الرد على من أنكر وجود الله عز وجل مطلقا

كان من بين الناس ملاحدة لا يؤمنوا بوجود خالق واحد خلق السموات والارض وقد ذكرهم الله تعالى بقوله :
"وَقَالُوا مَا هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ "فزعمهم انهم على ارض وجودوا عبثا " أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ" وانما امروا ان يتفكروا في خلق السموات والارض وما بث الله بها من دواب وما خلق من شجر وحجر وما خلق في السماء من نجم وشمس وقمر هي لآية تدل على تنظيم وتوازن لهذا الكون .
ا"لَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ " فسبحانك يا خالق الكون ما هذا الذي نشاهده بالامر الذي ينتج من غير صانع ولا فعلك فيه لعب ولا عبث :"وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ"
فأول ما يلفت فكر الملحد ان ينظر الى ما حوله ويتفكر وبعد ذلك لا بد ان يقنع بوجود خالق لكل ما هو موجود . فان انكر وانكر يسأله سؤلا لا يستطيع اي منهم الاجابة عليه الا بأثبات الخالق:" أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ "
قال ابن جرير
"القول في تأويل قوله تعالى : { أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ (36) }
يقول تعالى ذكره: أخلق هؤلاء المشركون من غير شيء، أي من غير آباء ولا أمَّهات، فهم كالجماد، لا يعقلون ولا يفهمون لله حجة، ولا يعتبرون له بعبرة، ولا يتعظون بموعظة. وقد قيل: إن معنى ذلك: أم خلقوا لغير شيء، كقول القائل: فعلت كذا وكذا من غير شيء، بمعنى: لغير شيء.
وقوله:( أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ) يقول: أم هم الخالقون هذا الخلق، فهم لذلك لا يأتمرون لأمر الله، ولا ينتهون عما نهاهم عنه، لأن للخالق الأمر والنهي( أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ ) يقول: أخلقوا السماوات والأرض فيكونوا هم الخالقين، وإنما معنى ذلك: لم يخلقوا السموات والأرض،( بَل لا يُوقِنُونَ ) يقول: لم يتركوا أن يأتمروا لأمر ربهم، وينتهوا إلى طاعته فيما أمر ونهى، لأنهم خلقوا السموات والأرض، فكانوا بذلك أربابا، ولكنهم فعلوا، لأنهم لا يوقنون بوعيد الله وما أعدّ لأهل الكفر به من العذاب في الآخرة."

قال ابن كثير في مقدمة تفسيره "وفي الصحيحين عن جبير بن مطعم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور، فما سمعت أحدا أحسن صوتًا أو قال: قراءة منه. وفي بعض ألفاظه: فلما سمعته قرأ: { أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ } [الطور: 35] ، خلت أن فؤادي قد انصدع . وكان جبير لما سمع هذا بعدُ مشركا على دين قومه، وإنما قدم في فداء الأساري بعد بدر، وناهيك بمن تؤثر قراءته في المشرك المصر على الكفر! وكان هذا سبب هدايته "
وأضاف ابن كثير في تفسير الآية"هذا المقام في إثبات الربوبية وتوحيد الألوهية، فقال تعالى: { أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ } أي: أوجدوا من غير موجد؟ أم هم أوجدوا أنفسهم؟ أي: لا هذا ولا هذا، بل الله هو الذي خلقهم وأنشأهم بعد أن لم يكونوا شيئا مذكورا.
قال البخاري: حدثنا الحُمَيديّ، حدثنا سفيان قال: حدثوني عن الزهري، عن محمد بن جبير ابن مطعم، عن أبيه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور، فلما بلغ هذه الآية: { أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ . أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ . أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ } كاد قلبي أن يطير

مما سبق نعرف أن وجود اله امر مسلما به ولذلك استنكر الانبياء نكران قومهم لله فقالوا " قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ " اذ لا ينكر أحد ان السموات والارض لم تكن يوما ثم كانت على شكلها وان وجد من يقول بازلية مادتها من الفلاسفة.
وبعد اثبات الخالق وجب اثبات وحدانيته وتنزهه عن الولد والشريك والصاحبة .
قال تعالى مثبتا وحدانية الخالق : "أَمِ اتَّخَذُوا آَلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (21) لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22)" وقال تعالى: "مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (92)" قال ابن جرير:

" ما الأمر كما يزعم هؤلاء المشركون بالله، من أن الملائكة بنات الله، وأن الآلهة والأصنام ألهة دون الله( بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ ) اليقين، وهو الدين الذي ابتعث الله به نبيه صلى الله عليه وسلم ، وذلك الإسلام، ولا يُعْبَد شيء سوى الله؛ لأنه لا إله غيره( وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ) يقول: وإن المشركين لكاذبون فيما يضيفون إلى الله، وينْحَلُونه من الولد والشريك ، وقوله:( مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ ) يقول تعالى ذكره: ما لله من ولد، ولا كان معه في القديم، ولا حين ابتدع الأشياء من تصلح عبادته، ولو كان معه في القديم أو عند خلقه الأشياء من تصلح عبادته( مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ ) يقول: إذن لاعتزل كل إله منهم( بِمَا خَلَقَ ) من شيء، فانفرد به، ولتغالبوا، فلعلا بعضهم على بعض، وغلب القويّ منهم الضعيف؛ لأن القويّ لا يرضى أن يعلوه ضعيف، والضعيف لا يصلح أن يكون إلها، فسبحان الله ما أبلغها من حجة وأوجزها، لمن عقل وتدبر. وقوله:( إِذًا لَذَهَبَ ) جواب لمحذوف، وهو: لو كان معه إله، إذن لذهب كل إله بما خلق، اجتزئ بدلالة ما ذكر عليه عنه. وقوله:( سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ) يقول تعالى ذكره؛ تنزيها لله عما يصفه به هؤلاء المشركون من أن له ولدا، وعما قالوه من أن له شريكا، أو أن معه في القِدم إلها يُعبد تبارك وتعالى"


فوجود ارادتين مختلفتين متناقضتين لا يجمع بينهما تعني ان تحدث ارادة دون الاخرى . فمن استطاع امضاء ارادته نزع الارادة من الآخر لانه حدث غير ما يريد لآخر .

هذه الامور عقلية لا ينكرها الا مكابر ومن هنا نعرف كيف ناقش القران اثبات وجوده بآية واحدة " أم خلقوا من غير شيء ام هم الخالقون " واثبات وحدانيته بآية واحدة "مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ"
لا يمكن لعاقل ان يتجاوز هاتين الايتين من غير ان يقر بخالق واحد ولا يمكن ان ينقد هاتين الايتين . وهذا بيان ان المكابرة هي سبب الكفر وليس العقل بل العقل يرشد لوحدانية الخالق .
هذا الاسلوب السهل الذي لا يحتاج فيه الى فلسفة وجدل عقيم انه اسلوب القران فالتوحيد سر القران كما قال ابن تيمية رحمه الله تعالى

ومن أسلوب القران في التوحيد اثبات عجز من يعبد من غير الله ,واثبات عجزهم اثبات انهم لا يستحقوا العبادة , وقد ورد في القران بيان ضعف وعجز من يعبد من دون الله عز وجل : وفي سورة الأعراف يخاطب الله عز وجل أهل الشرك عن شركائهم فيبين لهم ان التفكير يقود الىنسان الى تركها والاعراض عنها :
"أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191)"فهؤلاء الذين يُعبدون من دون الله لا يخلقوا شيء وما يشهد احد لهم انهم خلقوا شيء بل هم انفسهم يخلقوا ويصنعهم الناس حسب أهوائهم كما حاج ابراهيم قومه في ذلك فقال :"قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96)" فلا صنم بدون نحات فكيف يعبد المصنوع الذي يشكله الناس حسب أهوائهم . فوجودهم قبل أصنامهم جعلهم شهداء على هذه الاصنام . وكلهم يعلم انها لا تخلق شيئا وانما الله خالق كل شيء . فلا هذه الاصنام خلقت بل هي مخلوقة .
"وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (192) " بل ان هذه الأصنام أضعف منهم وهي بحاجة لمن يحميها ولا تملك لهم نصرا ولا تأيدا وقد جعل ابراهيم عليه السلام قومه يسترشدوا عقولهم للإنقياد الى هذا الامر اذ دمر أصنامهم "فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ" " فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ" فبين لهم ان هذه الأصنام لا تستطيع نصر نفسها . فكيف ستنصرهم في الشدائد ؟
وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ (193) اذا دعوتم هذه الاصنام فانها لن تستجيب لكم لانها لا تسمع دعائكم بل يستوي سكوتكم ودعائكم لها ولذلك طلب ابراهيم عليه السلام من قومه ان يسألوا هذه الاصنام من دمرها وجعلها جذاذا فقال :" قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59) قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60) قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61) قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ (63) " هنا ينصدم من يعبد هذه الأصنام بالحقيقة التي يعلمها ويتجاهلها . هنا ينكشف الغطاء ويتبين زيف هذه الأصنام وتفاهت عقل من يعبدها . فقد كانوا يدعونها بالامس لتجيب دعواهم واذ بهم اليوم لا يقبلوا ان يسألوها من دمرها كانوا يسألونها ان تنصرهم واذ بحالها يبين ضعفها .
وهو قوله تعالى عن هذه الأصنام :
"إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (194) "
ثم يبين الله عز وجل ضعف هذه الاصنام وقلة حيلتها
"أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ (195) " فان صورتها بايد وارجل فلا ايد تبطش ولا ارجل تمشي وان رسمت لها عينان فانها اعين عمياء وان صوروها بآذان فانها تبقى صماء وهذه الامور كلها أقر بها قوم ابراهيم عليه السلام "قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ (65) قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ "
فليس من هؤلاء الأصنام شيء يستحق العبادة وانما يستحق العبادة الذي لا يحتاج من عباده شيء ولا يعجزه من امرهم شيء .
"إنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (197) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (198)"
هذا اسلوب القرأن في كشف زيف كل من يعبد من دون الله عز وجل . واذا نظرنا الى دعوة ابراهيم لقومه وآيات سورة الأعراف علمنا ان الحجة الشرعية موجهة للعقول بالدرجة الأولى بطريقة سهلة لا يعجز عن فهمها أحد ولا تعجز أحدا في فهمها . فهو اسلوب سهل وعقلي يسند الحجة فيها الى ما يتفق الناس عليه . لا ما يفهمه قوم ويغيب عن آخرين ولا ما يحتاج لفهم مصطلحات وتعقيد المور لاستنتاج لا يفهم ولا يتفق عليه كما يفعل أهل الفلسفة والكلام .
فاثبات وجود الله سهل واثبات ان ما يعبد من دون الله لا يستحق العبادة أسهل وان كان الناس تنوعو بمعبوداتهم

ولم تكن الأصنام وحدها تعبد من دون اللهبل عبدت الشمس والقمر والنجوم . وقد يكون من يعبد مثل هذه الأجرام السماوية ينظر اليها نظرة مختلفة . فليس بمقدور الانسان تدميرها و لا يقال عنها ما يقال عن الاصنام من ان بني آدم يصنعونها بأيديهم ويخربونها بأيديهم وينحتونها حسب أهواءهم . ولعل قول ابراهيم لقومه عن هذه الأجرام بيان شاف في عدم أهلية هذه للعبادة :"وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) " هو الطريق السليم بالتعرف الى هذه السماء وما تحويها والارض وما عليها . فاذا نظر في السماء فشاهد امرا أعجبه يجب عليه ان ينزل هذا الامر منزله ويذكر قدرة الله على الخلق وعجز المخلوق عن الكمال , وضعفه وعدم اهليته للعبادة من دون الله تعالى :"فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآَفِلِينَ (76) " انه كوكب دري جميل ولا تطاله الأيدي وهو مضيء يعطي النفس بهجة بالنظر اليه ولكن هل يكون هذا يستحق العبادة ؟ لم يستقك الامر يوما ولا بضع ساعات حتى غاب الكوكب الدري وذهب معه بهجة النفس وغاب عن الاعين . اين ذهبت ايها الكوكب وما حجبك عنا ؟ وهل يحب الذي يحتجب دون عباده فلا يؤتيهم رزقهم وييسر أمورهم ؟ لذلك كرهه ابراهيم وقال لقومه لا أحب الغائب"فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77)" فالقمر اشد ضياء وأقرب للنفوس من الكواكب البعيدة ولكنه مثله مثلها يغيب بعد طلوعه , وأي ضالا أشد من ان لا يهتدي الانسان لخالقه " فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78)" فهذه الشمس أكبر من هذا القمر وأكبر من ذلك الكوكب الذري و ولكنها تغيب بعد طلوعها .
فالقمر والشمس والكواكب كلها تسير بنظام تطلع وتغيب مما يدل على انها منظمة منقادة لنظام عام فلا تعبد هذه الأجرام وانما يعبد الله اللذي خلقها ونظمها :"وَمِنْ آَيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37)"
فالله الذي خلق الليل والنهار وخلق الشمس والقمر هو الذي قدر حركاتها وجعلها منتظمة "وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آَيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (32) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33) " فما يسير بفلك لا يستحق العبادة كونه مسيرا ووسيرهم بفلك دليل على تنظيم . والتنظيم دليل على منظم ولا منظم لهم الا الله الذي خلقهم . فسبحانه وتعالى عما يشرك أهل الكفروقد يغتر بعض أهل الالحاد بما آتاه الله من مال وجاه وسلطان فينسى انه لم يكن شيئا مذكورا فينسب لنفسه القوة والسلطان ويزعم ان لا فرق بينه وبين الخالق كما زعم النمرود انه يحيي ويميت . فكان جواب ابراهيم عليه السلام قطع الحجة من أساسها لا الجدال في تفاصيلها فقطع ابراهيم عليه الطريق اذ قال له : ان كنت تزعم انك كذلك وتظن نفسك ذو قرة فان الله جعل الشمس تجري في فلكها من المشرق فاجعلها تخرج من المغرب . وهذه الطريقة يجابه بها أهل السحر والدجل وأصحاب الدعاوي الكاذبة الذين يزعموا القدرة على الخوارق ان حالهم وحقيقتهم تبين زيفهم . فهذا النمرود ببعض الملك يريد ان يكون الملك لهذا الكون وينسى ملك الملوك الذي تواضعت الملوك لعزه فلم يكن ابراهيم من البلهاء الذين يغيب عقولهم عند اهل السلطان وانما طلب منه ما يزعمه فعجز النمرود .: وهذه الاية تبين زيف هؤلاء اذ قال الله مخبرا عن حال ابراهيم والنمرود:
"أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)"
فيقال لمن يزعم خلق الذهب:لم تطلب المال وانت تخلقه؟
ويقال لمن ينكر الروح أحي ميتا .
ويقال لمن يزعم الطبيعة أخلق ذبابة
وهذا يعجز عنه بنوا آدم فيعرفوا انهم ليسوا أهلا للعبادة وانما يستخف قوم عقول قوم فيطيعوا دون امعان عقولها ولذلك كانت الانعام أهدى سبيلا من هؤلاء اذ انها استفادة مما أعطاها الله من ادراك ما لم يستفد هؤلاء مما أعطاهم من عقل وحس .
"وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179)" وقال عز وجل عنهم :" أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلا كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا (44)" وهذه خلاصة الموضوع فان الله أعطى الانسان ما يدرك من عقل وفهم . فان لم يرد اتباع الحق فانه سيخلد في النار لا لظلم وانما لما قدمت يداه فقد كفر نعمة الله في الدنيا وصد عن سبيله فهو في الأخرة من الأخسرين

اذا فيمتاز اسلوب القران في إثبات وحدانية الله بالايجاز والاحكام وذلك انه لم يترك مجال للاعتراض . وبهذا يبتين ان اهل الكفر والشرك والالحاد انما يتبعوا أهوائهم بغير علم فجعلوا له بنين وبنات "وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ (100) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101)"وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ "" وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ (3) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (4)""وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (8) ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ (9)""وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ (3) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (4)", "أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ" وأغلبهم يعرفوا الحق ولا يتبعوه :" قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ (65) قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (67)" فلم ينفعهم الهدى الذي جائهم به ابراهيم عليه السلام ولم تنفعهم عقولهم بل اعترفو بعجز الهتهم الذين يدعون من دون الله ولكن الكبر يثني الانسان عن الحق والشيطان يعده ويمنيه . ففضلوا شهوتهم على ما ايقنوا بأنه حق . وكذا فرعون وقومه فانهم علموا ايات موسى عليه السلام ولكنهم أعرضوا :وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ " اذا فالقران بين الطريق الصحيح للناس وبين لهم امر مهم وهو أمر يجهله كثير من الدعاة : ان الذي عليهم تبليغ الدعوة وطلب هداية الناس وليس عليهم هدى الناس وهذا امر مهم يجب على الداعية ان يتذكر نبيه وهو يتحسر على كفر قريش وضلالهم حتى انزل الله قرآن يهديء من روعه ويبين له حقيقة هؤلاء: "أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ" فتزين الشيطان واتباع أهوائهم هي سبيل ضلالهم " لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ""فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ""وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ" فلا يجبر انسان على الهدى بل ان اهتدى فانما يهتدي لنفسه وانما الهدى يتركه الانسان لشهوته ويخالف به ما علم من الحق :" فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (82) يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ" فالجاحد لن تجد منه الا جحودا وانما علينا تبيان الحق

ومن منهج أهل الالحاد انكار الغيب . وان كان هذا الانكار انما هو انكار من لا يعلم على من يعلم وانكار من لا يقدر على من يقدر .
وامتاز اسلوب القران في ذلك الى بيان حقيقة الغيب . وبيان جهل طلب أهل الالحاد . فالغيب انما هو امر يؤمن به تصديقا لمن بلغ الرسالة . ومعاينة الغيب تجعله مشاهد ,فلا يبقى غيبا بعد ذلك , فلا يكون التصديق به من باب تصديق الرسل وانما من باب المشاهد . ولكن مع هذا لا يؤمن هؤلاء في أغلب الأحوال . بل سيزعموا ان النبي ساحر او يرجعوا العلة الى عيونهم . "وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (14) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (15)" وهذا ما أخبر الله عنهم عند طلبهم رؤية الملائكة في الايات السابقة :

"وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6) لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (7) مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ (8)" وهو بيان ان الملائكة من عالم الغيب والايمان به انما يكون بعد تصديق الرسول بالرسالة وهي الفارق بين المؤمن والكافر . فيوم يرون الملائكة فاي طلب لهذا الايمان ؟ وانما انكارهم هو كبرا من عندهم والله قادر على ان يريهم الملائكة ولكنه قضى ان يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للظالمين , ويكون هلاكهم بسبب كبرهم وعنادهم :"وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا (21) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا (22)" فالذي يعرف بنوا آدم ان الفرق بين التصديق والتكذيب لغير طلب الشهادة انما يكون على أمر يخبر به الانسان ويصدقه الناس ان لم يعرفوا عليه الكذب او جائهم ببينة تدفع عنه الكذب , ولكن اذا شاهد الناس ما أخبرهم عنه لا يكون قيمة لتصديقهم او تكذيبهم :

"فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (83) فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ (85) "
فاي طلب للايمان بعد ان يروا العذاب ؟ واي فائدة من ايمانهم بعد ان يروا الملائكة:"قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33) وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34) "
فان الآخر على طريق الأول بالتكذيب وبنفس الاسلوب تشابهت قلوبهم وخفت عقولهم .
لذا فان هذا الامر انما يتميز به المؤمن عن الكافر بالتصديق :
 
بسم الله الرحمن الرحيم

"الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) "


لذا فان جدالهم في الغيبيات انما هو من باب الجدل . وانما الايمان بالغيب تبعا للايمان بالله ورسله . فهل من انكر وجود الله ووحدانيته مع بساطة ووضوح الايات الدالة على ذلك والأدلة المقنعة العقلية سيؤمن بالغيبيات ؟ سيقول انما سكرت ابصارنا سيقول انه سحر او غاب عنه عقله . وكذا الحال بالنسبة لدلائل النبوة فانما تكون حجة على من شاهد وتكون غيب على من لم يشاهد .
" وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآَيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآَتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا (59) وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآَنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا (60)" وقد طلب كفار قريش من النبي آية مثل ما أوتي موسى . ولكن الغريب انهم أصلا كذبوا موسى بتلك الايات التي كان يخبرهم بها أهل الكتاب والتي أخبرهم بها القران فاي فائدة للطلب بعد التكذيب؟
" فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ (48)" بعدما كذبوا بالحق يطلبوا أمرا عندما أُحتج عليهم به زعموا انه سحر !!! وهذا بيان عقلية متعجرفة لأغلب هؤلاء :
"وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ (109) وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110) "
فالكفر في الأولى جعل قلوبهم غلفا صما وتقلب قلوبهم وابصارهم فسواء أكان رؤيتهم لهذه الايات او لرؤية القيامة والبعث فان طبع الكفر هو ناتج عن تكذيب للحق وكبر لا يزيله الا نار جهنم وذللة موقفه فانهم لو ردوا من الحساب ليعملوا لعادوا كما أخبر ربنا عز وجل :" وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ "وهذه الطباع نشاهدها في ايامنا حتى اننا نعرف اناسا بالغدر واناس بالكذب ولا يردعهم شيء من فضيحة او عقوبة بل يعدوا الى ذلك

وكان انكار أهل الكفر والالحاد قديما وحديثا على البعث وهو انكار للحساب والعقاب وللساعة . فما هو وجه أعتراضهم قديما وحديثا ؟
هم يقولوا انهم يبلوا وتتشتت أعضاؤهم وتتحلل و فتصبح مادة أخرى فكيف يعود ذلك الى جسده بعد تحلله وكيف يعود ولم يشاهد أحدا عاد بعد موته مع ان الانبياء أخبروهم بالبعث ؟
وقد أخبر الله عز وجل عن شبههم وبين ضعف عقولهم في تلك الشبه :
بان خالق الشيء قادر على اعادة خلقه دون عجز .
وان لهم أمثلة فيما يشاهدونه من مقدرة الله على انشاء الجسد بعد تحلله

اولا خالق الشيء قادر على اعادة خلقه دون عجز

"انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (48) وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (49) " تحلل الأجساد يرونها كل يوم فكيف تعود هذه العظام البالية الى انسان كامل ؟ فبين الله عز وجل ان الامر يمكن ادراكه بسهولة ,. وان العقول لا تنكر البعث :"قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا (50) أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا (51) يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا (52)" فان العظام تبلى ولكن العظام لم تكن يوما وخلقها ربها وكساها لحما وهذا اللحم والعظم انما خلقه الله من هذه الارض فهل يعجز من خلقهم اول مرة باعادتهم كما كانوا ؟ بالطبع هو أهون من ان يعجز من خلقه اول مرة .

وبمثل هذه الشبهة يقولوا :
"ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا" فبين الله تعالى ان الانسان ليس الا شيء يسير مما خلقه الله مما يشاهده بنوا آدم في حياتهم " أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا " فبين لهم ما في الاية الاولى ان خالق الشيء لا يعجز ان يعيده وكذلك قرنها لهم بالسموات والارض التي هي أعظم من خلق الناس."لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ "وتشابه قلوب أهل الالحاد ."بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ (81) قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (82) لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآَبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (83)" وقد سبقها الاجابة على هذه الشبهة "وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (79) وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (80)" فالخلق دليل على البعث لان الخلق يحدث دائما وقولهم انها اساطير الأولين هو بعد عن الحق اذ ان الخلق كله موجود والخلق كله بتصرف الخالق يجري فليس يخرج من سلطانه شيء فكيف يستبعد اعادة الانسان بعد موته " قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89)" وعدم عودة الموتى الى الحياة مرة أخرى في هذه الدنيا لهو دليل على ان من مات لا يعود اليها اذ لوعاد دون اذن الله لكان دليلا على العشوائية . اذ ان المحتمل ممكن الوجود وما هو موجود مؤكد للناس فوجود الناس دليل على امكانية عودتهم وعدم عودتهم يدل على ان للحياة سرا جعله الله يميز بين الانسان الحي والميت فليس السر في تكوين الانسان وتشكيله فحسب بل بالروح التي تنفخ فيه . فقد بين عز وجل ان من يموت لا يرجع الى هذه الدنيا الا باذنه فقال عز وجل :"أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ" فبين الله عز وجل ان الحقيقة ان من يموت لا يرجع للدنيا كما هو ممكن عند الدهرية الملاحدة فالحال دليل على ان الموت والحياة بيد الخالق عز وجل لا بيد الناس ولا يحق لهم الاعتراض على بعث الموت بحال الميت بعد موته وتحلل جسده بل خلقه ووجوده دليل على قدرة الخالق باعادة الخلق مرة أخرى .
وخلاصة القول ان الخلق دليل على القدرة . واعادة الشيء الى حاله لا يعجز من صنع اول مرة . بل هي أحقر من ان تعجز الخالق عز وجل وأهون من ان تعجزه عز وجل شأنه

قال العزيز الحكيم " أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77) وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83) "
وعند ضرب الكفار مثلا عن هذه العظام البالية واستشهادهم بتحلل الجسم اذ لم تستطيع عقولهم تخيل كيف ستعود الحياة فيها مرة أخرى بين الله لهم ذلك من وجوه :
الأول ان أصل الانسان نطفة فلو تذكر أصله وعلم حاله لما انكر بعث الميت من بعد تحلله . واعظم ما يلفت الانتباه اليه انه كان نطفة لا قيمة لها ولم تكن شيئا مذكورا حتى اذا خلقه الله في بطن امه خلقا بعد خلق نرل طفلا وتعلم وكبر حتى أصبح يخاصم في كل شيء ناسيا أصله ومآله" أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ "
الثاني انه عند سؤاله نسي انه مخلوق بعد ان لم يكن اي ان وجوده دليل على امكان اعادته وهو كقوله تعالى :"هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2)" " قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8) قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (9) " فاذا نظر الانسان لخلقه وانه أصبح موجودا ولم يكن شيئا مذكورا علم ان بعثه بعد موته امر يشهد عليه وجوده وان الاصل هو ان الخالق عنده القدرة على ذلك ودليلها وجود الانسان نفسه ."وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ "
الثالث : ان اصل الامر ومرده الى قدرة الله لانه نفسه الذي سيحيها وهو الذي سيبعثها .وهو عليم بخلقها قادر عليها ."قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ "
الرابع: لفت نظر الانسان الى قدرة الله عز وجل وكيف انه يخرج الحي من الميت والميت من الحي وكيف يجعل الشجر الاخضر الرطب الذي يستظل بظله نارا تبعث الدفئ بالنفوس ويطهى عليها انواع الطعام . فهي من ما يستظل بظلها الى ما يتقى حرها" الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ "
الخامس ان الذي خلق السموات والارض لا يعجز عن اعادة خلقها فكيف بهذا الانسان الذي لا يقارن بخلق السماء ولا الأرض:" لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ " فاي مقارنة لبعث الانسان مع هذا الخلق" أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ "
السادس : ان الله عز وجل لا يعجزه شيء ولكن تشبيه الناس لربهم بأشخاص عجز مثلهم هو ما يوهمهم ذلك "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ "فهم شبهوا الخالق بما يشركو وبضعفهم تعالى الله عما يشركون وتعالى عما يصفون علوا كبيرا فالله عز وجل انما يأمر الشيء فينقاد الشيء لخالقه كيفما أراد فلا يعجزه شيء عز وجل ويستوي عنده خلق نفس او خلق انفس كما قال الله عز وجل :"مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (28)" " إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ"
السابع : ان انقياد الشيء لخالقه امر لا محالة له اذ بيده عز وجل ملكوت كل شيء لا بعضه وانما أخر الناس لأجل معلوم عنده عز وجل" فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ "

وقد كان أهل الكفر والالحاد يسخرون من البعث ويرونه منافيا للعقول :" وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (7) أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ (8) أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (9)"
فبين الله لهم ضعف عقولهم وعدم تدبرهم بما حولهم ونسيانهم واقع حالهم " بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ " فاي ضلال اشد من عدم ادراك الانسان لأصله ولحاله والى منزلته بالنسبة للخلق " أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ "
وقد بين الله عز وجل ان أصل الانسان انه كان من شيء ميت تم خلقه خلقا بعد خلق حتى أصبح انسان سوي وهذا الخلق دليل على البعث والنشور :
ا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5)ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) وَأَنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (7) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (8) ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ (9) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (10)
فسبحان الله كيف تطيش عقولهم وتعمى

ومن أسلوب القران في اقناع أهل الالحاد بالبعث ومقدرة الله عليه مثال يشاهدونه في كل عام ويشاهدونه بأشكال مختلفة :
"وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39) إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آَيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آَمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40) "
فالانسان يشاهد الزرع كيف يكون وكيف يصير وكيف يحي الله الأرض بعد موتها وهي صورة جميلة يراها الانسان دائما . واسلوب القران بذكر ذلك مختصرا فيفهما الانسان ويعتبر . "وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57) "
وقد اورد القران صورة جميلة لكيفية حياة الارض بعد موتها وهي قوله تعالى:" اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48) وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (49) فَانْظُرْ إِلَى آَثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (50) "
فالرياح تثير السحاب ووالأمطارتنزل على الارض الميتة فينبت الزرع فانظر ايها الانسان كيف يحي الله الارض بعد موتها . ان الله الذي أحيا الارض هو نفسه الذي سيحيي الموتى وهو قادر أصلا على كل شيء . فاذا نظرنا الى الرياح كيف تثير السحاب وكيف يسوقه الله الى اراض بعيدة قاحلة وكيف ينزل عليها المطر فتنبت الارض وتهيج . وهذه الصورة تحدث في أشهر حتى تكتمل فالايجاز دليل على وضوح الصورة عند الناس والعبرة بسيطة سهلة يعتبر بها كل ذي لب .
بعد هذه الصورة يذكر الانسان :" إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى "
فأي عاقل ينكر البعث بعد هذه الادلة عليه ؟

أخبر الله عز وجل عن أخبار وقص في القران القصص :"نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآَنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ" بما يشعر كل انسان انه يستحيل ان تكون هذه القصص من تأليف محمد صلى الله عليه وسلم . وللخروج من هذا المأزق فالنبي أمي ولم يتلوا كتابا قبل الوحي :"وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ" وبين عز وجل ان النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يعلم شيئا من القران قبل البعث :"وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53)" وفي هذا القران كانت أخبار امم لا يعلمها الرسول ولا قومه :" تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ" فان اسلوب القران في القصص ان يجعل السامع كأنه يعيش القصة والمخبر كأنه عاينها " ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ"وقال عز وجل" ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ" وقال عز وجل "وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (44) وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (45) وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (46)" فهذا النبي لم يكن يعلم كتب أهل الكتاب ولا كان يقرء وما عاين شيئا مما أخبر .
حاول أهل الكفر والالحاد تكذيب النبي بعدة طرق :
قالوا هي اساطير الأولين من مثل ما عند الفرس والهند والروم من قصص وأشعار "وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ"وقال عز وجل مخبرا عنهم:"وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ" وأخبر عنهم" وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا " وأخبر عن قولهم عند سماع القران:"إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ" والفارق بين التكذيب بالقصص أصلا وهو قولهم أساطير الأولين وبين من قال انه نقلها من أهل الكتاب يسير والجامع بينهم هو تكذيبهم القصص وان كان ممن زعم ان النبي أخذ القصص من أهل الكتاب قوم من أهل الكتاب .
وقد بين الله عز وجل ان هذا القران ليس مما ترجم من لغة أخرى :"وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48) بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ" فالنبي لا يقرء أصلا ليأخذها من أهل فارس او من كتب أهل الكتاب ولكنه كان آيات محفوظة في صدور المؤمنين فلا يحق لهم ان يزعمو بذلك . فاتجه أهل الكفر الى اتهام النبي انه تعلمه من أهل الكتاب :" وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ " اي ان القران بلسان عربي مبين لا عجمة فيه ولا يستطيع أحد من أهل الكتاب نقله الى العربية دون ازالة العجمية منه وهذا القران عربي فصيح وكل من تتبع الترجمة بين اللغات علم قدر المشاكل التي يقع فيها التعريب او الترجمة وهذا القصص حجة على صدق النبي وانه مصدقا لما قبله من كتاب لذا فان القران ليس ترجمة لكتب أهل الكتاب وهذا امر يعرفه من يعرف هذه الكتب . وكذا فان وجود ما يصدق الكتب الاولى هو دليل انه من عند الله عز وجل :"وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى" فالقران يقص على أهل الكتاب أمور يعرفونها وأخرى أختلفوا فيها فكان ما يعرفونه يلفت انتباههم انه لا يكون الا وحيا وكان ما لا يعرفوا هو فصل للخطاب فيما اختلف فيه أهل الكتاب :" إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76) " فالقران فيه بيان حقيقة المسيح عليه السلام وبيان الصواب وعن أخبار اختلفت في كتبهم وأحكام أختلفوا فيها "كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" .
ويمتاز اسلوب القران في ذلك باعلام المدعي على النبي زيف ادعائه وبيان حقيقة القصص القراني .
فلم يكن النبي حاضرا بين من قص القران عنهم , ولم يكن القران مطابقا للتوراة والانجيل وانما كان مصدقا له ولم يكن ترجمة لما فيها , وكان النبي امي فلا يمكنه ان يجمع القصص من الشرق والغرب .
وقد اخبر الله عز وجل يف القرن عن قصص ليست في التوراة ولا في كتب أهل الكتاب . وبين صدق كلامه عز وجل من ما يعرف العرب عن مساكن عاد وثمود دون معرفتهم شيئا عن قصصهم الا انهم بادوا :"وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ" فكانت مساكنهم شاهدا عليهم كما كانت مساكن قوم لوط شاهدا على ما انزل الله بهم من عقوبة :" وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (138)" فأهل النهى يعتبروا بما يرو وأهل الغي والضلال يزيدهم غيهم وضلالهم عمى.
وقد أخذ بعضهم منحى آخر الا وهو الخصومة والجدال في كل شيء فقالوا ان النبي يقول قصة عيسى عليه السلام ليعظمه العرب كما تعظم عيسى عليه السلام او نحو ذلك من جدال :"وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57) وَقَالُوا أَآَلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58) " لان من يقرء القران يعرف كيف ينزل القران الناس منازلهم ويدعوهم الى عبادة الله ويفرق بين من يكون حصب جهنم ومن يكون مبعدا عنها , غير ان اعتراضهم لا يكون الا من باب الجدل الذي لا قيمة له لابتعاده التفكر والمنطق

وبين عز وجل ان هذا القصص انما هو تصديق لما جاء في القران ودليل انه من عند الله :" لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ"
فالقران انما قص القصص للعبرة والاتعاظ بها واشار ابن جرير الى مشابهة حال النبي صلى الله عليه وسلم بحال يوسف حيث كاد ليوسف عليه السلام اخوته والقوه في البئر وكيف أخرج الكفار النبي من مكة وكيف مكن الله ليوسف وملكه في مصر وكذا سيكون حال النبي فيظهره عليهم . وهذا ما حصل فعلا . ففي يوسف وأخوته آيات للسائلين وهي عبرة لأولي الالباب .

والقصص في القران هو بمثابة اعلام بأحوال المكذبين . ففيه بيان ان الحجة ليست وحدها ما تكون لهداية الناس بل ارادة المرء للهداية وتوفيق الله له . لان الاستكبار والكذب والاعراض هي صفات مجتمعة لكل الملحدين ولن يترك كفره والحاده الا بترك الكبر أولا ثم اتباع الحق . فبين الله عز وجل ان هذا القصص انما هو "القصص الحق" وان فيه "عبرة لِأُولِي الْأَلْبَابِ " فكان ما فيه من اخبار الله عن تكذيب القوم لرسولهم بيان شاف لماذا لم يرسل الله آيات كما ارسل العصى مع موسى وكما جعل عيسى عليه السلام ينفخ بالطير الذي شكله فيصبح طائرا " وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآَيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآَتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا (59)" فهذه حقيقة الانسان ان الهدى واضح بين ولا يحتاج أكثر من التذكير به "وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ" فكان من القصص عبرة وبيان لما في الكتب السابقة كما قال عز وجل"وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى""أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (17) ""أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آَيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ (157)"
فبين عز وجال حال من قص قصصهم بحال من قص عليهم القصص . وبين حال أهل الكفر في ذلك :"كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (69) أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (70)"

لما كانت حجة القران هي الحجة البالغة عن وجود الله ووحدانيته وتصديق القران بعضه لبعض بالحجج واسكات اهل الكفر والالحاد لم يكن دليل عقلي واحد ينافي شيئا مما في هذا القران . فاراد الكفار ترك التدبر بآيات الله البينات والتفكر فيما أعطاهم من حجج واضحات . والركون الى مطالب شخصية تتحقق لهم كي يؤمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم وقد كان لكفار مكة سلفا من بني اسرائل بعد ان اراهم النبي موسى عليه صلوات الله وسلامه الحجج البنات وانجاهم وأغرق آل فرعون اذ بهم يطلبوا طلبا غريبا " وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (55) ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56)" فما سبب طلب الاية بعد الآية الا بلادة النفس والاستكبار ؟ وهنا يبين لنا القران كيف ان هؤلاء الكفار انما امتنعوا عن اتباع النبي استكبارا وانما أعترضوا على النبي بعد الآيات البنات . فأي آية تطلب بعد القران ؟ اذ ان الايمان بالله يقنع به المرء بمجرد التذكير وبقليل من التفكير واسلوب القران في ذلك سهل وواضح لا لبس ولا غموض فيه . فما يدفعهم على طلب آيات أُخر؟

فاذا قيل لهم ان الوحي ينزل على النبي قالوا نريد ان ينزل علينا بل طلبوا ان يعطوا آيات يجرونها بأيديهم مثلما أعطي رسل الله . "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (123) وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ (124) "
فهذا ليس الا كبرا لذلك قال الله عز وجل ان هؤلاء سيصيبهم ذلا عند ربهم يقابل استكبارهم . فليست المعجزات تعطى لعبدة الاصنام والطواغيت وليس ظنهم هو ما يجب على الله فعله بل الله هو أعلم حيث يضع هذه الرسالات والآيات وانها لا تعطى لأمثالهم والذي كان ينبغي عليهم هو ان يؤمنوا بهذه الآية عند أخبارهم عنها وان يتفكروا فيها لا بأن يطلبوها لأنفسهم بأن يجريها الله على أيديهم ولذلك بين الله عز وجل ان الكبر هو ما يجعل الانسان يظلم نفسه وان الانسان اذا استكبر فلا ينفعه شيء كما أخبر عن قوم فرعون وكيف انهم جحدوا كل آية تدل على صدق موسى وكذا الاقوام من قبلهم لم يكتفوا بالتكذي بل هموا بقتل أنبيائهم "مَا يُجَادِلُ فِي آَيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ (4) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (5) وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (6) " ولهذا استحقوا ان يكونوا أصحاب النار فهم لا يطلبوا الآية الا للاستكبار فاذا جائهم ما طلبوا كفروا به حتى تأتيهم ساعتهم او يأتيهم عذاب من ربهم :"إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آَيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ" فهم ليسوا أهلا للخير . فليس مظهر الانسان ولا ماله وجاهه هو ما يجعله يستحق الخير في الآخرة وانما النفس الطيبة الطاهرة التي تؤمن بآيات ربها ولا تستكبر " سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ" فهؤلاء لا يتبعوا الحق ولو جائتهم كل آية بل يعاندوا فيتبعوا شهوة انفسهم وظنهم . ولا يكتفوا بذلك بل يسارعوا بالبتعاد عن الحق وابعاد الناس ونهيهم عن اتباعه " وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (25) وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (26)" فتركوا اسخدام عقولهم وظنوا انها معركة تنتهي بكفرهم " وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآَنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ"
وأخبر الله عن سبب عدم ايمانهم انه الاستكبار وان من كفر أول مرة يسهل عليه الكفر وكذا كل الكبائر والذنوب تهون على صاحبها بعد أول مرة بل يكون الامر مستساغا عند صاحبها "وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ (109) وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110) " فلو جمع الله لهم كل ما يريدوا فان الهداية تطلب من الرحمن والكبر يمنع الانسان من اتباع الحق :"وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (111)" لان من كذب بأية بينة سيكفر بمثلها لان السبب في الكفر ليس الا هذا الكبر :"إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (56) لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (57)" فأي آية تطلب بعد ما يراه الانسان في هذه السماء وفي الارض التي نعيش عليها . وانما أقتصر فعلهم بالاعراض ونهي الناس عن اتباع الحق بكلام مزخرف لا حقيقة له "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113)" فبعد كفرهم فليفعلوا ما يريدوا مان سنة الله ماضية في هلاكهم فلا مخلد فيهم في الدنيا ولا بقاء لهم الا قليلا فيجزون بما كانوا يقترفون .
فهذا ما رده الله عليهم بطلب الآيات من حيث النتيجة ومن حيث حالهم هم . وقد بين الله لهم ان هذا الرسول انما يتبع الوحي وان هذه الايات انما يعطيها الله لأنبيائه كما شاء عز وجل فلا يكون منها الا ما أراد الله لا ما طلب أهل الكفر والالحاد ولا حتى برغبة النبي الا بعد اذن الله عز وجل :"قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88) وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (89)"فهذا القران حجة الله البالغة على البشر فيه الحجة البالغة التي يرجعوا اليها ليهتدوا دون ان يروا آية او تحشر لهم الملائكة " وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (93)" فهل طلبهم مما يحق لهم طلبه من النبي اذ انه لا يأتيهم بشيء الا بأذن الله فلم يكن يمنع هؤلاء شيء من الاستكبار حتى انهم طلبوا منه تبديل هذه الاية التي انزلها الله عليهم من آيات بينات واضحات :"وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآَنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15)"فبدل من شكر الله على نعمة الهداية يطلبوا تبديل الخير الذي انزل عليهم " قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (16) " فلم يكن عندهم رد على الموجود بل زعموا انهم يريدوا غيره ليؤمنوا به .
فالقران كلام الله والرسول انما اصطفاه الله لتبليغ رسالته رحمة من الله يؤتيها من يشاء ,ولو أنزل الله قران حسب طلبهم فما قولهم عند ذلك؟ فقد طلبوا تبديله فهل سيكتفوا عند استجابة طلبهم ؟" وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ "
فلن يكتوا بل سيطلبوا امر ولو كان لا يقبله عاقل : لماذا لا يجعل جزء عربي وآخر أعجمي ؟و لذلك قال الله تعالى موبخا لأصل فعلهم :"أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ"بالطبع لا يقال هذا الا عنادا لان هذا القران فيه هدى وشفاء فلينهل من هداه من يشاء ويشفي الله قلبه وجسده ولكن استكبروا فطلبوا ما لا ينبغي لهم ولا لغيرهم
"الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آَمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ"
فهذا ما جعل قلوبهم تطبع على الكفر وليس اجبار الله لهم كما زعموا بل الكبر آفة الكفر "إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ" فاستعذ بالله ايها المسلم الموحد من ان يصيبك ما فيهم واتبع امر ربك فما هم أهلا للكبر ولا ينبغي لابن انثى ان يتكبر فهو الذي يسمع كلامهم ويبصر افعالهم ولا يخفى عليه شيء من عملهم ولا عملكم سبحانه وتعالى

أتفق أهل الكفر والإلحاد على الكفر بالنبي صلى الله عليه وسلم . وكان خلاصة قولهم عن القران ان النبي صلى الله عليه وسلم لم ينزل عليه شيء . وبل وقد حاول بعض أهل الكتاب مجارات أهل الكفر والإلحاد في ذلك . فقالوا ان الله لم ينزل اي شيء على البشر ليصدوا عن سبيل الله , "وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آَبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91) وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (92)" وذلك ان أهل الكتاب كلهم يؤمنوا بأن الله انزل على موسى الوصايا وهي الألواح التي تكسرت ونسخها موسى عليه السلام . فكانت الحجة على أهل الكتاب من كتبهم وكان في الحجة بيان لفعل أهل الكتاب بأخفاء بعض ما يوجد في كتبهم عن الناس . فأخبرهم الله موبخا لهم بان هذا الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم مصدقا لما عندهم وما أخفوا من الكتاب على الناس . فان كان أهل الكفر بصفة عامة لا يعلموا ماذا يوجد في كتبهم فقد بين الله امر لا يستطيع ان ينكره أحد من أهل الكتاب .
وأهل الالحاد ليسوا بحاجة لشهادة أهل الكتاب لانهم يكفروا أصلا بما انزل على أهل الكتاب " فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ (48)"
اذا فاتفاق قرناء السوء على الكفر هو ما يجمعهم اما الحق فلا يجاوره ابدا لانهم يتكلموا بالمتناقض من القول احتجاجا لما يزعموا . فأهل الكفر والالحاد اتخذوا اهوائهم وألهتهم اندادامن دون الله وكذبوا بالتوراة والانجيل وأهل الكتاب يصدقوا كتبهم ويكفروا بأصنم الكفرة وأهواء أهل اللحاد . فذاك صلح قرين السوء للقرين . وليس اتفاقهم على مخالفة الحق الا حجة عليهم فأهل الكتاب يعلموا ان الله انزل كتبا وأهل الكفر يسألوا أهل الكتاب فكان جواب أهل الكتاب حجة عليهم بانهم يخفون الكتاب وانهم ليسوا أمناء عما سألهم أهل الكفر وأهل الكفر علموا أن اهل الكتاب كذبوا وان الاجابة عن سؤالهم : نعم ان الله نزل على رسله كتبا وارسل وحيا فان كان هذا غرضكم من السؤال فان الإجابة كما أخبركم محمد صلى الله عليه وسلم . فما يمنعكم من تصديقه ؟


فلم يكن باجتماع أهل الكفر باهل الكتاب الا حجة عليهم وحجة بأن القران هو كتاب الله عز وجل . فليس هذا القران شيء مما يستطيع ان يتكلم به النبي الا بما أوحى الله اليه فليس بمقدوره ان يتكلم من عنده بمثل هذا القران ولا أن يعرف ما يوجد في كتب أهل الكتاب فيصدقه ولا ان يكون فيه هذا الهدى الذي لا يزيغ عنه الا اهل الاستكبار دون اهل الحق ومن يبحث عن الحق لان هذا القران فيه الحجة البالغة وانما هؤلاء يتبعوا أهوائهم ولا يقولوا الا بالظن الذي لا يستند الى الحقيقة فكيف سيستطيع بشر ان يفتري هذا القران من عنده ؟" وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآَنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (37) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38) بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (39) فبين الله عز وجل ان هذا القران ليس من كلام محمد وانما هو كلام رب العالمين , فمن شك بذلك احد منكم فليأتي بسورة من مثل هذا القران والسورة هي قران ولكنها ليست كل القران . فان كان الزعم ان محمدا(صلى الله عليه وسلم ) افترى هذا القران ومحمد صلى الله عليه وسلم بشرا مثلهم فانه يمكنهم متفرقين ان يأتوا بسورة من مثل ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم . فان عجزا عن ذلك ذلك متفرقين فانه حجة عليهم لان الرسول من جنسهم ولكن الله عز وجل قطع عنهم الشك بالعجز فطلب منهم ان يجتمعوا للأتيان بسورة تكون من مثل القران مصدقتا لما بين يديها وان يكون بها الهدى والنور الذي في القران فكانت نهاية الاية تكذيبا لهم لانهم عجزوا عن ذلك فاستحال صدقهم فعلموا ان الحق لله عز وجل وان محمد نبي لا يأتيهم بكلام من جنس قولهم فان سحرتهم وكهنتهم وشعرائهم وأهل الكتاب وأهل الكفر مجتمعين لا يمكنهم ان يأتوا بشيء زعموا انه من فعل البشر . فاين عقول هؤلاء القوم لو ابصروا بقلوبهم لاستبصروا انهم من أهل الغي والالحاد كذبوا بما لم يعلموا ولم يعرفوه حق المعرفة بل طغى الكفر والتكذيب على عقولهم فزاغت أعينعهم وعميت قلوبهم .
فكذبوا بالقران وتوعدهم الله عز وجل ان يأتيهم خبر هذا القران بعلوا أهل الايمان على أهل الالحاد و بين لهم ذلك مما قص عليهم من خبر أهل الكفر سابقا وكيف كانت عاقبتهم . وهذا بيان آخر عن صدق النبي صلى الله عليه وسلم بان أهل الارض لم يستطيعوا الإتيان بشيء مثله الى يومنا هذا وهذا دليل على انه ليس مما تقدره البشر . وفيه بيان من ظهور اهل الايمان على أهل الكفر . وهي سنة الله التي لا تبديل لها . أهل الايمان يلتزموا بدينهم ويصبروا على الأذى فتمضي سنوات فيمكنهم الله تعالى . فلا يطلب من أهل الايمان أكثر من الالتزام بشرع الله كما أمرهم . ولا يكون الذل والهوان الا بالبعد عن شرع الله ونهج النبي .
فبين الله عز وجل أن هذا القران ليس بمقدور البشر على اختراعه او اختلاقه او افتراءه "أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14)" فدليل صدق القران ان البشر عجزوا , وما ذلك الا ان الذي انزله انما انزله بعلمه "لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا" فهذه الشهادة هي خبر عن عجز الناس عن مثل هذا القران متفرقين او مجتمعين بقدرتهم او بالاستعانة بغير البشر مما يزعموا من آلة وآلهة وجن وبشر ." قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا" وبين الله عز وجل بعد قص قصة نوح ان القران باب هداية وفيه صلاح الناس في الدارين فلو كان كما يزعموا مفترا من دون الله لنالهم صلاح الدنيا ولا يضرهم فعل النبي فان العاقل يستفيد من الخير من اي باب أتاه ويقدره ويوزنه بعقل راجح "أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ" فلا يضركم شيء اتباع الحق لان ألهتهم لن تغني عنها والقران فيه دليل فساد عبادتهم للأصنام فان كان النبي افترى هذه السور فان الافتراء انما يضر صاحبه وانما هذا القران هو كلام الله فليس هو مما يستطيعه البشر فان النبي صلى الله عليه وسلم لا يستطيعه حتى لو قرء قصص فارس والهند ولو أعانه عليه من يعلم الكتاب من أهل الكتاب ام من غيرهم :"وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آَخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا (4) وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5) قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (6)" فهذا القران فيه خبر ممن يعلم سر السماء والارض فانظروا فيما أخبركم عنه من كل آية فليس شيء منها في كتب أهل الكتاب وليس من خرافات يعرف العاقل كذبها فهل عدم معرفتهم بالكتاب هو هو ما يدفعهم لذلك ؟:" أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ" بل انه لحري بهم ان يشكروا النعمة ويتفكروا كيف صدق القران كتاب أهل المتاب وكذب ما أدخلوه على دينهم من ضلال . وكيف أخبرهم بما حدث من خلق آدم الى آيات الله في السماء والارض وما يخبرهم به تصديقا للنبي الامي فهو مصدقا لما بين يديه من الكتب أعطاكم الدليل بوجود كتب من قبله منزلة و شهد من أهل الكتاب انه الحق من الله مصدقا لما معهم وليس شيء جديدا مبتدعا لم تعرفه الناس بل بل أهل الحق على توحيد الله في كل زمان" أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (8) قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (9) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآَمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10)" فعقوبة المفتري عند الله في الدنيا قبل الآخرة وهذا ليس من مقدور البشر وما يمنعكم بعد هذا عن الايمان الا الاستكبار . .
فاسلوب القران سهل يبين ان هذا القران ليس من مقدور البشر وانه يصدق ما قبله وان فيه خبر ما لا يعلمه أحد في والارض ولا في السماء الا الله

ومن أسلوب القران وضع الناس على الحقيقة وتذكيرهم بها . فعجزهم عن الاتيان بمثل هذا القران دليل واضح على صدق النبي صلى الله عليه وسلم لذا فان القران يصدمهم بالحقيقة التي لا بد لهم من التسليم بها :" أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ" فيأتيهم الجواب مباشرة " بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ" فهذا الاسلوب هو بيان للحقيقة التي ينبغي ان يسلم لها الجميع لان عجزهم عن الاتيان بمثله وضعهم اما خيارين : الاول الايمان به . والثاني الكفر به " وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ" فلا يبقى في منتصف الطريق أحد لان الشك هو تكذيب لحال النبي فالشاك لا يقال عنه مؤمن بل هو لا يؤمن بصدق النبي فلذلك هو شاك " أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ" فالشك لا يكون حالة ثالثة . فمن أمن وأصلح فأجره على الله ومن كفر به فانه مضطر لبيان سبب كفره . ةقد سبق الاشارة الى رد زعمهم أن النبي أخذ القران من أهل الكتاب او قولهم عنه اساطير الأولين. والرد على أنه من إفتراء النبي بزعمهم .وقد زعموا مزاعم لا يستقيم لها حال كقولهم شاعر او مجنون او ساحر او مسحور او تنزلت به الشياطين . فبين عز وجل قدر القران وحاله وكيف أنزل "الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ" فقد أحكمه الله من الخلل والزلل فليس هو مثل شيء من كتب البشر التي لا تخلوا من أخطاء البشر . وجهلهم بأمور فلا يكون كتاب من كتبهم محكما بل يعتريه الخلل او الزلل وهذا حال كتبنا وكلماتنا الا اذا كانت كلام الله او من كلام المعصوم صلى الله عليه وسلم ." ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ" فهذا القران فيه الطريق التي لا يزوغ عنها الا هالك وهذا القران هداية لأهل التقوى يؤمنوا به ويعملوا به . فأي كتاب للبشر يهدي الى الحق بمثله " نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ " وهو مصدقا لما أنزل الله على الرسل من قبل لا معارضة لها . فأعجب شيء ان ينسب مثل هذا الكتاب الحكيم الى غير الله " وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ "فالذي ينكره بحاجة ان يبين مواضع الزلل ويبحث عن الخلل الذي لا يوجد في كتاب الله , او ان يأتي بمثله . ولما عجزوا ظهر أثر استكبارهم : فقال بعضهم تنزلت به الشياطين وهو ليس بمقدور البشر " وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (211) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (212) " فالشياطين لا تستطيع ان تأتي به لبعدها عن خالقها وهذا القران فوق مقام البشر من جن وانس والجن حجبت من أن تخبر أحدا من أهل الأرض بخبر الكهانة فلا الجن ولا الانس تقدر عليه :" قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرً" فدخول الجن في الطلب وجعل الانس والجن بعضهم لبعض معينا لا يجعلهم يأتوا بمثله فكيف يقال تنزلت به الشياطين . وعزل الجن عن السمع وعدم امكان الجن التكلم بمثله او استراق السمع من أهل السماء هو دليل انه صلى الله عليه وسلم ليس كاهنا , ولا ممن تلبسته الشياطين بل هو يتكلم بكلام رب العالمين الذي نزل به الروح الامين . " هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (223)"فأين هذا الافك في القران حسب زعمكم ؟. وزعمو على النبي غير الكهانة فقالوا ماأخبر الله من ضلالهم:" فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ (29) أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (31)" اما القول بأنه شاعر فهو فاسد من عدة وجوه فان الشاعر يموت وتذهب أشعاره او أغلبها ولكن هذا القران سيبقى بعد موت محمد صلى الله عليه وسلم وحفظ الله له بصدور العلماء وبسطور المصاحف بغذنه عز وجل . وكان عندهم الشعراء ولم يكن حال الشعراء عندهم الا بمنزلة المداحين واصحاب الابيات الفصيحة والبليغة التي ليس منها فائدة الا ما كان صياغة لحكمة وقد ذكر الله تعالى ذلك فقال:"وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (226) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227) " فالرسول يخبرهم بالشيء ويعمله وليس ممن يلقي حكمة ليتكسب بها . فقولهم شاعر لم يكن الى هروبا من الرمضاء الى النار . فالشعراء يرتاح الناس من هجوهم ومن شعرهم بموتهم ويذهب شعرهم اما هذا النبي فان الله أخبره ان يقول لكم تربصوا بما زعمتم فانا متربص ومن معي من المؤمنين بما سيذيقكم الله من الخزي والعذاب في الدنيا ومن تمكين الله لنا عليكم .
فما لبث النبي ان ظهر عليهم ولما توفاه الله لم يضع شيء من هذا القران بل كان كما أخبر الله عنه " إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ"
اما الجنون فهي أغرب مي ينسبه عاقل للنبي . فالأصحاء عجزوا عن الاتيان بمثله فما قدرة من لا يعقل بمثل هذا القران
"كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (52) أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ " فهذه تهمة لا يقولها الا من عمميت بصيرته واستكبر عن اتباع الحق وقد رد الله عليهم عند زعمهم "إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35) وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آَلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ (36) بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (37)" فاي حق يأتي به أهل الجنون وهل يصدق كلامهم كلام النبين من توحيد الله وبيان شرعه ؟ فلا يصح لهم اتهامه صلى الله عليه وسلم بشيء من هذا .. وهل كان يستطيع أحد ان يكذب على الله بمثل هذا القران ويغفل الله عنه وعن فضحه ؟ فهذا القران هو كلام الله عز وجل والرسول الذي أخبركم به الرسول :"إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (41) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (42) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (43) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (48) وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (49) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ (50) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (51) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (52) "
اما السحر فقد بين الله عز وجل انه فعل الضعيف الذي لافلاح له حقيقة وقد بين في قصة موسى مع السحرة ان الساحر لا يفلح فهو يسحر أعين الناس ولا يغير الحقيقة يسلبهم أموالهم بفعله ولو كان صادقا لأفلح في سحر المال:"فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ (76) قَالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ" فانى للساحر من الفلاح في دنياه وقد طرد من رحمة الآخرة . والسحرة اعرف الناس بما بأيديهم فكيف يعجزوا عن مثله ؟ فلو كان سحرا لأتوا بمثله . وقد بين ربنا عز وجل ان السحرة آمنوا بموسى لما علموا بأن العصى ليست سحرا ولو كانت كذلك لبينوا خعتها او سعوا للاتيان بمثلها , فاين السحرة من الاتيان بمثل هذا القران ؟"قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (65) قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (68) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70)"فايمان سحرة فرعون لنبي الله موسى قصها الله علينا ليعلمنا كيف نعرف الامور ونميز سقيمها من صحيحها . وقد بين الله عز وجل اضطراب عقول أهل الكفر بالتفاتهم من حجة واهية الى أخرى واهية مثلها وضرب لنا مثلا الوليد بن المغيرة في قوله عن القران ."نَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) " فقد فكر وقدر فما وفق في تفكيره ولا تقديره فلم يستقم ما فكر به ولا ما قدره فلم يبقى له الا ضم حاجبيه وكلح وجهه وعند ذلك زعم ان هذا انما هو سحر يؤخذ عمن سبق . فهذا قول البشر . فان كان كما زعم فلماذا لا يأتي بمثله ؟ فكان ناتج استكباره كفره . وهذه الاية بينت موته على الكفر قبل سنوات من موته . وهي بمثل ما أخبر الله عن ابي جهل وابو لهب وهذا الوليد مثلهم فقد قدر الله لنبيه وللمؤمنين ان يعلموا موتهم على الكفر واستحقاقهم لجهنم وكما مر سابقا فان الله أخبر نبيه بظهوره على قريش وذلك كله دلالة على صدق النبي وبيان ان هذا كتاب أحكمت آياته : وانه ذكر مبارك انزله الله هدى للعالمين

وكان مشركي مكة قد جعلوا من رزق الله حلالا وحراما على غير ما شرع ربنا . فكان ما يبين ضلالهم وبعدهم عن الحق هو معرفة مصدر التحريم ومعرفة هذه الأحكام والتفكر فيها . فبين الله انهم انما فعلوا ذلك بأهوائهم " قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آَللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (59) وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ " وذلك ان تحريم الشيء انما يكون من عند الله . فلماذا حرموا ذلك ؟ هل هي بأمر الله ؟ اذا لم تكن كذلك فهم يفتروا على الله بتحريمهم اياها . فهم حرموا انعاما على كل الناس فبين الله زيف نسبة ذلك لله ""مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ " وذلك انهم انما حرموها اتباعا لآبائهم وبغير علم ولا هدى من الله . فهم قوم لا يعقلوا اذ لو عقلوا لبحثوا عن من حرم هذا .وهذه الانعام التي حرموها هي من جنس ما يأكلوا منه ولم تكن علة تؤثر في أكلها الا ما زعموا فكانوا لا يذبحونها ولا ينتفعوا ببعضها فبين الله عز وجل انهم يفتروا على الله الكذب بفعلهم اذ ليس عندهم علم وانما هي اهوائهم وتقليدهم الاعمى لبعضهم البعض:"وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (138) وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (139)"وهذا اشد الجهل بان يجعل التحريم والتحليل تبعا للهوى فيحللوا ما يريدوا ويحرموا ما يريدوا افتراء على الله .فهذه جعلوها محرمة وتلك جعلوا ظهورها محرمة فلا يركبوها وأخرى لا يحجون عليها وزعموا ان ما في بطون بعض الانعام خالصة للذكور دون الاناث سواء أكان يقصد به اللبن ام الاجنة التي تولد فتحريمها على الاناث انما هو تبعا لقولهم لا يطعمها الا من نشاء فحرموا ذلك مطلقا على الاناث وأحلوها للذكور ولكن ان تكن هذه ما في بطون هذه الانعام ميتة فهم قد يطعمو الاناث ان شائوا فحرموا الاناث منها الا ان كانت ميتة فيحلون لهم أكلها بأذنهم . وزعموا ان الله هو الذي أمرهم فقال الله عز وجل سيجزيكم ايمها الكفار كذبكم فان الله حكيم فيما يشرع عليم بما يصلح أحوال الناس فلوا عقلوا لعلموا ان الله لم يحرم ذلك . ولم يكن ذلك الامر الوحيد الذي فعله أهل الشرك بل جعلوا لله نصيب من ذبائحهم وجعلوا لشراكهم من اوثان نصيب !" وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ " فهؤلاء مع سخفهم جعلوا لله نصيبا مما ذبحوا وما زرعوا فكان نصيب الهتهم يصل لآلهتهم وان كان شيء شيء لله فيصل الى الله وقد يصل شيء منه لآلهتهم من النصيب الذي جعلوه لله . فكذبهم هذا يعني انهم يفضلوا آلهتهم التي لا تستحق العبادة ولا أن تسمى آلهة على الله . فبين الله كذب حجتهم فسألهم :" ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آَلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (143) وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آَلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144) " فاي ذلك حرم الله؟ لم يحرم منه شيء لانه خلق ذلك كله لكم لتركبوا ظهورها وتذكروا اسم الله اذا استويتم عليها ولحمها لكم حلال فهذه أنعام خلقها الله لكم وهو ما بينه عز وجل في الاية السابقة :"وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ" فان أهل الكفر سيبوا السوائب وبحروا البحائر و حرموا الوصيلة و الحام وهذه مثلها مثل هذه الانعام التي حرموا بعضها وحرموا ركوب بعضها والانتفاع بلبن بعضها وجعلوا بعضها حرام على الاناث منهم .
فانهم ان زعموا تحريم الذكور من هذه الاصناف فانهم يكونوا كذبوا انفسهم بانهم يستمتعوا بلحوم هذه الذكور ويركبوها وان زعمو حرمة الاناث فانهم يكذبوا انفسهم بانهم يشربوا البانها ويركبوها وان زعموا حرمة كل ما حوته أرحام اناث هذه الانعام بان كذبهم . فالانعام هي سواء وهي اما ذكور واما اناث فما جعلهم يميزوا انعام عن غيرها الا اتباع لكفر وجدوا ابائهم عليه وافتراء على الله عز وجل فلذلك قال لهم في الاولى نبؤني بعلم وفي الثانية سألهم سؤال المتهكم بهم أم كنتم شهداء اذ وصاكم الله بهذا ؟ فلم يكن يمكنهم القول بان الله وصاهم بهذا اذ ليس عندهم سيء يدل عليه وبطل زعمهم بتحريم بعض الانعام دون بعض من نفس النوع والجنس بما سيبوا السوائب وبحروا البحائر ووصلوا الوصائل وتركوا الحام من الركوب فحموا ظهورها .فبعد ذلك اي ضلال هو شرممن افرى على الله الكذب فحرم ذلك على الناس وانما خلقها الله لينتفع الناس بها . ثم طلب الله منهم ان يبينوا فقال لهم : قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ" فبين عز وجل انهم لا يملكوا شهادة وان زعموا فانهم يشهدو زورا . فانهم كذبوا بآيات الله وأنكروا البعث وجعلوا لله انداد وساوو بهم الخالق فان الله عز وجل انما حرم من هذه الانعام ما كان خبيثا مكسبا او حالا "قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145) وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (146) "فان الله عز وجل انما خلق هذه الانعام لننتفع بها ونكسب منها كسبا حلالا ونأكل لحومها ونشرب البانها ونركب ظهورها وبين لهم شيء قد يعترضو عليه من حال يني اسرائيل فبين الله عز وجل ذلك :انما حرم على بني اسرائيل اشياء من هذه الانعام بسبب ظلمهم لانفسهم وعقوبة وقد كانت كلها حلال لهم قبل ذلك "كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ"وبين عز وجل انه انما حرم ذلك بسبب ظلمهم "فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا" فالله عز وجل بعث نبيه ليرفع عنهم الاصر والاغلال التي كانت عليهم وكذا ليحل للناس ما حرمه أهل الجاهلية بلا علم وكتاب منير فمن يرد الهداية فليتبع هذا النبي فيكون من :"الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ"
فلما بطلت حجة أهل الشرك وبان كذبهم فيما جعلوا لله من شركاء من رزق وما بينه من كذبهم وافترائهم على الله بتحريم ما أحل الله وتحليل ما حرم "قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آَللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ" وبعد ان بين لهم كذبهم بسؤالهم عن السوائب والبحائر والوصائل والحام بين عز وجل ان ضعف حجتهم ستجعلهم يلجؤا الى الكذب مرة أخرى "
سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ" فاحتجوا بان الله لم يمنعهم من الشرك ولا تحريم شيء مما انزل الله من رزق وهذا الكلام كله من الجدل الذي اساسه الكذب على الله بالزعم عليه بما لا يعلموا . فطلب منهم برهان من علم يبينوا ذلك فهم ليسوا الا يظنوا ذلك ظنا ولا يعرفوا شيء من الحق في ذلك فكلامهم كله كذب بأن الله أجبرهم ورضي لهم الكفر وعبادة الأوثان . وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (35) فتشابه قلوبهم بقلوب من قبلهم جعل سبيلهم الهلاك كما حل بمن قبلهم ان لم يبادروا بالتوبة لله . والرسول لا يجبركم على الايمان وانما يبلغكم رسالات الله وانتم بعد ذلك تسيروا الى طريق الضلال او تتبعوا الهدى . فان الله عز وجل انما خيرهم وميز بعضهم على بعض ولو شاء لجمعكم جميعا على الهدى ولو شاء لهداكم أجمعين ولكنه عز وجل ترك الناس ليعملوا ما يريدوا فيجزي كل انسان بعمله وهو لا يظلم أحدا عز وجل" قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (149) " ولم يكن أهل الشرك قد حرموا ذلك وحده بل تعدوا ذلك الى تحريم امر لا يفعله انسان الا بعد ازالة الرحمة من قلبه " قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ" ولم يكن ذلك الا بعد ان تلبس عليهم الحرام والحلال فبدؤا بالسوائب والبحائر وانتهى بهم الامر الى قتل اولادهم " وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (137)" فقد قتلوا اولادهم بطرق شتى : فوئدوا البنات وقتلوا اولادهم خوف ان يعيلهم وخوفا عليهم من الفقر "وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا" وكانت المؤودة أغلب قتلهم " وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9)" فبين الله تعالى ان ذلك افساد الحياة وانما لبس عليهم دينهم وتخبطتهم الشياطين بفعلهم ولبسوا عليهم ادراك الحقائق فخسروا الدنيا بتحريم الرزق من مال وبنين وخسروا الآخرة بالشرك فارشدهم الله عز وجل للحق ليتبعوه فسألهم :(قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) وبعد ان بين كذبهم في انهم يفتروا على الله الكذب بين عز وجل شرعه الحنيف:{ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) }وبين عز وجال حال المشركين بفعلهم وبين ناتج ذلك : " قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (140)"

كان أهل الشرك وأهل الكتاب يزعموا بانهم على منهج ابراهيم عليه السلام . فبين الله تعالى كذبهم وخروجهم عن ملة ابراهيم عليه السلام . وبين لهم ان ملة ابراهيم هي افضل ملة . "وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ" وهذا أمر متفق عليه بينهم الا ان أهل الكتاب كانوا يزعموا ان ابراهيم هو على ملتهم من يهودية ونصرانية . وبين الله عز وجل ملة ابراهيم السمحاء التي هي التسليم لله بكل شيء" إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ " فكان مخلصا مطيعا خاضعا لله رب العالمين . فبين الله عز وجل ان اليهود والنصارى يدعون الى غير ملة ابرهيم الحنيفية السمحاء فهم يدعون الى اليهودية والنصرانية والمشركون من اهل مكة يدعون للشرك بالله " وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135)" وزعموا ان ابراهيم كان على ملتهم فكذبهم الله عز وجل نافيا ذلك عن ابراهيم عليه السلام ومكذبا المشركين بزعمهم انهم على ملته بما هم فيه من شرك والحاد.
فبين الله الحجة على أهل الكتاب بما يغني عن مجادلتهم في فعلهم ودينهم . فابراهيم عليه السلام مات قبل اليهودية وقبل النصرانية فكيف ينسب الى أحدهما ؟
فأهل التوراة من اليهود يقروا على ان اليهود من نزل عليهم التوراة وآمن به والنصارى يقولوا ان دينهم على الانجيل والتوراة فكيف يكون ابراهيم يهوديا او نصرانيا ولم يكن قد نزل عليهم توراة ولا انجيل ؟
"يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (65)"
ثم بين الله تعالى : ان لا يحق لكم الكلام فيما لا تعلموه وليس عليكم به حجة و فقد جادلتم فيما حرم الله عليكم من الانعام وغيرها لانه موجود في كتبكم فبأي حق تجادلوا في شيء يعلم العاقل كذبه . فان الله الذي يعلم كل شيء يخبركم ملة ابراهيم السمحاء الاتي فيها التسليم لله وطاعته وهو ملة الاسلام :
"هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (66) مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67)"
:"قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ " فاليهود على تحريم امور لم يحرمها عليهم الله عز وجل الا من بعد نزول التوراة وهي ما نزل الاسلام لتخفيفه عليهم وارشادهم للحق لأتباعه وتخفيف الأصر والأغلال التي كانت عليهم بسبب بغيهم . وبين الله عز وجل ان ملة ابراهيم ليس فيها التشديد وتلك الأغلال التي انما كانت بسبب بغيهم وظلمهم "فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا" فبين ان هذا لم يكن محرما على ابراهيم عليه السلام ولا على ذريته من بعده حتى حرم الله ذلك على اليهود فبين لهم ان لا سبيل لهم لانكار ما يخبرهم الله عز وجل به باي حجة او جدل كزعم ان لا نسخ في شرع الله بزعمهم فارشدهم الى الرجوع للحق وبيان ان الله انما حرم عليهم من الطيبات بسبب بغيهم وعقوبة لهم واختبار فارجعوا الى كتبكم فان فيها نص نزول التحريم والتي تبن ان ذلك لم يكن محرما منه شيء " كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (93) فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94) قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (95)" فليس شيء الا كان مباحا من هذه الانعام الا ما حرم اسرائل على نفسه وذلك كله كان قبل ان تنزل التوراة فكيف يقال ان ابراهيم كان على ملتهم .وكتبهم شاهدا على ذلك وفيها تكذيبا لهم عن قولهم ان الشرائع لا تنسخ وبيان الحق في ذلك .

فبين عز وجل ان استحقاق النبي والذين آمنوا معه لملة ابراهيم هو اتباعهم لملته من التسليم لله والطاعة" إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68) " وهو الذي أمر المؤمنين باتباعه :
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77) وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78

وكان القران يرد على على أهل الجحود عند طلبهم الاية بتذكيرهم بفعلهم أول مرة اي بيان ناتج الاستجابة لطلبهم قبل ان يستجيب لذلك او تركهم وعدم الاستجابة لهم .
فقد طلبوا من لاآيات ما يتخيلوا وكأن النبي انما بعث لهم ليلبي لكل انسان رغبته لكي يؤمن " قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88) وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (89)" تركوا ما انزل الله اليهم من آيات بينات ثم عمدوا الى ما في نفوسهم وأهواءهم:" وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (93)"
فليس النبي هو من يستطيع فعل شيء الا باذن الله فبأي سبب يعرضوا عما أخبرهم عز وجل انه دلالة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وطلب آيات حسب أهوائهم . وقد بين الله عز وجل ان ناتج الاستجابة لهم لو استجاب الله لهم هو نفس ناتج استجابتهم فيما سبق :"وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ (109) وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110) " وقد بين عز وجل اعراضهم عندما يروا آية من آيات الله عز وجل :"بسم الله الرحمن الرحيم
اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) وَإِنْ يَرَوْا آَيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (3) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4) حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ (5) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (6) " فقد جائهم من الاخبار ما يبين صدق النبي ويريهم آية من آيات الله ولكنهم يقولا سحر مستمر !! وهذا تحقيق قوله تعالى " وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ " فبين عز وجا ان الايات بيد الخالق وقد انزل عليكم ايها الناس اية لا تلازم صاحبها في حياته فقط بل ستبقى لكم بعد مماته آية يجدها الانسان في كل وقت وفي أي مكان حجة بالغة لا يعرض عنها الا متكبر . "وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآَيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآَتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا" فالله ينزل الآيات تخويفا للناس وبتكذيبهم النبي يستحقوا العذاب الذي وعدوا به ان كذبوا به فان كان دأبهم التكذيب فلماذا يرسل اليهم الآيات ؟ فلذلك بين الله عز وجل ان اهل الكفر يطلبوا آيات وقد كذبوا بها او بشبيهها من قبل فإن كانوا طلاب حق ومعرفة صدق النبي صلى الله عليه وسلم لماذا يكفروا بالآيات ؟
فمن ذلك قولهم لولا أوتي مثل أوتي موسى :"فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ (48) قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (49) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50) " فان كانوا أخذوا هذا القول عن اليهود ليحتجوا به على النبي , فيقولوا لولا أوتي محمد مثل ما أوتي موسى من الكتاب . فأخبرهم الله انهم يكفروا بما أخبرهم اليهود أصلا فكيف يطلبوا بمثل ما يكفروا به . فقال الله لهم ان كفكم بالقران وكفركم بالتوراة سواء فاتوا بكتاب من عند الله أهدى منهما كي نتبعه فبين الله النتية وهي انهم ان لم يؤمنوا فباتباعهم أهوائهم بعدا عن الحق لا اتباعا له. وقد مر سابقا كيف طلبوا من الرسول اية للإيمان بها :" وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى" فالايات هي دلالة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم والكفر بإحداها كافيا للكفر بباقي الآيات فان الله عز وجل بين ان أهل الكفر لم تغن عنهم الأيات :"إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آَيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (97) " وقد توعدهم الله عز وجل بعمى القلب لاعراضهم حتى يجعل الران يغطي قلوبهم بسبب كفرهم :" سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ" "وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ"

وزعم اليهود انهم لا يؤمنوا للنبي حتى يأتيهم بقربان يقدمه فتأكله النار وهم ينظرون اليه فيكون ذلك دليل صدق النبي :"الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (183) فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (184)" فرد الله عز وجل بانهم لم يؤمنوا بالانبياء الذين بعث الله معهم قربان تأكله النار بل كذبوهم بعضهم وقتلوا آخرين "أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ " فلم قتلتموهم ؟ فان كان قتلكم للانبياء بعد أن اقاموا عليكم الحجة هل ستؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم اذا جائكم بمثل ذلك ؟ فبين عز وجل ان استكبارهم واتباعهم لأهوائهم هو ما يمنعهم من الايمان فان الانبياء قد جاؤهم بالبينات الواضحات من آيات الله وجاؤهم بالذي طلبوا من قربان تأكله النار وان كانت آية واحدة كافة للتصديق وكذبتم بكل آية من قبل وجائكم محمد صلى الله عليه وسلم بآية واضحة بينة وهو مكتوب في كتبكم صفاته وحال دعوته وأمرتم باتباعه فكذبتم به . فان كانت الاية التي بين يديه لا تكفيكم لتؤمنوا به فكذبتموه فانكم ستكذبونه لو جائكم بقربان بدليل تكذيبكم لمن قبلكم فهذا دأبكم بالتكذيب : "لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ (70) وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (71)" فان كانوا يرون التكذيب والكفر والقتل امرا لا يؤثر فيهم لما يفترونه من كذب وبامانيهم الكاذبة وباستكبارهم وهذا سبب كفرهم وحقيقة طلبهم فانهم قابوا نعمة التوبة بالتكذيب وحسبوا ان لا تكون عليهم فتنة لما يفترونه على الله .
فخلاصة ذلك ان الانبياء جاؤكم بالبينات فكذبتموهم وجاؤكم بما طلبتم من بينة فكذبتموهم ومحمد صلى الله عليه وسلم جائكم بالبينات ايضا فهل تكذبونه الا كما كذبتم انبيائكم ؟ فان كان الحق تريدوا فبينة واحدة تكفي وان كان غير ذلك فانكم ستكفروا كما كفرتم من قبل .
وكان اليهود يأملوا بذلك بما يفترونه على الله وما يجعلوا لانفسهم من منزلة عند الله بظنهم ان الله سيتجاوز عن سيئاتهم لامحالة وانه ان عاقبهم فلن يعاقبهم الا اياما معدودة :"أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ " فلم يكن عندهم في كتبهم ما يقول لهم ذلك بل كذبوا على الله وافتروا على الله الكذب . فغرهم ما كذبوا ولم يلتفتوا الى الحق فلم يكن لله عليهم عهد ان يدخلهم الجنة ان جحدوا انبيائه ورسله ولكنهم قالوا ذلك زاعمين على الله ما لم يعهد اليهم :" وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (80) بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81)" فان الله لا يخلف وعده فمن كسب سيئة سيجزى بها ومن كسب حسنة سيوفى اجره ولن يظلم أحد وانما العهد الذي عهد لكم به ان يدخلكم الجنة ان آمنتم برسله وتمسكتم بدين الله وأوامره:"وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآَتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآَمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (12) فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13) " فان العهد هو كما عهد ربكم لا كما حرفتم الكلام عن موضعه فهذا العهد وهو قائم كما هو :" يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ " فذاك العهد لا كما زعمتم
"لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124)" فبين الله عز وجل ان الهداية للناس هي طريق الجنة باختلاف اجناسهم وان التكذيب والضلال هو طريق النار . فكان مما بين الله عز وجل كذب زعمهم وزيف ادعائهم انهم لن يدخلوا النار الا أياما معدودات وبيان انه مما افتروه على الله ان بين حقيقتهم في الدنيا وانهم ليسوا الا بشر ممن خلق الله تصيبهم النوازل كغيرهم وهم عرضة لمصائب الدنيا وانهم يذوقوا العذاب بما اقترفت ايديهم في الدنيا ولن يكون حالهم في الآخرة افضل :" وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18) "
وهذه خلاصة المسألة :" وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ "
فتكذيبهم واضح :"قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ" والحقيقة انكم لا تختلفوا عن غيركم :" بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ"
فقد بين الله حالهم السابق وبين مشابهته بالحالي وبين ما سيحدث ان جائهم بالبينات وبين لنا سبب ذلك من افترائهم على الله وبين زيف ذلك من واقع حالهم فبيان افتراء بعضهم على بعض بدلالة حالهم مما يصيبهم من مصائب الدنيا فكان سبيلا للتخلص من الكذب والوهم الذي يعيشوا فيه الى حقيقة مساواتهم بالجنس البشري وبين ان الهداية تكون باتباع الحق وما يرونه من آيات بينات تدل على صدق النبي

وقد زعم أهل الكفر ان حالهم هي دليل على مآلهم في الآخرة مع عدم تصديقهم للآخرة :"وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (35) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (36)"
قال ابن جرير رحمه الله في تفسيره :"يقول تعالى ذكره: وقال أهل الأستكبار على الله من كل قرية أرسلنا فيها نذيرًا لأنبيائنا ورسلنا: نحن أكثر أموالا وأولادًا وما نحن في الآخرة بمعذبين لأن الله لو لم يكن راضيًا ما نحن عليه من الملة والعمل لم يخولنا الأموال والأولاد، ولم يبسط لنا في الرزق، وإنما أعطانا ما أعطانا من ذلك لرضاه أعمالنا، وآثرنا بما آثرنا على غيرنا لفضلنا، وزلفة لنا عنده، يقول الله لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: قل لهم يا محمد(إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ) من المعاش والرياش في الدنيا(لِمَنْ يَشَاءُ) من خلقه(وَيَقْدِرُ) فيضيق على من يشاء لا لمحبة فيمن يبسط له ذلك ولا خير فيه ولا زلفة له استحق بها منه، ولا لبغض منه لمن قدر عليه ذلك ولا مقت، ولكنه يفعل ذلك محنة لعباده وابتلاء، وأكثر الناس لا يعلمون أن الله يفعل ذلك اختبارًا لعباده ولكنهم يظنون أن ذلك منه محبة لمن بسط له ومقت لمن قدر عليه."
فبين الله لهم ان هذا لا يساوى شيء عند الله في الآخرة الا من آمن به واتبع هداه فهذه الاموال والاولاد لا تقربكم دون عملكم "وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آَمِنُونَ (37) " فليس هذا الذي يجب ان يفتخر به الانسان بل يجب عليه ان يتفكر بنعمة الله عليه ويحفظ شكرها كي توفى أعماله له , فيكون ممن فضل بالآخرة :"انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلا " فمتاع الدنيا بفضل الله ورحمته على الناس فان لم يؤدى شكرها وقوبلت بالكفر فان الله سيجعلها نصيبه من الدنيا ليلقى الله وما له حسنة يطلبها "وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ" وبين عز وجل حالهم في الدنيا وانفاقهم المال للصد عن سبيل الله :" إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ" فبين عز وجل ما ينتهي اليه كيدهم من حسرة في الدنيا لانهم ينفقو أموالهم فيما لا يرجى له اجر عند الله لانهم أصلا لا يؤمنوا بالآخرة فيكون انفاقهم للمال حسرة في انهم انفقوها وذهبت منهم وفي ذهابها عبثا فان كانوا كادوا للمسلمين فان كيدهم زائل ولو بعد حين . ثم يوم القيامة تكون حسرة عليهم لما يجدوا من آثار انفاقها في الباطل , ومن أثر ذلك هو جحدهم الرسالة لانهم يرون أنفسهم أكثر اموالا . فذكر الله كل من دخل في نفسه الكبر من المشركين والمنافقين فقال عز وجل :

"كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (69) أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (70)" فان ملك هؤلاء ما زادهم الا خسارة في الدنيا في الدنيا . فان الله امر مترفيهم بالايمان فعصوه الى الكفر "وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا" ففسقوا بمخالفة امر الله الى المعاصي والذنوب والمترفين وأهل الما هم أكثر الناس تبعا للهوى وأغلب الناس تسمع كلامهم وتقدر مكانتهم ويتبعهم كثير من الضعفاء يسمعون كلامهم . فيكون مالهم سخطا عليهم في الدنيا والآخرة , يحملوا اوزارهم واوزار الضعفاء الذين اتبعوهم .
"وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآَنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (31) "
ففيها بيان حالهم من تابع ومتبوع وكيف ان التابع لام المتبوع على الخسارة ففي الدنيا استضعفوهم وفي الأخرة أخزوهم وافسدوا اعمالهم .

" قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (32) وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (33)"
فاي فائدة للندم يومئذ؟ , ثم بين الله تعالى حال المترفين بتمسكهم بجاههم وبسلطانهم واستكبارهم على الحق :
" وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (34) وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (35) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (36)"
ومما ضربه الله مثلا للمترفين فرعون فانه بعدما رأى كل آية من موسى عليه السلام استكبر :" وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (52) فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (53) فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54) فَلَمَّا آَسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآَخِرِينَ (56)"

وبين الله حال قوم فرعون في الآخرة اذ قال :" وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ (47) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ (48)" وقد بين كيف زال ملكهم وبقيت آثارهم شاهدا عليهم وذكرنا بفعلهم وقولهم في الدنيا :" وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (44) وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ" فالقصص والاثار والأمثال لم تغن عنكم ان تفعلوا بفعلهم فزعمتم ان لا زوال لكم ولا انتقال للكم الى دار اخرى وقد رأيتم من كان اشد منكم بطشا وأكثر جمعا ومالا كيف فعل الله بهم .
فهذا قارون لم يعتبر بما أعطاه الله من مال . ولا اتعظ بما نصحه اهل العلم ولا اتعظ :" قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ"
فلم يمنعه ماله من العذاب بل خسف به وبماله الارض . .
فكان اسلوب القران في ذلك لفت نظر الناس الى حال من سبقهم فليس الامر بالمال والجاه والقوة كما يزعمون فليست هذه ما يقيس الله بها الأعمال .
وكان كفار قريش طلبوا امرا بمماثلة ذلك في النبوة ::"وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآَنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31)"وكأن الهدى لا يعرف الا من عظمائهم ! فالذي قسم الحياة بينتهم في الدنيا وأعطاهم المال هو الذي يملك ذلك " أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّك" بل يملكها الله خالق كل شيء ومالك كل شيء : قال ابن كثير :" ثم قال تعالى مبينا أنه قد فاوت بين خلقه فيما أعطاهم من الأموال والأرزاق والعقول والفهوم، وغير ذلك من القوى الظاهرة والباطنة، فقال: { نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ }" ثم بين الله تعالى اثر المال وانه متاع الدنيا


" وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33)وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ (34) وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (35

ويتبين بجلاء وضوح الجواب وقطعيته عند اجابة الله على سؤال المشككين وفي القران امثلة كثيرة منها ما مضى الحديث عنه . وأذكرهنا السؤال والجواب وبيان اثر اسلوب القران :
" وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا"
السؤال واضح وهوسؤال عام عن الروح والروح سواء أقصد بها ملك كجبريل عليه السلام ام قصد به الروح التي بها الحياة للجسد فان الجواب فيه جاء بشكل جميل يقطع الحبل عن اسئلة كثيرة مثلها . فالذي يسأل عن الروح قد يسأل عن امور كثيرة مشابهة لها .
فلما كان الجواب واضح :"قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي " فهم لا يعرفوا الروح ولا يمكنهم التأكد من صحة ما يقول , ولا يمكنهم معرفة شيء عما لم يكتسبوا علما عنه . فلما خفي عليهم ما هي الروح خفي عنهم ان يعرفوا شيء عنها . فان ابن آدم يشبه ما يسمع بما يعلم وليس ما يقال عن الروح مما يعرفه بنوا آدم . فكان الجواب مقرونا ببيان حال معرفة الناس وعلمهم "وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا" وما أعطيناكم من العلم الا اليسير فان فرحتم بما عندكم من كتاب فاعلموا ان ذلك يسير . وانكم لن تصلوا الى منتهى العلم بل انتم بشر يغيب عنكم أكثر مما تعرفوا وتظنوا أكثر مما توقنوا .
وكأن السؤال جواب عن اسئلة كثيرة يتشبث بها بعض من ظن نفسه أحاط بالعلم لبعض المعرفة التي ينالها . وذلك انه لو جلس ونظر ما لا يعلم لما أحصاه ولو نظر الى ما يعلم لوجده يسير . ولكن أهل الجحود يفرحوا بعلمهم اليسير ويظنوه حجة على انبياء الله ليعرضوا عن النبي وهديه :"فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ " فهم ظنوا ان علمهم منتهى العلم فظنوا لا بعث ولا حساب , وهذا يحدث كل عصر عند اكشاف سر من اسرار الحياة يظن الانسان انه عرف واذ به يعرف امر آخر يعرف انه يجهل الكثير .بل يجب ان يكون ما يعرف هو سبيل لمعرفة ما لا يعرف ما أمكن اما ما لم يحط به الانسان فليس له طريق لمعرفة ذلك بعقل ولا تجربة وانما يعرفها بصدق النبي صلى الله عليه وسلم وصدق وعد الله عز وجل فان ذهب الوحي ذهب العلم بما أخبرنا الله من امور الوحي من غيب كالروح والملائكة والجنة والنار ولا نعلم عنها مع موجودها " وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا (86) إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا (87) " فرحمة من الله أعلمنا ببهذه الأمور .

ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم هو من ألف القران لأجابهم بجواب مما يمكن لبشر ان يجيبه عليه من مثل ما يقوله الفلاسفة او غيرهم . ولكن جواب القران كان دليلا ان هذا الامر ليس شيء مما تقولوا يا بني آدم وسيظهر عجزكم وقلة علمكم بذلك

من ذلك سؤالهم عن الساعة متى موعدها :"يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (187)"فليس علمها من اختصاصكم ولا يمكنكم ان تعرفوا موعدها لا بعلم من عندكم ولا أعلمها الله لأحد حتى يعلمكم . فان سؤالكم عنها سؤال من لا بما ليس بمقدور احد ان يعلمه الا الله فهل يحق السؤال عن أمر اخبر الله انفراده بعلمه وانه لن يعلم احد بل ستأتيكم فجئة وانتم عنها غافلين ." يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (43) إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (44) إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا (45) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (46) " فليس مفيدا لهم معرفة وقتها وهم لها مكذبين بل الحذر واتباع داعي الله النبي صلى الله عليه وسلم هو ما يطلب منكم ولأجله انزل الله لكم هذا الهدى فاتبعوه . فان ايامكم تمضي وستأتيكم ساعتكم يوم أجلكم وقد تدركم او تدرك غيركم فلا ينفعكم ندم بعد ذلك .
والذي يلاحظ ان سؤالهم عن الروح وعن وقت الساعة ليس فيه فائدة تدعوهم للإيمان بالله . فان أخبرهم ما هي الروح لا يمكنهم التأكد من صحة كلامه لانهم لم يؤمنوا بالواضحات البينات من قبل . وان أخبرهم وقت الساعة فانه لن يفعلوا أكثر من انتظارها اذا أخبرهم بأمد قريب او اان أخبركم بأمد بعيد فستقولو متى هو . اذا فما الفائدة من السؤال . وهل كان السؤال مما يمكن ادراكه ؟ وكيف يطلب معرفة ما استأثره الله لنفسه من علم ولم يعلم به أحد وأخبرهم انه لن يعرفها أحد الا الله ؟
" وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ "
فليس سؤالهم مما فيه فائدة ولا سبيل لمعرفته . فان انتظرت حتى تدرك الساعة فانك اهلكت نفسك لانك وصلت الحساب وضيعت العمل

ومن اسلوب القران بيان حال المخالف من أهل شرك والحاد وأهل كتاب .
فقد بين كذب اليهود من تبيان حالهم ورد عليهم بكذبهم وافترائهم على الله غير الحق :
"وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ" فكان الرد على زعمهم ان كنتم أخذتم عهدا فبينوه فان الله لن يخلف وعده . ولكن هذا ليس كما تزعمون وانما تقولوا على الله ما لا تعلموا وما لم ينزله عليكم بكتاب . فكان بيان حالهم من عجزهم عن اظهار عهد لهم بالجنة لمجرد انهم يهود وبين الله عز وجل ان من احاطت به خطيئته من شرك او كفر دخل النار وخلد فيها
وزبين تعالى لهم قولا آخر : وهو اختصاصهم برحمة الله دون غيرهم :
"قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآَخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (94) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95) وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (96)" فطلب الله من رسوله ان يخبرهم بتمني الموت . وبين عدم تمنيهم وبين سببه . فعلمهم بحالهم بيان على ضلالهم لذا قال الله عنهم " قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (6) وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (7) قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8) " وما تمسكهم بالحياة هذا بمنجيهم من الموت . فلماذا لا يمنونه ؟ ذلك بمعرفتهم عن حالهم ومعرفتهم بعذاب توعدوا به بسبب مخالفتهم . فالكبر والحسد يمنعهم من الدخول في الاسلام .
فبين الله عز وجل زيف ادعائهم اذ لو كانوا صادقين لتمنوا الموت . ولكن الله أخرج ما في قلوبهم مما أخفوه على الناس وبين شدة تمسكهم بالدنيا وكراهيتهم للأخرة . حتى اصبحوا أشد تمسكا ممن لايؤمن بحساب ولا عقاب .

ومن ذلك ما رده الله على اليهود بزعمهم على جبريل عليه السلام :" قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (97) مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (98) وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ (99)"
فانهم ان لآمنوا بجبريل فان الله هو الذي انزله وانما كرهوا ما انزل الله فعداوتهم لجبريل عداوة لرب جبريل الذي ارسله . وهو كفر بما أوجب الله عليهم . فكان كفرهم بآيات الله واضح وصريح فهم يؤمنوا بجبريل ويعلموا انه ملك وانه مرسل من عند الله فكيف يكفروا بما جائهم جبريل ؟ فرد الله عليهم : " فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ " وهذه ايات بينات واضحات ولا يكفروا بها الاجحودا واعراضا وخروجا عن الحق الى الضلال .
ثم بين الله تعالى وجه جديدا بكفرهم فقد سبق وان ذكرت زعمهم بان الله عهد اليهم ان لا يؤمنوا برسول حتى يأتيهم بقربان وبين يدينا آية أخرى تبين حججهم الواهية :" وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ" فان كنتم تؤمنوا بما انزل عليكم فلم قتلتم الانبياء الذين جاؤكم ليحكموا بالتوراة بينكم :" إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)" فماذا فعلتم بالانبياء الذين حكموا بينكم بالتوراة ؟:" لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ (70)" فليس تكذيبهم الا تبعا لأهوائهم وهو دليل على تكذيبهم لرسلهم لمجرد الهوى . فالقران مصدقا للتوراة فلم يمنعهم من اتباعهم الا الغضب الذي استحقوه بكفرهم بآيات الله . فلو جائهم محمد صلى الله عليه وسلم بالتوراة كما انزلت على موسى لما اتبعوه . فقد قتلوا الانبياء لهوى في قلوبهم وران لا يغسله الا ترك الكبر والرجوع الى الحق .
فلما عرفوا ان النبي جاء بشريعة مصدقة لما معهم ولكن انزلها الله حنفية على دين ابراهيم ارداوا ان يعرضوا بطريقة مختلفة :" وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72) وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73) يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74)" ايمان اول النهار وكفر آخره ليحدثوا ريبة في قلوب المؤمنين . وعقدوا على انفسهم بالخفاء عدم تصديق الا من تبع دينهم ولا يأمنوهم بشيء .
فرد الله عليهم ان هذا الهدى انما هو من عند الله وهو الذي بيده هداية الناس وبيده الرحمة والفضل . فان خفتم ان يؤتى أحد بمثل ما اوتيتم فان الله يؤتي فضله من يشاء وان خفتم ان يحاجوكم وهو واسع المغفرة وعلمه وسع كل شيء يعلم ما تخفون وما تعلنون .
فبين سرهم وفضح مقولتهم وبين انهم يعلمو ضلال انفسهم من خوفهم بان يحتج عليهم المسلمون بما في ايديهم فيقولوا لهم في كتبك هذا وفي كتبكم هذا كما فضحهم في قصة الزناة الذين اخفوا حكمهم المعروف في كتبهم وأرادوا ان يحتكموا الى غير ما في التوراة من رجم الزناة فقال الله معنفا لهم :" وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43) إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44) " فبين ان الحكم عندهم في التوراة وانهم استحفظوا على كتاب الله وأمروا بتطبيق أحكامه وعدم الخوف من الناس ولكنهم بدلوا وكذبوا وكفروا .
فكان اسلوب القران بالحتجاج عليهم بما أخفوا من كتبهم وبمخالفة حالهم عن مقالهم وبين سبب كفرهم

ومن اسلوب القران ابطال دعوة اهل الكتاب الى دينهم وذلك ببيان تركهم شرع الله وعدم اتباعهم ما انزل اليهم :"قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (68)" فكيف يدعو هؤلاء الى اليهودية او النصرانية وهم لا يتبعوا ما انزل اليهم : اما اليهود فقد سبق الاشارة الى قتلهم الانبياء واتباعهم باطلهم اما النصارى فقد أخبر الله انهم تركوا نصيبا مما أعطاهم الله من كتاب :"وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (14)" وبين الله عز وجل ان أهل الكتاب ليسوا ذو خبرة في كتبهم بل تركوا ذلك لبعضهم وان منهم قوم لا يعرفون الكتاب لانهم لا يعرفون قراءته ولا يعرفون ما فيه فليس لهم منه الا ما تتمنى انفسهم وما غرهم من دينهم من ما كان يفتريه عليهم احبارهم ورهبانهم "وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (78)"فبين الله حالهم وتوعد الذين استحفظوا على كتاب الله فخانوا الله وكذبوا على الناس " فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79)" فانهم يحوروا الكلام حسب رغباتهم ويكتبوه على غير حروفه التي انزل بها مرة ويلون السنتهم بكلام غير ما انزله ليحسبه الناس كلام الله مرة ويكتموا بعضه مرة ويغيروا معانيه مرة أخرى . فلما اجتمع فساد العلماء وجهل العامة كانوا على ضلال لا يعملو فيه بكتاب ربهم . وقد تبين ذلك من قصة الزانيين اذ كتموا وجود حكمهم في التوراة ففضحهم الله بكتابه وبين ذلك امام الناس بفضله عز وجل والقصة معروفة وقد مرت الايات عن ذلك سابقا .
وقد بين الله عز وجل كيف ان هؤلاء اليهود يأخذوا ببعض الكتاب ويتركوا بعضه فانهم نسوا حرمة دماء بعضهم فكانوا يعرفوا ذلك وتركوا العمل به فقتل بعضهم بعضا ثم انهم عملوا بفداء اسراهم وهو امر عجيب . فهو يقتل اليهودي الذي مثله ثم انه ان وجد الذي كان سيقتله بين الأسرى بدر الى عدم تركه مع العدو . وان كان بينه هذا الذي فداه تظاهر عليه بالاثم والعدوان وطرده من دياره فكيف يفاديهم اتباعا للتوراة ثم يخرهم ظلما من ديارهم وهو محرم عليهم اخراجهم ؟
"وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84) ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85)"

وكان اوضح ذلك فعلهم في المدينة : قال ابن جرير:" يعني بقوله جل ثناؤه:(وإن يأتوكم أسارى تفادوهم) اليهود. يوبخهم بذلك، ويعرفهم به قبيح أفعالهم التي كانوا يفعلونها، فقال لهم: ثم أنتم - بعد إقراركم بالميثاق الذي أخذته عليكم: أن لا تسفكوا دماءكم، ولا تخرجوا أنفسكم من دياركم - تقتلون أنفسكم = يعني به: يقتل بعضكم بعضا وأنتم، مع قتلكم من تقتلون منكم، إذا وجدتم الأسير منكم في أيدي غيركم من أعدائكم، تفدونه، ويخرج بعضكم بعضا من دياره. وقتلكم إياهم وإخراجكموهم من ديارهم، حرام عليكم، وتركهم أسرى في أيدي عدوكم [حرام عليكم]، فكيف تستجيزون قتلهم، ولا تستجيزون ترك فدائهم من عدوهم؟ أم كيف لا تستجيزون ترك فدائهم، وتستجيزون قتلهم؟ وهما جميعا في اللازم لكم من الحكم فيهم - سواء. لأن الذي حرمت عليكممن قتلهم وإخراجهم من دورهم، نظير الذي حرمت عليكم من تركهم أسرى في أيدي عدوهم، أفتؤمنون ببعض الكتاب - الذي فرضت عليكم فيه فرائضي، وبينت لكم فيه حدودي، وأخذت عليكم بالعمل بما فيه ميثاقي - فتصدقون به، فتفادون أسراكم من أيدي عدوكم; وتكفرون ببعضه، فتجحدونه، فتقتلون من حرمت عليكم قتله من أهل دينكم ومن قومكم، وتخرجونهم من ديارهم؟ وقد علمتم أن الكفر منكم ببعضه نقض منكم عهدي وميثاقي؟"
وبن الله تعالى حال أهل الكتاب من ارتكابهم المعاصي واتباعهم اماني كاذبة على الله بانه سيغفر لهم لا محالة ثم ان جائهم اثم مثل الذي ارتكبوه يأخذوه مرة أخر كذبا على الله بانه سيغفر لهم والله عز وجل لا مجبر له يغفر لمن يشاء وليس فعلهم هذا ولا أمانيهم شيء مما انزله الله بل هو قولهم على الله الكذب :
"فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (169)"
فبين الله عز وجل كيف فعل هؤلاء بكتبهم أما النصارى فبين كيف انهم تركوا جزءا كبيرا من شرع الله من شركهم به عز وجل :"وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (14)"
بعد بيان ضلالتهم بين الله اتباع هؤلاء لأهوائهم وعدم رضاهم على شيء الا على ما هم عليه
"وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (120) الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (121)"
وبين زعمهم على الله كل طائف تزعم نفسها من سيدخل الجنة دون غيرها فأخبر عنهم :"وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (111) بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (112)" فلا برهان لهم بذلك انما اتباعهم الكذب الذي كانوا يفترونه والأماني الكاذبة التي كانوا يمنونها دون ان يعطيهم الله ذلك الا ميثاقا لمن اتبع هداه ان يدخله الجنة ."قَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135) قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137)" فبين الله ان الهدى هو اتباع شرع الله والانقياد له وهو الاسلام الذي عليه كل النبوات من تسليم امرهم لله واتباع شرعه وتصديق رسوله ثم بين لنبيه انهم لن يضروه شيئا ولن يضروا الله شيئا ثم دعاهم للايمان بالله وترك ما كانوا يفترون :"ُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64)"
فقد بين الله تعالى كيف انهم تركوا اتباع دينهم والعمل به وانهم يدعوا الناس لاتباع ما تركوا العمل به . وبين فساد عقولهم من زعمهم على بعضهم البعض :"وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113): فان كانت اليهود ليست على شيء فكيف يتبع النصارى التوراة والانجيل الذي بين أيديهم يدعوهم للتصديق بالتوراة ؟! وان كانت النصارى تزعم ان اليهود ليسوا على شيء فبأي شيء جاء عيسى عليه السلام مصدقا . وكيف يقولوا ان اليهود ليسوا على شيء وهم يعتبرونهم الامناء على الكتب بزعم بعضهم . وباتباع بعضهم التوراة مع الانجيل ؟
ثم دعاهم الله الى الحق وذلك ليتبعوا ما يزعمونه من كتبهم فنعبد اله واحدا نجعل له تشريع ديننا ودنيانا فنتحاكم الى حكمه لا الى الاحبار والرهبان الذين بدلوا شرع الله بل نتبع ما زعم هؤلاء الاحبار والرهبان اتباعه :
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64

ومن اسلوب القران في الرد على أهل الكفر ان يبين لهم مآل حالهم عند احتجاجهم على ما كان وبيان حقيقة الامر , فمن ذلك زعمهم عن الموت فقد ضرب الله مثلا للمؤمنين ينهاهم الله ان يصنعوا صنيع الكفار :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156) وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158)" فهم لا يؤمنوا ببعث فاصبح موت أخوانهم -الذين قالوا عنهم لو كانوا عندنا فلم يخرجوا في سفر او غزوا -حسرة عليهم . وذلك جهلا منهم بان الله هو الذي يحي ويميت وانه بيده الأمر كله من موت او حياة . فبين الله تعالى ان حال المؤمن في الجهاد تربص النصر او الشهادة لينال ما عند الله وهو خير من الدنيا وما فيها وذلك بيان من الله على حسرات الكفار على انفسهم وما أعطاهم الله عز وجل فكم فرحوا بأخذهم الشي والحصول عليه سيتحسروا أكثر عند فقدهم ذلك :"فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55)" فهذه الحسرات لفقدانهم إخوانهم هي مثل حسرات فقدانهم اموالهم وحسرات ما يفتنوا به في اولادهم في الدنيا .
وقد سبقت الاشارة الى ظن المشركين بانفسهم خيرا لما أعطاهم الله من مال فيما سبق
وهذا كله مثل تذكير بحال الكفار بالماضي والحاضر والمستقبل وبيان أثر كفرهم على تقبلهم لقضاء الله عز وجل .
وكان ذلك عند كلام الله عن حال المسلمين في أحد وعند رده على المنافقين الذين يظنون بالله غير الحق :"ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154)" فقوله لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل كافية للمؤمنين ليقنعوا بها ولكن بالنسبة لمن شك بالله عز وجل او كفر به فجاء بيان ذلك ورده واضحا :" الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (168) " فعدم مقدرتكم لان تدفعوا الموت عن انفسكم وموت بعضكم في فراشه دليل على ان الموت لا يقدمه ضربة سيف ولا يؤخره النوم على الحرير .
فوجب عليهم التسليم لأمر الله فالمجاهد لو لم يقتل بالمعركة لمات على فراشه ولكن شتان بين موت مجاهد يؤمن بالله وبين موت كافر تكون الدنيا مبلغ علمه وأكبر همه

ومن اسلوب القران الكريم بيان الضعف النفسي للمخالف وبيان ان كفرهم كان تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم مع وجود معرفة في قلوبهم على صدق النبي صلى الله عليه وسلم :
فقد بين الله عز وجل اضطراب أقولهم وتناقضها :"إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (41) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (42)" فهذا القران يتلوه رسول كريم وليس بقول شاعر وانتم ابرع الناس بالشعر ولا بقول كاهن وانتم تعلمو سجع الكهان وكلامهم .
** "إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) " فقد تغيرت ملامح وجهه وقلب بصره كي يخرج بقول يمكن ان يقبل .
**" نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (47) " وأخبر عن قولهم :"وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا "
**" وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (211) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (212) "

**"وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (31)"
"وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5) "
"وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103)"
**"أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (13) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (14)"

فكل ما سبق يجمع بقولهم ان الرسول تقول هذا القران على الله عز وجل بزعمهم "أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ (33)"
وانه بذلك كذب على الله بزعمهم :" وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4)"
وقد سبق الاشارة الى زعمهم و الرد على هذه الادعائات فيما سسبق .
فبين الله تعالى ان قولهم مشابه لمن قبلهم عند عجزهم عن الرد على آيات الرسل فتشابهت قلوبهم في الرد على انبيائهم : "بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الأوَّلُونَ (81) قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (82) لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ (83)"
"كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (52) أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (53)"
فطغيان كفرهم عمى ابصارهم لذا اضطربت اقولها والناس يميزوا بسهولة بين الساحر والكاهن والشاعر والمجنون والكذاب , وكتب أهل الكتاب واساطير الاولين ليست بعيدة عنهم كي يعرفوا ذلك . فكيف اختلفوا في النبي ؟
بين الله ان سبب اضطرابهم هو ما أخبر عنه القران"عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (3) كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (4) ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ"( يرجح أغلب المفسرون ان الذي اختلفوا فيه هو القيامة او البعث )
فبيان اضطرابهم دليل على كذبهم وافترائهم على النبي ودليل على صدق النبي .
الامر الغريب ان قريشا كانوا يصدقوا النبي صلى الله عليه وسلم في قرارة انفسهم :
"قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33) وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34) وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآَيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (35) "
فكان مصداقا لكلام الله تصرف قريش مع النبي وساعرض صورة من ذلك وهو قوله تعالى: :"أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10) أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (12) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14) كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16) فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18) كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19) "
" كان يصلي عند المقام ، فمر به أبو جهل بن هشام ، فقال : يا محمد ألم أنهك عن
هذا ؟ ! و توعده ، فأغلظ له رسول الله صلى الله عليه وسلم و انتهره ، فقال : يا
محمد بأي شيء تهددني ؟ ! أما والله إني لأكثر هذا الوادي ناديا ، فأنزل الله
"فليدع ناديه . سندع الزبانية".قال ابن عباس : لو دعا ناديه أخذته زبانية
العذاب من ساعته " .(انظر سلسلة الاحاديث الصحيحة حديث رقم 275)
فانظر كيف امتنع ابوا جهل وكيف عاد الرسول صلى الله عليه وسلم للصلاة دون خوف من ابو جهل . فكان فعل الرسول دليلا على صدقه . وخوف ابوجهل يدل على معنى الآية :" فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ "
وصدق النبي اصلا معروف بين قريش فقد احتج عليهم الله عز وجل وأخبر نبيه ان يذكرهم بحاله معهم :"قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (16)" ففيه بيان سبب نزول النبوة على الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الاربعين .
فكيف بمن عاش بين ايديهم اربعين سنة ولا يعرفوا عليه الكذب ثم يهددوه بشيء فيهددهم بما كذبوا من انه نبي اون الله سيدافع عنه وسيبعث لهم الملائكة تجرهم الى العذاب جرا فيخافوا مما هددهم ولا يخاف مما هددوه ! لصدقه ولكذبهم ولما في قرارة انفسهم من صدقه

مجدي

عوده