الإسلام.

 

الباب الأول ( وجود الله- الإنسان مسير أم مخير –الهداية).

الباب الثاني  ( التعريف بالاسلام-  إلى ماذا يدعو الإسلام – التشريع في الإسلام ).

 

بدأت هذا الفصل ببيان بعض أدلة وجود الله تعالى, وربما يتعجب القارئ الكريم من وضع هذا الموضوع , ولكن المتتبع لأحوال الكثير من الشباب وتساؤلاتهم الكثيرة حول هذا الموضوع سيدرك أهمية هذه الجزئية.فلقد كثرت التساؤلات التي من نوعية ( صديقي ملحد, ماذا أقول له؟ ) ,( زميلتي ملحدة, كيف أقنعها بوجود الله تعالى ؟ ),  لذلك فضلت أن أضع نبذه عن هذا الموضوع قبل التعريف بالإسلام, نتبعها بمعنى بعض المصطلحات التي تختلط على كثير من المسلمين وغير المسلمين. 

 

 

الباب الأول

 

1- الله

 

الله  ذلك الاسم الكريم هو اسم علم على الذات المقدسة التي نؤمن بها ونعبدها .
وهو اسم جامد فلا يصرف إلا للخالق ولا يسمى به غيره.
{هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (24) سورة الحشر.
{هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}
(65) سورة غافر
فلأنه هو الوحيد الخالق البارئ فهو الوحيد المستحق للعبادة .

ولكن  ما الدلائل على وجود الله تعالى ؟      
 لقد أوجد الله سبحانه وتعالى في هذا الكون أدلة تنطق بوحدانيته ووجوده.

ولقد جعل الله الأداة الأولى لإدراك وجوده هي آياته في الكون التي يدركها العقل، فالعقل يدرك وجود الله تعالى بالدليل العقلي الذي وضعه الخالق في الكون.
 وسنسوق باختصار بعض الأدلة على وجود الله سبحانه و تعالى ربما تكون منفذا لمن يبحث عن المزيد من الضوء .
1- دليل الإبداع .
من المعروف أن الإنسان لم يخلق نفسه ولم يخلق الحيوانات أو النباتات أو الأرض التي يعيش عليها .
ولم يدع أي أحد أنه قادر على أن يخلق من العدم أو أنه سبق له خلق مثل خلق الإنسان أو الحيوان.

وقد قرر القرآن الكريم هذا الدليل في الآية الكريمة
{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35)أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ} (36) سورة الطور

2- دليل العناية .
إن آثار صفات الله ومعالم بديع صنعه موجودة في كل ناحية من نواحي هذا الكون ، فكل ما في الكون من مخلوقات دليل مشاهد على الخالق -سبحانه- الذي خلقه وأحكمه وأبدعه.

فالجاحد هو من يجد ثوبا" أنيقا", ولا يستدل من وجود الثوب على أن هناك  من صنعه !! بل يرجع وجود الثوب إلى "الصدفة" التي تدخلت وجعلت طرف خيط يدخل من تلقاء نفسه في ثقب إبرة وتتحرك الإبرة حركات محسوبة لتنشئ الثوب بكل تفاصيله الجمالية الدقيقة.
وهو نفسه الذي يتخيل أن جسم الإنسان ووظائف الأعضاء الدقيقة التي تعمل في منظومة متكاملة هي من صنع المصادفة أو جاء نتيجة لنظرية التطور التي أتضح فشلها وتعارضها الصارخ مع العلم و التاريخ.

إن كل معطيات العلم الحديث تؤكد وجود خالق قادر مبدع وتلقي بنظريات الإلحاد بلا رجعة.
يقول الله تعالى
{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (53) سورة فصلت

كتب الشيخ محمد الغزالي:
ذكر الصحافي " أنيس منصور" في السبعينات أن العالمة الإنجليزية الدكتورة " مرجريت برنبريدج " مديرة مرصد " جرنيتش " قد اكتشفت أبعد نجم في هذا الكون، وقد سمى الفلكيون هذا النجم " كازار " وأطلقت عليه الدكتورة المكتشفة " كازار 172 " .
هذا الجسم يبعد عنا بمقدار 15600 مليون سنة ضوئية، والسنة الضوئية تساوى ( 365 يوماً × 24 ساعة × 60 دقيقة × 60 ثانية × 186000 ميل وهى سرعة الضوء فى الثانية الواحدة ) .
ورد هذا النبأ فى مجلة الطبيعة، ووصفت الدكتورة المكتشفة هذا النجم بأنه ساطع جداً .
ولما سئلت الدكتورة عن اتساع الكون الذي نعيش في جانب محدود منه قالت : لا أحد يعرف. إن هذه هي حدود معرفتي بالقدر الذي تسمح به عدسة قطرها ( 120 ) بوصة، ولو كانت هناك عدسات أكبر أو أجهزة أقدر وأدق لاتسع أمامنا الكون، أكثر وأكثر.
سئلت : هل الله موجود ؟ وكان جوابها : من المؤكد أنه موجود !!
قيل لها : ولكن لماذا ؟ فأشارت إلى السماء وقالت : لهذا !!
ومن قبل ذلك بنصف قرن عندما أعلن " أينشتين " نظرية النسبية" سأله بعض الناس:هل الله موجود؟
وكان الرد : رياضياً موجود !!
وسئل : وكونياً ؟ قال : موجود !
قيل له : لماذا ؟ وكان الجواب : لهذا .. " وأشار إلى السماء " .
 أقول, إن القرآن الكريم أكثر الحديث عن السماء، وهو يبنى الإيمان على التأمل فى الكون والنظر فى سعته ودقته وخصائص مادته واستقامة قوانينه " والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون" ( الذاريات : 51) " ولقد جعلنا فى السماء بروجاً وزيناها للناظرين " ( الحجر : 16 ) " وجعلنا السماء سقفاً محفوظاً وهم عن آياتها معرضون " ( الأنبياء : 32 ) ..(2)

( قذائف الحق- محمد الغزالي- ص 168-169)

وقد سجل أحد المفكرين بعض المشاهدات التي تدل على وجود خالق مبدع للعالم فكتب:
إن القطة العجماء تتبرز ثم لا تنصرف حتى تغطي برازها بالتراب. فكيف عرفت معنى القبح والجمال.؟!
والجمل الذي لا يضاجع أنثاه إلا في خفاء و ستر .. بعيدا" عن العيون فإذا أطلت عين امتنع وتوقف ونكس رأسه في الأرض,  هل يعرف الحياء ؟.
وخلية النحل التي تحارب لآخر نحلة وتموت لآخر فرد في حربها مع الزنابير,من علمها الشجاعة والفداء ؟!
و أفراد النحل الشغالة حينما تختار من بين يرقات الشغالة يرقة تحولها إلى ملكة بالغذاء الملكي وتنصبها حاكمة, في حالة موت الملكة بدون وراثة. من أين عرفت دستور الحكم .؟؟
والبعوضة التي تجعل لبيضها الذي تضعه في المستنقعات أكياسا" للطفو يطفو بها على سطح الماء ... من علمها قوانين أرشميدس في الطفو. ؟؟!.
والأشجار الصحراوية التي تجعل لبذورها أجنحة تطير بها أميالا" بعيدة بحثا" عن فرص مواتية للإنبات من علمها صناعة الأجنحة والمظلات ؟.
و الحباحب التي تضيء في الليل لتجذب البعوض لتأكله. من علمها هذه الحيلة ؟  .
والزنبور الذي يغرس إبرته في المركز العصبي للحشرة الضحية فيخدرها ويشل حركتها ثم يحملها إلى عشه ويضع عليها بيضة واحدة ..حتى إذا فقست خرج الفقس فوجد أكلة طازجة جاهزة !!.
من أين تعلم هذا الزنبور الجراحة وتشريح الجهاز العصبي ؟؟
ومن أين جاءت تلك المخلوقات بعلمها و دستورها إن لم يكن من خالقها ؟؟.

كتب محمد الغزالي,

إن ما يصل إليه الإنسان بجهده وفكره شىء محدود القيمة بالنسبة إلى ما يقع فى العالم حوله، وأذكر أننى تجولت فى مصانع السكر، ورأيت الأنابيب الطافحة بالعصير، والأفران المليئة بالوقود، والآلات التى تغطى مساحة شاسعة من الأرض، لقد قلبت البصر هنا وهنالك ثم قلت : سبحان الله ! إن بطن نحلة صغيرة يؤدى هذه الوظيفة .. وظيفة صنع السكر دون كل تلك الأجهزة الدوارة والضجيج العالى !

وخيل إليّ أن المخترعات البشرية لا تعدو أن تكون إشارة ذكية إلى ما يتم فى الكون بالفعل من عجائب دون وسائط معقدة وأدوات كثيرة .
ولو أن البشر أرادوا بناء مصنع للف الحبات النضيدة فى سنبلة قمح بالقشرة التى تحفظ لبابها لاحتاج الأمر إلى حجرة كبيرة تحت كل عود ! .
لكن ذلك يحدث فى الطبيعة فى صمت وتواضع !
والمقارنة التى عقدناها هنا تجاوزنا فيها كثيراً، فإن الإنسان المخترع هو بعض ما صنع الخلاق، والمواهب الخصبة فيه بعض ما أفاء الله عليه ..
وكأنما أراد الله الجليل أن يعرف ذاته وعظمته للإنسان الذى أنشأه، فهداه إلى بعض المخترعات؛ ليدرك مما بذل فيها كيف أن الكون مشحون بما يشهد للخالق بالاقتدار والمجد .
 إن ميلاد برتقالة على شجرة أروع من ميلاد " سيارة " من مصنع سيارات يحتل ميلاً مربعاً من سطح الأرض . ولكن الناس ألفوا أن ينظروا ببرود أو غباء إلى البدائع لأنها من صنع الله، ولو باشروا هم أنفسهم ذرة من ذلك ما انقطع لهم ادعاء ولا ضجيج ..
إننى عرفت الله بالنظر الواعى إلى نفسى وإلى ما يحيط بى، وخامرنى شعور بجلاله وعلوه وأنا أتابع سننه فى الحياة والأحياء .
وبدا لى أن أستمع إلى ربى فى الوحى الذى أنزله .. إذ لا بد أن يكون هذا الوحى حديثاً ناضجاً بما ينبغى له من إعزاز وحمد ! .
كان أقرب وحى إلى هو القرآن الكريم لأننى مسلم، فلما تلوته وجدت التطابق مبيناً بين عظمة الله فى قوله، وعظمته فى عمله .
" الله خالق كل شىء، وهو على كل شىء وكيل، له مقاليد السموات والأرض .. " [الزمر : 62، 63]
( قذائف الحق- محمد الغزالي- ص 19-20)

 

إن الدين يدعونا للتفكر في الخلق الذي يؤدي بنا إلى الإيمان بقدرة وعظمة الخالق سبحانه وتعالى.
{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} (164) سورة البقرة

ونختم هذا الباب بنقاش ذكره الشيخ عبد المجيد الزنداني في كتابه" طريق الإيمان" .

مناقشة مع ملحد :

لقد دارت بيني وبين أحد السويسريين(كان مستشاراً في وزارة التربية والتعليم في اليمن من قبل اليونسكو عام 1969م(  مناقشة، ضربت له فيها أمثلة كثيرة تدل على أن الخالق عليم، فلم يقتنع حتى ضربت له مثالاً بعمل الجهاز التنفسي .

فقلت : هل ملابس رواد الفضاء الذين خرجوا إلى خارج الغلاف الهوائي كملابسنا ؟

قال : لا .

قلت : لماذا ؟!

قال : لأنه يجب أن تتناسب ملابسهم مع البيئة التي سيخرجون إليها .

قلت :هل الذين صنعوا هذه الملابس المناسبة مع البيئة التي سيخرج إليها رواد الفضاء علماء أم جهلاء ؟!

قال : علماء .

قلت له: إذا قلت لك: إن صانع ملابس رواد الفضاء إسكافي ( صانع أحذية ) في صنعاء هل ستصدق ذلك ؟!

قال : لا أقبل منك ذلك .

قلت له : وأنت عندما كنت في بطن أمك قبل الولادة ستخرج إلى عالم جديد كما يخرج رائد الفضاء إلى عالم آخر. وأنت في داخل الرحم هل كان يوجد أوكسجين تتنفسه من أنفك ورئتيك ؟!

قال : لا .

قلت : فالذي خلقك داخل بطن أمك، وخلق لك جهازاً لا تحتاج إليه وأنت في رحم أمك عليم بأنك ستخرج إلى عالم فيه أوكسجين، وأن هذا الأوكسجين يجب أن يدخل جسمك ويجب أن يطرد ثاني أكسيد الكربون ، فجهزك بجهاز يدخل الهواء الصالح، ويخرج الهواء الفاسد، هل الذي فعل ذلك يعلم أم لا يعلم ؟

 فسلم عند ذلك بأن خالق ذلك الجهاز لا بد أن يكون متصفاً بالعلم سبحانه وتعالى. وبعد مناقشات حول الإعجاز العلمي ومعجزات الرسول عليه الصلاة والسلام قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا ًرسول الله .

 

 

 

2- لماذا خلقنا ؟


هل خلقنا الله سدى ؟

العقل يدرك وجود الله تعالى من أياته في الكون, ويدرك أن خالق هذا الكون يتصف بصفات العلم والحكمة. فيدرك أنه من غير المعقول أن الخالق قد خلقنا عبثا" أو بدون هدف محدد, فهذا لا يليق بحكمته جل شأنه.
{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} (116) سورة المؤمنون


ولكننا بالعقل لا نستطيع أن ندرك ماذا يريد الخالق منا، وكيف نعبده، وكيف نشكره؟

 لذلك كان لا بد أن يرسل الله الرسل ليبلغونا عن الله، لماذا خلق الله هذا الكون؟ ولماذا خلقنا؟ وما هو منهج الحياة الذي رسمه لنا لتتبعه؟ وماذا أعد لنا من ثواب وعقاب؟.
{رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا } (165) سورة النساء.

 

فجاء الرسل الذين اصطفاهم الله تعالى من بين خيرة خلقة وحفهم بالرعاية والعناية, جاءوا ومعهم المعجزات من الله التي تبين صدق رسالتهم ودعواهم وجاء معهم المنهج الواجب علينا إتباعه.
فمن أطاع الله ورسله فله خير الجزاء ومن لم يطع الله فله عقاب.

{وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} (69) سورة النساء.

{وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} (14) سورة النساء

قال رسول الله عليه الصلاة و السلام " كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى " قيل ومن يأبى (أي يرفض) يا رسول الله ؟ قال : " من أطاعني دخل الجنة و من عصاني فقد أبى.

(رواه البخاري- الجامع الصحيح-7280  والألباني- السلسلة الصحيحة 2044).

ولقد بين لنا الله تعالى أن الخلق كان لحكمة وهدف  فقال تعالى
{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} (27) سورة ص
وبين لنا سبب خلق الإنسان فقال
{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (56) سورة الذاريات.

وأصل العبادة في اللغة : الطاعة والخضوع والتذلل . أما مفهوم العبادة في الشرع فمفهوم واسع شامل.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ:

[ العبادة هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة فالصلاة والزكاة والصيام والحج وصدق الحديث والأمانة وبر الوالدين وصلة الأرحام والوفاء بالعهود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد للكفار والمنافقين والإحسان للجار واليتيم والمسكين وابن السبيل والمملوك من الآدميين والبهائم والدعاء والذكر والقراءة وأمثال ذلك من العبادة .
وكذلك حب الله ورسوله وخشية الله والإنابة إليه وإخلاص الدين له والصبر لحكمه والشكر لنعمه والرضى بقضائه والتوكل عليه والرجاء لرحمته والخوف من عذابه وأمثال ذلك هي من العبادة لله ] العبودية ص 38 .

 

 

3- مسير أم  مخير ؟


تساؤلات مكررة, هل الإنسان مسير أم مخير ؟ وإن كان الله قد كتب علينا أفعالنا فلما يحاسبنا ؟ وما الفرق بين {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} (30) سورة الإنسان وبين {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ ......الآية } (29) سورة الكهف. فلمن المشيئة ؟
وإن كان الله هو الذي يهدي ويضل فما ذنب من لم يهده الله ؟.

الله سبحانه و تعالى له نعوت الكمال وصفات الجلال والجمال فمن عداد ما ينبغي الإيمان به أن لله وحده صفات العلم الواسع. وكل ما في الحياة من أحداث وما بعدها من ثواب أو عقاب لأي مننا قد أستوعبه العلم الإلهي .
{.. وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} (61) سورة يونس

ولجهلنا بما سينتظرنا وجب علينا العبادة والعمل بما  يرضي الله تعالى .
{وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (105) سورة التوبة
{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (97) سورة النحل
 كتب ابن عثيمين رحمه الله في كتاب شرح الأصول الثلاثة
ولقد روى البخاري و مسلم و اللفظ للبخاري عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " ما منكم من أحد إلا قد كتب مقعده من النار أو من الجنة. " فقال رجل من القوم : ألا نتكل يا رسول الله ؟ قال " لا اعملوا فكل ميسر , ثم قرأ
 
{فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى} " الآية .(5) سورة الليل . وفي لفظ لمسلم : " فكل ميسر لما خلق له" فأمر النبي صلى الله عليه و سلم بالعمل ونهى عن الاتكال على القدر. ( البخاري – كتاب التفسير – و مسلم كتاب القدر-باب كيفية الخلق لآدم.)

نحن مجبرون في هذا .
كل ما تم بدون إرادتنا فإننا مجبرون فيه مثل نوع الجنس ذكر أو أنثى , تاريخ الميلاد , مكان الميلاد , لون البشرة , ...............
ومن عدل الله سبحانه و تعالى أنه لن يحاسبنا بما لم يكن لنا فيه اختيار, فلن يسأل أحدنا لماذا جئت ذكرا" ؟ ويسأل الآخر لماذا بشرتك بيضاء ؟ ولن يحاسبنا الله تعالى على فعلة فعلها أبوانا أو أجدادنا أو على ما أُكرهنا عليه.

{مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} (15) سورة الإسراء

الله سبحانه و تعالى عادل وليس بظلام للعبيد وهذا الاعتقاد يجب أن يكون مصباحا" لكل من يختلط عليه أمر من مثل أمور الهدى والضلال والمشيئة.  يقول الله تعالى .
{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} (46) سورة فصلت.

ولكن ما التعارض في هذا ؟

يقول الله تعالى {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} (30) سورة الإنسان
فهل هذا يعني أن إرادتنا و مشيئتنا ليست حرة ؟

 

لقد منحنا الله تعالى حق الاختيار فأعطانا المشيئة والقدرة على الاختيار ولكن هذا كله واقع تحت مشيئته وإرادته سبحانه وتعالى.
والكثير من الآيات توضح و تبين أن اختيار المرء للحق أو للباطل هو اختيار حر يقرره الشخص بنفسه  مثل قول الله تعالى
{وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ ... الآية } (29) سورة الكهف
{إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا} (19) سورة المزمل
{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ} (108) سورة يونس

ولو شاء الله لأخذ منا قدرتنا على الاختيار التي أعطاها لنا وأجبرنا على أخذ اتجاه واحد كما في الآية الكريمة.
{وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} (99) سورة يونس.

 

كتب الشيخ ابن عثيمين- رحمه الله-
أما المشيئة, فيجب أن نؤمن بأن مشيئة الله تعالى نافذة في كل شيء, وأن قدرته شاملة لكل شيء من أفعاله وأفعال المخلوقين.
وكونها شاملة لأفعال المخلوقين, فإن الخلق كلهم ملك لله تعالى, ولا يكون في ملكه إلا ما يشاء.
والدليل قوله تعالى {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ } (118) سورة هود
وهذه الآية تدل على أن أفعال العبد متعلقة بمشيئة الله .
وقال تعالى  {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} (30) سورة الإنسان
وهذه تدل على أن مشيئة العبد داخلة تحت مشيئة الله تعالى وتابعة له.(شرح العقيدة الواسطية. باختصار).



 

4- معنى الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء .

 

نتذكر أولا" أن الله سبحانه وتعالى عادل ولا يظلم من عباده أحدا", ثم ننقل أقوال العلماء في معنى الهداية.
{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} (46) سورة فصلت

قسم العلماء الهداية إلى نوعين :
الأول    هداية دليل وإرشاد

 بمعنى أن الله تعالى يبين الطرق ويدل عليه وعلى الإنسان الاختيار بين أن يقبل أو يرفض.
{وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } (17) سورة فصلت.

تفسير ابن كثير ومثله في الطبري والقرطبي .
 وَقَوْله عَزَّ وَجَلَّ " وَأَمَّا ثَمُود فَهَدَيْنَاهُمْ " قَالَ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا وَأَبُو الْعَالِيَة وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَقَتَادَة وَالسُّدِّيّ وَابْن زَيْد : بَيَّنَّا لَهُمْ.
مما يعني أن الهداية هي بيان وإرشاد للحق .

الثاني  هداية زيادة وفضل ومعونة.
{وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ} (17) سورة محمد
إن الله تعالى يبين الطريق إلى صراطه المستقيم، فمن يأخذ بهداية الدلالة يزده الله بهداية المعونة والزيادة .

والاختيار بيد الإنسان كما جاء في الآيات الكريمة

{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ} (108) سورة يونس

كتب الشيخ محمد الغزالي في كتابه "عقيدة المسلم".
نحن نجد أن إطلاق المشيئة في آية تقيده آية أخرى يذكر فيها الاختيار الإنساني صريحا".
أي أن إضلال الله لشخص , معناه : إن هذا الشخص آثر الغي على الرشاد, فأقره الله على مراده, وتمم له ما ينبغي لنفسه..
{.. فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} (5) سورة الصف
وانظر إلى قيمة التنويه بالاتجاه البشري المعتاد.
{وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا} (115) سورة النساء.
فهل بقى غموض في إطلاق المشيئة  ؟ ...لا .
إن معنى قوله { يُضِلُّ مَن يَشَاء }لا يعدو قوله :
{.... وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ (26)
{الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (27) سورة البقرة

وكذلك الحال في { َيَهْدِي من يشاء}
انظر إلى قيمة الإرادة الإنسانية في قول الحق وهو يتكلم عن إرادته
{ قُلْ إِنَّ اللّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ (27) الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (28) سورة الرعد .
فهو يهدي إليه من أناب .

( عقيدة المسلم-ص 114)

 

الباب الثاني

 

1- التعريف بالإسلام

 

الإسلام في اللغة : الخضوع والانقياد, يقال فلان أسلم أي خضع وانقاد .

ويطلق لفظ الإسلام ويراد به مجموعة التعاليم التي أوحاها الله إلى سيدنا محمد عليه الصلاة و السلام و هي داعية إلى توحيد الله  و الخضوع لأحكامه والانقياد للأصول العامة التي جاء بها الأنبياء من قبل. يقول الله تعالى :
شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ..........الآية [الشورى : 13]

ومن ثم فقد أطلق لفظ مسلم على كل من يتبع تعاليم الله تعالى , فيقال أن :

نوح عليه السلام كان مسلما".

{فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (72) سورة يونس

 

وإبراهيم عليه السلام كان مسلما". 

 

{مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (67) سورة آل عمران

 

و موسى عليه السلام كان مسلما".
{وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ} (84) سورة يونس

 

وعيسى عليه السلام كان مسلما".
{فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (52) سورة آل عمران

 

فكل ما سبق من أنبياء وأتباعهم لقبوا بالمسلمين لإتباعهم وخضوعهم لشرع ومنهج الله الذي أنزله عليهم.

ولما كان محمد عليه الصلاة و السلام آخر من حمل هذه التعاليم ودعا إليها,  أطلق عليه وعلى أتباعه المسلمين , وسمي الدين الإسلام .

فالإسلام هو خاتم الشرائع السماوية ومحمد عليه الصلاة والسلام هو خاتم الأنبياء والرسل .

الإسلام جاء مكملا" وناسخا"  لما سبقه من رسالات ومصححا" لما طرأ عليها من تغيير وتعديل.

نظرا" لأن الإسلام آخر الشرائع والرسالات السماوية  لذلك هو المنهج الذي ارتضاه الله للناس جميعا" ووجب على كل من عرف به الإيمان به, يقول الله تعالى .

إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ ... [آل عمران : 19]
وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران : 85]

فالعقيدة الإسلامية العظيمة مضمونها : الإيمان بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، والقدر خيره وشره ، والإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله وطاعة الله تعالى فيما أمر به أو ما نهى عنه.

 

2- إلى ماذا يدعو الإسلام ؟

 

( أ ) إفراد العبادة و تخصيصها لله وحده والنهى عن الشرك فقال تعالى :
وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً ............ [النساء : 36]
وبين الله تعالى سعة وكبر رحمته وأنه يغفر الذنوب جميعا" إلا الشرك به فقال الله تعالى :

 

إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً [النساء : 48]

 

و قال الله تعالى
قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر : 53]
في التفسير الميسر للآية السابقة :
قل -أيها الرسول- لعبادي الذين تمادَوا في المعاصي, وأسرفوا على أنفسهم بإتيان ما تدعوهم إليه نفوسهم من الذنوب: لا تَيْئسوا من رحمة الله؛ لكثرة ذنوبكم, إن الله يغفر الذنوب جميعًا لمن تاب منها ورجع عنها مهما كانت, إنه هو الغفور لذنوب التائبين من عباده, الرحيم بهم.

وقال الله تعالى في الحديث القدسي :
أخرجه الترمذي وحسنه عن أنس رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (قال الله تعالى: يا ابن آدم؛ لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة).
( كتاب التوحيد. محمد بن عبد الوهاب ).



 

(ب) الإيمان بالله و الكتب التي أنزلها و بالرسل الذين أرسلوا من قبل فقال تعالى :

 

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً [النساء : 136]
 

 

( ج ) لم يترك الإسلام خيرا" إلا دعا إليه و أمر به ومن ذلك :

 

- 1- أمر الله تعالى بالعدل والإحسان وإعطاء الأقارب ونهي عن الزنا المنكر والظلم فقال تعالى :
إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النحل : 90]

 - 2 - أمر الله تعالى بالعدل و تأدية الأمانة فقال تعالى :
إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً [النساء : 58]

- 3 - أمر الله بالتوحيد في العبادة و موصيا" بالإحسان للوالدين فقال تعالى :
وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً [الإسراء : 23]

- 4 -أمر الله تعالى بالإيمان والصلاة والزكاة والإنفاق والوفاء بالعهد.
لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [البقرة : 177]

- 5 –أمر الله  تعالى بالإحسان للوالدين والأقارب واليتامى والمساكين والجيران وإلى المسافر الذي لا يجد نفقات عودته لبلاده.
وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً [النساء : 36]

 

( د ) لم يدع الإسلام شرا" إلا نهى عنه وحذر منه ومن ذلك :

- 1 – نهى الله عن الشرك وقتل الأولاد والفواحش وقتل الأنفس فقال الله تعالى :
قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [الأنعام : 151]

- 2 – نهى الله عن سوء الظن والغيبة والتجسس فقال الله تعالى :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ [الحجرات : 12]

- 3 – نهى الله عن السخرية والتنابز بالألقاب فقال الله تعالى :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الحجرات : 11]

- 4 – نهى الله عن أكل مال اليتيم فقال الله تعالى :
وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً [النساء : 2]

- 5 – نهى الله عن الخمر والميسر ( القمار ) والأزلام والأنصاب (الأصنام) فقال الله تعالى :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة : 90]


3- الإيمان والعمل والجزاء في الإسلام

 

بين الإسلام أن الإيمان والعمل مرتبطان ببعضهما فلا يصح إيمان بلا عمل ولا عمل بلا إيمان, وقد بين  القرآن الكريم  حسن الجزاء الذي ينتظر الذين آمنوا وعملوا الصالحات في مواضع عدة مثل :

وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ [المائدة : 9]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً [الكهف : 30]

وبين الله تعالى أن الجزاء في الآخرة بمقدار العمل في الدنيا وأن الله تعالى لا يظلم أحد فقال :

مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ [غافر : 40]
مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ [فصلت : 46]

ومن عدل الله تعالى أن الإنسان لا يتحمل خطيئة غيره فقد قال الله تعالى :

وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى [النجم : 39]

قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ [الأنعام : 164]
في التفسير الميسر جاء عن الآية السابقة :
قل -أيها الرسول- : أغير الله أطلب إلها, وهو خالق كل شيء ومالكه ومدبره؟ ولا يعمل أي إنسان عملا سيئا إلا كان إثمه عليه, ولا تحمل نفس آثمة إثم نفس أخرى, ثم إلى ربكم معادكم يوم القيامة, فيخبركم بما كنتم تختلفون فيه من أمر الدين.

كما جاء أيضا" قول الله تعالى :
مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً [الإسراء : 15]
في التفسير الميسر جاء عن الآية السابقة :
من اهتدى فاتبع طريق الحق فإنما يعود ثواب ذلك عليه وحده، ومن حاد واتبع طريق الباطل فإنما يعود عقاب ذلك عليه وحده، ولا تحمل نفس مذنبة إثم نفس مذنبة أخرى. ولا يعذب الله أحدًا إلا بعد إقامة الحجة عليه بإرسال الرسل وإنزال الكتب.

 

 

4- التشريع في الإسلام

 

الإسلام دين و دولة *

كما تكلم الإسلام عن الله والملائكة والأنبياء والجنة والنار والعبادات وغيرها من شئون الدين تكلم كذلك عن البيع والشراء والزواج والطلاق والميراث وغيرها من شئون الدنيا, ووضع الإسلام لهذه وتلك القوانين والنظم , وألزم المسلمين بإتباعها وحدد عقوبة المخالفين والعصاة تحديدا" مفصلا" أو تحديدا" مجملا" وترك تفصيله لاجتهادات أئمة المسلمين. "

 

* الإسلام. د. أحمد شلبي. ص 246"

 

التشريعات الإسلامية  تشريعات ربانية **

 

والتشريعات الإسلامية لضبط الحياة الفردية والأسرية, والاجتماعية والدولية .
تشريعات ربانية في أسسها ومبادئها وأحكامها الأساسية, التي أراد الله أن ينظم بها سير القافلة البشرية, ويقيم العلاقات بين أفرادها و جماعاتها عل أمتن القواعد و أعدل المبادئ بعيدا" عن القصور البشري .
وكانت هذه هي الميزة الأولى للتشريع الإسلامي على ما سواه من التشريعات قديمها وحديثها , شرقيها وغربيها , ليبراليها واشتراكيها. فهو التشريع الفذ في العالم الذي أساسه وحي الله و كلماته المعصومة من الخطأ , المنزهة عن الظلم .

 

وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [الأنعام : 115]

 

وبهذا تقرر في الأصول الإسلامية أن المشرع الوحيد هو الله.
فهو الذي يأمر وينهي , ويحلل ويحرم, ويكلف ويلزم بمقتضى ربوبيته وألوهيته وملكه لخلقه جميعا", فهو رب الناس , ملك الناس , إله الناس , له الخلق والأمر, له الملك والحكم.

 

وليس لأحد غيره حق التشريع المطلق , إلا من أذن الله فيه مما ليس فيه نص ملزم , فهو في الحقيقة مجتهد أو مستنبط أو مقنن. وليس مشرعا" أو حاكما".

حتى الرسول عليه الصلاة والسلام نفسه لم يكن مشرعا" , وإنما وجبت طاعته,لأنه مبلغ عن الله تعال , فأمره من أمر الله :  مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ .. الآية [النساء : 80] .

 

** الخصائص العامة للإسلام. د.يوسف القرضاوي. ص40-41 باختصار)

 

الإعجاز الفكري ***

كتب الدكتور أحمد شلبي :

قال لي زميل بجامعة كمبريدج : قدم لي الإسلام وأثبت لي أنه رسالة من عند الله.

قلت:  محمد ( عليه الصلاة و السلام ) رجل أمي , لم يعرف القراءة ولا الكتابة وبيئته كذلك محدودة الثقافة و لكن رجلا" كهذا  جاء بنظام للميراث عاش أربعة عشر قرنا" من الزمان وقورن بأفكار البشر في رحلته الطويلة , ولكنه رجحها ولا يزال يرجحها , تعال معي نقارنه بالنظام الإنجليزي الذي يعطي الميراث للابن الأكبر و يدع الباقيين وتعال نقارنه بالنظم التي تعطي البنين وتحرم البنات كما كان متبعا" عند العرب وسكان شمال أفريقيا, وتعال نقارنه ببعض النظم التي تجعل الميراث لأبن الخالة الكبرى وتحرم من سواها, كبعض الأنحاء في إندونيسيا , تعال نقارنه بالنظم القديمة والحديثة وسنجده يفوق الجميع وباعتراف المفكرين المخلصين.

هذه واحدة ¸ وجاء هذا الرجل بنظام للزواج , وبنظام للطلاق , و نظام للرق , ونظام للعبادات , ونظام للسياسة , ونظام للاقتصاد , وتنظيم للحرب , ولما بعد الحرب من مشكلات , وتنظيم لغير المسلمين في المجتمع الإسلامي , وتحدث هذا الرجل عن الله وما هو الله في التفكير الإسلامي وتحدث عن ماوراء الكون فجلى هذه النقاط.

قلت لمحدثي : ترى أيمكن أن تكون كل هذه الأشياء من صنع محمد عليه الصلاة والسلام. ؟؟!!

***(( الدكتور أحمد شلبي ."بتصرف" . الإسلام ص 62-63 ))


مصادر التشريع ****

من مظاهر الوضوح في النظام الإسلامي أن له مصادر محددة بينة , تستقى منها فلسفته النظرية وتشريعاته العملية.
فالمصدر الأول هو كتاب الله : القرآن , الذي :(.. كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) [هود : 1]

والمصدر الثاني : سنة محمد عليه الصلاة والسلام .

وتعني ما ثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم من قول أو فعل أو تقرير. فهذه السنة هي الشرح النظري , والتطبيق العملي , للقرآن الكريم. فأعظم تفسير لكتاب الله يتجلى في سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام وفي حياته الحافلة وسنته الشاملة .
بقول الله تعالى  لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب : 21]

ومما يلحق بهذه السنة كذلك سنة الخلفاء الراشدين المهديين بعد محمد عليه الصلاة والسلام , الذين نشأوا في حجر النبوة, ونهلوا من معين الرسالة , فما أثر عنهم مما اتفقوا عليه جميعهم , أو عن طائفة ولم ينكره عليهم أصحابهم , فهو سنة يقتدى بها.  كما جاء بالحديث عن الترمذي وأبي داود.

" عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي, عضوا عليها بالنواجذ"

وما عدا ذلك فكل واحد يأخذ من كلامه ويترك, لا عصمة لمجتهد , وإن علا كعبه في العلم والتقوى . وهو على أي الحالين – أصاب أو أخطأ – غير محروم من الأجر , إن أصاب له أجران وإن أخطأ فله أجر.

****(خصائص الإسلام – د.يوسف القرضاوي ص 181-182. باختصار)

 

 

 ونختم بقول  " كارليل " الإنكليزي في كتابه ( الأبطال):

من العار أن يصغي الإنسان المتمدن من أبناء هذا الجيل إلى وهم القائلين أن دين الإسلام دين كذب .وأن محمداً لم يكن على حق : لقد آن لنا أن نحارب هذه الادعاءات السخيفة المخجلة – فالرسالة التي دعا إليها هذا النبي ظلت سراجاً منيراً أربعة عشر قرناً من الزمن لملايين كثيرة من الناس- فهل من المعقول أن تكون هذه الرسالة التي عاشت عليها هذه الملايين ، وماتت أكذوبة كاذب أو خديعة مخادع ؟! لو أنة الكذب والتضليل يروجان عند الخلق هذا الرواج الكبير لأصبحت الحياة سخفاً ، وعبثاً .وكان الأجدر بها أن لا توجد.

إن الرجل الكاذب لا يستطيع أن يبني بيتاً من الطوب لجهله بخصائص البناء، وإذا بناه فما ذلك الذي يبنيه إلا كومة من أخلاط هذه المواد –فما بالك بالذي يبني بيتاً دعائمه هذه القرون العديدة وتسكنه مئات الملايين من الناس.

وعلى ذلك فمن الخطأ أن نعد محمداً كاذباً متصنعاً متذرعاً بالحيل والوسائل لغاية أو مطمع …فما الرسالة التي أداها إلا الصدق والحق وما كلمته إلا صوت حق صادر من العالم المجهول وما هو إلا شهاب أضاء العالم أجمع .ذلك أمر الله ن وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء .

 

 

قال الله تعالى :
يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُواْ خَيْراً لَّكُمْ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً [النساء : 170].

 

 

عوده