهر فيه قصد التعظيم ,
والأطفال يعبثون بها .
ودليل ذلك حديث عائشة أنها
كانت تلعب بالبنات ( العرائس )
وأن صواحب لها كن يجئن إليها
فيلعب معها . وكان الرسول الكريم
يسر لمجيئهن إليها .
ومثل ذلك : التماثيل والعرائس
التي تصنع من الحلوى وتباع في
بعض المناسبات , ثم لا تلبث أن
تؤكل .
كما يستثنى من الحظر : التماثيل
التي تشوه بقطع رأسها , أو نحو
ذلك منها , كما جاء في الحديث أن
جبريل قال للرسول صلى الله عليه
وسلم : « مر برأس التمثال فليقطع
حتى يصير كهيئة الشجرة » .
وأما التماثيل النصفية التي
تنصب في الميادين ونحوها للملوك
والزعماء , فلا يخرجها من دائرة
الحظر , لأنها لا تزال تعظم .
ونهج الإسلام في تخليد العظماء
والأبطال يخالف نهج الغربيين ,
فهو يخلدهم بالذكر الحسن ,
والسيرة الطيبة , يتناقلها الخلف
عن السلف ,
ويتمثلونها , ويأتسون بها , وبهذا
خد الأنبياء والصحابة والأئمة
والأبطال والربانيون , فأحبتهم
القلوب , ودعت لهم الألسنة , وان
لم ترسم لهم صورة , ولا نصب لهم
تمثال .
وكم من تماثيل قائمة لا يعرف
الناس شيئا عن أصحابها , كتمثال «
لاظوغلي » في قلب القاهرة , وكم
من تماثيل يمر الناس عليها
فيلعنون أصحابها .
أعلى
إلى الفهرس
الصور
الفوتوغرافية :
ومما
لا خفاء فيه أن كل ما ورد في
التصوير والصور , إنما يعنى
الصور التي تنحت أو ترسم على حسب
ما ذكرنا .
أما الصور الشمسية - التي تؤخذ
بآلة الفوتوغرافيا - فهي شئ
مستحدث لم يكن في عصر الرسول ,
ولا سلف المسلمين , فهل ينطبق
عليه ما ورد في التصوير
والمصورين ؟
أما الذين يقصرون التحريم على
التماثيل ( المجسمة ) فلا يرون
شيئاً في هذه الصور , وخصوصاً إذا
لم تكن كاملة .
وأما على رأي الآخرين فهل تقاس
هذه الصور الشمسية على تلك التي
تبدعها ريشة الرسام ؟ أم أن
العلة التي نصت عليها بعض
الأحاديث في عذاب المصورين - وهى
أنهم يضاهون خلق الله - لا تتحقق
هنا في الصورة الفوتوغرافية ؟
وحيث عدمت العلة عدم المعلول كما
يقول الأصوليون ؟
إن الواضح هنا ما أفتى به
المغفور له الشيخ محمد بخيت مفتى
مصر : « أن أخذ الصورة
بالفوتوغرافيا - الذي هو عبارة
عن حبس الظل بالوسائط المعلومة
لأرباب هذه الصناعة - ليس من
التصوير المنهي عنه في شئ , لأن
التصوير المنهي عنه هو إيجاد
صورة وصنع صورة لم تكن موجودة
ولا مصنوعة من قبل , يضاهى بها
حيوانا خلقه الله تعالى , وليس
هذا المعنى موجوداً في أخذ
الصورة بتلك الآلة » . ( يؤكد هذا
تسمية أهل الخليج الصورة ( عكسا )
والمصور ( عكاساً ) ) .
هذا . . ومن المقرر أن لموضوع
الصورة أثراً في الحكم بالحرمة
أو غيرها . ولا يخالف مسلم في
تحريم الصورة إذا كان موضوعها
مخالف لعقائد الإسلام , أو
شرائعه وآدابه , فتصوير النساء
عاريات , أو شبه عاريات , وإبراز
مواضع الأنوثة والفتنة منهن ,
ورسمهن أو تصويرهن في أوضاع
مثيرة للشهوات , موقظة للغرائز
الدنيا , كما نرى ذلك واضحا في
بعض المجلات والصحف , ودور «
السينما » كل ذلك مما لا شك في
حرمته وحرمة تصويره , وحرمة نشره
على الناس , وحرمة اقتنائه
واتخاذه في البيوت أو المكاتب
والمجلات , وتعليقه على الجدران ,
وحرمة القصد إلى رؤيته ومشاهدته
.
ومثل هذا صور الكفار والظلمة
والفساق , الذين يجب على المسلم
أن يعاديهم لله ويبغضهم في الله ,
فلا يحل لمسلم أن , يصور أن يقتني
صورة لزعيم ملحد ينكر وجود الله ,
أو وثني يشرك مع الله البقر أو
النار , أو غيرها , أو يهودي أو
نصراني يجحد نبوة محمد صلى الله
عليه وسلم , أو مدع للإسلام وهو
يحكم بغير ما أنزل الله , أو يشيع
الفاحشة والفساد في المجتمع .
ومثل هذا , الصور التي تعبر عن
الوثنية أو شعائر بعض الأديان
التي لا يرضاها
الإسلام كالأصنام وما شابهها .
أعلى
إلى الفهرس
خلاصة
لأحكام الصور والمصورين :
ونستطيع
أن نجمل أحكام الصور والمصورين
في الخلاصة التالية :
( أ ) أشد أنواع الصور
في الحرمة والإثم صور ما يعبد من
دون الله , فهذه تؤدى بمصورها إلى
الكفر إن كان عارفا بذلك قاصداً
له .
والمجسم في هذه الصور أشد إثما
ونكراً . وكل من روج هذه الصور أو
عظمها بوجه من الوجوه داخل في
هذا الإثم بقدر مشاركته .
( ب ) ويليه في الإثم
من صور ما لا يعبد , ولكنه قصد
مضاهاة خلق الله , أي ادعى أنه
يبدع ويخلق كما يخلق الله , فهو
بهذا يقارب الكفر . وهذا أمر
يتعلق بنية المصور وحده .
( جـ ) ودون ذلك الصور
المجسمة لما لا يعبد , ولكنها مما
يعظم كصور الملوك والقادة
والزعماء وغيرهم عن يزعمون
تخليدهم بإقامة التماثيل لهم ,
ونصبها في الميادين ونحوها .
ويستوي في ذلك أن يكون التمثال
كاملا أو نصفياً .
( د ) ودونها الصور
المجسمة لكل ذي روح مما لا يقدس
ولا يعظم , فإنه متفق على حرمته,
يستثنى من ذلك ما يمتهن , كلعب
الأطفال , ومثلها ما يؤكل من
تماثيل الحلوى .
( هـ ) وبعدها الصور غير
المجسمة - اللوحات الفنية - التي
يعظم أصحابها , كصور الحكام
والزعماء وغيرهم , وخاصة إذا
نصبت وعلقت . وتتأكد الحرمة إذا
كان هؤلاء من الظلمة والفسقة
والملحدين , فإن تعظيمهم هدم
للإسلام .
( و ) ودون ذلك أن تكون
الصورة غير المجسمة لذي روح لا
يعظم , ولكن تعد من مظاهر الترف ,
والتنعم كأن تستر بها الجدر
ونحوها , فهذا من المكروهات فحسب
.
( ز ) أما صور غير ذي
الروح من الشجر والنخيل والبحار
والسفن والجبال والنجوم والسحب
ونحوها من المناظر الطبيعية ,
فلا جناح على من صورها أو
اقتناها , ما لم تشغل عن طاعة أو
تؤد إلى ترف فتكره .
( ح ) وأما الصور
الشمسية ( الفوتوغرافية ) فالأصل
فيها الإباحة , ما لم يشتمل موضوع
الصورة على محرم , كتقديس صاحبها
تقديسا دينيا , أو تعظيمه تعظيما
دنيويا , وخاصة إذا كان المعظم من
أهل الكفر أو الفساق كالوثنيين
والشيوعيين والفنانين
المنحرفين .
( ط ) وأخيرا . . إن
التماثيل والصور الحرمة أو
المكروهة إذا شوهت أو امتهنت ,
انتقلت من دائرة الحرمة
والكراهة إلى دائرة الحل , كصور
البسط التي تدوسها الأقدام
والنعال ونحوها .
أعلى
إلى الفهرس
تأويلات
:
ومن
المعلوم أن هناك بعض العلماء
حاولوا أن يؤولوا الأحاديث
الصحاح الواردة في تحريم
التصوير واقتناء الصور ليقولوا
بإباحة الصور كلها حتى المجسمة
منها .
مثل ما حكاه أبو علي الفارسي في
تفسيره عمن حمل كلمة « المصورين
» في الحديث على من جعل لله صورة ,
يعنى : المجسمة والمشبهة الذي
شبهوا الله تعالى بخلقه ,
واعتبروه جسماً وصورة , وهو
تعالى ليس كمثله شئ .
ذكر هذا أبو علي الفارسي في
كتابه « الحجة » وهو تكلف
واعتساف لا تساعده الألفاظ
الثابتة في الأحاديث .
ومثل من استند إلى ما أبيح
لسليمان عليه السلام , وذكره
القرآن في سور« سبأ » : ( يعملون
له ما يشاء من محاريب وتماثل ) ولم يقولوا
بنسخه في شريعتنا . وهذا الرأي
ذكره أبو جعفر النحاس , وحكاه
بعده مكي في تفسيره « الهداية
إلى بلوغ النهاية » .
ومثل من حمل المنع على مجرد
الكراهة , وأن هذا التشديد كان في
ذلك الزمان لقرب عهد الناس
بعبادة الأوثان , وقد تغير الحال
في العصور التالية . ( هذا مع أن
الوثنية لا زال يدين بها آلاف
الملايين ) . وهذا قاله بعضهم من
قبل , ورد عليهم الإمام ابن دقيق
العيد , بأن هذا
القول باطل قطعاً , لأن هذا مناف
للعلة إلى ذكرها الشارع , وهى
أنهم يضاهون أو يشبهون بخلق الله
. قال : وهذه علة عامة مستقيمة
مناسبة , لا تخص زمانا دون زمان .
وليس لنا أن نتصرف في النصوص
المتظاهرة المتضافرة بمعنى
خيالي .
والثابت الواضح أن هذه الأقوال
لم تقنع العقل المسلم , وبالتالي
لم تؤثر في المجرى العام للحضارة
الإسلامية , والحياة الإسلامية ,
وان عمل بها بعض الناس في بعض
البلدان , كما رأينا في أسود قصر
الحمراء بغرناطة في الأندلس ,
وبعض ما حكاه الإمام القرافي في
كتابه « نفائس الأصول في شرح
المحصول » عن شمعدان وضع للملك
الكامل , كلما مضى من الليل ساعة
انفتح باب منه وخرج منه شخص في
خدمة الملك . . . الخ . وأن القرافي
نفسه عمل شمعداناً زاد فيه : أن
الشمعة يتغير لونها كل ساعة ,
وفيه أسد تتغير عيناه من السواد
الشديد إلى البياض الشديد , إلى
الحمرة الشديدة , ويسقط حصانان
من طائرين , ويدخل شخص , ويخرج شخص
غيره , ويغلق باب ويفتح باب , في
كل ساعة لها لون . وإذا طلع الفجر
طلع الشخص على أعلى الشمعدان ,
وإصبعه في أذنه , يشير إلى الأذان
, قال القرافي: غير أني عجزت عن
صنعة الكلام ) .
وقريب من ذلك ما حكاه ابن جبير في
رحلته عن وصف الساعة التي كانت
بجامع دمشق , وفيها تمثال صقور . .
. الخ .
أعلى
إلى الفهرس
المزاج
العام للحضارة الإسلامية :
ولكن
المؤكد أن المزاج العام للحضارة
الإسلامية لم يرحب بصور الإنسان
والحيوان , وخصوصا المجسمة منها ,
وغلب عليه التجريد , اللائق
بعقيدة التوحيد , لا التجسيم
اللائق بالوثنيات على اختلاف
درجاتها .
ومن هنا اتجه الفن « التشكيلي »
في حضارتنا إلى أمور أخرى أبدع
فيها أيما إبداع , وترك فيها
آثارا رائعة الجمال .
تجلت في الزخارف التي تفنن فيها
عقل الفنان المسلم ويده وريشته ,
وتجلى ذلك في المساجد والمصاحف
والقصور والمنازل وغيرها : على
الجدران والسقوف , والأبواب
والنوافذ , وعلى الأرضيات
أحياناً , وفي الأدوات المنزلية ,
وفي الأثاث , والتحف والبسط
والثياب والسيوف . واستخدمت
المواد المختلفة من الحجارة
والرخام والخشب , والخزف والجلد
والزجاج , والورق , والحديد
والنحاس , والمعادن المتنوعة .
ودخل في الزخرفة : الخط العربي
بأنواعه المختلفة من الثلث
والنسخ والرقعة والفارسي
والديواني والكوفي وغيرها ,
وافتن الخطاطون في ذلك كل
الافتنان , وخلفوا لنا لوحات في
غاية الحسن والإبداع .
وأكثر ما تجلى الفنان « الخط
والزخرفة » في المصاحف والجوامع
. أما الجوامع فلا زلنا نشها منها
آيات في الجمال , كما في المسجد
النبوي , ومسجد قبة الصخرة ,
والجامع الأموي بدمشق , وجامع
السلطان أحمد والسليمانية
باستانبول , وجامع السلطان حسن
وجامع محمد علي بالقاهرة ,
وغيرها وغيرها في أنحاء العالم
الإسلامي .
وأبرز ما تجلى فيه الفن الإسلامي
إنما كان في العمارة , وقد قال
مؤرخو الحضارة : إن فن البناء
أحسن معبر عن الفن الإسلامي , وقد
ظهر ذلك في روائع كثيرة في أقطار
عدة , لعل أبرزها في الهند : إحدى
عجائب الدنيا المتمثلة في تلك
الرائعة الهندسية الجمالية : «
تاج محل » .
وهكذا كان منع التصوير والنحت
سببا لفتح أبواب أخرى في عالم
الفنون , جعلت للعالم الإسلامي
تميزه الخاص , ومثاليته المتفردة
.
أعلى
إلى الفهرس
|