الرسول الأعظم محمد صلى اللـه عليه وسلم


الفصل الثالث : أسرع الأديان نموًا اليوم Fastest Growing Religion Today

سيف العقل The Sword of The Intellect

لن يتوقف أعداء الإسلام الشكوكيين والمبشرين بالمسيحية ( المنصرين ) وأتباع حملتهم السلبيين عن القول الأحمق بأن " الإسلام انتشر بحد السيف " . لكنهم لن يجرؤا أن يجيبوا على سؤالنا من قام برشوة كارلايل سنة 1840م . عندما دافع كارلايل عن محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ضد هذا الادعاء عن السيف لم يكن هناك أحداً حوله ليرشيه .

العالم الإسلامي بأسره كان في الدرك الأسفل من الحضارة .

كانت بلاد الإسلام كلها خاضعة تحت الاحتلال من قبل المسيحيين ماعدا القليل منها مثل إيران وأفغانستان وتركيا الذين كانوا مستقلين اسماً فقط ولم يكن هناك ثروة للتباهي بها ولا دولارات البترول ليرشوا بها .

لقد كان ذلك بالأمس وفي الماضي القريب . لكن ماذا عن اليوم في الأزمنة الحديثة ؟

لقد ثبت أن الإسلام أسرع الأديان نمواً في العالم كما هو مبين في الجدول الذي يظهر في الصفحة التالية .

إن إجمالي الزيادة لكل الطوائف والملل المسيحية كانت مذهلة 138 % .

مع الزيادة التي لا تصدق للإسلام . وهي 235 % في نفس المدة من الوقت وهي نصف قرن . ولقد تأكد أن الإسلام هو أسرع الأديان نمواً في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية .


نصف  قرن حاسم فيما يتعلق بالديانات ( تأليف كيث و . ستامب )

نحن نلقي الضوء على أهم تطورات الأديان الكبرى في العالم سنة 1934م – 1984م .

العدد عام 1984 (2)                                          العدد عام 1934 (1)

الديانة

الأرثوذكسية

الشرقية

البروتستانتية

الكاثوليكية

المسيحية

البوذية

النسبة المئوية

للعدد في 1984

بالنسبة للعدد

 في 1934

36%

نقص

57%

زيادة

70%

زيادة

47%

زيادة

63%

زيادة

الديانة

لشبنتوية

اليهودية

الإسلام

الهندوسية

الكونفوشيوسية

النسبة المئوية

للعدد في  1984

للعدد في 1934

152%

زيادة

4%

نقص

235%

زيادة

117%

زيادة

13%

نقص

(1) المصدر : التقويم العالمي وكتاب الحقائق 1935 مجلة الحق الواضح .

(2) المصدر : التقويم والكتاب السنوي لمجلة " ريدرز دايجست " 1983 .

لقـد قيـل أن " المسلمين فـي بريطانيا " أكثر مـن طائفـة المثوديين أو " المنهجيين " ( Methodists ) في هذا البلد .

ولك الحق في أن تسأل " أي سيف ؟ " الجواب هو أنه " السيف بالفعل ! " ([31]) ( كما قال كارلايل ) إلا أنه سيف العقل !

إنه تحقيق لنبؤة أخرى أيضاً :

قال تعالى :

" هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً " ( الفتح : 28 )

وقد وصف هنا قدر الإسلام في أوضح تعبير . سيسود الإسلام في العالم ويتغلب ويخلف وراءه كل دين آخر .

( ليظهره ) ( أي ليظهر الله القدير الإسلام ) على الدين كله . وكلمة دين باللغة العربية ( ومعناها الحرفي طريقة الحياة ) .

وأنه سيخلف وراءه جميع الأديان سواء كانت الهندوسية أو البوذية أو المسيحية أو اليهودية أو الشيوعية أو أي مذهب آخر هذا هو ما قدره الله لدينه .

وقد أعيد نفس النص القرآني في سورة الصف الآية 9 التي تنتهي بنهاية مغايرة طفيفة :

" .. لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ " ( الصف : 9 )


إنتصار الإسلام Triumph Of Islam

الإسلام سيسود . إنه وعد الله ووعده حق ([32]) . لكن كيف ؟

بالسيف ؟ لا حتى ولو كان عندنا سلاح ذري . هو يمكننا استعماله ؟

القرآن الكريم يحرم علينا استخدام القوة كوسيلة للهداية !

لكن الآية تتنبأ بأن الإسلام سيكون الأكثر سيادة على جميع الأديان .

إن انتصارات تعاليمه وعقائده بدأت بالفعل . وهو الآن بدأ يتحكم في الفكر والتعاليم والعقائد الدينية لمدارس الفكر المختلفة في العالم .

ليس باسم الإسلام ولكن باسم التحسين والإصلاح الديني فإن الطوائف الدينية المختلفة بدأت تتطعم بسرعة بتعاليم وعقائد الإسلام وهناك أشياء كثيرة تناولها مقصور على الإسلام ولم تكن معروفة من قبل أو كانت من قبل تعارض بضراوة ( بشدة ) من العقائد الأخرى أصبحت الآن جزء من معتقداتهم .

- إخاء الإنسان .

- إلغاء نظام الطبقات المتعلقة والمنبوذة .

- حق النساء أن ترث .

- فتح أماكن العبادة للجميع .

- تحريم كل المسكرات ([33]) .

- المفهوم الحقيقي لوحدانية الله .. الخ ([34])

تبقى كلمة واحدة أخيرة في الموضوع الأخير قبل أن ننتقل إلى الأمام :

إسأل أي موحـد أو المشرك ( المؤمن بعـدة آلهة ) أو المؤمن بوحـدة الوجود أو الثالوثي ([35]) . كم إله يؤمن به ؟ سيخاف أن يقول أي شيء غير واحد !!!

هذا هو تأثير التوحيد الصارم في الإسلام .

" إن عقيدة محمد خالية من شبهة الغموض ، والقرآن دليل رائع على وحدانية الله "

( جيبون في كتابه صعود وسقوط الامبراطورية الرومانية )


رأي الشرقيين غير المسلمينVerdict Of Non – Muslim

تقريباً كل المدافعين عن محمد صلى الله عليه وسلم الذين عارضوا النظرية الخاطئة بأنه نشر دينه بحد السيف كانوا غربيين .

دعونا الآن نسمع ما قاله بعض الشرقيين من غير المسلمين في هذا الموضوع .

أ- " كلما أدرس أكثر أكتشف أن قوة الإسلام لا تكمن في السيف " ماهاتما غاندي – أبو الهند الحديثة في " الهند الفتاة " .

ب- إنهم ( نقاد محمد صلى الله عليه وسلم ) يرون النار بدلاً من الضوء والقبح بدلاً من الحسن – إنهم يشوهون ويصورون كل صفة جيدة كأنها رذيلة عظيمة . إن هذا يعكس فسادهم الشخصي .

إن النقاد الذين تكسوهم الغشاوة لا يستطيعون أن يروا أن السيف الوحيد الذي استخدمه محمد كان سيف الرحمة والشفقة ، الصداقة والمغفرة . إنه السيف الذي يقهر الأعداء ويطهر قلوبهم . إن سيفه كان أكثر حدة من السيف المصنوع من الصلب .

بانديت جياناندرا ديف شارمة شاسترى في اجتماع بجوراكبور الهند سنة 1928هـ .

ج) لقد فضل الهجرة على محاربة قومه . ولكن عندما وصل الظلم والاضطهاد أبعد من نطاق الاحتمال حمل سيفه دفاعاً عن النفس . هؤلاء الذين يؤمنون أن الدين ممكن أن ينتشر بالقوة أغبياء لا يعلمون طرق الدين ولا طرق الحياة .

إنهم فخورين بهذا الاعتقاد لأنهم بعيدون كل البعد عن الحقيقة .

صحفي سيخى ([36]) في " نوان هندوستان " دلهي 17 نوفمبر سنة 1947 .

" الشرق شرق والغرب غرب لن يلتقي الاثنين أبداً . إن كل الذين لم يعمهم التحيز سوف يلتقون في الدفاع عن محمد ( صلى الله عليه وسلم ) " روديارد كيبلينج


ثلاث مقاييس أخرى Three Other Standards

بعد 14 سنة من إلقاء توماس كارلايل لمحاضرته عن نبيه البطل ( محمد صلى الله عليه وسلم ) Hero Prophet كتب رجل فرنسي اسمه لامارتين Lamartine تاريخ الأتراك . وبما أن الأتراك مسلمون فقد تناول لامارتين بعض جوانب الإسلام ومؤسسه . وكما رأى جول ماسيرمان ( أنظر الفصل الأول من هذا الكتاب ) . في الوقت الحاضر ثلاث مقاييس موضوعية لاكتشاف عظمة القيادة ، فقد فكر لامارتين منذ قرن مضى في ثلاث مقاييس موضوعية أخرى لمنح العظمة . لا بد أن نعطي الفضل للغربيين لهذا النوع من نفاذ البصيرة .

ويعقتد لامارتين أن :

(1) إذا كانت عظمة الغاية ، وقلة الوسائل والنتائج المذهلة هي المقاييس الثلاثة لعبقرية الإنسان فمن يجرؤ على مقارنة أي رجل عظيم في التاريخ بمحمد صلى الله عليه وسلم ؟

وينهي لامارتين قطعته المطولة الأدبية الرائعة بالكلمات الآتية :

" ... حكيم – خطيب – رسول – مشرع – محارب – هازم الأفكار الباطلة – ومُحيي المعتقدات العقلانية وعبادة بلا أصنام ولا صور – مؤسس 20 إمبراطورية دنيوية وإمبراطورية واحدة روحية ذلك هو محمد . وبالنظر إلى كل المقاييس التي يمكن أن تقاس بها عظمة البشر يحق لنا أن نسأل هل يوجد أي إنسان أعظم منه ؟

لامارتين ( تاريخ الأتراك ) باريس سنة 1854

الإجابة عن هذا السؤال : " هل يوجد أي إنسان أعظم منه ؟ " واضحة في السؤال نفسه ، ( إنه استفهام غرضه النفي ) فكأنه يقول ضمنا " لا يوجد إنسان أعظم من محمد .. ومحمد أعظم من عاش أبدا "

قال تعالى ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) ( الشرح : 4 )

لقد فعلت يا ربي بكل التأكيد .

قبل أن نبرئ لامارتين من أي تحيز أو محاباة أو من تهمة تقاضي الرشوة نتفحص بدقة مقاييسه الثلاثة ونرى إذا كانت قد تحققت في محمد صلى الله عليه وسلم .

1- عظمة الغاية Greatness Of Purpose

التاريخ سيقول لك إنها كانت أكثر فترة مظلمة في التاريخ البشري عندما أمر محمد صلى الله عليه وسلم أن يشهر بدعوته ([37])

كانت هناك حاجة لبعث الرسل في كل ركن من أركان العالم أو إرسال رسول واحد سيد للجنس البشري كله ليخرجهم من الزيف وخرافة المعتقدات والأنانية والوثنية والخطأ والظلم .

ليكون إصلاحاً للبشرية كلها . والله القوي بحكمته اختار نبيه من مكان منعزل في جزيرة العرب ليكون رسولاً للعالمين ، لهذا يسجل في كتابه الشريف :

" وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ " ( الأنبياء : 107 ) .

الآن لم يعد هناك سؤال عن السلالة ولا الأمة ، ولا " الشعب المختار " أو عن " ذرية إبراهيم " ، أو " ذرية داود " أو عن طبقة النبلاء عند الهندوس أو اليهود أو الأميين أو العرب أو العجم أو الفرس أو عن الترك أو الطاجيك أو الأوربيين أو الآسيويين أو البيض أو الملونيين أو آرى أو سامي أو مغولي أو أفريقي أو أمريكي أو استرالي أو بولونيزي ( من سكان جزر بولونيزيا ) وتنطبق المبادئ على كل الرجال والمخلوقات المسؤولة دينياً بلا استثناء " ( عبد الله يوسف علي في ترجمته الانجليزية لمعاني القرآن الكريم ) .


يسوع ( عليه السلام )Jesus ( PBUH ) Discriminates

إن سلف محمد صلى الله عليه وسلم المباشر ( أي عيسى عليه السلام ) نصح تابعيه قائلاً " لا تعطوا القدس للكلاب " ( يعني غير اليهود ) .

" ولا تطرحـوا درركم قدام الخنازير لئلا تدوسها بأرجلها وتلتفت فتمزقكم " ( متى 7 : 6 ) .

إن كتاب الإنجيل أجمعوا على أن المسيح عاش على المبادئ التي وعظ بها ودعا إليها . ولم يعظ أو يدع شخصاً واحداً غير يهودي في حياته . في الواقع لقد رفض بازدراء امرأة غير يهودية جاءت تلتمس شفاء ابنتها على يديه .

( وكانت المرأة أممية ( غير يهودية ) وفـي جنسها فينيقية سورية ) ([38]) ( مرقص 7 – 6 ) .

وأثناء موسم " عيد الفصح " عندما قام السيد المسيح وأتباعه بالاجتماع لهذه المناسبة في القدس جاءه بعض اليونانيين بعد أن سمعوا عـن شهرته وسمعته يلتمسون مقابلته للتنور الروحي . ولكن المسيح عليه السلام عاملهم " بجفاء " كما روى القديس يوحنا . " وكان أناس يونانيون من الذين صعدوا ليسجدوا في العيد . فتقدم هؤلاء إلى فيلبس الذي من بيت صيدا الجليل وسألوه قائلين يا سيد نريد أن نرى يسوع . فأتى فيليبس وقال لأندراوس ثم قال اندراوس وفيلبس ليسوع " ( يوحنا 12 : 2 – 22 ) .


تمجيد الذات Self Glorification

الآيات التالية لا تسجل الاذن بـ ( نعم – نعم ) أو ( لا – لا ) كما أوصى المسيح بالاكتفاء بهما ( بل ليكن كلامكم نعم نعم لا لا وما زاد علي ذلك فهو من الشرير ) ( متى 5 : 37 ) .

بل تمضي الفقرات في مدحه :

" وأما يسوع فأجابهما ( أي أندراوس وفيلبس ) قائلاً قد أتت الساعة ليتمجد ابن الإنسان " ( وهو يشير بذلك إلى نفسه ) ( يوحنا 12 : 23 ) .


أعلى المقاييس Highest Standards

تذكر كيف أن الله ذكر محمد صلى الله عليه وسلم بأفضل آداب العشرة المطلوبة منه . حتى فكرة تكديره من التطفل غير الملائم لرجل أعمى لم تقبل منه " أنظر فصل ؛ عبس وتولى " كرسول للعالمين جعل الله له أرفع وأنبل المقاييس .

" وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ " ( ن : 4 )

وما هو نطاق دعوته ومجال بعثته ، إنها البشرية كلها !

" وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ " ( الأنبياء : 107 ) .


رسول لكل العالم Universal Messenger

هذه الأشياء ليست مجرد أمور تافهة وعواطف أو مشاعر جميلة مجردة من الأفعال . فقد طبق محمد صلى الله عليه وسلم ما وعظ به ودعا إليه . ومن بين الصحابة والمهتدين الأولين بخلاف العرب ، كان بلال الحبشي وسلمان الفارسي وعبد الله بن سلام اليهودي من الممكن أن يقول الشكوكيين أن امتداده كان ببساطة مصادفة لكن ماذا يستطيعون أن يقولوا عن الحقيقة التاريخية أنه قبل موته أرسل خمس رسائل واحدة إلى كل من البلاد الخمسة المحيطة ، يدعوهم إلى دين الإسلام .

1- إمبراطور فارس .

2- ملك مصر .

3- نجاشي الحشة .

4- إمبراطور الروم هرقل بالقسطنطينية .

5- ملك اليمن .

وهو بهذا يضرب لنا مثلاً في تنفيذ رسالته السماوية و " عظمة الغاية " وإصلاح البشرية كلها بهدايتها للإيمان بالله . فهل يمكن أن يضارع أي دين آخر عالمية الإسلام . ولم يبعث محمد صلى الله عليه وسلم لكي يسجل أو يحطم أي أرقام قياسية وإنما بعث لكي يقوم بالمسئولية التي أسندها إليه رب العالمين !

2- قلة الوسائل Smallness of Means

لم يولد محمد صلى الله عليه وسلم وفي فمه معلقة من فضة .

إن حياته تبدأ برعاية محدودة . مات أبوه قبل أن يولد ، أما أمه فماتت ببلوغه السادسة من عمره . لقد كان يتيم الأبوين في هذه السن الحرجة . ثم يقوم جده عبد المطلب برعاية هذا الطفل لكنه يموت أيضاً بعد ثلاث سنوات . وما أن اشتد عوده حتى بدأ يرعى أغنام عمه أبي طالب من أجل طعامه .

قارن هذا الطفل الفقير اليتيم الأبوين – العربي ببعض الشخصيات الدينية العظيمة التي سبقته ولا بد أن تعجب على ما كان يخبئ له القدر .

إن إبراهيم عليه السلام الأب الروحي لموسى وعيسى ومحمد ( عليهم السلام ) كان ابن واحد من أنجح التجار في ذلك الوقت .

وموسى عليه السلام رُبي في بيت فرعون . أما عيسى عليه السلام فبالرغم من وصفه في بعض الأناجيل بأنه " النجار ابن النجار " إلا أنه كان لديه إمكانيات مادية وتعليمية جيدة .

إن بطرس وفيلبس وأندراوس إلخ تركوا جميعاً أعمالهم وتبعوه ليكونوا رهن إشارته وطوع أمره ليس لأنه كانت هناك أي هالة ([39]) فوق رأسه . لم يكن هناك شيء كهذا . لكن بسبب ملابسه الثمينة وعطاياه الكثيرة .

لقد كان بإمكانه أن يطلب لنفسه ولأتباعه قصوراً في القدس في ذروة العيد وأن يطلب تجهيز الولائم السخية . وكان بإمكانك أن تسمعه يوبخ اليهود الماديين .

" ولما وجدوه في عبر البحر قالوا له يا معلم متى صرت هنا أجابهم يسوع وقال الحق أقول لكم أنتم تطلبونني ليس لأنكم رأيتم آيات ([40]) بل لأنكم أكلتم الخبز فشبعتم " ( يوحنا 6 : 25 – 26 )


لا شيء ليقدمه Nothing To Offer

أما محمد عليه السلام فلم يكن يملك أي خبز أو لحم ليقدمه ولا مُسكرات من أي نوع لا في هذا العالم ولا في العالم الآخر !

والأشياء الوحيدة التي كان بوسعه أن يقدمها لقومه الرعاة الفقراء هي المحن والابتلاءات والقيود في حياتهم على الأرض والوعد بالملذات المرضية من الله في الآخرة .

إن حياة النبي كانت كتاباً مفتوحاً أمامهم . لقد عرف من لقوا محمد صلى الله عليه وسلم نُبل أخلاقه وكمال غايته وجديته وحماسته المشتعلة من أجل الحق الذي جاء يدعو إليه وأظهر بطولته فاتبعوه . إن تقييم السيد ستانلي لان بوول لبطلنا هو من الجمال والصدق بحيث أنني لا أستطيع مقاومة إغراء الاستشهاد به هنا : ( لقد كان مفعما بالحماسة لهذا المفهوم النبيل وعندما تصبح الحماسة ملح الأرض " يقصد خيار الإنسان " تكون الشيء الوحيد الذي يحفظ الناس من الفساد ما داموا أحياء " .

الحماسة غالباً ما تستخدم بخبث عندما ترتبط بهدف حقير أو تسقط على أرض جرداء فلا تحمل أي ثمار . لم يكن الأمر كذلك مع محمد ( صلى الله عليه وسلم ) . لقد كان مفعماً بالحماسة عندما كانت الحماسة الدينية الشيء الوحيد المطلوب ليحول الدنيا إلى شعلة متوهجة وحماسته هذه كانت نبية ولهدف نبيل .

لقد كان واحداً من هؤلاء القليلين السعداء الذين بلغوا قمة السعادة عندما جعلوا للحياة حقيقة واحدة عظيمة هي ينبوع حياتهم . لقد كان رسول الله الواحد ، ولم ينس أبداً حتى نهاية حياته من هو ولا رسالته التي كانت سبب وجوده . لقد وعى قومه إلى رسالته ، بشرف وكرامة نابعة من وعيه بمهمته الرفيعة وقام على أمرها بتواضع شديد الرحمة وتنبع أصوله من معرفته بضعفه الشخصي " .

من السهل أن يسلم بأن محمداً عليه الصلاة والسلام أنعم عليه بأرق الموارد البشرية . وفي الواقع النزعات كلها تجمعت ضده . لكن ماذا عن حظه في نهاية إقامته المؤقتة على الأرض ؟

لقد كان السيد المطلق على العرب أجمعين . وماذا عن الإمكانيات اللانهائية التي كانت تحت تصرفه وقتها ؟ سندع مبشر مسيحي يجيب عن ذلك .

" لقد كان القيصر والبابا في شخص واحد لكنه كان بابا بدون خيلاء البابوات والقيصر بدون حشود القياصرة بدون جيش متأهب – بدون حاشية بدون قلعة بدون دخل ثابت . لو أن أي إنسان كان له الحق أن يدعى أنه حكم بالحق الإلهي فهو محمد . فقد كان يملك كل السلطات بدون أدواتها وبدون ما يدعمها "

( ر. بوسوورث سميث – محمد والإسلام ) لندن 1874 صفحة 92 ) .


العقبات التي قابلته His Handicaps

إن ( ضعفه ) كان قوته .

إن حقيقة أنه لم يكن يملك أي إمكانيات مادية لمساندته جعلته يضع ثقته التامة في الله . والله الرحيم لم يتخلى عنه ونجاحه كان مذهلاً .

أليس من حق المسلمين أن يقولوا بالعدل والإنصاف أن الإنجاز كله من صنع الله ؟ وكان محمد صلى الله عليه وسلم أداته ؟

3- نتائج رائعة Outstanding Results

من " رجل واحد في مقابل جميع الرجال " ([41]) على حد قول توماس كارلايل إلى 24 ألف ( تابع ) في حجة الوداع وحدها .

فكم عدد الذين خلفهم من الرجال والنساء والأطفال كلهم مؤمنون ؟

وفـي 12 ربيع الأول فـي العام الحادي عشر بعـد الهجرة الموافق 8 يونيـو سنة 632 من العهد المسيحي بينما هو يصلي أو يدعـو بإخلاص فـي همس فاضت روح الرسـول العظيـم إلـى " الرفيق الأعلى " ، حسب ما رواه ( ابن هشام ) فـي سيرته المشهورة .

وعند سماع سيدنا عمر رضي الله عنه النبأ الحزين عن وفاة الرسول الكريم فقد صوابه . لقد صدم بشدة حتى أنه قال بدون تفكير " سأضرب عنق من يقول أن محمداً قد مات ! " وفي التو أكد سيدنا أبو بكر رضي الله عنه للمسلمين أن سيدنا ( النبي محمد صلى الله عليه وسلم ) قد غادر الحياة بالفعل وهو خارجاً من حجرة النبي صلى الله عليه وسلم . وأعلن ذلك للناس المحتشدين بالخارج .

فقال خاطباً في الناس " أيها الناس من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت " ([42]) .

هذا الكلام أعاد عمر الفاروق رضي الله عنه إلى صوابه .

هل كان يستطيع ذلك الرجل الذي أصبح فيما بعد الخليفة الثاني للإسلام أن يتخيل أنه بعد 1400 سنة سيصل عدد أتباع محمد صلى الله عليه وسلم إلى مليار ( 1000 مليون ) مسلم في عصر واحد ؟

هل كان يمكنه تخيل أن دين هذا النبي سيكون أسرع الأديان نمواً في العالم ؟

تقدمت المسيحية الإسلام بـ 600 سنة . ويدعي المسيحيين أنهم يفوقون أي دين آخر من حيث العدد . هذا صحيح . ولكن دعونا ننظر للصورة من منظور صادق .

" هناك مسيحيين معلنين إيمانهم في العالم أكثر من المسلمين الذين يعلنون إيمانهم ، ولكن هناك مسلمين يطبقون الإسلام في العالم أكثر من المسيحيين المطبقين للمسيحية " .

( ر.ف.س. بودلي ( الأمريكي ) في " الرسول : حياة محمد " . أمريكيا سنة 1969 ..

إنني أفهم مما سبق أن السيد بودلي يحاول أن يقول لنا إنه يوجد بعض الناس في العالم عندما يملأون استمارات الإحصاء سيذكرون لفظ مسيحي في خانة الدين . وليس من الضرورة أنهم يؤمنون بمبادئ وعقائد المسيحية . فمن الممكن أن يكونوا بالفعل ملحدين أو من طائفة النصارى المعمدانيين البوش ([43]) ( bush – Baptists ) حتى يميزوا أنفسهم عن اليهود والهندوس والمسلمين . وباعتبارهم منحدرين من أصل مسيحي ومن أجل راحة بالهم يسمون أنفسهم " مسيحيين " .

ويأخذ ما تقدم في الاعتبار بالإضافة لوجهة النظر القائلة بأن المؤمن هو من يطبق ما يؤمن به ، سيكون هناك مسلمين في العالم أكثر من المسيحيين .

لقد تأخر ظهور الإسلام عن المسيحية بـ 600 سنة من الناحية الزمنية . لكن من المدهش أنه قريب منها جداً من حيث العدد ويلحقها بسرعة فهو أسرع الأديان نمواً . فهناك اليوم " مليار " مسلم في العالم ( راجع الجدول رقم 1 ) . إن الصورة مذهلة وإخلاص وتطبيق المؤمنين للإسلام مدهش .

بالأخذ في الحسبان مقاييسه الثلاثة الموضوعية .

أ- عظمة الغاية .

ب- قلة الوسائل .

ج- النتائج المذهلة .

هل يجرؤ لامارتين على وضع مرشح آخر أعظم من محمد صلى الله عليه وسلم ؟ إنه يملأ قراءه تعجباً مشوباً بالاحترام بسرده للأدوار المتنوعة التي قام بها محمد صلى الله عليه وسلم بتفوق وامتياز : " فيلسوف – خطيب – رسول – مشرع – محارب – هادم الأفكار الباطلة – مُحيي المعتقدات العقلانية وعبادة بلا أصنام ولا صور – مؤسس 20 إمبراطورية دنيوية وإمبراطورية واحدة روحية ذلك هو محمد . والنظر إلى كل ( وأنا أكرر هنا " لكل " ) المقاييس التي يمكن أن تقاس بها عظمة البشر يحق لنا أن نسأل هل يوجد أي إنسان أعظم منه ؟ "

لا يوجد !

لقد كان محمد صلى الله عليه وسلم أعظم رجل عاش أبداً بالنسبة للامارتين المؤرخ الفرنسي .

ويسأل الله القوي القدير أيضاً :

" أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ، وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ ، الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ ، وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ " ( الشرح 1 – 4 )

وبالتأكيد فعلت يا إلهي .


صفة الرحمة The Quality of Mercy

يتفاخر الدعاة المسيحيين بأنه لا شيء في تاريخ البشرية يقارن بدعاء عيسى المليء بالرحمة والمغفرة وهو على الصليب كما يزعمون :

( فقال يسوع يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون ) ( لوقا 23 : 34 )

وإنه لأمر مثير للدهشة أن القديس لوقا هو وحده من بين مؤلفي الأناجيل الأربعة القانونية ( المعتمدة ) الذي ألهمه الروح القدس ( ؟ ) أن يكتب تلك الكلمات .

أما الثلاثة الآخرون متى ويوحنا ومرقس فلم يسمعوا تلك الكلمات أبداً أو شعروا بأنها تافهة أو ليست مهمة بما فيه الكفاية للتدوين . والقديس لوقا لم يكن حتى واحد من ( التلاميذ ) الإثني عشر حواري الذين اختارهم عيسى عليه السلام .

ووفقاً لمراجعي ومنقحي النسخة القياسية المنقحة للكتاب المقدس ( R.S.V. ) ، فإن تلك الكلمات ليست موجودة في أقدم المخطوطات . وذلك يعني ضمنياً أنها مدسوسة أو مقحمة . ويقال لنا في ترجمة الملك جيمس الجديدة ( حقوق الطبع محفوظة لتوماس نيلون في عام 1984 ) . إن تلك الكلمات " ليست موجودة في النص الأصلي " للمخطوطات اليونانية لإنجيل القديس لوقا . وبمعنى آخر لقد اختلقها رجل مخادع .

وبالرغم من أن الفقرة غير أصلية سنظل نأخذها في الاعتبار لأنها تظهر التقوى الشديدة بحب الفرد لأعدائه والمغفرة التي لا يفوقها مغفرة كما وعظ ودعا إليه السيد المسيح نفسه .

ولكي تكون المغفرة ذات قيمة – يجب أن يكون الغافر في وضع يسمح له أن يغفر . ولو أن ضحية الظلم في قبضة أعدائه في هذا الوضع الضعيف ثم يصرح قائلاً " أنا أغفر لك " سيكون ذلك بلا معنى . لكن لو أن المظلوم تبادل الوضع مع أعدائه وكان في موقع يمكنه من الأخذ بثأره . أو تنفيذ عقابه وبالرغم من ذلك يقول ( أنا أغفر لك ) هنالك فقط سيكون الأمر ذو معنى !


رحمة محمد صلى الله عليه وسلمMohammed (PBUH) Clemency

قارن مغفرة المسيح المزعومة من على " الصليب " بالفتح التاريخي لمكة الذي لم تراق فيه قطرة دم واحدة بواسطة محمد صلى الله عليه وسلم على رأس 10 آلاف من أصحابه " القديسين " ([44])

المدينة التي عاملته بمنتهى القسوة وأجبرته هو وأتباعه المخلصين أن يجدوا مأوى وسط الغرباء ، وهو الذي وضع حياته وحياة أتباعه المخلصين على كفه ومضطهديه القدامى القساة المتعجرفة قلوبهم الذين ألحقوا الإنسانية بالعار والقسوة .

الرجال والنساء وحتى الأموات الذين بلا حياة كانوا الآن تحت رحمته تماماً . لكن في ساعة نصره نسي كل ما عاناه من شرور وعفا عن كل جرح أنزلوه به وامتد عفوه العام ليشمل كل سكان مكة .. "

سيد أمير علي في " روح الإسلام " .

إن جماهير المدينة المهزومة مثلوا أمامه فخاطبهم قائلاً : " ماذا تظنون إني فاعل بكم اليوم ؟ " إن قومه كانوا يعرفونه جيداً منذ أيام طفولته فأجابوا : " خيراً أخ كريم وابن أخ كريم ! " وأدمعت عينا النبي صلى الله عليه وسلم وقال : " فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته : لا تثريب عليكم اليوم . إذهبوا فأنتم الطلقاء " .

والآن وقد حدث هذا الذي ليس له ما يوازيه في تاريخ العالم تقدمت جموع فوق جموع واتخذت الإسلام دينا .

إن الله القوي يشهد على السلوك النبيل والرفيع لرسوله :

" لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ " ( الأحزاب : 21 )

ولقد كرر لامارتين بدون علم هذه الحقائق ببراعة فقال :

" وبالنظر إلى كل المقاييس التي تقاس بها عظمة البشر يحق لنا أن نسأل هل يوجد أي إنسان أعظم منه ؟!!! "

ونحن أيضاً نستطيع أن نجيب ثانية بقولنا :

" لا ! لا يوجد إنسان أعظم من محمد صلى الله عليه وسلم " .

إن محمداً صلى الله عليه وسلم كان أعظم إنسان عاش أبداً حتى الآن ! لقد كسب بطلنا الإجلال غير المستجدي والذي لم ينكره عليه أحد من كثير من غير المسلمين من مذاهب دينية شتى ومن اتجاهات فكرية مختلفة .

لكن كل ذلك ما زال غير كامل بدون رأي السيد الذي سلف محمد صلى الله عليه وسلم يسوع المسيح عليه السلام .

سنطبق الآن مقاييسه لتقدير العظمة :


يوحنا المعمدان Yohn The Baptist :

إن يوحنا المعمدان ([45]) المعروف باسم يحيى ( عليه السلام ) في العالم الإسلامي ، كان نبياً معاصراً للمسيح ( عليه السلام ) . وهذا ما يقوله السيد المسيح عن يوحنا المعمدان ابن خالته .

" الحق أقول لكم لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان " ( متى 11 : 11 )

كل ابن من أبناء آدم ( Son of man ) هو " مولود من النساء " .

ووفقاً لهذه الحقيقة يكون يوحنا المعمدان أعظم من موسى وداوود وسليمان وإبراهيم وإشعياء ولا يستثنى من ذلك أي من أنبياء بني إسرائيل . وما الذي يرفع مكانة يوحنا فوق جميع الأنبياء الآخرين ؟ لا يمكن أن يعزى ذلك لأي معجزة أجراها يوحنا ، لأن الكتاب المقدس لم يسجل لنا أنه أجرى أية معجزات . ولا يمكن أن يعزى ذلك لتعاليمه ، لأنه لم يأت بأية شرائع أو قوانين جديدة . إذن ما الذي يجعله الأعظم ؟ ببساطة لأنه كان البشير النذير المبشر بالبشارة السارة عن قدوم المسيح . هذا هو ما جعل يوحنا الأعظم . لكن عيسى عليه السلام يدعى أنه هو نفسه أعظم من الأعظم يوحنا ( المعمدان ) لماذا ؟

" وأما أنا فلي شهادة أعظم من يوحنا .. لأن الأعمال التي أعطاني الآب لأكملها هذه الأعمال بعينها التي أنا أعملها هي تشهد لي أن الآب أرسلني " ( يوحنا 5 : 36 )

إن " الشهادة " هي التكليف أو المهمة التي عهد به إليه الله القوي وهي التي تجعل عيسى عليه السلام أعظم من يوحنا المعمدان .

بتطبيق هذه المقاييس التي أعلنها السيد المسيح نجد :

1- أن يوحنا المعمدان كان الأعظم من بين جميع رسل بني إسرائيل لأنه بشر بالمسيح عليه السلام

وبالمثل فإن المسيح عليه السلام أعظم من يوحنا لأنه بشر " بروح الحق المعزى " الذي سيرشد البشرية إلى جميع الحق ( يقصد محمد خاتم الأنبياء والمرسلين المترجم ) .

( انجيل يوحنا – الفصل السادس عشر ) ([46])

2- إن رسالة ومهمة المسيح عليه السلام أو " الأعمال التي أعطاها الله إياها ليكملها " كانت قاصرة على خراف بيت إسرائيل الضالة ( فأجاب وقال لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة ) ( متى 15 : 24 ) .

أما رسالة محمد عليه الصلاة والسلام فقد كانت للعالم أجمع لقد قيل له :

" وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ " ( الأنبياء : 107 )

والتزاماً بمهمته الكبرى فقد ثبت محمد صلى الله عليه وسلم على مبدأه وبلغ رسالته إلى كل من يسمع بغض النظر عن السلالة أو الطبقة أو العقيدة . لقد رحب بهم جميعاً في دين الله بدون أي تمييز .

لم يكن يفكر في تقسيم مخلوقات الله إلى ( الكلاب والخنازير ) متى ( 7 : 16 ) إلى ( خراف وجداء ) ( متى 15 : 32 )

لقد كان رسول الله الواحد الحق الذي أرسله رحمة للبشر أجمعين بل للعالمين .

( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ) ( الأنبياء : 107 )

لم ينس أبداً تلك الرسالة حتى يوم وفاته ([47]) في نهاية إقامته المؤقتة في الأرض عندما كان يمكنه أن ينظر وراءه لماضي محموم وخطير وهو متوج بالنجاح في ذلك الوقت ، كان يمكنه أن يجلس ويستمتع بثمرة كفاحه وأن يحلم بحياة خالية من الاضطراب ومليئة بالرضا والراحة . لكن بالنسبة له لم يكن هناك وقت للرقاد والراحة فما زال هناك عمل يجب أن يتم .


الله القوي يذكره :

( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) ( سبأ : 28 ) .

كيف سيجيب هو على هذا التحدي الجديد بتبليغ الدعوة للبشرية كلها . لم يكن هناك أدوات وطرق اتصال إلكترونية حديثة تحت تصرفه .

لم يكن هناك أجهزة تلكس أو فاكس يستطيع أن يستغلها .

ماذا كان بوسعه أن يفعل ؟ ولأنه كان أمياً ( لا يعرف الكتابة والقراءة ) فقد طلب الكتاب وأملاهم خمس رسائل واحدة لكل من قيصر القسطنطينية وملك مصر ونجاشي الحبشة وملك اليمن وكسرى فارس .

واستدعى أيضاً خمسة من الصحابة بخمس جياد عربية وأرسلهم في خمس اتجاهات مختلفة يدعون شعوب العالم لدين الله الذي أرسله للعالمين .

لقد كان من حسن حظي أن أرى واحدة من هذه الرسائل المقدسة بمتحف توبكابي في استنبول ( القسطنطينية سابقاً ) بتركيا .

ولأن هذه الرسالة مضى عليها ردحا من الزمن فقد علتها الأتربة والأتراك قد حفظوا المخطوطة بكل ما بوسعهم من إمكانيات مادية .

ولك الرسالة بدأت تجمع الأتربة كما ذكرت .

الرسالة تبدأ هكذا : " من محمد رسول الله إلى هرقل الملك بالقسطنطينية : أسلم تسلم ! " ثم تبعها بتلك النصيحة من كتاب الله :

" قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ " ( آل عمران : 64 ) .

بعد هذا الإدراج القرآني في الرسالة ثم بكلمات الرسول الخاصة الواضحة والسهلة أنهى الرسالة بختم كتب عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله .

الرسالة في تركيا تثير فضولنا واهتمامنا بالنظر لطريقة حفظها . لكن المتفرجون أهملوا ما هو مصون ذاته . والقرآن أيضاً رسالة موجودة تقريباً في بيت كل مسلم حيث تقرأ ويعاد قراءتها ألف مرة من أولها إلى آخرها بدون أن يتحرك القارئ ليبلغ تلك الرسالة لمن وجهت إليهم !

راجع مرة أخرى الآية السابقة .

إنها موجهة إلى أهل الكتاب : اليهود والنصارى .

لكن على مدار ألف سنة أهملنا تماماً تلك التوجيهات العظيمة بإرادتنا . فنحن نجلس على تلك الرسالة مثل الكوبرا الجالسة على كومة من جواهر مانعة للورثة الحقيقيين من التقدم .

هذا الإهمال التام سيستمر في إصابة الأمة بالمعاناة ولأجيال قادمة .

بعد حوالي 1400 سنة من قراءتنا وترتيلنا وتغنينا بالقرآن بكل الأساليب المتناغمة ما زلنا نسمع تلك الآية اللاذعة والصائبة في آن واحد " وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ " ( سبأ : 28 )

تلك هي الجملة الخاتمة من آية نزلت من 1400 سنة مضت .

لقد كانت تعبر عن الموقف الواقعي للعالم الديني آنذاك .

السؤال الذي يجب أن يطرح هو هل هناك أي اختلاف اليوم ؟

ليس هناك أي اختلاف على الإطلاق !

فاليوم عدد المشركين في العالم أكثر من عدد المؤمنين بالله الواحد الحق .

هل هناك أي رجاء في تغيير هذا الوضع ؟

لقد أمر الله نبيه آنذاك كما يأمرنا الآن عبر السبع الآيات الأولى من سورة المدثر .

قال تعالى : " يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ، قُمْ فَأَنْذِرْ ، وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ، وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ، وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ، وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ ، وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ " ( المدثر : 1 – 7 )

1- إن هذه الآيات الروحية المبكرة الرائعة كالمعتاد ، ( وهي تشمل الآيات التالية أيضاً ) تدعونا إلى التفكير في ثلاثة نواحي :

(أ) تشير إلى مناسبة معينة أو شخصية خاصة .

(ب) تعطي لنا درس روحاني عام .

(ج) تقترح علينا إغراق أكثر عمقاً في الروحانية .

بالنسبة لـ (أ) إن الرسول الآن قد تخطى مرحلة التأمل الشخصي كان يجب أن يخرج مرتدياً عباءته ويبلغ رسالته بشجاعة ويجهر بأن الله هو الإله الواحد الحق . لقد كان دائماً نقي السريرة ولكن الآن كل أفعاله الخارجية لا بد أن تكون خالصة لله ، والاحترام التقليدي لعادات وعبادة الأجداد يجب أن يطرح جانباً .

إن أعمال رسالته هي أكرم شيء نابع من شخصيته لكن يجب ألا يتوقع أي مكافأة أو تقدير من قومه بل على العكس تماماً فقد كان الأمر يتطلب منه الصبر الكثير ولكن رضاه كان سينشأ بإرضاء الله عنه .

(ب) لأن مراحلاً مماثلة تنشأ لكن بدرجة أقل في حياة كل رجل صالح تمثل له حياة النبي مثالاً عالمياً يحتذى .

(ج) يفهم الصوفيون العباءة والأغطية الخارجية على أنها الظروف المحيطة بوجودنا الظاهري ، والتي تكون ضرورية لراحتنا الجسدية حتى مرحلة معينة . ولكن سرعان ما نكبر فنستغني عنها . وحينئذ يجب على فطرتنا الداخلية أن تعلن عن نفسها بشجاعة ليس لأنها تحصر أي منفعة أو مكافأة مع الرجال . إن نفس الأمل في توقع شيء من ذلك ، سيكون متناقض مع فطرتنا العليا التي يجب أن تتحمل السراء والضراء في سبيل الله .

3- وربك فكبر .

4- وثيابك فطهر .

5- والرجز فاهجر .

أ- الرجز يعني الشيء البغيض وهي عادة ما تفهم على أنها الوثنية . ومن المحتمل أن صنماً كان يدعى رجزاً .

ولكن مدلولها في هذه الأيام يتسع ليشمل الحالة العقلية المعارضة للعبادة الحقة ويمكن وصفها بأنها حالة من الشك والتردد .

6- ولا تمنن تستكثر .

ب- المعادلة التجارية القانونية هي أنك تعطي لكي تأخذ ما يساوي عندك أكثر قليلاً مما أعطيته . ولكن يجب ألا تتوقع أي شيء من الآخذ . فإنك تعبد الله وتخدم مخلوقات الله .

7- ولربك فاصبر .

ج- إن حماستنا من أجل دعوة الله نفسها تتطلب أن نكون صبورين ويجب أن نبذل جهداً متواصلاً من أجل دعوة الله . فنحن نؤمن ونعلم أن الله طيب وحكيم وقوي وفي النهاية لن يصح إلا الصحيح " .

عبد الله يوسف علي في ترجمة معاني القرآن الكريم .

إن ( العباءة ) تمثل للعرب عامة ولرسولنا خاصة كساء أو غطاء يقيهم من حر الشمس والرياح والرمال ، كان عليه أن يستعد للعمل ويشمر عن ساعديه ليقوم بمهمته .

وبالرغم من أن معظم المسلمين في العالم لا يتدثرون بالعباءات ولا بالشالات في معيشتهم اليومية فإنهم يحملون مجموعة من العباءات في صورة عقد النقص .

" ماذا يمكننا أن نفعل لنجعل نور الله يشرق عبر الظلمة التي تحيط بنا ؟

لا بد أولاً أن نجعله يشرق بداخل نفوسنا الصادقة . بهذا النور في أعماق قلوبنا نستطيع أن نمشي بخطوات واثقة وصارمة . نستطيع بتواضع أن نزور التعساء ونرشد خطاهم . لسنا نحن ولكن النور هو الذي سيرشدهم ! إن السعادة النابعة من كوننا جديرين بحمل الشعلة وأن نقول لأخواننا نحن أيضاً كنا في ظلام وتعب . ولكن انظروا الآن إننا وجدنا العزاء وفرحنا برحمة الله لهذا يجب أن تدفع ديون الأخوَّة . بأن نسير بتواضع جنباً إلى جنب في طريق رضى ربنا بتعاون وتشجيع متبادلين ودعاء من القلب مؤيد بالعمل بأن تتحقق فينا جميعاً غاية الله الطيبة !

عبد الله يوسف علي في ترجمة معاني القرآن !


-------------------------------------------------------------------

([31]) راجع الفقرة 7 من الفصل الثاني ص 89 .

([32]) قال تعالى " فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ "

وقال تعالى " الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ "

وقال تعالى " وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ "

تلك الآيات الشريفة تدل على وقوع التمكين للمسلمين والمؤمنين والاستخلاف في الأرض كما تحقق وعد الله للمؤمنين السابقين فسوف يتحقق للمؤمنين في كل وقت وحين بشرط أن يكونوا صادقي الإيمان يسعون أن يمكنهم الله في الأرض وإذا حقق لهم التمكين فسوف يحكمون شرعه ويتبعون كتابهم إذا وصل المسلمون في هذا العصر إلى تلك الدرجة من الإيمان فالنصر وارد لا محالة . ( المترجم )

([33]) كان في أثناء التدريج في تحريم الخمر منع المسلمين من أن يأتو الصلاة وهم سكارى قال تعالى ( لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ) وفي المرحلة الثالثة من تحريم الخمر قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ ) فتم تحريمها للأبد وانتهى المسلمون الصادقون عن تناول شرب الخمر إلى يوم القيامة وانتهت هذه المرحلة التي كان يمنع فيها الصلاة للسكارى انتهت بتحريم الخمر التحريم الأبدي . ( المترجم )

([34]) المفهوم الحقيقي لوحدانية الله هو توحيده توحيداً كاملاً كما أمر به عز وجل شأنه ولا تشرك به أحد من الشركاء والآلهة الزائفة وأنواع التوحيد ثلاثة :

أ) توحيد الربوبية وهي الاعتراف بربوبية وملكية الله للمخلوقات جميعاً وهذا التوحيد مشترك بين المسلمين وكفار قريش .

ب) توحيد الألوهية وهي التي تفرق بين المسلم والكافر حيث أنه يقصد منها إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة دون غيره من الآلهة الزائفة أما إذا صرف العبد ولو جزء قليل منها لغير الله فهو مشرك .

ج) توحيد الأسماء والصفات ويقصد به الإيمان بأسماء الله تعالى وصفاته التي وصف بها نفسه في القرآن الكريم أو وصفه بها نبيه عليه الصلاة والسلام بدون تحريف أو تعطيل أو تشبيه أو تمثيل ، للمزيد يراجع فتح المجيد شرح كتاب .

([35]) وحدة الوجود : كالذي يؤمن بأن الله هو كل شيء . والثالوثي هو الذي يؤمن بالثالوث المقدس الآب – الابن – الروح القدس – المؤلف .

وهؤلاء كفار بلا أدنى شك . المترجم

وأضيف أن أصحاب وحدة الوجود أمثال الوثنيين من غلاة الصوفية كالحلاج وابن عربي وغيرهم من القائلين بأن عين الله هو عين المخلوق وأن الله حال في كل شيء .

وقالوا إنه من أعلى درجات التوحيد أن تعتقد أن الله حال فيك وقالوا كل شيء في الكون هو الله ومن شعرهم في ذلك قول بن عربي

العبد رب والرب عبد *** ليت شعري من المكلف

ان كان رب فذاك عبد *** وان كان رب فأن يكلف

حتى أن هذا الضال قال أنه هو الله بلا حياء وقول ابن بشيس في الصلاة البشبيشية .

اللهم انشلني من أوحال بحر التوحيد وأغرقني في عين بحر الوحدة !!

يقصد بها وحدة الوجود وهو أن كل شيء في الكون هو الله والعياذ بالله ونبرأ .

([36]) سيخي : ديانة هندية ترفض الوثنية والعزل الطبقي . ( المؤلف )

([37]) كان إشهاره دعوته صلى الله عليه وسلم للأمر الإلهي في قوله تعالى " فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ " . المترجم

([38]) جاء في الأًصل " كانت المرأة يونانية " ( the woman was a Greek ) وهو الثابت في نص ترجمة الملك جيمس ، وهي الترجمة التي يقتبس منها ديدات . وما أثبتناه وهو " وكانت المرأة أممية " إنما هو نص الترجمة العربية لذا وجب التنويه .

([39]) هالة حلقة خيرة خيالية تحيط برؤوس القديسيين والقديسات في الرسومات الدينية . ( المؤلف ) .

([40]) دلائل صدق رسالة المسيح ومهمته . ( المؤلف )

([41]) راجع فصل " واحد في مقابل الجميع " لقراءة كلام توماس كارلايل . ( المؤلف )

([42]) وقرأ قول الله تعالى " وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ " .

([43]) هناك أربعين كنيسة معمدانية في أمريكا لكن هؤلاء هم قوم ذو مشاعر دينية قوية ولكن لا يذهبون لأي كنيسة ولن ينضموا أو ينتسبوا إلى أي فرقة أو طائفة . ( المؤلف )

([44]) إن فتح مكة نبؤة أخرى من نبؤات الكتاب المقدس تحققت في شخص محمد صلى الله عليه وسلم . جاء في ترجمة الملك جيمس " تلألأ من جبل فاران ( في جزيرة العرب ) وجاء ( أي محمد ) مع عشرة آلاف من القديسين " ( التثنية 33 : 2 ) .

([45]) يجب ألا يخلط القارئ بين يوحنا المعمدان ويوحنا تلميذ المسيح ( عليه السلام ) إن اسم يوحنا اسم شائع جداً بين اليهود والعرب حتى هذا اليوم . فمثلاً طارق عزيز وزير خارجية العراق اسمه الكامل طارق حنا عزيز . وحنا هو اختصار لاسم يوحنا وهو بالإنجليزية جون . ولا يعرف أحد المسلمين من غير العرب أن صاحبنا " طارق حنا عزيز " ماركسي مسيحي . ( المؤلف )

([46]) لتوضيح هذه الفكرة اقرأ كتاب محمد الخليفة الطبيعي للمسيح ( المؤلف )

([47]) قبل وفاته صلى الله عليه وسلم نزلت آية ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً )

وقال صلى الله عليه وسلم " لقد تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك " .

وقال صلى الله عليه وسلم " تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنتي " .

وكانت آخر وصية له قبل موته " الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم " . ( المترجم ) .

 

الختام

ولكن أكثر الناس لا يعلمون

كذلك أوحي إلى نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فَبلَّغنا .. اللهم بارك عليه إلـى الأبد .

آمين .

أحمد ديدات
 

عودة