هل العهد القديم كلمة اللـه ؟؟


الخامس عشر: الصبغة البشرية للتوراة

تصطبغ التوراة بالصبغة البشرية الضعيفة التي نجدها في سائر الأسفار، فالأسفار المقدسة كتاب تاريخ يقع في كثير من الأخطاء التي قد لا يقع بها صغار الكتاب وأصحاب الذوق الرفيع منهم.


قصص للمتعة لا للفائدة :

وفي كثير من فقراته يفتقد الكتاب المقدس إلى المعلومة المفيدة والتي تستثمر الحدث التاريخي لهدف ديني، بل فيه ما تجده في كتب الإثارة والمتعة الرخيصة واللهو البعيد عن العبرة والفائدة.

فما الفائدة والثمرة من قبل بعض هذه الحكايات الواردة فيه؟ ما الفائدة من قصة زنا يهوذا بكنته ثامار بعد أن زوجها أبناءه واحداً بعد واحد ، ثم زنى بها وهو لا يعرفها ، فلما عرف بحملها أراد أن يحدها فقال: " أخرجوها فتحرق " فلما علم أن زناها وحملها منه، قال " هي أبر مني " (انظر : التكوين 38/1 – 26 )

أين المغزى من القصة ، امرأة مات عنها أزواجها واحداً بعد آخر ، عاقبهم الرب لأنهم كانوا يعزلون عنها في الجماع ، ثم زنت بوالدهم ، ونتج عن هذا السفاح ابنان ، أحدهما فارص ( أحد أجداد المسيح )….، ثم تمضي القصة بلا عقوبة ولا وعيد ….

فهل كان العزل مستحقاً للموت، بينما لا عقوبة ولا حد على جريمة زنا المحارم ، ثم كان هؤلاء ( أبطال القصة ) أجداداً لابن الله الوحيد، ففي نسب المسيح أنه من أبناء فارص ابن يهوذا وثامار (انظر متى 1/2 ) .

وفي قصة أخرى تخلو عن العبرة والفائدة تقول التوراة: " ونذر يفتاح نذراً للرب قائلاً : إن دفعت بني عمون ليدي ، فالخارج الذي يخرج من أبواب بيتي للقائي عند رجوعي بالسلامة من عند عمون يكون للرب وأصعده محرقة " فلما انتصر استقبلته ابنته مهنئة وكانت أول مستقبليه فذبحها " ففعل بها نذره الذي نذر" ( القضاة 11/30 - 40 ) ما فائدة القصة لو كانت صحيحة ، لماذا يخلدها الله في كتابه؟.

ومن العبث أيضاً ذلك الحوار الذي سجلته أسفار التوراة: "عاد بنو إسرائيل أيضاً، وبكوا، وقالوا: من يطعمنا لحماً، قد تذكرنا السمك الذي كنا نأكله في مصر مجاناً والقثاء والبطيخ والكرّاث والبصل والثوم. والآن قد يبست أنفسنا، ليس شيء غير أن أعيننا إلى هذا المنّ، وأما المنّ فكان كبزر الكزبرة، ومنظره كمنظر المقل، كان الشعب يطوفون ليلتقطوه، ثم يطحنونه بالرحى، أو يدقونه في الهاون، ويطبخونه في القدور ويعملونه ملات، وكان طعمه كطعم قطائف بزيت" (العدد 11/5-8)

ونحوه في قصة الطفل المسلوق الذي اتفقت أمه وجارتها على أكل ابنيهما في جوع السامرة " وكان جوع شديد في السامرة...فقالت: إن هذه المرأة قد قالت لي: هاتي ابنك، فنأكله اليوم، ثم نأكل ابني غداً. فسلقنا ابني وأكلناه، ثم قلت لها في اليوم الآخر، هاتي ابنك، فنأكله، فخبأت ابنها" (ملوك (1) 6/25-29).

ويمتد عبث الأسفار إلى أسفار الحكمة والشعر ، والتي من المفترض أن نقرأ في ثناياها الحكمة، فإذا بنا نقرأ " لكل شيء زمان، ولكل أمر تحت السموات وقت، للولادة وقت وللموت وقت، للغرس وقت ولقلع المغروس وقت، للبكاء وقت، وللضحك وقت، وللنوح وقت، وللرقص وقت، لتفريق الحجارة، وقت ولجمع الحجارة وقت، للمعانقة وقت، وللانفصال عن المعانقة وقت، للتمزيق وقت، وللتخييط وقت" (الجامعة1:3)


معلومات تاريخية لا قيمة لها :

ومن ذلك تلك المعلومات التاريخية التي تبلغ 90% من موضوعات الأسفار المقدسة، والكثير منها معلومات تافهة لا تفيد حتى من الناحية التاريخية، من ذلك ما ورد في سفر صموئيل " فبادرت أبيجال وأخذت مائتي رغيف خبز وزقي خمر ، وخمسة خرفان مهيئة ، وخمس كيلات من الفريك، ومائتي عنقود من الزبيب ، ومائتي قرص من التين ، ووضعتها على الحمير " ( صموئيل (1) 25/18 )، فما الذي أفاد البشرية معرفة ذلك.

وفي سفر الأيام ( (1) 24 - 27 ) يعرض لنا قائمة طويلة لوكلاء داود وولاته، فما علاقة ذلك بوحي الله ؟

وفي سفر الملوك الأول إصحاحان كاملان في وصف الهيكل وطوله وعرضه وسماكته وارتفاعه وعدد نوافذه وأبوابه ......وتفاصيل تزعم التوراة أنها المواصفات التي يريدها الرب لمسكنه الأبدي (انظر ملوك (1) 6/1 - 7/51 ) .

ثم في موضع آخر تقول: " هل يسكن الله حقاً على الأرض، هوذا السموات وسماء السموات لا تسعك، فكم بالأقل هذا البيت الذي بنيت". (ملوك(1) 8/27)

وفي أخبار الأيام الأول ست عشرة صفحة كلها أنساب لآدم وأحفاده وإبراهيم وذريته (انظر الأيام 1/1 - 9/44 )

ثم قائمة أخرى بأسماء العائدين من بابل حسب عائلاتهم ، وأعداد كل عائلة إضافة لأعداد حميرهم وجمالهم و....... (انظر عزرا 2/1 - 67 ).

كما ثمة قوائم أخرى بأعداد الجيوش والبوابين من كل سبط ، وعدد كل جيش و.... (انظر الأيام 23/1 - 27/34 ) .

وفي سفر الخروج يأمر موسى بصناعة التابوت بمواصفات دقيقة تستمر تسع صفحات ، فهل وحي ينزل بذلك كله وغيره مما يطول المقام بتتبعه .
 

قصور الأسفار في القضايا الدينية :

ويبحث الباحثون عن ذكر يوم القيامة والجنة والنار والبعث والنشور في أسفار التوراة الخمسة فلا يجدون نصاً صريحاً ، وأقرب نص في الدلالة على يوم القيامة ما جاء في سفر التثنية " أليس ذلك مكنوزاً عندي مختوماً عليه في خزائني ، لي النقمة والجزاء في وقت تزل أقدامهم " ( التثنية 32/34 - 35 ).

ثم بعد هذا كله لا تجد في التوراة وصفاً لكيفية الصلاة يأمر به الرب ، كما لا يرد فيها اسمه الأعظم كما في التوراة إلا نادراً فقد جاء في إرمياء: " فيعرفون أن اسمي : يهوه " ( إرميا 16/21)، وأول مرة ظهر فيها هذا الاسم في سفر الخروج ( 3/15 ) ثم ظهر في إرمياء المذكور ، وما عدا ذلك فإنه يذكر باسم: السيد ، الرب، الإله.
 

التكرار الممجوع :

وتقع الأسفار في التكرار الحرفي لبعض الأحداث، فهل نسي الله أو الروح القدس أنه أملاه قبل، وانظر كنموذج للتكرار الممجوج ما ورد في الإصحاحات 25 - 30 من الخروج وصف دقيق لخيمة الاجتماع كما أمر الرب أن تكون .

ثم تكرر الوصف بتمامه لما استدعى موسى بصلئيل واهولياب للتنفيذ ، واستغرقت الإعادة الإصحاحات ( 36 - 40 ) . وكان يغني عن ذلك كله لو قال ( وبصلئيل بن أروى صنع كل ما أمر به الرب موسى ومعه أهولياب بن أخيساماك ) .

كما يقع كتاب العهد القديم أو كتَّابه فيما نسميه سرقة أدبية كما في ذكر نص ثم إعادته في موضع آخر، ومنه : تطابق ( ملوك (2) 19/1 - 12 ) مع ( إشعيا 37/1 - 12) كلمة بكلمة ، وحرفاً بحرف ، بل وشولة بشولة .

ويعلل كبير قساوسة السويد شوبرج هذا التماثل ، فيقول: " هذه هي عظمة الكتاب ".

وتكرر هذا النقل في إصحاحات أخرى مع تغيير بسيط لا يذكر في بعض الكلمات (انظر أيام (1) 17 ، وصموئيل (2) 7 )، وانظر ( أيام (1) 18 ، وصموئيل (2) 8 )، وانظر ( أيام (1) 19 ، وصموئيل (2) 10 )، وانظر (ملوك (1) 8 ، وأيام (2) 6)، وغير ذلك .
 

مبالغات وأخبار خرافية :

كما تحوي أسفار التوراة أخباراً هي للخرافة أقرب منها للأخبار المعقولة، ومن ذلك قصص شمشون الجبار وخصلات شعره التي كانت سبباً في أعاجيبه وقوته وانتصاراته ، ومن أعاجيبه أنه بينما هو يمشى " إذ بشبل أسد يزمجر للقائه ، فحل عليه روح الرب ، فشقه كشق الجدي ، وليس في يده شيء " ( القضاة 14/5 - 6 )

وأيضاً لما ربطه قومه وسلموه للفلسطينيين موثقاً " فحل الوثاق عن يديه ، ووجد لحي حمار طرياً، فمد يده ، وأخذه ، وضرب به ألف رجل . فقال شمشون بلحمي حمار كومّةُ كومتين ، بلحي حمار قتلت ألف رجل " (القضاة 15/14-16) إلى غير ذلك من أخبار شمشون الجبار (انظر القضاة 14-16) .

وكما يبالغ البشر في عرض بطولاتهم تبالغ التوراة وهي تتحدث عن بني إسرائيل وأعدادهم وبطولاتهم، ومن ذلك قصة ويشبعام، فقد قتل ثلاثمائة دفعة واحدة ، وبهزة رمح " يشبعام بن حكموني رئيس الثوالث، هو هزّ رمحه على ثلاث مائة قتلهم دفعة واحدة " ( أيام (1) 11/11).

لكن شمجر بن عناة قتل من الفلسطينيين ستمائة رجل بمنساس البقر" وكان بعده شمجر بن عناة فضرب من الفلسطينيين ست مائة رجل بمنساس البقر " ( القضاة 3/31) كيف يحصل هذا ؟ كيف لم يهربوا ؟ هل انتظر كل منهم دوره ؟!!

لكن البطل يوشيبا أعظم منهما فقد " هز رمحه على ثمانمائة قتلهم دفعة واحدة " (صموئيل (2) 23/8 ) فكم كان طول هذا الرمح؟ وكيف تم هذا ؟!!
ومثله المبالغة في عرض كل ما يتعلق ببني إسرائيل
" كان طعام سليمان لليوم الواحد ثلاثين كرّ سميذ ، وستين كرّ دقيق ، وعشر ثيران مسمنة ، وعشرين ثوراً من المراعي ، ومائة خروف عدا الأيائل واليمامير والأوز المسمن " ( ملوك (1) 4/22 - 23) ونحوه كثير....

 

عودة