قال القس الفاضل :

قال المعترض : "جاء في 1صموئيل 28 :8 أن الملك شاول قال لعرَّافة عين دور : " اعرفي لي بالجان، وأَصعدي لي من أقول لكِ ". فسألته العرافة : "من أُصعِد لك؟" فأجاب : " أَصعدي لي صموئيل ". وسألها شاول : "ماذا رأيتِ؟" فقالت : "رأيت آلهة يصعدون من الأرض.. رجل شيخ صاعد وهو مغطى بجُبَّة". فعلم شاول أنه صموئيل. وقال صموئيل لشاول: "غداً أنت وبنوك تكونون معي، ويدفع الربُّ جيش إسرائيل أيضاً ليد الفلسطينيين". والسؤال هو : كيف يسمح الله للعرّافة أن تقيم صموئيل من الموت، مع أن شريعة موسى تقول : "لا تدَعْ ساحرةً تعيش" (خروج 22 :18)

وللرد نقول : كان الملك شاول في حالة رعب ويأس من معركة ضارية تنتظره، وهو صاحب العقل المشوَّش المريض، وكان الرب قد رفضه ولم يعُد يجيبه، فقرر أن يتَّصل بعالم الموتى ويستحضر روح صموئيل النبي ليطمئنه وينصحه، فقصد بيت العرافة لتستحضر له صموئيل. ولم يرَ شاول شيئاً ، واكتفى بما قالته له العرافة. وفي تحليل ما قالته هناك احتمالان:

1) أجْرت العرافة معجزةً بالاستعانة بالقوَى الشيطانية فاستحضرت روح صموئيل.. ولكن هذا الاحتمال مرفوض لأنه وُضِع للناس أن يموتوا مرة، ثم بعد ذلك الدينونة (عبرانيين 9: 27) والموتى لا يعودون كما قال داود عن ولده الذي مات "أنا ذاهبٌ إليه، أما هو فلا يرجع إليَّ" (2صموئيل 12: 23) وهناك هوَّة لا تُعبَر بين الأحياء والأموات (لوقا 16 :24-27) كما أن الشياطين لا يقدرون أن يتحدّوا قوة الله (أيوب 1: 10-12)

2) لم تُحضِر العرافة صموئيل، لكنها كذبت على شاول في كل ما قالته له. وتقول التوراة إن الشياطين يخدعون الناس بإقناعهم أنهم يقدرون أن يتَّصلوا بالأموات، لذلك تقول الشريعة: "لا يوجد فيك.. من يسأل جاناً أو تابعةً، ولا من يستشير الموتى، لأن كل من يفعل ذلك مكروهٌ عند الرب" (تثنية 18 :10-12)

ويتضح كذب العرافة من أنها قالت إنها ترى آلهة يصعدون من الأرض (آية 13)، وإنها رأت شيخاً صاعداً مغطى بجُبَّة (آية 14) وليس في الأرواح شيوخاً يلبسون جُبباً. ولم تذكر شيئاً جديداً عن مصير شاول ولا عن رأي صموئيل فيه، بل كررت آراء صموئيل التي سبق أن أعلنها عن شاول، والتي كان قد سمع بها الشعب كله.

_____________________________

بعد الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله :

 أورد القس فى جوابه إحتمالين قام مشكوراً بتفنيد أحدهما بنفسه، ثم زعم أن الثانى هو الصحيح، وهذا الإحتمال الثانى أُسس على تكذيب العرافة التى  ذهب إليها شاول ، و هذا باطل لأن كاتب سفر صموئيل لم يذكر هذه القصة على أنها أكذوبة أو خديعة من قبل العرافة و إنما ساق الخبر بطريقة تقريرية مصدقة لما فيه كما سيأتي، و من هنا نشأ الإعتراض الذى أعيى القس الفاضل دفعه فألقى التهمة على عاتق العرافة ليبرىء كتابه من هذا التناقض القبيح، و تظهر هذه الحقيقة بوضوح بمراجعة النص كاملاً :

(( فَتَنَكَّرَ شَاوُلُ وَلَبِسَ ثِيَاباً أُخْرَى, وَذَهَبَ هُوَ وَرَجُلاَنِ مَعَهُ وَجَاءُوا إِلَى الْمَرْأَةِ لَيْلاً. وَقَالَ: «اعْرِفِي لِي بِالْجَانِّ وَأَصْعِدِي لِي مَنْ أَقُولُ لَكِ». ،فَقَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ: «هُوَذَا أَنْتَ تَعْلَمُ مَا فَعَلَ شَاوُلُ, كَيْفَ قَطَعَ أَصْحَابَ الْجَانِّ وَالتَّوَابِعِ مِنَ الأَرْضِ. فَلِمَاذَا تَضَعُ شَرَكاً لِنَفْسِي لِتُمِيتَهَا؟» ،فَحَلَفَ لَهَا شَاوُلُ بِالرَّبِّ: «حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ, إِنَّهُ لاَ يَلْحَقُكِ إِثْمٌ فِي هَذَا الأَمْرِ». ،فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: «مَنْ أُصْعِدُ لَكَ؟» فَقَالَ: «أَصْعِدِي لِي صَمُوئِيلَ». فَلَمَّا رَأَتِ الْمَرْأَةُ صَمُوئِيلَ صَرَخَتْ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ, وَقَالَتِ لِشَاوُلَ: «لِمَاذَا خَدَعْتَنِي وَأَنْتَ شَاوُلُ؟» ،فَقَالَ لَهَا الْمَلِكُ: «لاَ تَخَافِي. فَمَاذَا رَأَيْتِ؟» فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ لِشَاوُلَ: «رَأَيْتُ آلِهَةً يَصْعَدُونَ مِنَ الأَرْضِ». أفَقَالَ لَهَا: «مَا هِيَ صُورَتُهُ؟» فَقَالَتْ: «رَجُلٌ شَيْخٌ صَاعِدٌ وَهُوَ مُغَطًّى بِجُبَّةٍ». فَعَلِمَ شَاوُلُ أَنَّهُ صَمُوئِيلُ, فَخَرَّ عَلَى وَجْهِهِ إِلَى الأَرْضِ وَسَجَدَ. ،فَقَالَ صَمُوئِيلُ لِشَاوُلَ: «لِمَاذَا أَقْلَقْتَنِي بِإِصْعَادِكَ إِيَّايَ؟» فَقَالَ شَاوُلُ: «قَدْ ضَاقَ بِي الأَمْرُ جِدّاً. اَلْفِلِسْطِينِيُّونَ يُحَارِبُونَنِي, وَالرَّبُّ فَارَقَنِي وَلَمْ يَعُدْ يُجِيبُنِي لاَ بِالأَنْبِيَاءِ وَلاَ بِالأَحْلاَمِ. فَدَعَوْتُكَ لِتُعْلِمَنِي مَاذَا أَصْنَعُ». ،فَقَالَ صَمُوئِيلُ: «وَلِمَاذَا تَسْأَلُنِي وَالرَّبُّ قَدْ فَارَقَكَ وَصَارَ عَدُوَّكَ؟ ،وَقَدْ فَعَلَ الرَّبُّ لِنَفْسِهِ كَمَا تَكَلَّمَ عَنْ يَدِي, وَقَدْ شَقَّ الرَّبُّ الْمَمْلَكَةَ مِنْ يَدِكَ وَأَعْطَاهَا لِقَرِيبِكَ دَاوُدَ. ،لأَنَّكَ لَمْ تَسْمَعْ لِصَوْتِ الرَّبِّ وَلَمْ تَفْعَلْ حُمُوَّ غَضَبِهِ فِي عَمَالِيقَ, لِذَلِكَ قَدْ فَعَلَ الرَّبُّ بِكَ هَذَا الأَمْرَ الْيَوْمَ. ، وَيَدْفَعُ الرَّبُّ إِسْرَائِيلَ أَيْضاً مَعَكَ لِيَدِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ. وَغَداً أَنْتَ وَبَنُوكَ تَكُونُونَ مَعِي, وَيَدْفَعُ الرَّبُّ جَيْشَ إِسْرَائِيلَ أَيْضاً لِيَدِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ». ،فَأَسْرَعَ شَاوُلُ وَسَقَطَ عَلَى طُولِهِ إِلَى الأَرْضِ وَخَافَ جِدّاً مِنْ كَلاَمِ صَمُوئِيلَ, وَأَيْضاً لَمْ تَكُنْ فِيهِ قُوَّةٌ, لأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ طَعَاماً النَّهَارَ كُلَّهُ وَاللَّيْلَ )) 1صموئيل 8:28-20،

من هذا النص نستخلص الآتي :

1) ذهب شاول بنفسه إلى هذه العرافة و أخفى عنها شخصه فلما بدأت عملية (تحضير الأرواح) فزعت و صرخت قائلة : ( لماذا خدعتنى و أنت شاول؟! ) و بهذا يُظهر المؤلف صدق العرافة و اطلاعها على الغيب بزعمه!!

2) أصعدت العرافة روح صموئيل وما أن وصفته لشاول حتى تعرف عليه فى الحال ، وقال (هذا صموئيل) ، ثم بدأ حوار مباشر بين صموئيل وشاول ليس للعرافة دخل فيه!!

و يستمر المؤلف فى حكاية هذه الحدوتة الساذجة حتى وصل إلى نبوءة صموئيل بأن شاول و بنيه سيقتلون فى الغد ويهزمون أمام الفلسطينيين (( يدفع الرب إسرائيل أيضاً معك ليد الفلسطينيين و غداً أنت و بنوك تكونون معى...)) 1صموئيل 19:28، والعجيب أن هذا ما حدث بالفعل فى 1 صموئيل6:31 إذ مات صموئيل و بنيه فى حربهم ضد الفلسطينيين (( فمات شاول و بنوه الثلاثة و حامل سلاحه و جميع رجاله فى ذلك اليوم معاً )) ،  و هكذا نجد أن العرافة لا دخل لها فى هذا الحوار أولاً، كما ان الوعيد المذكور وقع تماماً كما ورد عن (روح) صموئيل ثانياً !

أما دعوى القس أنه لا جديد فى ما يتعلق بمصير شاول فهى دعوى كاذبة إذ إشتلمت كلمات صموئيل ههنا على نبوءة دقيقة بهزيمة أمام الفلسطينيين و مقتله هو وبنيه مع تحديد التاريخ  أيضاً! فأين نطق صموئيل بهذا الأمور الغيبية التفصيلية من قبل؟ نرجوا جواباً من القس الفاضل .

3) تألم شاول بشدة لما سمع أقوال صموئيل و سقط على الأرض، حتى أن العرافة التى يهاجمها القس المحترم صورها المؤلف كإنسانة رحيمة تساعد شاول و تنصحه و تقدم له طعاماً كى يتقوى (( ثُمَّ جَاءَتِ الْمَرْأَةُ إِلَى شَاوُلَ وَرَأَتْ أَنَّهُ مُرْتَاعٌ جِدّاً, فَقَالَتْ لَهُ : هُوَذَا قَدْ سَمِعَتْ جَارِيَتُكَ لِصَوْتِكَ فَوَضَعْتُ نَفْسِي فِي كَفِّي وَسَمِعْتُ لِكَلاَمِكَ الَّذِي كَلَّمْتَنِي بِهِ. ،وَالآنَ اسْمَعْ أَنْتَ أَيْضاً لِصَوْتِ جَارِيَتِكَ فَأَضَعَ قُدَّامَكَ كِسْرَةَ خُبْزٍ وَكُلْ, فَتَكُونَ فِيكَ قُوَّةٌ إِذْ تَسِيرُ فِي الطَّرِيقِ )) 1صموئيل 21:28، 22،  ولا ننسى أخيراً أن شاول كان نبياً أيضاً و قد تنبأ أمام صموئيل(1صموئيل24:19) فهل يجهل شاول حقيقة العرافين و المنجمين وحكمهم عند الله ؟!

الخلاصة أن كاتب سفر صموئيل ألف هذه القصة السخيفة التى عظم فيها امكانات هذه الدجاله  بشكل قاطع، فيبقى السؤال : ( كيف يسمح الله للعرّافة أن تقيم صموئيل من الموت، مع أن شريعة موسى تقول : (لا تدَعْ ساحرةً تعيش ) خروج 22 : 18 وتقول : ( لا يوجد فيك من يجيز ابنه او ابنته في النار ولا من يعرف عرافة ولا عائف ولا متفائل ولا ساحر ولا من يرقي رقية ولا من يسأل جانا او تابعة ولا من يستشير الموتى ) وفي اشعيا 8 : 19 - 20 : ( واذا قالوا لكم اطلبوا الى اصحاب التوابع والعرافين المشقشقين والهامسين. ألا يسال شعب الهه. أيسأل الموتى لاجل الاحياء. 20 الى الشريعة والى الشهادة. ان لم يقولوا مثل هذا القول فليس لهم فجر. )

 ولأنه وُضِع للناس أن يموتوا مرة، ثم بعد ذلك الدينونة (عبرانيين 9: 27) والموتى لا يعودون كما قال داود عن ولده الذي مات "أنا ذاهبٌ إليه، أما هو فلا يرجع إليَّ" (2صموئيل 12: 23) وهناك هوَّة لا تُعبَر بين الأحياء والأموات (لوقا 16 :24-27) كما أن الشياطين لا يقدرون أن يتحدّوا قوة الله (أيوب 1: 10-12)

وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا