سورة الأحزاب

 

مشاركة : Slave of allah

 

 

سألت عن شبهة ما قيل أن سورة الأحزاب كانت بقدر سورة البقرة، وما يروى في ذلك من أحاديث.
وكان الأخ الفاضل/ دكتور هشام عزمي له موضوع في المنتدى السابق نقل فيه تضعيف بعض علماء الحديث لهذه الرواية... فعسى أن يكون أصل هذا الموضوع لا يزال عنده ... فيمدنا به للإجابة على سؤالك.

وحتى يكون ذلك، فدعنا نناقش هذا الموضوع فهو من المواضيع الهامة جداً.... ليس فقط مسألة سورة الأحزاب وأنها كانت مثل سورة البقرة، ولكن هناك آيات أخرى يقال عنها أنها مما نسخ تلاوته كالآية التي عرفت بآية الرجم، والرضاعات العشر، وغيرها...
ربما عرجنا عليها أثناء هذا الحديث... لكن لنبدأ بما قيل حول سورة الأحزاب، ولننقل بعض ما قاله السادة العلماء في إسناد هذا الحديث ...

أولاً:

هذا الحديث روى في مسند الإمام أحمد عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: كَمْ تَقْرَءُونَ سُورَةَ الْأَحْزَابِ.
قَالَ بِضْعًا وَسَبْعِينَ آيَةً.
قَالَ: لَقَدْ قَرَأْتُهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ الْبَقَرَةِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهَا وَإِنَّ فِيهَا آيَةَ الرَّجْم.

وهذه الرواية جاءت في المسند عن زر بن حبيش من طريقين:

أولهما من طريق يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، والثاني من طريق عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ.

وبداية وقبل النظر في إسناد الروايتين اللتين رويتا في مسند أحمد... نقرر أن الإمام أحمد لم يرو هاتين الروايتين وإن ذكرتا في مسنده.
فهما من زيادات عبد الله بن أحمد وإضافاته على المسند، وليست من روايات الإمام.
ومعلوم أن عبد الله قد أدخل في مسند أبيه من رواياته ما لم يروه الإمام، ومعلوم كذلك أن الضعيف والموضوع في المسند إنما هو مما أدخله عبد الله بن أحمد أو الحافظ القطيعي...
ففي "الحديث والمحدثون" لأبي زهو قال:
(
ما كان في المسند من جمع الإمام أحمد فليس فيه حديث موضوع، وما كان من زيادات عبد الله ابنه، أو زيادات القطيعي فهذا الذي فيه موضوع)
[طرق تخريج الحديث: أبو محمد بن عبد المهدي بن عبد القادر ص142]

وقد ذكر الشيخ مناع القطان مثل ذلك القول عن ابن تيمية في زيادات عبد الله على المسند. كما في كتاب القطان رجمه الله [تاريخ التشريع الإسلامي]
وقال ابن الجزري [إن الإمام أحمد شرع في جمع هذا المسند فكتبه في أوراق مفردة... على نحو ما تكون المسودة،.....ثم جاء حلول المنية ... قبل تنقيحه وتهذيبه فبقى على حاله، ثم إن ابنه عبد الله ألحق به ما يشاكله، وضم إليه من مسموعاته ما يشابهه ويماثله]


هذا أولاً.... ثم
ثانياً:

أن الرواية الأولى جاءت من طريق يَزِيدُ بن أبي زِيَاد القُرَشِي، وهو ضعيف عند المحققين.

[
فقد قال فيه الإمام أحمد: لم يكن بالحافظ وحديثُه لـيسَ بذاك.

وقال يحي بن معين فيه: لا يحتج بحديثه، وقال عنه أيضاً: ليس بالقوي، ضعيف الحديث.

وقال أبو زُرعة: لَـيِّن، يُكْتَبُ حديثُهُ ولا يحتـجُ به.

وقال أبو حاتِم: لـيسَ بـالقوي.

وقال عبد الله بن الـمبـارك: إرِم به.

وقال أبو أسامة: لو حلف لي خمسين يميناً قسامة ما صدقته يعني في هذا الحديث.

وقال النسائي: ليس بالقوي.

وقال الدارقطني: لا يخرج عنه في الصحيح، ضعيف، يخطىء كثيراً، ويلقن إذا ألقن.

يراجع في ذلك [تهذيب الكمال في أخبار الرجال للحافظ جمال الدين المزي
وتهذيب التهذيب لابن حجر]

وذكره ابن عدي في الضعفاء ونقل عن شعبة بن الحجاج فيه أنه كان رفاعاً. ونقل عن النسائي قوله: يزيد ابن أبى زياد كوفي ليس بالقوي.

ونقل ابن عدي كذلك عن ابن منذر قال: سمعت ابن فضيل يقول كان يزيد ابن أبى زياد من أئمة الشيعة الكبار.

ثم روى عنه حديثاً عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فمر به فتية من بنى هاشم فتغير لونه فقلنا يا رسول الله لا نزال نري في وجهك الذي نكره قال إن بنى هؤلاء اختار الله لهم الآخرة على الدنيا وسيلقون بعدي تطريدا وتشريدا.

قال الشيخ وهذا الحديث لا أعلم يرويه بهذا الإسناد عن إبراهيم غير يزيد ابن أبى زياد.
ثم روى عنه أحاديث أخرى مما أنكر عليه....
يراجع (الكامل في الضعفاء للحافظ عبد الله بن عدي الجرجاني)

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

ذكرنا أن الروايتين اللتين رويتا في مسند الإمام أحمد ليستا منه، وإنما هما من زيادات عبد الله.

الرواية الأولى رواها عن "وهب بن بقية " وليست عن أبيه الإمام أحمد، وفيها "يزيد بن أبي زياد"، وقد نقلنا ما قاله العلماء فيه، ومن هؤلاء العلماء الإمام أحمد نفسه الذي قال فيه أن "حديثه ليس بذاك" كما في "الكمال" للحافظ المزي وتهذيب التهذيب لابن حجر.

وكان أخر ما ذكرناه فيه ما ذكره ابن عدي في تضعيفه له في كتابه "الكامل في ضعفاء الرجال"...وذِكْرُه لتلك الرواية التي رواها يزيد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله (يعني ابن مسعود) أن فتيةً من بني هاشم مروا بالنبي صلى الله عليه وسلم.... إلى أخره.
وهو الحديث الذي يعرف بحديث الرايات السود.... وآفة الحديث هو يزيد بن أبي زياد كما ذكر العلماء.

ففي "ضعفاء العقيلي" ذكر بإسناده عن وكيع قال : يزيد ابن أبي زياد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله يعنى حديث الرايات ليس بشيء.

وقال: حدثنا عبد الله قال سمعت أبي يقول: "حديث إبراهيم عن علقمة عن عبد الله ليس بشيء يعنى حديث يزيد ابن أبي زياد قلت لعبد الله: الرايات السود قال نعم.

ثم ذكر العقيلي الحديث عن يزيد ابن أبي زياد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه فتية من قريش فتغير لونه. فقلنا: يا رسول الله إنا لا نزال نرى في وجهك الشيء تكرهه. قال إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإن أهل بيتي سيلقون بعدي تطريدا وتشريدا حتى يجيء قوم من ها هنا وأومأ بيده نحو المشرق، وأصحاب رايات سود يسألون الحق ولا يعطونه مرتين أو ثلاثا، فيقاتلون فيعطون ما سألوا فلا يقبلون حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي يملأها عدلا كما ملئت ظلما وجورا فمن أدرك ذلك منكم فليأتها ولو حبوا على الثلج.

ثم روى عن أبي أسامة في حديث يزيد هذا "الرايات السود" فقال: لو حلف عندي خمسين يمينا قسامة ما صدقته أهذا مذهب إبراهيم، أهذا مذهب علقمة، أهذا مذهب عبد الله)

وقد نقلنا عن العلماء أن يزيد كان من أئمة الشيعة الكبار.... ولعل في ذلك بيان لسبب هذه الرواية التي لم يروها غيره عن إبراهيم (النخعي).

هذا حال يزيد عند العلماء ... من أجل ذلك ذكروا كما نقلنا عن عبد الله بن المبارك أنه قال: يزيد بن أبي زياد.... ارم به.
وضَعَّفَه "علي بن المديني" كما روى العقيلي في ضعفائه.
هذا في شأن أولى الروايتين المنسوبتين إلى مسند الإمام.


أما الرواية الثانية فقد رواها عبد الله عن خلف بن هشام (وليس عن أبيه) وفيهاعاصم بن أبي النجود أو عَاصِمُ بن بَهْدَلَة.
و"عاصم بن أبي النجود" ذكره محمد بن سَعْد في الطبقة الثانية من أهل الكوفة، قال: وهو مولى لبني جُذيمة بن مالك بن نصر بن قُعين بن أسد، وكان ثقة، إلا أنه كان كثيرَ الخطأ في حديثه.

وعاصم رجل صالح، رأس في القراءة لكنه ليس كذلك في الحديث.

وليست القراءة كالرواية.
فالقراءة تلقي، وتوقيف.... وليس الحديث فحسب تلقياً وتوقيفاً، بل أمر الرواية أوسع من ذلك كما نعلم.
فالمحدثون غير الفقهاء، والقراء غير المحدثين، ولكل علمه.

وعاصم بن أبي النجود كان حجة في القراءة ولكنه لم يكن كذلك في الحديث، حتى قال ابن حجر في (تقريب التهذيب) عنه: صدوق له أوهام.

وضعفه بعض أئمة الحديث، لكثرة خطئه، وقالوا في حديثه اضطراب كما قال يعقوب بن سفيان عنه وغيره.

وقد سأل عبد الَّرحمن بن أبـي حاتم أباه عنه وهل هو ثقة؟ فقال: ليس محلّه هذا، أن يقال: إنه ثقة، وقد تكلَّم فيه ابن عُلَيَّة.

وقال أبو جعفر العُقَيلي: لم يكن فيه إلاَّ سوء الحفظ.

وقال الدارقطني: في حفظه شيء.

وكان شعبة يختار الأعمش عليه، في تثبـيت الحديث.

وقال ابنُ خِراش: في حديثه نُكْرة.

يراجع (الكمال.... للحافظ المزي،.....وتهذيب التهذيب لابن حجر)

وفي الضعفاء للعقيلي روى عن شعبة قوله حدثنا عاصم ابن أبي النجود وفي النفس ما فيها.

فهذه هي الرواية الثانية في المسند في شأن سورة الأحزاب...

وهذه الرواية قيل أن النسائي رواها في سننه، كذلك ذكر ابن كثير في تفسيره، وابن حجر في تخريجه لأحاديث الكشاف وغيرهما.

لكنك إذا فتشت في سنن النسائي فإنك لن تجد رواية عاصم بن أبي النجود هذه... فقد روى النسائي عنه حوالي ثمانية وعشرين حديثاً، ليس فيها تلك الرواية.
فكيف قيل أن النسائي روى تلك الرواية.....بينما تخلو سننه منها!

والجواب:
من المعلوم أن النسائي يرحمه الله قد صنف كتابه: "السنن الكبرى"... روى فيه عمن لم يجمعوا على تركه. حكى مذهبه ابن مَنْده عن محمد بن سعيد البارودي...
كما في "تدريب الراوي للسيوطي الجزء الأول، ومقدمة السيوطي في شرحه للنسائي.

ثم أخرج النسائي من سننه الكبرى... الضعيف من الحديث، و(اجتبى) منها الصحيح، ثم أفرد هذا الصحيح في سننه الصغرى، وأسماه "المجتبى"
وكان ذلك بطلب من أمير الرملة الذي كان النسائي أهداه سننه الكبرى، فأحب أن يفرد له منها الصحيح... فكان "المجتبى".
فالمجتبى هو سنن النسائي الصغرى، وهو الذي بين أيدينا الآن، كما قال القاضي تاج الدين السبكي: (سنن النسائي التي هي إحدى الكتب الستة هي الصغرى لا الكبرى)
راجع في ذلك سنن النسائي بشرح الحافظ جلال الدين السيوطي، وحاشية السندي "محمد بن عبد الهادي الحنفي)

إذن المجتبى هو ما ارتضاه النسائي صحيحاً من سننه الكبرى.

وأنت لن تجد هذه الرواية في سنن النسائي الذي بين أيدنا الآن...

لأن الذي عندنا هو "المجتبى" أو السنن الصغرى...

فما دلالة ذلك؟

دلالة ذلك أن هذه الرواية ضعيفة... عند النسائي نفسه.

هذا دليل أخر تستطيع أن تسوقه في تضعيف رواية عاصم عن ذر في حكاية سورة الأحزاب، فلو رأى النسائي صحة رواية عاصم التي ذكرها في السنن الكبرى، لرواها في مجتباه.
وبذلك ترى أن رواية النسائي لهذه الرواية في سننه الكبرى... ثم خلو السنن الصغرى منه.. تضعيف من النسائي للرواية....
والعلماء الذين ذكروا رواية النسائي للحديث أرادوا السنن الكبرى...
لكن السنن الذي هو أحد الكتب الستة، إنما هو السنن الصغرى الذي لا وجود فيه لرواية عاصم.
قال د./ محمد بن لطفي لصباغ: [فقد ذكر السيوطي وغيره أن "سنن النسائي" الذي هو أحد الكتب الستة هي الصغرى لا الكبرى، صرح بذلك التاج ابن السبكي، فقال: وهي التي يخرجون عليها الأطراف والرجال.
(
تدريب الراوي، والرسالة المستطرفة للكتاني)
.....
ويتحرر من هذا أن "المجتبى" هو أحد الكتب الستة، وأما النقل والعزو فقد يكون للكبرى كما يكون للصغرى] .... من كتابه: (الحديث النبوي: ص: 320)

إذن هذا الحديث لا وجود له في الكتب الستة، التي هي:

1-
صحيح البخاري

2-
صحيح مسلم

3-
جامع الترمذي

4-
سنن النسائي

5-
سنن أبي داود

6-
سنن ابن ماجه

فإذا أضفت إليها "موطأ مالك".... و"سنن الدارمي" ومن العلماء من يرى أنهما من الكتب الستة بدلاً من سنن ابن ماجه،.... وليس فيهما شيء من هذه الرواية،
وأيضاً مسند أحمد وقد رأينا أنه رحمه الله لم يرو فيه هذا الحديث.
علمنا سقوط مثل هذه الرواية في أن تكون حجة في عملٍ من فضائل الأعمال، فضلاً أن تكون حجة في إثبات آية من القرءان أو نسخها!

 

 

http://www.algame3.com/vb/showthread.php?t=745