تعدد الزوجات
يتناول
المبشرون والمستشرقون موضوع «
تعدد الزوجات » وكأنه شعيرة من
شعائر الإسلام , أو واجب من
واجباته , أو على الأقل مستحب من
مستحباته . وهذا ضلال أو تضليل ,
فالأصل الغالب في زواج المسلم :
أن يتزوج الرجل بامرأة واحدة
تكون سكن نفسه , وأنس قلبه , وربة
بيته , وموضع سره , وبذلك ترفرف
عليهما السكينة والمودة والرحمة
, التي هي أركان الحياة الزوجية
في نظر القرآن .
ولذا قال العلماء : يكره لمن له
زوجة تعفه وتكفيه أن يتزوج عليها
, لما فيه من تعريض نفسه للمحرم , قال
تعالى : ( ولن تستطيعوا أن تعدلوا
بين النساء ولو حرصتم , فلا
تميلوا كل الميل ) .
وقال النبي صلى
الله عليه وسلم : « من كان له
امرأتان فمال إلى إحداهما , جاء
يوم القيامة وشقه مائل »
أما
من كان عاجزاً عن الإنفاق على
الزوجة الثانية , أو كان يخشى من
نفسه ألا يعدل بين زوجتيه فحرام
عليه أن يقدم على الزواج من
الأخرى , قال تعالى : ( فإن
خفتم ألا تعدلوا فواحدة ) .
وإذا كان الأفضل في الزواج أن
يقتصر المرء على واحدة - اتقاء
للمزالق وخشية من المتاعب في
الدنيا والعقوبة في الآخرة . فإن
هناك اعتبارات إنسانية : فردية
واجتماعية ( سنذكرها ) جعلت
الإسلام يبيح للمسلم أن يتزوج
بأكثر من واحدة , لأنه الدين الذي
يوافق الفطرة السليمة , ويعالج
الواقع الماثل , دون هرب ولا شطط ,
ولا إغراق في الخيال .
تعدد
الزوجات بين الأمم القديمة
والإسلام :
يتحدث
بعض الناس عن تعدد الزوجات وكأن
الإسلام هو أول من شرعه . وهو جهل
منهم أو تجاهل للتاريخ , فقد كان
كثير من الأمم والملل - قبل
الإسلام - يبيحون التزوج بالجم
الغفير من النساء قد يبلغ
العشرات , وقد يصل إلى المائة
وأكثر , دون اشتراط لشرط , ولا
تقيد بقيد. وقد ذكر « العهد
القديم » أن داود كان عنده
ثلاثمائة امرأة , وأن سليمان كان
عنده سبعمائة ما بين زوجة وسرية .
فلما جاء الإسلام وضع لتعدد
الزوجات قيداً وشرطاً . فأما
القيد فجعل الحد الأقصى للزوجات
أربعاً . وقد أسلم غيلان بن سلمة
وتحته عشر نسوة , فقال له
النبي صلى الله عليه وسلم : «
اختر منهن أربعا وفارق سائرهن » . وكذلك من
أسلم عن ثمان وعن خمس , أمره
الرسول صلى الله عليه وسلم ألا
يمسك منهن إلا أربعا .
أما زواج الرسول صلى الله عليه
وسلم بتسع فكان هذا شيئا خصه
الله به , لحاجة الدعوة في حياته ,
وحاجة الأمة إليهن بعد وفاته ,
وقد عاش جل حياته مع زوجة واحدة .
أعلى
إلى الفهرس
العدل
شرط إباحة التعدد :
وأما
الشرط الذي اشترطه الإسلام
لتعدد الزوجات , فهو ثقة المسلم
في نفسه , أن يعدل بين زوجتيه , في
المأكل والمشرب والملبس والمسكن
والمبيت والنفقة , فمن لم يثق في
نفسه في القدرة على هذه الحقوق ,
بالعدل والتسوية , حرم عليه أن
يتزوج بأكثر من واحدة , قال
تعالى : ( فإن خفتم ألا تعدلوا
فواحدة ) .
وقال عليه الصلاة
والسلام : « من كانت له امرأتان
يميل لإحداهما على الأخرى جاء
يوم القيامة يجر أحد شقيه ساقطا -
أو مائلا » .
والميل الذي حذر منه هذا الحديث ,
هو الجور على حقوقها , لا مجرد
الميل القلبي , فإن هذا داخل في
العدل الذي لا يستطاع , والذي عفا
الله عنه وسامح في شأنه , قال
سبحانه وتعالى : ( ولن تستطيعوا
أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم ,
فلا تميلوا كل الميل ) , ولهذا كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقسم
فيعدل , ويقول : « اللهم هذا قسمي
فيما أملك , فلا تلمني فيما تملك
ولا أملك » يعني بما لا يملكه
, أمر القلب والميل العاطفي إلى
إحداهن خاصة .
وكان إذا أراد سفراً حكم بينهن
القرعة , فأيتهن خرج سهمها سافر
بها . وإنما فعل ذلك دفعاً لوغر
الصدور , وترضية للجميع .
أعلى
إلى الفهرس
الحكمة
في إباحة التعدد :
إن
الإسلام هو كلمة الله الأخيرة
التي ختم بها الرسالات , لهذا
جاءت بشريعة عامة خالدة , تتسع
للأقطار كلها , وللأعصار قاطبة ,
وللناس جميعا .
إنه لا يشرع للحضري ويغفل البدوي
, ولا للأقاليم الباردة وينسى
الحارة , ولا لعصر خاص مهملاً
بقية العصور والأجيال . إنه يقدر
ضرورة الأفراد , وضرورة الجماعات
.
فمن الناس من يكون قوي الرغبة في
النسل , ولكنه رزق بزوجة لا تنجب
لعقم أو مرض أو غيره , أفلا يكون
أكرم لها , وأفضل له , أن يتزوج
عليها من تحقق له رغبته , مع بقاء
الأولى , وضمان حقوقها ؟
ومن الرجال من يكون قوى الغريزة ,
ثائر الشهوة , ولكنه رزق بزوجة
قليلة الرغبة في الرجال , أو ذات
مرض , أو تطول عندها فترة الحيض
أو نحو ذلك , والرجل لا يستطيع
الصبر كثيراً على النساء , أفلا
يباح له أن يتزوج بأخرى حليلة ,
بدلا من أن يبحث عن خليلة ؟ أو
بدلا من أن يطلق الأولى ؟
وقد يكون عدد النساء أكثر من عدد
الرجال , وخاصة في أعقاب الحروب
التي تلتهم صفوة الرجال والشباب
, وهناك تكون مصلحة المجتمع ,
ومصلحة النساء أنفسهن في أن يكن
ضرائر , بدلا من أن يعشن العمر
كله عوانس محرومات من الحياة
الزوجية , وما فيها من سكون ومودة
وإحصان , ومن نعمة الأمومة ,
ونداء الفطرة في ثناياهن يدعو
إليها .
إنها إحدى طرائق ثلاث , أمام
هؤلاء الزائدات عن عدد الرجال
القادرين على الزواج :
1. فإما أن يقضين
العمر كله في مرارة الحرمان من
حياة الزوجية والأمومة .
2. وإما أن يرخى لهن
العنان , ليعشن أدوات لهو لعبث
الرجال المفسدين . وما يترتب على
ذلك من إتيانهن بأطفال غير
شرعيين ( أولاد حرام ) , وكثرة عدد
اللقطاء المحرومين من الحقوق
المادية والمعنوية , ليكونوا
عالة على المجتمع , وأداة هدم فيه
وإفساد .
3. وإما أن يباح لهن
الزواج برجل متزوج قادر على
النفقة والإحصان . ولا ريب أن هذه
الطريقة الأخيرة هي الحل العادل
الأمثل , والبلسم الشافي . وذلك
هو ما حكم به الإسلام : (
ومن أحسن من الله حكماً لقوم
يوقنون ) .
أعلى
إلى الفهرس
التعدد
نظام أخلاقي إنساني :
إن
نظام التعدد - كما شرعه الإسلام -
نظام أخلاقي إنساني .
أما أنه أخلاقي .. فلأنه لا يسمح
للرجل أن يتصل بأي امرأة شاء ,
وفي أي وقت شاء . إنه لا يجوز له
أن يتصل بأكثر من ثلاث نساء
زيادة عن زوجته . ولا يجوز له أن
يتصل بواحدة منهن سراً , بل لا بد
من إجراء العقد وإعلانه ولو بين
نفر محدود , ولا بد من أن يعلم
أولياء المرأة بهذا الاتصال
المشروع , ويوافقوا عليه , أو أن
لا يبدوا عليه اعتراضا , ولا بد
من تسجيله - بحسب التنظيم الحديث
- في محكمة مخصصة لعقود الزواج .
ويستحب أن يولم الرجل عليه , وأن
يدعو لذلك أصدقاءه , وأن يضرب له
الدفوف ( الموسيقى ) مبالغة في
الفرح والإكرام .
وأما أنه إنساني .. فلأنه يخفف
الرجل به من أعباء المجتمع
بإيواء امرأة لا زوج لها , ونقلها
إلى مصاف الزوجات المصونات
المحصنات .
ولأنه يدفع ثمن اتصاله الجنسي
مهراً وأثاثاً .ونفقات تعادل
فائدته الاجتماعية من بناء خلية
اجتماعية تنتج للأمة نسلاً
عاملاً .
ولأنه لا يخلى بين المرأة التي
اتصل بها وبين متاعب الحمل
وأعبائه , تحتمله وحدها بل يتحمل
قسطاً من ذلك بما ينفقه عليها
أثناء حملها وولادتها .
ولأنه يعترف بالأولاد الذين
أنجبهم هذا الاتصال الجنسي ,
ويقدمهم للمجتمع ثمرة من ثمرات
الحب الشريف الكريم , يعتز هو بهم
, وتعتز أمته في المستقبل بهم .
إن نظام التعدد كما قال الدكتور
مصطفى السباعي - رحمه الله - يعدد
الإنسان فيه شهوته إلى قدر محدود
, ولكنه يضاعف أعباءه ومتاعبه
ومسئولياته إلى قدر غير محدود .
لا جرم أن كان نظاماً أخلاقياً
يحفظ الأخلاق , إنسانيا يشرف
الإنسان .
أعلى
إلى الفهرس
تعدد
الغربيين لا أخلاقي ولا إنساني :
وأين
هذا من التعدد الواقع في حياة
الغربيين , حتى تحداهم أحد
كتابهم أن يكون أحدهم وهو على
فراش الموت يدلي باعترافاته
للكاهن , بأنه اتصل بامرأة ولو
مرة واحدة في حياته .
إن هذا التعدد عند الغربيين واقع
من غير قانون , بل واقع تحت سمع
القانون وبصره .
إنه لا يقع باسم الزوجات , ولكنه
يقع باسم الصديقات والخليلات .
إنه ليس مقتصراً على أربعة فحسب ,
بل هو إلى ما لا نهاية له من
العدد .
إنه لا يقع علناً تفرح به الأسرة
, ولكن سراً لا يعرف به أحد .
إنه لا يلزم صاحبه بأية مسئولية
مالية نحو النساء اللاتي يتصل
بهن , بل حسبه أن يلوث شرفهن , ثم
يتركهن للخزي والعار والفاقة
وتحمل آلام الحمل والولادة غير
المشروعة .
إنه لا يلزم صاحبه بالاعتراف بما
نتج عن هذا الاتصال من أولاد , بل
يعتبرون غير شرعيين , يحملون على
جباههم خزي السفاح ما عاشوا , ولا
يملكون أن يرفعوا بذلك رأسا .
إنه تعدد قانوني من غير أن يسمى
تعدد الزوجات , خال من كل تصرف
أخلاقي , أو يقظة وجدانية , أو
شعور إنساني .
إنه تعدد تبعث عليه الشهوة
والأنانية , ويفر من محمل كل
مسئولية .
فأي النظامين ألصق بالأخلاق ,
وأكبح للشهوة , وأكرم للمرأة ,
وأدل على الرقي , وأبر
بالإنسانية ؟ .
أعلى
إلى الفهرس
إساءة
استخدام رخصة التعدد :
ولا
ننكر أن كثيراً من المسلمين
أساءوا استخدام رخصة التعدد
الذي شرعه الله لهم , كما رأيناهم
أساءوا استخدام رخصة الطلاق .
والعيب ليس عيب الحكم الشرعي , بل
عيب التطبيق له , الناشئ , من سوء
الفهم , أو سوء الخلق والدين .
لقد رأينا منهم من يعدد , وهو غير
واثق من نفسه بالعدل الذي شرطه
الله للزواج بأخرى , ومنهم من
يعدد وهو غير قادر على النفقة
اللازمة لزوجتين , وما قد يتبع
ذلك من أولاد ومسؤوليات . وبعضهم
يكون قادراً على الإنفاق , ولكنه
غير قادر على الإحصان .
وكثيراً ما أدى سوء استعمال هذا
الحق إلى عواقب ضارة بالأسرة ,
نتيجة تدليل الزوجة الجديدة ,
وظلم الزوجة القديمة , التي
ينتهي بها ميل الزوج عليها كل
الميل , إلى أن يذرها كالمعلقة ,
التي لا هي مزوجة ولا مطلقة ,
وكثيراً ما أدى ذلك إلى تحاسد
الأولاد , وهم أبناء أب واحد ,
لأنه لم يعدل بينهم في الحقوق ,
ولم يسو بينهم في التعامل المادي
والأدبي .
ومهما يكن من انحراف البعض في
هذا المجال , فلن يبلغ السوء الذي
هبط إليه الغربيون , بتحريم
التعدد الأخلاقي , وإباحة التعدد
غير الأخلاقي . ( على أن التعدد لم
يعد مشكلة في أكثر المجتمعات
المسلمة , إذ الزواج بواحدة الآن
غدا مشكلة المشكلات ) .
أعلى
إلى الفهرس
دعوة
المتغربين لمنع التعدد :
ومن
المؤسف أن بعض دعاة التغريب في
أوطاننا العربية والإسلامية ,
استغلوا ما وقع من بعض المسلمين
من انحراف , فقاموا يرفعون
أصواتهم بإغلاق باب التعدد
بالكلية , وأمسوا وأصبحوا وهم
يبدئون ويعيدون في الحديث عن
مساوئ التعدد , في حين يصمتون صمت
القبور عن مساوئ الزنى , الذي
تبيحه - للأسف - القوانين الوضعية
التي تحكم ديار المسلمين اليوم !
ولعبت أجهزة الإعلام - وبخاصة
الأفلام والمسلسلات - دوراَ
خطيراً في التنفير من التعدد , لا
سيما بين النساء , حتى إن بعضهن
لترضى أن يسقط زوجها في كبيرة
الزنى ولا يتزوج عليها !
أعلى
إلى الفهرس
ما
يستند إليه دعاة المنع :
وقد
نجح هؤلاء فعلاً في بعض البلاد
العربية والإسلامية , فصدرت
قوانين تحرم ما أحل الله من
التعدد , اتباعا لسنن الغرب .. ولا
زال منهم من يحاول ذلك في بلاد
أخرى . وأعجب شيء في هذه القضية:
أن يراد تبريرها باسم الشرع , وأن
يحتجوا لها بأدلة تلبس لبوس
الفقه! احتج هؤلاء بأن من حق ولي
الأمر أن يمنع بعض المباحات
جلباً لمصلحة أو درءاً لمفسدة .
بل إن بعضهم حاول في جرأة وقحة أن
يحتج بالقرآن على دعواه هذه ,
فقالوا : إن القرآن اشترط لمن
يتزوج بأكثر من واحدة أن يثق من
نفسه بالعدل بين الزوجتين أو
الزوجات , فمن خاف ألا يعدل وجب
أن يقتصر على واحدة . وذلك قوله
تعالى : ( وان خفتم ألا تقسطوا في
اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من
النساء مثنى وثلاث ورباع , فان
خفتم ألا تعدلوا فواحدة ) هذا هو شرط
القرآن للتعدد : العدل . ولكن
القرآن - في زعمهم - جاء في نفس
السورة بآيه بينت أن العدل
المشروط غير ممكن وغير مستطاع .
وهى قوله سبحانه : (
ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين
النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل
الميل فتذروها كالمعلقة )
وبهذا
نفت هذه الآية اللاحقة ما أثبتته
الآية السابقة !
والحق أن هذه الاستدلالات كلها
باطلة ولا تقف أمام النقد العلمي
السليم وسنعرض لها واحداً
واحداً .
* الشريعة لا تبيح
ما فيه مفسدة راجحة :
1. أما القول بأن
التعدد قد جر وراءه مفاسد ومضار
أسرية واجتماعية فهو قول يتضمن
مغالطة مكشوفة . ونقول ابتداء
لهؤلاء المغالطين :
إن شريعة الإسلام لا يمكن أن تحل
للناس شيئاً يضرهم , كما لا تحرم
عليهم شيئاً ينفعهم , بل الثابت
بالنص والاستقراء أنها لا تحل
إلا الطيب النافع , ولا تحرم إلا
الخبيث الضار . وهذا ما عبر عنه
القرآن بأبلغ العبارات وأجمعها
في وصف الرسول صلى الله عليه
وسلم كما بشرت به كتب أهل الكتاب
, فهو : ( يأمرهم بالمعروف
وينهاهم عن المنكر ويحل لهم
الطيبات ويحرم عليهم الخبائث
ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي
كانت عليهم ) .
فكل ما أباحته الشريعة فلا بد أن
تكون منفعته خالصة أو راجحة , وكل
ما حرمته الشريعة فلا بد أن تكون
مضرته خالصة أو راجحة , وهذا واضح
فيما ذكره القرآن عن الخمر
والميسر : ( قل فيهما إثم
كبير ومنافع للناس وإثمهما أكثر
من نفعهما ) .
وهذا هو ما راعته الشريعة في
تعدد الزوجات فقد وازنت بين
المصالح والمفاسد , والنافع
والضار , ثم أذنت به لمن يحتاج
إليه , ويقدر عليه بشرط أن يكون
واثقا من نفسه برعاية العدل , غير
خائف عليها من الجور والميل : (
فان خفتم ألا تعدلوا فواحدة ) .
فإذا كان من مصلحة الزوجة الأولى
أن تبقى وحدها متربعة على عرش
الزوجية لا ينازعها أحد , ورأت
أنها ستتضرر بمزاحمة زوجة أخرى
لها , فإن من مصلحة الزوج أن
يتزوج بأخرى تحصنه من الحرام , أو
تنجب له ذرية يتطلع إليها , أو
غير ذلك . وان من مصلحة الزوجة
الثانية كذلك أن يكون لها نصف
زوج تحيا في ظله , وتعيش في كنفه
وكفالته , بدل أن تعيش عانسا أو
أرملة أو مطلقة محرومة طوال
الحياة .
وان من مصلحة المجتمع أن يصون
رجاله , ويستر على بناته , بزواج
حلال يتحمل فيه كل من الرجل
والمرأة مسئوليته فيه , عن نفسه
وصاحبه وما قد يرزقهما الله من
ذرية , بدل ذلك التعدد الذي عرفه
الغرب الذي أنكر على المسلمين
تعدد الحليلات , وأباح هو تعدد
الخليلات , وهو تعدد غير أخلاقي
وغير إنساني , يستمتع فيه كلاهما
بصاحبه دون أن يتحمل أية تبعة ,
ولو جاء , من هذه الصلة الخبيثة
ولد , فهو نبات شيطاني لا أب له
يضمه إليه , ولا أسرة تحنو عليه ,
ولا نسب يعتز به .
فأي المضار أولى أن تجتنب ؟
على أن الزوجة الأولى قد حفظت
لها الشريعة حقها في المساواة
بينها وبين ضرتها , في النفقة
والسكنى والكسوة والمبيت , وهذا
هو العدل الذي شرط للتعدد .
صحيح أن بعض الأزواج لا يراعون
العدل الذي فرضه الله عليهم ,
ولكن سوء التطبيق لا يعني إلغاء
المبدأ من أساسه , وإلا لألغيت
الشريعة - بل الشرائع - كلها .
ولكن توضع الضوابط اللازمة .
* حق ولي الأمر في
منع المباحات :
2. وأما ما ادعاه
هؤلاء من أن حق ولي الأمر منع بعض
المباحات فنقول لهم :
إن الذي أعطاه الشرع لولي الأمر
هو حق تقييد بعض المباحات لمصلحة
راجحة في بعض الأوقات أو بعض
الأحوال , أو لبعض الناس , لا أن
يمنعها منعاً عاماً مطلقاً
مؤبداً . لأن المنع المطلق
المؤبد أشبه بالتحريم الذي هو من
حق الله تعالى , وهو الذي أنكره
القرآن على أهل الكتاب الذين (
اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا
من دون الله ) .
وقد جاء الحديث مفسراً للآية : «
إنهم أحلوا لهم وحرموا عليهم
فاتبعوهم » .
إن تقييد المباح مثل منع ذبح
اللحم في بعض الأيام تقليلاً
للاستهلاك منه , كما حدث في عصر
عمر رضي الله عنه , ومثل منع
زراعة محصول معين بأكثر من مقدر
محدد كالقطن في مصر , حتى لا يجور
التوسع في زراعته على الحبوب
والمحاصيل الغذائية التي يقوم
عليها قوت الناس .
ومثل منع كبار ضباط الجيش أو
رجال السلك الديبلوماسي من
الزواج بأجنبيات , خشية تسرب
أسرار الدولة , عن طريق النساء
إلى جهات معادية .
ومثل ذلك منع زواج الكتابيات إذا
خيف أن يحيف ذلك على البنات
المسلمات , وذلك في مجتمعات
الأقليات الإسلامية الصغيرة
والجاليات الإسلامية المحدودة
العدد .
أما أن نجيء إلى شيء أحله الله
تعالى وأذن فيه بصريح كتابه وسنة
نبيه صلى الله عليه وسلم,
واستقر عليه عمل الأمة مثل
الطلاق أو تعدد الزوجات , فنمنعه
منعاً عاماً مطلقاً مؤبداً .
فهذا شيء غير مجرد تقييد المباح
الذي ضربنا أمثلته .
* معنى (
ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين
النساء ) :
وأما
الاستدلال بالقرآن الكريم فهو
استدلال مرفوض , وتحريف للكلم عن
موضعه , وهو يحمل في طيه اتهاماً
للنبي صلى الله عليه وسلم
ولأصحابه رضى الله عنهم بأنهم لم
يفهموا القرآن , أو فهموه
وخالفوه متعمدين .
والآية التي استدلوا بها هي
نفسها ترد عليهم , لو تدبروها .
فالله تعالى أذن في تعدد الزوجات
بشرط الثقة بالعدل , ثم بين العدل
المطلوب في نفس السورة حين قال:
( ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين
النساء ولو حرصتم , فلا تميلوا كل
الميل فتذروها كالمعلقة ).
فهذه الآية تبين أن العدل المطلق
الكامل بين النساء غير مستطاع
بمقتضى طبيعة البشر ! لأن العدل
الكامل يقتضي المساواة بينهن في
كل شيء حتى في ميل القلب , وشهوة
الجنس , وهذا ليس في يد الإنسان ,
فهو يحب واحدة أكثر من أخرى ,
ويميل إلى هذه أكثر من تلك ,
والقلوب بيد الله يقلبها كيف
يشاء .
ومن ثم كان النبي صلى الله
عليه وسلم يقول بعد أن يقسم بين
نسائه في الأمور الظاهرة من
النفقة والكسوة والمبيت : «
اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا
تؤاخذني فيما تملك ولا أملك » . . . يعنى أمر
القلب .
فأمر القلب هذا هو الذي لا
يستطاع العدل فيه , وهو في موضع
العفو من الله تعالى , فإن الله
جل شأنه لا يؤاخذ الإنسان فيما
لا قدرة له عليه , ولا طاقة له به .
ولهذا قالت الآية الكريمة , بعد قوله
: ( ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين
النساء ولو حرصتم) : ( فلا تميلوا
كل الميل فتذروها كالمعلقة ) . ومفهوم
الآية أن بعض الميل مغتفر وهو
الميل العاطفي .
والعجب العجاب أن تأخذ بعض
البلاد العربية الإسلامية
بتحريم تعدد الزوجات في حين أن
تشريعاتها لا تحرم الزنى , الذي قال
الله فيه : ( انه كان فاحشةً وساء
سبيلاً) , إلا في حالات
معينة مثل الإكراه , أو الخيانة
الزوجية إذا لم يتنازل الزوج .
وقد سمعت من شيخنا الإمام الأكبر
الشيخ عبد الحليم محمود رحمه
الله : أن رجلاً مسلماً في بلد
عربي أفريقي يمنع التعدد , تزوج
سراً بامرأة ثانية على زوجته
الأولى وعقد عليها عقداً عرفياً
شرعياً مستوفى الشروط , ولكنه
غير موثق , لأن قانون البلد
الوضعي يرفض توثيقه ولا يعترف به
, بل يعتبره جريمة . . وكان الرجل
يتردد على المرأة من حين لآخر . .
فراقبته شرطة المباحث , وعرفت
أنها زوجته , وأنه بذلك ارتكب
مخالفة القانون . وفي ليلة ما
ترصدت له وقبضت عليه عند المرأة ,
وساقته إلى التحقيق بتهمة
الزواج بامرأة ثانية !. وكان
الرجل ذكياً , فقال للذين يحققون
معه : من قال لكم إنها زوجتي ؟
إنها ليست زوجة , ولكنها عشيقة ,
اتخذتها خدناً لي , وأتردد عليها
ما بين فترة وأخرى !
وهنا دهش المحققون وقالوا للرجل
بكل أدب : نأسف غاية الأسف ؛ لسوء
الفهم الذي حدث . كنا نحسبها زوجة
, ولم نكن نعلم أنها رفيقة !.
وخلوا سبيل الرجل , لأن مرافقة
امرأة في الحرام , واتخاذها
خدناً يزانيها يدخل في إطار
الحرية الشخصية التي يحميها
القانون !
أعلى
إلى الفهرس
|