الشبهة(1) : قولهم: إن "الديمقراطية" توافق الإسلام في الجملة.
الجواب: المخالفون لنا لم يثبتوا على جواب، إذا قيل لهم: لماذا قبلتم "الديمقراطية؟ فمرة يقولون: هي في بلادنا بمعنى "الشورى"، وفي القرآن سورة اسمها" سورة الشورى"، والله يقول: { وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ } ويقول الله: { وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ } . ومرة يقولون : "الديمقراطية" قسمان : قسم يخالف الشرع، فنحن نكفر به، وهو: رد الحكم للشعب، لا لله. وقسم يوافق الشرع، وهو : حق الأمة في اختيار حكامها ومحاسبتهم وتوليتهم وعزلهم، وهذا نؤمن به، ونسعى لخدمة الإسلام من خلاله!. ومرة يقولون: نحن مُكرَهون على هذا كله. ومرة يقولون: هو من باب أخف الضررين. ويتخلل ذلك أمثلة عقلية غير مطردة ولا صحيحة، فحدّث بها ولا حرج.
وأريد أن أكشف النقاب عمَّا في هذه الأجوبة من العجب العجاب : - أما الجواب عن الأول ، فهذا تلبيس قد سبق بيانه بجلاء في هذا الكتاب. - وأما عن قولهم: هي توافق الإسلام من جهة، أو توافقه في الجملة، مستدلين بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يستخلف، وأن أبا بكر استخلف عمر، وأن عمر استخلف ستة، وجمع الأمر في أحدهم. فأقول : لو سلمنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرد عنه الإشارة بخلافة أبي بكر بعده، علم ذلك من علمه، وجهله من جهله، فالرسول صلى الله عليه وسلم هو القائل: ( يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر) وهو القائل: (ائتوني بكتاب، كي أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعدي، كي لا يتمنى متمنٍ..) إلى غير ذلك.. لو فرضنا حقاً أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يستخلف، فأين ما ذكرتموه من الدلالة على محل النزاع؟. فنحن نسألكم: هل من حق الأمة أن تختار حكامها، بأي وسيلة ولو خالفت الكتاب والسنة؟. فإن قلتم: نعم. فضحتم، وعلم الناس مذهبكم الفاسد، وتداعت عليكم سهام الأدلة من أطرافها، فأزهقت هذا الباطل، وأرست دعائم الحق. وإن قلتم: لا، فليس للأمة الحق في اختيار ولاتها إلا بطريقة شرعية صحيحة، أو على الأقل بطريقة لم يرد في الشرع النهي عنها. قلنا: هنا انقطع النزاع. وقد سبقت أدلة كثيرة تدل على بطلان هذه الجزئية، لأنها فرع من شجرة خبيثة، بل "الانتخابات" جذور "الديموقراطية" وسلمها الذي ترتقي عليه في تعبيد الناس لبعضهم البعض، بإتباع ما أحله لهم النواب، وترك ما حرموه عليهم. فالله قد عاب على من اتخذ العلماء والعباد مشرعين من دون الله، قال الله تعالى: { اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ ..} الآية. فكيف بمن يتخذ حطاب الليل مشرعين من دون الله؟! سبحانك ربي هذا بهتان عظيم. - وأما عن دعوى الإكراه، فمن المعلوم أن للإكراه شروطاً، فأين هذه الشروط منكم؟ - وكذا الكلام على قاعدة "أخف الضررين"، فهل راعيتم ضوابطها وقيودها عند أهل العلم، وكل هذا سيأتي الجواب عليه مفصلاً في موضعه – إن شاء الله-. أما الأمثلة العقلية فالجواب عليها : أن العقل الصريح لا يناقض النقل الصحيح، كما بسط ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه الذي لا نظير له في بابه (درء تعارض العقل والنقل). ولو كان العقل كافياً وحده لما أرسل الله الرسل وأنزل الكتب. ( المرجع : رسالة : تنوير الظلمات بكشف مفاسد وشبهات الانتخابات ،لمحمد الإمام ، ص 163-165) .
الشبهة(2) : قولهم : إن الانتخابات كانت في صدر الإسلام.
قالوا: "اُنتُخِب أبو بكر وبويع"، وذكروا "انتخابات" عمر وعثمان! راجع (ص15) من كُتيّب (شرعية الانتخابات!). الجواب: هذا الذي قلتموه ليس بصحيح، لأمور، منها: لقد اتضح للجميع أن "الانتخابات" تقوم على مفاسد كثيرة، وقد ذكرناها سابقاً، فحاشا الصحابة من أن يكونوا قد ارتكبوا مفسدة واحدة من هذه المفاسد، فضلاً عن أن يكونوا قد فعلوا جميعها، فالصحابة اجتمعوا وتشاوروا: من يكون خليفة على المسلمين؟. وبعد الأخذ والرد، اتفقوا على مبايعة أبي بكر خليفة، ولم يشارك في ذلك امرأة واحدة، فكان ماذا؟! وأبو بكر أوصى أن يكون الخليفة بعده عمر، فنفّذ الصحابة وصية أبي بكر، أما عمر فقد جعل الأمر شورى في "الستة الذين توفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ"، وهم من العشرة المبشرين بالجنة. فهذا هو الأمر الصحيح الثابت. وأما عن استشارة عبد الرحمن بن عوف للنساء؟! فإليكم بيان الحق فيها: هذه القصة أخرجها البخاري (7/61 مع الفتح)، وليس فيها ذكر استشارة عبد الرحمن للنساء. بل فيها: أن عبد الرحمن بن عوف قام بجمع الستة الذين جعل عمر الأمر فيهم، وهم : عثمان ، وعلي، والزبير، وطلحة، وسعد، وعبد الرحمن - رضي الله عنهم-، والقصة تذكر هؤلاء الستة أنهم أهل الشورى دون غيرهم، وهي ثابتة صحيحة. وذكرها الحافظ ابن حجر في (الفتح 7/69) والذهبي في (تاريخ الإسلام ص 303) وابن الأثير في (التاريخ 3/36) وابن جرير الطبري في (تاريخ الأمم والملوك 4/231)، وليس عند هؤلاء : أن عبد الرحمن -رضي الله عنه- استشار النساء، وإنما يذكرون: أنه استشار الرجال، كما قال الحافظ، وأنه دار تلك الليلة على الصحابة، وعلى من في المدينة من أشراف الناس، لا يخلو برجل منهم إلا أمره بعثمان، وهكذا عند البقية المذكورين. تنبيه: ذكر ابن كثير في (البداية والنهاية 4/151) استشارة عبد الرحمن للنساء، ولكن القصة كلها بدون سند عنده. فعلى هذا التحقيق نستنتج أموراً : 1- صحة القصة، وهي في (البخاري) أن عبد الرحمن اجتهد في الستة فقط. 2- أنه أيضاً استشار أشراف الناس، ومن قدم من الأجناد، وهذه القصة سندها عند الطبري، ولها طرق يقوي بعضها بعضاً.
3- قصة استشارة عبد الرحمن للنساء، ليس لها سند، ومعنى هذا أنه: لا أصل لها، أي لا وجود لها بسند يصحّ في كتب السنّة، كما قاله أكثر من واحد من العلماء، كشيخ الإسلام ابن تيمية وغيره، ومما يدل على أن ذكر استشارة النساء لا أصل له: أن أهل التواريخ – كما ذكرنا آنفاً – لم يذكروها حتى بدون سند، باستثناء ابن كثير رحمه الله تعالى. هذا نقد القصة من جهة سندها، أما من جهة متنها: فهي أيضاً مخالفةٌ لنصوص شرعية، فاختيار الأمراء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عن طريقه صلى الله عليه وسلم وعن طريق الصحابة في الاستشارة، كما حصل من أبي بكر وعمر في شأن: الأقرع بن حابس وعيينة، والقصة في (صحيح البخاري) وغيره، ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقام الصحابة باختيار الخليفة لهم، لم يطالب واحد منهم بمشاركة النساء في اختيار الخليفة، فضلاً عن أن يكون ذلك مشروعاً، كذلك جعل أبو بكر الأمر بعده لعمر، وعمر جعل الأمر في الستة المذكورين آنفاً. فعلى فرض وجود سند لها – ولا يوجد – وعلى فرض صحته، فهي مخالفة لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة مِنْ قَبْلِ عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه-. وعلى كل : فقد ظُلِم عبد الرحمن بن عوف عند أن نُسب إليه أنه يتعدّى ويخالف نصوصاً واضحة. ولكنه بريء من ذلك كما برئ الذئب من دم يوسف عليه السلام. وعلى هذا: فلا يجوز أن تنسب هذه القصة إلى عبد الرحمن بن عوف، لأنها منكرة. ثم لو سلّمنا جدلاً بأن عبد الرحمن بن عوف استشار النساء والصبيان، فالسؤال: هل استشار الفَجَرَة وأهل المُجُون والخلاعة من هؤلاء؟ أم استشار الصالحين: أهل الفهم والمعرفة؟. فإن قلتم بالأول: سقطتم. وإن قلتم بالثاني؛ سقطت حجتكم، لأن محل النزاع في إباحة "الديمقراطية" هو أخْذُ الرأي من أهل المجون والخلاعة، واعتباره موازياً لرأي أهل العلم والفضل والاستقامة. ومن المعلوم أن دولة الإسلام قد اتسعت رقعتها زمن عمر، فهل جَعَلَ عبد الرحمن أميراً مؤقتاً، ثم قسَّم ديار الإسلام إلى "دوائر انتخابية" ثم جمع أصوات المسلمين جميعاً، ثم رجّح من كثرت أصواته؟ أم أنه اقتصر على أهل المدينة مهبط الوحي، وفيها أهل الحل والعقد؟. فأين هذا مما نحن فيه، وأين الثرى من الثريا ؟!!. ( المرجع : رسالة : تنوير الظلمات بكشف مفاسد وشبهات الانتخابات ،لمحمد الإمام ، ص 166-169) .
الشبهة(3) : قالوا : يجوز الأخذ بجزئية من "النظام الجاهلي .
قولهم تحت عنوان : " موقفنا من النظم الأخرى " (ص19) من كُتيّب ( شرعية الانتخابات) : " ولكن هل يحرم أن نأخذ بجزئية من نظام جاهلي، وهذه الجزئية صحيحة ؟. قالوا : يجوز ذلك، إن لم يتوجب عليك أن تأخذ بالجزئية الصحيحة النافعة المشروعة من مجموعة جزئيات تكوّن نظاماً يمكن أن نطلق عليه بمجموعه: "النظام الجاهلي". قالوا: ودليلنا على ذلك شيئان: الأول: هي مسالة الجوار، أي أن شخصاً يعلن أنه يجير فلاناً الفلاني، وبهذا الإعلان صار في حمايته، وهذا النظام أخذ به النبي صلى الله عليه وسلم، وأخذ به أصحابه، فقد رضي بجوار عمه أبي طالب، ودخل مكة بجوار مطعم بن عدي". أ هـ كلامهم. والجواب : هذه القصة لم تثبت، أخرجها ابن إسحاق مُعْضَلَة، وكل من ذكرها كابن هشام وابن كثير اعتمدوا على رواية ابن إسحاق، فهي غير صحيحة، مع أن قصة جوار أبي بكر مع ابن الدغِنّة ثابتةٌ في (البخاري) وغيره. فكان الأولى بهم – لو أنهم يهتمون بنظافة الأسانيد – أن يستدلوا بما صحّ، لا بما هو ساقط السند. وهذه ثمرة قولهم: "ليس هذا زمان: حدثنا وأخبرنا، ولا نشتغل بقول من قال: حديث صحيح أو ضعيف، فإن هذا تضييع وقت". ونأتي إلى مناقشة هذا الاستدلال، وادعاء أن هذا أخذ بنظام جاهلي، فنقول: هذا الاستدلال على جواز أخذ نظام "الانتخابات" وغيره مردود من وجوه: الوجه الأول : هذه القصة على فرض صحتها، لا تنطبق على مسألة "الانتخابات"، لا من قريب ولا من بعيد، فما هي علاقة قضية "الانتخابات" بجوار النبي صلى الله عليه وسلم عند مطعم بن عدي؟ ألسنا نحن في بيوتنا؟. لسنا مشرّدين بحمد الله، ولا مطاردين، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان مطارداً، بخلافنا. هذا الاستدلال في غير موضعه، ولا صلة له بالموضوع الذي نحن فيه، وما أكثر الفساد في الدين إذا كان الفقه هكذا...! الوجه الثاني: على سبيل الافتراض جدلاً أن قضية الجوار المذكورة يستدل بها على جواز الدخول في "الانتخابات"، فهنا سؤال، وهو: هل حصل أن الرسول صلى الله عليه وسلم تنازل عن شيء من الحق حين آواه مطعم بن عدي إلى جواره؟ أو ارتكب شيئاً من المفاسد السابقة؟. الجواب: لا. فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم ما تنازل عن شيء من الحق. – هذا على فرض صحة القصة – فهل حصل من الذين دخلوا في "الانتخابات" تنازل عن حق أم لا؟. الجواب: نعم . فقد تنازلوا عن أحكام كثيرة شرعها الله عز وجل، حرصاً على الوصول إلى مآربهم، وارتكبوا في سبيل ذلك كثيراً من المفاسد، كما سبق بيانها مفصلاً. الوجه الثالث: قولهم: "إنّ لنا أن نأخذ من أنظمة الكفر ما كان صحيحاً". قلت: كلمة "صحيحاً" غير صحيحة، وأين الصحة من نظام "الانتخابات" الذي أخذتم به؟!. أليس قد سبق أن قلنا: إن قبول نظام "الانتخابات" يوقع الآخذين له في مفاسد كثيرة، ومنها: الشرك بالله، - في كثير من الحالات- فما قيمة كلمة "صحيحاً؟ وهل يوجد في نظام الكفار قضية صحيحة، وليست موجودة في الإسلام، فيما يتعلق بما نحن بصدده من كيفية إقامة حكم الله في الأرض؟. فالواقع يشهد أن ما عندنا في أي قضية من قضايا رعاية الحقوق، وإصلاح أحوال الناس، وإزالة الشرِّ، وتحقيق العدل، ونشر دين الله، هو أضعاف أضعاف، ما عندهم، قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} المائدة. وقال تعالى : {وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} البقرة. وقال تعالى:{ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمَْ} المائدة. وقال تعالى: { ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُون } الجاثية. فأخبر الله سبحانه وتعالى أنهم ليس عندهم إلا الهوى. وعلى كلٍّ: فقد اتضح لنا من هذا كله؛ أن هذا تَقَوُّل على الله وعلى رسول صلى الله عليه وسلم وعلى الإسلام بدون علم وفقه، وأن سبب ذلك عدم رد المسائل إلى العلماء القادرين على إخراج الأمة من المزالق. وأذكرهم بقول الله تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيل لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ } الحاقة. أما الدليل الثاني الذي استدلوا به على جواز أخذ نظام جاهلي جزئي على حد زعمهم فنصه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (حضرت في بيت عبد الله بن جدعان حلفاً، قبل أن يكرمني الله بالنبوة، ما أود أن يكون لي به حمر النعم، اجتمعت بطون قريش، وتحالفوا على نصرة المظلوم بمكة، ولو دعيت لمثله لأجبت). ووجه الدلالة : أن أولئك الذين اجتمعوا وكانوا ينتمون للنظام الجاهلي والعصبية الجاهلية، اجتمعوا على خصلة حميدة، وهي: تكاتفهم على نصرة المظلوم، فأجازها النبي صلى الله عليه وسلم وباركها". أ هـ، يُنظر كُتيّب (شرعية الانتخابات). قلت: أما حديث شهوده صلى الله عليه وسلم حلف قريش فقد رواه أحمد والبخاري في (الأدب المفرد) والحاكم وصححه، وسكت عليه الذهبي، وصححه الشيخ الألباني في (السلسلة الصحيحة 4/524) وله شواهد أخرى عند الطبراني وغيره، فالحديث صحيح، وقد شهد هذا الحلف وأشاد به صلى الله عليه وسلم ، لكن: ما هو النظام الجاهلي الذي أخذه النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الحلف؟ الجواب: ما حصل أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ من هذا الحلف نظاماً واحداً، ولا قضية واحدة، فكيف جاز لهم أخذ نظام «ديموقراطي»؟ سواء أخذوا به كله أو ببعضه؟ والنبي صلى الله عليه وسلم ما أخذ شيئاً من نظام الكفر. واُلخِّص الجواب على استدلالهم بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم بعض الأحلاف التي كانت في الجاهلية، بما يلي: اختلف العلماء في حكم هذه الأحلاف، فمن قائل: إن هذه الأحلاف نسخها الإسلام، وأبدلنا الله عنها بإخوّة الدين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا حلف في الإسلام» رواه مسلم. ومن قائل: إنها محكمة وباقية في نصرة المظلوم. فعلى قول من يرى النسخ؛ فلا دليل لكم في هذا الإقرار لبعض أحلاف الجاهلية، وعلى قول من يرى أنها محكمة؛ فنسأل المخالف: هل ارتكب النبي صلى الله عليه وسلم أي مفسدة في إقراره لهذه الأحلاف؟ وهل تنازل عن شيءٍ من دعوته بسبب هذه الأحلاف؟ فإن قلتم: نعم، فبيّنوه لنا، وإن قلتم: لا، - وهو الصواب – فلماذا تستدلون به على نظام «الانتخابات» التي قد بيّنا الكثير من مفاسدها، ومن تنازلات مَنْ رفع لواءها. ثم نسألكم: هل أنتم عندما قلتم: «إن أخذ جزئية نافعة صحيحة مشروعة من نظام جاهلي لا بأس بذلك»، اكتفيتم بهذه الجزئية النافعة على حد زعمكم، أم أخذتم النظام "الديمقراطي" ورضيتم بأن يكون تغيير المنكر – على حد زعمكم – من خلاله. فأخبروني: ما هي بقية الجزئيات التي رفضتم الخضوع والرضوخ لها؟ حتى نقول: إنكم اقتديتم بالنبي صلى الله عليه وسلم، فإن قلتم: نحن نكفر بحاكمية الشعوب، قلت: هذا كلام نظري، لكن ما بالكم سلمتم للأغلبية عمليًّا في المجالس النيابية. أما الرسول صلى الله عليه وسلم - مع شهوده بعض الأحلاف النافعة، وإقراره لها – فإنه تبرأ من كل أمر يخالف الإسلام، ولم يمارسه، بل هجر أهله وأماكنه والأسباب المفضية إليه، ولكن هكذا فقه الخَلَف، فرحم الله السَّلف. ( المرجع : رسالة : تنوير الظلمات بكشف مفاسد وشبهات الانتخابات ،لمحمد الإمام ، ص 169-173) .
الشبهة(4) : قولهم في «الانتخابات»: إنها مسألة اجتهادية
يقولون في قضية «الانتخابات»: هي مسألة اجتهادية. فنقول لكم : ماذا تعنون بقولكم: إنها مسألة اجتهادية؟. فإن قلتم: أي إنها مسألة جديدة لم تكن معروفة في زمن الوحي والخلفاء الراشدين. فالجواب من وجهين: 1- أن هذا يناقض قولكم السابق بأنها كانت في صدر الإسلام، فتذكّروا ما تقولون وتكتبون، ولا تحملكم قناعتكم بفكرة، أن تقولوا قولاً لينفعكم في مجلس ما، ثم تحكمون عليه بالنقض في مجلس آخر، فلا يغرنكم عدم إدراك كثير ممن يسمعونكم لهذا التناقض، فإن في الزوايا بقايا. 2- نعم، لم تكن هذه الطامات موجودة في زمن الوحي، وليس معنى ذلك أنه ما لم يكن موجودًا بذاته في زمن الوحي، أن يكون الأمر متروكًا فيه للاجتهاد، ولا ينكر فيه على المخالف، فالعلماء في هذا ينظرون لكل حدث جديدٍ، ويردُّونه إلى الأصول والكليات، ويعرفون الأشباه والنظائر ويحلقونها بها، ومن ثَمّ يلحقونها بالحكم الأول إباحةً أو حظرًا، إيجابًا أو تحريمًا، وما نحن فيه قد سبق بيان مفاسده. وإن قلتم : هي مسألة اجتهادية بمعنى: أنه لم يرد فيها نص، فالجواب السابق شامل لهذا أيضًا. وإن قلتم: هي مسألة اجتهادية بمعنى: أننا ندرك حرمتها، لكن نرى أن الدخول في ذلك يحقق مصالح لا تكون دون هذا الدخول، وأنتم أيها السلفيون ترون المفسدة في ذلك، فهي اجتهادية، بمعنى تحقيق المناط، وتطبيق الأحكام الشرعية على الواقع القائم. وهذا مجال تختلف فيه الأنظار، فلا ينكر على أحد. قلت : ولو سلمنا بذلك لكان لهذا وجه قبل خمسين عامًا مثلاً، وذلك عند ابتداء فرض هذه الفكرة – فكرة النظام الديموقراطي – على بلاد المسلمين، فالأنظار تختلف في الشيء الجديد. أمَّا أنّ المسلمين لهم قدر ستين عامًا يلهثون وراء ذلك، وما رجعوا إلا بخفي حنين، فهل نضرب بتجارب المسلمين خلال أكثر من نصف قرن عرض الحائط؟ ونعيد أذهاننا إلى الوراء ستين عامًا؟ فأين حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين». متفق عليه من حديث أبي هريرة. وإن قلتم: إنها مسألة اجتهادية بمعنى: أنها نِزاعيّة بين العلماء وليست إجماعية. فالجواب: من المعلوم أنه ينكر على مخالف الإجماع الصحيح، لكن بقي تفصيل في مسائل الخلاف: فمنها: ما هو ظاهر الحجة لأحد الطرفين، مع وجود مخالف لهذا الأمر الظاهر، فليس معنى ذلك إرخاء الحبل لمن أخذ بأي قول. وكم هي المسائل الإجماعية بالنسبة للخلافية؟ وبطون الكتب طافحة بردود أهل العلم على بعضهم البعض، في مسائل لم تسلم من وجود مخالف فيها. نعم، هناك مسائل خلافية تتجاذب فيها الأدلة، ولا يوجد وجه صريح أو ظاهر في الترجيح، فعند ذلك يتنزل قول أهل العلم: «المسائل الخلافية لا يتعين فيها الإنكار». وألفت النظر في هذه العبارة إلى أمرين: الأول: استقراء وتتبع المواضع التي ورد فيها هذا القول من أهل العلم: هل ورد ذلك في مسائل تُفضي إلى مثل تلك المفاسد السابقة؟ أم في مسائل دون ما نحن فيه؟ الثاني: قولهم: «لا تعين»، ليس معناه أنه لا يجوز، بل من سكت فلا إثم عليه، ومن أنكر بالشروط الشرعية في الإنكار، المفضية للمصلحة الشرعية، لا للمفسدة، فهو جائز، بل مستحب. ثم إني أسأل سؤالاً آخر، فأقول: وهل أنتم – معشر القائلين بأنها مسألة اجتهادية، لا يُنْكَر فيها على المخالف – التزمتم بهذا القول مع إخوانكم طلبة العلم الذين أنكروا ذلك، ولم يشاركوكم في هذا؟ أم قلتم: «هم إخوان الاشتراكيين من الرضاع»؟! ومنكم من قوّى نسبتهم وصلتهم بالاشتراكيين فأطلق: أنهم اشتراكيون وعملاء للحكام، وغير ذلك من التهم التي لو عاملناكم بظاهر أعمالكم، وجازفنا كما تجازفون، لقلنا: إن هذه الفِرَى أنتم أحق بها وأهلها. لكن يحملنا ديننا وخوفنا، من يومٍ تُنشر فيه الصحف، فتَبْيضُّ فيه وجوه، وتَسْوَدُّ وجوه، على عدم معاملتكم بالمثل. والشكوى إلى الله - عز وجل -، وحسبنا الله ونعم الوكيل. ( المرجع : رسالة : تنوير الظلمات بكشف مفاسد وشبهات الانتخابات ،لمحمد الإمام ، ص 174-176) .
الشبهة(5) : قولهم:إن «الانتخابات» من المصالح المرسلة .
يقولون: نحن دخلنا في "الانتخابات" من باب أنها مصلحة من المصالح المرسلة! الجواب: 1- المصلحة المرسلة ليست أصلاً من أصول الدين التي يُعمل بها، وإنما هي وسيلة متى توفرت شروطها، عُمِل بها، ومتى لم تتوفر، لم يُعمَل بها. 2- تعريف المصلحة المرسلة هي: ما لم يأتِ نصٌّ فيه بعينه بتحريم ولا وجوب، مع اندراجها تحت أصل عام. وتعريف آخر يذكره الأصوليون وهو: الوصف الذي لم يثبت اعتباره ولا إلغاؤه مِنْ قِبَل الشارع. قال الشاطبي رحمه الله تعالى في كتابه (الموافقات 4/210): « فإن الإقدام على جلب المصالح صحيح، بشرط التحفظ بحسب الاستطاعة من غير حرج» ا هـ. فالمصالح المرسلة هي التي ليس هناك دليل باعتمادها أو إلغائها، ومنها: مصلحة عامة أو خاصة، أما ما نحن فيه، ففيه من المفاسد السابقة الذكر التي لا يشك عاقل أنها كافية في إخراج محل النزاع من باب المصالح المرسلة، إلى المفاسد المحرمة، والله أعلم. وقد أخذ الصحابة بالمصالح المرسلة، وهكذا التابعون وأتباعهم، فتأليف الكتب الفقهية، وكتب اللغة العربية، وكتب علوم الحديث، وجمع القرآن والاقتصار على النُّسَخِ التي اختارها عثمان وإلغاء ما عداها .. إلى غير ذلك من المصالح، وكما ذكرنا سابقاً أنها ليست من الأصول، وإنما هي مسألة اجتهادية يصيب فيها الرأي ويخطئ، والتشريعة كلها جاءت لتحقق مصالح الناس، كما ذكر ذلك ابن القيم في كتابه (مفتاح دار السعادة 2/23)، ورفع المشقّة والعسر والحرج.. الخ، كلها من لوازم المصالح للناس. ومن خلال هذا العرض السريع نستفيد أن الشريعة جاءت لتحقيق مصالح العباد. فعلى هذا فالمصلحة المرسلة لها شروط يجب أن تُراعى، فإذا توافرت شروط المصلحة عُمِل بها، فهل تقيّد المخالفون بهذه الشروط؟ وسيأتي ذكر الشروط بعد الكلام على الشبهة الخامسة عشر – إن شاء الله -. ( المرجع : رسالة : تنوير الظلمات بكشف مفاسد وشبهات الانتخابات ،لمحمد الإمام ، ص 177-178) .
الشبهة(6) : قولهم: إن «الانتخابات والحزبية»أشياء شكلية، وليست جوهرية
نقول:قولكم في هذه الأشياء: إنها شكلية وليست جوهرية، مغالطة واضحة. 1- كيف تكون شكلية، وفيها بذل أموال؟ وفيها مواجهة للأعداء كما تزعمون؟! وفيها حب وبغض؟ وفيها تقرّب إلى الله – على حد زعمكم -؟! 2- كيف تكون شكليةً، وظاهر حالكم قولاً وعملاً أنها المنهج الوحيد والخيار المناسب لإقامة دين الله؟ فهل أنتم صادقون مع أنفسكم في هذا القول؟ إن قلتم: نعم. فأين الشكليات في مسألة من أهم مسائل الدين، وهي: تمكين التوحيد في الأرض؟ وإن قلتم: لا، لسنا مصدّقين لأنفسنا في هذا القول، فحسبكم هذا من أنفسكم. والله المستعان. والإسلام كله جوهر – إن صح التعبير – فهو العقيدة الصحيحة الراسخة، والتوحيد الشامل، والولاء والبراء، والخضوع للحق، وليس فيه قشور، بل كله لباب وخير. 3- الشكلية التي تتكلمون بها، قد حذّر منها الإسلام؛ لأنها من أعمال المنافقين، يُظهرون خلاف ما يسرّون، ويقولون خلاف ما يفعلون، ويفعلون خلاف ما يؤمرون، قال الله سبحانه وتعالى: {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} المنافقون . ورصيد المنافقين هو شكليات؛ ولهذا قال الله سبحانه وتعالى عن صلاتهم: { وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ..} النساء. هذه هي الشكليات التي حذَّر منها الإسلام، ولكنها شكليات تضر وترمي بصاحبها في الدرك الأسفل من النار، قال الله تعالى: { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَاعْتَصَمُواْ بِاللّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} النساء. فالله عز وجل قد دعا عباده إلى الصدق في عبادته والإخلاص، والخوف من عذابه، والرضى بحكمه، والتسليم لشرعه، والمراقبة لأمره ونهيه، والتوكل عليه، والثقة به، والأنس بكلامه. فهذه جواهر.. والإسلام يدعو إلى هذا كله. 4- الظاهر أن عندكم جرابًا للمصطلحات! فأنتم على استعداد أن تملئوا الدنيا بالمصطلحات التي تشغلون بها المجتمع وطلبة العلم، وتروّجون لها، وتخدعون بها الناس إلى أجل قريب، والأحكام جاهزة لكل ما يناسب نظامكم وأهواءكم. والدمج عندكم مشروع: أن يندمج الحق بالباطل، والباطل بالحق، إذا كان في ذلك مصلحة تتماشى مع الحزبية في نظركم. وهذا نقوله لا من باب الشماتة – والذي نفسي بيده – ولكن للأسف أن هذا واقع، ومن حق المسلم على المسلم الصدق والوضوح في النصيحة. وقد تكلمنا كثيرًا في المجالس العامة والخاصة، فما رأينا تجاوباً يُذْكَر، بل رأينا الاستمرار في مخالفة الشرع، والجد في التحذير من أهل السنة، ورميهم بأبشع التهم، والتدخل في ضمائرهم، والطعن في إخلاصهم وصدقهم.. الخ. فكان لزامًا علينا أن نظهر الرد كما أظهرتم خلاف الحق. والله من وراء القصد، وهو حسبنا ونعم الوكيل. ( المرجع : رسالة : تنوير الظلمات بكشف مفاسد وشبهات الانتخابات ،لمحمد الإمام ، ص 178-180) .
الشبهة(7) : قولهم: دخلنا الانتخابات وما قصدنا إلا الخير
ويريدون أن يقولوا: ليس علينا إثم لحسن نياتنا، وصلاح مقصدنا؛ لأننا لا نريد إلا نصرة الإسلام. ولكن نقول لهم: كم من مريد للخير لا يصل إليه، ولا يوفّق له بسبب اقتصاره على النية الطيبة، وإهماله للبحث عن الحق، ومن المعلوم قطعًا أن كل عمل لا يقبل عند الله إلا بشرطين:
1- أن يكون العمل خالصًا لله. 2- أن يكون موافقًا لهدي محمد صلى الله عليه وسلم. فإذا افتقد أحد الشرطين، فلا يُقبَل العمل عند الله. فنحن من باب التسليم الجدلي نسلم أنكم جميعًا قصدتم الخير، فهل هذا يكفي في أن يكون العمل صحيحًا، وهو مخالف للشرع؟ أم لا بد من الموافقة الشرعية كمًّا وكيفًا وصفةً وهيئةً، بدايةً ونهايةً، في الأصل والفرع، في المكان والزمان؟! ولا شك أن الثاني هو الجواب. وإليك بعض الأدلة على ذلك: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ». متفق عليه من حديث عائشة، وفي (صحيح مسلم): «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردّ». و«مَنْ» مِنْ ألفاظ العموم، وهذا عمل، وهذا إحداث، فهو مردود. وقد رُدّت بالفعل عبادة المبتدع، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله احتجز التوبة عن كل صاحب بدعة، حتى يدع بدعته». رواه الطبراني والبيهقي والضياء من حديث أنس رضي الله عنه. فهذا متعبِّد، أجهد نفسه، وشمّر في عبادة ربه، ومع هذا لم يتقبل الله منه شيئًا من ذلك، مع حبه للأجور عند الله، وإخلاصه العمل، لكنه لم يبحث عن شرعيته. فكلما تاب وَجَدَّ في التوبة، فهي مردودة عليه، مهما حسنت النية، وعظم المقصد، فلا يخرج صاحبه من أخطائه أبدًا. وفي (الصحيحين) من حديث أسامة أنه قال: «تبعت ومعي رجل من الأنصار رجلاً من المشركين، فلما وجد أننا سنقتله قال: «لا إله إلا الله» فتأخر صاحبي، وضربته حتى برد، أي: مات، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «أقتلته بعدما قال: لا إله إلا الله»؟ قلت: يا رسول الله، إنما كان متعوِّذًا، فقال: «أشققت على قلبه؟ فكيف تصنع بـ «لا إله إلا الله» إذا جاءت يوم القيامة»؟ قال: فلم يزل يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت إلا يومئذ». انظر: فهذا أسامة ما أراد إلا نصرة الإسلام، وهل أراد بذلك شرًّا؟ بلا شك: لا، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم لامه على فعله، ولم يعذره بحسن قصده. ولأهمية هذا القصد ألّف العلماء الكتب الكثيرة في التحذير من البدع وأهلها. والبدعة هي: التعبُّد لله بما لم يشرعه، ولا شرعه نبيه صلى الله عليه وسلم، وارجع إلى كتاب: «الاعتصام» للشاطبي، فقد أجاد وأفاد رحمه الله في الكلام على خطورة البدع، وبيّن أقسامها وشُعَبَها. ولو فُتِح المجال لأصحابِ هذا القول: «أنا نيتي طيبة، ومقصدي حسن». لأدى إلى أن يقتل القاتل، ويقول: أنا نيتي طيبة، ويشرب الخمرَ الشاربُ، ويقول: أنا نيتي طيبة. وهذا عمل قلبي ليس لنا قدرة على إثباته ولا نفيه إلا بدليل خارجي. فالله عز وجل قد أرشدنا إلى الأخذ بظاهر الأمور، وهو يتولى السرائر، ولهذا قال عمر كما في «البخاري» وغيره: «إن الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم، فمن أظهر لنا خيرًا؛ أمناه، وقربناه، وليس إلينا من سريرته شيء، الله يحاسبه على سريرته، ومن أظهر لنا سوءًا؛ لم نأمنه، ولم نصدقه، وإن قال: إنّ سريرته حسنة». فليس عندنا استعداد أن نقبل من يدعي صلاح قلبه، وعندنا أدلة واضحة على أن صلاح الظاهر دليل على صلاح الباطن، وفساد الظاهر دليل على فساد الباطن. قال صلى الله عليه وسلم: «إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كلّه، وإذا فسدت فسد الجسد كله». متفق عليه من حديث النعمان. ومن عُلِم منه الصلاح، فحصل أن زلّ بكلمةٍ أو فعلٍ، فهذا يحمل على حسن مقصده، ويبقى عليه تبعة العمل الذي زلّ فيه. أما من عُلِم بالمخالفات الشرعية ولم يقبل الحق، فهذا لا يحمل هذا المحمل. والذي يظهر أن قيادات الحركات الإسلامية يعرفون أن "الانتخابات" حرام، ولكنهم سائرون على ذلك مهما كانت الظروف. ونحن نحسن الظن بكثير منهم، أنهم أرادوا بذلك نصرة الإسلام، لكن كم من طالب للحق لا يدركه، ولا يعني ذلك أننا نتألى على الله، وندعي أن الله عز وجل يحرم فلانًا الأجر أم لا، إنما الذي يهمنا بيان الحكم الشرعي فيما نحن بصدده، أما الآخرة فالناس فيها عند حَكَمٍ عدل، لا يظلم الناس شيئاً. لكن إذا أردنا حقًّا أن ننصر الإسلام، فخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، والله المستعان. ( المرجع : رسالة : تنوير الظلمات بكشف مفاسد وشبهات الانتخابات ،لمحمد الإمام ، ص 180-183) .
الشبهة(8) : نحن دخلنا«الانتخابات» من أجل أن نقيم دولة الإسلام!
يقولون: نحن ندخل في «الانتخابات» من أجل أن نقيم دولة الإسلام! فكيف يقيم دولة الإسلام، ويحكم بشرع الله، من بدأ بالتنازل من أول وهلة؟! أليس قانون «الانتخابات» جزءًا من الدساتير العلمانية المستوردة مِنْ قِبَل الكفار؟ الجواب : بلى. فإذا كانوا حقًّا سيقيمون دولة الإسلام على حد زعمهم فلماذا ما يبدأون بإقامتها برفض «الانتخابات»، ويقولون: نحن ما نقبل «الانتخابات»؛ لأنها نظام طاغوتي؟ ما سمعنا أحدًا منهم تبرأ ورد هذا البلاد. فعند خضوعهم للدستور في قضية «الانتخابات» صاروا محجوجين بهذا التنازل، إذا أرادوا أن يصححوا أي حكم من أحكام «الديمقراطية». كيف يرضون أن يحكمهم نظام الغرب، ويقولون: نحن سنقيم حكم الله؟ فالقضية قضية شعارات فقط. ونحن نعد هذا التصرف من إخواننا تنازلاً، وهم دائمًا يُهبطون على سلّم التنازل، وعلى سبيل المثال: كانوا يقولون: سنقيم دولة الإسلام، ودندنوا بهذه الكلمة، ثم ما شعرنا إلا وعندهم شعار جديد، وهو: { إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ }. فتنازلوا من إقامة دولة، إلى الإصلاح ما استطاعوا على حد زعمهم! ولا شكّ أن المسلمين يصلحون ما استطاعوا. وهذا الشعار الذي أبدوه أخيرًا من جملة تنازلاتهم، ومفاده أنهم قد فشلوا في إيهام الناس حول إقامة دولة الإسلام، وما داموا على سلم التنازلات فنخشى أن يضيعوا أكثر فأكثر، لأن الانحرافات تبدأ شيئًا فشيئًا، وصدق الله إذ يقول: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ } النور. فانظر إلى نهاية الذي يريد الإصلاح ما استطاع، إذا به يأمر بمخالفة الشرع باسم المصلحة، والتنازل عن شيء من الحق، سبب لإنزال العذاب الإلهي عاجلاً وآجلاً، قال الله سبحانه وتعالى:{ وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً * وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً * إِذاً لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا } الإسراء.
إذن فما قيمة التنازلات؟ وما مدى الانتفاع بها، إذا كان هذا المتنازل سيذوق من الله سوء العذاب في الدنيا والآخرة؟ {وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى}، { وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لاَ يُنصَرُونَ} . فالكفار هنا لا يطلبون من النبي × أن يترك دينه؛ لأنهم قد علموا أنه لا يترك دينه؛ لكنهم يطالبونه بالتنازل، ولو في بعض الحقّ، فربنا يمتنّ على نبيه صلى الله عليه وسلم بما منحه من الخير والفهم الصحيح والثبات والعصمة عند مواجهة المشركين. وأفادت الآية أن اكتساب أصحاب الزعامات والسلطات، ليكونوا في صف الدعوة على حساب الدعوة إلى الله؛ لا يجوز، لأن التنازل عن شيء من هذا الدين، باسم تحقيق مصلحة الدعوة ؛ لا يجوز، والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم: { وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ * أَفحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } المائدة. خاب وخسر من ظن أنشه سيعيش سالماً، ويتنازل عن شيءٍ من الإسلام، وهو في مقام الدعاة والعلماء والقدوة الحسنة.. وإلى الله المشتكى. تنبيه: كثير من الناس يطلق قوله: نريد أن نقيم دولة إسلامية، ونحن – ولله الحمد – في بلاد إسلامية، ليست كافرة، وإن كان فيها كثير من المخالفات الشرعية، إلا أن ذلك لا يسوّغ تكفيرها، وإخراجها من جملة البلاد الإسلامية. وإذا جارينا غيرنا في هذا الاصطلاح، فمرادنا به: قيام الدولة الإسلامية الراشدة، التي تسير على منهاج النبوة ما أمكن، فليُتَنَبَّه لهذا، والله أعلم . ( المرجع : رسالة : تنوير الظلمات بكشف مفاسد وشبهات الانتخابات ،لمحمد الإمام ، ص 184-186) .
الشبهة(9) : قولهم: إقامة الشريعة يكون بالتدرج
يقولون – وهو من باب المغالطة – لمن قال لهم: أنتم ما حققتم في خلال هذه الفترة شيئًا يذكر، يقولون: «إقامة الشريعة تكون عن طريق التدرّج»! وهذا ليس بصحيح؛ لأمور، منها: 1- تكون إقامة الشريعة عن طريق التدرج بالطرق الشرعية، لا بالأنظمة الغربية. 2- هذا الكلام يقوله دعاة «الانتخابات» الإسلاميون، لكي يقنعوا الناس بـ«الانتخابات»، والدخول فيها، وأما أعضاء مجلس النواب من الإسلاميين، فهم ليسوا حول إقامة الإسلام بالتدرج ولا بغيره، بدليل أنهم كلما جاء حُكْمٌ، وافقوا عليه مهما كان فيه من المخالفة الشرعية، دون أي تأخّر، إلا من رحم الله سبحانه، وذلك تحت مبررات واهية، هذا إن استُشيروا، وأما إن قُطِع الأمر دونهم، فهذا أمر آخر، وما أشبه حالهم بمن قال: ويُقضــى الأمر حين تغيب تيم ولا يُستأذنــون وهم شهــود 3- لماذا لا تشرحون طريقة التدرج هذه؟ فأنتم تركتموها مفتوحة – والله أعلم – من أجل أنكم كلما أراد أن يحتجّ عليكم محتج، قلتم: أما نحن فقد قلنا: «إن تطبيق الشريعة بالتدرج»، وأظن - والله أعلم - أنكم ما دمتم هكذا فقد تقوم الساعة، وما حققتم هذا الهدف. 4- ليس لكم حُكْمٌ نافذ إلا من العلمانيين، وليس في أيديكم شيء وإن كثرتم، فلا تكونوا خياليين؛ لأنكم سلّطتم القانون على أنفسكم، فاتقوا الله، وكونوا مع الصادقين. وعلى هذا فدعوى: أنكم ستقيمون الشريعة بالتدرج، دعوى عارية عن الحقائق والأدلة. وأخشى – والله – أن تضيّعوا بقية ما عندكم من الخير، باسم أنكم في التدرج. والله سبحانه وتعالى يقول: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ } الصف. ( المرجع : رسالة : تنوير الظلمات بكشف مفاسد وشبهات الانتخابات ،لمحمد الإمام ، ص 186-188) .
الشبهة(10) : قولهم: عدلنا الدستور من علماني إلى إسلامي !
ويقول بعضهم: أبشر أيها الشعب، فقد جعلنا «الدستور» إسلاميًّا! وأما نحن فلسنا من هذا الصنف، صنف الذين أرهقوا أسماع الناس بقولهم: «أبشروا، فقد عدّلنا الدستور». ماذا عملت يا مسكين؟! الحبر على الورق مكسب إعلامي فقط، أمَّا الواقع فلا نرى إلا ما هو أشد، ونسأل الله صلاح المسلمين. ومادة التعديل هي: «الشريعة الإسلامية مصدر جميع التشريعات». أسألك يا فضيلة المفتخر بتعديل الدستور: هل القرآن الآن هو السائد، والمرجع في كل الشؤون، أم الدستور؟ ماذا يغنينا تعديل مادة بحبر على ورق فقط، وبقية المواد تنضح بالباطل؟ وانظر ما بعد هذه المادة في «دستورنا» اليميني، وهي التي تلي المادة المعدّلة، وهذا نصّها: «الشعب مالك السلطة، ومصدرها، ويمارسها بشكل مباشر، عن طريق الاستفتاء والانتخابات العامة، كما يزاولها عن طريق غير مباشر: عن طريق الهيئات التشريعية والتنفيذية والقضائية»! فماذا أبقت هذه المادة للمادة المعدَّلة؟ وأين عيونكم عند أن عدّلتم مادة على حد زعمكم، وما عدّلتم بقية المواد؟ وقد أُقيمت دولة الإسلام من مشرقها إلى مغربها بحكم القرآن، وما احتاجوا إلى سطر واحد من مناهج اليهود والنصارى وغيرهم.
تنبيه:
حصل تعديل في بعض المواد، ولكنها لا تُسمِن ولا تغني من جوع، ومن أشهر ذلك تعديل مادة القسم، وهذا نصها: «أقسم بالله العظيم: أن أكون متمسكًا بكتاب الله وسنة رسوله، وأن أحافظ على النظام الجمهوري، وأن أحترم الدستور والقانون»! والواقع أن «الدستور أو القانون» هو المحترم، وليس بكافٍ أن نتمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على حد زعمكم، فإن معنى هذا الكلام تجميد كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. بل كان الصواب أن يقال: «أقسم بالله العظيم: أن أحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا أحكم بغيرهما». والأيام القادمة ستظهر لنا كل شيء، ويعرف كل واحد ما الذي وصل إليه. أما الذين يدندنون بأنهم عدّلوا «الدستور»، إما أنهم جهلة بما يتكلمون به، وإما أنهم يعلمون حقيقة الحال، فإن كانوا جهلة؛ فلا يستحقون أن يكونوا قادة للأمة، وهم يجهلون واقعًا يدركه الباعة في الأسواق، والشحاذّون في الطرقات، والمكنِّسون في الشوارع. وإن كانوا يعلمون حقيقة الحال، وأن هذا التعديل حبر على ورق وليس له أي واقع، بل لا يستطيعون هم أنفسهم أن يحتجوا به ويستدلوا به، فمعنى ذلك أنهم يُلبِّسون على الأمة، وفاعل ذلك غاشّ للأمة، وليس ناصحًا لها، وهذا يزحزحه عن مرتبة القيادة والتوجيه. واذهبوا واسألوا جميع الطبقات والطوائف عن أحوال المسلمين في مجالسهم التشريعية، ومعاملاتهم، وإعلامهم، ودوائر الحكومات، ومحافلهم، وغير ذلك: هل الكتاب والسنة عندهم فوق الدستور والقانون، أم لا؟ ومثلكم لا يخفى عليه الجواب، ولكن الشكوى إلى الله في كيلكم بصاعيْن: فلو عمل أهل السنَّة من الأخطاء عشر معشار ما تعملون؛ لرميتموهم بالغفلة والسطحية، والسذاجة، وعدم فقه الواقع، بل رميتموهم بذلك وهم بعيدون عن كل ما يخالف شرع الله. فإلى الله المشتكى. ( المرجع : رسالة : تنوير الظلمات بكشف مفاسد وشبهات الانتخابات ،لمحمد الإمام ، ص 188-190) .
الشبهة(11): قولهم: نحن لا نريد أن نترك الساحة للأعداء
يقولون: نحن لا نريد أن نترك الساحة للأعداء، من علمانيين واشتراكيين وغيرهم! الجواب: ونحن أيضًا ما نريد أن يكون لأعداء الله سبيل على مؤمن، ولكن نقول للإخوة: ماذا أعددتم لهذا العمل؟ فإذا كنتم تأخذون بنفس وسائلهم، وتخضعون لقوانينهم، فلن تحصلوا على شيء إلا على التنازلات تلو التنازلات. وقد يقولون: نحن نحرص على أن تكون الأغلبية في مجلس النواب معنا، ونفترض أنكم حصلتم على الأغلبية، فهل يجوز لكم أن تحكموا بحكم الأغلبية؟ الجواب: لا يجوز، وقد كنا نسمع هذه النغمة، وهي: كيف نترك الساحة للأعداء؟ وهل تحبون أن يتولى عليكم علمانيون أو اشتراكيون أو غيرهم، يمنعونكم من التدريس والدعوة إلى الله، ويصادرون الإسلام؟ هكذا نسمع كثيرًا من القوم. والواقع يثبت لنا أن هذه النغمات هي من باب الدعاية الانتخابية، وإلا فما هي الثمرة خلال أكثر من ستين عامًا؟ فقد حصلوا على نسبة كبيرة في المجالس النيابية في الباكستان وفي تركيا وفي الأردن وفي الكويت وفي مصر وفي اليمن وغيرها، ولم يحصل أنهم غيَّروا من مناهج الخصوم، بل خدموهم وتحالفوا معهم في أكثر من بلد، وهذا واضح كوضوح الشمس. أما نحن فلا نحب أن يتولى أحد إلا الصالح، فإن لم يوجد صالح، ولم يتيسر، صبرنا على حكامنا الموجودين، ونصحناهم بالكتاب والسنة، فإن أمروا بمعصية؛ لم نطعهم، وذكرناهم بأيام الله في الأمم السابقة، عندما أعلنوا بالمعصية، وحاربوا الله بالانحراف عن نهجه، كيف نقض الله بنيانهم، وأذهب ملكهم، وسلّط عليهم الأعداء، فأخذوا ما بأيديهم، وساموهم سوء العذاب، فلسنا أصحاب حماس فارغ، ولا ثورة تضر أكثر مما تنفع، ولسنا ممن يدق أبواب السلاطين، ولا ممن يمد يديه إليهم، ولا نبرر انحرافهم عن الصراط المستقيم، وهل كان منهج سلف الأمة إلا هذا؟ لكننا ابتلينا في هذا العصر بأقوامٍ إن أعطاهم الحُكّام من دنياهم ووظائفهم رضوا، وقالوا: هؤلاء الحكام أحسن من غيرهم، وإن منعوهم؛ سخطوا وفزعوا إلى المساجد والمنابر يكفرونهم، ويدعون إلى الجهاد ضدهم، ويحرضون عليهم. فإن حاججناهم بمنهج السلف الذي يأمر بالنصح وعدم التشهير المفضي على الشر، قالوا: أنتم عملاء للحكام! ولستُ أدري من أحق بهذا الوصف؟ أهو الذي يهرب من مجالسهم، أم الذي يقف عند أبوابهم صباح مساء ؟!! ( المرجع : رسالة : تنوير الظلمات بكشف مفاسد وشبهات الانتخابات ،لمحمد الإمام ، ص 190-192) .
الشبهة(12) : قولهم: نحن مكرهون على دخول الانتخابات والبرلمانات والجواب: الإكراه في الاصطلاح: حمل الشخص على فعل أو قول لا يريد مباشرته. هذا تعريف الإكراه. وعليه فلا بد من مُكْرِهٍ (بكسر الراء)، ومن مُكْرَهٍ (بفتح الراء). وهذا ما دلّ عليه القرآن الكريم، يقول الله تعالى: { إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ } النحل. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «وُضِعَ عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه». رواه الطبراني عن ثوبان. فدلّت الآية والحديث أن هناك من يُكْرِه المسلم على فعل محرم، أو قول محرم. والعلماء يقسمون الإكراه إلى قسمين: 1- مُلجئ. وضابطه: أن يُهدَّد بالقتل، أو بما لا يطيقه، مع توقع حصول ذلك الفعل، وأقوال العلماء في تحديد الإكراه متقاربة، ولهذا رأي المتأخرون أن يقسموه على قسمين. 2- إكراه غير مُلجئ. وضابطه: أن يُهدَّد الإنسان بما لا يؤدي إلى هلاكه، أو يكون المُهدِّد (بالكسر) ليس عنده قدرة ولا سلطة على ذلك، والأخذ بالرخصة من أجل الإكراه في الدين جائز بهذا الشرط. ولنأتِ إلى إخواننا فنقول لهم: مَن الذي أكرهكم على الدخول في «الانتخابات»؟ فإن قالوا: هم أكرهونا، فنقول: الواقع عدم الإكراه لكم، ولا يتحقق هنا نوع الإكراه، لا الأكبر ولا الأصغر؛ لأن المُكرِه (بكسر الراء) غير موجود، بل أنتم الذين تدعون لهذا، وتلتمسون له الأدلة، وتحاربون من خالفكم في الفهم، فدعوى أنكم مكرهون دعوى غير صحيحة، فإذا كانت دعوى غير صحيحة، فما فائدة هذا القول والإعلان به بين الناس؟. الجواب: هذا كله تبرير مواقف، وخداع للجماهير، حتى يصيروا في رأي الجماهير معذورين إذا فشلوا. ولو قالوا: نحن مكرهون، بمعنى: أننا لا نحب ذلك، لكن رأينا أن المصلحة تقتضي ذلك! فالجواب سيأتي بعد قليل، لكن هنا سؤال: لماذا يضعون قاعدة شرعية في غير محلها؟. أليس هذا تلاعبًا بالقواعد الشرعية ليلتبس بعضها ببعض. الجواب: هو هذا. وإلى الله المشتكى. ( المرجع : رسالة : تنوير الظلمات بكشف مفاسد وشبهات الانتخابات ،لمحمد الإمام ، ص 192-193) .
الشبهة(13) : قولهم: دخولنا «الانتخابات» للضرورة
والجواب: الضرورة مشتقة من الضَّرَر، وفي الاصطلاح: قال الزركشي: «الضرورة بلوغه حدًّا إن لم يتناول الممنوع هلك أو قارب»، وهو من المنثور في القواعد. وعرَّفها غيره بقوله: «هي أن تطرأ على الإنسان حالة من المشقة والخطر والشدّة، بحيث يخاف حدوث ضرر أو أذى بالنفس أو بالعضو أو بالعِرْض أو بالعقل أو بالمال وتوابعها». وينبغي عندئذٍ – أو يباح - ارتكاب محرم، أو ترك واجب، أو تأخيره عن وقته، دفعًا للضرر عنه في غالب ظنه، ضمن قيود شرعية. وهذا تعريف جامع لا مزيد عليه. قلت: هناك فرق بين الضرورة والمصلحة، حيث أن المصلحة أعم، والضرورة أخص، فالضرورة تكون عند حالة شديدة وخشية ضرر، كما رأيت.
القرآن يبين الضرورة:
قال الله تعالى: { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِِّثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } المائدة. فهذه المحرمات أُبيح أكلها عند اشتداد جوع الذي يخشى على نفسه الهلاك، وقد جعل الله شريعته قائمة على اليُسْر، ورفع الحرج في مجالات كثيرة، لا يتسع الوقت لذكرها. فما هي الضرورة التي جعلت أصحاب «الانتخابات» يختارون هذا الطريق؟ هم يقولون: نحن مضطرون، وإن لم نفعل فسيسحبونا بلحانا، ويمنعونا من إقامة الإسلام، حتى من الصلاة في المساجد، وتعليم القرآن وعدم السماح بالخطب والمحاضرات.. إلى آخر ما يقولونه. ومن جهة ثانية: أن الضرورة شرعت لإزالة الضرر، فهل سيزول الضرر الذي بالمسلمين، بدخولكم في المجالس البرلمانية؟ فإن قالوا: نعم، فهذا غير صحيح، وخذ مثالاً على ذلك، وهو: أن الرئيس/ أنور السادات في آخر حكمه اعتقل عشرات الآلاف من الإسلاميين، وكان يوجد في مجلس الشعب المصري كتلة برلمانية لهم، فلم يستطيعوا أن يعملوا شيئًا، وكذلك في السودان عندما اعتقل النميري الإسلاميين، وكان من الإسلاميين مستشارون له في أعلى قمة السلطة، فلم يستطيعوا أن يعملوا شيئًا، إذ أن أحوال المسلمين هي هي، ولم يحصل إلا زيادة شر في أماكن، وقلة شر في أماكن أخرى. إذن هذا الأمر الأول يبطل الاحتجاج بأنها ضرورة، وذلك أن الضرورة شرعت لإزالة الضرر، وهنا لم يحصل، وها هي ستون سنةً قد مضت على هذه الأقوال، ونحن نجد الأمور كل يوم تزداد سوءًا، حتى في سلوك القائلين بذلك. والظاهر أن إخواننا سامحهم الله، وقفوا في عدة خنادق، فإن أُحيط بهم في خندق، صاحوا من آخر، فأول ذلك أنها شورى، ثم مصلحة مرسلة، ثم أخف الضررين، ثم ضرورة وإكراه. فإن لم ينفع هذا كله، فالجواب منهم: ماذا تريدون أن نفعل؟! أنترك الأمور لأعداء الإسلام؟! واستطردوا من الأمثلة العقلية غير الصحيحة، وإلا فالعقل الصريح لا يناقض النقل الصحيح، كما بين ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى. ومن لم تنفعه الأدلة، ولم ينفعه واقع المسلمين في هذه المجالس النيابية منذ أكثر من نصف قرن، وهم ينحدرون فيها إلى الأسفل، فلا يبالي بالأدلة المذكورة هنا، إلا أن يشاء الله عز وجل، وإلى الله المشتكى. وأما قولهم: «وإن لم نفعل فسيسحبونا بلحانا..» إلخ. فجوابه: من المعلوم أن الله جعل العداوة بين أهل الحق وأهل الباطل، وقد يسلّط الله أهل الباطل على أهل الحق. فالواجب على أهل الحق الصبر، ولا يجوز لهم أن يسلكوا طرقًا غير مشروعة، من أجل مقاومة الأعداء. ( المرجع : رسالة : تنوير الظلمات بكشف مفاسد وشبهات الانتخابات ،لمحمد الإمام ، ص 194-196) .
الشبهة(14) :قولهم: نحن ندخل «الانتخابات» ونرتكب أخف الضرريْن
يقولون: نحن نشارك في «الانتخابات» وهي شرٌّ، ولكننا نرتكب أخف الضررين، لتحقيق مصلحة كبرى! فنقول: أخف الضررين عندكم المشاركة في المجالس النيابية. وإليك بيان هذا الضرر الخفيف عندهم: سؤال 1: من الحاكم في مجلس النواب: الله أم البشر؟ الجواب: البشر. سؤال 2: إذا كان حكم البشر هو السائد في المجالس النيابية، فهل هذا شرك أكبر أم أصغر؟ الجواب: شرك أكبر. سؤال 3: ولماذا كان شركًا أكبر؟ الجواب: لأن حكم الله معطّل، وهناك من لم يقرّ بحاكمية الله عز وجل، وإنما الحكم للأغلبية. وقد تقدم أن المجالس البرلمانية الحاكم فيها هو البشر، بل يُردّ حكم الله ويُعترض عليه، فهذا شرك أكبر بلا شك. وإذا كان شركًا تصادر فيه شريعة الله، فهل بقي ذنب أكبر من الشرك الأكبر أو الكفر الأكبر الذي يقول الله تعالى فيه: { إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا } النساء. فلما كان الشرك – وهو أعظم الذنوب – لا يغفر الله لصاحبه إذا مات عليه، والرسول صلى الله عليه وسلم سُئل: أي الذنب أعظم؟ قال: «أن تجعل لله ندًّا وهو خلقك» قيل: ثم أي؟ قال: «أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك..». الحديث متفق عليه من حديث عبد الله بن مسعود. فاتضح لنا أنهم في بعض الحالات قد يفعلون شركًا أكبر، وليس هو بأخف الضررين، وقد قال الله سبحانه وتعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ }. فهذا حكم الله فيمن والى اليهود والنصارى. وقال الله: { وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ} النساء. لم يقل سبحانه: ما عليكم من شيء، ولم يقل: إلا الأحزاب الإسلامية، فإن ذلك مشروع لهم. ونقول لهم: هل سألوا العلماء عن الشر الذي ارتكبوه؟ وهل وضّحوا لهم حقيقة هذا العمل؟ أم أنهم يغالطون العلماء؟ إذن هذه القاعدة استعملت في غير محلها. صحيح أنه يُرْتَكَب بعض الشر لتحقيق مصلحة كبرى، كما حصل أن الصحابة نظروا إلى عانة أولاد اليهود – يهود بني قريظة – من أجل أن يعرفوا من كان قد أنبت فيُقتَل ومن لم يُنبِت فلا يُقتل.. وما أشبه ذلك، لكن اتضح لنا أن القاعدة لم تطبق على حقيقتها. وهذه مصيبة الأحزاب الإسلامية، أنهم يطبقون الأشياء على أهوائهم، فيُحْرَمُون من الاتِّباع، والتوفيق من الله. ثم ما هي المصلحة الكبرى على حد زعمهم التي حققوها؟ فقد عرفنا الشر الذي وقعوا فيه، فنريد أن نعرف المصلحة؛ لأنهم قالوا: سيحققون مصلحة كبرى. الجواب: أن الواقع من مدة ستين عاماً، يثبت لنا أنهم ما حققوا مصلحة كبرى للإسلام كما زعموا. أما قولهم: إنهم دخلوا في «الانتخابات»، وارتكبوا أخف الضررين، من أجل أن يقيموا دولة الإسلام، ويحكموا بالشريعة الإسلامية، وذلك على حد زعمهم. فهل تقام الشريعة مع أن المجتمع ليس عنده أهلية لذلك؟. جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما، في قصة هرقل عندما أخبره أبو سفيان عن أوصاف الرسول صلى الله عليه وسلم عن طريق عظيم بُصْرى، فلما قرأ هرقل كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال – أي هرقل -: «يا معشر الروم، هل لكم في الفلاح والرشد، وأن يثبت ملككم، فتبايعوا هذا النبي»؟. فحاصوا حيصة الحمر إلى الأبواب، فوجدوها قد غلقت، فدعاهم هرقل، وقالوا: «أنا أريد أن أعرف شدتكم على دينكم، فسجدوا له». الحديث في (الصحيحين). والشاهد في الحديث أن هرقل مع كونه ملكًا، لم يستطع أن يرغم قومه على الدخول في الإسلام، باعتبار أنه ملك وبيده السلطة، وهكذا النجاشي أسلم، ونزلت فيه آيات، منها قوله تعــالى: { وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ..} المائدة. كما في (الصحيح المسند من أسباب النزول) لشيخنا / مقبل بن هادي الوادعي يحفظه الله، ولمّا مات ما وُجِد من يُصلي عليه، وإنما صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، والنجاشي ملك النصارى في الحبشة. فليس من صعد على الكرسي أقام الإسلام ولا بد، هذه قضية فيها مجازفة وعدم فقهٍ للواقع. فلا بد من إصلاح المجتمع قبل الوصول إلى الحكم، وقد قيل للأحزاب الإسلامية: تعلموا العلوم الشرعية، فما وُفِّقوا لهذا الخير. وقيل لهم: علّموا الناس الدين، ولا تعلّموهم الأطماع، فما وُفِّقوا لهذا الخير. لقد رأينا كثيراً من الإسلاميين عندما تمكنوا من بعض الوزارات، يلتزمون بالنظام والقانون الوضعي أشد من غيرهم، وإذا قيل لهم: هل أمر الله بهذا؟ قالوا: «هذا النظام» !. فأين تغييركم للفساد الذي أرهقتم أسماع الناس به، واستترفتم به أموالهم، وصرفتموهم عما هو أنفع من الاعتصام بنشر السنة والتحذير من البدع ؟ {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} . ( المرجع : رسالة : تنوير الظلمات بكشف مفاسد وشبهات الانتخابات ،لمحمد الإمام ، ص 196-200) .
الشبهة(15) : قولهم: أفتى بشرعية "الانتخابات" علماء أفاضل
قد يقول قائل: قد أفتى بشرعية «الانتخابات» علماء أفاضل من أهل السنة، وليسوا حزبيين، كمحدّث العصر فضيلة الشيخ الألباني، وسماحة المفتي العام الشيخ عبد العزيز بن باز، وفضيلة الشيخ العلامة ابن عثيمين رحمهم الله، فهل ندخل هؤلاء فيما سبق؟. الجواب : كيف ندخلهم فيما سبق، وهؤلاء العلماء الأفاضل هم علماؤنا وقادتنا وقادة هذه الدعوة المباركة، وهم حماة الإسلام، وما تعلمنا إلا على أيديهم، ومعاذ الله أن يكونوا حزبيين، بل هم المحذّرون من الحزبية، وما سلمنا من الحزبية إلا بتوفيق الله ثم بنصائحهم، ونصائح أمثالهم كالشيخ الجليل المُحدِّث مقبل بن هادي الوادعي يحفظه الله تعالى. وكتبهم وأشرطتهم طافحة بالتحذير من الحزبيات. فإذا كانوا يحرمون الحزبية، فليس لأصحاب الحزبية فيهم نصيب لتبرير ما يريدون أن يمضوه ويخدعوا به المسلمين، وبالذات الشباب المسلم، المتمسك بدينه، الراضي بالحق، السائر عليه. وأما بالنسبة لفتوى هؤلاء العلماء فهي مقيدة بضوابط شرعية، ومنها: تحقيق المصلحة الكبرى، أو دفع المفسدة الكبرى بارتكاب الصغرى، مع بقية ضوابط هذه القاعدة، ولكن دعاة "الانتخابات" لم يراعوا هذه الضوابط.
تنبيه:
لماذا نرى الحزبيين لا يشيدون بفتاوى علمائهم الذين يفتون بشرعية "الانتخابات"، وإنما يشيدون بفتاوى علماء أهل السنة كالألباني وابن باز وابن عثيمين حفظهم الله؟ الجواب: إن علماء السلطة والأحزاب في بلاد المسلمين أحرقتهم الحزبية، فإنها مرض فتّاك، فصار الناس غير مقتنعين بفتاواهم، لأنهم يعرفون أنهم يُلبّسون عليهم في مسائل من الدين، فرأوا أن يكون علماء السنة في واجهة هذه الحزبية، وهكذا من تلبيساتهم يستخدمون فتاوى علماء السنة لصالحهم، متى اضطروا إلى ذلك، ومتى استغنوا عنهم قالوا: هم جهّال لا يفقهون الواقع، وكالُوا لهم التهم. وعلى سبيل المثال: عند أن أفتى الوالد/ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى في قضية الصلح مع اليهود بشروط وضوابط، قامت قيامتهم، ولم تقعد، ومن يستطيع أن يسكتهم؟ ومن يستطيع أن يقنعهم؟ وصار كل واحد من هؤلاء يصدر الفتوى.. ولم يبق الأمر عند الكبار فقط. وكأن ابن باز رحمه الله رجل لا خبرة عنده، ولا علم عنده، بل صارت خطب الجمعة بهذا الصدد حنّانة رنّانة، والحمد لله أن علماء "السنة والجماعة" يحسنون الظن بالناس ويصبرون. والله يعلم المفسد من المصلح. وأيضاً يلزمهم إذا كانوا يعتمدون على فتوى الألباني وابن باز وابن عثيمين أن يقبلوا فتاواهم في تحريم الحزبية، وتحريم الموالد، والذبح لغير الله، والتقليد لليهود والنصارى.. وما أشبه ذلك من المحرمات التي يفعلونها. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
شروط الأخذ بقاعدة: «ارتكاب المفسدة الصغرى لدفع الكبرى»
1- أن تكون المصلحة المرجوة حقيقية لا وهمية، فلا نرتكب المفسدة المحققة ، لجلب مصلحة وهمية، ولو كانت «النظم الديمقراطية» خادمة للإسلام وشريعته خدمة حقيقية، لنجحت في مصر أو الشام أو الجزائر أو الباكستان أو تركيا أو أي بلد في الدنيا من ستين عاماً. 2- أن تكن المصلحة المرجوة أكبر من المفسدة المرتكبة، بفهم العلماء الراسخين في العلم، لا بفهم المولعين بالحزبية أو الحركيين أو المنظرين للأحزاب. ومن عَلِم أن من مفاسد" الديمقراطية" الكثيرة: نسخ شريعة الإسلام، والاستغناء عن الرسل عليهم السلام، لأن الحلال والحرام يدرك بما تراه الأغلبية، لا بما تخبر به الرسل عليهم السلام. ومن عَلِم أن من مفاسد "الديمقراطية": ضياع مبدأ الولاء والبراء من أجل الدين، وتمييع الوضوح العقائدي، لكسب القلوب، ومن ثَمّ الأصوات، ومن ثَم المقاعد البرلمانية، من عَلِم هذا؛ فما كان له أن يقول: إن دخول هذه المواضع أخف الضررين، بل العكس هو الصواب، ولو سلّمنا بالتساوي هنا، فدرء المفاسد مقدّم على جلب المصالح. 3- ألا يكون هناك سبيل آخر لجلب هذه المصلحة، إلا بارتكاب هذه المفسدة؟. وهنا لو قلنا: بذلك فقد حكمنا على نهج محمد × بأنه غير صالح لإقامة حكم الله في الأرض مرة أخرى. أما أهل الحق فيعلمون أن سبيل "الديمقراطية والتعددية الحزبية" ما تزيد الأمة إلا وهناً، ولذا حرص عليها أعداء الإسلام من اليهود والنصارى وغيرهم، وقاموا بحراسة هذا الوثن طيلة هذا الوقت.. والله من ورائهم محيط. ( المرجع : رسالة : تنوير الظلمات بكشف مفاسد وشبهات الانتخابات ،لمحمد الإمام ، ص 200-203) . |