هل يسوع ثالث ثلاثة؟




غير مسموح بنقل هذه المقالات ولكن يسمح بوضع رابطها فقط في المنتديات الأخر. كما يسمح بالنقل منها في حالة الدخول في حوار أو مناظرة مع الإشارة إما إلى الكاتب أو بوضع الرابط. وشكرًا.

{
وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} (133) سورة آل عمران
{
وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} (26) سورة المطففين

سأقسِّم هذا المبحث إلى قسمين: الأول أناقش فيه: هل المسيح إله؟ وهل الروح القدس إله؟، والثاني أناقش فيه الثالوث في الكتاب المقدس وتطوره عبر التاريخ.
يستدل القائلون بألوهية المسيح والثالوث بالفقرات الآتية:
1- «
لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْناً وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيباً مُشِيراً إِلَهاً قَدِيراً أَباً أَبَدِيّاً رَئِيسَ السَّلاَمِ». (إشعياء 9: 6)
ولكن ما معنى «إله» في لغة اليهود؟ وردت كلمة «إله» بمعنى «سيد» أو «رئيس» لتدل على شخص ذى مكانة أو لتدل على «نبيٍ» عظيم:
«
وَهُوَ (هارون) يُكَلِّمُ الشَّعْبَ عَنْكَ (يا موسي). وَهُوَ يَكُونُ لَكَ فَماً وَأَنْتَ تَكُونُ لَهُ إِلَهاً». (خروج 4: 16)
«
فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «انْظُرْ! أَنَا جَعَلْتُكَ إِلَهاً لِفِرْعَوْنَ. وَهَارُونُ أَخُوكَ يَكُونُ نَبِيَّكَ». (خروج 7: 1)
«
أَنَا قُلْتُ إِنَّكُمْ (أيها اليهود) آلِهَةٌ وَبَنُو الْعَلِيِّ كُلُّكُمْ». ( مزمور 82: 6)
كما وردت كلمة «الله» لتشير إلى من يطبق شرع الله في الأرض:
«
وَإِنْ لَمْ يُوجَدِ السَّارِقُ يُقَدَّمُ صَاحِبُ الْبَيْتِ إِلَى اللهِ (أي إلى القاضى) لِيَحْكُمَ هَلْ لَمْ يَمُدَّ يَدَهُ إِلَى مُلْكِ صَاحِبِهِ». (الخروج 22: 8) (صموئيل 2: 25 + 9: 9)
تعالوا ننظر في هذه النسخة:

For to us a child has come, to us a son is given; and the government has been placed in his hands; and he has been named Wise Guide, Strong God, Father for ever, Prince of Peace. (BBE)

من أجلنا جاء هذا الشاب، لنعطى ابنًا، والحكم قد وضع بين يديه، وتَسَمَّى "الهادي الحكيم"، سيدًا قديرًا، الآب الأبدي، قائد السلام.
يشرح آدم كلارك هذه الفقرة متكئًا على التحليل اللغوي. فيقول:
اسمه "الجبار" السيد المسيطر الفاتح. إنه أب له عمر أبدي (أي رسالته دائمة) ...... وتذكر النسخة السبعينية أنه "رسول الهادي العظيم. رسول السلام والرخاء والنعم. وهناك مخطوطة ترجع للقرن الثالث عشر أضافت: "سيكون حجر عثرة"، الحكم على كتفيه".
لننظر في تحليل أحد قواميس الكتاب المقدس لكلمات الفقرة:

mis´ra^h
BDB Definition:

"ميصراه" حكم، سيادة، حكومة
pele' ..
عجيبة، آية
yaw-ats' ..
ينصح، يتلقى النصح، يهدي.
gibbo^r ..
الجبار، رجل قوي، رجل شجاع، رجل قدير.
s´ar
أمير، حاكم، قائد، قائد ديني، إمام المرسلين Ruler of rulers
sha^lo^m ..
السلام
وَأَجْعَلُ مِفْتَاحَ بَيْتِ دَاوُدَ عَلَى كَتِفِهِ فَيَفْتَحُ وَلَيْسَ مَنْ يُغْلِقُ وَيُغْلِقُ وَلَيْسَ مَنْ يَفْتَحُ. (إش 22: 22).
إشارة إلى انتقال النبوة والرسالة من اليهود إلى غيرهم.
وبذلك يكون المعنى الأقرب للنبوءة:
"
سيأتي رجل ابنًا للجميع لأنه رحمة للعالمين، بين كتفيه خاتم النبوة، هو آية هاديًّا سيدًا شجاعًا صفته الجبار، فاتحًا البلاد، رسول الهادي العظيم، رسول الإسلام وإمام المرسلين."
قال بن مخلد في مسنده حدثنا يحيى الحماني حدثنا شريك عن عبيد المكتب عن أبي الطفيل عن سلمان قال خرجت في طلب العلم إلى الشام فقالوا لي إن نبيا قد ظهر بتهامة فخرجت إلى المدينة فبعثت إليه بقباع من تمر فقال اهدية أم صدقة قلت صدقة فقبض يده وأشار إلى أصحابه أن يأكلوا ثم أتبعته بقباع من تمر وقلت هذا هدية فأكل وأكلوا فقمت على رأسه ففطن فقال بردائه عن ظهره فإذا في ظهره خاتم النبوة فأكببت عليه وتشهدت. (سير أعلام النبلاء. ج1. ص 537)

 


2- «
قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئاً لِقَدَمَيْكَ». (متى 22: 44)
نحن هنا أمام كلمتين: الرب (قال الرب)، و "ربي" (لربي). فالأولى تتعلق بالله، والثانية تختص بالمسيح. فهل الكلمتان في الأصل العبري لفظة واحدة فتترجم إلى "رب"؟ في الحقيقة عندما نعرف الإجابة نكتشف التزوير المتعمد في الترجمة. فالأصل العبري يقول: قال يهوه لأدوناي. ولفظة "يهوه" تترجم إلى "الرب الإله" ولا تطلق إلا على "الله" فقط في العهد القديم. أما "أدون" فتعني "سيد" وجمعها "أدونيم"، وإذا أضيفت لضمير المتكلم تكون "أدوناي" بمعنى "سيدي". وقد اُسْتُخْدِمَت هذه اللفظة مع آخرين في العهد القديم وهي هي "كيريوس" اليونانية:
فَقَالَتِ: «اشْرَبْ يَا سَيِّدِي» (أدون). وَاسْرَعَتْ وَانْزَلَتْ جَرَّتَهَا عَلَى يَدِهَا وَسَقَتْهُ. (تك 24: 18)
اسْمَعْنَا يَا سَيِّدِي انْتَ رَئِيسٌ مِنَ اللهِ بَيْنَنَا...(تك 23: 6)
وَقَالَ: «مُبَارَكٌ الرَّبُّ الَهُ سَيِّدِي (أدوناي) ابْرَاهِيمَ (تك 24: 27)
فَخَرَجَتْ يَاعِيلُ لاِسْتِقْبَالِ سِيسَرَا وَقَالَتْ لَهُ: «مِلْ يَا سَيِّدِي, مِلْ إِلَيَّ. لاَ تَخَفْ». فَمَالَ إِلَيْهَا إِلَى الْخَيْمَةِ وَغَطَّتْهُ بِاللِّحَافِ. (قض 4: 18)
الرَّبَّ يَصْنَعُ لِسَيِّدِي بَيْتاً أَمِيناً, لأَنَّ سَيِّدِي يُحَارِبُ..."(1صم 25: 28)
فَقَالَ دَاوُدُ: «إِنَّهُ صَوْتِي يَا سَيِّدِي (يا أدوناي) الْمَلِكَ». (1صم 26: 17)
وكما كان المترجم العربي مُزَوِّرًا في ترجمته "قال الرب لربي"، فكذلك كان كاتبو إنجيل متى ومرقس ولوقا وسفر الأعمال في ترجمتهم عبارة العهد القديم "قال يهوه لأدوناي" إلى "قال كيريوس لكيريوس" والصحيح أن تكون الترجمة "قال ثيوس لكيريوس" (قال الله لسيدي). إذ أن "ثيوس" مسبوقة بأداة التعريف "أل" تعني "الرب الإله" (الله تجاوزًا)، و"كيريوس" تعني "سيد" وهي هي "أدون" العبرية. هذه لغة لا تعرف المجاملة ولا التعصب.

 

 


3-
وَلَهُمُ الآبَاءُ وَمِنْهُمُ الْمَسِيحُ حَسَبَ الْجَسَدِ الْكَائِنُ عَلَى الْكُلِّ إِلَهاً مُبَارَكاً إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ. (رومية 9: 5) (الفانديك)
ومِنهُم كانَ الآباءُ وجاءَ المَسيحُ في الجسَدِ، وهوَ الكائِنُ على كُلِّ شيءٍ إلهًا مُباركًا إلى الأبَدِ. (الترجمة العربية المشتركة)
وَمِنْهُمْ كَانَ الآبَاءُ وَمِنْهُمْ جَاءَ الْمَسِيحُ حَسَبَ الْجَسَدِ، وَهُوَ فَوْقَ الْجَمِيعِ اللهُ الْمُبَارَكُ إِلَى الأَبَدِ. (ترجمة دار الكتاب المقدس الدولية)
يقول مرجع VWS المسيحي:
"
تختلف النسخ هنا في علامات الترقيم، فبعضها يضع ";" والبعض الآخر يضع "," بعد كلمة " fleshالجسد". هذا الاختلاف يدل على اختلاف التفسير. فالبعض يرى أنه: "بحسب الجسد جاء المسيح، فتبارك الله فوق الجميع إلى الأبد"، جاعلًا ذلك تسبيحًا لله. وآخرون يرونها: "المسيح، الذي هو فوق الكل، إلهًا مباركًا إلى الأبد"، فيجعلون المسيح إلهًا."
كما يعرض تفسير JFB للرأيين حاشدًا علماء لكل رأي. وتقول نسخة The NET BIBLE:
"
أو: المسيح، الذي فوق الكل، باركه الله (أو: تبارك الله) إلى الأبد. أو: المسيح، الإله الذي فوق الجميع تبارك إلى الأبد. أو: المسيح الذي فوق الكل، فتبارك الله إلى الأبد. إن صعوبة الترجمة هنا ليست راجعة لطبيعة النص ونقده هنا، ولكن المشكلة هي علامات الترقيم."
ولما كان هذا الاختلاف حول فقرة بولس، فقد انعكس على ترجمات الكتاب المقدس، الأمر الذي يجعل الفقرة لا تصلح للإحتجاج بها:
والآباء، ومِنهمُ المسيحُ مِن حَيثُ إِنَّه بَشَر، وهو فَوقَ كُلِّ شيءٍ : إِلهٌ مُبارَكٌ أَبَدَ الدُّهور. (الترجمة الكاثوليكية)
الذين آباؤهم، ومنهم جاء المسيح حسب الجسد، فتبارك الله إلى الأبد. (KJV + ASV + Darby + AV + AVRLE + Webster)

 


4-
الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً لِلَّهِ. (فيلبي 2: 6)
والكلمة اليونانية المترجمة هنا "صورة" هي morphe وليس من معانيها هذه الترجمة. وإنما تعني "شكل، هيئة، طبيعة (معنى رمزي)" والكلمة اليونانية المترجمة "خلسة" هي harpagmos. ولا تعني "خلسة" أبدًا، وإنما تعني "سرقة، اختلاس". وهذا يؤدي إلى معنى فاسد يتسم بسوء الأدب مما دفع نسخًا كثيرة لترجمتها إلى عكس معناها تمامًا، إلى كلمة "غنيمة". يقول المرجع المسيحي PNT:
"
إنها ليست سرقة أن يكون مساويًا لله: التنقيح يقول: لم يعتبر ذلك جائزة. إن المعنى ليس واضحًا تمامًا، ولكن ربما يكون: "متخذًا هيئة مجد مثل الله، ولم يعتبر ذلك جائزة."
ويؤكد آدم كلارك على عدم وضوح المعنى فيقول:
"
هذه الفقرة كانت ولا زالت موضوع نقد كثير، ويدور حولها بعض الخلاف. وقد تكلم د. ويتباي أفضل في هذه النقطة، ولكن أراءه التي ينقصها بعض الدقة لا يمكن الاعتراف بها الآن."
ويؤكد هذا المعنى المفسر جون جيل حين يرفض كلمة "شكل أو هيئة" (صورة الله) ويعتبر أن المسيح كان له مجد ظهر من خلال معجزاته. ويقول:
"
وكذلك يمكن أن يقال في هيئة الله، كموسى الذي قام بمعجزات أقل فقيل أنه "إله" لفرعون."
ويرى نفس الرأي المفسر ألبرت بارنرز فيسرد معاني الكلمة:

splendor, majesty, glory - referring to the honor which the Redeemer had, his power to work miracles, etc.

ويستشهد بعلماء أيدوا هذا الرأي:

The first is the opinion adopted by Crellius, Grotius, and others, and substantially by Calvin.

إذن فمعنى "في صورة الله" وهي ترجمة خطأ بالمرة: أن له مجدًا ظهر من خلال الأعمال والمعجزات التي جرت على يديه. فالتعبير "في شكل الله وهيئته" (في صورة الله) لا يدل على ألوهية المسيح، إذ أن الله ليس له شكل خارجي كما يدل معنى الكلمة اليونانية، ولكن التعبير يدل دلالة رمزية على الأعمال والمعجزات التي جرت على يد المسيح.
أما عبارة "معادلًا لله" فإن اللفظة اليونانية المترجمة هنا "معادل" هي isos والتي من معانيها أيضًا similar "مشابه". إن المسيح غير مساوٍ لله ولا مشابه له بالمعنى المفهوم في عصرنا هذا. يقول المسيح:
وَهَذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلَهَ الْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ الْمَسِيحَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ. (يو 17: 3(
فالمسيح يعلن أن الله أرسله. ولكن ما الفرق بين الراسل (الله) والمُرْسَل (المسيح):
اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ لَيْسَ عَبْدٌ أَعْظَمَ مِنْ سَيِّدِهِ وَلاَ رَسُولٌ أَعْظَمَ مِنْ مُرْسِلِهِ. (يوحنا 13: 16)
ثم يقرر:
»
أَبِي أَعْظَمُ مِنِّي« يوحنا (14: 28)
وهذا التوضيح ينطبق أيضًا على قوله:
اَلَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ غَيْرِ الْمَنْظُورِ، بِكْرُ كُلِّ خَلِيقَةٍ. (كولوسي 1: 15)
بل إن هذا هو أسلوب الكتاب المقدس المجازي:
وَقَالَ اللهُ: نَعْمَلُ الانْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا فَيَتَسَلَّطُونَ عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى الْبَهَائِمِ وَعَلَى كُلِّ الارْضِ وَعَلَى جَمِيعِ الدَّبَّابَاتِ الَّتِي تَدِبُّ عَلَى الارْضِ. فَخَلَقَ اللهُ الانْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرا وَانْثَى خَلَقَهُمْ. (تك 1: 26، 27)

So God created humans to be like himself (CEV)

فَإِنَّ الرَّجُلَ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يُغَطِّيَ رَأْسَهُ لِكَوْنِهِ صُورَةَ اللهِ وَمَجْدَهُ. وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَهِيَ مَجْدُ الرَّجُلِ. (1كو 11: 7)
لأَنَّ الَّذِينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ لِيَكُونُوا مُشَابِهِينَ صُورَةَ ابْنِهِ لِيَكُونَ هُوَ بِكْراً بَيْنَ إِخْوَةٍ كَثِيرِينَ. (رو 8: 29)
والكلمة اليونانية المستخدمة هنا هي summorphos وتعني "له نفس الشكل، مشابه".
ولكن ما معنى "بكر كل خليقة". تعالوا نقرأ:

G4416
πρωτοτόκος
prototokos
Thayer Definition:
1) the firstborn
1a) of man or beast
1b) of Christ, the first born of all creation

أول مولود للإنسان او الحيوان.
أو المسيح أول مولود بالنسبة للمخلوقات.
أول مولد للإنسان: هل يكون حيوان؟ أول مولود للحيوان: هل يكون إنسان؟.. أول مولود للخليقة: هل يكون خالق؟؟!! بالطبع مخلوق!!!:
فالمسيح بكر بين إخوة كثيرين. فهناك إخوة (أنبياء الله ورسله) أبكار مع المسيح. فهو أخ منهم. فهو بكر مخلوق. بكر (عبد صالح) مفضل على جميع الأبكار (المؤمنين الصالحين). فهو ليس البكر الوحيد:
"
شاء فولدنا بكلمة الحق لكي نكون باكورة من خلائقه" ( يعقوب 1: 18).
"
ولكن الآن قد قام المسيح من الاموات وصار باكورة الراقدين فانه اذ الموت بانسان بانسان ايضا قيامة الاموات. لانه كما في آدم يموت الجميع هكذا في المسيح سيحيا الجميع. ولكن كل واحد في رتبته. المسيح باكورة ثم الذين للمسيح في مجيئه." (1كو 15: 20 – 23).

 

 


5-
فَإِنَّهُ فِيهِ خُلِقَ الْكُلُّ: مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، مَا يُرَى وَمَا لاَ يُرَى، سَوَاءٌ كَانَ عُرُوشاً امْ سِيَادَاتٍ امْ رِيَاسَاتٍ امْ سَلاَطِينَ. الْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ. (كو 1: 16)
إن حرف الجر اليوناني المترجم "في" هو en ويحمل معانٍ أخر مثل: مع، بسبب، بعد. وحرف الجر "بـ" (به) هو dia. ومن معانيه: مع، بسبب. فيكون المعنى أن الله خلق كل شيء من أجل المسيح، بدليل قوله أن الكل له قد خلق. فمن خلق له الكل؟ وهذا القول مثل اعتقاد بعض المسلمين أن الله خلق الكون من أجل رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.

 

 


6-"
لكي يكرم الجميع الابن كما يكرمون الآب، من لا يكرم الابن لا يكرم الآب الذي ارسله." ( يوحنا 5: 23) "مجدني انت ايها الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم." (يوحنا5 : 17) " فاجابهم يسوع ابي يعمل حتى الآن وأنا اعمل. فمن اجل هذا كان اليهود يطلبون اكثر ان يقتلوه.لانه لم ينقض السبت فقط بل قال ايضا ان الله ابوه معادلا نفسه بالله " ( يوحنا 5 : 17، 18)
قد شرحنا عبارة "معادلًا نفسه بالله". أما أن يكرم الجميع الابن كما يكرمون الآب فليست بشيء إذ يجب على المؤمن أن يطيع الله ورسوله. لذلك تعجب المسيح أنه يطيع الله ولكنهم يعصونه ويهينونه:
أَجَابَ يَسُوعُ: «أَنَا لَيْسَ بِي شَيْطَانٌ لَكِنِّي أُكْرِمُ أَبِي وَأَنْتُمْ تُهِينُونَنِي. (يو 8: 49)
و"مجدني أيها الآب" معناه أنه يطلب من الآب مجدًا والإله لا يطلب لأنه لا ينقصه شيء. وقوله "لي عندك قبل كون العالم" يعني أن الله كتب الأقدار قبل خلق الدنيا. وقد ذكرنا أن بولس أكد أن الله اختارهم قديسين قبل تأسيس العالم. وقوله "أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل" تعني الاشتراك في العمل الصالح. فالله لا يفعل إلا الخير وكذلك أنبياؤه ورسله. بل إن المسيح أكد أن المؤمن بإمكانه أن يقوم بأعمال أعظم من أعمال المسيح نفسه:
"
الحق الحق أقول لكم من يؤمن بى فالأعمال التى أعملها أنا يعملها هو أيضا ويعمل أعظم منها. (يو 14 : 12)
وتأتي "أعمال الله" بمعنى "الإيمان بالله والعمل بما أنزله":
اِعْمَلُوا لاَ لِلطَّعَامِ الْبَائِدِ بَلْ لِلطَّعَامِ الْبَاقِي لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّذِي يُعْطِيكُمُ ابْنُ الإِنْسَانِ لأَنَّ هَذَا اللَّهُ الآبُ قَدْ خَتَمَهُ». فَقَالُوا لَهُ: «مَاذَا نَفْعَلُ حَتَّى نَعْمَلَ أَعْمَالَ اللَّهِ؟» أَجَابَ يَسُوعُ: «هَذَا هُوَ عَمَلُ اللَّهِ: أَنْ تُؤْمِنُوا بِالَّذِي هُوَ أَرْسَلَهُ». (يو 6: 27 – 29)

 

 


7-
فَكَمْ بِالْحَرِيِّ يَكُونُ دَمُ الْمَسِيحِ، الَّذِي بِرُوحٍ أَزَلِيٍّ قَدَّمَ نَفْسَهُ لِلَّهِ بِلاَ عَيْبٍ، يُطَهِّرُ ضَمَائِرَكُمْ مِنْ أَعْمَالٍ مَيِّتَةٍ لِتَخْدِمُوا اللهَ الْحَيَّ! (عبرانيين 9: 14).
العبارة " الَّذِي بِرُوحٍ أَزَلِيٍّ قَدَّمَ نَفْسَهُ لِلَّهِ" ثبت أنها مدسوسة. لذلك وضعتها نسخة Alt ونسخة ylt و MKJV بين قوسين. والمعنى أن هذه النسخ لا تلزمنا بها. أما نسخة CEV فقد ترجمتها هكذا:

But Christ was sinless, and he offered himself as an eternal and spiritual sacrifice to God.

ولكن المسيح بلا خطية قدم نفسه ذبيحة أزلية روحية لله... ولا تجد كلمة "روح أزلي". فقد حذفتها النسخة لأنها مدسوسة. وهناك نسخ لا تستخدم لفظة "أزلي" مثل BBE و الفولجاتا و Rotherham. يقول آدم كلارك:
"
بدلًا من δια Πνευματος αιωνιου "بالروح الأزلي" نجد عبارة δια Πνευματος Ἁγιου "بالروح القدس" في المخطوطة D وفي أكثر من 20 مخطوطة أخرى بالإضافة إلى النسخة القبطية والسلافية والفولجاتا ونسختين لاتينيتين قديمتين."
لذا فهي عبارة ساقطة. والذي يصر على أن المسيح أزلي، نقول له إن "ملكي صادق" أزلي أيضًا:
بِلاَ أَبٍ بِلاَ أُمٍّ بِلاَ نَسَبٍ. لاَ بَدَاءَةَ أَيَّامٍ لَهُ وَلاَ نِهَايَةَ حَيَاةٍ. بَلْ هُوَ مُشَبَّهٌ بِابْنِ اللهِ. هَذَا يَبْقَى كَاهِناً إِلَى الأَبَدِ. (عب 7: 3) (الفانديك)
ولَيسَ لَه أَبٌ ولا أُمٌّ ولا نَسَب، ولَيسَ لأَيَّامِه بِداية ولا لِحَياتِه نِهايَة، وهو على مِثالِ ابنِ الله... ويَبْقى كاهِنًا أَبَدَ الدُّهور. (الترجمة الكاثوليكية)
وهوَ لا أبَ لَه ولا أُمَّ ولا نسَبَ، ولا لأيَّامِهِ بِداءَةٌ ولا لِحياتِهِ نِهايَةٌ. ولكِنَّهُ، على مِثالِ ابنِ اللهِ، يَبقى كاهِنًا إلى الأبَدِ. (الترجمة العربية المشتركة)
يقول المفسر البروفيسور Matthew Henry :
السؤال الثقيل الذي يفرض نفسه هنا هو: من هو هذا الـ"ملكي صادق"؟ فكل ما لدينا عنه في العهد القديم هو (تك 14: 18) ...الخ .. و(مز 110: 4). في الواقع هناك ضباب حول شخصيته، الرب الإله رأى أن يتركنا هكذا، وهذا الـ"ملكي صادق" ربما كانت شخصيته أكثر وضوحًا ولكن جيله لم يكشف عنها. ولو لم يشعر الناس بالرضا عما كشف لهم من شخصيته، فسوف يتخبطون في الظلام أمام استنتاجات لا نهاية لها، فالبعض يتخيله ملاكًا، وآخرون يقولون عنه أنه هو "الروح القدس" (الأقنوم الثالث) يقول المرجع العالمي GBTN:
"
نوع آخر: "ملكي صادق" المطروح موضوعه أمامنا إذ يعتبر كفرد بلا بداية وبلا نهاية، لأن الكتاب لم يكتب أباه ولا امه ولا سلسلة نسبه ولا موته. هذا الفرد هو في الواقع "ابن الله"، وهو كاهن إلى الأبد: لأنه هو الرب الإله، ولد بدون أم، وهو إنسان من غير أب."
وتشريفًا للإله ملكى صادق جعل يهوه المسيح على رتبته ومنزلته:
«
أَقْسَمَ الرَّبُّ وَلَنْ يَنْدَمَ: أَنْتَ كَاهِنٌ إِلَى الأَبَدِ عَلَى رُتْبَةِ مَلْكِي صَادِقَ». (مزمور 110: 4)

 

 


8-
أَنَا أَعْرِفُهُ لأَنِّي مِنْهُ وَهُوَ أَرْسَلَنِي». (يو 7: 29)
يو 13:3 يسوع وهو عالم ان الآب قد دفع كل شيء الى يديه وانه من عند الله خرج والى الله يمضي.
يو 16:27 لان الآب نفسه يحبكم لانكم قد احببتموني وآمنتم اني من عند الله خرجت.
المعنى "لأني من عنده" هو أنه قد جاء من عند الله أي بأمر وبتكليف من الله، وليس من شيطان أضله:
يو 8:44 انتم من اب هو ابليس وشهوات ابيكم تريدون ان تعملوا. ذاك كان قتالا للناس من البدء ولم يثبت في الحق لانه ليس فيه حق. متى تكلم بالكذب فانما يتكلم مما له لانه كذاب وابو الكذاب.
وكذلك بالآية:
"
لأَنِّي قَدْ نَزَلْتُ مِنَ السَّمَاءِ لَيْسَ لأَعْمَلَ مَشِيئَتِي بَلْ مَشِيئَةَ الَّذِي أَرْسَلَنِي." ) يو 6: 38)

I haven’t come from heaven to do what I want to do. (GWV)
I didn't come from heaven to do what I want! I came to do what the Father wants me to do. He sent me (CEV)

لم آتي من الله لأعمل ما أريد بل لأعمل ما يريده الآب مني أن أعمله. فهو الذي أرسلني.
فكلمة "السماء" تأتي لتعني "الله" ولذلك تكتبها نسخة الملك جيمس الحديثة بحرف كبير.
وكذلك الفقرة التالية:
فَقَالَ لَهُمْ: « أَنْتُمْ مِنْ أَسْفَلُ أَمَّا أَنَا فَمِنْ فَوْقُ. أَنْتُمْ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ أَمَّا أَنَا فَلَسْتُ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ. (يو 8: 23)
هذا معنى مجازي. ولو كان المسيح يقصد أنه متحد بالآب، للزم ذلك اتحاد المُخاطَبين بإبليس، وهذا محال. لذلك استعمل تعبير "من فوق" مجازًا:
يو 3:3 اجاب يسوع وقال له الحق الحق اقول لك ان كان احد لا يولد من فوق لا يقدر ان يرى ملكوت الله.
يو 3:7 لا تتعجب اني قلت لك ينبغي ان تولدوا من فوق.
يو 3:31 الذي يأتي من فوق هو فوق الجميع. والذي من الارض هو ارضي ومن الارض يتكلم. الذي يأتي من السماء هو فوق الجميع.
كُلُّ عَطِيَّةٍ صَالِحَةٍ وَكُلُّ مَوْهِبَةٍ تَامَّةٍ هِيَ مِنْ فَوْقُ، نَازِلَةٌ مِنْ عِنْدِ أَبِي الأَنْوَارِ، الَّذِي لَيْسَ عِنْدَهُ تَغْيِيرٌ وَلاَ ظِلُّ دَوَرَانٍ. (يع 1: 17)
وعبارة "لست من هذا العالم" أي ليس من أبناء الدنيا وطلابها:
مت 16:26 لانه ماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه. او ماذا يعطي الانسان فداء عن نفسه.
يو 15:19 لو كنتم من العالم لكان العالم يحب خاصته. ولكن لانكم لستم من العالم (لستم من أبناء الدنيا وزينتها فكرهكم أبناء الدنيا لأنكم على النقيض منهم).
1
تي 6:7 لاننا لم ندخل العالم بشيء وواضح اننا لا نقدر ان نخرج منه بشيء.

 

 


9-
الَّذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ، بَعْدَ مَا صَنَعَ بِنَفْسِهِ تَطْهِيراً لِخَطَايَانَا، جَلَسَ فِي يَمِينِ الْعَظَمَةِ فِي الأَعَالِي. (عب 1: 3)
إن النص الأصلي للآية هو "الذي وهو بهاء مجده ورسم" ولو وقفوا عند ذلك لكانت الآية محتاجة إلى تكملة، فأكملوها من خلال مخطوطات أخر "جوهره وحامل". فالكلمات التي تحتها خط غير موجودة في أقدم المخطوطات ومن ثم وضعتها نسخة Diaglot بين قوسين.
تتبقى عبارة "جَلَسَ فِي يَمِينِ الْعَظَمَةِ فِي الأَعَالِي" فلنقرأ تعليق نسخة The NET BIBLE عليها:
انعكاس للمزمور 110: 1 مقتبسة غالبًا باللغة العبرية (قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي: اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئاً لِقَدَمَيْكَ). فالقديس بولس يقتبس من المزمور ويكتبه في العبرانيين بنفس اللغة وهي العبرية. فإذا تأملنا ما جاء في المزمور رأيناه يدل على إتمام المسيا الخاتم لرسالته وأن الفقرة تدل على التكريم والتشريف وقد شرحناها بالتفصيل.

 

 


وتبقى لدينا مشكلتي المعجزات ومغفرة الخطايا. إذ يدعى البعض أن المسيح كانت له قدرة على الطبيعة والبحر والريح وإحياء الموتى وإبراء المرضى. ولكن لم يكن المسيح بدعًا من الرسل. فقد جرت على أيدى الأنبياء معجزات تناهز أو تفوق معجزات المسيح:
1-
انقلبت العصا الجماد في يد موسى إلى حيوان هو الحية. (خروج 4: 2، 3) كما فلق البحر الأحمر نصفين بعصاه. (خروج 14: 21)
2-
شفي أعمى ببركة إليشع. وأصيب جمع من الناس بالعمى بدعوة إليشع ثم عفا عنهم فأبصروا. (ملوك ثانى 6: 17 – 20)
3-
أحيى إيليا صبيًا بإذن الله. (ملوك أول 17: 21، 22)
4-
عند دفن ميت قام حيًّا على الفور بمجرد أن لمس عظام إليشع. (ملوك ثانى 13: 21)
5-
صعد إيليا إلى السماء دون أن يموت أو يصلب. (ملوك ثانى 2: 11، 12) كما صعد أخنوخ بنفس الطريقة. (تكوين 5: 24)
6-
قام موسى وإيليا من الموت وظهرا للمسيح، كما قام بعض القديسون من قبورهم عند صلب المسيح.
وقد أقرَّ المسيح أن معجزاته قد جرت بإذن الله وقدرته:
«
بِإِصْبِعِ اللهِ أُخْرِجُ الشَّيَاطِينَ». (لوقا 11: 20)
«
نِيقُودِيمُوسُ... جَاءَ إِلَى يَسُوعَ لَيْلاً وَقَالَ لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ نَعْلَمُ أَنَّكَ قَدْ أَتَيْتَ مِنَ اللَّهِ مُعَلِّماً لأَنْ لَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَعْمَلَ هَذِهِ الآيَاتِ الَّتِي أَنْتَ تَعْمَلُ إِنْ لَمْ يَكُنِ اللَّهُ مَعَهُ». (يوحنا 3: 1، 2)
فَرَفَعُوا الْحَجَرَ حَيْثُ كَانَ الْمَيْتُ مَوْضُوعاً وَرَفَعَ يَسُوعُ عَيْنَيْهِ إِلَى فَوْقُ وَقَالَ: «أَيُّهَا الآبُ أَشْكُرُكَ لأَنَّكَ سَمِعْتَ لِي وَأَنَا عَلِمْتُ أَنَّكَ فِي كُلِّ حِينٍ تَسْمَعُ لِي. وَلَكِنْ لأَجْلِ هَذَا الْجَمْعِ الْوَاقِفِ قُلْتُ لِيُؤْمِنُوا أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي». وَلَمَّا قَالَ هَذَا صَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «لِعَازَرُ هَلُمَّ خَارِجاً» فَخَرَجَ الْمَيْتُ (يو 11: 41 – 44)
رفع يسوع عينيه إلى السماء متضرعًا إلى الله مستعينًا به، فجاءه الخبر من الله في الحال ان الله استجاب (سمع) لدعائه وسيجري على يديه معجزة، فتوجه المسيح لله بالشكر لأنه استجاب له وهذا هو عهد الله مع نبيه على الدوام في كل حين ليؤمن العباد أنه رسول الله. ولما جاءه هذا الخبر وهذه البشرى قال باطمئنان الواثق في الله ربه: «لِعَازَرُ هَلُمَّ خَارِجاً»، وصدق الله رسوله البشرى وخرج الميت بالفعل.
بل إن المسيح أقر أن المؤمن بإمكانه أن يقوم بأعمال أعظم من التي قام بها المسيح:
اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ يُؤْمِنُ بِي فَالأَعْمَالُ الَّتِي أَنَا أَعْمَلُهَا يَعْمَلُهَا هُوَ أَيْضاً وَيَعْمَلُ أَعْظَمَ مِنْهَا لأَنِّي مَاضٍ إِلَى أَبِي. (يو 14: 12)

 

 


أما مغفرة الخطايا فإن المسيح استخدم كلمتي «مغفورة» لك خطاياك و«غُفِرَتْ» خطاياك. وهذا أسلوب خبري المقصود منه أن الله هو الذي غفر الخطايا. ولم يكن المسيح الوحيد الذي قال مثل هذا التعبير:
الشَّعْبُ السَّاكِنُ فِيهَا مَغْفُورُ الإِثْمِ. (إش 33: 24)
ويتضح هذا من قول يسوع بكل صراحة:
«
يَا أَبَتَاهُ اغْفِرْ لَهُمْ لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ». (لوقا 23: 34)
كما اعتمد المسيح بنفسه من يوحنا في نهر الأردن طلبًا لمغفرة ذنوبه (مرقس 1: 9). وتوسل شاول للنبي صموئيل أن يغفر له خطاياه:
«
فَاغْفِرْ خَطِيَّتِي وَارْجِعْ مَعِي فَأَسْجُدَ لِلرَّبِّ». (صموئيل أول 15: 25)
والمعنى: اطلب من الله أن يغفر لي خطيئتي لمكانتك عنده. وقد سار المسيح على النهج نفسه:
«
مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُ أُمْسِكَتْ». (يوحنا 20: 23)
وَمَتَى وَقَفْتُمْ تُصَلُّونَ فَاغْفِرُوا إِنْ كَانَ لَكُمْ عَلَى أَحَدٍ شَيْءٌ لِكَيْ يَغْفِرَ لَكُمْ أَيْضاً أَبُوكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ زَلاَّتِكُمْ. وَإِنْ لَمْ تَغْفِرُوا أَنْتُمْ لاَ يَغْفِرْ أَبُوكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ أَيْضاً زَلاَّتِكُمْ». (مر 11: 25، 26)
لذا فصيغة المبني للمجهول تعني أن الله هو الغفور الغفار:
وَلاَ تَدِينُوا فَلاَ تُدَانُوا. لاَ تَقْضُوا عَلَى أَحَدٍ فَلاَ يُقْضَى عَلَيْكُمْ. اِغْفِرُوا يُغْفَرْ لَكُمْ. (لو 6: 37)
وتضرع المسيح لله طلبًا للمغفرة له ولاتباعه:
وَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا كَمَا نَغْفِرُ نَحْنُ أَيْضاً لِلْمُذْنِبِينَ إِلَيْنَا. (متى 6: 12)
وَاغْفِرْ لَنَا خَطَايَانَا لأَنَّنَا نَحْنُ أَيْضاً نَغْفِرُ لِكُلِّ مَنْ يُذْنِبُ إِلَيْنَا وَلاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ لَكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ. (لو 11: 4)
ورسل المسيح يتوجهون إلى الله ليغفر لهم خطاياهم:
فَتُبْ مِنْ شَرِّكَ هَذَا وَاطْلُبْ إِلَى اللهِ عَسَى أَنْ يُغْفَرَ لَكَ فِكْرُ قَلْبِكَ. (أع 8: 22)

 

 


بدأ الخلاف بين المسيحيين يطفو على السطح بشأن ماهية المسيح وكانت هذه المشكلة تنمو وتكبر مع مرور الزمن حتى أضحت قنبلة مرشحة للإنغجار. وتحدثنا الموسوعة الكاثوليكية لتبين لنا كيف كان الخلاف على أشده في ماهية المسيح ولتبين لنا تطور العقائد المسيحية التي تشهد خلافات جمة حتى اليوم وستظل كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. فالكنيسة الإثيوبية ما زالت تؤمن بالطبيعة الواحدة. تقول الموسوعة:
"
بدأت عقيدة الطبيعة الواحدة في الوقت الذي كان يرد به الأرثوذوكس على النسطورية. فنسطوريوس رفض أن يطلق على مريم "أم الله ", لأنه يقول أن الطفل في بطنها كان إنسانًا بكل معنى الكلمة. وعارض هذا, أصحاب عقيدة الطبيعة الواحدة الذين يقولون أن طبيعة المسيح الإنسانية تحللت في طبيعته الإلهية كقطرة من العسل في مياه المحيط. وكانت كل طائفة تحاول أن تحتفظ بجزء من الحقيقة حول شخصية المسيح. وفي النهاية وفقت الكنيسة بين الفكرتين في مجمع خلقدونية, معلنين أن المسيح انسان حق وإله حق. وبدلا من حل الخلاف, فقد أصبح قرار المجمع سببًا للخلافات المستقبلية. فقد رفض أصحاب عقيدة الطبيعة الواحدة أن يقبلوا بالهزيمة، وأمر الغاصب بحرق قرارات مجمع خلقدونية, ووافق 500 أسقف. ووجد سيمبليسيوس نفسه مدافعا عن أسقف القسطنطينية أكاسيوس الذي قاوم خطأ أصحاب عقيدة الطبيعة الواحدة. أما في الإسكندرية, في مصر, فإن الصراع كان على أشده. فكان الخصوم يقتلون ويعذبون بعضهم البعض. وقام أحد الرهبان من أصحاب عقيدة الطبيعة الواحدة واسمه "تيموثي القط", بذبح بطريرك الاسكندرية قبل ثلاثة أيام من عيد الفصح واستحل مكانه والقى بجثته في النار."
وبتأليه المسيح أصبح لدينا إلهان: الله (الآب)، ويسوع (الابن). وكانت الأمم الأخرى تؤمن بوجود ثلاثة آلهة. ولكى تستميلهم الديانة المسيحية الجديدة أضافت إلهًا ثالثًا سَيْرًا على نهج بولس في مداهنة الأمم الأخرى.
انعقد مُجَمَّعُ القسطنطينية عام 381م لمناقشة مسألة «مقدونيوس» الذى قال أن الروح القدس مخلوق. فانعقد المجمع وقرر الحاضرون أن الله واحد في ثلاثة أقانيم (أشخاص) هم: الآب والابن والروح القدس. (محاضرات في مقارنة الأديان، إبراهيم خليل، ص 25)
وقدَّم بطريرك الإسكندرية في هذا المجمع دليلاً على ألوهية الروح القدس:
«
ليس الروح القدس عندنا بمعنىً غير روح الله. وليس روح الله شيئًا غير حياته. فإذا قلنا أن الروح القدس مخلوق فقد قلنا أن روح الله مخلوقة. وإذا قلنا أن روح الله مخلوقة قلنا إن حياته مخلوقة. وإذا قلنا إن حياته مخلوقة فقد زعمنا أنه غير حي. وإذا زعمنا أنه غير حي فقد كفرنا به. ومن كفر به وجب عليه اللعن». (موسوعة مقارنة الأديان. المسيحية. أحمد شلبى. ص 125)
إن معنى «روح الله» هو روح يمتلكها الله لأنه خلقها كقولنا «مُلْكُ الله»، «سيارة سالم» وهكذا. ولو كان المعنى ما قصده البطريرك لمات يهوه فور مغادرة روح القدس السماء ونزوله على يسوع المسيح بعد التعميد في الأرض.
ثم تقررت ألوهية الروح القدس. ولكن صادفتهم مشكلة عويصة هي: هل الروح القدس منبثق من الآب فقط أم من الآب والابن؟ وقد أدت هذه المسائل إلى خلافات حادة ما زالت قائمة حتى اليوم وقد عرضنا لها من قبل باختصار عند حديثنا عن الفرق المسيحية.
وبعد خلافات حادة توصلوا عن طريق أقلية من مجموع الذين حضروا مجمع نيقية، إلى قانون الإيمان: «أومن بالله الآب الضابط الكل، خالق السماء والأرض، وبيسوع المسيح ابنه الوحيد ربنا، الذي حُبل به من الروح القدس، ووُلد من مريم العذراء، وتألم على عهد بيلاطس البنطي، وصُلب ومات ودُفن. وقام أيضاً في اليوم الثالث من بين الأموات، وصعد إلى السماء، وهو جالسٌ عن يمين الله الآب الضابط الكل، وسيأتي من هناك ليدين الأحياء والأموات. وأؤمن بالروح القدس، وبالكنيسة المقدسة الجامعة، وبشركة القديسين، وبمغفرة الخطايا، وبقيامة الجسد، وبالحياة الأبدية. آمين».
وفي نحو القرن الخامس أضيفت له العبارة «نزل إلى الجحيم» بعد لفظة "ودُفن". وللقانون النيقوي ثلاث صور:
(
أ) الصورة الأولى التي نظمها وحكم بإثباتها مجمع نيقية المسكوني سنة 325م وهي: «نؤمن بإلهٍ واحد آب ضابط الكل، خالق كل الأشياء: ما يُرى ما لا يُرى، وبرب واحد يسوع المسيح ابن الله، المولود من الآب، المولود الوحيد أي من جوهر الآب. إله من إله، نور من نور. إله حق من إله حق. مولود غير مخلوق، ذو جوهر واحد مع الآب. الذي به كان كل شيء في السماء وعلى الأرض....»
(
ب) الصورة الثانية، هي نفس القانون أعلاه مع تغيير جزئي في الجملة الأولى، وإضافة بعض العبارات في شأن أقنوم الروح القدس وعمله. وقد شاعت نسبة هذه الصورة الجديدة إلى مجمع القسطنطينية الذي اجتمع بأمر الإمبراطور ثيودوسيوس سنة 381م ضد المكيدونيين الذين أنكروا لاهوت الروح القدس. وقد أُدخل التغيير على قانون الإيمان النيقوي الأصلي نحو ذلك التاريخ. وقد اعتمده مجمع خلقدونية سنة 451م. وتقبل الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية الآن القانون النيقوي على هذه الصورة:
«
نؤمن بإلهٍ واحد، آب ضابط الكل، خالق السماء والأرض. كل ما يُرى وما لا يُرى. وبرب واحد، يسوع المسيح، ابن الله الوحيد، المولود من الآب قبل كل الدهور. نورٌ من نور. إله حق من إله حق. مولود غير مخلوق. ذو جوهر واحد مع الآب. الذي به كان كل شيء. الذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا نزل من السماء، وتجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء (أي تجسد بواسطة الروح القدس من مريم العذراء).... وبالروح القدس الرب المحيي المنبثق من الآب، الذي هو مع الآب والابن مسجود له وممجد...».
(
ج) الصورة الثالثة (أي اللاتينية) وهي المقبولة الآن في الكنائس التقليدية والإنجيلية وهي تختلف عن الثانية في ما يأتي فقط: (1) في إعادة العبارة «إله من إله» التي كانت في القانون النيقوي الأصلي وحُذفت من الصورة النيقوية القسطنطينية اليونانية. (2) لفظة «والابن» أُضيفت إلى العبارة الدالة على انبثاق الروح من الآب، بواسطة مجمع توليدو في أسبانيا سنة 589م وبالتدريج قبلتها كل الكنيسة الغربية ثم كل الكنيسة الإنجيلية بدون إثبات من مجمع مسكوني، غير أن الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية لم تقبلها. وتلك الصورة هي:
«
أومن بإلهٍ واحد، آب ضابط الكل، خالق السماء والأرض، وكل ما يرى وما لا يرى، وبرب واحد يسوع المسيح ابن الله الوحيد، المولود من الآب قبل كل الدهور، إله من إله، نور من نور، إله حق من إله حق، مولود غير مخلوق، ذو جوهر واحد مع الآب. الذي به كان كل شيء. الذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا نزل من السماء، وتجسد بالروح القدس من مريم العذراء... وأومن بالروح القدس الرب والمحيي، المنبثق من الآب والابن. المسجود له والممجد مع الآب والابن معاً...».
أما القانون الخلقدوني فقد دعا إليه الإمبراطور مارسيانوس لدحض بدعَتَي أفتيخوس ونسطور. وقد تألف ذلك المجمع من 630 أسقفاً واستمر من 8 - 31 أكتوبر سنة 451م وأجمع على:
«
فلهذا ونحن تابعون الآباء القديسين، كلنا بصوت واحد نعلّم البشر أن يعترفوا بالابن الوحيد، ربنا يسوع المسيح، الكامل في اللاهوت والكامل أيضاً في الناسوت. إله حق وإنسان حق، ذو نفس ناطقة، وجسد جوهر واحد مع الآب بحسب لاهوته، وجوهر واحد معنا بحسب ناسوته، في كل شيء مثلنا ما عدا الخطية. مولود من الآب قبل كل الدهور بحسب لاهوته، وفي هذه الأيام الأخيرة من أجلنا ومن أجل خلاصنا وُلد من مريم العذراء والدة الإله بحسب ناسوته. هو مسيح واحد وابن واحد ورب واحد والمولود الوحيد، كائن بطبيعتين غير ممتزجتين ولا متغيرتين ولا منقسمتين ولا منفصلتين، والفرق بين الطبيعتين لم يتلاشَ باتحادهما، بل خواص كل منهما الخاصة باقية ومجتمعة في شخص واحد وكائن واحد غير منفصل ولا منقسم إلى شخصين، بل الابن الوحيد والمولود الوحيد الله الكلمة الرب يسوع المسيح كما أنبأت عنه الأنبياء منذ البدء، وكما علَّمنا الرب يسوع نفسه، وكما سلَّمنا قانون إيمان الآباء القديسين».
وهناك قانون الإيمان المسمّى بالأثناسي، ويُنسب إلى أثناسيوس أسقف الإسكندرية من نحو سنة 328-373م ورئيس الحزب الأرثوذكسي:
(21)
فالآب غير مصنوع من أحد، ولا مخلوق، ولا مولود. (22) والابن من الآب وحده غير مصنوع ولا مخلوق، بل مولود. (23) والروح القدس من الآب والابن، ليس بمصنوع ولا مخلوق ولا مولود، بل منبثق.
(43)
فالذين فعلوا الصالحات يدخلون إلى الحياة الأبدية، والذين عملوا السيئات يدخلون إلى النار الأبدية.
ثم اجتمع المجمع المسكوني في ترانت سنة 1545م وأنشأ "قانون الإيمان" كصيغة نهائية:
"
أومن بإله واحد آب ضابط الكل خالق السماء والأرض وكل ما يرى وكل ما لا يرى. وبرب واحد يسوع المسيح ابن الله الوحيد المولود من الآب قبل كل الدهور، إله من إله، نور من نور، إله حق من إله حق، مولود غير مخلوق مساوٍ للآب في الجوهر، الذي به كان كل شيء، الذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا نزل من السماء وتجسد بالروح القدس من مريم العذراء، وصار إنساناً وصُلب أيضاً عنا على عهد بيلاطس البنطي، تألم وقبر وقام في اليوم الثالث كما في الكتب وصعد إلى السماء وجلس عن يمين الآب وسيأتي بمجد ليدين الأحياء والأموات الذي ليس لملكه انقضاء. وأؤمن بالروح القدس الرب المحيي المنبثق من الآب الذي هو مع الآب والابن يسجد له، وأؤمن بكنيسة واحدة مقدسة جامعة رسوليه وأعترف بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا وأترجى قيامة الموتى والحياة في الدهر الآتي، آمين0"
http://answering-islam.org.uk/Arabic/Books/Theology/chapter8.html

ولفظة "منبثق" تثير لغطًا. فمتى انبثق؟ وهل انبثق من الآب أم من الآب والابن معًا؟ وما الفرق بين "مولود لا منبثق" و "منبثق لا مولود". وكل هذا (مولود – منبثق) يثبت أن له بداية وينفي عنه صفة الأزلية.

 


وقد كتب روبرت كيل تسلر مقالاً موثق ذكر فيه أنه كان المقرر لانعقاد هذه المجامع هم القياصرة وزوجاتهم وكانوا هم الواضعون لقراراتها. فقد كان القيصر الروماني في بداية القرن الرابع رئيس قساوسة ديانة الدولة الرومانية والقس الأعلى (وهو نفس اللقب الذي إتخذه البابا عنه). واعتبر القياصرة أنفسهم آلهة وأطلقوا على أنفسهم هذا اللقب. فكانت الحكومة هي التي تقرر من تدعوهم من الأساقفة لهذه المجامع وكان عليهم أن يحضروا وإلا حضروا بالعنف. وأعلنوا الحرمان على الأساقفة غير المرغوب فيهم. ولهذه الأسباب كان القياصرة الرومان هم القادة القانونيون والفعليون للمجامع الرومانية الأولى فلم يكن يوجد في ذلك الوقت بابا معترف به. ولم يفرض قسطنطين قرارات مجمع نيقية اقتناعًا منه ولكن لمسايرة الأغلبية. فقد كان فاسدًا سياسيًا وأخلاقيًا. وكتب إلى إسكندر وأريوس بأسلوب رقيق يتنافي مع طبيعته ويتفق مع سياسته وأهدافه محاولا أن ينهي الخلاف قبل إنعقاد المجمع. فقال إنهما لن يستفيدا من إثارة المعارك الخطيرة وغير المفهومة لرجال اللاهوت وطالبهما بالتصالح والاحتفاظ لنفسيهما بالخلافات العقائدية التي لن تستفيد الأمة منها بشيء. أي أن أمر الدين لم يكن يعنيه في شيء وإنما استتباب الأمن ونظام حكمه بعد أن ظلت الأريوســية ديانة الدولة الرســمية ما لا يقل عن 50 عاماً وهي ديانة التوحيد. ودليل آخر هو كما يقول فاسيــليف: «عندما شرع قسطنطـــين في نقل عاصمته إلى الشرق، وأحس بالحاجة إلى استرضاء سكان القسم الشرقي من الامبراطورية لم يجد غضاضة في تغيير عقيدته أوميوله نحو المذهب الأريوسي. فاستدعى أريوس من منفاه سنة 327م، وعقد له مجمع صور سنة 334م، وألغى قرار الطرد» ليعلي من عقيدة آريوس، ويلغي قرارات مجمع نيقية، ويقرر العفو عن آريوس وأتباعه. ولعن أثناسيوس ونفاه، وهكذا انتشرت تعاليم آريوس أكثر بمساعدة الإمبراطور قسطنطين.
قسم قسطنطين الإمبراطورية قبل وفاته عام 337م على أبنائه الثلاثة: فأخذ قسطنطين الثاني الغرب، وقسطنطيوس الشرق، وأخذ قنسطانس الجزء الأوسط من شمال إفريقيا، وعمد كل منهم إلى تأييد المذهب السائد في بلاده لترسيخ حكمه. فاتجه قسطنطيوس إلى تشجيع المذهب الآريوسي، بينما شجع أخوه قسطنطين الثاني المذهب الأثناسيوسي مما أصل الخلاف بين الشرق اليوناني والغرب اللاتيني.
توحدت الإمبراطورية تحت حكم قسطنطيوس عام 353-361م بعد وفاة قسطنطين الثاني، ومقتل قنسطانس، ووجد الفرصة سانحة لفرض مذهبه الأريوسي على جميع أجزاء الإمبراطورية شرقاً وغرباً. ولم يلبث الأمر طويلاً حتى اعتلى فلؤديوس عرش الإمبراطورية 379- 395م الذي اجتهد في إلغاء المذهب الآريوسي والتنكيل بأصحابه، والانتصار للمذهب الأثناسيوسي.
ولذلك ظهرت في عهده دعوات تنكر الأقانيم الثلاثة ولاهوت الروح القدس، فقرر عقد مجمع القسطنطينية الأول 382م، وفيه فرض الإمبراطور العقوبات المشددة على أتباع المذهب الآريوسي . كما تقرر فيه أن روح القدس هو روح الله وحياته، وأنه من اللاهوت الإلهي، وتم زيادته في قانون الإيمان النيقاوي.
نادى نسطور أسقف القسطنطينية بانفصال طبيعة اللاهوت عن الناسوت في السيد المسيح عليه السلام ، وبالتالي فإن اللاهوت لم يولد ولم يصلب، ولم يقم مع الناسوت، وأن المسيح يحمل الطبيعتين منفصلتين: اللاهوتية والناسوتية، وأنه ليس إلها، وأمه لا يجوز تسميتها بوالدة الإله، فانعقد مجمع أقسس الأول عام 431م، وقد حضر المجمع 200 أسقف بدعوة من الإمبراطور ثؤديوس الصغير، الذي انتهى بلعن نسطور ونفيه، والنص في قانون الإيمان بأن مريم العذراء والدة الإله.
عقد مجمع خلقيدونية 451م لإعادة النظر في قرارات مجمع أفسس الثاني 449م ولمناقشة مقالة بابا الإسكندرية ديسقورس: من أن للمسيح طبيعتين في طبيعة واحدة ليتقرر لعن ديسقورس وكل من شايعه ونفيه، وتقرير أن للمسيح طبيعتين منفصلتين. فكان ذلك دافعاً أن لا تعترف الكنيسة المصرية بهذا المجمع ولا بالذي يليه من المجامع. ومنذ ذلك التاريخ انفصلت الكنيسة مستقلة تحت اسم الكنيسة المرقسية - الأرثوذكسية - أو القبطية تحت رئاسة بطريرك الإسكندرية، وانفصلت معها كنيسة الحبشة وغيرها، ليبدأ الانفصال المذهبي عن الكنيسة الغربية. بينما اعترفت كنيسة أورشليم الأرثوذكسية بقرارات مجمع خلقيدونية وصارت بطريركية مستقلة.
عمل الإمبراطور جستنيان على إرضاء زوجته بفرض مذهب الطبيعة الواحدة المونوفيزتية على البابا فجليوس الذي رفض ذلك بشدة، وتمكن من عقد مجمع القسطنطينية الخامس سنة 553م الذي انتهى بتقرير مذهب الطبيعة الواحدة، ولعن أصحاب فكرة تناسخ الأرواح، ومن هنا تأسست الكنيسة اليعقوبية.
عقدالإمبراطور قسطنطين الرابع مجمع القسطنطينية الثالث عام 680م للفصل في قول يوحنا مارون من أن للمسيح طبيعتين ومشيئة واحدة. وفيه تقرر أن للمسيح طبيعتين ومشيئتين، ولعن وطرد من يقول بالطبيعة الواحدة أو بالمشيئة الواحدة، ولذلك انفصلت طائفة المارونية.
في عمان 869م أثار بطريرك القسطنطينية فوسيوس مسألة الروح القدس من الأب وحده فعارضه - كالعادة- بطريرك روما وقال إن انبثاق الروح القدس من الأب والابن معاً، وعقد لذلك مجمع القسطنطينية الرابع 869م (مجمع الغرب اللاتيني) الذي تقرر فيه أن الروح القدس منبثقة من الأب والابن معاً، وأن جميع النصارى في العالم خاضعون لمراسيم بابا روما وتم لعن وعزل فوسيوس وحرمانه وأتباعه. وفي عام 879م عقد المجمع الشرقي اليوناني القسطنطينية الخامس ليلغي قرارات المجمع السابق، ويعلن أن الروح والقدس منبثقة من الأب وحده ويدعو إلى عدم الاعتراف إلا بالمجامع السبعة التي آخرها مجمع نيقية 787م. وهكذا تم الانفصال المذهبي للكنيسة الشرقية. وكان الانفصال النهائي في عام 1054م. وبذلك انتهى عهد المجامع المسكونية وحلت محلها المؤتمرات الإقليمية.

 


يؤمن المسيحيون يؤمنون أن الثلاثة هم في واحد ومن ثم لا ينفصلون. وهذا ما يراه القديس «ديونسيوس» بطريرك الإسكندرية إذ يرى أن «الآب والابن والروح القدس» هم الله. لأن الله لا ينقسم ولا يتجزّأ على الإطلاق. لذلك لا ينفصل أقنوم عن آخر بأى حال من الأحوال. (محمد عبد الرحيم عنبر المحامى. بين عيسى ومحمد. ط2. دار النصر للطباعة. القاهرة 1967م. ص 165)
«
فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآبِ وَالاِبْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ». (متى 28: 19)
وفي عيون البروتستانت فإن الانفصال قد حدث مرةً واحدةً:
«
فَصَرَخَ: «إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟» وهذه هى المرة الأولى والأخيرة التى انفصل فيها الله الابن عن الله الآب وعن الله الروح القدس». (بحثك عن الله. الكنيسة الإنجيلية. ص 65)
إن فقرات العهد القديم تنطق بأن يهوه وروحه القدس كلاهما منفصل تمامًا عن الآخر. إننا نجد هذه القصة التى تؤكد ذلك حيث يدور حوار بين الرب والروح القدس:
«
فَقَالَ الرَّبُّ: مَنْ يُغْوِي أَخْآبَ فَيَصْعَدَ وَيَسْقُطَ فِي رَامُوتَ جِلْعَادَ؟ فَقَالَ هَذَا هَكَذَا وَقَالَ ذَاكَ هَكَذَا. ثُمَّ خَرَجَ الرُّوحُ وَوَقَفَ أَمَامَ الرَّبِّ وَقَالَ: أَنَا أُغْوِيهِ. وَسَأَلَهُ الرَّبُّ: بِمَاذَا؟ فَقَالَ: أَخْرُجُ وَأَكُونُ رُوحَ كَذِبٍ فِي أَفْوَاهِ جَمِيعِ أَنْبِيَائِهِ. فَقَالَ: إِنَّكَ تُغْوِيهِ وَتَقْتَدِرُ. فَاخْرُجْ وَافْعَلْ هَكَذَا». (ملوك أول 22: 19 – 22)
كما أن فقرات العهد الجديد تُظْهِر بجلاء لا لَبْسَ فيه أن الله والمسيح والروح القدس كلُّ منفصل تمامًا عن الآخر. إننا نجد الآب في السماء والابن على الأرض والروح القدس مرة في السماء وأخرى على الأرض. ولله إرادة ومشيئة تختلف عن التى ليسوع المسيح:
«
يُوصِي مَلاَئِكَتَهُ بِكَ فَعَلَى أيَادِيهِمْ يَحْمِلُونَكَ لِكَيْ لاَ تَصْدِمَ بِحَجَرٍ رِجْلَكَ». (متى 4: 6)
«
وَإِذَا السَّمَاوَاتُ قَدِ انْفَتَحَتْ لَهُ فَرَأَى رُوحَ اللَّهِ نَازِلاً مِثْلَ حَمَامَةٍ وَآتِياً عَلَيْهِ وَصَوْتٌ مِنَ السَّمَاوَاتِ قَائِلاً: «هَذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ». (متى 3: 16، 17)
«(
قال يسوع) كُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ». (متى 5: 48)
«
يَا أَبَتَاهُ إِنْ شِئْتَ أَنْ تُجِيزَ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسَ. وَلَكِنْ لِتَكُنْ لاَ إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتُكَ». (لوقا 22: 42)
«
فَقَالَ الرُّوحُ لِفِيلُبُّسَ: «تَقَدَّمْ وَرَافِقْ هَذِهِ الْمَرْكَبَةَ». (أعمال 8: 29)

 

 


نأتي إلى ماهية الروح القدس. للفظة "الروح" و"الروح القدس" معنيان: الحكمة والعلم والقوة والتقوى، و"ملاك رسول أرسله الله لأنبيائه ورسله". وفيما يتعلق بالأسلوب الأول نقرأ ما يلي:
"
بالحري الآب الذي في السماء يعطي الروح القدس للذين يسألونه " (لو 11: 13)
"
بل الروح الذي من الله" (1كو 2: 12)... فهي من الله وليست الله.
وَالْقَادِرُ أَنْ يَفْعَلَ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ أَكْثَرَ جِدّاً مِمَّا نَطْلُبُ أَوْ نَفْتَكِرُ، بِحَسَبِ الْقُوَّةِ الَّتِي تَعْمَلُ فِينَا. (أفسس 3: 20)
فَأَجَابَ الْمَلاَكُ: «اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ. (لو 1: 35)
ولا توجد فقرة واحدة تقول بألوهية الروح القدس في الكتاب المقدس بطوله وعرضه. بل إننا نجد مظاهر إهماله كثيرة. منها:
1-
لا يذكره بولس في مقدمة أي رسالة من رسائله، بل يُسَمِّي الله أو المسيح أو كلاهما.
2-
لم يذكر الروح القدس كإله أي كاتب من الآباء الأوائل حتى بداية القرن الرابع.
3-
يذكر العهد الجديد أن المسيح جلس عن يمين الله وسيكون له عرش، بينما لا يذكر مكانة الروح القدس بالمرة. كما ينسب الملكوت لله والمسيح دون ذكر للروح القدس (أفسس 5: 5). ويذكر العهد الجديد أن الله دفع كل شيء في يد المسيح ولا يذكر شيئًا عن الروح القدس.
4-
الله أعطى يسوع المسيح هبة الروح القدس:
لأَنَّ الَّذِي أَرْسَلَهُ اللَّهُ يَتَكَلَّمُ بِكلاَمِ اللَّهِ. لأَنَّهُ لَيْسَ بِكَيْلٍ يُعْطِي اللَّهُ الرُّوحَ. (يو 3: 34). والمُعْطَى لا يمكن أن يكون إلهًا ولا ما أُعْطِيهُ كذلك. أي لا المسيح ولا الروح القدس إله.

 

 


إلا أنهم يستشهدون ببعض فقرات على ألوهية الروح القدس، كلها لا تفيد شيئًا:
1-
إِنْ عُيِّرْتُمْ بِاسْمِ الْمَسِيحِ فَطُوبَى لَكُمْ، لأَنَّ رُوحَ الْمَجْدِ وَاللهِ يَحِلُّ عَلَيْكُمْ. (1بط 4: 14)
يقولون أن الروح القدس "روح المجد" ولا مجيد إلا الله، فهو الله. علينا أن نلاحظ أن الفقرة تذكر طرفين "روح المجد والله". كما ان كلمة "مجد" تتكرر 170 مرة في العهد الجديد بلفظتها اليونانية وأطلقت على المخلوقات، بل استخدمها الروح القدس مع ممالك إبليس:
وَأَرَاهُ جَمِيعَ مَمَالِكِ الْعَالَمِ وَمَجْدَهَا. (متى 4: 8)
فالكلمة لا تثبت شيئًا. أما الفقرة فقد اختلف في صياغتها إذ تكتبها ترجمة NIV هكذا:

for the Spirit of glory and of God

روح المجد وروح الله. وكذلك تكتبها نسخة الملك جيمس. وتكتبها ترجمة MSG "روح الله ومجده". وترجمة NLT تكتبها "روح الله المجيدة". أما ترجمة ESV ونسخةDarby فتضعان كلمة "روح" بين قوسين لتقول لنا أنها غير موجودة في الأصل. وقد عرضنا لاختلاف المخطوطات بشأن هذه الفقرة في تحليلينا للكتاب المقدس. وفي المخطوطات L T Tr A WH N NA نكتشف غياب هذه العبارة من الفقرة "أَمَّا مِنْ جِهَتِهِمْ فَيُجَدَّفُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا مِنْ جِهَتِكُمْ فَيُمَجَّدُ."

 

 


2- "
فهو كلي العلم "يَفْحَصُ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَعْمَاقَ اللهِ... أمور اللهِ لاَ يَعْرِفُهَا أَحَدٌ إِلاَّ رُوحُ اللهِ" (1كورنثوس 2: 10)."
علينا أن نستمر مع الآية التي بعدها لنتعرف على معنى "أعماق الله":
لأَنْ مَنْ مِنَ النَّاسِ يَعْرِفُ أُمُورَ الإِنْسَانِ إِلاَّ رُوحُ الإِنْسَانِ الَّذِي فِيهِ؟ هَكَذَا أَيْضاً أُمُورُ اللهِ لاَ يَعْرِفُهَا أَحَدٌ إِلاَّ رُوحُ اللهِ.
فـ"أعماق الله" يقصد بها "أمور الله". يقول المفسر ألبرت بارنرز:

2) the Spirit is omniscient. He searches or clearly understands “all things”

الروح العليم. إنه يبحث أو بالحري يفهم كل الأمور.
وهذا شيء طبيعي أن يفهم الروح القدس الأمور المختصة برسالات الله لأنبيائه ورسله لأنه هو المبلغ الشارح الموضح لها. لذلك بالتالي يفهم الأنبياء كل هذه الأمور أيضًا:
إِنَّ السَّيِّدَ الرَّبَّ لاَ يَصْنَعُ أَمْراً إِلاَّ وَهُوَ يُعْلِنُ سِرَّهُ لِعَبِيدِهِ الأَنْبِيَاءِ. (عاموس 3: 7)
فلا فرق بين أنبياء الله والروح القدس. فالطرفان يعلمهما الله العليم الحكيم.

 

 

 


3-
الروح القدس يفعل ما يشاء (1كورنثوس 12: 11):
فَإِنَّهُ لِوَاحِدٍ يُعْطَى بِالرُّوحِ كَلاَمُ حِكْمَةٍ. وَلِآخَرَ كَلاَمُ عِلْمٍ... وَلَكِنَّ هَذِهِ كُلَّهَا يَعْمَلُهَا الرُّوحُ الْوَاحِدُ بِعَيْنِهِ قَاسِماً لِكُلِّ وَاحِدٍ بِمُفْرَدِهِ كَمَا يَشَاءُ.
الله هنا هو الذي يعطي عن طريق الروح القدس. فما الروح القدس إلا رسول مؤتمن. بل في الإسلام يقول الرسول صلى الله عليه وسلم للشاعر حسان بن ثابت ما معناه أن الله يؤيده بالروح القدس. وقالها القرآن بشأن عيسى بن مريم "وأيدتك بالروح القدس" ولا يعني هذا ألوهية الروح القدس. لذلك يبطل احتجاجهم في قولهم:
4-
وهو مصدر الوحـي "بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللَّهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ" (2بطرس 1: 21).
بل إن بولس يشهد أن هناك ملائكة آخرين اشتركوا في تبليغ رسالة الله لعباده. فهل هم آلهة أيضًا؟!:
الَّذِينَ أَخَذْتُمُ النَّامُوسَ بِتَرْتِيبِ مَلاَئِكَةٍ وَلَمْ تَحْفَظُوهُ؟». (أع 7: 53)

 

 

 


5-
وهو الحق "الروح هو الحق" (1يوحنا 5: 6):
هَذَا هُوَ الَّذِي أَتَى بِمَاءٍ وَدَمٍ، يَسُوعُ الْمَسِيحُ. لاَ بِالْمَاءِ فَقَطْ، بَلْ بِالْمَاءِ وَالدَّمِ. وَالرُّوحُ هُوَ الَّذِي يَشْهَدُ، لأَنَّ الرُّوحَ هُوَ الْحَقُّ. (1يو 5: 6)
هذه الآية تكتبها الفولجاتا كالتالي:

And it is the Spirit which testifieth that Christ is the truth.

إنه الروح الذي يقول أن يسوع المسيح هو الحقيقة / الحق.
كما أن كلمة "الحق" ليست قاصرة على الله. فمثلًا يقول القاضي للشاهد: "قل أقسم بالله أن أقول الحق" ولا يعني هذا أن كلام الشاهد هو اسم من أسماء الله. بل المعنى هنا هو "الصدق". ويمكنني أن أقول: كان فوز هذا الرجل بمنصب رئاسة الدولة هو الحق." ...الخ.

 

 


6-
يقولون أنه ينسب الخلق (أيوب 23:مزمور 33: 6، مزمور 104: 30).
وهذا تضارب في المهام. إن العقيدة المسيحية تقول أن الابن هو المختص بصفة الخلق. ولا شيء في هذه الآية يدل على أن الروح القدس خالق. لننظر في الآية الأخرى:
بِكَلِمَةِ الرَّبِّ صُنِعَتِ السَّمَاوَاتُ وَبِنَسَمَةِ فَمِهِ كُلُّ جُنُودِهَا. (مز 33: 6)
هل نفهم من ذلك أن المسيح خلق السموات أما الروح القدس فقد تولى خلق ما فيها؟!

By the word of the LORD were the heavens made; and all the host of them by the breath of his mouth. (KJV)

إن كلمة word هنا بحرف صغير فهي في نظر واضعي نسخة الملك جيمس لا تشير إلى أقنوم الكلمة. وكذلك لفظة "نسمة" breath لا تشير إلى الروح القدس وإلا كانوا ترجموها the Holy Ghost ولذلك تكتبها نسخة CEV هكذا:

The LORD made the heavens and everything in them by his word.

الله خلق السموات وكل شيء فيهن بكلمته. (أي بأمره سبحانه وتعالى)
تُرْسِلُ رُوحَكَ فَتُخْلَقُ. وَتُجَدِّدُ وَجْهَ الأَرْضِ. (مز 104: 30)
الترجمة العربية هنا مضللة. لماذا؟ لأن النص الأصلي يقول:
تُرْسِلُ رُوحَكَ فتخلق الأشياء. وَتُجَدِّدُ أنت يا الله وَجْهَ الأَرْضِ:

Thou sendest forth thy spirit, they are created: and thou renewest the face of the earth. (KJV)
Thou sendest forth thy spirit, they are created, and thou renewest the face of the earth. (Darby + AV + AVRLE + BBE + Douay + Rotherham + Webster)

وتضع هذه الآية النسخة السبعينية ونسخة الفولجاتا ومن ثم نسخة douay المأخوذة عنها لتكون تحت رقم (مز 103: 30). وتكتبها النسخة العبرانية كالتالي:

Thou sendest forth Thy spirit, they are created; and Thou renewest the face of the earth.


إن "روح" spirit بحرف صغير وهي كلمة نكرة لا تثبت شيئًا.
وعلينا أن نعلم أن من يكلفه الله بأمر خلق شيء لا يعني أن هذا الملاك أو الرسول خالق. إن الله خلق أسبابًا ونثرها في الكون. فهو يفعل من خلال الأسباب والقوانين وكذلك من خلال الملائكة والرسل بأمره لهم. وإلا صار موسى خالقًا لما حوَّل العصا إلى ثعبان مبين.....الخ.

 

 


7-
يقولون أن الروح القدس موجود في كل مكان (مزمور 139: 7، 8) وهو يسكن في جميع المؤمنين في كل زمان ومكان (يوحنا 14: 17، أفسس 1: 1).
أَيْنَ أَذْهَبُ مِنْ رُوحِكَ وَمِنْ وَجْهِكَ أَيْنَ أَهْرُبُ؟
إِنْ صَعِدْتُ إِلَى السَّمَاوَاتِ فَأَنْتَ هُنَاكَ وَإِنْ فَرَشْتُ فِي الْهَاوِيَةِ فَهَا أَنْتَ.
نقرأ الآيتين في النسخة العبرانية وغيرها كالتالي:

7 Whither shall I go from Thy spirit? or whither shall I flee from Thy presence? (+ AV + AVRLE + Webster)
Where may I go from your spirit? How may I go in flight from you? (BBE)
(138-7) Whither shall I go from thy spirit? Or whither shall I flee from thy face? (Douay)

كما نرى لا تثبت الكلمة هنا شيئًا. لنقرأ المزيد في القاموس عن "الروح":
روح: نَفَس، حياة، غضب، روح، هواء، ريح.
فالمعنى: أين أذهب من غضبك وكيف لي أختبيء من بصرك؟.. أي لا مهرب لي منك إلا إليك!!!

 

 


8-
ويقولن أنه المحيي (يوحنا 6: 63، 2كورنثوس 3: 6، رومية 8: 11).
اَلرُّوحُ هُوَ الَّذِي يُحْيِي. أَمَّا الْجَسَدُ فلاَ يُفِيدُ شَيْئاً. اَلْكلاَمُ الَّذِي أُكَلِّمُكُمْ بِهِ هُوَ رُوحٌ وَحَيَاةٌ.
الَّذِي جَعَلَنَا كُفَاةً لأَنْ نَكُونَ خُدَّامَ عَهْدٍ جَدِيدٍ. لاَ الْحَرْفِ بَلِ الرُّوحِ. لأَنَّ الْحَرْفَ يَقْتُلُ وَلَكِنَّ الرُّوحَ يُحْيِي. (2كو 3: 6)
هذه الآية لا تشير إلى الروح القدس لا من قريب ولا من بعيد. فالحرف يقتل. هل رأيت حرفًا يقتل؟! إنه يقصد التزمت في الدين وتطبيق الشريعة دون فهم روحها. فللشريعة روح ولذلك لم يطبق سيدنا عمر بن الخطاب حد السرقة في عام المجاعة لأنه نظر إلى الروح لا إلى الحرف. وهو ما يعرف في القانون الوضعي بـ"روح القانون".
نصل إلى مسألة التثليث. علينا أن نعلم أن لفظة "النثليث" لم تظهر إلا في نهاية القرن الثاني عندما استخدم ثاوفيلس Theophilus أسقف أنطاكية الكلمة اليونانية trias ليصف الآب والابن والروح القدس. واستخدمت اللفظة اللاتينية Trinitas لأول مرة في مثل ذلك الوقت، استخدمها ترتليان (160 – 225م). وكثير من المسيحيين الأوائل بما فيهم الأرثوذكسي إيرانوس رفضوا قبول ما يتضمنه هذا التعبير من الإشراك بالله.
Craveri, The Life of Jesus: p321

ولم يوافق القديس أغسطين (354 – 430م) وهو اللاهوتي الشهير في الكنيسة الرومانية، لم يوافق على صيغة القسطنطينية وكان يُعَلِّم أن الروح القدس ينبثق من الآب والابن في الحال. وقد قبل مجمع توليدو في إسبانيا صيغة قسطنطين وأجرى تعديلًا على العقيدة القسطنطينية لتصبح أن الروح القدس ينبثق من الآب والابن.
وقد اُشْتُهِرت هذه الإضافة بالتسمية Filique (لفظة لاتينية تعني "الابن"). ولم يقبلها مسيحيو الشرق. وفي 867م قام بطريرق القسطنطينية فوتيوس (810 – 895م) بلعن هذه التسمية ووصفها بالهرطقة. ورحب الشرق بموقف فوتيوس. وبسبب هذا انفصلت الكنيسة الشرقية عن الكنيسة الغربية في سنة 1054م فيما يعرف الآن بـ "الانفسام العظيم". وتبنت الكنيسة الغربية التسمية اللاتينية. وقد قبل قادة البروتستانت أمثال لوثر وكالفن في حركة الإصلاح في القرن 16، قبلوا مفهوم محمع توليدو عن التثليث.

1. Craveri, The Life of Jesus: p323
2. Livingstone, Dictionary of the Christian Church: p193,401
3. Robertson, A Short History of Christianity: p114

وفي تطور حديث في معرض التعليق على الفقرة التى تقول بالتثليث (يوحنا الأولى 5: 7، 8)، فإن مترجم المخطوطة اليونانية «بنيامين ولسن» أكد أن هذه الفقرة غير موجودة في أى مخطوط يوناني مكتوب قبل القرن الخامس عشر، ولم يذكرها أى كاتب إكليركي أو أى من الآباء اللاتينيين الأولين، لذلك فهى مختلقة ومدسوسة. (خمسون ألف خطأ في الكتاب المقدس. أحمد ديدات. ص 12) ولا توجد الفقرة في أي مخطوطة يونانية قبل القرن 15 الميلادي. وهذه الفقرة غير موجودة في 112 مخطوطة. ويقول آدم كلارك أنها غير موجودة في أي مخطوطة قبل عصر الطباعة باستثناء مخطوطة منتفورتى (القرن 16).
وأول ما ظهرت هذه الفقرة كان في نسخة يونانية مأخوذة عن نسخة لاتينية في مجمع 1215م ووجدت الفقرة طريقها إلى النص اللاتيني عن طريق دراسة لاتينية قام بها شخص أسباني وصفته الكنيسة بأنه مهرطق. ووضع هذا النص الهرطوقي في الهامش كتفسير للروح والماء والدم في رسالة يوحنا، ثم تم دمج هذا التفسير في المتن لتصبح الهرطقة جزءًا لا يتجزأ من إلهام الروح القدس (بروس ميتزجر). والمخطوطات التي تحوي هذا النص ثمانية منها 7 تعود للقرن 16، منها 4 مخطوطات تكتب النص في الهامش، والثامنة وهي رقم 221 تعود للقرن العاشر، وتكتب النص على الهامش وبخط مختلف.
ومن ثم حُذِفَتْ الفقرة من «الترجمة الإنجليزية الجديدة» للكتاب المقدس ومن النسخة الأمريكية القياسية ومن «الإنجيل كتاب الحياة» ومن نسخ إنجليزية عالمية كثيرة. وكذلك:
هناك ثلاث شهود: الروح والماء والدم. وهؤلاء الثلاث شهود متفقون.
والَّذينَ يَشهَدونَ ثلاثة: الرُّوحُ والماءُ والدَّم وهؤُلاءِ الثَّلاثةُ مُتَّفِقون (الترجمة الكاثوليكية)
والّذينَ يَشهَدونَ هُم ثلاثةٌ. الرُوحُ والماءُ والدَّمُ، وهَؤُلاءِ الثَّلاثَةُ هُم في الواحدِ. (الترجمة العربية المشتركة).
أما الجزئين من فقرتي 19 و20 في إنجيل متى:
وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآبِ وَالاِبْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ. وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ. (متى 28: 19، 20)
فقد وضعتهما نسخة ylt بين قوسين لعدم وجودهما في المخطوطات الأقدم، ولتثبت أنهما في محل شك من قِبَلِ علماء الكتاب المقدس.
ونجد نفس الشيء بالنسبة للفقرة: «وَقَالَ لَهُمُ: «اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا». (مرقس 16: 15) إذ يستبعدها العلماء حاليًّا لعدم وجودها في المخطوطات السينائية والفاتيكانية والسريانية والآرامية. أي أن إنجيل مرقس وهو أقدم الأناجيل لا يحتوي عقيدة من العقائد المسيحية الأساسية.
إن يوسيبيوس أبو المؤرخين النصارى كان في قيصرية التى بها أعظم مكتبة مسيحية في ذلك العصر التى جمعها اوريجين وبامفيلس. وفي هذه المكتبة كانت هناك نسخ من الأناجيل أقدم بمئتى عام عن الموجود عندنا. واستشهد يوسيبيوس بـ (متى 28: 19) في كتبه الكثيرة 18 مرة. و في كل مرة كان النص كالتالى:
«
فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسمي». ولم يذكر الصيغة الثلاثية ولا مرة واحدة. والغريب أن هذا المقطع عند أوريجين كان يتوقف دائما عند كلمة "الأمم". أما أفرااتيز الأب السرياني الذي كتب بين أعوام 337 و345، كان نص متى عنده كالتالي: «فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وسوف يؤمنوا بي».

 

 

 

 


ثم يحتجون بلفظة "إلوهيم" المستخدمة مع الله في صيغة الجمع في العهد القديم مع أن الله واحد. إن "إلوهيم" تعني "آلهة" لا "أقانيم". وتعني آلهة بغير تحديد عدد لها. وتذكر دائرة المعارف البريطانية تحت اسم إلوهيم أنه اسم جمع للتعظيم وتستعمل أحيانا للدلالة على آلهة أو أرباب أخر مثل إله المؤآبين كموش وعشتروث إلاهة الصيدونيين وكذلك بعض المخلوقات المعظمة مثل الملائكة والملوك والقضاة.
إن "إلوهيم" جمع كلمة "إيل"، و"إيلوه" اشتقاق ثانوي من "إلوهيم". و"إلوهيم" هو إله اسرائيل فى العهد القديم:
«
إِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ». (تث 6: 4)
الرب (أدوناي) إلهنا (إلوهيم) رب واحد. أي أن اللفظة الجمع مستخدمة هنا في هذه الفقرة. فلننظر فهم المسيح لها وهو يقتبسها:
فَأَجَابَهُ يَسُوعُ: «إِنَّ أَوَّلَ كُلِّ الْوَصَايَا هِيَ: اسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ. الرَّبُّ إِلَهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ. (مر 12: 29)
هنا يستخدم المسيح كلمة "إلهنا" المفردة في اللغة اليونانية مما يدل على أنه علم أن هذا هو المقصود بالفعل.
وفي (قض 8: 33) أطلقت لفظة "ألوهيم" على صنم البعل، وعلى الصنم كموش (قض 11: 24) وعلى العجل الذهبي (خر 32: 1، 32). بل إن اللفظة أطلقت على إلهة مؤنثة هي "عشتاروت" (1مل 11: 5). وأطلقت على موسى من الله نفسه في (خر 4: 16، 7: 1). بل إن سفر التثنية يقول مستخدمًا لفظة "ألوهيم":
أُقِيمُ لهُمْ نَبِيّاً مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِهِمْ مِثْلكَ وَأَجْعَلُ كَلامِي فِي فَمِهِ فَيُكَلِّمُهُمْ بِكُلِّ مَا أُوصِيهِ بِهِ. (تث 18: 18)
ويعتقد المسيحيون أنها نبوءة عن المسيح. فهل موسى والمسيح كلاهما آلهة وأقانيم؟! وهكذا نثبت أن لفظة "إلوهيم" لا تسمن ولا تغني من جوع.

 

 

 

 


يقولون كدليل على وحدة الثالوث أن "بسم الآب والابن والروح القدس" تدل على الإله الواحد بدليل لفظة "باسم" (مفرد) وليس "بأسماء" (جمع). نقول أن هذا مشهور في كل لغات العالم. فلو أن الأرجنتين وفرنسا والبرازيل نظموا دورة لكرة القدم، فإنهم يقولون عند افتتاحها: "بسم الأرجنتين وفرنسا والبرازيل نفتتح الدورة" ولا يصح لغةً أن يقولوا "بأسماء". وهذا يدل على وحدة الهدف والغاية وليس وحدة الكينونة والذات.
إن البشر هم الذين يقررون الإله و العبد، والخالق والمخلوق. وقد حار جهابذة علماء المسيحية في فهم التثليث الذي أعياهم وأعجزهم. ودارت تساؤلات في أذهانهم ليس لها إجابة إلا الشك المريب. فكيف يسكت الإله كل هذه الفترة من عهد آدم إلى المسيح نفسه ثم يظهر التثليث بعد صعود الإله بمئات السنين. ثم إذا كان الآب إلهًا كاملًا والابن إلهًا كاملًا والروح القدس إلهًا كاملًا فهم ثلاثة لا يحتاج أحدهم للآخر. أما إذا كان الإله الآب كامل والباقي صفات له فالابن يدل على صفة النطق والروح يدل على صفة الحياة، فإن الصفات لا يمكن أن تكون آلهة، وإلا صارت صفات العلم والقدرة والعقل ..الخ آلهةً أيضًا. وإذا كان كل منهم بحاجة للآخر، جرى عليهم النقص والعجز وليس أمامنا إلا شطبهم من مصاف الآلهة. إن تلاميذ المسيح لم يكونوا على علم بهذا. تقول دائرة المعارف الفرنسية: «إن تلاميذ المسيح الأولين الذين عرفوا شخصه وسمعوا قوله كانوا أبعد الناس عن اعتقاد أنه أحد الأركان الثلاثة المكونة لذات الخالق، وما كان بطرس حواريه يعتبره أكثر من رجل يوحى إليه من عند الله».

 

 

 

 


والآن نصل إلى مناقشة لفظة "أقنوم" إذ أنهم يقولون أن الآب والابن والروح القدس أقانيم متساوية. ويقولون أن كلمة "أقنوم" لفظة سريانية تعني الذات المتميزة الغير منفصلة. فهم يقولون أنها تطلق على من تميز على من سواه دون استقلال، ليقولوا لك أن الثلاث أقانيم هم وحدة واحدة بالفعل. وبالرجوع للغة السريانية نكتشف أن هذا تضليل متعمد.
إن كلمة "أقنوم" السريانية تعني: شخص أو ذات أو كيان

Person, individual, substance

قاموس دولاباني السرياني
http://dolabani.noturo.com/default.aspx?page=search&word=qnumo&from=SYR&to=ENG&lang=eng

ومن المعروف أن المسيح كان يتكلم السريانية أو الأرامية. ويقر الإنجيل أن الآب أقنوم والابن أقنوم والروح القدس أقنوم وأنا أقنوم وأنت كذلك وكلنا أقانيم. تعال نقرأ في النسخة السريانية للعهد الجديد Eastern Aramaic Peshitta:

hmwnqb 0yx Jwwhnd 0rbl P0 Bhy 0nkh hmwnqb 0yx ty0 0b0ld ryg 0nky0


لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الآبَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ (بأقنومه / بذاته) كَذَلِكَ أَعْطَى الاِبْنَ أَيْضاً أَنْ تَكُونَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ (بأقنومه) ((يو 5: 56)
الَّذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ، بَعْدَ مَا صَنَعَ بِنَفْسِه (بأقنومه)ِ تَطْهِيراً لِخَطَايَانَا (عب 1: 3)
وَكَذَلِكَ الذُّكُورُ أَيْضاً تَارِكِينَ اسْتِعْمَالَ الأُنْثَى الطَّبِيعِيَّ اشْتَعَلُوا بِشَهْوَتِهِمْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ فَاعِلِينَ الْفَحْشَاءَ ذُكُوراً بِذُكُورٍ وَنَائِلِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ (بأقنومهن) جَزَاءَ ضَلاَلِهِمِ الْمُحِقَّ. (رو 1: 27)
فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَأْكُلُوا جَسَدَ ابْنِ الإِنْسَانِ وَتَشْرَبُوا دَمَهُ فَلَيْسَ لَكُمْ حَيَاةٌ فِيكُمْ.(بأقانيمكم) (يو 6: 53)
Luk 11:17
فَعَلِمَ أَفْكَارَهُمْ وَقَالَ لَهُمْ: «كُلُّ مَمْلَكَةٍ مُنْقَسِمَةٍ عَلَى ذَاتِهَا (أقنومها) تَخْرَبُ وَبَيْتٍ مُنْقَسِمٍ عَلَى بَيْتٍ يَسْقُطُ. (لو 11: 17)
فَإِنِّي كُنْتُ أَوَدُّ لَوْ أَكُونُ أَنَا نَفْسِي (أقنومي) مَحْرُوماً مِنَ الْمَسِيحِ لأَجْلِ إِخْوَتِي أَنْسِبَائِي حَسَبَ الْجَسَدِ. (رو 9: 3)
وهكذا يتضح أن معنى الكلمة هو الذات المتميزة المنفصلة المستقلة عن غيرها. فالناس جميعًا عبارة عن أقانيم أي شخصيات وكل شخص متميز ومستقل ومنفصل عن الشخص الآخر. فكل شخص منا له ذاته وكيانه المتكامل المستقل. كما أن الأفنوم كما هو واضح ليس صفة وإنما شخص مستقل بكيانه وذاته. كما أن قانون الإيمان عبر تطوره لم يقل أن الأقانيم صفات بل أطلق على كل منهم لفظة "إله". إن الصفات لابد لها من موصوف والأعراض لا توجد إلا في مواضيع وذوات. ولا يمكن أن يكونوا ثلاث ذوات في اتحاد. لأن الذات الأولى لا يمكن أن تكون ذاتًا متميزةً وبها اشتراك. وهذا يناقض التميز الذي يعلنه المسيحيون بشأن الأقانيم. أما زعمهم بوحدة الجوهر بين الأقانيم فليست بوحدة. فلو أنك جئت بثلاث قطع من الذهب ستجدها ثلاث قطع منفصلة متميزة تشترك في جوهر واحد هو معدن الذهب ولا تستطيع أن تقول أن الثلاث قطع هم قطعة واحدة غير منفصلة.
ولو افترضنا وجود أقنومين فلابد أن يكون بينهما وجه تميز والا كانا أقنومًا واحدًا. وكل أقنوم له كامل صفات وجوب الوجود التي منها القدم فيصير لدينا أن كل اقنوم له كامل صفات الألوهية (وجوب الوجود) إضافة إلى وجه التميز الذي يتميز به عن الأقنومين الآخرين. فيكون كل أقنوم مُرَكَّب من صفات وجوب الوجود والوجه الذي به التميز، فيفتقر في وجوده إلى مُرَكِّب ولا يكون أول سلسة العلل. وبذلك لا يكون أيٌّ من الاقانيم واجب الوجود لذاته بل ممكن الوجود. فالأب غير مولود وغير منبثق، والابن مولود وغير منبثق، والروح القدس منبثق وغير مولود. لو كان الأقانيم الثلاثة أزليين متساوين في الأزلية، لا يكون أيٌّ منها إله لأنه سيكون هناك علة سبقت الثلاثة وجعلت الابن مولود، والعكس مع الروح القدس أو لا هذا ولا ذاك بالنسبة للآب. فمن الذي جعل الأب هكذا والابن هكذا والروح القدس هكذا؟
هكذا نرى استحالة حدوث التثليث نقلًا وعقلًا. وقد بشر بطرس باسم المسيح فقط، فهل نسي عقيدة التثليث:
فَقَالَ لَهُمْ بُطْرُسُ: «تُوبُوا وَلْيَعْتَمِدْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَلَى اسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ لِغُفْرَانِ الْخَطَايَا فَتَقْبَلُوا عَطِيَّةَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. (أع 2: 38)
والترجمة العربية هنا مزورة إذ تستعمل تعبير "عَلَى اسْمِ يَسُوعَ" متجنبة التعبير الصحيح "باسم يسوع"، وقد استخدمته نسخ KJV, ISV, CEV وغيرهم. كما أن الأقانيم ليست متساوية. فمنها الراسل (الآب) ولا يصلح أن يرسله أحد، ومنهم الرسول (الروح القدس والابن) ولا يصلح الروح القدس ليرسل الآب أو الابن. ويتفوق الروح القدس على الابن فيما يلي:
لِذَلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ خَطِيَّةٍ وَتَجْدِيفٍ يُغْفَرُ لِلنَّاسِ وَأَمَّا التَّجْدِيفُ عَلَى الرُّوحِ فَلَنْ يُغْفَرَ لِلنَّاسِ. وَمَنْ قَالَ كَلِمَةً عَلَى ابْنِ الإِنْسَانِ يُغْفَرُ لَهُ وَأَمَّا مَنْ قَالَ عَلَى الرُّوحِ الْقُدُسِ فَلَنْ يُغْفَرَ لَهُ لاَ فِي هَذَا الْعَالَمِ وَلاَ فِي الآتِي. (متى 12: 31، 32)
اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ جَمِيعَ الْخَطَايَا تُغْفَرُ لِبَنِي الْبَشَرِ وَالتَّجَادِيفَ الَّتِي يُجَدِّفُونَهَا. وَلَكِنْ مَنْ جَدَّفَ عَلَى الرُّوحِ الْقُدُسِ فَلَيْسَ لَهُ مَغْفِرَةٌ إِلَى الأَبَدِ بَلْ هُوَ مُسْتَوْجِبٌ دَيْنُونَةً أَبَدِيَّةً». لأَنَّهُمْ قَالُوا: «إِنَّ مَعَهُ رُوحاً نَجِساً». (مر 3: 30)

 


يلجأ بعض المنصرين لمظاهر الطبيعة لتفسير التثليث مخالفين أبسط قواعد الفلسفة والمنطق. لذلك رفض الكثير من علماء المسيحية تفسير التثليث بظواهر الطبيعة. يقول د. القس فايز فارس: «الواقع أنه لا يوجد تشبيه بشري يمكن أن يعبر عن حقيقة الثالوث لأنه ليس لله تعالى مثيل مطلقاً في الكون».(حقائق أساسية في الإيمان المسيحي. ص 52)
ويقول الدكتور المسيحي حليم حسب الله:
«
لا يجوز تشبيه الله في أقانيمه بأية تشبيهات بالمرة كالشمس وغيرها لأنها كلها محدودة ومركبة, وهو بنفسه يقول:
«
بِمَنْ تُشَبِّهُونَنِي وَتُسَوُّونَنِي وَتُمَثِّلُونَنِي لِنَتَشَابَهَ؟». (إشعياء 46: 5)
«
فَبِمَنْ تُشَبِّهُونَنِي فَأُسَاوِيهِ؟ يَقُولُ الْقُدُّوسُ». (إشعياء 40: 25)
ويقول القس توفيق جي د (في كتابة سر الأزل ص39):
«
إن الثالوث سر يصعب فهمه وإدراكه».

 

 


ولكن قد يلجأ البعض للإستشهاد الخاطيء بآي القرآن ليخاطبوا المسلم من خلال عقيدته محاولين إثبات ألوهية المسيح، فيقولون أن الإسلام (قرآن وسنَّة) نصَّ على أن المسيح خالق وديان وعالم الغيب والشهادة ويعلم الساعة. ومادام هو كذلك فهو إله.
إن المسيح ليس وحده خالقًا، وإنما المصانع تخلق البضائع أيضًا. وأنت عندما تصمم شيئًا فأنت خالق. إن الفعل «يخلق» يعني الإيجاد من عدم أو من موجود. لذلك يقول القرآن:
أَتَدْعُونَ بَعْلًا)  (الصافات 125)(وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ
فَتَبَارَكَ اللَّهُ)  (المؤمنون 14)(أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ
ويقر القرآن الذي يستشهدون به أن المسيح جرت على يديه الآيات بإذن الله وقدرته:
إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسى ابْنَ) مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى  (المائدة 110)(بِإِذْنِي
وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ) جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي  (آل عمران 49)(ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ
وَلَقَدْ) أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ  (الرعد 38)(كِتَابٌ
أما أن المسيح ديان لأنه يأتي قبيل الساعة حكمًا مُقْسِطًا يدين الناس، فهذا ليس مقصورًا عليه. إن القاضي الذي يحكم بين الناس هو ديان أيضًا، إذ أن الفعل «يدين» يعني يحكم. يقول محمد بن عبد الله:
«
لينزلن ابن مريم حكماً عدلا فيكسر الصليب وليقتلن الخنزير وليضعن الجزية من القلاص عليها وليذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد وليدعون إلى المال فلا يقبله». وإسناده حسن. رواه مسلم عن قتيبة عن الليث (المكتبة الألفية. المسند المستخرج على صحيح الإمام مسلم. ج1. ص 219، 220)
ومن يدعي أن المسيح عالم الغيب لأنه كان يخبر الناس بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم، فهذه آية أجراها الله علي يده كغيرها من الآيات. إن المسيح يخبر هنا بما هو موجود ولكن غائب عنه، وهناك من أنبياء الكتاب المقدس من أخبر بما سيقع مستقبلًا:
«
وَإِنَّ رَجُلاً مِنْ بَنِي الأَنْبِيَاءِ قَالَ لِصَاحِبِهِ: عَنْ أَمْرِ الرَّبِّ اضْرِبْنِي. فَأَبَى الرَّجُلُ أَنْ يَضْرِبَهُ. فَقَالَ لَهُ: مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ لَمْ تَسْمَعْ لِقَوْلِ الرَّبِّ فَحِينَمَا تَذْهَبُ مِنْ عِنْدِي يَقْتُلُكَ أَسَدٌ. وَلَمَّا ذَهَبَ مِنْ عِنْدِهِ لَقِيَهُ أَسَدٌ وَقَتَلَهُ». (1مل 20: 35، 36)
وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ)وقول الله في القرآن:   (الزخرف 61) يعني أن نزول المسيح إعلام للناس بقرب الساعة. وقد أقر(لِّلسَّاعَةِ المسيح في الإنجيل أنه لا يعلم متى الساعة.

 

 


عندما جاء «محمد بن عبد الله» لم يكن يدري شيئًا عن هذا. ومع ذلك يبعث برسالة إلى هرقل يشير فيها إلي آريوس وفرقته. يقول فيها:
«
بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد بن عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم. سلام على من اتبع الهدى. أما بعد. فإني أدعوك بدعاية الإسلام. أَسْلِم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين. فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين».
لقد تنبأ المسيح بكل هذه الأحداث وهو يُذَكِّرَهم أنه عبد الله ورسوله:
«
اُذْكُرُوا الْكلاَمَ الَّذِي قُلْتُهُ لَكُمْ: لَيْسَ عَبْدٌ أَعْظَمَ مِنْ سَيِّدِهِ. إِنْ كَانُوا قَدِ اضْطَهَدُونِي فَسَيَضْطَهِدُونَكُمْ وَإِنْ كَانُوا قَدْ حَفِظُوا كلاَمِي فَسَيَحْفَظُونَ كلاَمَكُمْ. لَكِنَّهُمْ إِنَّمَا يَفْعَلُونَ بِكُمْ هَذَا كُلَّهُ مِنْ أَجْلِ اسْمِي لأَنَّهُمْ لاَ يَعْرِفُونَ الَّذِي أَرْسَلَنِي». (يوحنا 15: 20 - 22)
«
سَيُخْرِجُونَكُمْ مِنَ الْمَجَامِعِ بَلْ تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَظُنُّ كُلُّ مَنْ يَقْتُلُكُمْ أَنَّهُ يُقَدِّمُ خِدْمَةً لِلَّهِ. وَسَيَفْعَلُونَ هَذَا بِكُمْ لأَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا الآبَ وَلاَ عَرَفُونِي». (يوحنا 16: 1 – 4)
وقد حرَّم مجمع نيقية كثيرًا من رسائل العهد الجديد المعتمدة حاليًّا. ألا يكون هذا المجمع قد أخطأ في قرار تأليه المسيح أيضاً؟! لذا أمروا بالإيمان الأعمي:
«
علم اللاهوت له المتخصصون فيه لأنه علم معقد الثنايا لا يخوض غماره إلاّ من أوتوا هذا العلم. أما الآخرون فما عليهم إلاّ السمع والطاعة وعدم الخوض فيما لا يعنيهم». (رسالة الكنيسة، مصدر سابق، ص 9، 23)

والسلام عليكم

 

 

بواسطة  : zaidgalal

http://www.ebnmaryam.com/vb/showthread.php?t=6062