قال القس الفاضل :

قال المعترض : "جاء في متى 8 أولاً شفاء الأبرص بعد الموعظة على الجبل، ثم شفاء عبد قائد المئة بعد دخوله كفرناحوم، ثم شفاء حماة بطرس. ولكن لوقا (في أصحاح 4) ذكر أولاً شفاء حماة بطرس، ثم في لوقا 5 شفاء الأبرص، ثم في لوقا 7 شفاء عبد قائد المئة. فأحد البيانين غلط".

 

وللرد نقول : لو ذكر لوقا الآيات في أصحاح واحد لكان الاعتراض عليه في محلِّه، ولكنه ذكرها في أصحاحات متنوعة لمناسبات مختلفة. ولا يخفى أن بعض الرسل كان يراعي في سرد معجزات المسيح الترتيب التاريخي، والآخر يراعي المكان، والآخر مناسبات الأقوال، بما لا يخرج عن التوافق والتطابق. وكان البعض يراعي نتائج المعجزة وتأثيرها على السامعين وما ترتَّب عليها من هداية الأنفس، فيقدمها على غيرها من المعجزات.

___________________________

بعد الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله :

 نلحظ أن هذه ليست المرة الأولى التى تتعارض فيها الاناجيل فى ترتيب الأحداث  وإنما وقع هذا فى مواضع شتى منها ما جاء فى إنجيل مرقس 35:4-41 أنه بعد أن علمَّ المسيح الجمع بالأمثلة الباهرة حدث هيجان واضطراب في البحر. بينما فى متى نجد أنه  حدث هيجان البحر بعد وعظ المسيح على الجبل فى متى 8، وضرب الأمثلة في متى 13 ، و كذلك في إنجيل متى 8 : 18-22 طلب كاتبٌ أن يتبع المسيح، واستأذن رجل آخر لدفن أبيه، ثم جاء ذكر معجزات  أخرى، ثم قصة التجلي في أصحاح 17. بينما ذكر لوقا الطلب والاستئذان في أصحاح 9 بعد قصة التجلي... ، و قد تباينت تعليلات القس و تنوعت فتارة يزعم أن أحد الاناجيل سرد الأحداث من حيث الترتيب الزمانى و الآخر من حيث المكان ، و تارة يزعم أن البعض كانوا يذكرون المعجزات الأهم ويقدموها على غيرها وتارة يزعم أن البعض كانوا يجمعون المعجزات و يذكرونها دفعة واحدة أو أن الإصحاحات كانت تتناول قضايا مختلفة ......إلى غير ذلك من المحاولات التبريرية التى لا تقوم على أى دليل، و يظهر بطلانها من جهتين :

1) أن هذه الاناجيل ليست كالقرآن الكريم من حيث الطبيعة الأدبية و شمولية المحتوى و إنما هى  سرد لسيرة المسيح ،  فتخضع بالتالى لقواعد الأدب الروائى أو القصصى، فلا يجوز بحال الإخلال بترتيب الوقائع من حيث الزمان ، وإلا نتج عن ذلك تلبيس الأحداث و اضطرابها و الطعن فى مصداقيتها ،.....و كل مزاعم القس الفاضل لا سابقة لمثلها فى آداب الأمم ، فهى تعليلات  وهمية و مخاطبة للبشر بما لم يعهدوه  ، فلم يسمع أحد من قبل عما  يُسمى بترتيب الوقائع على أساس المكان أو تقديم الحادثة الأهم على غيرها! ، فمثلاً فى قصة موسى عليه السلام، هل يُتصور أن نجد دعوة موسى لفرعون مذكورة قبل خبر الهجرة إلى مدين بحجة جمع الأحداث فى المكان الواحد؟!  أو أن نجد آيات الدم و الجراد و الضفادع مذكورة قبل حادثة السحرة بحجة أن أثرها أكبر؟!

- إن هذا و الله لعين العبث ، و قارىء الإنجيل لا يشك لحظة فى أن كاتبه كان يقص الوقائع مرتبة زمنياً كما هو متوجب من البداية إلى النهاية، فكل منهم بدأ بميلاد المسيح وانتهى بصلبه ثم قيامته المزعومه ، فهم يحكون الأحداث متتالية تباعاً ، لذا فوجود الاختلاف يعد بلا شك تناقضاً و خللاً لا يمكن دفعه .

2) قال القس فى جوابه : " لو ذكر لوقا الآيات في أصحاح واحد لكان الاعتراض عليه في محلِّه، ولكنه ذكرها في أصحاحات متنوعة لمناسبات مختلفة "

 كما نرى يحاول القس الدكتور ايهام القراء أن الاصحاحات مستقلة أو تتناول قضايا منفصلة ، و هذا باطل ، لأن هذه الإصحاحات ليست إلا تقسيمات شكلية تهدف إلى تسهيل و تنظيم عملية البحث وهذا كأن يقوم الأديب بتقسيم روايته إلى فصول دون الخلل بسير الأحداث، ، أبسط مثال على ذلك أن نقرأ فى إنجيل لوقا موعظة واحدة للمسيح تمتد على مدار الاصحاحات 14، 15، 16، 17

على كل حال فقد ورط القس الفاضل نفسه لأنه بناءً على جوابه هذا فإن الاعتراض يكون فى محله اذا إختلف ترتيب الأحداث داخل الاصحاح الواحد، و هكذا يكون قد اعترف بتحريف هذه الأناجيل لأننا نجد الإختلاف واضح بين إنجيل متى الاصحاح الثامن وانجيل مرقس الاصحاح الأول و هو كالتالى :

- (( و لما نزل من الجبل تبعه جموع كثيرة، و إذا أبرص قد جاء و سجد له قائلاً: يا سيد إن أردت تقدر أن تطهرنى، فمد يسوع يده و لمسه قائلاً: أريد فاطهر، و للوقت طهر من برصه.....و لما دخل يسوع  كفرحانوم جاء إليه قائد مئة يطلب إليه.......و لما جاء يسوع إلى بيت بطرس رأى حماته مطروحة و محمومة، فلمس يدها فتركتها الحمى فقامت و خدمتهم..)) متى1:8-15 ، فيتضح من أقوال متى أن المسيح ألقى موعظته على الجبل أمام الأمم اليهودية و لما نزل جاءه الأبرص ليطهره و يشفيه ففعل ثم دخل كفر حانوم فجاءه قائد المئة يطلب مساعدته ففعل ثم ذهب إلى بطرس فوجد حماته محمومة فشفاها.

- أما فى مرقس فنقرأ التالى : (( ثم دخلوا كفر حانوم و للوقت دخل المجمع فى السبت و صار يعلم...... و لما خرجوا من المجمع جاءوا للوقت إلى بيت سمعان ...و كانت حماة سمعان  مضطجعة محمومة فللوقت أخبروه عنها، فتقدم و أقامها ماسكاً بيدها، فتركتها الحمى حالاً و صارت تخدمهم.......و فى الصبح باكراً جداً قام و خرج إلى موضع خلاء و كان يصلى هناك فتبعه سمعان و الذين معه، و لما وجدوه قالوا له : إن الجميع يطلبونك، فقال لهم : لنذهب إلى القرى المجاورة لأكرز هناك أيضاً لأنى لهذا خرجت، فكان يكرز فى مجامعهم فى كل الجليل و يخرج الشياطين، فأتى إليه أبرص يطلب إليه جاثياً و قائلاً له: إن أردت تقدر أن تطهرنى، فتحنن يسوع و مد يده و لمسه و قال له : أريد فاطهر! فللوقت و هو يتكلم ذهب عنه البرص و طهر )) مرقس 21:1-42 ، فنجد من أقوال مرقس أن المسيح دخل كفر حانوم و علم فى المجمع ثم ذهب إلى بيت بطرس و شفى حماته من الحمى ثم خرج يبشر فى الجليل و يخرج الشياطين فجاءه الأبرص يطلب تطهيره و شفاءه فشفاه المسيح بإذن الله، و بذلك تكون الاحداث قد اختلف ترتيبها بين متى و مرقس داخل الإصحاح الواحد فى  كل منهما.       

 

وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا