قوامة الرجل على المرأة لا
يسلبها حريتها
يقول المتقولون على الإسلام: إن الإسلام
يجعل الرجل قواماً على المرأة (الرجال قوامون على النساء) ، قد فرض
وصايته عليها ، وسلبها بذلك حريتها وأه]ليتها ، وثقتها بنفسها.
ونقول: ليس الأمر كما يرون ويفهمون من
القوامة ، فليس قوامة الرجل في الإسلام قوامة السطوة والاستبداد
والقوة والاستعباد ، ولكنها قوامة التبعات ، والالتزامات
والمسؤوليات ، قوامة مبينة على الشورى والتفاهم على أمور البيت
والأسرة ، قوامة ليس منشؤها تفضيل عنصر الرجل على عنصر المرأة ،
وإنما منشؤها ما ركب الله في الرجل من ميزات فطرية ، تؤهله لدور
القوامة لا توجد في المرأة ، بينما ركب في المرأة ميزات فطرية أخرى
، تؤهلها للقيام بما خلقت من أجله ، وهو الأمومة ورعاية البيت
وشؤونه الداخلية.
فهو أقوم منها في الجسم ، وأقدر على الكسب
والدفاع عن بيته وعرضه ، لا شك في ذلك ، وهو أقدر منها على معالجة
الأمور ، وحل معضلات الحياة بالمنطق والحكمة وتحكيم العقل ،
والتحكم بعواطفه لا شك في ذلك أيضاً ، والأمومة والبيت في حاجة إلى
نوع آخر من الميزات الفطرية ، في حاجة إلى العاطفة الدافقة والحنان
الدافئ ، والإحساس المرهف ، لتضفي على البيت روح الحنان والحب ،
وتغمر أولادها بالعطف والشفقة.
وإذا سألنا هؤلاء المدعين: أيهما أجدر أن
تكون له القوامة بما فيها من تبعات: الفكر والعقل ، أم العاطفة
والانفعال؟ لا شك أنهم يوافقوننا أن الفكر هو الأجدر ، لأنه هو
الذي يستطيع تدبير الأمور ، بعيداً عن الانفعال الحاد الذي كثيراً
ما يلتوي بالتفكير ، فيحيد به عن الصراط المستقيم ، فالرجل
بطبيعته المفكرة لا المنفعلة ، وبما هيأه الله له من قدرة على
الصراع واحتمال أعصابه لنتائجه وتبعاته ، أصلح من المرأة في أمر
القوامة على البيت ، بل إن المرأة نفسها ، لا تحترم الرجل الذي
تسيّره ، فيخضع لرغباتها بل تحتقره بفطرتها ، ولا تقيم له أي
اعتبار.
والرجل أيضاً أب الأولاد ، وإليه ينتسبون ،
وهو المسؤول عن نفقتهم ورعاية سائر شئونهم ، وهو صاحب المسكن ،
عليه إيجاده وحمايته ونفقته.
ونسأل هؤلاء أيضاً ، أليس من الإنصاف والعدل
أن يكون من حُمّل هذه التبعات وكُلف هذه التكاليف من أمور البيت
وشئونه ، أحق بالقوامة والرياسة ، ممن كُفلت لها جميع أمورها ،
وجعلت في حل من جميع الالتزامات؟ لا شك أن المنطق وبداهة الأمور ،
يؤيدان ذلك.
فرياسة الرجل إذاً ، إنما نشأت له في مقابل
التبعات التي كلف بها ، وما وهبه الله من ميزات فطرية ، تجعله
مستعداً للقوامة.
ثم إن القوامة التي جعلها الإسلام للرجل ،
لا استبداد فيها ، ولا استعباد للمرأة ، بل هي مبينة على الشورى
والتفاهم بين الشريكين.
وقد نبه الإسلام الرجال لذلك ، ووجههم إلى
تحقيق معنى القوامة التي يعنيها قال الله تعالى: (وعاشروهن
بالمعروف) ، وقال صلى الله عليه وسلم: (خيرك خيركم لأهله) ، ويُشعر
الرجال أن النساء بحاجة إلى الرعاية ، لا إلى التسلط والتشدد:
(استوصوا بالنساء خيراً ، فإنهن عوان عندكم) ، قال هذا في حجة
الوداع ، وهو من آخر ما قال صلى الله عليه وسلم عن النساء ، ويقول
صلى الله عليه وسلم: (خياركم ، خياركم لنسائهم) ، ويوصيهم بالصبر
والاحتمال ، والصبر والاحتمال من مقومات القوامة (لا يفرك مؤمن
مؤمنة ، إن كره منها خُلقاً ، رضي منها آخر).
وجماع القول: أن نظرية الإسلام في المرأة
أنها إنسان قبل كل شيء ، والإنسان له حقوقه الإنسانية ، وأنها
شقيقة الرجل ، خلقت من نفس عنصره الذي خلق منه ، فهو وهي سيان في
الإنسانية ، (إنما النساء شقائق الرجال) ، هكذا يقول رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، ويقول الله تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من
أنفسكم أزواجاً).
وإذا استشعر الزوج ذلك ، وامتثل ما أمره
الله ، وأمره رسوله به ، لا شك أنه سينصف المرأة ، ومن شذ عن ذلك ،
واستبد ، وتعالى ، وجار على المرأة ، فإن الإسلام لا يرضى منه ذلك
، ولا يؤخذ الإسلام بجريرة الشواذ ، العاصين لأوامره ولا يمكن أن
يحكم على الإسلام وصلاحه بأفعالهم.