التوراة إمام ورحمة:

وإذْ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفكٌ قديم، ومِن قَبْلِهِ كتابُ موسى إماماً ورحمةً، وهذا كتابٌ مصدِّقٌ لساناً عربياً لينذرَ الذين ظلموا، وبُشرى للمحسنين (آيتا 46: 11 ، 12).

قال النسفي: كتاب موسى أي التوراة، ومعنى إماماً قدوة يؤتمّ به في دين الله وشرائعه كما يؤتمّ بالإمام. وقوله رحمة أي لمن آمن به وعمل بما فيه. وقوله كتاب مصدِّق أي أن القرآن مصدق لكتاب موسى أو لما بين يديه وتقدمه من جميع الكتب .

فهل سمعتم أو رأيتم شخصاً يصف كتاباً مفقوداً بهذه الأوصاف؟
 

الرد

 

البَقَرَة
آية رقم : 185
قرآن كريم
شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ

وإذا سمعنا (( أنزل فيه القرآن)) فنفهم أن هناك كلمات :

· أنزل

· نَزٌلَ

· نزل

فإذا سمعنا كلمة (( أنزل )) نجدها منسوبة إلى الله دائماً :

القَدْر
آية رقم : 1
قرآن كريم
إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ في لَيْلَةِ القَدْرِ

أما في كلمة (( نَزَلَ )) فهو سبحانه يقول :

الشُّعَرَاء
آية رقم : 193
قرآن كريم
نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ

وقال تعالى
القَدْر
آية رقم : 4
قرآن كريم
تَنَزَّلُ الملائِكَةُ

إذن فكلمة (( أنزل )) مقصورة على الله ، إنما كلمة (( نَزَّلَ )) تأتي من الملائكة ، و (( نَزَلَ )) تأتي من الروح الأمين الذي هو (( جبريل )) ، فكأن كلمة (( أنزل )) بهمزة التعدية ، عدت القرآن من وجوده مسطوراً في اللوح المحفوظ إلى أن يبرز إلى الوجود الإنساني ليباشر مهمته .

وكلمة (( نَزَلَ )) و (( نَزَّلَ )) نفهمها أن الحق أنزل القرآن من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا مناسبأ للأحداث ومناسباً للظروف .... فكأن الإنزال في رمضان جاء مرة واحدة .

نأتي لأعداء الإسلام الذي يهاجموننا بجهالة يقولون : كيف تقولون " إن رمضان أنزل فيه القرآن مع أنكم تشيعون القرآن في كل زمان ، فينزل هنا وينزل هناك وقد نزل في مدة الرسالة المحمدية ؟ " .

نقول لهم : يا سادة يا كرام ... نحن لم نقل إنه (( نزل )) ولكننا قلنا (( أنزل )) ، فـ (( أنزل )) : تعدي من العِلم الأعلى إلى أن يباشر مهمته في الوجود .
وحين يباشر مهمته في الوجود ينزل منه (( النَّجْم )) – يعني القسط القرآني – موافقاً للحدث الأرضي ليجيء الحكم وقت حاجتك ،فيستقر في الأرض ، إنما لو جاءنا القرآن مكتملاً مرة واحدة فقد يجوز أن يكون عندنا الحكم ولا نعرفه ، ولكن حينما لا يجيء الحكم إلا ساعة نحتاجه ، فهو يستقر في النفوس .

فحين يـُريد الله حكماً من الأحكام ليعالج قضية من قضايا الوجود فهو لا ينتظر حتى ينزل فيه حكم من الملأ الأعلى من اللوح المحفوظ ، إنما الحكم موجود في السماء الدنيا ، فيقول للملائكة : تنزلوا به ، وجبريل ينزل في أي وقت شاء له الحق سبحانه أن ينزل من أوقات البعثة المحمدية ، أو الوقت الذي أراد الله سبحانه وتعالى أن يوجد فيه الحكم الذي يغطي قضية من القضايا .

إذن فحينما يوجد من يتفلسف ويشككنا .. نقول له .... لا

نحن نملك لغة عربية دقيقة جداً ، وعندنا فرق بين (( أنزل )) و (( نَزَّلَ )) و (( نزل )) ........ ولذلك فكلمة (( نزل )) تأتي للكتاب ، وتأتي للنازل بالكتاب ، يقول الحق :

الشُّعَرَاء
آية رقم : 193
قرآن كريم
نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ

ويقول سبحانه :

الإِسْرَاء
آية رقم : 105
قرآن كريم
وَبِالحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا

وبعد ذلك يأتوا لنا هؤلاء الضالون ويتساءلوا : لماذا لم ينزل القرآن جملة واحدة ؟

أنظر أخي المسلم إلى الدقة في الهيئة التي أراد الله بها نزول القرآن فقد قال الله تعالى :

الفُرْقَان
آية رقم : 32
قرآن كريم
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ القُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيْلا

فالله عز وجل ينزل القرآن لماذا ؟ (( ليثبت به فؤادك )) ومعنى (( لنثبت به فؤادك )) أي أنك ستتعرض لمنغصات شتى ، وهذه المنغصات الشتى كل منها يحتاج إلى تَرْبِيتٍ عليك وتهدئة لك ، فيأتي القسط القرآني ليفعل ذلك وينير أمامك الطريق .

((كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيْلا )) أي لم نأت به مرة واحدة بل جعلناه مرتباً على حسب ما يقتضيه من أحداث . حتى يتم العمل بكل قسط ، ويهضمه المؤمن ثم نأتي بقسط آخر .

قال تعالى
الفُرْقَان
آية رقم : 33
قرآن كريم
وَلا يَأْتُونَكَ ِبمَثَلٍ إِلا جِئْنَاكَ بِالحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا

إن أعداء الدين لهم اعتراضات ، ويحتاجون إلى أمثلة ، فلو أنه نزل جملة واحدة لأهدرَتْ هذه القضية ، وكذلك حين يسأل المؤمنون يقول القرآن : يسألونك عن كذا وعن كذا ، ولو شاء الله أن يُنزل القرآن دفعة واحدة ،فكيف كان يغطي هذه المسألة؟ .

فما داموا سوف يسألون فلينتظر حتى يسألوا ثم نأتي الإجابة بعد ذلك .

إذن فهذا هو معنى (( أنزل )) أي أنه أُنزل من اللوح المحفوظ ، ليباشر مهمته الوجود ،وبعد ذلك نزل به جبريل ، أو تتنزل به الملائكة على حسب الأحداث التي جاء القرآن ليغطيها .

ونجد أن النصارى ينسبوا التوراة والإنجيل للكتاب المقدس بقول أن الآية

{نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل "3"}
(سورة آل عمران)........... تكشف ذلك

وعلى الرغم من جهلهم باللغة العربية وجب علينا التوضيح ..

وهنا يجب أن نلتفت إلى أن الحق قال عن القرآن: "نزل" وقال عن التوراة والإنجيل: "أنزل". لقد جاءت همزة التعدية وجمع ـ سبحانه ـ بين التوراة والإنجيل في الإنزال، وهذا يوضح لنا أن التوراة والإنجيل إنما أنزلهما الله مرة واحدة، أما القرآن الكريم فقد نزله الله في ثلاث وعشرين سنة منجما ومناسباً للحوادث التي طرأت على واقع المسلمين ، و"نزل" تفيد شيئا قد وجب عليك؛ لأن النزول معناه: شيء من أعلى ينزل، فالأعلى هو من خالق الكون والبشر .

آلِ عِمْرَان
آية رقم : 65
قرآن كريم
يَا أَهْلَ الكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالإِنْجِيلُ إِلاَّ مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ

وساعة يقول الحق عن القرآن: "مصدقا لما بين يديه" فمعنى ذلك أن القرآن يوضح المتجه؛ إنه مصدق لما قبله ولما سبقه، إنه مصدق للقضايا العقدية الإيمانية التي لا يختلف فيها دين عن دين؛ لأن الديانات إن اختلفت فإنما تختلف في بعض الأحكام، فهناك حكم يناسب زمنا وحكم آخر لا يناسب ذلك الزمن. أما العقائد فهي لا تتغير ولا تتبدل، وكذلك الأخبار وتاريخ الرسل، فليس في تلك الأمور تغيير. ومعنى "مصدق" أي أن يطابق الخبر الواقع، وهذا ما نسميه "الصدق". وإن لم يطابق الخبر الواقع فإننا نسميه "كذبا".

وإذا كان القرآن قد جاء مصداقا لما في التوراة والإنجيل ألا تكون هذه الكتب هداية لنا أيضا؟
نعم هي هداية لنا، ولكن الهداية إنما تكون بتصديق القرآن لها، حتى لا يكون كل ما جاء فيهما ومنسوبا إليهما حجة علينا. فالذي يصدقه القرآن هو الحجة علينا، فيكون "هدى للناس" معناها: الذين عاصروا هذه الديانات وهذه الكتب ، ونحن مؤمنون بما فيها بتصديق القرآن لها.

المائِدَة
آية رقم : 46
قرآن كريم
وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلمُتَّقِينَ

آتينا : أعطينا

البَقَرَة
آية رقم : 53
قرآن كريم
وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الكِتَابَ وَالفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ

آتينا : أعطينا ......... فمن الذي أعطى ؟ ... الله عز وجل ... فطالما هو الذي أنزل على سيدنا موسى عليه السلام التوراة وعلى سيدنا عيسى عليه السلام الإنجيل .... فهو الذي أعطاهم .

وهذا يوضح أن الكتاب المقدس ليس له شأن بالتوراة والإنجيل المذكورين بالقرآن ... ويمكن أن ننهي هذا الأمر بكل بساطة لنوفر على أنفسنا الوقت :

أي كتاب مقدس هو الذي نزل من عند الله ؟....

البروتستانت ... الكاثوليك ... الأرثودكس .... الإنجليون ... السامريون ... الأدفينتست السبتيين .... شهود يهوه ... ألخ

فليتفقوا على كتاب مقدس واحد وبعد ذلك يكون لنا لقاء آخر

السيف البتار

 

عوده