إرشاد أولي النـَهم في معنى وكبائر الإثم والفواحش إلا اللمم

 

بسم الله الرحمن الرحيم

http://whyislamsa.com/article.php?subj=lamam


قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أبو الحسن – رضي الله عنه وأرضاه - :

"
وَإِنَّمَا سُمِّيَتِ الشُّبْهَةُ شُبْهَةً لاَِنَّهَا تُشْبِهُ الْحَقَّ، فَأَمَّا أَوْلِيَاءُ اللهِ فَضِيَاؤُهُمْ فِيهَا الْيَقِينُ، وَدَلِيلُهُمْ سَمْتُ الْهُدَى، وَأَمَّا أَعْدَاءُ اللهِ فَدُعَاؤُهُمْ الضَّلالُ، وَدَلِيلُهُمُ الْعَمْى، فَمَا يَنْجُو مِنَ المَوْتِ مَنْ خَافَهُ، وَلا يُعْطَى الْبَقَاءَ مَنْ أَحَبَّهُ. " - نهج البلاغة طبعة بيروت \ صـ 101.


مع كثرة الهرج والمرج من أعداء الإسلام على صفحات الإنترنت ومجالس البال توك؛ تفنن الأفاكون في تزيين الشبهات للبسطاء من المسلمين والتي هي أهون من بيت العنكبوت لو كانوا يعلمون؛ ومن هذه الشبهات الركيكة شبهة "اللمم" التي يعتقد النصارى الحاقدين أنها أي ممارسة جنسية طالما لم يحصل إلتقاء للختانين بين الذكر والأنثى ويلقون بهذا لوم "الشبق الجنسي" على الإسلام, وليت شعري فمن الذي يتحدث؟! لو كان فيهم عاقل لحارب نشيد الإنشاد الذي ينسبونه زورا ً وبهتانا ً إلى نبي الله سليمان بدلا ً من هجومهم على ما يدين به المسلمون.



الشبهة: يقول القرآن (الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم) واللمم كما قال المفسرون هو القبلة والغمزة والمباشرة وكل عمل سوى الإيلاج فكيف يبيح الله هذا مع تواتر الروايات عليه ؟!



الجواب:
الحمد لله,

الجواب من عدة أوجه:

الوجه الأول: أين الإباحة في نص الآية ؟! قوله تعالى ( إلا اللمم) ليست بمعنى "أيها المؤمنون لا تفعلوا الكبائر وافعلوا اللمم الذي هو المباشرة والقبلة والغمزة...إلخ" إنما هو إستثناء منقطع كقوله تعالى:
إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً [النساء : 48]


فهل إستثناء (ويغفر ما دون ذلك ) هو دعوة لعمل كل ذنب سوى الشرك ؟! حارت عقول النصارى!! فالآية لا تحلل اللمم بأي شكل من الأشكال إنما تصف الذين أحسنوا ألى ربهم بإجتنابهم كبائر الذنوب وفواحشها والإستنثاء لا يعني الإجازة كما في مثل الشرك أعلاه.




الوجه الثاني: أن معنى اللمم هي هذه الذنوب الصغائر يفعلها الرجل "دون الإصرار عليها" وهذا مربط الفرس فإن الإصرار على اللمم يجعلها كبيرة وتخرج من كونها لمم , كما أن الإصرار على المكروه يصير الحكم بعده حراما ً ويخرج من كونه مكروها ً وقال النووي في شرح مسلم:

قَالَ الْعُلَمَاء رَحِمَهُمْ اللَّه : وَالإِصْرَار عَلَى الصَّغِيرَة يَجْعَلهَا كَبِيرَة . وَرُوِيَ عَنْ عُمَر وَابْن عَبَّاس وَغَيْرهمَا رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ : لا كَبِيرَة مَعَ اِسْتِغْفَارٍ ، وَلا صَغِيرَة مَعَ إِصْرَار .

مَعْنَاهُ : أَنَّ الْكَبِيرَة تُمْحَى بِالاسْتِغْفَارِ , وَالصَّغِيرَة تَصِير كَبِيرَة بِالإِصْرَارِ اهـ .

وقال شيخ الإسلام إبن تيمية :

وقال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (15/293) :

"
فَإِنَّ الزِّنَا مِنْ الْكَبَائِرِ ، وَأَمَّا النَّظَرُ وَالْمُبَاشَرَةُ فَاللَّمَمُ مِنْهَا مَغْفُورٌ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ ، فَإِنْ أَصَرَّ عَلَى النَّظَرِ أَوْ عَلَى الْمُبَاشَرَةِ صَارَ كَبِيرَةً ، وَقَدْ يَكُونُ الإِصْرَارُ عَلَى ذَلِكَ أَعْظَمَ مِنْ قَلِيلِ الْفَوَاحِشِ ، فَإِنَّ دَوَامَ النَّظَرِ بِالشَّهْوَةِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ مِنْ الْعِشْقِ وَالْمُعَاشَرَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ قَدْ يَكُونُ أَعْظَمَ بِكَثِيرِ مِنْ فَسَادِ زِنَا لا إصْرَارَ عَلَيْهِ ; وَلِهَذَا قَالَ الْفُقَهَاءُ فِي الشَّاهِدِ الْعَدْلِ : أَنْ لا يَأْتِيَ كَبِيرَةً وَلا يُصِرَّ عَلَى صغيرة" إنتهى.






الوجه الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم حذر من التهاون في اللمم والصغائر وسماها "محقرات الذنوب" وروى ابن ماجه (4243) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَتْ : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَا عَائِشَةُ ، إِيَّاكِ وَمُحَقَّرَاتِ الأَعْمَالِ ، فَإِنَّ لَهَا مِنْ اللَّهِ طَالِبًا ) . صححه الألباني في صحيح ابن ماجه.

وقد أحسن من قال:

خلي الذنوب صغيرها وكبيـرها ذاك التـقـى
واصنع كماشي فوق أرض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرن صغيرة ً إن الجبال مـن الحــصـى




الوجه الرابع: أن معنى الآية مكتملة أن الذين أحسنوا يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإن وقع منهم لمم – على سبيل الخطأ والزل وليس الإصرار- فإنه يغفر له طالما إستغفر مع تجنبه للكبائر , لإن الكبائر لها حدود.

وليس للنصارى وهم أصحاب التشريعات الجنسية المحضة أي وجه في الحديث عن آية في كتاب الله وتأويلها بأفهامهم المريضة؛ ولا أظن هذا إلا للهروب من واقع الجنسيات الفاضح في الكتاب المقدس لكن بارت تجارتهم وخاب ماكانوا يحسبون والحق دوما ً أبلج والباطل دوما ً لجلج.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم ,

إشعياء المسلم