رسالة إلى العبرانيين

المقدمة

مقدمة: المسيح صورة الله وجوهره

المسيح أعظم من الملائكة

المسيح أعظم من موسى ويشوع

كهنوت المسيح أعظم من كل كهنوت أخر

عهد المسيح أسمى من العهد الذي كان لليهود

ذبيحة المسيح تفوق كل الذبائح

الايمان قبل كل شيئ

تحذير ونصائح ختامية


 

كلمة الله بابنه

1 كلَّمَ اللهُ آباءَنا مِنْ قَديمِ الزَّمانِ بِلِسانِ الأنبياءِ مَرّاتٍ كَثيرةً وبِمُختَلفِ الوَسائِلِ، 2ولكنَّهُ في هذِهِ الأيّامِ الأخيرَةِ كَلَّمَنا بابنِهِ الّذي جَعَلَهُ وارِثًا لِكُلِّ شيءٍ وبِه خلَقَ العالَمَ. 3هُوَ بَهاءُ مَجدِ اللهِ وصُورَةُ جَوهَرِهِ، يَحفَظُ الكَونَ بِقُوَّةِ كلِمَتِهِ. ولمَّا طَهَّرَنا مِنْ خَطايانا جَلَسَ عَنْ يَمينِ إلَهِ المَجدِ في العُلى، 4فكانَ أعظمَ مِنَ المَلائكَةِ بمِقدارِ ما وَرِثَ اسمًا أعظَمَ مِنْ أسمائِهِم. 5فَلِمَن مِنَ المَلائِكَةِ قالَ اللهُ يومًا: ((أنتَ ابني وأنا اليَومَ ولَدتُكَ؟)) وقالَ أيضًا: ((سأكونُ لهُ أبًا ويكونُ لي ابنًا)).
6وعِندَما أرسَلَ ابنَهُ البِكرَ إلى العالَمِ قالَ أيضًا: ((لِتَسجُدْ لهُ كُلُّ ملائكَةِ اللهِ)). 7وفي المَلائكَةِ قالَ اللهُ: ((جعَلَ مِنْ مَلائكتِهِ رياحًا ومِنْ خدَمِهِ لَهيبَ نارٍ)). 8أمَّا في الابنِ فقالَ: ((عَرشُكَ يا اللهُ ثابِتٌ إلى أبَدِ الدُّهورِ، وصَولَجانُ العَدلِ صَولَجانُ مُلكِكَ. 9تُحِبُّ الحقَّ وتُبِغضُ الباطِلَ، لذلِكَ مسَحَكَ اللهُ إلهُكَ بزَيتِ البَهجَةِ دونَ رفاقِكَ)). 10وقالَ أيضًا: ((أنتَ يا ربُّ أسَّسْتَ الأرضَ في البَدءِ، وبيَدَيكَ صنَعتَ السَّماواتِ، 11هيَ تَزولُ وأنتَ تَبقى، وكُلُّها كالثَّوبِ تَبلى. 12تَطويها طَيَّ الرِّداءِ فتَتَغيَّرُ، وأنتَ أنتَ لا تَنتَهي أيَّامُكَ)). 13ولِمَنْ مِنَ المَلائكةِ قالَ اللهُ يومًا: ((إجلِسْ عَنْ يميني حتّى أجعَلَ أعداءَكَ مَوطِئًا لِقدَمَيْك؟)) 14أما هُم كُلُّهُم أرواحٌ في خدمَةِ اللهِ يُرسِلُهُم مِنْ أجلِ الّذينَ يَرِثونَ الخَلاصَ.

الخلاص العظيم

2 لذلِكَ يَجبُ أنْ نتَمَسَّكَ جيِّدًا بالتَّعاليمِ الّتي سَمِعناها لِئلاّ نَضِلَّ. 2فالكلامُ الّذي جاءَنا على لِسانِ المَلائكَةِ ثبَتَ صِدقُهُ، فنالَ كُلُّ مَنْ خالَفَهُ أو عَصاهُ جَزاءَهُ العادِلَ. 3فكيفَ نَنجو نَحنُ إذا أهمَلْنا مِثلَ هذا الخَلاصِ العَظيمِ؟ أعلَنَهُ الرَّبُّ نَفسُهُ أوَّلاً، وأثبَتَهُ لنا الّذينَ سَمِعوهُ، 4وأيَّدَ اللهُ شَهاداتِهِم بآياتٍ وعَجائِبَ ومُعجِزاتٍ مُختَلِفَةٍ، وبهِباتِ الرُّوحِ القُدُسِ يُوَزِّعُها كما يَشاءُ.

قائدنا المسيح

5والله ما أخضَعَ لِلمَلائكَةِ العالَمَ المُقبِلَ الّذي نَتكَلَّمُ علَيهِ، 6فشَهِدَ بَعضُهُم في مكانٍ مِنَ الكُتُبِ المُقَدَّسَةِ: ((ما هوَ الإنسانُ يا اللهُ حتّى تَذكُرَه؟ وما هوَ ابنُ آدَمَ حتّى تَفتقدَه؟ 7نقَّصتَهُ حينًا عنِ المَلائكَةِ، وكَلَّلتَهُ بالمَجدِ والكَرامَةِ، 8وأخضَعتَ كُلَّ شيءٍ تَحتَ قَدمَيهِ )) .
 فإذا كانَ اللهُ أخضَعَ لَه كُلَّ شيءٍ فلا يكونُ تَرَكَ شيئًا غَيرَ خاضِعٍ لَه. ولكنَّنا لا نَرى الآنَ أنَّ كُلَّ شيءٍ أُخضِعَ لَه. 9ولكنَ ذاكَ الّذي جعَلَهُ اللهُ حينًا دونَ المَلائِكَةِ، أَعني يَسوعَ، نَراهُ مُكَلَّلاً بِالمَجدِ والكرامَةِ لأنَّهُ احتَمَلَ ألَمَ المَوتِ، وكانَ علَيهِ أنْ يَذوقَ المَوتَ بنِعمَةِ اللهِ لِخَيرِ كُلِّ إنسانٍ.
10نعم، كانَ مِنَ الخَيرِ أنَّ اللهَ الّذي مِنْ أجلِهِ كُلُّ شيءٍ وبِه كُلُّ شيءٍ، حينَ أرادَ أنْ يَهديَ إلى المَجدِ كثيرًا مِنَ الأبناءِ، جعَلَ قائِدَهُم إلى الخَلاصِ كامِلاً بالآلامِ، 11لأنَّ الّذي يُقدِّسُ والّذينَ تَقَدَّسوا لهُم أصْلٌ واحدٌ، فلا يَستَحي أنْ يَدعُوَهُم إخوَةً، 12فيَقولُ: ((سأُبشِّرُ بِاسمِكَ إخوَتي وأُسَبِّحُكَ في الجَماعَةِ)). 13ويَقولُ أيضًا: ((على اللهِ اتِّكالي))، وأيضًا: ((ها أنا معَ الأبناءِ الّذينَ وهَبَهُمُ اللهُ لي)).
14ولمَّا كانَ الأبناءُ شُركاءَ في اللَّحمِ والدَّمِ، شاركَهُم يَسوعُ كذلِكَ في طَبيعتِهِم هذِهِ لِيَقضيَ بِمَوتِهِ على الّذي في يدِهِ سُلطانُ المَوتِ، أي إبليسَ، 15ويُحَرِّرَ الّذينَ كانوا طَوالَ حَياتِهِم في العُبودِيَّةِ خَوفًا مِنَ المَوتِ. 16جاءَ لا ليُساعِدَ المَلائكَةَ، بَلْ ليُساعِدَ نَسلَ إبراهيمَ. 17فكانَ علَيهِ أنْ يُشابِهَ إخوتَهُ في كُلِّ شيءٍ، حتَّى يكونَ رئيسَ كهنةٍ، رَحيمًا أمينًا في خِدمَةِ اللهِ، فيُكَفِّرَ عَنْ خَطايا الشَّعبِ، 18لأنَّهُ هوَ نَفسُهُ تألَّمَ بِالتَّجرِبَةِ، فأمكنَهُ أنْ يُعينَ المُجَرَّبينَ.

يسوع أعظم من موسى

3 فيا إخوَتي القِدِّيسينَ المُشتَرِكينَ في دَعوَةِ اللهِ، تأمَّلوا يَسوعَ رَسولَ إيمانِنا ورَئيسَ كَهنَتِهِ،
2فهوَ أمينٌ للَّذي اخْتارَهُ، كما كانَ موسى أمينًا لِبَيتِ اللهِ أجمَعَ. 3ولكنَّ يَسوعَ كانَ أهلاً لِمَجدٍ يَفوقُ مَجدَ موسى بِمِقدارِ ما لِباني البَيتِ مِنْ كرامَةٍ تَفوقُ كرامَةَ البَيتِ. 4فكُلُّ بَيتٍ لَه مَنْ يَبنيهِ، وباني كُلِّ شيءٍ هوَ اللهُ. 5وكانَ موسى أمينًا لِبَيتِ اللهِ أجمعَ لِكونِهِ خادِمًا يَشهَدُ على ما سيُعلِنُهُ اللهُ. 6أمَّا المَسيحُ، فهوَ أمينٌ لِبَيتِ اللهِ لِكَونِهِ ابنَ اللهِ، ونَحنُ بَيتُهُ، إنْ تَمَسَّكنا بِالثِّقَةِ والفَخرِ بِما لنا مِنْ رَجاءٍ.

الدخول في راحة الله

7لذلِكَ، كما يَقولُ الرُّوحُ القُدُسُ: ((اليومَ، إذا سَمِعتُم صوتَ اللهِ، 8فلا تُقَسُّوا قُلوبَكُم كما فَعَلتُم يومَ العِصيانِ، يومَ التَّجرِبَةِ في الصَّحراءِ، 9حَيثُ جَرَّبَني آباؤُكُم وامتَحنوني ورَأَوْا أعمالي مُدَّةَ أربَعينَ سنَةً. 10لذلِكَ غَضِبتُ على ذلِكَ الجِيلِ وقُلتُ: قُلوبُهُم بَقِيَتْ في الضَّلالِ وما عَرَفوا طُرُقي، 11فأَقسَمتُ في غَضَبي أنْ لا يَدخُلوا في راحَتي)).
12فانتَبِهوا، أيُّها الإخوَةُ، أنْ لا يكونَ بَينَكُم مَنْ لَه قَلبٌ شرِّيرٌ غَيرُ مُؤمِنٍ فيَرتَدَّ عَنِ اللهِ الحَيِّ، 13بَلْ لِيُشَجِّعْ بَعضُكُم بَعضًا كُلَّ يومٍ، ما دامَت لكُم كَلِمَةُ ((اليومِ)) الّتي في الكِتابِ، لِئَلاَّ تُغريَ الخَطيئةُ أحَدكُم فيَقسوَ قلبُه. 14فنَحنُ كُلَّنا شُركاءُ المَسيحِ إذا تَمَسَّكنا إلى المُنتَهى بِالثِّقَةِ الّتي كانَت لنا في البَدءِ. 15فالكِتابُ يَقولُ: ((اليومَ، إذا سَمِعتُم صوتَ اللهِ فلا تُقَسُّوا قُلوبكُم كما فَعَلتُم يومَ العِصيانِ)).
16فمَنْ هُمُ الّذينَ تَمَرَّدوا علَيهِ بَعدَما سَمِعوا صَوتَهُ؟ أمَا هُم جميعُ الّذينَ خَرَجَ بِهِم موسى مِنْ مِصْرَ؟ 17وعلى مَنْ غَضِبَ اللهُ مُدَّةَ أربعينَ سنَةً؟ أما كانَ على الّذينَ خَطِئوا فسَقَطَتْ جُثَثُهُم في الصَّحراءِ؟ 18ولمِنْ أقسَمَ اللهُ ((أنْ لا يَدخُلوا في راحَتي؟)) أمَا كانَ لِلمُتَمَرِّدينَ علَيهِ؟ 19ونَرى أنَّهُم ما قَدِروا على الدُّخولِ لِقِلَّةِ إيمانِهِم.
4 فَما دامَ لنا وَعدُ الدُّخولِ في راحَةِ اللهِ، فعَلَينا أنْ نَخافَ مِنْ أنْ يَحسُبَ أحَدٌ نَفسَهُ مُتَأَخِّرًا.
2سَمِعنا البِشارَةَ كما سَمِعوها هُم، ولكنَّهُم ما انتَفَعوا بِالكلامِ الّذي سَمِعوهُ لأنَّهُ كانَ غَيرَ مُمتَزِجٍ عِندَهُم بالإيمانِ. 3أمَّا نَحنُ المُؤْمِنينَ فنَدخُلُ في راحَةِ اللهِ. فهوَ الّذي قالَ: ((أقسَمتُ في غَضَبي أنْ لا يَدخُلوا في راحَتي))، معَ أنَّ عمَلَهُ تَمَّ مُنذُ إنشاءِ العالَمِ. 4وقالَ في الكلامِ على اليومِ السّابِعِ: ((واستَراحَ اللهُ في اليومِ السّابِعِ مِنْ جميعِ أعمالِهِ)). 5وقالَ أيضًا: ((لنْ يَدخُلوا في راحَتي)). 6وإذا كانَ الّذينَ سَمِعوا البِشارَةَ أوَّلاً ما دخَلوا في راحَةِ اللهِ لِعصيانِهِم، فإنَّهُ بَقِيَ لآخرينَ أنْ يَدخُلوا فيها. 7لذلِكَ عادَ اللهُ إلى تَوقيتِ يومٍ هوَ ((اليومُ)) في قَولِهِ بِلِسانِ داودَ، بَعدَ زمَنٍ طويلٍ، ما سَبَقَ ذِكرُهُ وهوَ: ((اليومَ، إذا سَمِعتُم صَوتَ اللهِ فلا تُقَسُّوا قُلوبَكُم)). 8فلَو كانَ يَشوعُ أدخَلَهُم في راحَةِ اللهِ، لمَا ذكَرَ اللهُ فيما بَعدُ يومًا آخَرَ. 9فبَقِيَت، إذًا، لِشَعبِ اللهِ راحَةٌ مِثلُ راحَةِ اللهِ في اليومِ السّابِعِ، 10لأنَّ مَنْ دخَلَ في راحَةِ اللهِ يَستَريحُ مِنْ أعمالِهِ كما استَراحَ اللهُ مِنْ أعمالِهِ. 11فلْنَبذُلْ جُهدَنا في سبيلِ الدُّخولِ في تِلكَ الرّاحةِ لِئَلاَّ يقَعَ أحَدٌ في مِثلِ ذلِكَ التَّمَرُّدِ.
12وكلِمَةُ الله حيَّةٌ فاعِلَةٌ، أمضى مِنْ كُلِّ سَيفٍ لَه حَدّانِ، تَنفُذُ في الأعماقِ إلى ما بَينَ النَّفسِ والرُّوحِ والمَفاصِلِ ومِخاخِ العِظامِ، وتَحكُمُ على خَواطِرِ القَلبِ وأفكارِهِ. 13فمَا مِنْ خَليقَةٍ تَخفَى على اللهِ، بَلْ كُلُّ شيءٍ عارٍ مكشوفٌ لِعَينَيهِ ولَه نُؤَدِّي الحِسابَ.

يسوع الكاهن الأعلى

14فلْنَتَمَسَّكْ بإيمانِنا، لأنَّ لنا في يَسوعَ ابنِ الله رَئيسَ كَهنَةٍ عَظيمًا اجتازَ السَّماواتِ. 15ورَئيسُ كَهنَتِنا غيرُ عاجِزٍ عَنْ أنْ يُشفِقَ على ضَعفِنا، وهوَ الّذي خَضَعَ مِثلَنا لِكُلِّ تَجرِبَةٍ ما عَدا الخَطيئَةَ.
16فلْنَتَقَدَّمْ بِثِقَةٍ إلى عَرشِ واهِبِ النِّعمَةِ لنَنالَ رَحمَةً ونَجِدَ نِعمَةً تُعينُنا عِندَ الحاجَةِ.

الارتداد عن الإيمان

5 فكُلُّ رَئيسِ كَهنَةٍ يُؤخَذُ مِنْ بَينِ النّاس ِ ويُقامُ مِنْ أجلِ النّاس ِ في خِدمَةِ اللهِ، لِيُقدِّمَ القَرابينَ والذَّبائحَ تكفيرًا عَنِ الخَطايا. 2وهوَ قادِرٌ أنْ يتَرَفَّقَ بالجُهَّالِ والضَّالينَ لأنَّهُ هُوَ نفسُهُ مُتَلبِّسٌ بالضُّعفِ، 3فكانَ علَيهِ أنْ يُقدِّمَ كفّارَةً لِخَطاياهُ كما يُقَدِّمُ كفَّارَةً لِخطايا الشَّعبِ. 4وما مِنْ أحدٍ يتَوَلَّى بِنَفسِهِ مَقامَ رَئيسِ كَهنَةٍ، إلاَّ إذا دَعاهُ اللهُ كما دعا هارونَ.
5وكذلِكَ المَسيحُ ما رفَعَ نَفسَهُ إلى هذا المَقامِ، بَلِ اللهُ الّذي قالَ لَه: ((أنتَ ابني وأنا اليومَ ولَدتُكَ)). 6وقالَ لَه في مكانٍ آخَرَ: ((أنتَ كاهِنٌ إلى الأبَدِ على رُتبَةِ مَلكيصادَقَ)). 7وهوَ الّذي في أيّامِ حياتِهِ البَشَرِيَّةِ رفَعَ الصَّلَواتِ والتَّضَرُّعاتِ بِصُراخٍ شَديدٍ ودُموعٍ إلى اللهِ القادِرِ أنْ يُخلِّصَهُ مِنَ المَوتِ، فاستَجابَ لَه لِتَقواهُ. 8وتعَلَّمَ الطّاعَةَ، وهوَ الابنُ، بِما عاناهُ مِنَ الألَمِ. 9ولمَّا بلَغَ الكمالَ صارَ مَصدَرَ خَلاصٍ أبَدِيٍّ لِجَميعِ الّذينَ يُطيعونَهُ، 10لأنَّ اللهَ دَعاهُ رَئيسَ كَهنَةٍ على رُتبَةِ ملكيصادَقَ.
11ولنا في هذا المَوضوعِ كلامٌ كثيرٌ، ولكنَّهُ صَعبُ التَّفسيرِ لأنَّكُم بَطيئو الفَهمِ، 12وكانَ لكُمُ الوَقتُ الكافي لِتَصيروا مُعَلِّمينَ، إلاَّ أنَّكُم لا تَزالونَ بِحاجَةٍ إلى مَنْ يُعَلِّمُكُمُ المَبادِئٌ الأوَّلِيَّةَ لأقوالِ الله. فأنتُم بِحاجَةٍ إلى لَبَنٍ، لا إلى طَعامٍ قَوِيٍّ. 13وكُلُّ مَنْ كانَ طَعامُهُ اللَّبَنَ يكونُ طِفلاً لا خِبرَةَ لَه في كلامِ البِرِّ. 14أمَّا الطَّعامُ القَوِيُّ، فهوَ لِلكامِلينَ الّذينَ تَدَرَّبَتْ حَواسُّهُم بالمُمارسَةِ على التَّمييزِ بَينَ الخَيرِ والشَّرِّ.
6 فلْنَرتَفِعْ إلى التَّعليمِ الكامِلِ في المَسيحِ، فلا نَعودَ إلى الكلامِ على المَبادِئِ الأوَّلِيَّةِ القائِمَةِ على التَّوبَةِ مِنَ الأعمالِ المَيْتَةِ، وعلى الإيمانِ باللهِ 2وشَعائِرِ المَعمودِيَّةِ ووَضعِ الأيدي وقيامَةِ الأمواتِ والدَّينونَةِ الأبَدِيَّةِ. 3وهذا ما نَفعَلُ بإذنِ اللهِ.
4فالّذينَ أُنيروا مرَّةً وذاقوا الهِبَةَ السَّماوِيَّةَ وصاروا مُشارِكينَ في الرُّوحِ القُدُسِ، 5واستَطابوا كَلِمَةَ اللهِ الصَّالِحَةَ ومُعجِزاتِ العالَمِ المُقبِلِ، 6ثُمَّ سَقَطوا، يَستَحيلُ تَجديدُهُم وإعادَتُهُم إلى التَّوبَةِ لأنَّهُم يَصلُبونَ ابنَ اللهِ ثانِيَةً لِخسارَتِهِم ويُعَرِّضونَهُ لِلعارِ.
7فكُلُّ أرضٍ شَرِبَتْ ما نزَلَ علَيها مِنَ المَطَرِ مِرارًا وأطْلَعَتْ نَباتًا صالِحًا لِلَّّذينَ فُلِحَتْ مِنْ أجلِهِم، نالَت بَركَةً مِنَ اللهِ. 8ولكنَّها إذا أخرَجَتْ شَوكًا وعُشبًا ضارّاً، فَهِيَ مَرفوضَةٌ تُهَدِّدُها اللَّعنَةُ ويكونُ عاقِبَتَها الحريقُ.
9ومعَ أنَّنا نَتكَلَّمُ هذا الكلامَ، أيُّها الأحبّاءُ، فنَحنُ على يَقينٍ أنَّ لكُم ما هوَ أفضَلُ مِنْ سِواهُ وما يَقودُ إلى الخَلاصِ. 10فما اللهُ بِظالِمٍ حتّى يَنسى ما عَمِلتُموهُ وما أظهَرتُم مِنَ المَحبَّةِ مِنْ أجلِ اسمِهِ حينَ خَدَمتُمُ الإخوَةَ القِدِّيسينَ وما زِلتُم تَخدِمونَهُم. 11ولكنَّنا نَرغَبُ في أنْ يُظهِرَ كُلُّ واحِدٍ مِنكُم مِثلَ هذا الاجتِهادِ إلى النِّهايَةِ، حتّى يَتحَقَّقَ رَجاؤُكُم. 12لا نُريدُ أنْ تكونوا مُتكاسِلينَ، بَلْ أنْ تَقتَدُوا بِالّذينَ يُؤْمِنونَ ويَصبِرونَ، فيَرِثونَ ما وَعَدَ اللهُ.

وعد الله الصادق

13فلمَّا وعَدَ اللهُ إبراهيمَ أقسَمَ بِنَفسِهِ، لأنَّ ما مِنْ أحَدٍ أعظَمَ مِنْ نَفسِهِ ليُقسِمَ بِه، 14قالَ: ((بَركَةً أُبارِكُكَ وكثيرًا أجعَلُ نَسلَكَ)). 15وهكذا صبَرَ إبراهيمُ فَنالَ الوَعدَ. 16والنّاس ُ يُقسِمونَ بِمَنْ هوَ أعظَمُ مِنهُم، والقَسَمُ تَثبيتٌ لأقوالِهِم يَنهي كُلَّ خِلافٍ. 17وكذلِكَ اللهُ، لمَّا أرادَ أنْ يُبرهِنَ لِورَثَةِ الوَعدِ على ثَباتِ إرادَتِهِ، عَزَّزَ قولَهُ بِقَسَمٍ. 18فكانَ لنا بالوَعدِ والقَسَمِ، وهُما أمرانِ ثابِتانِ يَستَحيلُ أنْ يكذِبَ اللهُ فيهِما، ما يُشَجِّعُنا كُلَّ التَّشجيعِ، نَحنُ الّذينَ التَجَأوا إلى اللهِ، على الَّتَمَسُّكِ بِالرَّجاءِ الّذي جعَلَهُ لنا. 19وهذا الرَّجاءُ لِنُفوسِنا مِرساةٌ أمينَةٌ متينَةٌ تختَرِقُ الحِجابَ. 20إلى حيثُ دخَلَ يَسوعُ مِنْ أجلِنا، سابِقًا لنا، وصارَ رَئيسَ كَهنَةٍ إلى الأبَدِ على رُتبَةِ مَلكيصادَقَ.

الكاهن ملكيصادق

7 وكانَ مَلكِيصادَقُ هذا مَلِكَ ساليمَ وكاهِنَ اللهِ العليِّ، خرَجَ لِمُلاقاةِ إبراهيمَ عِندَ رُجوعِهِ بَعدَما هزَمَ المُلوكَ وباركَهُ، 2وأعطاهُ إبراهيمُ العُشْرَ مِنْ كُلِّ شيءٍ. وتَفسيرُ اسمِهِ أوَّلاً مَلِكُ العَدلِ، ثُمَّ مَلِكُ ساليمَ، أي مَلِكُ السَّلامِ. 3وهوَ لا أبَ لَه ولا أُمَّ ولا نسَبَ، ولا لأيَّامِهِ بِداءَةٌ ولا لِحياتِهِ نِهايَةٌ. ولكِنَّهُ، على مِثالِ ابنِ اللهِ، يَبقى كاهِنًا إلى الأبَدِ.
4فانظُروا ما أعظَمَه! إبراهيمُ نَفسُهُ، وهوَ رَئيسُ الآباءِ، أعطاهُ العُشْرَ مِنْ خِيرةِ الغَنائمِ. 5والكَهنَةُ الّذينَ مِنْ بَني لاوي تَأْمُرُهُمُ الشَّريعَةُ بأنْ يأخُذوا العُشْرَ مِنَ الشَّعبِ، أي مِنْ بَني عَشيرَتِهِم، معَ أنَّهُم خَرَجوا هُم أيضًا مِنْ صُلبِ إبراهيمَ. 6وما كانَ مَلْكيصادَقُ مِنْ نَسلِ لاوي، ولكِنَّهُ أخَذَ العُشْرَ مِنْ إبراهيمَ وباركَهُ وهوَ الّذي نالَ الوَعدَ مِنَ اللهِ. 7ولا خِلافَ في أنَّ الأكبَرَ هوَ الّذي يُبارِكُ الأصغَرَ. 8ثُمَّ إنَّ العُشْرَ لِلكَهنَةِ يأخُذُهُ بشَرٌ مائِتونَ، وأمَّا العُشْرُ لمَلكِيصادَقَ فأخَذَهُ الّذي يَشهَدُ الكِتابُ لَه بأنَّهُ حيٌّ. 9ويُمكِنُ القَولُ إنَّ لاوي نَفسَهُ، وهوَ الّذي يأخُذُ العُشْرَ، أدَّى العُشْرَ على يدِ إبراهيمَ، 10لأنَّهُ كانَ في صُلبِ أبيهِ إبراهيمَ يومَ خرَجَ مَلْكيصادَقُ لمُلاقاتِهِ.
11ولَو كانَ الكَمالُ تَحَقَّقَ بالكَهَنوتِ اللاَّوِيِّ، وهوَ أساسُ الشَّريعَةِ الّتي تَسلَّمَها الشَّعبُ، فأيَّةُ حاجَةٍ بَعدَهُ إلى أنْ يَظهَرَ كاهِنٌ آخرُ على رُتبَةِ مَلْكِيصادَقَ؟ وما قالَ الكِتابُ على رُتبةِ هارونَ. 12لأنَّهُ إذا تبَدَّلَ الكَهَنوتُ، فَلا بُدَّ مِنْ أنْ تَتَبدَّلَ الشَّريعَةُ. 13والّذي يُقالُ هذا فيهِ يَنتَمي إلى عَشيرةٍ أُخرى، ما قامَ أحَدٌ مِنها بِخِدمَةِ المَذبَحِ. 14فمِنَ المَعروفِ أنَّ رَبَّنا طلَعَ مِنْ يَهوذا، وما ذكَرَ موسى هذِهِ العَشيرَةَ في كلامِهِ على الكَهنَةِ.
15ومِمَّا يزيدُ الأمرَ وُضوحًا أنَّهُ على مِثالِ مَلْكِيصادَقَ ظهَرَ الكاهِنُ الآخَرُ، 16لا على أساسِ نسَبٍ بشَريٍّ، بَلْ بِقُوَّةِ حياةٍ لا تَزولُ. 17فشَهادةُ الكِتابِ لَه هِيَ: ((أنتَ كاهِنٌ إلى الأبَدِ على رُتبَةِ مَلْكِيصادَقَ)). 18وهكذا بطَلَتِ الوَصِيَّةُ السّابِقَةُ لِضُعفِها وقِلَّةِ فائِدَتِها، 19لأنَّ شريعَةَ موسى ما حَقَّقَتِ الكَمالَ في شيءٍ، فحَلَّ محَلَّها رَجاءٌ أفضَلُ مِنها نتَقَرَّبُ بِه إلى اللهِ.
20وما تَمَّ هذا بِلا يَمينٍ مِنَ اللهِ. فأولئِكَ اللاَّويُّونَ أُقيموا كَهنَةً بِلا يَمينٍ، 21وأمَّا يَسوعُ فأُقيمَ كاهِنًا بيَمينٍ مِنَ اللهِ الّذي قالَ لَه: ((أقسَمَ الرَّبُّ، ولَنْ يَندَمَ، أنَّكَ كاهِنٌ إلى الأبَدِ)). 22وهكذا صارَ يَسوعُ ضَمانًا لِعَهدٍ أفضَلَ مِنَ العَهدِ الأوَّلِ.
23وأولئِكَ الكَهنَةُ عَدَدُهُم كثيرٌ، لأنَّ الموتَ كانَ يَمنَعُ بَقاءَهُم. 24وأمَّا يَسوعُ الّذي يَبقى إلى الأبَدِ، فلَهُ كَهَنوتٌ لا يَزولُ. 25وهوَ قادِرٌ أنْ يُخَلِّصَ الّذينَ يَتَقرَّبونَ بِه إلى اللهِ خَلاصًا تامُا، لأنَّهُ حيٌّ باقٍ لِيَشفَعَ لهُم.
26فيَسوعُ، إذًا، هوَ رئيسُ الكَهنَةِ الّذي يُناسِبُنا، هوَ قُدّوسٌ بَريءٌ لا عَيبَ فيهِ ولا صِلَةَ لَه بِالخاطِئينَ، ارتفَعَ إلى أعلَى مِنَ السَّماواتِ. 27وهوَ بِخِلافِ رُؤَساءِ الكَهنَةِ، لا حاجَةَ بِه إلى أنْ يُقَدِّمَ الذَّبائِحَ كُلَّ يومٍ كَفارَةً لِخَطاياهُ أوَّلاً، ثُمَّ لِخطايا الشَّعبِ، لأنَّهُ فعَلَ هذا مَرَّةً واحدَةً، حينَ قَدَّمَ نَفسَهُ. 28وشريعَةُ موسى تُقيمُ مِنَ البَشَرِ الضُّعَفاءِ رُؤساءَ كَهنَةٍ، أمَّا كلامُ القَسَمِ بَعدَ الشَّريعَةِ فيُقيمُ الابنَ الّذي جُعِلَ كامِلاً إلى الأبَدِ.

يسوع كاهن العهد الجديد

8 وخُلاصَةُ القَولِ هِيَ أنَّ لنا رئيسَ كَهنَةٍ هذِهِ عَظَمَتُهُ، جَلَسَ عَنْ يَمينِ عَرشِ الجَلالِ في السَّماواتِ، 2خادِمًا لِقُدسِ الأقداسِ والخيمَةِ الحَقيقِيَّةِ الّتي نَصَبَها الرَّبُّ لا الإنسانُ.
3ويُقامُ كُلُّ رَئيسِ كَهنَةٍ لِيُقَدِّمَ القرابينَ والذَّبائِحَ، فلا بُدَّ أنْ يكونَ لِرئيسِ كهنَتِنا شيءٌ يُقَدِّمُهُ. 4فلَو كانَ يَسوعُ في الأرضِ لَما أُقيمَ كاهِنًا، لأنَّ هُناكَ مَنْ يُقَدِّمُ القَرابينَ وِفقًا لِلشَّريعَةِ. 5هَؤُلاءِ يَخدُمونَ صُورَةً وظِلاًّ لِمَا في السَّماواتِ. فحينَ أرادَ موسى أنْ يَنصِبَ الخَيمةَ أوحى إلَيهِ اللهُ قالَ: ((أُنظُرْ واعمَلْ كُلَّ شيءٍ على المِثالِ الّذي أريتُكَ إيّاهُ على الجبَلِ)).
6ولكِنَّ المَسيحَ نالَ خِدمَةً أفضَلَ مِنَ الّتي قَبْلَها بِمِقدارِ ما هوَ وسيطٌ لعَهدٍ أفضَلَ مِنَ العَهدِ الأوَّلِ، لأنَّهُ قامَ على أساسِ وُعودٍ أفضَلَ مِنْ تِلكَ. 7فلَو كانَ العَهدُ الأوَّلُ لا عيبَ فيهِ، لما دَعَتِ الحاجَةُ إلى عَهدٍ آخَرَ.
8واللهُ يَلومُ شعبَهُ بِقَولِهِ:
((يَقولُ الربُّ: ها هِيَ أيّامٌ تَجيءُ
أقطَعُ فيها لِبَني إِسرائيلَ
ولِبَني يَهوذا عَهدًا جَديدًا،
9لا كالعَهدِ الّذي جَعَلتُهُ لآبائِهِم يومَ أخَذتُ بِيَدِهِم لأُخرِجَهُم مِنْ أرضِ مِصْرَ،
فما ثَبَتوا على عَهدي.لذلِكَ أهمَلتُهُم أنا الرَّبُّ.
10وهذا هوَ العَهدُ الّذي أُعاهِدُ علَيهِ بَني إِسرائيلَ في الأيّامِ الآتيَةِ، يَقولُ الرَّبُّ:
سأجعَلُ شرائعي في عُقولِهِم وأكتُبُها في قُلوبِهِم،
فأكونُ لهُم إلَهًا ويكونونَ لي شَعبًا.
11فلا أحدَ يُعَلِّمُ ابنَ شعبِهِ ولا أخاهُ فيَقولُ لَه: إعرِفِ الرَّبَّ ،
لأنَّهُم سيَعرِفوني كُلُّهُم
مِنْ صَغيرِهِم إلى كَبيرِهِم،
12فأصفَحُ عَنْ ذُنوبِهِم ولَنْ أذكُرَ خَطاياهُم مِنْ بَعدُ)).
13واللهُ بِكلامِهِ على ((عَهدٍ جديدٍ)) جعَلَ العَهدَ الأوَّلَ قديمًا، وكُلُّ شيءٍ عَتَقَ وشاخَ يَقتَرِبُ مِنَ الزَّوالِ.

المسيح وسيط العهد الجديد

9 فالعَهدُ الأوَّلُ كانَت لَه شَعائِرُ العِبادَةِ والقُدسِ الأرضِيِّ. 2فكانَ هُناكَ مَسكِنٌ مَنصوبٌ هوَ المَسكِنُ الأوَّلُ الّذي يُقالُ لَه القُدسُ، وفيهِ المَنارَةُ والمائِدَةُ وخُبزُ القُربانِ. 3وكانَ وراءَ الحِجابِ الثّاني مَسكِنٌ يُقالُ لَه قُدْسُ الأقداسِ، 4وفيهِ المِبخَرَةُ الذَّهَبِيَّةُ وتابوتُ العَهدِ وكُلُّهُ مُغَشّىً بِالذَّهَبِ، وفيهِ وِعاءٌ ذَهَبِيٌّ يَحتَوي المَنَّ وَفيهِ عَصا هارونَ الّتي أورَقَتْ ولَوْحا وصايا العَهدِ. 5وكانَ فَوقَ التَّابوتِ كَروبا المَجدِ يُظَلِّلانِ الغِطاءَ. ولا مَجالَ الآنَ لِلكَلامِ على هذا كُلِّهِ بِالتَّفصيلِ.
6كانَ كُلُّ شيءٍ على هذا التَّرتيبِ، فيَدخُلُ الكَهنَةُ إلى المَسكِنِ الأوَّلِ في كُلِّ وَقتٍ ويَقومونَ بِشَعائِرِ العِبادَةِ. 7ولكِنَّ رَئيسَ الكَهنَةِ وَحدَهُ يَدخُلُ إلى المَسكِنِ الثَّاني مرَّةً في السَّنَةِ، ولا يَدخُلُها إلاَّ ومعَهُ الدَّمُ الّذي يُقَدِّمُهُ كَفّارَةً لِخَطاياهُ ولِلخطايا الّتي ارتكَبَها الشَّعبُ عَنْ جَهلٍ مِنهُم. 8وبِهذا يُشيرُ الرُّوحُ القُدُسُ إلى أنَّ الطَّريقَ إلى قُدْسِ الأقداسِ غَيرُ مَفتوحِ ما دامَ المَسكِنُ الأوَّلُ قائِمًا. 9وهذا التَّرتيبُ رَمزٌ إلى الزَّمَنِ الحاضِرِ، وكانَ يَتِمُّ فيهِ تَقديمُ قَرابينَ وذَبائِحَ لا تَقدِرُ أنْ تَجعَلَ الكاهِنَ كامِلَ الضَّميرِ. 10فهِيَ أحكامٌ تَخُصُّ الجَسَدَ وتَقتَصِرُ على المَأْكَلِ والمَشرَبِ ومُختَلفِ أساليبِ الغَسلِ، وكانَت مَفروضَةً إلى الوَقتِ الّذي يُصلِحُ اللهُ فيهِ كُلَّ شيءٍ.
11ولكِنَّ المَسيحَ جاءَ رئيسَ كَهنَةٍ لِلخيراتِ المُستَقبَلْ َةِ واجتازَ خَيمَةً أعظَمَ وأكمَلَ مِنْ تِلكَ الخَيمَةِ الأولى، غَيرَ مَصنوعَةٍ بأيدي البَشَرِ، أي أنَّها لا تَنتَمي إلى هذِهِ الخليقَةِ، 12فدَخَلَ قُدْسَ الأقداسِ مرَّةً واحدَةً، لا بِدَمِ التُّيوسِ والعُجولِ، بَلْ بِدَمِهِ، فكَسَبَ لَنا الخَلاصَ الأبدِيَّ. 13فإذا كانَ رَشُّ دَمِ التُّيوسِ والثِّيرانِ ورَمادِ العِجلَةِ يُقَدِّسُ المُنَجَّسينَ ويُطَهِّرُ جَسَدَهُم، 14فما أَولى دَمُ المَسيحِ الّذي قَدَّمَ نَفسَهُ إلى الله بالرُّوحِ الأزلِيِّ قُربانًا لا عَيبَ فيهِ، أنْ يُطَهِّرَ ضَمائِرَنا مِنَ الأعمالِ المَيِّتَةِ لِنَعبُدَّ اللهَ الحيَ.
15لذلِكَ هوَ الوَسيطُ لِعَهدٍ جَديدٍ يَنالُ فيهِ المَدعوّونَ الميراثَ الأبدِيَّ المَوعودَ، لأنَّهُ ماتَ كَفّارَةً لِلمَعاصي الّتي ارتكَبَها الشَّعبُ في أيّامِ العَهدِ الأوَّلِ.
16فحَيثُ تكونُ الوَصِيَّةُ يَجبُ إثباتُ مَوتِ المُوصي، 17لأنَّ الوَصِيَّةَ مَرهونَةٌ بِمَوتِ المُوصي، فلا فِعلَ لها ما دامَ المُوصي حيّاً. 18ولذلِكَ تكَرَّسَ العَهدُ الأوَّلُ أيضًا بِالدَّمِ. 19فَموسى، بَعدَما تَلا على مَسامِعِ الشَّعبِ جميعَ الوَصايا كما هِيَ في الشَّريعَةِ، أخَذَ دمَ العُجولِ والتُّيوسِ، ومَعهُ ماءٌ وصُوفٌ قِرمِزيُّ وزوفى، ورَشَّهُ على كِتابِ الشَّريعَةِ نَفسِهِ وعلى الشَّعبِ كُلِّهِ 20وقالَ: ((هذا هوَ دَمُ العَهدِ الّذي أمرَكُمُ اللهُ بِه)). 21وكذلِكَ رَشَّ الخَيمَةَ وكُلَّ أدَواتِ العِبادَةِ بِالدَّمِ. 22ويكادُ لا يَطْهُرُ شيءٌ حسَبَ الشَّريعَةِ إلاَّ بِالدَّمِ، وما مِنْ مَغفِرَةٍ بِغَيرِ إراقَةِ دَمٍ.

المسيح أعظم الذبائح

23فإذا كانَ مِثالُ الأُمورِ السَّماوِيَّةِ يَلزَمُهُ التَّطهيرُ بِهذِهِ الشَّعائِرِ، فالأُمورُ السَّماوِيَّةُ نَفسُها يَلزَمُها تَطهيرٌ بِذَبائِحَ أفضَلَ مِنْ تِلكَ، 24لأنَّ المَسيحَ ما دخَلَ قُدسًا صَنَعَتهُ أيدي البَشَرِ صُورَةً لِلقُدسِ الحَقيقِيِّ، بَلْ دَخَلَ السَّماءَ ذاتَها لِيظهَرَ الآنَ في حَضرَةِ اللهِ مِنْ أجلِنا، 25لا لأنَّهُ سَيُقدِّمُ نَفسَهُ عِدَّةَ مَرّاتٍ كما يَدخُلُ رَئيسُ الكَهنَةِ قُدْسَ الأقداسِ كُلَّ سنَةٍ بِدَمٍ غَيرِ دَمِهِ، 26وإلاَّ لكانَ علَيهِ أنْ يتَألَّمَ مَرّاتٍ كَثيرَةً مُنذُ إنشاءِ العالَمِ. ولكِنَّهُ ظَهَرَ الآنَ مرَّةً واحدَةً عِندَ اكتِمالِ الأزمِنَةِ لِيُزيلَ الخَطيئَةَ بِتَقديمِ نَفسِهِ ذَبيحَةً للهِ. 27وكما أنَّ مَصيرَ البَشَرِ أنْ يَموتوا مرَّةً واحدَةً، وبَعدَ ذلِكَ الدَّينونَةُ،
28فكذلِكَ المَسيحُ قَدَّمَ نَفسَهُ مَرَّةً واحدَةً لِيُزيلَ خَطايا الكثيرِ مِنَ النّاس ِ. وسيَظهَرُ ثانِيَةً، لا لأجلِ الخَطيئَةِ، بَلْ لِخلاصِ الّذينَ يَنتَظِرونَهُ.
10 ولأنَّ الشَّريعَةَ ظِلُّ الخَيراتِ الآتِيَةِ، لا جَوهَرُ الحَقائِقِ ذاتِها، فَهِيَ لا تَقدِرُ بِتِلكَ الذَّبائِحِ نَفسِها الّتي يَستَمِرُّ تَقديمُها سنَةً بَعدَ سنَةٍ أنْ تَجعَلَ الّذينَ يَتقَرَّبونَ بِها إلى اللهِ كامِلينَ، 2وإلاَّ لتَوَقَّفوا عَنْ تَقريبِها. فالعابِدونَ، إذا تَمَّتْ لهُمُ الطَّهارَةُ مرَّةً واحدَةً، زالَ مِنْ ضَميرِهِمِ الشُّعورُ بِالخَطيئَةِ، 3في حين أنَّ تِلكَ الذَّبائِحَ ذِكرى لِلخطايا سنَةً بَعدَ سنَةٍ، 4لأنَّ دمَ الثِّيرانِ والتُّيوسِ لا يَقدِرُ أنْ يُزيلَ الخَطايا.
5لِذلِكَ قالَ المَسيحُ للهِ عِندَ دُخولِهِ العالَمَ:
(( ما أرَدتَ ذَبيحَةً ولا قُربانًا،
لكنَّكَ هيّأتَ لي جَسَدًا،
6لا بِالمُحرَقاتِ سُرِرتَ
ولا بِالذَّبائِحِ كَفّارَةً لِلخَطايا.
7فقُلتُ: ها أنا أجيءُ يا اللهُ
لأعمَلَ بِمَشيئَتِكَ،
كما هوَ مكتوبٌ عَنِّي
في طَيِّ الكِتابِ)).
8فهوَ قالَ أوَّلاً: ((ما أرَدتَ ذَبائِحَ وقَرابينَ ومُحرَقاتٍ وذَبائِحَ كَفّارَةً لِلخَطايا ولا سُرِرتَ بِها))، معَ أنَّ تَقديمَها يَتِمُّ حسَبَ الشَّريعَةِ. 9ثُمَّ قالَ: ((ها أنا أجيءُ لأعمَلَ بِمَشيئَتِكَ))، فأبطَلَ التَّرتيبَ الأوَّلَ لِيُقيمَ الثّاني. 10ونَحنُ بِفَضلِ تِلكَ الإِرادةِ تَقَدَّسْنا بِجَسَدِ يَسوعَ المَسيحِ الّذي قَدَّمَهُ قُربانًا مرَّةً واحدَةً. 11ويَقِفُ الكاهِنُ اليَهودِيُّ كُلَّ يومٍ فيَقومُ بِالخدمَةِ ويُقدِّمُ الذَّبائِحَ نَفسَها مرّاتٍ كَثيرَةً، وهِيَ لا تَقدِرُ أنْ تَمحُوَ الخَطايا. 12وأمَّا المَسيحُ، فقَدَّمَ إلى الأبَدِ ذَبيحَةً واحدَةً كَفـّارَةً لِلخطايا، ثُمَّ جلَسَ عنْ يَمينِ اللهِ، 13وهوَ الآنَ يَنتَظِرُ أنْ يَجعَلَ اللهُ أعداءَهُ موطِئًا لِقَدَمَيهِ، 14لأنَّهُ بِقُربانٍ واحدٍ جَعَلَ الّذينَ قَدَّسَهُم كامِلينَ إلى الأبَدِ. 15وهذا ما يَشهَدُ لنا بِه الرُّوحُ القُدُسُ أيضًا. فبَعدَ أنْ قالَ:
16((هذا هوَ العَهدُ الّذي أُعاهِدُهُم إيّاهُ في الأيّامِ الآتِيَةِ، يَقولُ الرَّبُّ:
سأجعَلُ شَرائِعي في قُلوبِهِم
وأكتُبُها في عُقولِهِم
17ولَنْ أذكُرَ خَطاياهُم وآثامَهُم مِنْ بَعدُ)).
18فحَيثُ يكونُ الصَّفحُ عَنْ هذا كُلِّهِ، لا تَبقى حاجَةٌ إلى قُربانٍ مِنْ أجلِ الخَطيئَةِ.

دعوة إلى الثقة

19ونَحنُ واثِقونَ، أيُّها الإخوَةُ، بأنَّ لنا طريقًا إلى قُدْسِ الأقداسِ بِدَمِ يَسوعَ، 20طريقًا جديدًا حيّاً فتَحَهُ لنا في الحِجابِ، أي في جَسَدِهِ، 21وأنَّ لنا كاهِنًا عَظيمًا على بَيتِ اللهِ، 22فلْنَقتَرِبْ بِقَلبٍ صادِقٍ وإيمانٍ كامِلٍ، وقُلوبُنا مُطَهَّرَةٌ مِنْ سُوءِ النِّـيَّةِ وأجسادُنا مَغسولَةٌ بِماءٍ طاهِرٍ، 23ولنَتَمَسَّكْ مِنْ دونِ انحرافٍ بِالرَّجاءِ الّذي نَشهَدُ لَه، لأنَّ اللهَ الّذي وعَدَ أمينٌ، 24وليَهتَمَّ بَعضُنا بِبَعضٍ، مُتَعاوِنينَ في المَحبَّةِ والعَمَلِ الصّالِحِ. 25ولا تَنقَطِعوا عَنِ الاجتِماعِ كما اعتادَ بَعضُكُم أنْ يَفعَلَ، بَلْ شَجِّعوا بَعضُكم بَعضًا، على قَدْرِ ما تَروْنَ أنَّ يومَ الرَّبِّ يَقتَرِبُ.
26فإذا خَطِئنا عَمْدًا، بَعدَما حَصَلْنا على مَعرِفَةِ الحَقِّ، فلا تَبقى هُناكَ ذَبـيحةٌ كَفّارةٌ لِلخطايا، 27بَلِ انتِظارٌ مُخيفٌ لِيَومِ الحِسابِ ولَهيبُ نارٍ يَلتَهِمُ العُصاةَ. 28مَنْ خالَفَ شَريعَةَ موسى يَموتُ مِنْ دونِ رَحمَةٍ بِشَهادَةِ شاهِدَينِ أو ثَلاثَةٍ، 29فكَمْ تَظُنُّونَ يَستَحِقُّ العِقابَ مَنْ داسَ ابنَ اللهِ ودَنَّسَ العَهدَ الّذي تَقَدَّسَ بِه واستَهانَ بِرُوحِ النِّعمَةِ؟ 30فنَحنُ نَعرِفُ الّذي قالَ: ((ليَ الانتِقامُ وأنا الّذي يُجازي)). وقالَ أيضًا: ((الرَّبُّ سيَدينُ شَعبَهُ)). 31فالوَيلُ لِمَنْ يقَعُ في يَدِ اللهِ الحَيِّ.
32تَذَكَّروا الأيّامَ الماضِيَةَ وكم جاهَدْتُم وتَحمَّلْتُم مِنَ الآلامِ بَعدَما استَنَرتُم، 33فتَعَرَّضتُم مِنْ جِهَةٍ لِلتَّعييرِ والشَّدائدِ، ومِنْ جِهَةٍ أُخرى صِرتُم شُرَكاءَ الّذينَ عُومِلوا بِمِثلِ هذا العَمَلِ.
34فشارَكتُمُ السُّجَناءَ في آلامِهِم وصَبِرتُم فرِحينَ على نَهبِ أموالِكُم، عارِفينَ أنَّ لكُم مالاً أفضَلَ لا يَزولُ. 35لا تَفقدوا إذًا ثِقَتَكُم، فلَها جَزاءٌ عَظيمٌ. 36وأنتُم بِحاجَةٍ إلى الصَّبرِ حتّى تَعمَلوا بِمَشيئَةِ اللهِ وتَحصلوا على وَعدِهِ.
37((قليلاً قليلاً مِنَ الوَقتِ
فيَأتي الآتي ولا يُبطئُ.
38البارُّ عِندي بالإيمانِ يَحيا
وإنِ ارتَدَّ، لا أرضى بهِ)).
39فما نَحنُ مِنْ أهلِ الارتِدادِ لِنَهلِكَ، بَلْ مِنْ أهلِ الإيمانِ لِنَخلُصَ.

الإيمان

11 الإيمانُ هوَ الوُثوقُ بِما نَرجوهُ وتَصديقُ ما لا نَراهُ، 2وبِه شَهِدَ اللهُ لِلقُدَماءِ.
3بالإيمانِ نُدرِكُ أنَّ اللهَ خَلَقَ الكَونَ بِكلِمَةٍ مِنهُ، فصَدَرَ ما نَراهُ مِمّا لا نَراهُ.
4بالإيمانِ قَدَّمَ هابيلُ لله ذَبيحَةً أفضَلَ مِنْ ذَبيحةِ قايينَ، وبالإيمانِ شَهِدَ اللهُ لَه أنَّهُ مِنَ الأبرارِ عِندَما رَضِيَ بِقرابينِهِ، وبالإيمانِ ما زالَ يتكَلَّمُ بَعدَ مَوتِهِ.
5بالإيمانِ رفَعَ اللهُ أخْنُوخَ إلَيهِ مِنْ غَيرِ أنْ يَرى المَوتَ، فما وجَدَهُ أحدٌ لأنَّ اللهَ رَفعَهُ إلَيهِ. والكِتابُ شَهِدَ لَه قَبلَ رَفْعِهِ بأنَّهُ أرضى اللهَ، 6وبِغَيرِ الإِيمانِ يَستَحيلُ إرضاءُ اللهِ، لأنَّ الّذي يتَقَرَّبُ إلى اللهِ يَجِبُ أنْ يُؤمِنَ بأنَّهُ موجودٌ وأنَّهُ يُكافئُ الّذينَ يَطلُبونَه.
7بالإيمانِ اتَّعَظَ نُوحٌ فبَنى فُلْكًا لِخلاصِ أهلِ بَيتِهِ عِندَما أنذَرَهُ اللهُ بِما سيَحدُثُ مِنْ أُمورٍ لا يَراها. وهكذا حكَمَ على العالَمِ وورِثَ البِرَّ ثَمَرَةً للإيمانِ.
8بالإيمانِ لبَّى إبراهيمُ دَعوَةَ اللهِ فخَرَجَ إلى بلَدٍ وعَدَهُ اللهُ بِه ميراثًا، خرَجَ وهوَ لا يَعرِفُ إلى أينَ يَذهَبُ. 9وبالإيمانِ نَزَلَ في أرضِ الميعادِ كأنَّهُ في أرضٍ غريبَةٍ، وأقامَ في الخِيامِ معَ إسحقَ ويَعقوبَ شَريكَيهِ في الوَعدِ ذاتِهِ، 10لأنَّهُ كانَ ينتَظِرُ المدينةَ الثّابِتَةَ على أُسُسٍ واللهُ مُهَندِسُها وبانيها.
11بالإيمانِ نالَتْ سارَةُ نَفسُها القُدرَةَ على أنْ تَحبَلْ َ معَ أنَّها عاقِرٌ جاوَزَتِ السِّنَّ، لأنَّها اعتَبَرَت أنَّ الّذي وعَدَ أمينٌ، 12فولَدَتْ مِنْ رَجُلٍ واحدٍ قارَبَ المَوتَ نَسلاً كثيرًا مِثلَ نُجومِ السَّماءِ ولا حَصرَ لَه كالرِّمالِ الّتي على شاطِئِ البحرِ.
13وفي الإيمانِ ماتَ هَؤُلاءِ كُلُّهُم دونَ أن يَنالوا ما وعَدَ اللهُ بِه، ولكنَّهُم رَأَوهُ وحَيَّوهُ عَنْ بُعدٍ. واعتَرَفوا بأنَّهُم غُرَباءُ نُزَلاءُ في الأرضِ، 14والّذينَ يَقولونَ هذا القَولَ يُبَرهِنونَ أنَّهُم يَطلُبونَ وطَنًا. 15ولَو كانوا ذكَروا الوَطنَ الّذي خَرَجوا مِنهُ، لكانَ لهُم فُرصَةٌ لِلعَودَةِ إلَيهِ. 16ولكنَّهُم كانوا يَشتاقونَ إلى وطَنٍ أفضَلَ مِنهُ، أي إلى الوَطَنِ السَّماوِيِّ. لذلِكَ لا يَستَحي اللهُ أنْ يكونَ إلهَهُم، فهوَ الّذي أعدَّ لهُم مدينةً.
17بالإيمانِ قَدَّمَ إبراهيمُ ابنَهُ الوحيدَ إسحقَ ذَبيحةً عِندَما امتحَنَهُ اللهُ، قدَّمَهُ وهوَ الّذي أعطاهُ الله الوَعدَ 18وقالَ لَه: ((بإسحقَ يكونُ لَكَ نَسلٌ)). 19واعتقَدَ إبراهيمُ أنَّ اللهَ قادِرٌ أنْ يُقيمَ الأمواتَ. لِذلِكَ عادَ إلَيهِ ابنُهُ إسحقُ وفي هذا رَمزٌ.
20بالإيمانِ بارَكَ إسحقُ يَعقوبَ وعيسو لِخَيراتِ المُستَقبَلِ. 21وبالإيمانِ بارَكَ يَعقوبُ، لمّا حَضَرَهُ المَوتُ، كُلاًّ مِن ابنَي يوسُفَ وسجَدَ للهِ وهوَ مُستَنِدٌ إلى طرَفِ عَصاهُ. 22وبالإيمانِ ذكَرَ يوسُفُ عِندَ موتِهِ خُروجَ بَني إِسرائيلَ مِنْ مِصْرَ وأوصى أين يَدفنونَ عِظامَه.
23بالإيمانِ أخفى والِدا موسى ابنَهُما ثَلاثةَ أشهُرٍ بَعدَ مَولِدِهِ، لأنَّهُما رأيا الطِّفلَ جَميلاً وما أخافَهُما أمرُ المَلِكِ. 24بالإيمانِ رفَضَ موسى، بَعدَما كبِرَ، أنْ يُدعى ابنًا لِبنتِ فِرعَونَ، 25وفَضَّلَ أنْ يُشارِكَ شَعبَ اللهِ في الذُّلِّ على التَّمتُّعِ الزائِلِ بِالخَطيئَةِ، 26واعتبَرَ عارَ المَسيحِ أغنى مِنْ كُنوزِ مِصْرَ، لأنَّهُ تَطلَّعَ إلى ما سيَنالُهُ مِنْ ثَوابٍ.
27بِالإيمانِ ترَكَ موسى مِصْرَ دونَ أنْ يَخافَ مِنْ غَضَبِ المَلِكِ، وثَبَتَ على عَزمِهِ كأنَّهُ يَرى ما لا تَراهُ عَينٌ. 28بِالإيمانِ أقامَ الفِصحَ ورَشَ الدَّمَ، لِئَلاَّ يَمَسَّ مَلاكُ المَوتِ أيَ بِكرٍ لِبَني إِسرائيلَ.
29بالإيمانِ عبَرَ بَنو إِسرائيلَ البحرَ الأحمَرَ كأنَّهُ بَرٌّ، ولمَّا حاوَلَ المِصْرِيُّونَ عُبورَهُ غَرِقوا.
30بِالإيمانِ سَقَطَت أسوارُ أريحا بَعدَما طافَ بِها بَنو إِسرائيلَ سَبعَةَ أيّامٍ. 31بِالإيمانِ نَجَتْ راحابُ البَغِيُّ مِنَ الهَلاكِ معَ العُصاةِ، لأنَّها رَحَّبَت بِالجاسوسَينِ.
32وماذا أقولُ بَعدُ؟ الوَقتُ يَضيقُ بي إذا أخبَرتُ عنْ جِدعَونَ وباراقَ وشَمشونَ ويَفتاحَ وداودَ وصَموئيلَ والأنبياءِ. 33فهُم بِالإيمانِ أخضَعوا المَمالِكَ وأقاموا العَدلَ ونالوا ما وعَدَ بِه الله وسَدُّوا أفواهَ الأُسودِ 34وأخمَدوا لَهيبَ النيِّرانِ ونَجَوا مِنْ حَدِّ السَّيفِ وتغَلَّبوا على الضُّعفِ وصاروا أبطالاً في الحَربِ وهزَموا جُيوشَ الغُرَباءِ، 35واستَعادَ نِساءٌ أمواتَهُنَّ بالقِيامَةِ. واحتمَلَ بَعضُهُمُ التَّعذيبَ ورَفَضوا النَّجاةَ في سَبيلِ القيامَةِ إلى حَياةٍ أفضَلَ، 36وقاسى آخَرونَ الهُزءَ والجَلْدَ، بَلِ القُيودَ والسِّجنَ. 37ورُجِموا ونُشِروا وقُتِلوا بِحَدِّ السَّيفِ وتَشَرَّدوا لابِسينَ جُلودَ الغَنَمِ والماعِزِ مَحرومينَ مَقهورينَ مَظلومينَ، 38لا يَستَحِقُّهُمُ العالَمُ، فتاهوا في البَراري والجِبالِ والمَغاوِرِ وكُهوفِ الأرضِ.
39وما حصَلَ هَؤُلاءِ على الوَعدِ معَ أنَّهُ مَشهودٌ لهُم بِالإيمانِ، 40لأنَّ اللهَ أعَدَّ لنا مَصيرًا أفضَلَ مِنْ مَصيرِهِم وشاءَ أنْ لا يَصيروا كامِلينَ إلاَّ مَعَنا.

تأديب الرب

12 أمَّا ونَحنُ مُحاطونَ بِسَحابَةٍ كَثيفَةٍ مِنَ الشُّهودِ، فعلَينا أنْ نُلقِيَ عَنّا كُلَّ ثِقلٍ وكُلَّ خَطيئَةٍ عالِقَةٍ بِنا، فنَجري بِعَزمٍ في ميدانِ الجِهادِ المُمتَدِّ أمامَنا، 2ناظِرينَ إلى رَأسِ إيمانِنا ومُكَمِّلِهِ، يَسوعَ الّذي تَحَمَّلَ الصَّليبَ مُستَخِفّاً بِالعارِ، مِنْ أجلِ الفَرَحِ الّذي يَنتَظِرُهُ، فجَلَسَ عنْ يَمينِ عَرشِ اللهِ.
3فكِّروا في هذا الّذي احتَمَلَ مِنَ الخاطِئينَ مِثلَ هذِهِ العَداوَةِ لِئَلاَّ تَيأَسوا وتَضعُفَ نُفوسُكُم. 4فما قاوَمتُم أنتُم بَعدُ حتّى بَذْلِ الدَّمِ في مُصارَعَةِ الخَطيئَةِ. 5ولعَلَّكُم نَسِيتُمُ الكلامَ الّذي يُخاطِبُكُم كبَنينَ:
(( لا تَحَتقِرْ، يا ابني، تأديبَ الرَّبِّ
ولا تيأَسْ إذا وَبَّخَكَ،
6لأنَّ مَن يُحِبُّهُ الرَّبُّ يُؤَدِّبُه
ويَجلِدُ كُلَّ ابنٍ يَرتَضيهِ)).
7فتَحَمَّلوا التَّأديبَ، واللهُ إنَّما يُعامِلُكُم مُعامَلَةَ البنينَ، وأيُّ ابنٍ لا يُؤدِّبُهُ أبوهُ؟
8فإذا كانَ لا نَصيبَ لكُم مِنْ هذا التّأديبِ، وهوَ مِنْ نَصيبِ جميعِ البَنينَ، فأنتُم ثَمَرَةُ الزِّنى لا بَنونَ. 9كانَ آباؤُنا في الجَسَدِ يُؤدِّبونَنا وكُنَّا نَهابُهُم، أفلا نَخضَعُ بالأَحرى لأبينا في الرُّوحِ لِنَنالَ الحياةَ؟ 10هُم كانوا يُؤَدِّبونَنا لِوَقتٍ قَصيرٍ وكما يَستَحسِنونَ، وأمَّا اللهُ فيُؤدِّبُنا لِخَيرِنا فنُشارِكُهُ في قَداسَتِه. 11ولكِنْ كُلُّ تَأْديبٍ يَبدو في ساعَتهِ باعِثًا على الحُزنِ، لا على الفَرَحِ. إلاَّ أنَّهُ يَعودُ فيما بَعدُ على الّذينَ عانوهُ بِثَمَرِ البِرِّ والسَّلامِ.

عاقبة الكفر بنعمة الله

12فشُدُّوا أيديَكُمُ المُستَرخِيَةَ ورُكَبَكُمُ الضَّعيفَةَ، 13واجعَلوا طُرُقًا مُستَقيمَةً لأقدامِكُم فلا يَنحَرِفَ الأعرَجُ بَلْ يَشفى.
14سالِموا جميعَ النّاس ِ وعيشوا حياةَ القَداسَةِ الّتي بِغَيرِها لَنْ يَرى أحدٌ الرَّبَّ . 15واحرِصوا أنْ لا يَحرِمَ أحدٌ نَفسَهُ مِنْ نِعمَةِ اللهِ، وأنْ لا يَنبُتَ فيكُم عِرقُ مَرارَةٍ يُسَبِّبُ انزِعاجًا ويُفسِدُ الكَثيرَ مِنَ النّاس ِ، 16وأنْ لا يكونَ أحَدٌ فيكُم زانِيًا أو سَفيهًا مِثلَ عيسو الّذي باعَ بُكورِيَّتَهُ بأَكلةٍ واحدةٍ. 17وتَعلَمونَ أنَّهُ لمَّا أرادَ بَعدَ ذلِكَ أنْ يَرِثَ البَركةَ خابَ وما وجَدَ مَجالاً لِلتَّوبَةِ، معَ أنَّهُ طلَبَها باكِيًا.
18وما اقتَرَبتُم أنتُم مِنْ جبَلْ ٍ مَلموسٍ، مِنْ نارٍ مُلتَهِبَةٍ وظَلامٍ وضَبابٍ وزَوبَعَةٍ، 19وهُتافِ بوقٍ وصوتِ كلامٍ طلَبَ سامِعوهُ أنْ لا يُزادوا مِنهُ كَلِمةً، 20لأنَّهُم ما احتَمَلوا هذا الإنذارَ: ((حتّى البَهيمَةُ لَو لمَسَتِ الجَبَلْ َ لَرُجِمَت)). 21كانَ المَنظَرُ رَهيبًا حتّى إنَّ موسى قالَ: ((أنا مَرعوبٌ مُرتَعِدٌ)).
22بَلْ أنتُمُ اقتَرَبتُم مِنْ جَبَلِ صِهيونَ، مِنْ مدينةِ اللهِ الحَيِّ، مِنْ أُورُشليمَ السَّماوِيَّةِ وآلافِ المَلائِكَةِ في حَفلَةِ عيدٍ، 23مِنْ مَحفِلِ الأبكارِ المكتوبَةِ أسماؤُهُم في السَّماواتِ، مِنَ اللهِ دَيّانِ البَشَرِ جميعًا، مِنْ أرواحِ الأبرارِ الّذينَ بَلْ َغوا الكَمالَ، 24مِنْ يَسوعَ وَسيطِ العَهدِ الجَديدِ، مِنْ دَمٍ مَرشوشٍ أفصَحَ مِنْ دَمٍ هابـيلَ.
25فاحرِصوا أنْ لا تَرفُضوا الّذي يتكَلَّمُ. فإذا كانَ الّذينَ رَفَضوا المُتكَلِّمَ بِكلامِ الوَحيِ في الأرضِ ما نَجَوا مِنَ العِقابِ، فكيفَ نَنجو نَحنُ إذا رَفَضْنا المُتكَلِّمَ مِنَ السَّماءِ؟ 26وهوَ الّذي زَعزَعَ صَوتُهُ الأرضَ في ذلِكَ الحينِ، ولكِنَّهُ الآنَ وعَدَنا فَقالَ: ((سأُزَلزِلُ السَّماءَ، لا الأرضَ وحدَها، مرَّةً أُخرى)).27فَقولُهُ ((مرَّةً أُخرى)) دَليلٌ على أنَّ الأشياءَ المَخلوقَةَ تَتزَعزَعُ وتَتحَوَّلُ لِتَبقى الأشياءُ الّتي لا تتَزعزَعُ.
28فلنكُن شاكِرينَ لأنَّنا حَصَلنا على مَلكوتٍ لا يتَزَعزَعُ، وبالشكرِ نَعبُدُ اللهَ عِبادَةَ خُشوعٍ وتَقوى يَرضى عَنها، 29لأنَّ إلهَنا نارٌ آكِلَةٌ.

توصيات

13 حافِظوا على المَحبَّةِ الأخوِيَّةِ، 2ولا تَنسَوا الضِّيافَةَ، لأنَّ بِها أضافَ بَعضُهُمُ المَلائِكَةَ وهُم لا يَدرُونَ. 3أُذكُروا المَسجونينَ كأنَّكُم مَسجونونَ معَهُم، واذكُروا المُعَذَّبينَ كأنَّكُم أنتُم أنفُسُكُم تَتَعَذَّبونَ في الجَسَدِ. 4لِيَكُنِ الزَّواجُ مُكَرَّمًا عِندَ جميعِ النّاس ِ، وليَكُنْ فِراشُ الزَّوجِيَّةِ طاهِرًا، لأنَّ اللهَ سَيَدينُ الفاجِرينَ والزُّناةَ.
5لِتَكُنْ سِيرَتُكُم مُنَزَّهَةً عَنْ مَحبَّةِ المالِ واقنَعوا بِما عِندَكُم. قالَ اللهُ: ((لا أهملُكَ ولا أترُكُكَ)). 6فيُمكِنُنا أنْ نَقولَ واثِقينَ: ((الرَّبُّ عَوني فَلا أخافُ، وماذا يُمكِنُ للإنسانِ أنْ يَصنَعَ بي؟))
7اذكُروا مُرشِديكُمُ الّذينَ خاطَبوكُم بِكلامِ اللهِ، واعتَبِروا بِحياتِهِم ومَوتِهِم واقتَدُوا بإيمانِهِم. 8أمَّا يَسوعُ فهوَ هوَ، بِالأمسِ واليومِ وإلى الأبَدِ. 9لا تَنقادوا إلى الضَّلالِ بِتَعاليمَ مُختَلِفَةٍ غَريبَةٍ، فمِنَ الخَيرِ أنْ تتَقوَّى قُلوبُكُم بِالنِّعمَةِ، لا بِالأطعِمَةِ الّتي لا نَفعَ مِنها لِلَّذينَ يتَعاطَونَها.
10لنا مَذبَحٌ لا يَحِقُّ لِلَّذينَ يَخدُمونَ خَيمَةَ العَهدِ أنْ يأكُلوا مِنهُ، 11لأنَّ الحَيَواناتِ الّتي يَدخُلُ رَئيسُ الكَهنَةِ بِدَمِها إلى قُدْسِ الأقداسِ كَفّارةً لِلخَطيئَةِ تأكُلُ النّار ُ أجسامَها في خارِجِ المَحَلَّةِ، 12ولِذلِكَ ماتَ يَسوعُ في خارِجِ بابِ المدينةِ ليُقَدِّسَ الشَّعبَ بِدَمِهِ. 13فلنَخرُجْ إلَيهِ، إذًا، في خارِجِ المَحَلَّةِ حامِلينَ عارَهُ. 14فما لنا هُنا في الأرضِ مدينةٌ باقِيَةٌ، ولكِنَّنا نَسعى إلى مدينةِ المُستَقبَلِ. 15فَلنُقَدِّمْ للهِ بِالمَسيحِ ذَبـيحَةَ الحَمدِ في كُلِّ حينٍ، ثَمرَةَ شِفاهٍ تُسبِّحُ بِاسمِهِ. 16لا تَنسَوا عَمَلَ الخَيرِ والمُشاركَةَ في كُلِّ شيءٍ، فمِثلُ هذِهِ الذَّبائحِ تُرضي اللهَ.
17أطيعوا مُرشِديكُم واخضَعوا لهُم، لأنَّهُم يَسهَرونَ على نُفوسِكُم كأنَّ الله يُحاسِبُهُم علَيها، فيَعمَلوا عَمَلَهُم بِفَرَحٍ، لا بِحَسرَةٍ يكونُ لكُم فيها خَسارَةٌ.
18صَلُّوا لأجلِنا، فنَحنُ واثِقونَ لِسَلامَةِ ضَميرِنا، راغِبونَ أنْ نُحسِنَ التَّصرُّفَ في كُلِّ شيءٍ. 19أطلُبُ إلَيكُم هذا بإلحاحٍ، حتّى يَرُدَّني اللهُ إلَيكُم في أسرَعِ وقتٍ.

صلاة

20وأرجو إلَهَ السَّلامِ الّذي أقامَ مِنْ بَينِ الأمواتِ، بِدَمِ العَهدِ الأبدِيِّ، راعي الخِرافِ العَظيمَ رَبَّنا يَسوعَ، 21أنْ يَجعَلَكُم كامِلينَ لِلعمَلِ بِمَشيئتِهِ في كُلِّ شيءٍ صالِحٍ، وأنْ يَعمَلَ فينا ما يُرضيهِ بِيَسوعَ المَسيحِ لَه المَجدُ إلى أبدِ الآبِدينَ، آمين.

ختام

22وأطلُبُ إلَيكُم، أيُّها الإخوَةُ، أنْ يَتَّسِعَ صَدرُكُم لِرسالّتي هذِهِ، لأنِّي كتَبتُها باختِصارٍ. 23أُخبِرُكُم أنَّ أخانا تيموثاوُسَ أُخليَ سَبيلُهُ. فإنْ حَضَرَ عمّا قَريبٍ، جِئتُ معَهُ لأراكُم.
24سَلِّموا على جميعِ مُرشِديكُم وعلى جميعِ الإخوَةِ القِدِّيسينَ. يُسَلِّمُ علَيكُمُ الإخوَةُ الّذينَ في إيطاليةَ.
25لِتَكُنِ النِّعمَةُ مَعكُم أجمَعينَ.