شبهة الحنث فى القسم
[
لا يؤاخذكم الله باللغو فى أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله غفور حليم]
هل يحتاج صاحب القول الصادق إلى قسم يؤكد به كلامه ؟وليس هذا من مقومات النبل والشرف ؛ فإن المسيح قد نهى عن الحلف مطلقاً.
الرد على الشبهة:
تنص التوراة على " لا تنطق باسم الرب إلهك باطلاً " [خر 20: 7 ]. وفى سفر اللاويين: " ولا تحلقوا باسمى للكذب " [لا 19: 12].ومفسروالتوراة يقولون: " اختلف المفسرون فى معنى هذه الوصية فقال قوم: إنها تنهى عن القسم بالله على صحة ما هو كاذب ، وقيل: إنها تنهى عن التهاون والاستخفاف باسمه تعالى ، حتى تحظر على الإنسان أن ينطق باسمه بدون مراعاة الرهبة والاحترام ".
ونَهْىُ المسيح عن القسم ليس عن كل شىء. بل عن القسم على ما هو باطل ، يقول المفسرون: " وقد أبان المسيح فى موعظته على الجبل أن الشريعة منعت عن القسم على صحة ما هو باطل فقط ".
وفى القرآن أن القسم مشروط على قوله [أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس ]وليس على الكذب فيكون اللغو فى الآية مفسراً بغير الكذب كبناء مسجد. هل يبنى أو لا يبنى ؟ فإنه إذا حسم التردد بيمين ، ثم بدا له أن يرجع فى الحال؛ فله ذلك. أما إذا حسم التردد بيمين. وعزم عليه وعقده وأكده ؛ فليس له أن يرجع فيه. وإن رجع فيه يلزمه التكفير عنه.


و التفسير المروي في قوله تعالى ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال لا تجعلن عرضة يمينك ألا تصنع الخير ولكن كفر عن يمينك واصنع الخير وكذا قال مسروق والشعبي وإبراهيم النخعي ومجاهد وطاووس وسعيد بن جبير وعطاء وعكرمة ومكحول والزهري والحسن وقتادة ومقاتل بن حيان والربيع بن أنس والضحاك وعطاء الخراساني والسدي رحمهم الله كما نقل ابن كثير ومما يستشهد به لهذا التفسير ما رواه مسلم بإسناده عن أبي هريرة أن رسول الله ص قال < من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه وليفعل الذي هو خير > وما رواه البخاري بإسناده عن أبي هريرة قال قال رسول الله ص < والله لأن يلج أحدكم بيمينه في أهله آثم له عند الله من أن يعطي كفارته التي افترض الله عليه > وعلى هذا يكون معناها لا تجعلوا الحلف بالله مانعا لكم من عمل البر والتقوى والإصلاح بين الناس فإذا حلفتم ألا تفعلوا فكفروا عن إيمانكم وأتوا الخير فتحقيق البر والتقوى والإصلاح أولى من المحافظة على اليمين وذلك كالذي وقع من أبي بكر رضي الله عنه حين أقسم لا يبر مسطحا قريبه الذي شارك في حادثة الإفك فأنزل الله الآية التي في سورة النور ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربي والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم فرجع أبو بكر عن يمينه وكفر عنها على أن الله كان أرأف بالناس فلم يجعل الكفارة إلا في اليمين المعقودة التي يقصد إليها الحالف قصدا وينوي ما وراءها مما حلف عليه فأما ما جرى به اللسان عفوا ولغوا من غير قصد فقد أعفاهم منه ولم يوجب فيه الكفارة لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله غفور حليم وقد روى أبو داود بإسناده عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله ص قال < اللغو في اليمين هو كلام الرجل في بيته كلا والله وبلى والله > ورواه ابن جرير عن طريق عروة موقوفا على عائشة < لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم لا والله وبلى والله > وفي حديث مرسل عن الحسن بن أبي الحسن قال مر رسول الله ص بقوم ينتضلون يعني يرمون ومع رسول الله ص

رجل من أصحابه فقام رجل من القوم فقال أصبت والله وأخطأت والله فقال الذي مع النبي ص للنبي ص حنث الرجل يا رسول الله قال < كلا إيمان الرماة لغو لا كفارة فيها ولا عقوبة > وورد عن ابن عباس رضي الله عنهما لغو اليمين أن تحلف وأنت غضبان كما روي عنه لغو اليمين أن تحرم ما أحل الله فذلك ليس عليكم فيه كفارة وعن سعيد بن المسيب أن أخوين من الأنصار كان بينهما ميراث فسأل أحدهما صاحبه القسمة فقال إن عدت تسألني عن القسمة فكل ما لي في رتاج الكعبة فقال له عمر إن الكعبة غنية عن مالك كفر عن يمينك وكلم أخاك سمعت رسول الله ص يقول < لا يمين عليك ولا نذر في معصية الرب عز وجل ولا في قطيعة الرحم ولا فيما لا تملك > والذي يخلص من هذه الآثار أن اليمين التي لا تنعقد النية على ما وراءها إنما يلغو بها اللسان لا كفارة فيها وإن اليمين التي ينوي الحالف الأخذ أو الترك لما حلف عليه هي التي تنعقد وهي التي تستوجب الكفارة عند الحنث بها وإنه يجب الحنث بها إن كان مؤداها الامتناع عن فعل خير أو الإقدام على فعل شر فأما إذا حلف الإنسان على شيء وهو يعلم أنه كاذب فبعض الآراء أنه لا تقوم لها كفارة أي لا يكفر عنها شيء قال الإمام مالك في الموطأ أحسن ما سمعت في ذلك أن اللغو حلف الإنسان على الشيء يستيقن أنه كذلك ثم يوجد بخلافه فلا كفارة فيه والذي يحلف على الشيء وهو يعلم أنه فيه آثم كاذب ليرضي به أحدا ويقتطع به مالا فهذا أعظم من أن تكون له كفارة ويعقب السياق على حكم العدول عن اليمين إلى ما فيه البر والخير بقوله والله سميع عليم ليوحي إلى القلب بأن الله سبحانه يسمع ما يقال ويعلم أين هو الخير ومن ثم يحكم هذا الحكم ويعقب على حكم يمين اللغو واليمين المعقودة التي ينويها القلب بقوله والله غفور حليم ليلوح للقلب بحلم الله عن مؤاخذة العباد بكل ما يفلت من ألسنتهم ومغفرته كذلك بعد التوبة لما تأثم به قلوبهم بهذا وذلك يربط الأمر بالله ويعلق القلوب بالاتجاه إليه في كل ما تكسب وكل ما تقول

 

الريحانة