مناظرة الشيخ رحمة الله الهندي والقسيس بفندر

من أقوى المناظرات على الإطلاق


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد/
وقع في يدي كتاب إلكتروني للمناظرة القيمة وأحببت ان أعرضها عليكم بدون الخطابات وبدون مقدمات مع تنظيم الحوار -في أسطر منفرده- بدون أدني تدخل في النص

ملحوظة :1-كان هناك مجموعة قيمة من الخطابات حذفتها للإختصار واقتصرت على الحوار الشفهي !

2- فندر يلقب بالقسيس والشيخ رحمة الله يلقب بالحكيم أو "التحرير" أو "الفاضل"

فقط للتنبه للحوار

 

-1-

مبحث النسخ



انعقدت جلسة المباحثة الأولى في الحادي عشر من رجب سنة 1270 من الهجرة والعاشر من نيسان إبريل الإفرنجي سنة 1854 من الميلاد يوم الإثنين وقت الصبح في خان عبدالمسيح وحضر في تلك الجلسة راسمت حاكم صدر ديواني أي مشير الضبطية وكرسجن سكرتير صدريورد أي مستشار النظارة المالية ووليم حاكم المعسكر أي حاكم قشلة و ليدلي المترجم الأول للدولة الإنكليزية والقسيس وليم كلين والمفتى الحافظ رياض الدين والفاضل فيض أحمد سر تشته دار صدر بورد اي باشكاتب النظارة المالية والفاضل حضور أحمد والفاضل أمير الله وكيل راجه بنارس والفاضل قمر الإسلام إمام الجامع الكبير في أكبر أباد والكاتب خادم علي صاحب مطلع الأخبار والفاضل سراج الحق وكان أناس آخرون غيرهم أيضا من المسلمين والمسيحيين ومجوس الهند زهاء خمسمائة أو ستمائة

فقام القسيس بفندر أولا وقال رافعا صوته أيها الحاضرون أعلموا أن هذه المباحثة تقررت بإستدعاء الفاضل يعني الفاضل التحرير رحمت الله وقبلتها بإستدعائه وإن لم تكن عندي مفيدة إفادة يعتد بها وأردت أن أوضح دلائل حقيقة الدين المسيحي بين أيدي المسلمين وتكون المباحثة في النسخ والتحريف وألوهية المسيح والتثليث ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم وحقيقة القرآن ويكون هذا العبد مجيبا في المسائل الأربع الأولى ويكون الفاضل معترضا وفي المسألتين الأخيرتين يكون الفاضل مجيبا وهذا العبد معترضا ثم جلس القسيس

 

فاعترض الفاضل التحرير المناظر على العبارتين من الفصل الثاني من الباب الأول من كتاب ميزان الحق العبارة الأولى في الصفحة 14 من النسخة المطبوعة سنة 1850 في لسان اردو هكذا يدعى القرآن والمفسرون في هذا الباب أي النسخ أنه كما نسخ التوراة بنزول الزبور ونسخ الزبور بظهور الإنجيل فكذلك نسخ الإنجيل بسبب القرآن أنتهت

والعبارة الثانية في الصفحة 20 من النسخة المذكورة هكذا لا أصل لادعاء الشخص المحمدي بأن الزبور ناسخ للتوراة والإنجيل ناسخ لهما انتهت

وقال أنكم نسبتم هذه الدعوى إلى القرآن والمفسرين ولا يوجد ذكرها في موضع من القرآن ولا من التفسير بل صرح خلافه في التفسير فتح العزيز للمحدث عبدالعزيز الدهلوى قدس سره ذيل تفسير الآية الحادية والثمانين من سورة البقرة أعني ولقد آتينا موسى الكتاب الآية

قفينا موسى عليه السلام بالرسل مثل يوشع واليسع وشموئيل وداود وسليمان وشعيبا وأرميا ويونس وعزير وحزقيل وزكريا ويحيى وغيرهم عليهم السلام وكانوا أربعة آلاف وكانوا كلهم على شريعة موسى عليه السلام

وكان المقصود من إرسالهم إجراء أحكام تلك الشريعة التي كانت تندرس بسبب تكاسل بني إسرائيل وتهاونهم وتتغير وتتبدل بسبب تحريفات العلماء السوء منهم انتهى

وفي التفسير الحسيني ذيل تفسير الآية 161 من سورة النساء وآتينا داود زبورا أعطينا داود كتابا أسمه زبور وكان مشتملا على الحمد والثناء وخاليا عن الأوامر وكان شريعة داود عليه السلام شريعة التوراة بعينها انتهى وهكذا في الكتب الأخرى الإسلامية

قال القسيس أتقولون أن الإنجيل منسوخ أم لا

قال الفاضل التحرير نحن نعتقد نسخه بالمعنى الذي سيذكر لكن المطلوب منكم ههنا تصحيح النقل وإظهار أن إدعاءكم في الموضعين غلط فإن الزبور ليس بناسخ للتوراة ولا بمنسوخ من الإنجيل

قال القسيس سمعت من بعض الذين وقع اتفاق البحث معهم

قال الفاضل التحرير هذا بعيد من أنصافكم أن القول الذي تسمعونه من أحد من المسلمين تنسبونه إلى القرآن والتفاسير وبالجملة لا شك أنه أي إدعاء كون الزبور ناسخا للتوراة ومنسوخا من الإنجيل غلط قال القسيس نعم قال الفاضل التحرير هل اطعلتم على معنى النسخ المصطلح عليه فيما بين أهل الإسلام ومحله أم لا

قال القسيس: بينوا

 

قال الفاضل التحرير هذا النسخ عندنا أنما يرد على الأوامر والنواهي في التفسير معالم التنزيل النسخ إنما يعترض على الأوامر والنواهي دون الأخبار ومحصله أنه لا يعترض على القصص والأخبار بل على الأوامر والنواهي فقط فلا نعتقده في القصص والأخبار وكذا ألا نعتقده في الأمور العقلية القطعية مثل أن الله موجود ولا في الأمور الحسية مثل ضوء النهار وظلمة الليل وفي الأوامر والنواهي أيضا تفصيل لأنها لا بد أن تتعلق بحكم عملي يحتمل الوجود والعدم

فالحكم الواجب مثل الإيمان بالله أو الممتنع مثل الشرك والكفر ليس بمحل النسخ

والحكم العملي المحتمل للوجود والعدم قسمان مؤبد مثل قوله تعالى ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا فهو ليس بمحل النسخ أيضا

وغير مؤبد وهذا أيضا قسمان مؤقت مثل قوله تعالى فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره وهذا ليس بمحل النسخ قبل وقته المعين

وغير مؤقت ويسمى الحكم المطلق وهو محل النسخ بمعنى أن الله كان يعلم أن هذا الحكم يكون باقيا على المكلفين إلى الوقت الفلاني ثم ينسخ فإذا جاء الوقت أرسل حكما آخر هو مخالف للحكم الأول ظهر منه انتهاء الحكم الأول ولما لم يكن الوقت مذكورا في الحكم الأول فعند ورود الثاني يتخيل لقصور علمنا أنه تغيير للحكم الأول لكنه في الحقيقة وبالنسبة إلى الله بيان انتهائه

ونظيره بلا تشبيه أن يأمر الأمير الخادم الذي يعلم حالة بخدمة من الخدم ويكون عزمه أن يأخذ من هذا الخادم هذه الخدمة إلى سنة مثلا فإذا مضت المدة عزله من هذه الخدمة فهذا بحسب الظاهر عند الخادم تغيير أما في الحقيقة وبالنسبة إلى الأمير ليس بتغيير أو نظيره أن حكام الوقت يأمرون في موسم الحر لأهل دربار أن يحضروا وقت الصبح ويكون قصدهم أن هذا الحكم يبقى إلى إنتهاء الموسم وإن لم يصرحوا في الظاهر فإذا انقضى الموسم وصدر عنهم حكم آخر خلافه فهذا الحكم الثاني ليس مغيرا للأول في الحقيقة بل مبين لإنتهائه والنسخ المصطلح لأهل الإسلام عبارة عن بيان إنتهاء مدة الحكم العملي الشرعي المحتمل للوجود والعدم المتخيل دوامه بحسب أوهامنا

قال قسيس أي حكم من أحكام الإنجيل منسوخ بهذا المعنى

قال الفاضل مثل حرمة الطلاق ونحوها

قال القسيس أليس الإنجيل كله منسوخا بهذا المعنى عندكم

قال الفاضل التحرير لا لأنه وقع في الباب الثاني عشر من إنجيل مرقس هكذا اسمع يا إسرائيل أن الرب إلهنا رب واحد وأن تحب الرب إلهك بقلبك كله وروحك كله وأدراكك كله وقواك كلها هذا هو الحكم الأول والثاني مثله وهو أن تحب جارك كنفسك وليس حكم آخر أكبر من هذين

ونحن لا نعتقد نسخ هذين الحكمين

قال القسيس لا يمكن نسخ الإنجيل قطعا لأن قول المسيح في الآية العدد 33 من الباب الحادي والعشرين من إنجيل لوقا هكذا السماء والأرض تزولان وكلامي لا يزول

قال الحكيم هذا القول ليس بعام بل خاص بالخبر عن الحادثة التي أخبر عنها المسيح عليه السلام قبل تلك الآية ومعناه لو زالت السماء والأرض بالفرض لكن كلامي هذا لا يزول عن الحادثة التي أخبرت به عنها

قال القسيس أن هذا القول ليس بخاص بل عام

قال الحكيم أنظروا إلى عبارة تفسر دوالي وروجرد مينيت ذيل شرح الآية العدد 35 من الباب الرابع والعشرين من إنجيل متى وهذه الآية العدد مطابقة لآية لعدد إنجيل لوقا وترجمة تلك العبارة هكذا
"قال القسيس بيرس مراده تقع الأمور التي أخبرت عنها يقينا" وقال دين استاين هوب أن السماء والأرض وإن كانتا غير قابلتين للتبدل بالنسبة إلى الأشياء الآخر لكنهما ليستا بمحكمتين مثل أحكام أخباري بالأمور التي أخبرت عنها فتلك كلها تزول وأخباري بالأمور التي أخبرت عنها لا يزول بل القول الذي قلته الأن لا يتجاوز شيء منه عن مطلبه انتهت قال القسيس عبارتهما لا تنافى دعوانا لأن هذين المفسرين لا يقولان أن أخباري عن الحوادث الأنسية لا يزول وغيره يزول

قال الحكيم لا علاقة لتحرير هذا الأمر بالآية المذكروة ليصرح به المفسران

قال القسيس لا وقول المسيح عام

قال الحكيم أوردنا لإثبات ادعائنا شاهدين وأنتم تصرون على دعوى العموم بلا شاهد

فسكت القسيس وما أجاب عن هذا بل قال إن بطرس قال في الآية 23 من الباب الأول من الرسالة الأولى هكذا أنتم مولودون ثانية لا عن زرع يفنى بل مما يفنى بكلمة الله الحية الباقية إلي الأبد فثبت من هذا القول أن كلام الله يبقى إلى الأبد ولا ينسخ

قال الفاضل المناظر وقع في الآية العدد 8 من الباب الأربعين من كتاب أشعياء مثل كلام بطرس وقد نقلتموه في كتاب ميزان الحق مع كلام بطرس وهو هكذا يبس الحشيش وسقط الزهر وكلمة ربنا تدوم إلى الأبد ففي هذا القول أيضا وكلمة ربنا تدوم إلى الأبد فيلزم أن لا ينسخ أمرا أو نهى من أحكام التوراة وقد نسخ مئات منها في الملة المسيحية

قال القسيس نعم التوراة منسوخ لكن كلامنا ليس في التوراة

قال الفاضل التحرير أن مقصودنا أن مقصودكم لا يثبت من كلام بطرس لأن أشعياء عليه السلام أيضا قال مثل قوله وقد اعترفتم بنسخ التوراة فالعذر الذي يكون من جانبكم في كلام أشعياء فهو العذر بعينه من جانبنا في كلام بطرس

قال القسيس نقلت قول بطرس على طريق السند ودليلنا هو قول المسيح

 قال الفاضل أن هذا القول في حق الخبر المذكور الذي مر ذكره وليس بعام ليكون مفيدا لكم على أنه وقع في الآية الثامنة عشر من الباب الخامس من إنجيل متى قول المسيح عليه السلام في حق التوراة هكذا فأنى الحق أقول لكم إلى أن لا تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكمل الكل وقد نسخ أحكام التوراة

وقال القسيس ليس كلامنا في التوراة

قال الحكيم لم لا يكون كلامكم في التوراة وعندنا التوراة والإنجيل مستويان وقد صرحتم في عنوان الفصل الثاني من الباب الأول من كتاب ميزان الحق أن الإنجيل وكتب العهد العتيق لم تنسخ في وقت من الأوقات فلا بد لكم من التأويل والإعتذار في الآية النص المذكور أيضا وبمثل ذلك التأويل والإعتذار نؤول ونعتذر قول المسيح الذي تمسكتم به

قال القسيس نعم كتبت هناك لكن كلامي مع الفاضل في هذا الوقت في الإنجيل فقط

قال الحكيم أن الحواريين لما نسخوا أحكام التوراة في زمانهم ما بقى منها إلا أربعة أحكام "حرمة قرابين الأوثان والدم المخنوق والزنا "

ولم يبق الآن حرمة هذه الأشياء غير الزنا فوقع النسخ في الإنجيل أيضا

قال القسيس إن حرمة هذه الأشياء مختلف فيها بين علمائنا وقال البعض أنها منسوخة وقال البعض لا ونحن نحرم قرابين الأوثان إلى الآن

قال الفاضل التحرير إن مقدسكم بولس قال في الآية العدد الرابعة عشر من الباب الرابع عشر من الرسالة الرومية هكذا أنى عالم ومتيقن في الرب يسوع أن ليس شيء نجسا بذاته إلا من يحسب شيئا نجسا فله هو نجس

وقال في الآية العدد الخامسة عشر من الباب الأول من رسالته إلى طيطوس هكذا كل شيء طاهر للطاهرين وأما للنجسين والغير المؤمنين فليس شيء طاهرا ويعلم من هذين القولين حلية هذه الأشياء بل هما نصان فيها فكيف تكون حليتها مختلفا فيها وكيف تحرمون قرابين الأوثان

فتحير القسيس وقال أفتى بعض العلماء بحلية هذه الأشياء نظرا إلى تلك الآيات

قال الفاضل التحرير أن قول المسيح في حق الحواريين في الباب العاشر من إنجيل متى هكذا إلى طريق أمم لا تمضوا وإلى مدينة للسامرين لا تدخلوا بل اذهبوا بالحرى إلى خراف بيت إسرائيل الضالة وفي الباب الخامس عشر من إنجيل متى وقع قوله في حق نفسه هكذا لم أرسل إلى خراف بيت إسرائيل الضالة فأقر بخصوص نبوته إلى بني إسرائيل

ووقع قوله في خطابهم في الآية الخامسة عشر من الباب السادس عشر من إنجيل مرقس هكذا اذهبوا إلى العالم اجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة فالقول الثاني ناسخ للأول

قال القسيس أن المسيح نفسه نسخ الحكم الأول

قال الفاضل التحرير وقد ثبت هذا القدر أن النسخ في كلام المسيح علية السلام جائز وأن نسخ هو بنفسه وإذا ثبت قدرته على النسخ فأبوه أقدر لأنه أعظم منه على إعترافه في الآية الثامنة والعشرين من الباب الرابع عشر من إنجيل يوحنا قول عيسى عليه السلام هكذا أن أبي أعظم مني وأهل الإسلام يقولون أن أبا المسيح الذي هو أعظم منه بشهادته نسخ أحكام الإنجيل بالقرآن ولا يقولون أن محمدا صلى الله عليه وسلم نسخها بنفسه فلا بد أن لا يكون بعد ما في نسخ أحكام الإنجيل بالقرآن وأن يكون تمسككم بقول المسيح أن السماء والأرض تزولان وكلامي لا يزول باطلا قطعا وأن يكون معناه كما قال المفسر دوالى وروجردمينت وبقيت في قولكم حدشة أخرى أبين أن أجزتم

قال القسيس بينوا


قال الفاضل أنكم كتبتم في الفصل الثاني أن من الباب الأول من كتاب ميزان الحق أن إدعاء نسخ الإنجيل وكتب العهد العتيق بظهور القرآن باطل من وجهين

الوجه الأول يلزم من قبول النسخ أمران
الأول أن الله أراد أن يفعل أمرا حسنا بإعطائه التوراة لكنه لم يتيسر فأعطى أفضل منه وهو الزبور ولما لم يحصل منه مرامه أيضا نسخه وأعطى الإنجيل ولما صار حاله أيضا مثل ما سبق ولم يحصل فمائدة حصل مرامة عاقبة الأمر من القرآن وأن جوز هذا الأمر والعياذ بالله تبطل حكمة الله وقدرته ويكون الله مثل السلطان الإنساني ضعيف العقل عديم الفهم وهذا يمكن في الذات الإنسانية الناقصة لا في ذات الله الكاملة

والأمر الثاني لو كان القول الأول غير ممكن لزم من قانون النسخ هذا التصور أن الله أراد عمدا بالنظر إلى مصلحته وإرادته أن يعطى شيئا ناقصا غير موصل إلى المطلوب ويبينه لكنه كيف يمكن أن يتصور أحد مثل هذه التصورات الناقصة الباطلة في ذات الله القديمة الكاملة الصفات انتهى

وهذان الأمران لا يلزمان على المسلمين نظرا إلى معنا النسخ المصطلح عليه فيما بينهم نعم يلزم على المسيحيين وعلى مقدسكم بولس لأنه قال في الآية الثانية عشر من الباب السابع من الرسالة العبرانية هكذا فإنه يصير إبطال الوصية السابقة أي التوراة من أجل ضعفها وعدم نفعها ثم قال في الباب الثامن من الرسالة المذكورة هكذا فإنه لو كان ذلك الأول بلا عيب لما طلب موضع لثان فإذا قال جديدا عتق الأول وأما ما عتق فهو قريب من الإضمحلال

فأطلق مقدسكم على التوراة أنه ضعيف عديم النفع ومعيب وقريب من الإضمحلال

فسكت القسيس بعد سماعه ولم يجب بشيء

ثم قال الفاضل التحرير أن هذه الصفحات المعدودة التي كتبتم في إثبات امتناع الفسخ واحبة الإخراج لأنها لا مناسبة لها بالمعنى المصطلح عليه لأهل الإسلام

قال القسيس فرنج قد قلنا في السابق يعنى في المباحثة السابقة أنه نسخ من التوراة أحكام كانت أظلالا للمسيح وكان نسخها مناسبا لأن المسيح كملها وأما البشارات التي كانت في حق المسيح فهي غير منسوخة ثم أخذ الإنجيل وقرأ هذه الأيات النصوص من الباب العاشر من الرسالة العبرانية لأن الناموس إذ له ظل الخيرات العتيدة لأنفس صورة الأشياء لا يقدر أبدا بنفس الذبائح كل سنة التي يقدمونها على الدوام أن تكمل الذين يقدمون وإلا أفما زالت تقدم من أجل أن الخادمين وهم مطهرون مرة لا يكون لهم أيضا ضمير خطايا لكن فيها كل سنة ذكر خطايا لأنه لا يمكن أن دم تيران وتيوس يرفع خطايا لذلك عند دخوله إلى العالم يقول ذبيحة وقربانا لم ترد ولكن هيئت لي جسدا بمحرفات وذبائح للخطيئة لم تسر

وقال إن التوراة وكتب أخرى كانت بهذا القول إشارة إلى المسيح وكملت بمجيئه وإن الله ما كان راضيا عن القرابين ولا يوجد في الإنجيل إشارة إلى أحد ليصير الإنجيل منسوخا بمجيئه

 قال الحكيم لو سلم أن أحكام التوراة كملت بمجئ المسيح فلا بد من إقرار النسخ في الأحكام التي نسخت قبل المسيح

قال القسيس فرنج أي حكم هذا ؟

قال الحكيم حكم الذبح مثلا لأنه مصرح في الباب السابع عشر من سفر الأحبار ونسخ بالآية 15 20 22 من الباب الثاني عشر من الإستثناء وقد أقر هورن في الصفحة 619 من المجلد الأول من تفسيره المطبوع سنة 1822 في ذيل شرح هذه الآيات بمنسوخية هذا الحكم وصرح أن هذا الحكم نسخ في السنة الأربعين من هجرتهم من مصر قبل دخول فلسطين وقرأ العبارة

فلما سمع القسيس فرنج هذه العبارة سكت

قال الحكيم كلامنا إلى هذا الحين كان في إمكان النسخ وكان مقصودنا في هذا الوقت هذا القدر فقط أن كون كلام الله منسوخا ليس بمحال كما يدعيه القسوس عموما وأنتم في كتاب ميزان الحق خصوصا فثبت إمكانه ويثبت وقوعه بالفعل في الإنجيل بعد ثبوت نبوة خير البشر صلى الله عليه وسلم وفرق عظيم بين إمكان النسخ وبين وقوعه بالفعل

قال القسيس فندر نحن نفرق أيضا بين إمكانه ووقوعه بالفعل وتم الكلام في النسخ فاشرعوا في مبحث التحريف فجاء الكلام فيه
 


تنبيه

ثبت عند الناظر الخبير من مبحث النسخ ثلاثة أمور

الأول أن كون كلام الله منسوخا ممكن

الثاني أن النسخ وقع بالفعل في أحكام التوراة على اعترافهم

الثالث أنه وقع بالفعل في بعض أحكام الإنجيل أيضا عندهم وظهر أن ما قال صاحب كتاب الميزان في الفصل الثاني من الباب الأول في إثبات إمتناع النسخ تمويه صرف وكلام لغو وإن تمسكه وقت المناظرة بقول المسيح المندرج في الباب الحادي والعشرين من إنجيل لوقا كان لغوا بلا شبهة وباطلا محضا والحمد لله

 


الجزء الأول - الجزء الثاني - الجزء الثالث