مناظرة الشيخ رحمة الله الهندي والقسيس بفندر

من أقوى المناظرات على الإطلاق


-2-
مبحث التحريف

الجلسة الثانية



انعقدت هذه الجلسة يوم الثلاثاء الثاني عشر من رجب سنة 1270 ه من الهجرة والحادي عشر من نيسان إبريل الأفرنجي سنة 1854 من الميلاد وقت الصباح في المكان المعهود واجتمع فيه الخواص والعوام أزيد من الجلسة الأولى

وكان من حضار تلك الجلسة اسمت حاكم صدر ديواني أي مشير الضبطية وريد حاكم صدر يورد أي مشير النظارة المالية ووليم حاكم المعسكر والقسيس وليم كلين والقسيس هارلي وغيرهم من أمراء الإنكليز والمفتى محمد رياض الدين والفاضل أسد الله قاضي القضاة والفاضل فيض أحمد سرشته دار صدر بورد أي باشكاتب النظارة المالية والفاضل حضور أحمد والفاضل أمير الله وكيل راجه بنارس والفاضل قمر الإسلام إمام الجامع الكبير في أكبر أباد والفاضل أمجد على وكيل الدولة الإنكليزية أي دعوية ناظرى والفاضل سراج الحق والكاتب خادم على مهتم مطلع الأخبار وغيرهم من رؤساء البلد من عوام المسلمين والمسيحيين والمشركين زهاء الف رجل

وكانت الكتب الدينية أيضا بين أيدي الفريقين أزيد من الجلسة الأولى

فقام القسيس فندر على آخر ست ساعات ونصف وأخذ كتاب ميزان الحق بيده وتشرع في قراءة العبارات التي فيها عدة آيات من القرآن الكريم من الفصل الأول من الباب الأول لكنه لما كان يغلط في قراءة الآيات

قال قاضي قضاة اكتفوا على الترجمة لأن المعنى يتبدل بتبدل الألفاظ

قال القسيس اعفونا لأن هذا من قصور لساننا والعبارة هذه "وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالك لا حجة بيننا وبينكم" وأيضا في سورة العنكبوت "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بما أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون" وأيضا في سورة المائدة اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم ثم قال وهذا الأمر ظاهر على كل فرد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم أن الفرق التي أعطوا الكتاب ولقبوا بأهل الكتاب المسيحيون واليهود كما ورد في حقهم في سورة البقرة وهم يتلون الكتاب وهذا الأمر أيضا معلوم من القرآن الكريم ومشخص أن الكتب التي أعطيها اليهود والمسيحيون التوراة والإنجيل وفي سورة آل عمران وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس ثم قال في هذه الآيات ذكر الكتاب وأهل الكتاب والمراد بأهل الكتاب اليهود والنصارى فعلم أن التوراة والإنجيل كانا موجودين في عهد محمد صلى الله عليه وسلم وإن المحمديين جعلوهما هاديي الدين بعد تسليمهما وأن التحريف لم يقع فيهما إلى زمان محمد صلى الله عليه وسلم

قال الفاضل المناظر التحرير يثبت من هذه الآيات هذا القدر فقط أن كلام الله نزل في الزمان السالف فليؤمن به وأن التوراة والإنجيل نزلا في الزمان السالف كما يفهم من هذه الآيات وكانا موجودين في عهد محمد صلى الله عليه وسلم وأن كانا محرفين كما تدل عليه الآيات الأخرى ولا يثبت من هذه الآيات بوجه ما أن يكون التحريف لم يقع في هذه الكتب إلى زمان محمد صلى الله عليه وسلم

كيف وقد شنع الله على أهل الكتاب في مواضع من القرآن لأجل تحريفهم فكما نؤمن بحكم الآيات القرآنية أن كلام الله نزل في الزمان السالف فكثيرا نؤمن أن التحريف قد وقع فيه ولذا جاء من الحديث "لاتصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم" فالذي يوجد بين يدي أهل الكتاب محرف

قال القسيس لا تذكروا في هذا الوقت الحديث بل اذكروا آيات القرآن فقط

قال الفاضل يثبت من الآيات أيضا الأمران المذكوران كما أقررتم بهما أيضا في كتاب ميزان الحق

قال القسيس يعلم من آيات سورة البينة أن التحريف لم يقع قبل زمان محمد صلى الله عليه وسلم ثم قرأ من الفصل الثالث من الباب الأول هذه العبارة لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة رسول من الله يتلو صحفا مطهرة فيها كتب قيمة وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة
وقال يعلم من هذه الآيات أن اليهود والمسيحيين حرفوا كتبهم بعد ظهور محمد صلى الله عليه وسلم وشروع دعوته لا قبلها

ثم قال إن صاحب الإستفسار الذي تعرفونه أنه الفاضل آل حسن بين هذه الآية في الصفحة 448 هكذالم ينعزلوا عن إعتقاد النبي المنتظر أو لم يختلفوا ولم يتفرقوا في إعتقاده إلا إذا جاء هذا النبي فهذا المعنى يمكن أن يقال أن التبديل والتحريف لم يقعا في بشارات هي آخر الزمان إلى ظهوره

قال الفاضل التحرير أن ترجمة هذه الآيات على ما اختاره جمهور المفسرين وأختاره حضرة عبدالقادر المحدث الدهلوى في ترجمته هكذا لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب أي اليهود والنصارى والمشركين أي عابدي الأصنام منفكين عن أديانهم ورسومهم القبيحة وعقائدهم الفاسدة مثل عدم اعتقاد نبوة عيسى عليه السلام كما كان الليهود أو إعتقاد التثليث كما كان للنصارى ونحوهما حتى تأتيهم البينة رسول من الله يتلو صحفا مطهرة فيها كتب قيمة وما تفرق الذين أوتوا الكتاب في أديانهم ورسومهم القبيحة وعقائدهم الفاسدة بأن تركها البعض وأختار الإسلام وقام البعض عليها تعصبا وتعنتا إلا من بعد ما جاءتهم البينة أي رسول الله والقرآن

وقال سيدنا حضرة عبدالقادر في الحاشية على آخر الآية الأولى ضل جميع أهل الملل قبل محمد صلى الله عليه وسلم وكان كل منهم مغرور على غلطه وما كان ممكنا أن يحصل لهم الهداية بواسطة حكيم أو ولي أو سلطان عادل مالم يأت رسول عظيم القدر معه كتاب من الله ومدد قوى بحيث امتلأت الأقاليم بالإيمان في عدة سنين انتهى

فحاصل هذه الآيات هذا القدر فقط أن أهل الكتاب والمشركين مامتنعوا عن رسومهم القبيحة مالم يأتهم رسول عظيم الشأن ومن خالف بعد مجيئه فمخالفته لأجل التعصب الغير الحق والعناد فاستدلالكم بهذه الآيات في هذه الصورة ليس بصحيح وجواب صاحب الإستفسار تنزلي كما تدل عليه عبارته هذه لو سلم هذه صحة الإستدلال يثبت منه هذا القدر فقط الخ ومقصود صاحب الإستفسار أن استدلالكم أولا ليس بصحيح ولو سلم صحته يثبت منه هذا القدر أن بشارات محمد صلى الله عليه وسلم لم تحرف لأن التحريف لم يقع في موضع من كتب العهدين وصاحب الإستفسار يصيح في كتابه كله بوقوع التحريف

قال القسيس بينوا الآن أن الإنجيل الذي جاء ذكره في القرآن أي إنجيل كان ؟

قال الفاضل لم يثبت براوية ضعيفة أو قوية تعينه حتى يتبين أنه إنجيل متى أو يوحنا أو شخص آخر وما كنا مؤمورين بتلاوته ليعلم حاله

وهنا أشار القسيس إلى أمراء الإنكليز وقال هؤلاء الجالسون كلهم أهل الكتاب فاسألوهم أنه أي إنجيل كان

قال الحكيم أن الثابت بالقرآن هذا القدر فقط أن الإنجيل نزل على عيسى عليه السلام ولا يعلم أنه أي إنجيل كان وكان الأناجيل الكثيرة مشتهرة في ذلك الزمان مثل إنجيل برنابا وبرتلما وغيرهما فالله أعلم أن المراد أي إنجيل وكان في ذلك فرقة ناني كيزا التي ما كانت تسلم مجموع هذا الإنجيل المشهور وكان في ذلك الزمان فرقة سمى كولى رى دينس كانت تقول أن الآلهة ثلاثة الآب والإبن ومريم لعل هذا الأمر كان مكتوبا في نسختهم لأن القرآن كذبهم ولا يثبت من موضع أن كتاب أعمال الحواريين ورسائلهم وكتاب المشاهدات داخلة في ذلك الإنجيل

قال القسيس فرنج أنتم لا تسلمون الكتب المندرجة في هذا الإنجيل التي هي ليست قول عيسى عليه السلام وقد سلم مجلس لوديسيا هذه الكتب غير المشاهدات وقرارها واحب التسليم وكبار علمائنا الذين اعتبارهم عندنا في الغاية مثل كليمنس اسكندريانوس و ترتولين وارجن و سائي بدن وغيرهم قرروا كتاب المشاهدات أيضا واجب التسليم لكن سنده المتصل لا يوجد عندنا بسبب الفتن والخصومات والمحاربات التي كانت في الزمان السالف

قال الحكيم أن كليمنس في أي زمان كان

قال القسيس فرنج في آخر القرن الثاني

قال الحكيم أن نقل كليمنس فقرتين من كتاب المشاهدات يثبت منه هذا القدر فقط أن كليمنس سلم في آخر القرن الثاني أن كتاب المشاهدات من تصنيف يوحنا لكن سنده لم يوجد قبل زمانه مع أن التواتر اللفظي لجميع الكتاب لا يثبت من فقرتين

وترتولين وغيره كانوا بعد كليمنس لأن ترتولين كان برسبتركار تهيج في سنة 200 م وسائي برن كان بشب كارتهيج في سنة 248 م وارجن كان في وسط القرن الثالث وشرع هو في إصلاح الترجمة السبعينية في سنة 231

وقال كيس برسبتر الروم الذي كان في سنة 212 م أنه تصنيف سرن هتس الملحد وصرح ديونيسبسن أن بعض القدماء قال أنه من كلام سرن هتس الملحد

قال القسيس فرنج كيس عندنا ليس من العظام وما ذكر ديونيسبسن اسم بعض القدماء ولا بأس بمخالفة واحد أو أثنين

قال الحكيم لا نذكر واحد أو اثنين بل نقدر على إظهار أسماء مئين من المفكرين مثل يوس بيس وسرل وكنيسة برشالم كلها في عهده وغيرهم ورده علماء محفل لوديسيا أيضا وبعض الكنائس كانوا يرددون في عهد جيروم أيضا

قال القسيس فندر هذا الكلام خارج عن المبحث وكلامنا الآن في الإنجيل الذي كان موجودا فيه عهد محمد صلى الله عليه وسلم والتفت إلى الفاضل المناظر التحرير

فقال الفاضل اظهرنا مذهبنا فإن علمتم أن هذا ليس بمذهب أهل الإسلام فاذكروا دليلا على هذا والا فسلموه
ونحن نقر أن كلام الله نزل على عيسى عليه السلام لكنا ننكر أنه عبارة عن مجموع هذا العهد الجديد وأنه لم يقع التغيير والتبديل فيه وكلام الحواريين عندنا ليس بإنجيل بل الإنجيل الذي نزل على عيسى عليه السلام

وقال صاحب "تخجيل من حرف الإنجيل" في الباب الثاني من كتابه في حق هذه الأناجيل المشهورة أنها ليست هي الأناجيل الحق المبعوث بها الرسول المنزلة من عند الله تعالى انتهى كلامه بلفظه

ثم قال في الباب المذكور والإنجيل الحق إنما هو الذي نطق به المسيح انتهى كلامه بلفظه

ثم قال في الباب التاسع في بيان فضائح النصارى وقد سلبهم فولس هذا من الذين بلطيف خداعه إذ رأى عقولهم قابلة لكل ما يلقي اليها وقد طمس هذا الخبيث رسوم التوراة انتهى كلامه بلفظه

وقال الإمام القرطبي في الباب الثالث من كتابه المسمى بكتاب الأعلام بما عند النصارى من الفساد والأوهام

إن الكتاب الذي بيد النصارى الذي يسمونه بالإنجيل ليس هو الإنجيل الذي قال الله فيه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس انتهى كلامه بلفظه ومثلها صرح العلماء الآخرون سلفا وخلفا ولما لم يثبت من رواية ما أن أقوال المسيح مكتوبة في الإنجيل الفلاني لا نقدر على تعيين هذا الأمر وما نقل في هذه الأناجيل الأربعة نزلته منزلة آحاد الأحاديث ولم تنقل رواية معتبرة عن مؤمنى القرآن الأول ومن جملة أسبابه هذا السبب أيضا أن البابا كان في ذلك العهد متسلطا تسلط تاما ولا تكون الإجازة العامة لقراءة الإنجيل في فرقته فقلما رأى المسلمون نسخ الإنجيل بهذا السبب

وكان أكثر المسيحيين في نواحر العرب غالبا من هذا القسم أو من الفرقة النسطورية

فغضب القسيس فرنج على هذا وقال نسبتم العيب العظيم إلى أنجيلنا والبابا لم فيه فسادا ما

وشرع القسيس بفندر في بيان حال إحراق أمير المؤمنين عثمان ابن عفان رضي الله عنه بعد نسخ القرآن

فقال الفاضل أن هذا الكلام كان خارجا عن المبحث لكنكم لما شرعتم فيه فاسمعوا الجواب عنه

قال القسيس لما اعترضتم على الإنجيل عرضت أيضا فارجعوا الآن إلى أصل المطلب ولما كان أصل المطلب أن القسيس بعد سؤال حال الإنجيل يراعي ثلاثة أشياء كما تقرر في آخر الجلسة الأولى

قال الفاضل كلامنا من الأول وعلى ما تقرر أمس على مجموع كتبه العهدين لا على الإنجيل فقط فنطلب منكم السند المتصل لبعض كتب هذا المجموع

قال القسيس تكلموا على الإنجيل

قال الفاضل كلامنا على المجموع وتخصيص الإنجيل لغو

فسكت القسيس والظاهر أنه لم يستحسن بيان السند المتصل لهذه الكتب وأنجر الكلام إلى الغلط والتحريف

ثم أخرج القسيس فرنج طومارا طويلا كان معه وقرأه وكان ملخصه أن علماءنا وجدوا اختلافات العبارة ثلاثين ألفا أو أربعين ألفا لكنها ليست في نسخة واحدة بل في نسخ كثيرة ولو فرقناها على النسخ يكون في مقابلة كل نسخة نسخة منها أربعمائة أو خمسمائة وإن وقع بعض الأغلاط من تصرفات المبتدعين ووجد كتركرسباخ في إنجيل متى ثلثمائة وسبعون سهوا في الآيات والألفاظ منها سبعة عشر شديدة ثقل واثنان وثلاثون أيضا ثقيلة لكنها خفيفة بالنسبة إلى الأولى والبواقي خفيفة

وصحح علماؤنا هذه الأغلاط في أكثر المواضع لأن هذا الأمر قريب القياس أن الكتاب الذي تكون نسخه كثيرة فتصحيحه ممكن والكتاب الذي تكون نسخته واحدة فتصحيحه عسير مثل نسخة ترنس ونسخة بيركيولس يوجد لأحدهما عشرون ألف نسخة فصححها علماؤنا وللأخرى نسخة واحدة فعدوا تصحيحها متعسرا

وإذ كانت نسخ الإنجيل موجودة بالكثرة فتصحيحه ليس بمتتنع ونحن الآن نبين عدة وجوه من قرانين التصحيح

الأول إن العلماء المذكورين كانوا إذا وجدوا عبارتين أحدهما دقيقة والأخرى سليسة فصيحة اختاروا الدقيقة لأن مقتضى الإحتياط والعقل والقياس أن العبارة السليسة لعلها تكون جعلية

والثاني كانوا إذا وجدوا عبارتين أحدهما مطابق للقاعدة والأخرى مخالفة لها اختاروا المخالفة لأن المطابقة تحتمل أن يكون عمل أحد من مهرة القواعد وأدرجها وكتب العلماء المشار إليهم بعد ما نبهوا على هذه الأغلاط أنه لا يوجد غلط سواها وأنه لا يلزم في المقصود الأصلي نقصان ما من هذا القدر من الأغلاط كما قال داكتركنى كات أنا لو خرجنا بالفرض هذه العبارات المحرفة كلها لا يلزم نقصان في مسألة معتبرة من مسائل الملة المسيحية وكذا لو أدخلنا هذه العبارات المحرفة لا يلزم منها زيادة في مسألة معتبرة من مسائل الملة

فأراد الحكيم أن يجيب فمنعه القسيس فندر وكلما أراد الحكيم أن يجيب كان القسيس فندر يمنعه ويقول لالا

ثم التفت القسيس إلى الفاضل المناظر

فقال المفتى رياض الدين لابد أن يبين الفاضل المناظر أولا معنى التحريف ثم يباحث عليه لينكشف الحال للحاضرين حق الإنكشاف

فأراد القسيس أن يقول شيئا في هذا الباب

فقال المفتى هذا ليس منصبكم بل الذين يدعون التحريف عليهم البيان

فالتفت الفاضل المناظر إلى القسيس وقال معنى التحريف المتنازع فيه عندنا وفي اصطلاحنا التغيير الواقع في كلام الله سواء كان بسبب الزيادة أو النقصان أو تبديل بعض الألفاظ ببعض آخر وسواء كان منشأ هذا التغيير الشرارة والخبث أو الإصلاح باعتبار غلبة الوهم وندعى أن التحريف وقع في الكتب المقدسة عند أهل الكتاب باعتبار هذه الأمور كلها فإن أبيتم فعلينا الإثبات

قال القسيس فندر نحن نعترف أيضا بسهو الكاتب في الكتب المقدسة

قال الفاضل المناظر أن سهو الكاتب عندنا أن يريد الشخص كتابة اللام فيكتب بدلها الميم أو يريد أن يكتب الميم فيكتب سهوا بدلها النون ..فهل المراد بالسهو عندكم أيضا هذا السهو ؟

أو هذه الأمور أيضا داخلة فيه أن يدرج أحد عبارة الحاشية في المتن أو يزيد قصدا من جانبه الجمل أو يسقطها ؟

اضطرب القسيس من سماع لفظ الجمل لعله فهم الجملة بمعنى مجموع الكتاب وقال لا تقولوا الجمل بل قولوا أن يزيد آيات أو يسقطها

قال الفاضل أن إطلاق الجملة عندنا يجئ على مثل زيد قائم لكني أترك هذا اللفظ الآن وأقول كما أمرتم أو يزيد قصدا من جانبه الآيات أو يسقطها أو يلحق شيئا بطريق التفسير أو يبدل لفظا بلفظ آخر

قال القسيس إن هذه الأشياء كلها داخلة عندنا في سهو الكاتب سواء كان وقوعها قصدا أو سهوا أو جهلا أو غلطا لكن مثل هذا السهو يوجد في الآيات في خمس أو ست وفي الألفاظ في مواضع كثيرة

قال الفاضل المناظر لما كان زيادة الآيات وإسقاطها وتبديل بعض الألفاظ ببعض سواء كانت هذه الأشياء قصدا أو سهوا داخلة في سهو الكاتب على اصطلاحكم ووقع مثل هذا السهو المصطلح في الكتب المقدسة وهذا هو التحريف عندنا ما بقى بيننا وبينكم إلا النزاع اللفظي فقط لأن الأمر الذي تدعيه أنه تحريف تقولون أنه سهو الكاتب فالإختلاف في التعبير والإسم لا في المعبر عنه والمسمى

ونظيره أن رجلا أعطى أربعة مساكين درهما وكان أحدهم روميا والثاني حبشيا والثالث هنديا والرابع عربيا واتفقوا على أن يشتروا بهم شيئا فالرومي ذكر اسم العنب في لسانه وأنكر الحبشي وذكر هو أيضا اسمه في لسانه فأنكر الهندي وذكر هو اسمه في لسانه فأنكر العربي وقال لا نشتري إلا عنبا فتخاصموا وتشاتموا لأجل عدم فهم كل مقصود الآخر لسبب اختلاف الإسم فقط

وكما كان يبين هؤلاء الأربعة نزاع لفظي وكان مقصودهم في الحقيقة واحد فكذا حال سهو الكاتب والتحريف لأن الشيء الذي نسميه تحريفا تسمونه سهو الكاتب

ثم قال الفاضل التحرير بالصوت الرفيع مخاطبا للناس أن النزاع الذي بيننا وبين القسيس كان نزاعا لفظيا فقط لأن التحريف الذي كنا ندعيه قبله القسيس لكنه سماه سهو الكاتب

قال القسيس لم يلزم نقصان في المتن من مثل هذا السهو

فسأل قاضي القضاة محمد أسد الله متحيرا:  المتن ماذا ؟

قال القسيس فندر ساخطا من هذا السؤال بينت مرارا وإلى كم مرة أبين ثم قال إنه عبارة عن ألوهية المسيح والتثليث وكونه كفارة وشافعا وعن تعليماته

قال الفاضل المناظر ادعى جامعو تفسير هنري واسكات أيضا مثل ادعائكم أيضا بأن المقصود الأصلي لم يقع فيه تفاوت ما من هذه الأغلاط لكنا لا نفهمه لأنه إذا ثبت التحريف فأي دليل على أنه لم يقع فيه تفاوت ما من هذه الأغلاط لأنه إذا ثبت التحريف بجميع أنواعه قصدا وسهوا وإصلاحا وهميا من المبدعين ومن أهل الديانة كما ستعرف بعد اختتمام المباحثة إن شاء الله تعالى فأي دليل على أنه لم يقع في تسع أو عشر آيات فيها ذكر التثليث لأن المحرفين الذين حرفوا المواضع الغير المقصودة قصدا وسهوا وإصلاحا كيف يرجى منهم عدم التحريف في المواضع المقصودة مع أنها أهم من التحريف من الأولى

قال القسيس أن تحريف المتن يثبت إذا وجدتم نسخة عتيقة لا يكون فيها ذكر ألوهية المسيح عليه السلام ويوجد في هذه النسخة المتداولة الآن ولا يكون فيها ذكر كفارة المسيح ويوجد في هذه

قال الفاضل التحرير كان على ذمتنا هذا القدر فقط أن نثبت كون هذه النسخة مشكوكة فثبت بحمد الله وصار الكتاب كله بهذا الإثبات مشكوكا لكنكم لما دعيتم سلامة بعض المواضع عن التحريف مع اعنراف وقوعه في بعض آخر فاثبات تلك السلامة على ذمتكم لا على ذمتنا وبقي أمر آخر قابل لأن يسأل عنه وهو هذا أتسلمون أن سهوا من هذه السهوات التي هي مسلمة عندكم وهي تحريفات بعينها عندنا يوجد في جميع النسخ أم لا

قال القسيس نعم مثل هذا السهو يوجد في جميع النسخ

فاعترض عليه القسيس فرنج

فقال القسيس فندر غلطت ورأى القسيس فرنج أحسن

قال قاضي القضاة لا فائدة في الرجوع لأن قولكم الأول صار معتبرا

قال القسيس لا غلطت أنا ولا أقول جزما لعل هذا السهو لا يكون في المتن العبرى ويكون في اليوناني أو بالعكس

قال الفاضل المناظر أن أظهرنا بعض المقامات التي أقر فيها مفسروكم أنهما كانت في سالف الزمان كذا والآن لا توجد في المتن العبرى الذي هو معتبر عندكم فماذا تقولون

قال القسيس لا يلزم منها نقص في المتن

قال الحكيم لا شك أنه يقع الخلل في المقصود الأصلي إذا كانت اختلافات العبارات كثيرة مثلا ولو فرضنا أن العبارات المختلفة توجد في عدة نسخ كلستان ولا يثبت ترجيح بعض تلك العبارات على بعض فلا نقدر في هذه الصورة أن نقول جزما أن عبارة السعدي هذه فكيف إذا اختلفت مئات من النسخ ولا يكون لأحداهما ترجيح على الأخرى

فلا شك في إمكان وقوع التغيير في المقصود الأصلي والإنجيل عندنا عبارة عن قول المسيح علي السلام وهو صار مشتبها

قال القسيس أجيبوني بالإختصار أتسلمون المتن أم لا فإن سلمتم تكون المباحثة في الأسبوع الآتي لأنا لا نستدل في المباحثة الباقية إلا بالأدلة النقلية من هذاالكتاب ونعلم أن العقل محكوم الكتاب لا أن الكتاب محكوم العقل

قال الفاضل لما ثبت الزيادة والنقصان في هذه الكتب على إعترافكم أيضا وثبت التحريف فيها صارت مشتبهة عندنا بهذا السبب ولا نعتقد البتة أن الغلط لم يقع في المتن فلا يصح لكم أن توردوا دليلا من هذه الكتب علينا في المباحثة الآتية في مسألتي التثليث والنبوة لأنه لا يكون حجة علينا

قال القسيس فرنج أنكم خرجتم هذه التحريفات والأغلاط من تفاسيرنا فهؤلاء المفسرون معتبرون عندكم وهم كما كتبوا هذه المقامات كتبوا أيضا أنه لا يوجد الفساد في غير هذه المواضع

وقال القسيس فندر أيضا سله

قال الفاضل التحرير نقلنا أقوال هؤلاء العلماء إلزاما من حيث أنهم معتبرون عندنا وإن جميع أقوالهم قابلة للإعتبار والإلتفات

والتفت إلى القسيس فندر وقال بل نقلتم شيئا عن البيضاوي والكشاف

قال القسيس نعم

قال الفاضل التحرير أن هذين المفسرين كما كتبا الأمور التي نقلتموها زاعمين أنها مفيدة لمقصودكم

هكذا كتبا هما وسائر المفسرين كافة أن محمدا صلى الله عليه وسلم رسول الله ومنكره كافر والقرآن كلام الله بلا شك فهل تسلمون أقوالهم هذه أيضا

قال القسيس لا

قال الفاضل فكذا لا نسلم القول الآخر لعلمائكم

ثم قال القسيس أجيبوني بالإختصار تسلمون المتن أم لا

قال الحكيم أن هذا السؤال محتاج إلى التفصيل فمهما لم نفرغ عن إظهار قول لا نجيب

قال القسيس أجيبوني بالإختصار بلا أو نعم

قال الفاضل التحرير لا نسلم المتن لأن المتن الذي هو عبارة عن المقصود الأصلي عندكم صار مشتبها بسبب التحريف عندنا وقد اعترفتم في الجلسة الأولى في سبعة أو ثمانية مواضع وفي الجلستين بأربعين ألف اختلاف العبارة هي عندنا على التحريف وكان منصبنا في هذا الباب هذا القدر فقط أن تثبت كون هذا الكتاب مشكوكا ومحرفا وظهر بفضل الله وإثبات عدم التحريف في المتن أي المقصود الأصلي على ذمتكم ونحن حاضرون إلى شهرين للمباحثة بلا عذر إلا أن هذا الكتاب لا يكون حجة علينا والدليل المنقول عنه لا يكون كافيا لإلزامنا نعم إن كان عندكم دليل آخر في مسالتي التثليث والنبوة فأوردوه

والتفت الفاضل فيض أحمد باشكاتب إلى القسيس فندر وقال العجب أن يقع التحريف في الكتاب ولا يقع نقص ما !!

واختتمت المباحثة التقريرية على هذا وودع كل من الفريقين الفريق الآخر ثم وقع التحرير على رجاء المباحثة التقريرية لكنها لم تقع

 

الجزء الأول - الجزء الثاني - الجزء الثالث