أبو كريفا

 

يطلق اسم " أبو كريفا" على مجموعة من الكتابات الدينية التي اشتملت عليها الترجمتان السبعينية والفولجاتا ( مع اختلافات لا تذكر ) زيادة على ما في الأسفار القانونية عند اليهود وعند البروتستنت . ولكن ليس هذا هو المعنى الأصلي أو الصحيح . للكلمة - كما سنرى فيما بعد - وإن كان هذا هو مفهومها الجاري الآن .

 

ويطلق النقاد في العصر الحاضر على مجموعة هذه الكتابات اسم " أبو كريفــــــــا العهد القديم " ، لأن بعض هذه الكتب على الأقل كتب باللغة العبرية - لغة العهد القديم - كما أنها جميعها أكثر انتماء إلى العهد القديم منها للعهد الجديد ، ولكن توجد أيضاً أسفار أبو كريفا للعهد الجديد من أناجيل ورسائل إلخ .

 

كما أن كلمة" ابو كريفا " كثيراً ما تطلق الآن على ما يسمى " بالكتابات المزيفة " وسميت هكذا لأنها تنسب إلى كتَّاب لا يمكن أن يكونوا قد كتبوها حقيقــــــــــــــة ( مثل أخنوخ ، إبراهيم ، موسى .......  إلخ ) ، فهذه الشخصيات المنسوبة إليها هذه الكتب من أشهر الشخصيات في تاريخ إسرائيل ، ولا شك في أن الهدف من نسبتها إليهم هو لإضفاء أهمية وأصالة عليها .

 

الأسم أبو كريفا : عندما أطلقت كلمة " أبو كريفا " على الكتابات الدينية ، كانت تحمل معنى أنها قاصرة على دائرة معينة ضيقة ، لايمكن لمن هم خارج هذه الدائرة أن يفهموها .

فالكلمة بمعنى " خفي - غامض - مبهم - عويص " .

 

كان هناك نوعان من المعرفة عند اليونانيين القدماء : النوع الأول يشمل عقائد وطقوساً عامة لكل الناس ، أما النوع الثاني فكان يشمل عقائد وطقوساً غامضة عويصة لا يفهمها إلا فئة متمَّيزة خاصة ، ولذلك بقيت " مخفية " عن العامه . ثم أطلقت كلمة " أبو كريفا " في العصور المسيحية على بعض الكتابات غير القانونية في العهد القديم ، وكذلك في العهد الجديد ، وبخاصة الكتابات التي تشتمل على " رؤى " تتعلق بالمستقبل والانتصار النهائي لملكوت الله إلخ ، إذ أنها أمور تسمو عن فكر البشر وحكمة " المطلعين " .

 

والمسيحية ليس فيها شيئ من هذا القبيل ، فلا يوجد فيها شيء للعامة وشيء آخر  للخاصة المتميزة ، فالإنجيل - منذ أيامه الأولى - يكّرز به للفقراء والجهلاء والأغنياء والحكماء ، كما أن الكتب المقدسة كانت تقرأ في الكنائس على مسامع الجميع  . وكان جيروم ( توفي حوالي 420 م ) وكيرلس الأورشليمي ( توفي حوالي 386 م ) هما أول من أطلق لفظ " أبو كريفا " على ما جاء في الترجمة السبعينية زيادة عما في الأسفار العبرية القانونية .

 

ويمكن أن نفهم كيف بدأت مثل هذه الكتابات في الكنيسة الشرقية ، متى علمنا أن كثيرين من أتباع  الفلسفة اليونانية ، قبلوا  الإيمان المسيحي ، وكان من الطبيعي أن ينظروا إليه من خلال الفلسفة القديمة . وقد رأى الكثيرون منهم بعض المعاني الصوفية في الأسفار القانونيــــة ، فضمنوا هذه المعاني كتباً خاصة موجهة لفئة متميزة . وعلى نفس هذا المنوال نشأ بين اليهود - بجانب الناموس المكتوب - ناموس  شفهي يتضمن  تعاليم معلمي  اليهود ، التي وضعوها في مرتبة أعلى من سائر الكتب . وقد يجد الإنسان شبيهاً لذلك في نظرة بعض أتباع الطوائف المختلفة إلى مؤلفاتهم الخاصة واعتبارها ملزمة لهم أكثر من الكتاب المقدس نفسه .

 

وقد ساعد على حركة تأليف مثل هذه الكتب ، المذاهب الغنوسية وتعاليمها السرية للخاصة . وقد تأثر هؤلاء  الغنوسيون بالصوفية البابلية والفارسية وكتاباتها . ويذكر أكليمندس الإسكندري ( توفي 220 م ) أسماء بعض الكتب السرية للديانة الزرادشتية ، ولعله أول من أطلق لفظ " أبو كريفا" على هذه الكتابات الزرادشتية ، فالمسيحية الشرقية وبخاصة اليونانية نزعت إلى إعطاء الفلسفة المكانة التي يعطيها العهد الجديد والمسيحية الغربية للعـــهد القديم ، ففي ظنهم أن الفلسفة مهدت لديانة المسيح أكثر مما مهد العهد القديم .

 

ثم أصبحت كلمة " أبو كريفا " تعني كتباً أقل قيمة وأضعف سلطاناً من أسفار العهدين القديم والجديد . وقد حدث هذا لسببين : (1) أنه لا يمكن أن يكون قد أوحي لكاتب ممن عاشوا بعد عهد الرسل . (2) لايمكن أن يعتبر أي كتاب قانونياً إلا إذا كانت قد قبلته كل الكنائس . وبذلك اعتبرت الكتابات التي ظهرت في نهاية القرن الثاني وأطلق عليها " أبو كريفا " - للحط من قدرها - أنها نبعت أساساً من المذاهب الهرطوقية مثل الغنوسيين ، ولم تحظ قط بالقبول لدى مجموع الكنائس . فيقول أوريجانوس ( توفي  253 م )  ، إنه يجب أن نفرق بين الكتب المسماة " أبو كريفا" ، فالبعض منها يجب رفضه كلية لأنه يحوي تعاليم تناقض تعليم الكتاب ، وهكذا نجد أنه من نهاية القرن الثاني ، أصبحت كلمة " أبو كريفا" تطلق على ماهو زائف وتافـــه ، ويخاصة الكتابات التي تنسب لأناس  لم يكتبوها .

 

ويعارض إيريناوس ( توفي 202 م ) أكليمندس الإسكندري فيرفض أن يكون للكتابات السرية أي اعتبار  ، وكان يعتبر ( وكذلك جيروم فيما بعد ) أن كلمتي " قانونية " و " أبو كريفا " على طرفي نقيض . كما أن ترتليان ( توفي 230 م )  كانت له نفس النظرة ، فكلمة أبو كريفا كانت تعني عنده الأسفار  غير القانونية .

 

وفي القرون الأولى كانوا يقسمون هذه الكتب إلى ثلاثة أقسام : (1) كتب يمكن قراءتها في الكنيسة . (2) كتب يمكن قراءتها على انفراد ولكن ليس في الاجتماعات . (3) كتب يجب ألا تقرأ إطلاقاً .  وقد أطلق أثناسيوس ( توفي 373 م ) كلمة أبو كريفا على هذا القسم الثالث وجعلها مرادفة لكلمة " مزيفة " .

 

والخلاصة هي :

1- في الكتابات  الكلاسيكية ، الهيلينية ، كانت كلمة أبو كريفا تدل على معنى " خفي أو غامض أو عسر الفهم " .

2- في بداية عصر الآباء ، كانت كلمة أبو كريفا مرادفة لكلمة كتابات للخاصة أي لفئة معينة متميزة .

3-في العصور التالية لذلك ، كانت تستخدم في اليونانية ( مثل إيريناوس وغيره ) وفي اللاتينية ( جيروم ومن بعده ) بمعنى " غير قانوني " أي أنها دون الأسفار القانونية .

4-تطلق كلمة أبو كريفا - عند الكنائس البروتستنتية - على الكتب الموجودة في الترجمات السبعينية والفولجاتا ، ولكنها لا توجد في الكتاب المقدس العبري .

5-لا يوجد مرادف لكلمة " أبو كريفا" في العبرية بمعنى الكتابة للخاصة أو الكتابة غير القانونيـــة  .

 

و,اسفار الأبوكريفا  للعهد القديم ، تشمل :

أ‌-    أسفار تاريخية وهي : ( 1 ) أسدراس الأول والثاني .  ( 2 ) المكابيين الأول والثــــــــــــاني . ( 3 ) إضافات لسفر دانيال ( هي : نشيد الفتية الثلاثة - قصة سوسنة - قصـــة بعل والتنين ) .  ( 4 ) تكملة سفر أستير . ( 5 ) رسالة إرميا ( وتلحق عادة بسفر بـاروخ ) . ( 6 ) صلاة منسى .

ب‌- أساطير : (1) سفر باروخ ( وتارة يلحق بالإسفار النبوية ، وتارة أخــرى بالرؤى ) ، ( 2) طوبيا . ( 3 ) يهوديت .

ج- أسفار  رؤوية : (1) أسدراس الثاني أو رؤيا أسدارس .

د- أسفار تعليمية : (1) حكمة سليمان . (2) يشوع بن سيراخ .

 

وسيأتي الكلام عن كل سفر منها في  موضعه .

 

اللغة الأصلية للأبوكريفا : كتب الجزء الأعظم من الأبوكريفا في اللغة اليونانية أصلاً ، ولكن أسفار طوبيا ويهوديت ويشوع بن سيراخ والمكابيين الأول يظن أنها كتبت أصلاً بالعبرية أو بالحري بالأرامية ، وترجمت لليونانية .

 

تاريخ كتابتها : وسيأتي الكلام عن تاريخ كل سفر في موضعه ، ولكن بوجه عام فإن فترة كتابة هذه الأسفار يمكن تحديدها ، فأقدمها سفر يشوع بن سيراخ ترجع كتابته بالعبرية إلى 190 - 170 ق.م ، أما ترجمته لليونانية فإلى 130 - 120 ق.م. ولا تتأخر كتابة أي سفر من سائر الأسفار الأبوكريفا للعهد القديم عن 100 م ، أي أنه يمكن أن يقال بحق إن أسفار الأبوكريفا كتبت فيما بين 200 ق.م - 100 م .  ولذلك فلها أهميتها في معرفة أخبار اليهود وأحوالهم الدينية والثقافية في تلك الفترة .

 

 

 

 

الأبو كريفا - أسفار الأعمال :

 

كما ظهرت الكتابات الأبوكريفية في اليهودية ، هكذا بدأ في الدوائر المسيحية - وبخاصة الغنوسية - ظهور هذه الكتابات التي زعموا أنها تحتوي على حقائق المسيحية الأعمق ، وأنهم تسلموها كتقليد سري من المسيح المقام ومن رسله . وهي جميعها مزيفة وهرطوقية وعندما بدأ ظهور مفهوم الكنيسة الجامعة ، كان لابد أن ينظر إلى هذه الكتابات السرية بعين الريبة ، فمنعت منعاً باتاً ، ليس فقط لأنها  شجعت  روح الانقسام في الكنيسة لكن لأنها كانت عاملاً على نشر الهرطقات . وهكذا أصبحت كلمة " أبو كريفا" تعني " زائفاً وهرطوقياً " ، وقد استخدمها بهذا المعنى إيريناوس وترتليان كما سبق القول .

 

ورغم أنها لم توسم جميعها بالهرطقة ، فقط اعتبرت غير لائقة للقراءة في اجتماعات العبادة ، وإن كان البعض منها يمكن قراءته على انفراد . وبتأثير جيروم اتسع معنى كلمة " أبو كريفا " لتشمل مثل هذه الكتابات التي لاتعترف الكنيسة بها أسفاراً قانوينة رغم عدم احتوائها على تعليم هرطوقي .

 

وتطلق كلمة " أبو كريفا " بهذا المعنى الواسع على " أسفار الأعمال " الأبو كريفية ، ومع أن هذه الأسفار نشأت أصلاً في أوساط ذات نزعات هرطوقية ، إلا أن نعتها بالأبوكريفية لا يعني سوى أنها استبعدت من الأسفار القانونية للعهد الجديد ، لأن الكنيسة لم تعترف بصحتها وسلامة مصادرها . وهذا مايجعلنا نقصر بحثنا على أسفار الأعمال التي تنتمى للقرن الثاني ، والذي فيه كان سفر الأعمال الكتابي قد أخذ موضعه في العهد الجديد .

 

أولاً - صفاتها العامة : والأعمال الأبو كريفية تزعم أنها تقدم تفاصيل أكثر مما في سفر الأعمال الكتابي ، عن أنشطة الرسل . والزيادات التي فيها مصبوغة بالمبالغات والتهاويل ، وتنم عن نزعة غير سليمة لإختراع الخوارق ، فهي مملوءة بالروايات الغريبة التي اختلقها خيال جامح ، فهي خالية من اللباقة ، بعيدة كل البعد عن الحقيقة ، وهي تصور الرسل في مستوى أعلى من مستوى البشر ، والضعفات البشرية التي تسجلها لهم الأسفار القانونية تختفي تماماً ، فهم يسيرون في العالم كرجال ملمين تماماً بكل أسرار السماء والأرض ، ويمتلكون قدرات لا حدود لها ، فلهم القدرة على الشفاء وإخراج الشياطين وإقامة الموتى . ومع أن هذه الأفعال العجيبة كثيراً ماكانت تحدث ، إلا أن هذه الأسفار تروي معجزات أتاها الرسل تذكرنا بالخوارق اللامعقولة عن طفولة يسوع المذكورة في إنجيل توما ، مثل جعل سمكة مشوية تعوم ، أو تمثال مكسور يصبح سليماً بواسطة رشه بمياه مقدسة ، أو طفل ذي سبعة شهور يتكلم بصوت رجل بالغ ، أو أن تصبح الحيوانات قادرة على الكلام بلغة بشرية .

 

الخوارق : والصفة الرومانسية للأعمال الأبو كريفية تظهر بشدة في ابتدائها - في أغلب الأحيــان - بالخوارق ، فيظهر الملائكة في رؤى أو أحلام ، وتُسمع أصوات من السماء ، وتهبط السحب لستر الأمناء في وقت الخطر ، كما تفتك الصواعق  بأعدائهم ، وقوات الطبيعة المخيفة من زلازل ورياح ونيران تبعث الرعب في قلوب الفجار .

 

والسمة البارزة في الأعمال أبو كريفية هي ظهور المسيح بأشكال متعددة ، فمرة يظهر في هيئة رجل عجوز ، ومرة في هيئة فتى ، ومرة أخرى في هيئة طفل ، ولكن الأغلب أن يظهر في صورة هذا الرسول أو ذاك ( من الغريب أن أوريجانوس يذكر تقليداً كان شائعاً في عهده بأن يسوع كانت يستطيع في حياته أن يغير شكله وقتما وكيفما يشاء ، ويقول إن هذا كان السبب في ضرورة قبلة يهوذا الخائن - انظر مرقس  16 : 9 و 12 ) .

 

الزهد الجنسي : ويجب أن لا يُفهم مما سبق أن الأعمال الأبوكريفية بما تحفل به من الإسراف في الروايات الرومانسية وتفاصيل الخوارق ، كان الهدف الوحيد منها هو تعظيم الرسل وإشباع الرغبة السائدة في العجائب ، بل كان لها غاية عملية هي إثبات وإشاعة نوع من المسيحية يُنادي بالإمتناع  الصارم عن العلاقات الجنسية كالمطلب الأدبي الأساسي . فهذا الزهد الجنسي هو الموضوع الرئيسي في هذه الأعمال . فكفاح الرسل واستشهادهم إنما حدث نتيجة كرازتهم بوجوب طهارة الحياة الزوجية ، ولنجاحهم في إقناع الزوجات بتجنب مخالطة أزواجهن . فكل أسفار الأعمال الأبوكريفية تتخللها فكرة أن الإمتناع عن الزواج هو أسمى شرط للدخول إلى الحياة الفضلى وربح السماء . فالإنجيل في جانبة العملي ( على حد العبارة البليغة في أعمال بولس ) هو " كلمة الله بخصوص ضبط النفس والقيامة " .

 

التعاليم الهرطوقية : وعلاوة على هذه الصبغة التقشفية ، فإن الأعمال الأبو كريفية لا تخلو من هرطقات ، فجميعها - باستثناء أعمال بولس - تمثل فكراً دوسيتيا أي أن حياة المسيح على الأرض لم تكن إلا خيالاً غير حقيقي . وتبرز هذه الفكرة بشدة في أعمال يوحنا حيث نقرأ فيها أن يسوع عند  سيره لم تكن أقدامه تترك أثراً ، وأنه عندما كان الرسول يحاول أن يمسك بجسد المسيح كانت يده تخترق الجسد بلا أي مقاومة ، وأنه بينما كانت الجموع تحتشد حول الصليب ويسوع معلق عليه أمام أنظار الجميع ، كان السيد نفسة يتقابل مع تلميذه يوحنا على جبل الزيتون ، فلم يكن الصلب إلا منظراً رمزياً ، فالمسيح  تألم ومات في الظاهر فقط . وارتبطت بهذه الأفكار الدوسيتية أفكار انتحالية ( مودالزم ) ساذجة لا تفرق بين الآب والابن .

 

المشاعر الدينية : بالرغم من هذا الإنطباع السيء الذي يخلقة هذا الطوفان من تفاصيل الخوارق والتهاويل ، وبالرغم من الجو السائد للزهد الجنسي والمفاهيم العقائدية الخاطئة ، فإن  الإنسان لا يسعه - أمام كثير من الأجزاء منها - إلا أن يحس بنشوة الحماس الروحي ، وبخاصة في أعمال يوحنا وأندراوس وتوما حيث توجد أجزاء  ( أناشيد وصلوات ومواعظ ) تبلغ أحياناً حد الروعة والجمال الشعري وتتميز بدفء ديني  وحماسة صوفية وقوة أدبية . فالمحبة الصوفية للمسيح - رغم أنها كثيراً ماارتدت فكراً غنوسياً - ساعدت على تقريب المخلص للناس بإشباع أعمق اشواق النفس للخلاص من سلطان الموت المظلم . فالخرافات الباليةوبقايا الوثنية الظاهرة ، يجب ألا تعمي أبصارنا عن أن في هذه الأعمال الأبوكريفية - رغم التشويه الشديد - صوراً للعقائد المسيحية في تلك العصور . وأن كثيرين من الناس تثبت إيمانهم بقوة المسيح المخلص من خلالها .

 

أصلها : هناك دوافع كثيرة وراء ظهور كتب مختلفة عن حياة وأعمال الرسل :

1- التقدير الكبير للرسل كمستودع للحق المسيحي : ففي العصر الرسولي كان السلطان الوحيد - بعد أسفار العهد القديم - بين الجماعات المسيحية هو " الرب " نفسه ، ولكن بعد أن انتهت هذه الفترة الخصبة وأصبحت ماضياً ، أصبح الرسل " الاثنا عشر ومعــهم الرسول بولس ) هم المرجع بعد المسيح لضمان استمرارية أسس الإيمان ، فقد أخذوا وصايا الرب عن طريقهم ( 2 بط 3 : 2 ) ، فنجد أغناطيوس في رسائله ، يعطي الرسل مكانة سامية كرسل المسيح ، فكل ماله سند رسولي كان معتمداً عند الكنيسة ، وكان سلطان الرسل معترفاً به في كل العالم ، فقد ذهبوا إلى كل العالم للكرازة بالإنجيل ، فبناء على الأسطورة التي جاءت في بداية أعمال توما ، قسم الرسل مناطق العالم فيما بينهم  . وكانت النتيجة الحتمة للمكانة الرفيعة التي وضعوا فيها الرسل ، كمعاقل الحق المسيحي ، أن زاد الاهتمام بالقصص المتناقلة عن أعمالهم ، والحاجة إلى مضاعفة الكتب التي تقدم تعاليمهم بكل تفصيل .

 

2- الفضول  : فسفر أعمال الرسل القانوني لم يعتبر كافياً لإشباع الرغبة في معرفة حياة الرسل وتعاليمهم ، فبعض الرسل قد تجاهلهم سفر الأعمال ، كما أن المعلومات عن بطرس وبولس لا تزيد عن لمحات من أحداث حياتهما . وفي مثل هذه الظروف تصبح أي معلومات غير موجودة في سفر الأعمال القانوني ، مطلوبة بشدة . وحيث أن التاريخ الصحيح لكل رسول من الرسل كان قد لفه الغموض ، اخترعت الأساطير لإشباع الفضول النهم . والسمة البارزة في هذه القصص المخترعة ، هي الشهادة عن المستوى البالغ الرفعة الذي وصل إليه تقدير الرسل في فكر الشعب .

 

3-الرغبة في السلطان الرسولي : كما حدث في الأناجيل الأبوكريفية ، كذلك كان الدافع إلى تزايد الروايات المنسوجة حول الرسل ، هو الرغبة في إضفاء أهميةكبيرة على بعض المفاهيم المتعلقة بالحياة ، والتعاليم المسيحية التي سادت بعض الدوائر ، وذلك بنسبها إلى الرسل . فبجانب الصورة الصحيحة للمسيحية والمعترف بها عند الجميع ، وجدت - وبخاصة في أسيا لاصغرى - مسيحية شعبية بأنماط منحرفة للحياة ، فمن الجانب  العملي ، نظروا إلى المسيحية كنظام للتقشف لا يشمل الامتناع  عن الأطعمة الحيوانية والخمر فحسب ، بل أيضاً وأساساً الامتناع عن الزواج ، فكانت البتولية هي المثل الأعلى  للمسيحية ، وكان الفقر والأصوام أموراً ملزمة للجميع . وتسود هذه الروح كل أسفار الأعمال الأبو كريفية . والخطة الواضحة فيها هي تأكيد ونشر هذا النموذج التقشفي ، بإظهار أن الرسل كانوا يدافعون بحماس عنه ، كما أن الطوائف الهرطوقية استخدمتها وسيلة لنشر عقائدها الشاذة ، وسعوا لاستبدال تعليم الكنيسة الجامعة النامية ، بتعاليم غريبة ادعوا أنها تعاليم رسولية .

 

4-مكانة الكنائس المحلية : كان هناك سبب جانبي لتلفيق هذه الأساطير عن الرسل ، وهو رغبة بعض الكنائس في وجود سند لما تدعيه من أن مؤسسها هو أحد الرسل ، أو أنها كانت على صلة  بهم . وفي بعض الحالات كان ما يقولونه عن دائرة خدمة أحد الرسل ، له سند صحيح ، ولكن في حالات أخرى ، هناك دلائل قوية على أنها مجرد اختلاق لإعطاء مكانة بارزة لكنيسة محلية .

 

ثانيا - مصادرها :

1- سفر الأعمال الكتابي : فيمكن عموماً القول بأن أسفار الأعمال الأبو كريفية مملوءة بالتفاصيل الأسطورية ، وقد بذلت في اختلاقها كل الجهود للإيحاء بصحتها التاريخية  ، فإنها كثيراً ما تذكر أحداثاً وردت في سفر  الأعمال الكتابي ، فالرسل يلقون في السجون  ويخرجون منها بمعجزة ، والذين يتجددون يستضيفون الرسل في بيوتهم ، ويتكرر وصف عشاء الرب بأنه " كسر الخبز " ( أع 2 : 42 و 46 ) بصورة تلائم أغراضهم ، حيث لايرد ذكر للخمر في صنع العشاء الرباني .

 

وفي أعمال بولس ، واضح أن المؤلف ، استخدم سفر الأعمال الكتابي كإطار لروايته ، وذلك لإضفاء صبغة الصحة التاريخية على هذه التلفيقات المتأخرة ، لكي تنال قبولاً لدى القاريء . واستنادهم الواضح على سفر الأعمال الكتابي دليل قوي على أنه كان له اعتباره السامي الرفيع في الوقت الذي كتبت فيه هذه الأسفار الأبو كريفية .

 

2- التقاليد : فهذه الصبغة الأسطورية لأسفار الأعمال الأبو كريفية ، لا تمنع احتمال صحة بعض التفاصيل في الزيادات عما في سفر الأعمال الكتابي ، فلا بد أنه كانت هناك تقاليد كثيرة عن الرسل - لها أساس تاريخي صحيح - احتفظت بها الجماعــات المسيحية . ولا بد أن بعض هذه التقاليد وجدت لها مكاناً في كتابات ، كان بعض أهدافها - على الأقل - إشباع الفضول العام لمعرفة أشمل عن الرسل . ويقيناً يوجد شيء من الحقيقة التاريخية بين طيات قصة بولس وتكلة ( أعمال بولس ) ، فوصف شكل بولس الوارد في هذه القصة ، من المحتمل جداً أن يكون له أساس تاريخي صحيح ، ولكن يجب القول بأن دلائل وجود تقاليد يعتمد عليها ، ضئيلة جداً ، فالبذور  القليلة من الحقيقة التاريخية ، مدفونة في أكوام من الأساطير التي لا شك في زيفها .

 

3-أدب الرحلات : ومع وجود هذا الارتباط بين أسفار الأعمال الأبوكريفية وبين سفر الأعمال الكتابي  ، ورغم وجود بعض التقاليد الصحيحة بين طياتها ، إلا أنه مما لا شك فيه أنها في مجموعها من اختراع الروح الهيلينية التي تجد لذتها في الخوارق والمعجزات  . وأكثر صور الأدب ، التي تكاد تترك طابعها على كل صفحة من أسفار الأعمال الأبوكريفية ، هي الكتابات الرومانسية عن الرحلات . وأكبر مثل للروايات  الخيالية ، حياة الكارز الفيثاغوري صانع المعجزات ، أبولونيوس من تيانا المتوفي في ختام القرن الأول ، والأعمال العجيبة التي يقال إنه كان يعملها في أثناء  تجواله والتي نقلت - بشكل أقل إثارة - إلى غيرة من المعلمين . وفي هذا الجو من الخيالات ، ولدت أسفار الأعمال الأبو كريفية . فأعمال توما تذكرنا بقصة أبولونيوس ، فكما ذهب توما إلى الهند ، هكذا ذهب أبولونيوس فيثاغورس إلى الهند ، بلاد العجائب ، وهناك كرز " بحكمة معلمه " .

 

 

4-الشهادة الكنسية :يبدو من إشارة كاتب الوثيقة الموراتورية ( بيان بالأسفار المعترف بها في الكنيسة في حوالي 190 م ) إلى سفر الأعمال الكتابي ، أنه ربما كان يشير إلى سفر آخر للإعمال ، فهو يقول : " أعمال كل الرسل موجودة في كتاب واحد ، فقد كتبها لوقا ببراعة لثاوفيلس ، في حدود ما وقع منها تحت بصره ، كما يظهر ذلك من عدم ذكره شيء  عن استشهاد بطرس أو رحلة بولس من روما لأسبانيا " .

 

وفي القرن الثالث نجد تلميحات خاطفة لبعض أسفار الأعمال الأبو كريفية ، ولكن في القرن الرابع كثرت الإشارات إليها في كتابات الشرق والغرب على السواء . وسنذكر هنا أهم هذه الإشارات :

 

1- شهادة كتاب الشرق : أول كتاب الشرق الذين ذكروا صراحة الأعمال الأبو كريفية ، هو يوسابيوس ( المتوفي في 340 م ) ، فهو يذكر " أعمال أندراوس وأعمال يوحنا وأعمال الرسل الآخرين " ، وكانت من الهوان بحيث لم يحسب أي كاتب كنسي أنها أهلاً لأن يستشهد بها ، فأسلوبها وتعليمها ينمان بكل وضوح عن مصدرها الهرطوقي ، لدرجة تمنع من وضعها حتى بين الكتب الزائفة ، بل رفضوها تماماً باعتبارها سخيفة وشريرة . ويصرح أفرايم ( المتوفي 373 م)بأن أسفار الأعمال كتبها الباردسانتيون لينشروا باسم الرسل ما  هدمه الرسل أنفسهم . ويكرر أبيفانيوس ( حوالي 375 م ) الإشارة إلى أسفار أعمال كانت تستخدم بين الهراطقة . ويعلن أمفيلوكيوس من أيقونية ، وكان معاصراً لأبيفانيــوس ، أن كتابات معينة كانت تنطلق من دوائر الهراطقة وهي " ليست أعمال الرسل ، بل روايات شياطين " . كما أن مجمع نيقية الثاني ( 787 م ) يحتفظ لنا بعبارة أمفيلوكيوس آنفة الذكر ، وقد بحث موضوع الكتابات الأبوكريفية ، وبصورة خاصة أعمال يوحنا - التي كان يستند إليها معارضو الأيقونات - وقد وصفــــــــــها المجمع بأنها " الكتاب المقيت " وأصدر ضده هذا القرار : " لا يقرأه أحد ، وليس ذلك فقط ، بل نحكم بأنه مستحق أن يلقى طعاماً للنيران " .

 

5-شهادة الغرب : وتكثر الإشارات إلى هذه الأعمال منذ القرن الرابع ، فيشهد فيلاستريوس من برسكيا ( حوالي 387 م ) بأن الأعمال الأبو كريفية كانت مستخدمة عند المانيين ، ويقول إنها وإن كانت لا تليق قراءتها للجمهور ، إلا أن القاريء الناضج  يمكن أن يستفيد منها . وسبب  هذا الحكم المنحاز  يكمن في النزعة التقشفية في هذه الأعمال ، والتي كانت تتمشى مع الاتجاه السائد في الغرب في ذلك الوقت . ويشير أوغسطينوس مراراً إلى الأعمال الأبوكريفية بأنها كانت تستخدم  عند المانيين ووصمها بأنها من تأليف " ملفقي الخرافات " . لقد قبلها المانيون واعتبروها صحيحة ، وفي هذا يقول أوغسطينوس : "لو أن الناس الأتقياء المتعلمين الذين عاشوا في زمن مؤلفيها ، وكانوا يستطيعون الحكم عليها ، قد أقروا بصحتها ، لقبلتها سلطات الكنيسة المقدسة " . ويذكر أوغسطينوس أعمال يوحنا  وأعمال توما بالاسم ، كما أنه يشير إلى أن ليوسيوس هو مؤلف الأعمال الأبوكريفية . ويذكر تريبيوس ، من استورجا ، أعمال أندراوس وأعمال يوحنا وأعمال توما وينسبها للمانيين . ويندد  تريبيوس ، بالتعليم الهرطوقي في أعمال توما عن المعمودية بالزيت عوضاً عن المـــاء ، ويدين هذه الهرطقة . ويذكر أن ليوسيوس هو مؤلف أعمال يوحنا  . كما أن المرسوم الجلاسياني يدين أعمال أندراوس وتوما وبطرس وفيلبس وينعتها بأنه أبو كريفية . ونفس هذا المرسوم يدين أيضاً " كل الكتب التي كتبها ليوسيوس تلميذ الشيطان " .

 

6-فوتيوس : أما أكمل وأهم الإشارات إلى الأعمال الأبوكريفية فهي ما جاء بكتابات فوتيوس بطريرك القسطنطينية في النصف الثاني من القرن التاسع ، ففي مؤلفـــــــــــــــــــه " ببليوتيكا " تقرير عن 280 كتاباً مختلفاً قرأها في أثناء إرساليته لبغداد ، وكان بينها كتاب " يقال عنه تجولات الرسل الذي يشتمل على أعمال بطرس ويوحنا وأندراوس وتوما وبولس . ومؤلفها جميعاً - كما يعلن الكتاب نفسه بكل وضوح - هو ليوسيوس كارنيوس " . ولغتها خالية تماماً من النعمة التي تتميز بها الأناجيل وكتابات الرسل ، فالكتاب غاص بالحماقات والمتناقضات ، وتعليمه هرطوقي ، وبخاصة أنه يعلم بأن المسيح  لم يصبح مطلقاً إنساناً حقيقياً ، وأن المسيح لم يصلب بل صلب إنسان آخـــر مكانه ، وأشار إلى تعليم التقشف والمعجزات السخيفة في هذه الأعمال ، وإلى الدور الذي لعبه كتاب أعمال يوحنا في صراع معارضي  الأيقونات .

 

ويختم فوتيوس بالقول : " بالاختصار يحوي  هذا الكتاب عشرات الآلاف من الأشياء الصبيانية التي لاتصدق ، السقيمة الخيال ، الكاذبة ، الحمقاء ، المتضاربة ، الخالية من التقوى والورع ، ولا يجافي الحقيقة كل من ينعتها بأنها نبع وأم كل الهرطقات " .

 

ثالثاً - إدانة الكنيسة لها : هناك إجماع في الشهادات الكنسية على الطابع العام للأعمال الأبوكريفية ، فهي كتابات استخدمتها الطوائف الهرطوقية ، أما الكنيسة فاعتبرتها غير جديرة بالثقة بل ومؤذية . ومن المحتمل أن مجموعة الأعمال المحتوية على الخمسة الأجزاء التي أشار إليها فوتيوس ، كانت من تأليف المانيين في شمالي أفريقيا ، الذين حاولوا أن يحملوا الكنيسة على قبولها عوضاً عن سفر الأعمال الكتابي الذي رفضه المانيون ، وقد وصمتها الكنيسة بالهرطقة . وأصرم حكم هو الذي أصدره ليو الأول ( حوالي 450 م ) فأعلن أنـــــها : " لا يجب منعها فقط ، بل يجب أن تجمع وتحرق ، لأنه وإن كان فيها بعض الأشياء التي لها صورة التقـــوى ، إلا إنها لا تخلو مطلقاً من السم ، فهي تعمل خفية بغواية الخرافات ، حتى تصطاد في حبائل الضلالات ، كل من تستطيع خداعهم برواية العجائب " . فأعمال بولس ، التي لا يبدو فيها هرطقة واضحة ، شملها الحرم الكنسي على أساس أنها جاءت في ختام المجموعة . على أي حال ، إن الكثيرين من معلمي الكنيسة ، ميزوا بين تفاصيل الخوارق وبين التعاليم الهرطوقية ، فرفضوا الثانية وأبقوا على الأولى .

 

 

رابعاً - الكاتب : ينسب فوتيوس الأعمال الخمسة لمؤلف واحد هو ليوسيوس كارنيوس ، كما أن الكتّاب الأوائل نسبوا أسفاراً معينة فيها إلى ليوسيوس كارنيوس ، وعلى الأخص - بشهادة عدد كبير من الكتَّاب  - أعمال يوحنا . وكما يتضح من هذه الأعمال ، يدّعى المؤلف بأنه كان تابعاً ورفيقاً للرسول . ويذكر أبيفانوس شخصاً اسمه ليوسيوس كان من حاشية يوحنا ، ولكن ملحوظة أبيفانوس هذه ، مشكوك  في صحتها ولعلها نتجت عن خلطه بين ليوسيوس وأعمال يوحنا . ونسبة هذه الأعمال لتلميذ ليوحنا ستظل موضع شك إذ أن  الأرجـــح أنها ليست  كذلك  . ومهما كان الأمر فإنه عندما جمعت هذه الأعمال في مجموعة واحدة ، نسبت جميعها إلى المؤلف المزعوم لأعمال يوحنا ، وعلى الأرجح حدث  هذا في القرن الرابع ، رغم أنه من الواضح أن الأعمال جميعها ليست بقلم كاتب واحد ( وأكبر دليل هو الاختلاف الواضح في الأسلوب ) وإن كان يوجد بعض التشابه بين البعض منها ، إما لأنها لمؤلف واحد أو لأنها أخذت عن مصدر واحد .

 

خامساً - العلاقة بين أسفار الأعمال المختلفة : كان واضحاً منذ العصور القديمة وجود ارتباط بين مختلف أسفار  الأعمال ، ولا شك في أنه على أساس هذا الارتباط  جمعت في مجموعة واحدة تحت اسم مؤلف واحد ، فالبعض يرون تشابهاً كبيراً بين أعمال بطرس وأعمــال يوحنا ، وأنهما من إنتاج مؤلف واحد ، ويرى البعض الآخر أن الأول بني على الثاني ، بينما يرى آخرون أن هذا التشابه نتيجة مدرسة لاهوتية واحدة ، وجو كنسي واحد . كما أن أعمال أندراوس فيها وجوه شبه كثيرة مع أعمال بطرس . وعلى أي حال ، فإنها جميعهاتسودها روح الزهد ، وفي جميعها يبدو المسيح في صورة رسول ، وفي جميعها أيضاً تزور النساء الرسول في السجن . أما من جهة التعليم اللاهوتي ، فأعمال بولس تقف وحدها ضد النزعة الغنوسية ، أما الأعمال الأخرى فتتفق في نظرتها الدوسيتية لشخص المسيح ، بينما نرى في أعمال يوحنا وأعمال بطرس وأعمال توما نفس التعليم الصوفي الغامض عن الصليب  .

 

سادساً - قيمتها  :

أ‌-    كتاريخ : لا قيمة إطلاقاً لأسفار الأعمال الأبوكريفية من جهة الإلمام بحياة الرسل وأعمالهم ، ولعل الاستثناء الوحيد لذلك هو الجزء المختص ببولس وتكلة في أعمـال بولس . وهنا أيضاً تضيع الحقائق التاريخية في أكوام من الأساطير  . ودوائر خدمة الرسل - كما ذكرت في هذه الأعمال - لا يمكن قبولها بدون مناقشة رغم أنها قد تكون مستقاة من مصادر جديرة بالثقة . وعلى وجه العموم فإن الصورة المرسومة في أسفار الأعمال الأبوكريفية لجهود الرسل الكرازية هي صورة كاريكاتيرية غريبة غير متناسقة .

 

ب-كتسجيل للمسيحية في العصور الأولى : رغم أن أسفار  الأعمال الأبوكريفية لا قيمة تاريخيه لها ، إلا أنها عظيمة القيمة فيما يختص بإلقاء الضوء على الفترة التي كُتبت فيها ، فهي ترجع إلى القرن الثاني ، وهي منجم عني بالمعلومات عن المسيحية في صورتها العامة في ذلك الوقت ، فهي تعطينا صورة حية للمسيحيةفي مواجهة الطوائف السرية المتطرفة والمذاهب الغنوسية التي ازدهرت في تربة أسيا الصغرى ، فنرى فيها الإيمان المسيحي مشوباً بروح الوثنية المعاصرة ونرى  الإيمان بالمسيح الله المخلص الذي أشبع الشوق العارم للفداء من قوات الشر  ، مع بعض عناصر باقية من  البيئة الوثنية :

 

1- نرى في هذه الأسفار صورة للمسيحية في صورتها العامة تحت تأثير الأفكار الغنوسية بالمقابلة مع غنوسية المدارس التي تتحرك في مجال المفاهيم الأسطورية ، والتجريدات الباردة والتهويمات الخادعة . ويكمن خلف الغنوسية ، احتقار الوجود المادي . وفي مسيحية أسفار الأعمال الأبوكريفية نجد النتيجةالعملية لهذين الفكرين النابعين من هذا الموقف المبدئي : مفهوم دوسيتي عن شخص المسيح ، ونظرة تقشف للحياة . وفي الدوائر الشعبيه ، لم يكن للمسيح سوى القليل من سمات يسوع التاريخي ، كان هو الله المخلص فوق كل الرياسات والسلاطين ، وبالاتحاد به تخلص النفس من أعمال الشر الرهيبة وتدخل إلى الحياة الحقيقة . وحياة المسيح كإنسان تسامت حتى أصبحت مجرد مظهر ، وبخاصة آلام المسيح التي كانت تفهم بطريقة رمزية ، فأحيانا يرون فيها صورة لوجود المسيح  في كنيسته يقاسم المؤمنين آلام الاستشهاد ، وأحيانا يرون في قصة آلام المسيح رمزاً للآلام البشرية بوجه عام . وأحياناً يرون فيها كيف أن خطية شعبه وضعفهم وعدم أمانتهم تسبب له آلاماً متجددة على الدوام . ويظهر التأثير الأدبي للغنوسية ، في روح التقشف المتزمت ، أقوى السمات المميزة لهذه الأعمال .

 

والحقيقة أن هذه الصورة من الزهد لانجدها في الدوائر الغنوسية فحسب ، بل نجدها في الدوائر الكنسية القديمة كما يبدو من أعمال بولس وغيرها من المصادر . وظهور الصورة المتزمتة من الزهد في المسيحية الأولى أمر مفهوم ، فقد كان ميدان المعركة الرئيسية - التي كان على الإيمان المسيحي أن يخوضها ضد الوثنية الهيلينية - هو الطهارة الجنسية . وبالنظر  إلى التهتك والخلاعة اللتين شاعتا في العلاقات الجنسية  ، لا عجب  أن يكون رد الفعل المسيحي هو التطرف إلى الناحية الأخرى ، وكبح الشهوة الجنسية تماماً . وهذا الاتجاه في الكنيسة الأولى أكدته الروح الغنوسية ، وظهر بوضوح في أسفار الأعمال الأبوكريفية التي ظهرت في الدوائر الغنوسية أو في بيئة شاعت فيها الأفكار الغنوسية . ولابد أنه كان لهذه الروايات الخيالية التي تعني أشد العناية بالطهارة الجنسية ، أثرها البالغ في شحن الأذهان ضد العلاقات الجنسية التي تلوث طهارة الروح التي كانوا ينشدونها  .

وتوجد مبادئ أخلاقية  أخرى في هذه الأسفار تتفق تماماً مع المباديء المسيحية .

 

2- وأسفار الأعمال الأبوكريفية عظيمة النفع لمعرفة صور العبادة في بعض الدوائر المسيحية ، فنجد وصفاً كاملاً لممارسة الفرائض المقدسة في أعمال توما . كما توجد في هذه الأسفار بعض الصلوات التي تنبض بالدفء ، والغنية بعباراتها التعبدية .

 

3-ونجد بداية استخدام التراتيل المسيحية ، في أعمال توما التي توجد فيها تراتيل غنوسية تفيض بالخيال الشرقي .

 

4-يبدو في كل هذه الأسفار الاغرام بالخوارق ، والحماسة الدينية التي ازدهرت في أسيا الصغرى في القرن الثاني ( مثلاً : رقص التلاميذ حول يسوع ، في أعمال يوحنا 94 ) .

 

 

 

سابعاً - أثرها : كان لأسفار الأعمال الأبوكريفية أثر ملحوظ في تاريخ الكنيسة ، فبعد أن استقرت المسيحية في حكم قسطنطين ، عاد الناس بأبصارهم إلى أيام الجهاد والاضطهاد ، واهتموا اهتماماً شديداً بأحداث عصر بطولات الإيمان ، عصر الرسل والشهداء ، فقرأوا أعمال الشهداء بنهم ، وبخاصة الأعمال الأبوكريفية التي اعتمدوا عليها كثيراً لإشباع رغبتهم في معرفة المزيد عن الرسل ، مما لا يوجد في الأسفار القانونية . وكانت التعاليم الهرطوقيــــــة - التي امتزجت بالأساطير التي نسجوها حول الرسل - سبباً في إدانة السلطات الكنسية لها ، ولكن الحرم الكنسي لم يستطع أن يمحو أثر هذه الألوان الزاهية الموجودة في تلك الروايات ، وأمام ذلك كرس كتّاب  الكنيسة أنفسهم لكتابة التواريخ القديمة بعد استبعاد كل ماهو ظاهر الهرطقة ، وأبقوا على الخوارق والمعجزات . ولم يقتصر الأمر على ذلك فقط ، بل استخدمت مادة الأعمال الأبوكريفية بكثرة في تلفيق تواريخ الرسل الآخرين ، كما نجد في المجموعة المسماة " أبدياس " من القرن السادس . وكانت النتيجة أنه من القرن الرابع إلى القرن الحادي عشر تزايدت بسرعة المؤلفات عـــــــــن الرسل " وأصبحت الموضوع المحبوب الذي يقبل على قراءته المسيحيون من أيرلنده حتى جبال أثيوبيا ، ومن بلاد العجم حتى أسبانيا  " ( كما يقــول هارناك ) . كما كتبت الأساطير حول الرسل بالإشغر الدينية ، وظهرت هذه الكتابات في تواريخ الشهــداء والتقاويم ، وأصبحت مواضيع للمواعظ في أيام الصوم ، واتسقي منها الرسامون مواضيع لرسومهم . وكتبت حلقات أخرى من هذه الأساطير في الكنائس السريانية والقبطية ، وترجمت الأساطير القبطية إلى العربية ، ومن العربية إلى الحبشية . وكانت هذه الكتابات أمَّا ولوداً  لجميع أنواع الخرافات ، وكما يقول هارناك : " أجيال بأكملها من المسيحين بل أمم بأكملها منهم ، قد غشيت أبصارهم وبصائرهم بالمظاهر البراقة لهذه الروايات ، فلم يعموا عن رؤية نور التاريخ الصحيح فحسب ، بل عميت أعينهم عن رؤية الحق ذاته " ، ولا يفوتنا أن نذكر أن المراسلات مع الكورنثيين الواردة في أعمال بولس ، قبلتها الكنيستان السريانية والأرمينية واعتبرتاها قانونية .

 

الأبوكريفا الأعمال - كل منها على حده :

 

الأعمال الأبوكريفة التي سنتكلم عنها هنا ، هي أعمال ليوسيوس التي ذكرها فوتيوس . وهي بصورتها الحالية حدث فيها تنقيح لصالح الفكر الكنسي ، ولكنها في أصلها كانت تنتمي للقرن الثاني ، ومن العسير أن نعرف كم تختلف هذه الأعمال في صورتها الحالية عما ظهرت عليه أصــلاً ، ولكن واضح من كثير من النقاط أن التنقيح الذي حدث بهدف حذف الأخطاء الهرطوقية ، لم يكن شاملاً فكثير من الأجزاء الواضحة الغنوسية ، مازالت موجودة، لأن المنقح - على الأرجح - لم يدرك معناها الحقيقي .

 

أولا - أعمال بولس : ويقتبس منها أوريجانوس مرتين في كتاباته التي مازالت محفوظة ، ولعل هذا هو سبب الاعتبار الكبير الذي حظيت به في الشرق . وفي المخطوطة الكلارومونتانيــــــــــة ( القرن الثالث ) - وهي من أصل شرقي - توضع أعمال بولس موضع الاعتبار مع راعي هرماس ورؤيا بطرس . كما أن يوسابيوس - الذي يرفض رفضــــــــــــــــاً باتاً " أعمال أندراوس وأعمال يوحنا وأعمال سائر الرسل " - يضع أعمال بولس في قائمة الأسفار المشكوك في صحتها مع هرماس ورسالة برنابا وتعليم الرسل وغيرها .

 

أما في الغرب حيث كان يُنظر بعين الريبة لإزريجانوس ، فيبدو أنهم رفضوا أعمال بولس . ولا يرد لها ذكر  إلا في كتابات هيبوليتس صديق أوريجانوس ، وهو لا يذكرها بالاسم ولكنه يستشهد بصراع بولس مع الوحوش كدليل على صدق قصة دانيال في جب الأسود . ولم يبق من أعمال بولس إلا أجزاء قليلة  ، ولم يكن يعرف عنها إلا القليل حتى سنة 1904 حين ظهرت ترجمة لنسخة قبطية - غير سليمة الحفظ - نشرها س.شميدت . وظهر أن أعمال بولس وتكلة ليست في الحقيقة إلا جزءاً من أعمال بولس . ومن الملحوظات المذكورة في المخطوطة الكلارومونتانية وغيرها ، نستنتج أن هذه الأجزاء التي بين أيدينا لا تزيد عن ربع الأصل :

1.      أطول هذه الأجزاء وأهمها هو ما وصل إلينا في كتاب منفصل باسم " أعمال بولس وتكلة " ولا نستطيع أن نقطع بالزمن الذي فصلت فيه عن أعمال بولس ، ولكنه لابد حدث قبل المرسوم الجلاسياني ( 496 م) الذي لا يذكر أعمال بولس ، ولكنه يديـــــــن " أعمال بولس وتكلة " .

 

أ. تتلخص القصة في : أن فتاة مخطوبة من أيقونية اسمها تكلة استمعت إلى كرازة بولس عن البتولية وفتنت بها ، فرفضت الارتباط بخطيبها . ولتأثير بولس عليها ، اُستدعى بولس أمام الحاكم الذي ألقاه في السجن فزارته تكلة ، فتعرض  كلاهما للمحاكمة ، فنُفي بولس من المدينة وحكم على تكلة بالحرق ، ولكنها نجت بمعجزة من وسط النار ، وأخذت في البحث عن بولس . وعندما وجدته رافقته إلى أنطاكية ( وغير واضح إن كانت أنطاكية بيسيدية أو أنطاكية في سوريا ) ، وفي أنطاكية فتن بها شخص ذو نفوذ اسمه إسكندر ، الذي عانقها علناً في الشارع ، فاستهجنت تكلة فعلته ونزعت التاج الذي كان على رأسه ، فحكم عليها أن تصارع الوحوش في ميدان الألعاب . وتركت تكلة تحت حراسة الملكة تريفينا التي كانت تعيش وقتئذ في أنطاكية . وعندما دخلت تكلة إلى حديقة المصارعة ، لقيت لبؤة حتفها دفاعاً عن تكلة ضد الوحوش ، وفي وسط الخطر ألقت تكلة بنفسها في حوض به عجول البحر ، وهي تهتـــــــــــف : " باسم يسوع المسيح أعمد نفسي في آخر يوم " . وعندما اقترح البعض أن تمزق تكلة بين الثيران الهائجة ، أغمى على الملكة تريفينا فخشيت السلطات مما يمكن أن يحدث ، وأطلقوا سراح تكلة وسلموها لتريفينا فذهبت تكلة مرة أخرى للبحث عــن بولس ، وعندما وجدته أرسلها للكرازة بالإنجيل ، فقامت بالكرازة في أيقونية أولاً ثم في سلوقية حيث ماتت . وقد وضعت إضافات متأخرة نهاية تكلة ، تقول إحداها إنها ذهبت من سلوقية إلى روما في طريق تحت الأرض وظلت في روما حتى موتها .

ب‌- ورغم أن قصة تكلة كتبت لإيجاد سند رسولي للبتولية ، فمن المحتمل أن يكون لها أساس ضعيف من الصحة ، فوجود طائفة قوية باسمها في سلوقية يؤيد الرأي القائل بأن تكلة كانت شخصية تاريخية ، كما أن التقاليد عن صلتها ببولس - التي تجمعت حول المعبد الذي بنى في سلوقية تكريماً لها - هي التي شكلت عناصر هذه الرواية ، ولاشك أن فيها بعض الذكريات التاريخية . فتريفينا شخصية تاريخية تأكد وجودها من اكتشاف نقــــود باسمها ، وكانت أم الملك بوليمون الثاني ملك بنطس وقريبة للإمبراطور كلوديوس . وليس هناك ما يدعو للشك في ما جاء في هذه الأعمال من أنها كانت تعيش في أنطاكية  في وقت زيارة بولس الأولى لها . كما أن هذه الأعمال واضحة في دقتها الجغرافية ، فتذكر الطريق الملكي الذي تقول إن بولس سار فيه  من لسترة إلى أيقونية ، وهي حقيقة تستلفت النظر ، لأنه بينما كان الطريق مستخدماً  في أيام بولس للأغراض العسكرية ، أهمل استخدامه كطريق منتظم في الربع الأخير من القرن الأول . ويوصف بولس في هذه الأعمال : " بأنه رجل قصير القامة ، أصلغ الرأس ، مقوس الساقين ، نبيل الأخلاق ، مقرون الحاجبين ، ذو أنف بارز بعض الشيئ ، ممتلىء نعمة ، كان يبدو أحياناً إنساناً ، وأحياناً أخرى كان يبدو بوجه ملاك "  . وقد يكون لهذا الوصف سند يعتمد عليه . ويدافع رمســــاي ( في كتابة " الكنيسة في الإمبراطورية الرومانية " ص 375 ) عن احتمال وجود نسخة قصيرة من هذه الأعمال ترجع إلى القرن الأول ، وذلك على أساس هذه الملامح التاريخية ، ولكن الكثيرين لا يقبلون وجهة نظر رمساي .

ج- كانت أعمال بولس وتكلة واسعة الانتشار ، ولها  تأثير كبير وذلك للتقدير الواسع لتكلة التي كانت لها مكانة كبيرة بين القديسين باعتبارها " أول أنثى تستشهد " .والإشارات إلى هذه الأعمال في كتابات الآباء قليلة ، ولكن الرواية نفسها كانت رائجة جداً بين المسيحيين في الشرق وفي الغرب  على السواء . ووصل التقدير لتكلة أقصى مداه في غاليا . وهناك قصيدة شعرية عنوانها " الوليمة " كتبها كيبريان ، أحد شعراء جنوب غاليا ، في القـرن الخامس ، وفي تلك القصيدة تبدو تكلة في مستوى الشخصيات الكتابية العظيمة ، وكتــــــاب " أعمال زاسيف وبولكسينا " مأخوذ كله من أعمال بولس وتكلة .

 

2-جزء هام آخر من أعمال بولس ، هو الجزء الذي يشتمل على مايعرف بالرسالة الثالثة إلى الكورنثيين ، وفيها يذكر أن بولس كان في السجن في فيلبي ( ليس في زمن أعمال الرسل 16 : 23 ، ولكن بعد ذلك بوقت ) . وكان سجنه لسبب تأثيره على ستراتونيس زوجة أبولوفانيس ، فالكورنثيون الذين أزعجتهم هرطقة اثنين من المعلمين ، أرسلوا خطاباً لبولس يصفون له التعاليم الخبيثة التي تدعي أن الأنبياء لا قيمة لهم ، وأن الله غير قادر على كل شيء ، وأنه ليست هناك قيامة أجساد ، وأن الإنسان لم يخلقة الله ، وأن المسيح لم يأت في الجسد ولم يولد من مريم ، وأن العالم ليس من صنع الله بل من صنع الملائكة . وقد حزن بولس كثيراً بوصول هذه  الرسالة ، وفي ضيق شديد كتب الرد الذي فند فيه هذه الآراء الغنوسية التي ينادي بها معلمون كذبة . ومما يستلفت النظر أن هذه الرسالة التي تستشهد كثيراً برسائل بولس الكتابية ، ورسالة الكورنثيين إلى بولس التي دفعته إلى كتابتها ، اعتبرتهما  الكنائس السريانية والأرمينية ، قانونيتين بعد القرن الثاني ، ولم تصل إلينا الصورة الأصلية للرسالة في اليونانية ، ولكنها وصلتنا في نسخة قبطية ( غير كاملة ) ونسخة أرمينية ونسختين مترجمتين لللاتينية ( مشوهتين ) ، علاوة على تناولها في تفسير أفرايـــــــــــــــــــــــــــم ( بالأرمينية ) . وقد فقدت النسخة السريانية .

 

3- علاوة على الجزئين المذكورين أعلاه من أعمال بولس ، توجد أجزاء أقل أهمية مثل شفاء الرسول لرجل مصاب بالاستسقاء في ميرا ( وهي تتمة لقصة تكلة ) ، ومصارعة بولس للوحوش في أفسس ( مبينة على ماجاء في 1 كو 15 : 32 ) ، واقتباسين قصيرين يذكرهما أوريجانوس ، وجزء ختامي يصف استشهاد الرسول في زمن نيرون الذي ظهر له بولس بعد موته . كما أن أكليمندس الإسكندري يقتبس فقرة عن إرسالية بولس الكرازية ، والتي ربما شكلت جزءاً من أعمال بولس . وربما كانت هذه الأعمال ذاتها هي مصدر حديث بولس في أثينا الذي كتبه جون سالسبوري ( حوالي 1156 )  .

 

المؤلف وتاريخ التأليف : مما ذكره ترتليان نعلم أن مؤلف " أعمال بولس " كان شيخاً من شيوخ أسيا ، كتب كتابه " بقصد تعظيم بولس ، بإضافات من عنده " وأنه طرد من وظيفته عندما اعترف بأنه فعل ذلك حباً في بولس " . وشهادة ترتليان هذه يؤيدها الدليل في الكتاب ذاته ، حيث أنه - كما رأينا - يظهر معرفة دقيقة بطبوغرافية  أسيا الصغرى وتاريخها . وكثير من الأسماء الواردة بهذه الأعمال وجدت في أثار سميرنا ، وإن كان من الخطأ أن نستنتج بناء على ذلك أن المؤلف كان من مدينة سميرنا ، ولعله كان من مدينة نالت فيها تكلة تقديراً خاصاً ، وكان الدافع له إلى كتابتها هو صلتها ببولس الكارز بالبتولية ، بجانب تفنيد بعض الآراء الغنوسية . ولعل تاريخ تأليف أعمال بولس يرجع إلى النصف الثاني من القرن الثاني بين 160 - 180 م .

 

ورغم أن أعمال بولس كتبت لبيان عظمة الرسول ، فإنها تبين بوضوح أن المؤلف لم يكن مؤهلاً لذلك من ناحية المقدرة الفكرية أو اتساع الرؤيا ، فالمستوى الفكري لهذه الأعمال هابط جداً كما أنها فقيرة في مفاهيمها ، فالموضوع الواحد يتكرر بدون أي تغيير ، والعيوب  الظاهرة في خيال المؤلف واضحة في أسلوبة العاري الخالي من الفن . وبه اقتباسات كثيرة من العهد الجديد ، والصورة التي يرسمها للمسيحية ضيقة ومن جانب واحد ، وهي في جملتها صحيحة ، وليس فيها ما يؤيد رأي ليسيوس بأنها مأخوذة عن مؤلف  غنوسي . فتكرار أحداث الخوارق ، والتقشف الشديد الذي يميز هذه الأعمال ، ليسا دليلاً  على التأثر بالغنوسية ، بل أن التعليم فيها هو ضد الغنوسية ، كما نرى في المراسلات بين بولس والكورنثيين : " أن الرب يسوع المسيح ولد من مريم من نسل داود ، فقد أرسل الآب الروح من السماء إليها ." ويؤكد قيامة الأموات  بقيامة المسيح من بين الأموات ، ولكن القيامة قاصرة على الذين يؤمنون بها ( وهذه النقطة يبدو أنها من ابتكار المؤلف ) ، فيقول : " ان من لا يؤمنون بالقيامة لن يقوموا " ويربط بين الإيمان بالقيامة وضرورة الامتناع تماماً عن المعاشرات الجنسية ، فالأطهار فقط  هم الذين يعاينون الله ، " فلن يكون لكم نصيب في القيامة إلا إذا ظللتم طاهرين ولم تنجسوا الجسد " . والإنجيل الذي كرز به الرسول كان يتعلق " بضبط النفس والقيامة " . ومحاولة المؤلف تدعيم صورة المسيحية التي كانت سائدة في أيامه ، كانت هي الهدف الرئيسي لتأليف الكتاب ، فيصور الرسول بولس على أنه رسول هذا المفهوم الشائع . ولإضفاء صورة جذابة على تعليمه ، ملئت الصورة بالخوارق والمعجزات لإرضاء ذوق ذلك العصر .

 

ثانياً - أعمال بطرس : يوجد جزء كبير ( حوالي الثلثين ) من أعمال بطرس محفوظاً باللغة اللاتينية ، يطلق عليه " أعمال فرسيلي " نسبة إلى مدينة فرسيلي في بيدمونت حيث توجد المخطوطة في مكتبة كنيستها . كما اكتشف جزء منها بالقبطية ونشره في 1903 س. شميدت تحت عنوان " أعمال بطرس " ويرى شميدت أنها جزء من كتاب أخذت منه أعمــال فرسيلي ، ولكن هذا أمر موضع شك . وهذا الجزء يتعلق بحادثة حدثت في  أثناء خدمة بطرس في أورشليم ، بينما ، " أعمال فرسيلي " - ولعل المقصود منها أن تكون إمتداداً لسفر الأعمال القانوني - تروي قصة الصراع  بين بطرس وسيمون الساحر ، واستشهاد بطرس في رومية . وما ذكره عنها كتاب الكنيسة ( فيلاستريوس من برسكيا ، وإيزادور من بلوزيوم وفوتيوس ) يؤكد أن " أعمال فرسيلي " هي جزء من أعمال بطرس التي حرمت في مرســـــــــــــــــوم أنوسنت الأول ( 405 م ) وفي المرسوم الجلاسياني ( 496 م ) :

 

1- يحتوي الجزء القبطي على قصة ابنة بطرس المفلوجة ، ففي أحد أيام الآحاد وبطرس مشغول بشفاء المرضى ، سأله أحد الواقفين : لماذا لم يشف ابنته ؟ ولكي يبرهن على قدرة الله على إتمام الشفاء على يديه ، شفي بطرس ابنته لفترة وجيزة ، ثم أمرها أن تعود إلى مكانها وإلى حالتها كما كانت من قبل ، وقال إن هذه البلوى قد أصابتها لتخلصها من النجاسة ، حيث أن بطليموس قد فتن بها وأراد أن يتخذها له زوجة . وحزن بطليموس على عدم حصوله عليها حتى عمي من البكاء ، وبناء على رؤيا ، جاء إلى بطرس الذي أعاد له بصره فآمن ، وعندما مات ترك قطعة من الأرض لابنة بطرس . وقد باع بطرس تلك القطعة من الأرض ووزع ثمنها على الفقراء . ويشير إلى هذه القصة دون أن يذكر اســـــــــــم " أعمال بطرس " . كما توجد إشارتان لهذه القصة في أعمال فيلبس . كما تذكر القصة مع أعمال نريوس وأخيلاوس - التي كتبت في عهد متأخر ، مع تغييرات واضحة - ويذكر أن ابنة بطرس - التي لم يذكر اسمها في المخطوطة القبطية - كانت تسمى " بترونيلا " .

 

2- تنقسم محتويات الأعمال الفرسيليانية إلى ثلاثة أقسام :

 

أ‌-    الأصحاحات الثلاثة الأولى واضح أنها تكملة لقصة أخرى ، ويمكن أن تكون تكملة لسفر الأعمال القانوني ، فهي تروي إرتحال بولس إلى أسبانيا .

 

ب‌- الجزء الأكبر ( من 4 - 32 ) يصف الصراع بين بطرس وسيمون الساحر في رومية ، فلم يمكث بطرس في رومية طويلاً حتى لحق به سيمون - الذي كان " يدعي أنه قوة الله العظيمة " - وأفسد كثيرين من المسيحيين . وظهر المسيح لبطرس في رؤيا في أورشليم وأمره أن يبحر إلى إيطاليا وإذ وصل إلى  رومية ثبت المؤمنين ، وأعلن أنه جاء  لتثبيت الإيمان بالمسيح ليس بالأقوال  فقط بل بعمل المعجزات والقوات ( إشـــارة إلى 1 كو 4 : 20 ، اتس 1 : 5 ) . وبناء على التماس من الإخوة، ذهب بطرس لمقابلة سيمون في بيت رجل يدعي مارسلوس كان قد أضله الساحر ، وعندما رفض سيمون مقابلته ، أطلق بطرس كلباً وأمره أن يبلغ سيمون الرسالة  ، وكانت نتيجة هذه المعجزة أن تاب مارسلوس . وبعد ذلك جزء يصف إصلاح تمثال مكسور برش الكسر بماء باسم يسوع . وفي تلك الأثناء كان الكلب قد ألقى موعظة على سيمون وأصدر عليه حكم الدينونة بنار لا تطفأ .

 

وبعد أن أبلغ بطرس بقيامه بمأموريته وتكلم إلى بطرس بأقوال مشجعة ، اختفى الكلب عند قدمي الرسول . وبعد  ذلك  جعل سمكة  مشوية تعوم ، فتقوى إيمان مارسلوس وهو يرى العجائب التي يصنعها بطرس ، فطرد سيمون من بيته بكل احتقار ، فاغتاظ سيمون جداً لذلك ، فذهب إلى بطرس يتحداه ، فانبرى  له طفل  عمره سبعة شهور ، يتكلم بصوت رجالي ، وشجب سيمون وجعله يبكم حتى السبت التالي . وظهر المسيح لبطرس في رؤيا في الليل وشجعه ، وفي الصباح حكى بطرس للجماعة انتصاره على سيمون " ملاك الشيطان " في اليهودية . وبعد ذلك بقليل في بيت مارسلوس ، الذي " تطهر من كل أثر لسيمون " ، كشف بطرس المفهوم الحقيقي للإنجيل . وتظهر كفاءة المسيح لمقابلة كل أنواع الحاجة في فقرة لها صبغة دوسيتيــــــــــــــــــة : " سيغريكم حتى تحبوه ، هذا العظيم والصغير ، هذا الجميل والقبيح . هذا الشاب والقديم الأيام ، الذي ظهر في الزمان ولكنه محجوب تماماً في الأبدية ، الذي لم تلمسه يد ، ولكنه يلمس الآن من خدامه ، الذي لم يره جسد ولكنه الآن يرى .. وبعد ذلك في وهج عجيب من النور السماوي ، استردت النوافذ المقفلة بصرها ورأت الأشكال المختلفة التي ظهر بها المسيح لهم " .

 

وتصف رؤية لمارسلوس ظهر له الرب فيها في هيئة بطرس وضرب بسيف " كل قوة سيمون " التي ظهرت في شكل امرأة حبشية سوداء جداً وفي ثياب رثة . ويأتي بعد ذلك الصراع مع سيمون في الساحة العامة في محضر أعضاء مجلس الشيوخ والولاة ، وبدأ الجانبان في المبارزة بالكلام ثم بالأفعال  التي برزت فيها قوة بطرس وتفوقت في إقامة الموتى ، على قوة سيمون ، وهكذا  خسر سيمون شهرته في رومية ، وفي محاولة أخيرة لاسترداد نفوذه  ، أعلن أنه سيصعد إلى الله ، وطار - أمام الجموع المحتشدة - فوق المدينة . ولكن إستجابة لصلاة بطرس للمسيح ، وقع سيمون وانكسرت ساقه  في ثلاثة مواضع ، فنقل من رومية ، وبعد أن بترت ساقه مات .

 

ج- يختم سفر الأعمال الفرسيلياني بقصة استشهاد بطرس ( أصحاحات 33 - 41 ) ، فقد استهدف بطرس لعداء الشخصيات من ذوي النفوذ لأنه حرض زوجاتهم على الانفصال عنـــهم ، ونتج عن ذلك القصة المشهورة " كوافاديس " . هرب بطرس من رومية عندما استشعر الخطر ، ولكنه قابل المسيح الذي قال له إنه ذاهب إلى روميةليصلب ثانية ، فعاد بطرس وحكم عليه بالموت . وفي مكان تنفيذ الحكم ، فسر بطرس سر الصليب . طلب أن يصلب منكس الرأس ، وعندما فعلوا  به ذلك ، شرح في عبارات مصبوغة بالصبغة الغنوسية ، سبب رغبته  في ذلك . وبعد صلاة صوفية الطابع ، أسلم  بطرس الروح , وغضب نيرون جداً لإعدام بطرس  بدون علمـــه ، لأنه كان يريد التشفي فيه وتعريضه لأنواع من العذاب . وبناء على رؤية ، امتنع عن صب غضبه على  المسيحيين واضطهادهم اضطهاداً عنيفاً ( قصة استشهاد بطرس موجودة أيضاً في الأصل اليوناني ) .

 

قيمتها التاريخية : واضح مما سبق أن هذه الأعمال ليست إلا أساطير ، وليس لها أي قيمة من الناحية التاريخية  عن خدمة بطرس ، فهي في حقيقتها مناختراع الروح القديمة التي تستغذب الخوارق ، والتي ظنت أن قوة المسيحية  تعتمد تماماً على قدرة ممثليها على التفوق على الجميع في امتلاك قوة خارقة .

 

أما قصة حصول سيمون على نفوذ كبير في رومية وكيف أقيم له تمثال تكريماً لـــــــــــــــــــــــــه ( أصحاح 10 )  ، فقد يكون لها أساس من الحقيقة ، فيقول جستين الشهيد إن سيمون بناء على الأعمال العجيبة التي كان يقوم بها في رومية ، كان يعتبر إلهاً وأقيم له تمثال تكريماً له . ولكن شكوكاً خطيرة قد أحاطت بالقصة كلها من النقوش الموجودة على حجر في قاعدة عامود في رومية عن إله سبيني اسمه سيمو سانكوس ، ولعل هذا ما دعا جستين إلى أن يخلط بين هذا التمثال وبين سيمون الساحر ، ولعله أيضاً كان الأساس الذي نسجت حوله أسطورة أعمال سيمون في رومية . أما موضوع استشهاد بطرس في رومية فهو أمر قديم ، ولكن لا يمكن الركون في ذلك إلى القصة الواردة في أعمال بطرس .

 

المؤلف وتاريخ التأليف : لا يمكن الجزم بشيء في موضوع مؤلف أعمال بطرس ، فالبعض يعتقدون أنها من تأليف كاتب أعمال يوحنا ، ولكن الأمر المؤكد هو أنهما نبتتا في نفس الجو الديني في أسيا الصغرى . وليس هناك إجماع على مكان  كتابتها ، ولكن بعض التفاصيل الصغيرة مع طبيعة الكتاب ، تدل على أن أصله كان في أسيا  الصغرى أكثر  مما في رومية ، فهو يخلو من ذكر أي شيء عن أحوال رومية ، بينما هناك تلميحات محتملة عن شخصيات تاريخية عاشت في أسيا الصغرى . أما تاريخ كتابته فيرجع إلى ختام القرن الثاني على الأرجح .

 

طبيعتها : استخدم الهراطقة أعمال بطرس ، بينما حرمتها الكنيسة ، وليس معنى هذا بالضرورة أنها من أصل هرطوقي ، وإن كان يستشف منها روح - اعتبرت فيما بعد - هرطوقية ، ولكن من المحتمل أنها نشأت داخل الكنيسة في بيئة مصبوغة بشدة بالأفكار الغنوسية ، فنجد المبدأ الغنوسي في التشديد بخصوص " فهم الرب " ( أصحاح 22 ) . وكذلك نرى الفكرة الغنوسيه في أن الكتب المقدسة يلزم أن تكون مصحوبة بتعليم سري مسلم من الرب للرســــل ، في كثير من الأجزاء ( وبخاصة الأصحاح 20 ) ، ففي أثناء وجودهم على الأرض في شركة مع المسيح  ، لم يكن ممكناً للتلاميذ  أن يفهموا تماماً كل إعلان الله ، فكل منهم رأى ما استطاع أن يراه ، فبطرس يقول إنه يسلم لهم ما استلمه من الرب " في سر " . كما يوجد فيها شوائب من الهرطقة الدوسيتية ، كما أن الكلمات التي نطق بها بطرس وهو معلق على الصليب توحي بتأثير غنوسي ( فصل 73  الخ ) ، ونجد في تلك الأعمال نفس الموقف السلبي  من الخليقة والروح التقشفية الواضحة كما في غيرها من الأسفار الأبوكريفيـــــــــة . و " عذارى الرب " لهم مكانة رفيعــــة ( فصل 22 ) ، ويستخدم الماء بدل الخمر في العشاء الرباني . وأشد ما يميز أعمال بطرس هو التشديد على رحمة الله الواسعة في المسيح من نحو المرتدين ( وبخاصة في فصل 7 ) ، وهذه الملحوظة التي تكرر كثيراً هي برهان على وجود الإنجيل الحقيقي  في مجتمعات  اختلط إيمانها بأغرب الخرافات .

 

ثالثاً - أعمال يوحنا :  بناء على جدول المخطوطات لنيسيفورس ، كانت أعمال يوحنا في صورتها الكاملة تشكل كتاباً في حجم إنجيل متى . وعدد من أجزائة يبدو مترابطاً ، وهذه تكون نحو ثلثي الكتاب . وبداية تلك الأعمال مفقودة ، وتبدأ الرواية بالفصل 18 . ولانستطيع أن نجزم بشيءعن محتويات  الفصول السابقة ، وإن كان " بونيت " يرى أن الأربعة عشر فصلاً الأولى تروي تفاصيل رحلة يوحنا من أفسس إلى رومية ، ونفيــة إلى  بطمس ، بينما الأصحاحات من 15 - 17 تصف عودته من بطمس إلى أفسس ، ولكننا نستبعد هذا لأن الجزء الذي يبدأ بالفصل 18 يصف زيارة يوحنا الأولى لأفسس . ويروي الجزء الأول الموجود من هذه الأعمال  ( من 18 - 25 ) أن ليكوميدس " القائـــد الأول للأفسسيين " قابل يوحنا وهو يقترب من المدينة وتوسل إليه من أجل زوجته الجميلة كليوبترا التي أصيبت بالفالج ، وعند وصولهم إلى البيت بلغ الحزن من ليكوميدس مبلغاً  سقط معه ميتا ، وبعد أن صلى يوحنا للمسيح ، شفى كليوبترا ثم أقام ليكوميدس من الموت . ونزولاً على توسلاتهما أقام يوحنا معهما . وفي الفصول من 26 - 29 نجد موضوع صورة يوحنا  التي لعبت دوراً بارزاً في مجمع  نيقية الثاني ، فقد أرسل ليكوميدس صديقاً له ليرسم صورة ليوحنا وعندما  تمت ، وضعها في غرفة نومه وأقام مذبحاً أمامها وأحاطها بالشموع ، ولما اكتشف يوحنا لماذا يأوي ليكوميدس إلى غرفته كثيراً ، اتهمه بعبادة وثن وعلم أن الصورةهي صورته ، وصدق ذلك عندما جاءوا له بمرآة ليرى نفسه فيها ، فطلب يوحنا من ليكوميدس أن يرسم صورة لنفسه وأن يستخدم في تلوينها  الإيمان بالله ، الوداعة ، المحبة ، العفة ، إلخ أما صورة الجسد فهي صورة ميتة لإنسان ميت . أما الفصول من 30 - 36 فتروي قصة شفاء إمرأة عجوز مريضة ، وفي الساحة حيث كانت تجري المعجزات  ، ألقى  يوحنا خطاباً عن بُطل كل الأشياء الأرضية ، وعن الطبيعة المدمرة التي للعواطف الجسدية . وفي  الفصول 37 - 45 نقرأ أن معبد أرطاميس قد سقط نتيجة  لصلاة يوحنا ، مما أدى إلى  ربح الكثيرين للمسيح . وكاهن أرطاميس الذي قتل عند سقوط المعبد ، قام من الموت وأصبح مسيحياً ( 46 ) . وبعد سرد عجائب أخرى ( إحداهما  كانت طرد البق من أحد البيوت ) ، تأتي أطول قصص هذا الكتاب وهي قصة منفرة عن دروسيانا ( 62 - 86 ) نظمتها الراهبة هروزوتيا من جاندرشيم في قصيدة شعرية ( القرن العاشر ) .

 

والفصول من 87 - 105 تروي حديثاً ليوحنا عن حياة وموت وصعود يسوع ، مصبوغاً بالصبغة الدوسيتية ، ومنها جزء كبير يتعلق بظهور المسيح في أشكال كثيرة بطبيعة جسده الفريدة . وفي هذا الجزء توجد الترنيمة الغريبة التي استخدمها أتباع بريسليان ، والتي يقولون إنها الترنيمة التي رنمها يسوع بعد العشاء في العلية ( مت 26 : 30 ) والتلاميذ يرقصون في حلقة حوله ويردون قائلين آمين . وهنا أيضاً نرى التعليم الصوفي الغامض عن الصليب يعلنه المسيـــح ليوحنا . والفصول من 106 - 115 تروي نهاية يوحنا ، فبعد أن خاطب الإخوة وتمم فريضة عشاء  الرب بالخبز فقط ، أمر يوحنا بحفر قبر ، و بعد أن تم ذلك صلى وشكر الرب الذي أنقذه من " الجنون القذر للجسد " وصلى أن يمر بأمان في ظلمة الموت وأخطاره ، ثم اضطجع بهدوء في القبر وأسلم الروح .

 

قيمتها التاريخية  : لسنا في حاجة إلى القول بأن أعمال يوحنا ليس لها أي قيمة تاريخية ، فهي نسيج من أساطير كان القصد منها وما حوته من معجزات ، أن تغرس في أذهان  العامة المفاهيم الدينية ونمط الحياة كما يعتنقها المؤلف . وهذه الأعمال تتفق مع التقليد الثابت بأن أفسس كانت دائرة خدمة يوحنا في أواخر أيامه ، ولكن ما يلفت النظر هو ما ذكره المؤلف عن تدمير يوحنا لمعبد أرطاميس ،  وهو دليل قوي على أن هذه الأعمال لم تكتب في أفسس ، لأن معبد أرطاميس دمره القوط في 262 م .

 

صفتها العامة : إن أعمال يوحنا هي أكثر تلك الأسفار الأبوكريفية هرطقة ، وقد أشرنا آنفاً إلى السمات  الدوسيتية ، فنرى عقيدة عدم حقيقة جسد يسوع في ظهوره بأشكــــــــــــال مختلفـــة ( 88 - 90 ) ، وقدرته  على البقاء بدون طعام ( 93 ) ، وبدون نوم ( " فلم أر عينية مغمضتين قط ولكنهما على الدوام مفتوحتان " 89 ) ، وإنه عندما يمشي لا تترك أقدامه أثراً ( 93 ) ، وتغير طبيعة جسده عند اللمس فمرة يكون جامداً ، وتارة ليناً  ، وأخرى خيالياً تماماً  ( 89 ، 93 ) . كما أن صلب يسوع كان مجرد مظهر وهمي ( 97 ، 99 ) ، وأن الصعود حدث عقب الصلب الظاهري مباشرة فلا مكان لقيامة شخص لم يمت أصلاً . كما أن الملامح الغنوسية تبدو واضحة في استخفافه  بالناموس اليهودي ( 94 ) ، وفي الاهتمام بتأكيد أن المسيح سلم الرسل  تعليماً سرياً (96 ) ، وفي احتقار غير المستنيرين ( " لا تهتموا بالكثيرين ، واحتقروا الذين خارج السر " 100 ) والأحداث التاريخية لآلام المسيح تحولت تماماً إلى نوع من الصوفية (101 ) فهي مجرد رمز للآلام البشرية ، والهدف من مجيئ المسيح هو أن يمكن الناس من فهم المعنى الحقيقي للآلام وهكذا يتخلص منها (96) ، وآلام المسيح الحقيقية هي مانتج عن حزنه على خطايا أتباعـــــــــــه ( 106) ، كما أنه شريك في آلام شعبه الأمين ، وفي الحقيقة هو حاضر معهم ليسندهم في وقت التجربة ( 103) . كما أن أعمال يوحنا تبدي نزعة هرطوقية وإن كانت أقل بروزاً من أعمال أندراوس وأعمال توما . ولا نجد في أي مؤلف آخر لمحات أكثر هولاً ، مما نرى في أعمال يوحنا ، من لمحات عن أعماق الفساد الجنسي ، فقصة دروسيانا تلقي نوراً  قوياً على الأمور الجنسية الفاضحة التي انتقلت إلى المسيحية الهيلينية . ولكن إلى جانب ذلك ، توجد أجزاء تفيض بالمشاعر الدينية الدافئة . وبعض الصلوات تتميز بالحماسة والحرارة ( 112) . وهذه الأعمال تدل على أن المؤلف كانت له موهبة الكتابة ، وهي في هذا تختلف عن أعمــــــال بولس .

 

المؤلف وتاريخ التأليف : يقول مؤلف أعمال يوحنا عن نفسه بأنه كان رفيقاً للرسول ، وقد شارك في الأحداث التي رواها ، ونتيجة لذلك فإن القصة بها شيئ من الحيوية حتى إنها لتبدو وكأنها تاريخ حقيقي . والمؤلف - بشهادة تعود إلى القرن الرابع - هو ليوسيوس ولكن لايمكن أن نجزم بشيء عنه  . ومن المحتمل أن المؤلف ذكر اسمه في الجزء المفقود . ونعرف أنها قديمة من إشارة إكليمندس السكندري ( حوالي 200 م ) إلى طبيعة جسد المسيح غير المادية ، فهذه العبارة تدل بوضوح على أنه كان يعرف هذه الأعمال ، أو سمع عنها ، فمن المحتمل أنها كتبت فيما بين 150 - 180 م وأنها كتبت في أسيا الصغرى .

 

تأثيرها : كان لأعمال يوحنا تأثير واسع ، وعلى الأرجح هي أقدم أعمال ، وعنها أخذت سائر أسفار الأعمال التي كتبت بعدها ، فأعمال بطرس وأعمال أندراوس شديدة الشبه بأعمال يوحنا ، حتى قال البعض إنها كلها من قلم واحد ، والأرجح أننا على حق عندما نقول إن مؤلف أعمال يوحنا كان رائداً في هذا المجال من الروايات التي حيكت حول الرسل ، وأن الآخرين ساروا على الدرب الذي فتحه . ونفهم من إشارة أكليمندس الإسكندري أن أعمال يوحنا كانت تقرأ في الدوائر القويمة ، ولكن نُظر إليها بعد ذلك بعين الشك ، فأوغسطينوس يقتبس جزءاً من الترنيمة (95 ) التي قرأها في مؤلف  بريسلياني  أرسله إليه الأسقف سرتيوس ، ويعلق بنقد قاس عليها ، وعلى الزعم بأنها أعلنت سراً للرسل . وقد أصدر مجمع نيقيـــــــة الثاني  ( 787 م ) حكماً شديد اللهجة ضد أعمال يوحنا . ولكن القصص التي جاءت بهذه الأعمال انتقلت إلى الدوائر القويمة وقد استخدمها بروكورس ( القرن الخامس ) في تأليف رواية عن رحلات الرسول ، كما استخدمها أبدياس ( القرن السادس ) .

 

رابعاً - أعمال أندراوس  : ورد أول ذكر لهذه الأعمال - التي كثيراً ما يشير إليها الكتاب الكنسيون - في يوسابيوس ، فهو يرفضها مع غيرها من الأعمال الأبوكريفية على أنها سخيفة وغير معقولة . ويشير أبيفانيوس إلى هذه الأعمال - عدة مرات - بأنها مستخدمة عند مذاهب هرطوقية كثيرة ممن يمارسون الزهد الشديد . وينسبها الكتّاب الأوائل إلى ليوسيوس مؤلف أعمال يوحنا . 

 

محتوياتها : لم يبق من أعمال أندراوس إلا أجزاء صغيرة . كما يحتفظ لنا أيوديوس مــــن أوزالا ( توفي 424 م - وكان معاصراً لأوغسطينوس ) بجزء صغير ، كما يوجد جزء أكبر في مخطوطة من القرن العاشر أو الحادي عشر تحتوي على حياة القديسين عن شهر نوفمبر ، يقول عنها بونيت إنها من أعمال أندراوس . وقصة موت أندراوس ترد على جملة صور ، والصورة التي يبدو أنها أقربها إلى الأصل ، توجد في خطاب مشايخ وشمامســة كنائس أخائية .

 

1-والجزء الوارد في أيوديوس عبارة عن فقرتين قصيرتين تصفان العلاقات بين مكسيميليا وزوجها أجيتس ، الذي قاومت مطالبه .

 

2- أطول جزء من هذه الأعمال يروي سجن أندراوس لإغرائة مكسيميليا بالانفصال عن زوجها أجيتس ، لتعيش حياة الطهارة ( واسم أجيتس هو في حقيقته اسم شخص ينتسب إلى مدينة أجيا القريبة من باتري التي يقال إن أندراوس كان يعمل بها ) . ويفتتح الفصل ، في وسط خطاب ألقاه أندراوس على الإخوة في السجن ، الذي انضموا إليه فيه ليفتخروا بشركتهم مع المسيح وبنجاتهم  من أمور الأرض  الدنية . وقد زارت مكسيمميليا ورفيقاتها الرسول مراراً في السجن ، وقد جادلها أجيتس وهددها بأنها إذا لم تستأنف علاقاتها معه ، فإنه سيعرض أندراوس للعذاب . وأشار عليها أندراوس بمقاومة الحاح أجيتس ، وألقى خطاباً عن طبيعة الإنسان الحقيقية ، وقال إن العذاب لا يخيفه ، فلو أن مكسيميليا خضغت ، لتألم الرسول من أجلها ، وبمشاركتها له في الآلام تعرف طبيعتها على حقيقتها وهكذا تنجو من الضيق . ثم بعد ذلك عزى أندراوس إستراتوكليس أخا أجيتس الذي أعلن حاجته إلى أندراوس الذي غرس فيه " بذرة كلمة الخلاص " . وبعد ذلك أعلن أندراوس أنه سيصلب في اليوم التالي ، فزارت مكسيميليا الرسول مرة أخرى في السجن ، " وكان الرب يسير أمامها في صـــورة أندراوس " . وألقى الرسول خطاباً على جماعة من الإخوة عن خداع إبليس الذي بدا للإنسان أولاً كصديق ولكنه ظهر الآن كعدو .

 

3-عندما وصل إندراوس إلى مكان الصلب ، رحب بالصليب . وبعد أن ربط إلى الصليب ، وعلق عليه ، كان يبتسم لإخفاق أجيتس في الإنتقام ، لأنه ( كما قال ) " الرجل الذي ينتمي ليسوع ، لأنه معروف ليسوع ، فهو رجل محصن ضد الانتقام " . وظل أندراوس ثلاثة أيام وثلاث ليال يخاطب الشعب من فوق الصليب ، وإذ تأثروا من نبله وبلاغته ، ذهبوا إلى أجيتس طالبين منه انقاذه من الموت . وإذ خشى غضب الشعب ذهب لينزل أندراوس من فوق الصليب ، ولكن الرسول رفض النجاة وصلى للمسيح لكي يحول دون إطلاق سراحه . بعد ذلك أسلم الروح ، وقد دفنته مكسيميليا ، وبعدها بقليل طرح أجيتس نفسه من ارتفاع عظيم ومات .

 

الصفة العامة : يظهر الاتجاه  الهرطوقي بأقوى صورة في أعمال اندراوس ( وبالنسبة لهذا ، ولارتباط أندراوس في التقليد الكنسي بالتقشف الشديد ، فهناك مفارقة عجيبة حيث أنه في بعض أجزاء ألمانيا يعتبر أندراوس القديس الحامي للفتيات اللواتي يبحثن عن أزواج . ففي هارز وتورنجن تعتبر ليلة القديس أندراوس ( 30 نوفمبر ) عند الفتيات أفضل وقت لرؤية أزواج المستقبل . وتبدو الروح الغنوسية في التقدير العظيم للإنسان الروحي (6) . فالطبيعة الحقيقية للإنسان طاهرة ، والضعف والخطية هما من عمل " العدو الشرير الذي هو ضد السلام " ، وهو لا يظهر علناً كعدو لإغواء الناس ولكنه يتظاهر بالصداقة ، وعندما يبزغ نور العالم ، يرى عدو الإنسان في ألوانه الحقيقية . والخلاص من الخطية يأتي من الإستنارة . والنظرة المتصوفة إلى الآلام (9) تذكرنا بتلك الموجودة في أعمال يوحنا . ومواعظ الرسول تتميز بالجدية والحــرارة ( فالكلمات تفيض من شفيته " كسيل من نار " 12 ) وإحساس عميق بالرحمة الإلهية على الخطاة والمجربين .

القيمة التاريخية : الشيء الوحيد في أعمال أندراوس الذي يمكن أن يكون له أساس تاريخي هو خدمته في باتري على خليج كورنثوس . وهناك اضطراب في التقاليد الكنسية عن دائرة  خدمة أندراوس فيما بين سيكيثا وبثينية واليونان ، ولكن من المحتمل أن أندراوس جاء إلى اليونان وإنه استشهد في باتري ، ومن المحتمل في نفس الوقت أن خدمة أندراوس وصلبه في باتري قد اخترعت لإظهار أن الكنيسة في باتري كنيسة أسسها أحد الرسل .

أما التقليد عن صلب الرسول على الصليب المعروف باسم صليب القديس أندراوس ، فهو تقليد متأخر .

 

خامساً - أعمال توما : توجد هذه الأعمال كاملة .  ويظهر مدى انتشارها في الدوائـــر الكنسية ، من العدد الكبير من المخطوطات التي تضمها . والأرجح انها كتبت أصلاً بالسريانية ، ثم ترجمت بعد ذلك لليونانية مع إجراء تعديلات فيها لتناسب وجهة النظر الكاثوليكية .

 

محتوياتها : في جدول المخطوطات لنيسيفورس ، يذكر أن أعمال توما تحتوي على 1600 سطر ( كل سطر حوالي 16 مقطعاً ) أي حوالي أربعة أخماس إنجيل مرقس ، وإذا كان ذلك  صحيحــاً  ، تكون الأعمال التي بين أيدينا قد تضخمت كثيرأ ، ففي النسخة اليونانية تنقسم هذه الأعمال إلى ثلاثة عشر قسماً وتنتهي باستشهاد توما . ويمكن إعطاء فكرة عن المحتويات فيما يأتي :

1- في اجتماع للرسل في أورشليم كان من نصيب توما أن يخدم في الهند ، ولم يكن راغباً في الذهاب ، ولكنه رضى بالذهاب عندما باعه الرب لرسول من الملك جوندافورس من الهند . وفي أثناء رحلته إلى الهند وصل توما إلى مدينة أندرابوليس حيث كان يحتفل بعرس ابنة الملك ، فاشترك توما في تلك الاحتفالات ورنم ترنيمة عن العرس السماوي ، وطلب الملك من توما أن يصلي من أجل ابنته ، وبعد أن فعل ذلك ، ظهر الرب في هيئة توما للعروسين وربحهما لحياة الامتناع عن الجنس ، فغضب الملك لذلك وبحث عن توما ولكن توما كان قد رحل .

2- لما وصل توما إلى الهند شرع في بناء قصر للملك جوندافورس ، فأعطاه أموالاً لهذا الغرض ولكنه وزع المال على الفقراء ، ولما اكتشف الملك ذلك وضع توما في السجن ثم عاد وأطلق سراحه عندما علم من أخيه - الذي قام من الأموات - بأن توما قد بنى له قصراً في السماء ، وأصبح جوندافورس وأخو مسيحيين .

3-وإذ ارتحل شرقاً وجد شاباً كان قد قتله تنين بسبب امرأة رغب فيها كلاهما ، ولكن بناء على أمر توما امتص التنين السم من جسم الشاب فمات التنين ، وعاد الشاب إلى الحياة واعتنق مبدأ الامتناع عن الجنس ، ونصحه الرسول بأن يتجه بعواطفه إلى المسيح .

4-قصة مهر يتكلم .

5-إنقاذ توما لامرأة من قوة شيطان نجس . ووصف إقامة فريضة العشاء الرباني ( بالخبز فقط ) مع صلاة غنوسية .

6-كيف تبكت شاب عند تناوله من فريضة العشاء ، فاعترف بقتله لفتاة رفضت أن تعيش معه في علاقة دنسة ، فأقيمت الفتاة من الموت ووصفت حياتها في الجحيم .

7-توسل قائد اسمه سيفور إلى توما لينقذ زوجته وابنته من شيطان النجاسة .

8-بينما هو في طريقهم إلى بيت القائد ، سقطت البهيمة التي كانت تجر العربة . فتطوعت أربعة حمير وحشية لجرها ، وأمر توما أحد الحمير الوحشية أن يطـــــرد الشياطين من المرأتين .

9-أصغت امرأة اسمها ميجدونيا - زوجة تشاريس أحد أقرباء الملك مسداي - إلى حديث الرسول مما أدى بها إلى رفض مجتمع زوجها ، فشكا تشاريس للملك ضد الساحر الذي رقا زوجته ، فطرح توما في السجن . وبناء على طلب رفقائه من السجناء صلى توما لأجلهم ورنم ترنيمة , تعرف باسم " ترنيمة النفس " ، وهي ترنيمة غنوسية تماماً .

10-           نالت ميجدونيا ختم يسوع المسيح بعد أن دهنت بالزيت واعتمدت ثم تناولت العشاء الرباني من خبز وماء . وأطلق سراح توما من السجن ، ونال سيفور وزوجته وابنته الختم .

11-           أرسل الملك مسداي الملكة ترتيا إلى ميجدونيا لاقناعها ، وكانت النتيجة أن ترتيا نفسها اهتدت للحياة الجديدة فجاءوا بتوما للمحاكمة .

12-           وهناك تحدث فازان ابن الملك مع الرسول ، فتجدد . فأمر الملك بأن يعذب توما بألواح حديدية محماة ، ولكن عندما أحضروها انفجرت المياه من الأرض وغمـــرت الألواح . ويعقب ذلك خطاب وصلاة لتوما في السجن .

13-           زارت النساء وفازان الرسول في السجن ، وبعد ذلك اعتمد فازان والآخرون ، وتناولوا من العشاء الرباني ، وقد جاء توما من السجن إلى بيت فازان لهذا الغرض .

14-           أمر الملك فقتل توما وخزاً بالرماح ، ولكنه بعد ذلك أظهر  نفسه حياً لأتباعه . ثم بعد ذلك شفي ابن لمسداي من روح نجس بواسطة تراب أخذ من قبر الرسول ، وهكذا أصبـــح ، مسداي نفسه مسيحياً .

 

طبيعة هذه الأعمال واتجاهها : أعمال توما هي في حقيقتها مبحث في شكل أدب الرحــلات ، كان الهدف الرئيسي منها إظهار أن الامتناع عن العلاقات الجنسية شرط حتمى للخلاص ، وإن كان توما في خطاباته قد شدد على الفضائل المسيحية الإيجابية وبخاصة واجب الرحمة ومجازاتها في قصة بناء القصر السماوي . وواضح أن هذه الأعمال نبتت في الدوائر الغنوسية ، واحتضنتها دوائر الهراطقة . وقد نقحت الأعمال الأصلية لتكون أقرب إلى الأرثوذكسية ، مع الاحتفاظ بالترانيم وصلوات التكريس التي تحمل ملامح غنوسية ، وذلك في الغالب لعـــدم فهمها ، كما يقول ليبسيوس فيما يتعلق " بترنيمة النفس " : " اننا ندين ببقاء هذه القطعة الثمينة من الشعر الغنوسي لجهل المنقح الكاثوليكي الذي لم يفطن لوجود حية الهرطقة الرقطاء رابضة تحت الأزهار الجميلة لهذا الشعر " وهذه الترنيمة - التي كتبها على الأرجح باردسانس مؤسس أحد المذاهب الهرطوقية - تروي في صورة مجازية نزول النفس إلى عالم الحس ، ونسيانها لأصلها السماوي . ونجاتها بالإعلان السماوي الذي أيقظها لتعي حقيقة سموها ، وعودتها إلى الوطن  السماوي الذي منه جاءت ويرى البعض أنه من الخطأ تسميتها " ترنيمة النفس " فيقول " بروخن " إنها بالحري تصف نزول المخلص إلى الأرض ، وإنقاذه للنفس التي تعاني من عبودية الشر ، ثم عودته إلى ملكوت النور السماوي . ويمكن أن نقول عنها  جميعها إنها صورة موسعة مزخرفة لما جاء في الرسالة لفيلبي ( 2 : 5 - 11 ) . ومهما يكن تفسير هـــذه الترنيمة ، فهي قصيدة رائعة الجمال ، غنية بالخيال الشرقي . فالتسبيح للمسيح في أحاديث الرسول كثيراً ما يكون مصوغاً في عبارات سامية ، يغمرها دفء المشاعر . وكل أجزاء هذه الأعمال تزخر بالمعجزات والخوارق . فكثيراً ما يظهر المسيح في شكل توما الذي تمثله هذه الأعمال اخا توأما للمسيح ، واسمه الكامل هو يهوذا توما أو يهوذا التوأم . وفي الفصل 55 يوجد وصف لعذابات الدينونة مما يذكرنا برؤيا بطرس .

 

قيمتها التاريخية : لسنا في حاجة إلى القول بأن أعمال توما - وهي رواية خيالية هادفة - ليست مصدراً تاريخياً لأي معلومات عن توما ، وإن كان المؤلف قد استخدم أسمـــاء أشخاص تاريخيين . فالملك جوندا فورس ( فندافرا ) معروف من مصادر أخرى أنه كان حاكماً بارثيانيا هندياً في القرن الأول الميلادي . ومن المشكوك فيه كثيراً ما تحتفظ به هذه الأعمال من أن توما قد عمل في الهند ، فأقدم التقاليد التي نعرفها تقول إن دائرة عمله كانت بارثيا ، والتقاليد السريانية تقرر أنه مات في إدسا حيث كرست كنيسة على اسمه في القرن الرابع . كما أن أسطورة أبجر تربط بين توما وإدسا حيث تقول إن تاديوس الذي أسس كنيسة إدسا كان مرسلاً من قبل توما . وفي أعمال توما الموجودة بين أيدينا نجد مجموعة من التقاليد عن الهنــد وإدسا ، فنقرأ ( 170 ) أنه بعد موت الرسول بمدة حملت عظامه " إلى مناطق الغرب " . وتقاليد العصور الأولى لاتذكر شيئاً عن استشهاد توما ، فبناء على قول لهراكليون الفالنتيني ( حوالي 170 م ) الذي يقتبسه أكليمندس الكسندري ، مات الرسول بهدوء في فراشه . ويسمى الرسول في هذه الأعمال باسم يهوذا توما ، كما نجد ذلك أيضاً في تعليم عداي وفي غيرها . ولا شك في أن ما تقوله هذه الأعمال من أن توما كان أخا توأما للمسيح ، مبني على معنى اسم تومـــــــا ( = التوأم ) والرغبة في السمو بمكانة الرسول . وفي الفصل 110 ( في ترنيمة النفس ) إشارة إلى أن مملكةبارثيا  مازالت قائمة ، وحيث أن مملكة بارثيا انتهت في 227 م ، فلا بد أن هذه القصيدة كتبت قبل ذلك التـــاريخ . ولكن يبدو أن هذه القصيدة لم تكن في الأعمال الأصلية التي لعلها ظهرت في نهاية القرن الثاني .

 

الأبوكريفا : الرسائل :

 

ينسب عدد قليل من الرسائل للعذراء مريم ، ولكنها من تاريخ متأخر ولا قيمة لها ، والرسائل الآتية هي الرسائل الأبوكريفية :

 

1- رسالة منسوبة للرب : يذكر هذه الرسالة يوسابيوس ، الذي يقول إنه في أيامه كانت توجد نسخة من الرسالة في سجلات إدسا .

يرسل أبجروس ملك أسروين التي كانت إقليماً صغيراً في بلاد بين النهرين ، إلى ربنا يطلب منه أن يشفيه فيبسط عليه حمايته . فيرسل الرب رسالة قصيرة يقول له فيها إنه لا يستطيع مغادرة فلسطين ، ولكن بعد صعوده سيأتي رسول منه ويشفي أبجروس  . وواضح أنها مزيفة ، وقد تحولت أسروين فعلاً إلى المسيحية في بداية القرن الثاني ، وقد كتبت الأسطورة ونالت الموافقة الرسمية لإثبات أن البلاد قد قبلت الإنجيل منذ الأيام الأولى .

 

2- رسالة منسوبة لبطرس :  مواعظ كليمنت هي مؤلف خيالي ينسب إلى أكليمندس الرومـــاني ، فقد كتبت حوالي نهاية القرن الثاني أو بداية الثالث ، وفي بدايتها توجد رسالة من بطرس إلى يعقوب ، وفيها يشير بطرس على يعقوب ألا يظهر الكتاب المحتوي على كرازة بطرس إلا لدائرة محدودة ، ويهاجم الرسول بولس هجوماً عنيفاً . وهي على ماهي عليه ، إبيونية النزعة ، وهي مزورة مثل   المواعظ التي ألحقت بها .

 

3-رسائل منسوبة لبولس :

 

(1)           الرسالة إلى لاودكية . إن ذكر تلك الرسالة في ( كو 4 : 16 ) دفع أحدهم لتزييف رســـالة . وهي مكتوبة باللاتينية وتتكون من عشرين عدداً ، وهي مجموعة متناثرة من عبارات بولسية سلكت في خيط واحد . وقد ذكرت في المخطوطة الموراتوريــــــــــــــــــة ( 170 م ) وكانت واسعة الانتشار في نهاية القرن الرابع . أما الآن فالكل يجمعون على أنها زائفة .

(2)           رسالة مفقودة إلى الكورنثيين : ففي (1كو 5 : 9 ) يذكر الرسول رسالة إلى الكورنثيين يبدو أنها قد فقدت . وفي القرن الخامس أدمجت بعد الرسالة الثانية لكورنثوس رسالة قصيرة من الكورنثيين إلى بولس وأخرى من بولس إلى الكورنثيين ، وهما موجودتان في السريانية ، ويبدو أنهما كانتا  مقبولتين في دوائر  كثيرة في  نهاية القرن الرابع ، وهما تكونان جزءأ من أعمال بولس الأبوكريفية ، ويرجع تاريخ كتابتهما إلى حوالي 200 م .

 

4-رسالة إلى أهل إسكندرية  : لاتذكر إلا في المخطوطة الموراتورية ، ولم تصل إلينا مطلقاً .

 

5-رسائل بولس لسنيكا : وهي رسائل بالاتينية ، ست منها من بولس ، وثمان من سنيكا . ويقول ليتفوت عن هذه الرسائل : الأرجح أن هذه الرسائل قد زيفت في القرن الرابع ، إما لتزكية سنيكا عند القراء المسيحيين ، أو لتزكية المسيحية عند تلاميذ سنيكا . وكانت واسعة الانتشار في العصور الوسطى .

 

الأوبكريفا : الأناجيل :

 

تكون الأناجيل الأبوكريفية جزءاً من المؤلفات الأبوكريفية التي عاصرت تجميع أسفار العهد الجديد القانونية ، فكلمة أبوكريفا تعني أنها غير قانونية وهي تشمل ، بجانب الأناجيل ، الرسائل والرؤى .

 

مقدمه : يذكر لوقا في مقدمته أنه في أيامه عندما كان تلاميذ الرب مازالوا أحياء ، كان من الشائع أن تكتب وتنشر قصص عن أعمال يسوع وأقواله . بل يقول البعض إنه في نهاية القرن الأول كان لكل كنيسة إنجيلها الخاص بها . ومن المحتمل أن هذه الأناجيل كلها كانت مأخوذة عن الأقوال الشفوية للذين  رأوا وسمعوا بل ولعلهم تحادثوا مع الرب . وعدم الرضا عن هذه المؤلفات هو الذي دفع لوقا لكتابة إنجيله . ولكن من المشكوك فيه جداً الآن أن تكون هذه المؤلفات التي كانت قبل لوقا ، هي بعض الموجود بين أيدينا الآن . وقد كان بعض العلماء المشهورين أمثال جروتيوس وجراب ومل يميلون في وقت مضى إلى اعتبار إنجيل العبرانيين وإنجيل الأبيونيين وإنجيل المصريين بين تلك المؤلفات التي أشار إليها لوقا . بل ان بعضهم كان يرى أنه من المحتمل أن إنجيل العبرانيين كتب بعد منتصف القرن الأول بقليل . ولكن الدراسات الحديثة لا تعود بهذه الأناجيل إلى مثل هذا التاريخ المبكر ، وإن كان من المحتمل أن إنجيل العبرانيين له تاريخ أسبق من غيره من هذه المؤلفات .

 

الأناجيل القانونية : ومهما يكن الأمر ، فمما لا شك فيه أنه في ختام القرن الأول وفي بكور القرن الثاني كان الرأي مجمعاً على الاعتراف بالأناجيل الأربعة القانونية . 

فايريناوس أسقف ليون ( 180 م ) يعترف بالأربعة الأناجيل ، وليس غير الأربعة ، بأنها " أعمدة الكنيسة " . وثاوفيلس أسقف أنطاكية ( 168 - 180 م ) ، وتاتيان ، والشهيد جستين في دفاعـــه ، يعودون بهذا التقليد إلى تاريخ مبكر جداً في ذلك  القرن ، وكما يُثبت " ليدون " بالتفصيـــــل : " لا شطط في القول بـأن كل  عقد من عقود القرن الثاني يقدم لنا أدلة جديدة على أن الأناجيل الأربعة ، وبشكل خاص إنجيل يوحنا ، كان لها عند الكنيسة في ذلك العصر نفس المكانة التي لها في الكنيسة الآن " أما محاولة البروفسور بيكون من بيل للغض من قيمة شهادة إيريناوس ( الإنجيل الرابع في الميزان - نيويورك 1910 ) فهي محاولة فاشلة . فهو يؤكد أموراً ليس عليها دليل ، وينكر الحقائق الواضحة الدليل .

 

وفي القرن الماضي تعرضت الأناجيل فيما يختص بتكوينها وتاريخيتها وصحتها لأدق وأقسى أنواع النقد - وإن كان مثل هذا النقد لم ينقطع من قبل - ويمكن أن يقال انه قد بدأه ستراوس الذي - كما يقول ليدون - هز ضمير كل مسيحي في أوربا عندما نشــــــــر أول مؤلفاته " حياة يسوع " . وكانت الأساليب المستخدمة في ذلك الكتاب تتكون في معظمها من تطبيق مباديء النقد - التي استخدمت منذ أربعين سنة قبل ذلك ، في تقييم المؤلفات القديمة - على الأسفار المقدسة والأناجيل بخاصة . والجدل الذي أثاره هذا النقد لايمكن أن يقال إنه قد هدأ . وليس هنا مجال لتفصيل هذا الجدل ، بل قد يكفي هنا أن نقول إن مواقف الكنيسة المعهودة أمكن الدفاع عنها بقوة وكفاءة وبخاصة فيما يختص بالأناجيل الأربعة القانونية .

 

الأبوكريفا : الأناجيل :

 

مهما كان مصير المؤلفات التي سبقت كتابة إنجيل لوقا ، وغيرها مما ظهر في القرن الأول ، فإن الأناجيل الأبوكريفية - والتي مازالت موجودة - بدأت تظهر في القرن الثاني عندما  تحددت الأسفار القانونية . وفي أيام كتابة هذه المخطوطات ، ومع طرق المواصلات المحدودة بين مختلف المواقع ، وعندما كانت الكنيسة في طريق التكوين واستكمال تنظيمها ، لابد أن تأليف هذه الأناجيل ونشرها كانا أيسر مما عليه الحال الآن . ويبلغ عدد هذه الأناجيل نحو خمسين ، ولكن الكثير منها لا توجد منه سوى أجزاء صغيرة أو شذرات متفرقة ، ويوجد البعض منها مكتملاً أو مايشبه ذلك - كما سنرى فيما بعد- ولعل عددها قد تضخم نتيجة إطلاق أسماء مختلفة على المؤلف الواحد . ويذكر هوفمان ثلاثين منها مع بعض الإيضاحات ، ويعطي فابريكوس قائمة كاملة بها . وكانت الدوائر الأبيونية والغنوسية شديدة الخصوبة في إنتاج مثل هذه الأناجيل . ويقول سلمون : " من السهل إعطاء قائمة طويلة بأسماء الأناجيل التي يقال إنها كانت مستخدمة عند المذاهب الغنوسية المختلفة ، ولكن لا يعلم غير القليل عن محتوياتها ، وهذا القليل لا يسمح لنا بأن ننسب لها أي قيمة تاريخية " ، فالكثير منها لانعرف عنه سوى عناوينها مثل إنجيل الباسليديين ، وإنجيل كيرنثوس وإنجيل أبلس ، وإنجيل متياس ، وإنجيل برنابا ( غير الإنجيل الموجود حالياً ) ، وإنجيل برثلماوس ، وإنجيل حواء ، وإنجيل فليمون ، وكثير غيرها . وكان علماء الكنيسة الأولى والمسئولون  فيها يعلمون بوجود هذه الأناجيل وبالهدف من كتابتها . ومما يسترعي النظر أنهم لم يترددوا في نعتها بما تستحقه ، فكما يقول إيريناوس ، إن الماركونيين أصدرو ا " عدداً لا يحصى من الكتابات الأبوكريفية المزورة التي زيفوها بأنفسهم لتضليل عقول الحمقى " . كما أن يوسابيوس  يقدم لنا بياناً بالكتب المزيفة التي يدور الجدل حولها : " إنه في مقدورنا أن نميز بين هذه الكتب القانونية وتلك التي يصدرها الهراطقة بأسماء الرسل مثل : انجيل بطرس ، وإنجيل متى ، وغيرها ، أو مثل أعمال أندراوس ويوحنا وغيرهما من الرسل ، التي لم يذكر أحد من كتّاب الكنيسة شيئاً عنها ، وفي الحقيقة أن أسلوبها يختلف اختلافاً بيّناً عن أسلوب الرسل ، كما أن أفكارها ومفاهيمها بعيدة جداً عن أفكارنا ومفاهيمنا القويمة الصحيحة ، وهذا دليل على أنها من صنع خيال رجال هراطقة ، ومن ثم وجب ألا تحسب بين الكتابات المزيفة فحسب ، بل يجب أن ترفض كلية باعتبارها سخيفة ونجســـة " . وفي مقدمة وستكوت لدراسة الأناجيل ، نجد جدولاً كاملاً - باستثناء ما اكتشف في مصر مؤخراً - بالأقوال والأفعال التي لم تدون في الأسفار القانونية ، والمنسوبة لربنا في كتابات العصور الأولى ، وكذلك بياناً بالاقتباسات من الأناجيل غير القانونية والتي لا نعلم عنها شيئاً سوى هذه الاقتباسات . ويمكن أن نقول إن الهدف من هذه الأناجيل الأبوكريفية ، هو أنها إما كتبت لتأييد هرطقة من الهرطقات ، أو لتفصيل الأناجيل القانونية بإضافـــات أسطورية في غالبيتها . ولنبدأ بالنظر في إنجيل العبرانيين .

 

إنجيل العبرانيين : إن التاريخ القديم المتفق عليه لهذا الإنجيل ، وأغلـــب الاقتباسات القليلة منه ، والاحترام الذي يذكره به الكتّاب الأوائل ، والتقدير الذي يلقاه من العلماء عموماً في العصر الحاضر ، كل هذه تجعل له اعتباراً خاصاً ، فرغم ما جاء به من أن الرب قد أمر تلاميذه بالبقاء اثني عشر عاما ً في أورشليم - وهو أمر قليل الأهمية - فإنه يبدو من المعقول أن يحتاج المسيحيون المقيمون في أورشليم  وفلسطين إلى إنجيل مكتوب بلغتهم ( الأرامية الغربية ) ، ومن الطبيعي أن يستخدم المسيحيون من شتات اليهود هذا الإنجيل . فالمسيحيون من اليهود - المقيمون مثلاً في الإسكندرية - لابد أنهم استخدموا هذا الإنجيل ، بينما الأرجح أن المسيحيين المصريين استخدموا إنجيل المصريين ، إلى أن حلت محلهما الأناجيل الأربعة التي قبلتها الكنيسة كلها .

 

وليس ثمة دليل على أن هذا الإنجيل كان سابقاً للأناجيل الثلاثة الأولى ، وبالأولى لم يكن من المؤلفات التي سبقت إنجيل لوقا والتي أشار إليها في مقدمة إنجيله . ويرجـــــع به هارناك - بالاعتماد على وثائق لا سند حقيقياً لها - إلى المدة من 65 - 100 م . وكان جبروم ( 400 م ) يعلم بوجود هذا الإنجيل ويقول إنه ترجمه إلى اليونانية واللاتينية ، وتوجد اقتباسات منه في مؤلفاته وفي مؤلفات أكليمندس السكندري . وعلاقته بإنجيل متي الذي يكاد الاجماع ينعقد على أنه كتب أصلاً بالعبرية ( الأرامية ) أثارت جدلاً كثيراً ، والرأي السائد بين العلماء أنه لم يكن الأصل الذي ترجم عنه إنجيل متى لليونانية ، رغم أنه مؤلف قديم نوعاً . ويميل البعض مثل هارناك وسلمون إلى الاعتقاد بأن   إنجيل العبرانيين الذي ذكره  جيروم كان إنجيلاً خامساً كتب أصلاً للمسيحيين الفلسطينيين ، ولكن  قلت أهميته عندما امتدت المسيحية إلى كل العـــالم . وعلاوة على إشارتين إلى معمودية يسوع والقليل من أقواله مثل : " لا تفرح أبداً إلا متى نظرت نظرة الحب إلى أخيك " ، " الآن يا أماه أخذني الروح بشعرة من شعري وحملني إلى جبل تابور العظيم " ، فأنه يسجل لنا ظهور الرب ليعقوب بعد القيامة ، الذي يذكره الرسول بولس ( 1كو 15 : 7 ) كأحد الأدلة على القيامة . ولكن من الطبيعي أن بولس كان في إمكانه معرفة ذلك  من يعقوب شخصياً كما من الأخبار المتواترة ، وليس من الضروري أن يكون قد استقى ذلك من هذا الإنجيل . وهذا هو الخبر الرئيسي الوحيد الذي له أهميته ، والذي يضيفه هذا الإنجيل إلى ما نعلمه من الأناجيل القانونية . وبمقارنة ما جاء به عن مقابلة المسيح للحاكم الغني ، بما تذكره الأناجيل الثلاثة الأولى ، نجد - كما يرى وستكوت - أن الأناجيل الثلاثة تقدم لنا أبسط الصور ، ومن ثم فهي أقدم الصور لهذه الحادثة . ويرى بعض العلماء أنه لا بأس من الاستعانة ببعض المقتطفات الموجودة حالياً من هذا الإنجيل ، للإحاطة ببعض جوانب حيــــاة المسيح .

 

وقد أطلق الأبيونيون اسم " إنجيل العبرانيين " على نسخة مشوهة من إنجيل متى . وهذا يأتي بنا إلى أناجيل الهراطقة :

 

الأبوكريفا : أناجيل الهراطقة :

 

(1)           إنجيل الأبيونيين : يمكننا وصف الأبيونيين عموماً بأنهم المسيحيون من اليهود الذين عملوا على الاحتفاظ - بقدر الإمكان - بتعاليم وممارسات العهد القديم . وهو أصلاً جماعة المتطرفين في مجمع أورشليم المذكورين في ( أع 15 : 1 - 29 ) . وكثيراً ما يرد ذكرهم في كتابات الآباء فيما بين القرن الثاني والقرن الرابع . ومن المحتمل أن المجادلات الغنوسية قد فرقتهم شيعاً وأحزاباً ، فيقول جيروم - من القرن الرابع - إنه وجد في فلسطين مسيحيين من اليهود يعرفون باسم " ناصرين وأبيونيين " . ولا نستطيع الجزم هل كانا مذهبين منفصلين ، أو أنهما كانا جناحين لمذهب واحد من ذوي الآراء المتحررة أو الضيقة . فالبعض مثل هارناك يعتقد أن الاسمين هما لقب مميز للمسيحيين من اليهود ، بينما يعتقد البعض الآخر أن الأبيونيين هم جماعة الرجعيين والمذهب الأضيق من المسيحيين اليهود ، بينما كان الناصريون أكثر تسامحاً مع من يختلفون معهم في العقيدة والممارسات . فإنجيل الأبيونيين أو إنجيل الاثنى عشر رسولاً - كما كان يسمى أيضاً - يمثل مع إنجيل العبرانيين - المذكور سابقاً - الروح المسيحية اليهودية . ويحتفظ لنا أبيفانيوس ( 376 م ) ببعض أجزاء من إنجيل الأبيونيين . ويقول إن الناصريين " لديهم إنجيل متى في صورة أكمل في العبرية " ( أي الأرامية ) ، ولكنه يردف ذلك بالقول : " إنه لا يعلم ما إذا  كانوا قد حذفوا سلسلة نسب المسيح من إبراهيم " أي لا يعلم ما إذا كانوا قد  قبلوا ولادة المسيح من عذراء أو لم يقبلوها . ولكنه يذكر أيضاً في موضع آخر ما يناقض ذلك ، فيقـــول : " إن الأبيونيين لديهم إنجيل " يسمى الإنجيل بحسب متى " غير كامل وغير صحيح تماماً بل هو مزور ومشوه ، ويسمونه الإنجيل العبري " .

 

ويذكر وستكوت الأجزاء التي مازالت موجودة من هذا الإنجيل ، " وهي تبين أن قيمته ثانويــة  ، وأن  المؤلف قد استقى معلوماته من الأناجيل القانونية وبخاصة الأناجيل الثلاثة الأولى ، بعد أن جعلها تتفق مع آراء وممارسات الأبيونية والغنوسية " .

 

(9)  إنجيل المصريين : وكل ما تبقى منه ثلاثة أعداد قصيرة وغامضة إلى حد ما . وهي مذكورة في أحد مؤلفات أكليمندس الإسكندري الذي خصصه لدحض  أحد المذاهب الهرطوقيـــــــــة " المنضبطين " الذي كان يرفض الزواج وتناول اللحوم والخمر رفضاً باتاً . ونحن نقابل في رسائل بولس جماعات كانت تقول : " لاتمس ولا تذق ولا تجس " ( كو 2 : 21 ) " مانعين عن الزواج وآمرين أن يمتنع عن أطعمة قد خلقها الله للتناول بالشكر " ( 1 تي 4 : 3 ) . فما ذكره أكليمندس : ( إنه عندما سألته سالومي : " إلى متى يسود الموت ؟  " قال لها الرب : "إلى أن تكفوا أنتن النساء عن ولادة أطفال  ، لأني قد جئت لأقضى على وظيفة المرأة " فقالت سالومي : " ألم أفعل حسناً بعدم ولادة أطفال ؟ " فأجابها الرب قائلاً : " كلوا من كل عشب ، ولكن لا تأكلوا ماهو مر " . وعندما سألته سالومي :" متى تعلن الأمور التي سألت عنها ؟ " قال لها الرب : " عندما تدوسين ثياب الخجل ، عندما يصبح الاثنان واحداً ويكون الذكر مع الأنثى لا ذكراً ولا أنثى ) .

 

وهذه الأقوال تختلف بكل تأكيد عن طبيعة أقوال الرب . ويختلف العلماء في العصر الحاضر على مدى مايذهب إليه هذا الإنجيل في هذه الهرطقة ، وإلى أي مدى أطاعوه ، فمع القليل الذي  لدينا عنه ، من الصعب أن نصل إلى نتيجة . ولا بد أنه كان يحتوي على أجزاء أخرى جعلت أوريجانوس يحكم عليه بالهرطقة ، وقد استخدمه النحشتانيون ( نسبة إلى الحية نحشتـــان ) والسابليون . ويرجع تاريخ هذا الإنجيل إلى ما بين 130 - 150 م .

 

(2)           إنجيل ماركيون : واضح أن الهدف من هذا الإنجيل كان معارضة الأناجيل الأرامية . كان ماركيون من مواطني بنطس وابنا لأحد الأساقفة ، استوطن روما في النصف الأول من القرن الثاني ، وأسس مذهباً معارضاً لليهود ، ولم يعترف إلا برسائل بولس . وهذا الكتاب مثال ناطق بمدى الحرية التي أباحها الكتّاب لأنفسهم في الأيام السابقة لتحديد الأسفار القانونية ، وكيف امتدت هذه الحرية الطائشة إلى أقدس أمور الإيمان ، كما يرينا مدى ما ثار من نزاع وصراع حتى تحددت الأسفار القانونية .

 

رفض ماركيون العهد القديم بأجمعه ، ولم يستبق من العهد الجديد سوى إنجيل لوقا ، على أساس أنه من مصدر بولسي ، بعد حذف الأجزاء التي تستند إلى العهد القديم ، كما استبقى عشر رسائل من رسائل بولس بعد حذف  الرسائل الرعوية . وكل آباء الكنيسة الأوائل المشهورين يتفقون في حكمهم على ما فعله ماركيون من تشويه في إنجيل لوقا . وترجع أهمية إنجيل ماركيون إلى أن البعض كانوا يزعمون أنه هو الإنجيل الأصلي الذي يعتبر إنجيل لوقا تفصيلاً له ، ولكن أبحاث العلماء في ألمانيا ثم في  انجلترا قضت على هذه النظرية نهائياً .

 

(3)           إنجيل بطرس : حتى أوائل هذا القرن لم نكن نعرف عن هذا الإنجيل أكثر مما نعرف عن كثير من أناجيل الهراطقة السابق الكلام عنها ، فقد ذكر يوسابيوس أن إنجيلاً يســــــــــــــمى " إنجيل بطرس " كان مستخدماً في كنيسة مدينة روسوس في ولاية أنطاكية في نهاية القرن الثاني ، وقد ثار الجدل حوله ، وبعد الفحص الدقيق ، حكم عليه سرابيون أسقف أنطاكيـــة ( 190 - 203 ) بالهرطقة الدوسيتية ( التي تنكر أن جسد المسيح كان جسداً حقيقياً ) . وينسب أوريجانوس في تعليقه على ( مت 10 : 17 ) إلى هذا الإنجيل أنه قال : " يوجد البعض من إخوة يسوع ، أبناء يوسف من زوجة سابقة عاشت معه قبل مريم " . ويذكر يوسابيوس إنجيل بطرس بين الأناجيل الهرطوقية المزيفة . ويقول ثيودوريت أحد مؤرخي الكنيسة اليونانيين ( 390 - 459 م ) إن الناصريين استخدموا إنجيلاً اسمه " بحســـب بطرس " . كما يشير إليه جيروم أيضاً . وقد حكم بزيف هذا الإنجيل في المرسوم الجلاسياني ( 496 م ) . ويقول سلمــــــــــــــــــــون  ( 1885 م ) : " إنه لا توجد أجزاء كثيرة من هذا الإنجيل ، وواضح أنه لم يكن واسع الانتشار " ، ولكن في السنة التالية عثرت البعثة الفرنسية الأركيولوجية في صعيد مصر - في قبر  يظن أنه قبر أحد الرهبان ، في أخميم ( بانوبوليس ) - على رقوق مكتوب عليها أجزاء من ثلاثة مؤلفات مسيحية مفقودة هي : سفر أخنوخ وإنجيل بطرس ، ورؤيا بطــرس  ، فنشرت في 1892  وأثارت جدلاً كثيراً . ونشر علماء مبرزون صوراً طبق الأصل من الإنجيل ، وقدروا أن هذه الرقوق تحتوي على حوالي نصف الإنجيل الأصلي ، فهي تبدأ من منتصف قصة الآلام بعد أن غسل بيلاطس يديه من كل مسئولية  ، وتنتهي في منتصف جملة ، عندما كان التلاميذ في نهاية عيد الفطير ينصرفون إلى بيوتهم : " لكن أنا ( سمعان بطرس الكاتب المزعوم ) واندراوس أخي أخذنا شباكنا وذهبنا إلى البحر ، وكان معنا لاوي بن حلفى الذي كان الرب " . ويذكر هارناك حوالي ثلاثين  إضافة في إنجيل بطرس لقصة الآلام والدفن ( وهي موجودة بالتفصيل في مجلد عن الكتابات " ماقبل نيقية " باسم المخطوطات المكتشفة حديثاً - ادنبرة 1897 ) . لكن دكتور سويت ( إنجيل بطرس - لندن - 1893 ) يقول : " إنه حتى التفاصيل التي تبدو جديدة تماماً أو التي تتعارض مباشرة مع الأناجيل القانونية ، يمكن أن تكون مأخوذة عنــــها  "  ، ثم يختم بالقول :" إنه بالرغم من كثرة الجديد فيه فليس هناك ما يضطرنا لافتراض استخدام مصادر خارجة عن الأناجيل القانونية " . أما بروفسور أور فيقول إن الأصل الغنوسي لهذا الإنجيل يبدو  واضحاً في قصة القيامة والمعالم الدوسيتية فيها - أي أنها صادرة عن الذين يعتقدون أن المسيح لم يكن له إلا شبه جسد - من القول بأن يسوع على الصليب كان صامتاً كمن لا يشعر بألم ، ومن صرخة الاحتضار علــى الصليب : " قوتي ، قوتي ، لقد فارقتني " بما يعني أن المسيح السماوي قد انطلق قبل الصلب . والبعض يرجع بالإنجيل إلى الربع الأول من القرن الثاني والبعض الآخر إلى الربع الثالث من نفس القـــرن .

 

كما يذكر أوريجانوس إنجيلاً يسميه " إنجيل الاثنى عشر " توجد شذرات قليلة منه محفوظة في كتابات أبيفانيوس ، وهو يبدأ من المعمودية ، وقد استخدمه الأبيونيون . ويظـــــــــــــــن " زاهن " أنه كتب حوالي 170 م . كما جاء بالحرم الذي أصدره البابا جلاسيوس اسماً إنجيل برنابا وإنجيل برثلماوس ، كما أن جيروم ذكر الإنجيل الأخير .

 

الأبوكريفا : الأناجيل الأسطورية :

 

في كل هذا النوع من الأناجيل ، نلاحظ أن رغبة كتاب الأناجيل غير القانونية في مضاعفة المعجزات ، جعلتهم لا يعيرون أي اعتبار للمدة التي مضت من حياة المسيح بين الاثنتي عشرة والثلاثين من العمر ، ولعل السبب الرئيسي في ذلك هو أن أخبار هذه الفترة من حيــاة المخلص ، لا تصل بهم إلى هدف عقائدي معين . وحيث لايمكن الرجوع إلى هذه الوثائق في لغاتها الأصلية ، فقد يكون من المفيد أن نشير إلى وجود ترجمة جيدة وكاملة لها في المجلد السادس عشر من كتابات " ماقبل نيقية ، لكلارك ( أدنبرة 1870 ) :

 

1- أناجيل الميلاد :

أ‌-    الإنجيل الأوَّلي  ليعقوب :  ويظن  أنه يعقوب أخو الرب . وكلمة الإنجيل الأوَّلي - وهو عنوان رائع يفترض الكثير ويوحى بالكثير - أطلقه على هذه الوثيقة بوستلوس ، وهو رجل فرنسي كان أول من نشره في  اللاتينية 1552 . وله أسماء مختلفة في المخطوطات اليونانية والسريانية ، مثل : " تاريخ يعقوب عن مولد كلية القداسة ودائمة البتولية والدة الله وابنها يسوع المسيح " أما في مرسوم البابا جلاسيوس الذي يستبعده من دائرة الأسفار القانونية ، فيسمى " إنجيل يعقوب الصغير الأبوكريفي " . وجاء في هذا الانجيل أن ملاكاً  أنبأ والدي مريم ، يواقيم وحنة بمولدها ، كما أنبأ بعد ذلك مريم بمولد المسيح . وتغطي أصحاحاته الخمسة والعشرون الفترة من ذلك الإعلان إلى مذبحة الأطفال الأبرياء ، بما في ذلك فترة تربية مريم في الهيكل ، وما جاء في لوقا عن ميلاد المسيح مع بعض الإضافات الأسطورية ، ومقتل زكريا بأمر هيرودس لرفضه الإدلاء بمعلومات عن مخبأ أليصابات والطفل يوحنا اللذين نجيا بأعجوبة عند هروبهما من المذبحة بالتجائهما إلى فتحة في الجبل . وفي الأصحاح الثامن عشر يتغير الكلام من ضمير الغائب إلى ضمير المتكلم الذي يستنتج منه بروفيسور أور أن أصل الوثيقة مصدر أسيني أبيوني ، وأنها من جمع جملة كتَّاب مما يعلل الإختلاف الكبير في تحديد تاريخ كتابته ، فالبعض يرجع به إلى القرن الأول ، وزاهن وكروجر يرجعان به إلى العقد الأول من القرن الثاني ، ويرجع به آخرون إلى النصف الثاني من القرن الثاني . بينما يرجع به آخرون ( مثل هارناك ) - في صورته الحالية - إلى منتصف القرن الرابع .

 

ويقول  علماء مبرزون ( مثل ساندي  في كتابه " الأناجيل في القرن الثاني " ) بأن جستين  الشهيد قد أشار  إليه ، مما قد يدل على أنه كان معروفاً في صورة أقدم ، في النصف الأول من القرن الثاني ، وفي صورته الأخيرة  يتضح أن هدف الكاتب كان تأكيد القداسة والاحترام للعذراء ، وفيه عدد من الأقوال غير التاريخية . وقد حرمة في الكنيسة الغربية البابوات ديدمسوس ( 382 م ) وانوسنت الأول ( 405 م ) والبابا جلاسيوس  ( 496 م)  .

 

ب‌- إنجيل متى المزيف : وهو رسائل مزورة بين جيروم  وأسقفين طليانيين ، مع الادعاء زوراً بأن جيروم قد ترجمها إلى اللاتينية من الأصل العبري  . ولا يوجد  هذا الإنجيل إلا في اللاتينية ويبدو أنه لم يكن له وجود قبل القرن الخامس . ويستخدم هذا الإنجيل إنجيل يعقوب كثيراً مع إضافات من  مصدر غير معروف ( الأرجح غنوسي ) ، مع معجزات أخرى مأخوذة من إنجيل الطفولة لتوما تتعلق بالرحلة إلى مصر ، مع التنويه في بعض هذه المعجزات بأنها كانت  إتماماً لنبوات العهد القديم ، فمثلاً في ( أصحاح 18 ) كان سجود التنانين للطفل  يسوع إتماماً لما قاله داود : " سبحي  الرب من الأرض أيتها التنانين وكل اللجج " ( مز 148 : 7 ) ، وفي ( أصحاح 19 ) عندما سجدت له الأسود والنمور ودلتهم على الطريق في البرية  ، وذلك " باحناء رؤوسها وهز ذيولها والسجود له باحترام عظيم " على أنه إتمام للنبوة : " يسكن الذئب مع الخروف ويربض النمر مع الجدي والأسد كالبقر يأكل تبناً " ( إش 11 : 6 و 7 ) . وفي هذا الإنجيل يذكر لأول مرة كيف أن الثور والحمار سجدا للطفل يسوع في المزود  ، وقد استغل الفن المسيحي ذلك كثيراً . كما أن به الكثير من المعجزات المذكورة في إنجيل الطفولة .

 

ج- إنجيل مولد مريم : إنجيل ميلاد  مريم  كتب في الطليانية ، وهو يكاد يسير  على نفس  الخطوط الموجودة  في الجزء الأول من إنجيل متى المزيف ، ولكنه أيضاً  يختلف عنه بما يدل على أنه كتب بعده وبقلم مؤلف آخر ، فهو يحتوي على معجزات أكثر ، وزيارة الملائكة يومياً لمريم في أثناء إقامتها في الهيكل . ويقول هذا الإنجيل إن مريم غادرت الهيكل وهي في الرابعة عشرة من عمرها ، بينما في الإنجيل الآخر ، يذكر الكاتب - الذي يدعى أنه ابن مريم - إنها غادرت الهيكل في الثانية عشرة من عمرها بعد أن عاشت فيه تسع سنين . وكان يظن لمدة طويلة أنه من تأليف جيروم ومنه صيغت " الأسطورة الذهبية " التي حلت محل الأسفار المقدسة في القرن الثالث عشر في أوربا قبل اختراع الطباعة . وكان من بين الكتب التي طبعت في بعض البلاد ( مثل انجلترا ) حيث لم يكن طبع الأسفار المقدسة مأموناً . وما أداه هذا الإنجيل  من خدمات للآداب والفن يجب إلا يعمينا عن تلك الحقيقة وهي أنه مزور عن قصد ، وبدأ استخدامه في الكنيسة في حوالي القرن السادس عندما أصبحت عبادة مريم أمراً هاماً في الكنيسة .

 

د - إنجيل يوسف النجار : وهو من نفس هذا الصنف من المؤلفات . وقد كتب أصلاً بالقبطية ثم ترجم إلى العربية التي نشر بها مع اللاتينية في 1722 م . وهو مخصص  لتمجيد يوسف ، وكانت هذه عقيدة أثيرة عند المتوحدين من الأقباط . وهو يرجع إلى القرن الرابــع ، ويحتوي على 22 أصحاحاً بها كل تاريخ يوسف والأحداث الأخيرة لوفاته في المائة والحادية عشرة من عمره . وله أهميته في تاريخ العقيدة .

 

هـ - إنجيل انتقال مريم : وهو ليس إنجيلاً بالمعنى الدقيق ، وقد كتب أصلاً باليونانية ، ولكنه ظهر أيضاً  باللاتينية وفي لغات أخرى عديدة . ويقول هذا الإنجيل إنه بعد صعود المسيح بسنتين  كانت مريم تواظب على زيارة " القبر المقدس لربنا " لتحرق البخور وتصـلي ، فتعرضت لاضطهاد شديد من اليهود ، فصلت لابنها ليأخذها من الأرض ، فيأتي رئيس الملائكة جبرائيل استجابة لصلاتها ، ويخبرها أنه بعد ثلاثة أيام ستذهب لابنها في المنازل السماوية حيث الحياة الحقيقية الأبدية .

 

فيدعى الرسل من قبورهم أو من مراكز خدمتهم للالتفاف حول فراشها في بيت لحم ويقصون عليها ما كانوا يعملون عندما وصلهم الاستدعاء . وحدثت معجزات شفاء حول فراش الموت . وبعد انتقال مريم ، أخذت - يحف بموكبها الرسل - إلى أورشليم في يوم الرب ، وبين مناظر الملائكة ، يظهر المسيح نفسه ويستقبل نفسها إليه . ودفن جسدها في جثسيماني ، ثم بعد ذلك نقل إلى الفردوس .

 

وبناء على مشتملاته التي تدل على مرحلة متقدمة من عبادة العذراء ، وكذلك الطقوس الكنسية ، لا يمكن أن يكون تأليف الكتاب قد حدث قبل نهاية القرن الرابع أو بداية الخامس ، فقد ورد اسمه في الكتب الأبوكريفية التي حرمها مرسوم البابا جلاسيوس ، فيبدو واضحاً  أنه في ذلك العصر أطلق الكتَّاب لأنفسهم عنان الخيال في زخرفة الحقائق والمواقف فيما يختص بقصة الأناجيل .

 

2- أناجيل الطفولة :

أ- إنجيل توما : ويعد أكثر الأناجيل انتشاراً وأقدمها بعد إنجيل يعقوب . فقد ذكره أوريجانوس وإيريناوس ويبدو أنه كان مستخدماً عند مذهب غنوسي من النحشتانيين ( عبدة الحية ) في منتصف القرن الثاني . وهو دوسيتي فيما يختص بالمعجزات المسجلة فيه ، وعلى هذا الأساس كان مقبولاً عند المانيين . ومؤلفه أحد الماركونيين ، كما يقول إيريناوس . وتوجد اختلافات كثيرة في مخطوطاته التي يوجد منها اثنتان في اليونانية ، وواحدة في اللاتينية وواحدة في السريانية . وإحدى المخطوطتين اليونانيتين أطول من الأخـــــرى كثيراً ، بينما اللاتينية أطول منهما بعض الشيء . وأهم ما به هو  تسجيل معجزات يسوع قبل بلوغه 12 سنة . وهو يصور المسيح طفلاً خارقاً للعادة ، ولكنه غير محبوب بالمرة . وعلى النقيض من المعجزات المسجلة في الأناجيل القانونية ، نجد المعجزات المسجلة فيه تميل إلى طبيعة التدمير ، وصبيانية وشـــاذة . إن الإنسان ليصدم إذ يقرأ مثل هذا عن الرب يسوع المسيح ، فهي تمزج قدرة الله بنزوات الطفل المشاكس المتقلب ، فبدلاً من الخضوع لوالديه ، يسبب لهم متاعب خطيرة ، وبلاً من النمو في الحكمة ، نراه في هذا الإنجيل مندفعاً يريد أن يعلم معلميه ، وأن يبدو عالماً بكل شيء منذ البداية . ويطلب والد - مات ابنه بسببه - من يوسف :" خذ يسوعك هذا من هذا المكان لأنه لايمكن أن يقيم معنا في هذه المدينة ، أو على الأقل علمه أن يبارك لا أن يلعن " . وعندما  كان يسوع في مصر في الثالثة من عمره ، نقرأ في الأصحاح الأول : " وإذ رأى الأولاد  يلعبون ، بدأ يلعب معهم ، وأخذ سمكة مجففة ووضعها في حوض وأمرها أن تتحرك ، فبدأت تتحرك ، فقـــــــال للسمكة : " اخرجي الملح الذي فيك وسيري في الماء " ففعلت ذلك وعندما رأى الجيران ماحدث ، أخبروا به الأرملة التي كانت مريم أمه تقيم عندها ، وحالما سمعت ذلك طردتهم من بيتها فوراً . وكما يقول وستكوت :" في المعجزات الأبوكريفية لا نجد مفهوماً سليماً لقوانين تدخلات العناية ، فهي تجرى لسد أعواز طارئة ، أو لإرضاء عواطف وقتية ، وكثيراً ما تنافي الأخلاق ، فهي استعراض للقوة بدون داع من جانب الرب أو من جانب من عملت معه المعجزة ". ولعل مؤلفي هذه القصص المذكورة ، في القرن الأول ، رأوا أنه من اللائق أن يجعلوا من المعجزات جزءاً ضرورياً - بل وبارزاً - في قصتهم ، ولعل هذا هو السبب في أن يوحنا في بداية إنجيله الرابع ذكر أن كل ما ذكر عن معجزات الطفولة لا أساس له ، بالقول بأن أول معجزة هي ما أجراه في بداية خدمته في عرس قانا الجليل :" هذه بداية الآيات فعلها يسوع في قانا الجليل وأظهر مجده فآمن به تلاميذه " ( يو 2 : 11 ) .

 

ت‌- إنجيل الطفولة العربي : وهو إنجيل عربي بقلم جملة مؤلفين . ومع أنه نشر أولاً  بالعربية مع ترجمة لاتينية في 1697م ، إلا أن أصله السرياني يمكن أن يستدل عليه من ذكر عصر الإسكندر الأكبر في الأصحاح الثاني ، ومن معرفة الكاتب بالعلوم الشرقية ، ومن معرفة الصبي يسوع وهو في مصر بالفلك والطبيعيات . ولعل انتشار استخدام هذا الإنجيل عند العرب والأقباط يرجع إلى أن أهم المعجزات  المذكورة فيه حدثت في أثناء وجوده في مصر . ومما يلفت النظر أنه جاء بهذا الإنجيل ( أصحاح 7 ) أنه بناء على نبوة لزرادشت عن ولادة المسيا ، قام المجوس برحلتهم إلى بيت لحم ، كما أن به عدداً من القصص التي يذكرها أحد الكتب الدينية الشرقية . والأصحاحات من ( 1 - 9 ) مبنية على إنجيلي متى ولوقا القانونيين ، وعلى إنجيل يعقوب الأبوكريفي ، بينما من أصحاح 26 إلى الآخر مأخوذ عن إنجيل توما .

والجزء الأوسط من هذا المؤلف شرقي في أسلوبه ، ويبدو كأنه مقتطفات من ألــف ليلة وليلة .

 

وليس هناك أي وجه لمقارنة مثل هذه المؤلفات بالأسفار القانونية . كما أن هذا الإنجيل له علاقة كبيرة بتزايد تكريم العذراء .

 

3-أناجيل الآلام والقيامة : وأهم هذه الأناجيل إنجيل نيقوديموس ، وإلى حد ما إنجيل بطرس الذي سبق الكلام عنه .

 

أ‌-    إنجيل نيقوديموس : أطلق اسم نيقوديموس في القرن الثالث عشر على مؤلــــف مزدوج من : (1) أعمال بيلاطس ، (2) نزول المسيح إلى العالم السفلي . والكتاب نفسه يذكر أنه ترجم من العبرية إلى اليونانية ، وأنه كتب في السنة السابعة عشرة للإمبراطور ثيودسيوس والسنة السادسة لفالنتنيان . وتوجد ست صور منه : اثنتان في اليونانية ، وواحدة في اللاتينية لأعمال بيلاطس ، واثنتان في اللاتينية وواحدة في اليونانية لنزول المسيح إلى العالم السفلي .

 

ويكاد العلماء يجمعون على أنه مؤلف من القرن الخامس ، ولو أن تشندورف - اعتماداً على إشارات في جستين وترتليان  - يرجع به إلى القرن  الثاني وهو زمن يكفي لانتشار الأسطورة . والأرجح أن هناك خلطاً بين التقرير عن الإجراءات التي اتخذت في محاكمة يسوع وصلبه التي كان يجب - حسب القانون الروماني - رفعها إلى الإمبراطور ، والتقرير المطول عن هذه الإجراءات الوارد في إنجيل نيقوديموس . وواضح أن الكاتب كان مسيحياً يهودياً وكتب لهذه الفئة من الناس ، وكان متلهفاً على إثبات ما سجله بشهادات من أفواه أعداء يسوع ، وبخاصة رجال الدولة الذين كان لهم دور في الأحداث السابقة واللاحقة لموت المسيح . فبيلاطس بشكل خاص كان في جانب يسوع - وهو ما لابد أن يدهش له قراء الأناجيل  القانونية - كما جاء كثيرون ممن صنع معهم معجزات الشفاء ، ليشهدوا في جانب يسوع - وهذه خطوة طبيعية يذهب إليها أي كاتب متأخر متصوراً ما يمكن أن يجرى في محاكمة رسمية . ورغم إلمام الكاتب بالعوائد اليهودية ، فإنه أخطأ كثيراً في معلوماته الطبوغرافية عن فلسطين . فمثلاً يقول إن يسوع صلب في نفس البستان الذي ألقي عليه القبض فيه ( أصحاح 9 ) ، ويذكر أن جبل مملك أو ملك في الجليل ( بينما هو في جنوبي أورشليم ) ويخلط بينه وبين جبل الصعود .

 

والجزء الثاني من الإنجيل - وهو نزول المسيح إلى العالم السفلي - هو رواية لتقليد قديم لم يذكر في الأناجيل القانونية ، ولكنهم يبنونه على ما جاء في ( 1 بط 3 : 19 ) : " ذهب فكرز للأرواح التي في السجن " ، ويروي قديسان ممن قاموافي قيامته ، كيف كانا محبوسين في الهادس ( مكان الأرواح ) عندما ظهر الغالب ( المسيح )عند مدخله ، فتكسرت الأبواب النحاسيـــة  ، وأطلق سراح المسجونين ، وأخذ يسوع معه إلى الفردوس نفوس آدم وإشعياء ويوحنا المعمدان وغيرهم من الرجال الذين ماتوا قبله .

والكتاب كله مجرد خيال ، وكل أهميته تنحصر في أنه يبين إلى أي مدى كانت هذه العقيدة منتشرة في القرن الرابع .

 

وأقل من ذلك أهمية ما ظهر من إضافات ملفقة في العصور المتأخرة ، وألحقت بإنجيل نيقوديموس ، مثل خطاب بيلاطس للإمبراطور طيباريوس ، وتقرير بيلاطس الرسمي ( الذي سبقت الإشارة إليه ) ، وموت بيلاطس - الذي حكم على يسوع - أشنع ميتة ، إذ قتل نفسه بيديه . ويطلق الكاتب لخياله العنان في حديثه عن يوسف الرامي .

 

ودراسة كل هذه الوثائق التي ذكرت آنفاً ، تبرر ما يقوله مؤلفو " موسوعة ما قبل نيقيه " من أنها بينما تقدم لنا " لمحات غريبة عن حالة الضمير المسيحي وأساليب التفكير في القرون الأولى من العصر المسيحي ، فإن الانطباع الدائم الذي تتركه في أذهاننا هو الإدراك الصادق لسمو وبساطة وجلال الأسفار القانونية بدرجة لا تدانى  " . 

 

الأبوكريفا الحديثة :

 

وهي مجموعة من الكتب الدينية - نحو اثني عشر كتاباً - ظهرت في المائة السنة الأخيرة ، ويزعم كاتبوها أنها مبنية على وثائق مسيحية قديمة ، ولكن أثبت العلماء بهتان ذلك ، فلم توجد قط هذه الوثائق القديمة التي يزعمون أنهم يبنون عليها ، ورغم ذلك مازال ينخدع بها الكثيرون من السذج . ومعظمها يتناول حياة المسيح وبخاصة في سنوات الصمت . البعض منها كتب لتأييد انحراف تعليمي أو إيغالاً في الخداع . وبالنسبة للدعايات الكاذبة التي تحيط بها ، يجب على الشعب المسيحي أن يعرف شيئاً عنها حتى لا يخدع بها ، وسنعطي فكرة موجزة عن طبيعة هذه المؤلفات المزيفة :

 

1- حياة المسيح المجهولة : نشر في 1894 بقلم كاتب روسي اسمه نقولا نوتفتش بناء على معلومات يقول إنه استقاها من اللاما في أحد أديرة التبت . ويزعم أن المسيح صرف ما بين ثلاث عشرة إلى تسع وعشرين سنة في الهند والتبت وفارس ، ثم عاد إلى فلسطين حيث قتل بأمر بيلاطس . وقد أنكر جميع  رهبان التبت رؤيتهم لنوتفتش اطلاقاً ، أو معرفتهم بأي شيء عن المخطوطات القديمة عن المسيح ، التي يقول إنهم أطلعوه عليها . 

 

2- إنجيل برج الدلو : نشر لأول مرة في لوس أنجيلوس سنة 1911 . كتبــه دكتور " لاوي دولنج " عن استنارة داخلية ، يقول إنها جاءته فيما بين الثانية والسادسة صباحاً . وعنوان الكتاب مأخوذ من النظرية الغربية التي تقول بأنه في حياة المسيح دخلت الشمس برج الحوت ، وهي الآن تعبر برج الدلو . ويقول إن يسوع درس مع هليل  ومع حكماء الهند  والتبت ، وزار المجوس في فارس وكرز للأثينيين ، وعينه في عمله مجمع من حكماء العالم السبعة انعقد في الإسكندرية .

 

3-صلب يسوع بقلم شاهد عيان :  وهو في صورة رسالة كتبت بعد حادثة الصلب بسبع سنوات بمعرفة شيخ - لا يعرف اسمه - من الأسينيين في أورشليم إلى شيخ أسيني آخر في الإسكندرية . وقد ظهر لأول مرة في السويد سنة 1851 . ويقول إن يوسف ويوحنا المعمدان ونيقوديموس ويسوع والملاك الذي ظهر عند القبر ، جميعهم كانوا أسينيين ، ولم تحدث قيامة ، ولكن الأسينيين أفاقوا يسوع من إغمائه بعد صلبه ، ثم عاش ستة شهور  أخرى قبل أن يموت .

 

4-تقرير بيلاطس : تأليف القس و.د. ماهان قسيس الكنيسة المشيخية في كامبرلاند . وظهر لأول مرة سنة 1879 ، ولكن في 1884 تضخم الكتاب ليشمل تقارير ومقابلات مــــع الرعاة ، ومقابلة غمالائيل ليوسف ومريم ، وقصة عالي عن المجوس ، ودفاع هيرودس أمام مجلس شيوخ روما عن مذبحة الأطفال الأبرياء ، وغيرها من اللقطات الصحفية . وأطلق على المؤلف المتضخم اسم جديد هو :" الكتابات الأثرية والتاريخية للسنهدريم وتلمــــــود اليهود " . وعندما أخذ العلماء في فحص الكتاب ، تبين لهم أن قصة عالي عن المجوس مأخوذة حرفاً بحرف عن رواية " ابن حور " لليوولاس ، حتى الأخطاء الطبوغرافية التي في الرواية هي هي نفسها .

 

5-اعتراف بيلاطس البنطي : كتب أولاً على أنه روايـــة خيالية بواسطة أسقف لبناني سنة 1889 ، وظهر في الانجليزية بعد ذلك بأربع سنوات ولكن بدون مقدمة الأسقف التي يذكر فيها أنها رواية خيالية . وهي تحكي قصة وصول بيلاطس إلى منفاه في فينا ، والمحادثات التي جرت بينه وبين صديق قديم عن علاقته بيسوع ، وندم بيلاطس وانتحاره . 

 

6-خطاب بيهان : نشر في برلين سنة 1910 ، وبيهان هذا كاهن يكتب عن يسوع لصديقه ستراتو ، الذي كان في وقت من الأوقات سكرتيراً للإمبراطور طيباريوس ، يحكي له عن تعلم يسوع العقائد اليهودية وهو صبي في مصر ، ثم عودته إلى فلسطين .

 

وبيهان نفسه تجول في كل العالم الروماني وشهد كل شيء له أهمية من أحداث ذلك العصر ، مثل حرق روما سنة 64 ، وسقوط أورشليم سنة 70 ، وثوران بركان فيزوف سنة 79 .

 

7-الأصحاح التاسع والعشرون من سفر الأعمال : نشر في لندن سنة 1871 ويحتوي على وصف رحلة بولس لأسبانيا وبريطانيا حيث تباحث مع الدرويد ( كهنة قدماء الانجليز )  الذين أخبروه بأنهم سلالة اليهود الذين  نجوا من الأسر الأشوري في سنة 722 ق.م، كما أنه بشر على جبل لود( الموقع الذي بنيت عليه كاتدرائية سان بول ) . وقد كتب هذا الكتاب لتأييد الحركة  التي نشرته .

 

8-الخطاب من السماء : وهو وثيقة من صفحة واحدة يزعمون أن يسوع قدكتبها ، وأنها وجدت تحت حجر كبير عند أقدام الصليب . ظهرت في اللاتينية في القرن السادس وانتشرت في لغات عديدة منذ ذلك الحين ، وأحياناً كان يضاف إليها وعد بالبركة لمن يملكونها . وأهم ما جاء بها هو حفظ السبت ووصايا يسوع .

 

9-إنجيل يوسيفوس : ويفترضون أن يوسيفوس قد كتبه قبيل وفاته ، وأنه قصد منه أن يكون هو المصدر الذي استقت منه كل الأناجيل القانونية . وقد زعم اكتشاف هذه المخطوطة سنيور لويجي موكيا الطلياني ، الذي اعترف أخيراً بأنها كذبة كبرى ، ولكن رغم اعترافه ، ظل الكثيرون يعتقدون بصحتها .

 

10-           سفر ياشر : وهو ملخص للسبعة الأسفار الأولى من العهد القديم ، وكتبه رجل من لندن  اسمه يعقوب أليف في سنة 1751 ، وعلى الفور ظهر زيفه الواضح . ولم تكن هذه سوى محاولة من المحاولات الكثيرة لإظهار سفر ياشر المشار إليه في سفر يشوع .

 

11-           وصف المسيح : وهي وثيقة واسعة الانتشار ، يحتمل أنها ترجع إلى القرن الثالث عشر . ولعلها بنيت على كتاب تعليمات لرسامي المنمنمات التي كانوا يزينون بها مخطوطات القرون الوسطى . وهي في أقل من صفحة ، وتعطي صورة نموذجية ليهودي من القرن الأول . وهي في صورة خطاب كتبه حاكم اليهودية بوبليوس لنتوليوس إلى مجلس الشيوخ الروماني . ولا يوجد هذا الاسم بين حكام روما في فلسطين .

 

12-           حيثيات الحكم بالموت على يسوع المسيح : وهي عبارة عن وريقة انتشرت في الولايات المتحدة عن الحيثيات التي كتبها بيلاطس للحكم على يسوع بالموت ، وفيها تعداد للتهم الموجهة ضده . ويدعون أنها ترجمت من العبرية عن لوح من النحاس وجد في مملكة نابلي سنة 1810 . ولسنا في حاجة إلى القول بـأن هذا اللوح لا وجود له مطلقاً .

 

13-           سفر الأعمال الثاني المفقود : وقد كتبه دكتور كينيث . س. جوتري ، وهو كاهن أسقفي وطبيب ، نشره في سنة 1904 . والغرض من كتابته هو تأييد دعوى أن العذراء مريم ويسوع أيدا تعليم تناسخ الأرواح . فيصور مريم وهي على فراش الموت في بيت الرسول يوحنا تتحدث عن تناسخاتها العديدة ، ثم يأخذ يسوع مريم المحتضرة بين ذراعيه متحدثاً عن تناسخاته السبعة .

 

14-           أوسب  (  ( Oahspe : وهو كتاب ضخم في 890 صفحة كتبــــــــــــــه دكتور جون ب . نيوبراو سنة 1882 . ويقول المؤلف إنه كتبه آلياً بيديه من إملاء روح غير روحه ، بينما يؤكد الناشرون أنه يشتمل على . " النشوء والتطور ، الثورة ، والإعلان " . ويدعو إنه " الكتاب المقدس الجديد لأمريكا " .

 

15-           أسفار الكتاب المقدس المفقودة : وقد نشر سنة 1926 . ويدعى الناشرون أنه يشتمل على الكتب الدينية التي استبعدها اختيارياً من العهد الجديد أساقفة الكنيسة في العصور الأولى ، الذين قرروا الكتب التي يجب أن يحتويها العهد الجديد . وهو في الحقيقية ليس إلا إعادة طبع نسخة من العهد الجديد الأبوكريفي الذي سبق أن نشر في سنة 1820 ، ونسخة من كتاب " الآباء الرسوليين " الذي نشر سنة 1737 .

 

وبفحص أسانيد هذه الكتب ، يتضح لنا أنها جميعها مزيفة ، والمعلومات - المقصود بها الخاصة - الواردة بها ، واضحة البهتان والتزوير ، وتناقض في مجموعها تعاليم الكتاب المقدس ، وللأسف مازال الكثيرون ينخدعون ويضللون بأكاذيبها المثيرة .