الصلح على الجزية




إذَا أَرَادَ الإمَامُ أَنْ يَكْتُبَ صُلْحاً عَلَىٰ الجِزْيَةِ كَتَبَ:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيم

هذا كتابٌ كَتَبَهُ عبدُ اللَّهِ: فلانٌ أميرُ المؤمنين، لليلتين خَلَتَا من شهرِ ربيعٍ الأول سنةَ كذا وكذا لفلانٍ بنِ فلانٍ، النصرانيّ، من بني فلانٍ، الساكنِ بلدَ كذا، وأهل النصرانيةِ من أهلِ بلدِ كذا إنَّك سألتني أَنْ أُؤَمِّنَكَ وأهلَ النصرانيةِ من أهلِ بلدِ كذا، وَأَعْقِدَ لك ولهم ما يُعْقَدُ لأهلِ الذِّمَّةِ على ما أعطيتني وشرطتُ لكَ، ولهم، وعليك وعليهم، فأجبتُكَ إلىٰ أَن عقدتُ لك ولهم عليَّ وعلىٰ جميعِ المسلمينَ الأمان ما استقمت واستقاموا، بجميع ما أخذنا عليكم، وذلك أَنْ يجري عليكم حُكْمُ الإسلامِ لا حكم خلافِهِ بحالٍ، يلزمكموه، ولا يكونُ لكم أن تمتنعوا منه في شيءٍ رَأَيْنَاهُ يُلْزِمُكُمْ به، وعلى أنَّ أحداً منكم إنْ ذَكَرَ محمداً أو كتابَ الله عزّ وجلّ أو دِينَهُ بما لا يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَهُ به، فقد بَرِئَتْ منه ذِمَّةُ اللَّهِ، ثم ذِمَّةُ أميرِ المؤمنين وجميعِ المسلمين، ونَقَضَ ما أعطى عليه الأمان، وحَلَّ لأميرِ المؤمنين مَالهُ وَدَمهُ؛ كما تَحِلُّ أَموالُ أهلِ الحربِ ودماؤهم، وعَلَىٰ أَنَّ أحداً من رجالهم إن أصاب مسلمةً بزناً، أو اسمِ نكاحٍ، أو قَطَعَ الطريقَ على مسلمٍ، أو فَتَنَ مسلماً عن دِينِهِ، أو أعان المحاربين على المسلمين بقتال أو دلالة على عورةِ المسلمين أو إيواء لِعُيُونِهِمْ ـــ فقد نَقَضَ عَهْدَهُ، وَأَحَلَّ دَمَهُ وَمَالَهُ، وإن نَالَ مسلماً بما دون هذا في ماله أو عرضه، أو نَالَ به من على مسلم منعه من كافرٍ له عهدٌ، أو أمانٌ، لَزِمَهُ فيه الحكمُ، وَعَلَىٰ أَنْ نتتبع أفعالكم في كُلِّ مَا جَرَىٰ بينكم وبين مسلمٍ، فما كان لا يَحِلُّ لمسلمٍ ممَّا لكن فيه فعلٌ، رَدَدْنَاهُ، وعاقبناكم عليه، وذلك أن تبيعوا مسلماً بيعاً حُراماً عندنا، من خمرٍ، أو خنزيرٍ، أو دمِ أو ميتةٍ أو غيرِهِ، ونُبْطِلُ البيعَ فيهِ، ونأخذُ ثَمَنَهُ منكم إن أعطاكموه، ولا نردّه عليكم إن كانَ قائماً، ونُهْرِيقُهُ إن كان خمراً أو دماً، ونحرقه إن كان ميتةً، وإن استهلكه لم نجعلْ عليه فيه شيئاً، ونُعَاقِبُكُمْ عليه، وعَلَىٰ أَنْ لا تسقوه أو تُطْعِمُوهُ محرماً، أو تُزَوِّجُوهُ بشهودٍ منكم، أو بنكاحٍ فاسدٍ عندنا.
وما بايعتم به كافراً منكم أو من غيرِكم، لم نَتَّبِعْكُمْ فيه، ولم نسألْكُم عنه ما تَرَاضَيْتُمْ به.
وإذا أرادَ البائعُ منكم أو المبتاعُ نقضَ البيعِ، وأتانا طالباً له، فإن كان منتقضاً عندنا نَقَضْنَاهُ، وإن كان جائزاً أَجَزْنَاهُ، إلاَّ أنه إذا قَبَضَ المبيعَ وفات لم يردَّه، لأنه بيعٌ بين مشركين مَضَىٰ، وَمَنْ جَاءَنَا مِنْكُمْ، أو من غيرِكم من أهلِ الكفرِ يُحَاكِمكُمْ، أَجْرَيْنَاكُم على حكمِ الإسلامِ، وَمَنْ لم يأتنا، لم نَعْرِضْ لكم فيما بينكم وبينه.
وَإذَا قَتَلْتُمْ مسلماً أو معاهداً منكم أو من غيرِكم خطأً، فالديةُ على عَوَاقِلِكُمْ، كما تكون على عَوَاقِلِ المسلمين، وعواقلُكم: قراباتُكم من قِبل آبائِكم، وإن قَتَلَهُ منكم رجلٌ لا قرابةَ له، فالديةُ عليه في مالِهِ، وإذا قَتَلَهُ عمداً فعليه القصاصُ إلاَّ أَنْ تَشَاءَ وَرَثَتُهُ ديةً فيأخذونها حالَّةً.
وَمَنْ سَرَقَ منكم، فَرَفَعَهُ المسروقُ إلى الحاكمِ، قَطَعَهُ إذَا سَرَقَ ما يَجِبُ فيه القطعُ وغرم.
ومَنْ قَذَفَ فكان للمقذوفِ حَدٌّ، حُدَّ له، وإن لم يكن حَدٌّ، عُزِّرَ؛ حتى تكونَ أحكامُ الإسلام جاريةً عليكم بهذه المعاني فيما سَمَّينا، ولم نسمِّ.
وعلى أن ليس لَكُمْ أَنْ تُظْهِرُوا في شيءٍ من أمصارِ المسلمين الصليبَ ولا تُعْلِنُوا بالشركِ، ولا تَبْنُوا كنيسةً، ولا موضعَ مجتمعٍ لِصَلاَتِكُمْ، ولا تَضْرِبوا بناقوسٍ، ولا تُظهروا قَوْلَكُمْ بالشركِ فِي عيسى بن مَرْيم، ولا في غيرِهِ، لأحدٍ من المسلمين.
وأن تَلْبسوا الزنانيرَ من فوقِ جميعِ الثيابِ، الأرديةِ وغيرِها حتى لا تخفى الزنانير، وتخالفوا بِسُرُوجِكم وركوبِكم سروج المسلمين وركوبهم وتُبَايِنُوا بين قَلانِسِكُمْ، وقَلاَنِسِهِم، بِعَلَمٍ تجعلونه بقلانسِكم. وألاَّ تأخذُوا على المسلمين سرواتِ الطرقِ ولا المجالسِ في الأسواقِ.
وأن يِؤدِّي كلُّ بالغٍ من أحرارِ رجالِكُمْ غير مغلوبٍ على عقلِهِ، جزيةَ رَأْسِهِ، ديناراً مثقالاً جَيِّدَاً في رأسِ كلِّ سنةٍ، ولا يكون له أن يغيبَ عَنْ بَلَدِهِ حتى يُؤدِّيَهُ، أو يقيم به مَنْ يؤديه عنه، لا شيءَ عليه من جزية رقبتِهِ إلى رأسِ السنةِ، ومَنِ افتقرَ منكم، فجِزيَتُهُ عليه حتى تُؤَدَّىٰ عنه، وليس الفقرُ بدافعٍ عنكم شيئاً، ولا ناقضٍ لذمَّتِكُمْ وأنتم غرماؤه. عن ما به، فمتى وجدنا عندكم شيئاً أخذتم به، ولا شيءَ عليكم في أموالِكم سوى جِزْيَتِكُمْ ما أقمتم في بلادِكم واختلفتم ببلادِ المسلمين غيرَ تجّارٍ. وليسَ لكم دخولُ مكَّةَ، بحالٍ وإن اختلفتم بتجارةٍ على أَنْ تؤدُّوا من جميعِ تجاراتِكم العُشْرَ إلى المسلمين، فلكم دخولُ جميعِ بلادِ المسلمين إلا مكَّةَ، والمقامُ بجميعِ بلادِ المسلمين؛ كما شئتم إلاَّ الحجازَ، فليس لكم المقامُ ببلدٍ منها إلاَّ ثلاثَ ليالٍ، حتى تَظْعَنُوا منه.
وعَلَىٰ أَنَّ من أنبتَ الشعر تحت ثيابِهِ، أو احتلمَ، أو استكملَ خَمْسَ عشرةَ سنةً قَبلَ ذلك، فهذه الشروطُ لازمة له إنْ رضيها، فإن لم يَرْضَهَا، فلا عَقْدَ له، ولا جزيةَ على أبنائِكم الصغارِ، ولا صبي غير بالغٍ، ولا مغلوبٍ على عقلِهِ، ولا مملوكٍ، فإذا أفاق المغلوبُ على عَقْلِهِ، وبَلَغَ الصبيُّ وَعَتَقَ المملوكُ منكم، فدان دِينَكُمْ، فعليه جزيتُكُمْ، والشرطُ عليكم، وعلى مَنْ رَضِيه، ومَنْ سخطه منكم نَبَذْنَا إليه، ولكم أن نَمْنَعَكُمْ وما يَحِلّ ملكه عندنا لكم ممَّن أَرَادَكُمْ من مسلمٍ أو غيرِه بظلمٍ بما نَمْنَعُ به أَنْفُسَنَا وأموالَنَا، ونحكم لكم فيه على مَنْ جرى حُكْمُنَا عليه بما نَحْكُمُ به في أموالِنا، وما يلزمنا المحكوم عليه في أنفسكم، فليس علينا أن نَمْنَعَ لكم شيئاً ملكتموه محرماً من دمٍ ولا ميتةٍ ولا خمرٍ ولا خنزيرٍ؛ كما نمنع ما يحلّ ملكُهُ، ولا نعرض لكم فيه إلاَّ أنا لا نَدَعُكُمْ تُظْهِرُونَهُ في أمصارِ المسلمينَ، فما ناله منه مسلمٌ أو غيرُه، لم نغرمه ثَمَنَهُ؛ لأنه محرمٌ، ولا ثمنَ لمحرمٍ، ونزجره عن العرضِ لكم فيه، فإن عَادَ أُدِّب بغيرِ غرامةٍ في شيءٍ منه.
وعليكم الوفاءُ بجميعِ ما أَخَذْنَا عليكم، وأَلاَّ تَغُشُّوا مسلماً، ولا تُظَاهِرُوْا عدوَّهم عليهم بقولٍ ولا فعلٍ، عَهْدُ اللَّهِ وميثاقُهُ، وأَعْظَمُ ما أَخَذَ اللَّهُ علَىٰ أحَدٍ من خَلْقِهِ من الوفاءِ بالميثاقِ، ولكم عَهْدُ اللَّهِ وميثاقُه وذمَّةُ فلانٍ أميرِ المؤمنين، وذمَّةُ المسلمين بالوفاءِ لَكُمْ، وَعَلَىٰ مَنْ بَلَغَ مِن أَبْائِكُمْ ما عليكم بما أَعْطَيْنَاكُمْ، ما وَفَّيْتُمْ بجميعِ ما شَرَطْنَا عليكم، فإنْ غَيَّرْتُمْ أَو بدَّلتم، فَذِمَّةُ اللَّهِ، ثم ذمَّةُ فلانٍ أميرِ المؤمنين والمسلمين، بريئةٌ منكم، ومَنْ غَابَ عَنْ كتابنا ممّن أعطيناه ما فيه فرضيه إذا بلغه، فهذه الشروطُ لازمةٌ له، ولنا فيه، ومَنْ لم يرضَ، نَبَذْنَا إليه، شَهِدَ.

الإمام الشافعي رضي الله عنه *كتاب الأم*

 

أرسل بواسطة:  المهتدي بالله