شبهة: محمد صلى الله عليه وسلم شاعر !

 

 
بسم الله الرحمن الرحيم
" وما علّمناهُ الشعرَ وما ينبغي لهُ " ( سورة يس 69)
وقال رسولُ الله ( ص ) عن ثوبان ( رض ) كما ورد في كتاب إبن السني:
" من رأيتموه ينشد شعرا في المسجدِ فقولوا له فضَّ اللهُ فاكَ , ثلاثَ مرّات "
( وهو حديث ضعيف )
وجاء في الصحيحين ( البخاري ومسلم – رض ) عن البُراء بن عازب ( رض ) إنه قال له رجل : أفررتم يوم حنين عن رسول الله فقال البراء : لكن رسول الله لم يفر ولقد رأيته وهو على بغلته البيضاء وإن أبا سفيان بن الحارث ( أبن عم الرسول ) آخذٌ بلجامها والنبي ( ص ) يقول :
أنا النبيُّ لا كذبْ
أنا بنُ عبدالمطلبْ
وجاء في الصحيحين ( البخاري ومسلم - رض ) عن البراء :
إنه رأى النّبي ينقلُ الترابَ يومَ الأحزابِ وقد وارى الترابُ بياضَ بطنهِ وهو يقول :
الله لولا أنت ما اهتدينا ( مستفعلن مستفعلن فعولن )
ولا تصدَّقنا ولا صلَّينا ( متفعلن مستفعلن مفعولن )
فأنزلنْ سكينةً علينا (متفعلن متفعلن فعولن )
وثبِّت الأقدامَ إن لا قينا ( متفعلن مستفعلن مفعولن )
إنَّ الأُلى قد بغوا علينا ( مستفعلن فاعلن فعولن )
إذا أرادوا فتنةً أبينا ( متفعلن مستفعلن فعولن )
( ملاحظة : ولا يمكن أن يعتبر ما ذكر أعلاه شعرا لأن النبي ( ص ) ليس بشاعر)
وعن أنسٍ ( رض ) في صحيحِ البخاري :
عندما كان المهاجرون والأنصارُ يحفرون الخندقَ وينقلون الترابَ على متونهم ويقولون :
" نحنُ الذين بايعوا محمّدا على الإسلامِ ما بقينا أبدا "
وفي رواية أخرى على الجهادِ
وهي الرواية الأصح حسب رأيي حيث يكون وزن بحرالرجز :
مستفعلن متفعلن متفعلن ... متفعلن متفعلن مفتعلن
والنّبيُّ ( ص ) يجيبُهم :
اللهمَّ إنَّه لا خيرَ إلاّ خيرُ الآخره ( مستفعلن مفاعيلن مفاعيلن مستفعلن )
فباركْ في الأنصارِ والمهاجره (مفاعيلن مستفعلن متفعلن)
( وهذا ليس بشعرٍ )
وفي الرجز قال الخليل: الرجزُ المشطور والمنهوك ليسا من الشعرِ وقيل له ما هما ؟
قال : أنصافٌ مسجّعة , فلما رُدَّ عليه , قال لأحتجَّنَّ عليهم بحجّة فإن لم يقرّوا بها عسفوا , فاحتجَّ عليهم بأن رسولَ الله صلى اللهُ عليه وسلّمَ كان لا يجري على لسانه الشعرُ :
وقد قيلَ لرسولِِ الله ( ص ) بيتُ شعرٍ لطُرفةَ بن العبد :
ستُبدي لكَ الأيامُ ما كنتَ جاهلا ... ويأتيكَ بالأخبارِ من لم تزوِّدِ
( وهو من بحر الطويل : فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن)
فكان يقول :
ستبدي لك الأيامُ ما كنتَ جاهلا ... ويأتيكَ من لم تزوِّدْ بالأخبارِ
وقد علمنا أن النصفَ الذي جرى على لسانهِ لا يكون شعراً إلا بتمام النصفِ الثاني على لفظهِ وزناً وعروضا.
و قال الخليل : لو كان نصفُ البيتِ شعراً لما جرى على لسان النبيِّ ( ص ) وجاء بالنصف الثاني على غير تأليفِ الشعر لأن نصفَ البيت لا يقالُ له شعرٌ ولا بيتٌ ولو جاز أن يقالَ لنصفِ البيت شعرا لجازَ أن يكون جزءٌ منه شعرا أيضا, والرجزُ المشطورُ مثلُ ذلك النصف .
وفي رواية جندُب إنّهُ ( ص ) دُميت إصبعُه عند حفرِِ الخندقِِ
وقال النبيُّ ( ص) :
هل أنتِ إلاّ إصبعٌ دُميتِ
وفي سبيلِ اللهِ ما لقيتِ
وهذا على المشطورِ ( مستفعلن مستفعلن فعولن )
وفي رواية البُراء إنّه رأى النبيَّ ( ص ) على بغلةٍ بيضاءَ وهو يقول :
أنا النبيُّ لا كذبْ
أناابنُ عبدِالمطَّلبْ
وهذا من المنهوك ( مستفعلن مستفعلن ) ولو كان شعرا ما جرى على لسانه فإن الله عزَّ وجلَّ يقول :
" وما علّمناه الشعرَ وما ينبغي له " أي وما يتسهَّلُ لهُ فيقوله ويتدرب فيه حتى ينشئ منه كتبا.
هكذا حاجج الخليلُ فيما كان يجري على لسانِ النبي ( ص )
وهو بهذه الحججِ لم يقر بكونِ النظمِ على بحر الرجز المشطور والمنهوك شعرا , رغم ادعاء البعض ومنهم الأخفش بأن الخليل أجازه وهم لا يجيزونه .
قال الحربي : ولم يبلغني أنه جرى على لسان النبي ( ص ) من ضروب الرجز إلا ضربان المنهوك والمشطور , ولم يعدهما الخليلُ شعرا , ولم يبلغني إنَّ النبيَّ محمدٌ ( ص) أنشدَ بيتا تاما على وزنه وقافيته إنما كان ينشدُ الصدرَ أو العجزَ فإن أنشده تاما لم يقمْهُ على وزنه, وإنه أنشدَ مرة صدرَ بيت للبيد :
ألا كلُّ شئٍ ما خلا اللهَ باطلُ
وسكت عن عجُزه
( وكلُّ نعيمٍ لا محالةَ زائل )
( وهو من بحر الطويل : فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن )
وقيل إنه أنشد مرة :
أتجعلُ نهبي ونهبَ العُبيـ ... دِ بين الأقرعِ وعُيَينَةَ
( وهو من بحر المتقارب : فعولن فعولن فعولن فعْ )
فقال له الناس : بين عُيَينةَ والأقرع ِ , فأعادها النبي ( ص ) بين الأقرعِ وعُيَيْنةَ , فقام أبو بكر ( رض ) فقال : أشهدُ إنَّك رسولٌ للهِ ثم قرأ :
( وما علّمناهُ الشعرَ وما ينبغي لهُ)
وهكذا فالرجز ليس بشعر عند أكثرهم .
وفي حديث الوليد بن المغيرة حين قالت قريش للنبي محمد ( ص ) إنه شاعر فقال : لقد عرفت الشعر ورجزه وهزجه وقريضه فما هو به .
وقال أبو إسحاق :إنما سمي الرجز رجزا لأنه تتوالى فيه في أوله حركة وسكون ثم حركة وسكون إلى أن تنتهي أجزاؤه يشبه بالرجز في رجل الناقة ولرعدتها وهو أن تتحرك وتسكن ثم تتحرك وتسكن.
وقيل سمي بذلك لاضطراب أجزائه وتقاربها
وقيل لأنه صدور بلا أعجاز
وقال ابن جني : كل شعرٍ تركَّب تركيبَ الرجز سمِّي رجزا.
وقال الأخفشُ مرة : الرجزُ عند العربِ كل ما كان على ثلاثة أجزاءٍ وهو الذي يترنمون به في عملهم وسوقهم ويحدون به . كما ويرتجزون عند المنازلةِ في سوح القتال.
وقال ابن سيده : روى بعض من أثق به نحو هذا عن الخليل وقد اختلف فيه فزعم قوم إنه ليس بشعر , ,إن مجازه مجاز السجع , وفي التهذيب زعم الخليل أنه ليس بشعر وإنما هو أنصاف أبيات وأثلاث ودليله ما روى عن النبي ( ص ).
كما قال ابن سيده : إن الأخفشَ لم يحفل بما جاء من الرجز على جزأين نحو قوله:
" يا ليتني فيها جذع "
" أخبُّ فيها وأضعْ "
(مستفعلن مستفعلن)
قال : وهو لعمري بالإضافة إلى ما جاء منه على ثلاثة أجزاء , جزءٌ لا قدر له لقلته فلذلك لم يذكره الأخفش في هذا الموضع , فإن قلت إن الأخفش لا يرى ما كان على جزأين شعرا , قيل وكذلك ما هو على ثلاثة أجزاء أيضا شعرا , وزعم آخرون بأن مجازه مجاز السجع. ويسمى قائله راجزا مثلما يسمّى قائلُ الشعر شاعرا .
والأرجوزة : هي القصيدة من الرجز , وهو كهيئة السجع إلا إنَّه في وزن الشعر ( بتفعيلاته ) وجمعُها أراجيز وهناك ما يسمى سجعات :
ومن سجعات الحريري :
فما كلُّ قاضٍ قاضي تبريز
ولا كلُّ وقت تسمعُ فيه الأراجيز
ورجَز يرجُز رجَزا ويسمى قائله راجزا كما يسمى قائل الشعر شاعرا وارتجز ارتجازا ورجَز به ورجّزه ترجيزا أي أنشده أرجوزة وهو راجزٌ, ورجّاز ورجّازة ومرتجز .
وقد عرف عن العرب قولهم الرجز وأشهر ما كان يقال ويتم تناقله ما كان فرسان العرب ترتجز به في قتال أو غيره .
استنتاجات :
1- إن النبي محمد ( ص ) لم يقل شعرا أبدا بدليل كلام الله عز وجل.
2- إن النبي محمد ( ص ) كان يرتجز والإرتجاز ليس شعرا بدليل ما تقدم.
3-إن النبي محمد ( ص ) نهى عن قول الشعر في المساجد. وهذا يثبت بأنه لم يكن يقول شعرا. ( حتى وإن كان الحديث ضعيفا )
4- إن بحر الطويل لا يجوز النظم فيه على المشطور
( فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن ) لأنه ليس بشعر.
وهذا ينطبق على بقية بحور الشعر العربي. وهو ما لم يتضمنه علم العروض حيث لم يرد المشطور والمنهوك في أي بحر عدا ما قيل في بحر الرجز. ( وهو مشكوك فيه) , وكذلك ورد المنهوك في بحر المنسرح
5- إن المشطور والمنهوك في بحر الرجز وبحر المنسرح ليسا بشعر وهذا يشمل :
مستفعلن مستفعلن مستفعلن
مستفعلن مستفعلن مفعولن
مستفعلن مستفعلن فعولن
مستفعلن مستفعلن
مستفعلن فعولن
مستفعلن مفعولن
مستفعلن مفعولات
أو أي تركيبة من جزأين أو ثلاثة تشكل أصر شطرا لبيت أو جزءا منه.
لأنهما ليسا بشعر وإنما هما رجز كان يرتجز بهما العرب وكان النبي محمد ( ص ) يرتجز كما تبين والإرتجاز ليس بشعر بدليل ما تقدم من أدلة من الخليل والأخفش.
6- من هذه الإستنتاجات لابد لنا من إعادة النظر في بحور الشعر وجوازاته واستبعاد ما دس على علم العروض من قبل من كانت نياتهم سيئة بهدف إثبات إن النبي محمد ( ص ) كان يقول الشعر . برغم إن بعضنا وبدون قصد ربما قد تبنى بعض هذه المقولات .
7- لبيان المقصود من بعض التسميات :
- التام : هو الشعر الذي ينظم على بحر بكامل تفعيلاته
- المجزوء : هو ما ينظم على بحر بعد حذف تفعيلة العروض وتفعيلة الضرب
- المشطور : هو ما ينظم على ثلاثة تفعيلات سباعية ( ويمكن أن نضيف أيضا أربعة تفعيلات خماسية )
- المنهوك هو ما ينظم على تفعيلتين
والمشطور والمنهوك هما ما يجب أن نسقطه من الشعر العربي , وأي ما كان يمكن أن يكون شطر بيت في أي بحر من بحور العروض.
المصادر :
العين – للخليل بن أحمد الفراهيدي
لسان العرب – لأبن منظور
تاج العروس – للمرتضى الزبيدي
الإذكار المنتخب من كلام سيد الأبرار – الإمام أبو زكريا يحيى النووي

 

 
عن الأستاذ عادل العانى - مؤلف لكتب العروض وعضو منتدى رابطة واحة الشعراء

 

 
الرئيسيه