الفصل الثالث

( أيادوكيا ) بمعنى ( أحمد )


الكلمة الأصلية التي ترجمت عنها كلمة (أيادوكيا)

نقول : إذا لم يكن الإنجيل الأصلي قد رفع من الميدان منذ زمن لوقا ، أو نقول لكي لا نعرض أنفسنا للتهمة بجرم الافتراء إذ ربما كانت أنشودة الملائكة موجودة بنصها الأصلي ثم أعدمت في عهد تصرفات مجمع نيقية التطهيرية : لماذا لا يوجد النص الأصلي لهذه الآية ؟ لماذا يحاولون أن نقتنع ونخضع لدعوى القائل : أن (أيادوكيا) ترجمة مطابقة للكلمة التي كانت في المتن الأصلي ، وبصورة موافقة للقاعدة اللسانية الحقيقية ؟ فلو قام أحد البابين قرضاً وترجم هذه الآية بقوله (الحمد لله في الأعالي وعلى الأرض لوح . وللناس باب !! فبأي حق وصلاحية يمكن أن يرد ويرفض ؟ والمتن الأصلي غير موجود ليكون للكنيسة حق الاعتراض والمؤاخذة أن البابي مجسم أو انه يعتقد بإنسان قد تأله ، وهو أيضاً يدعي الألوهية وانه يعطي ألواحاً(1) وآيات كحضرة (يهوه) معبود اليهود(*) .

وهاأنذا أسال : ماذا كان اصل الكلمة المرادفة لكلمة (أيودوكيا) ؟ فعوضاً عن (بروبا باجندا فيذه)(1) التي للكاثوليك ، وجمعية ترجمة الكتب المقدسة إلى كل اللغات التي للبروتستانت، أرجو أن يتلطفوا بالإجابة على هذه الأسئلة ,,

ماذا كان نص العبارة التي كان التهليل والترنيم بها ، وللترجمة بكلمة (أيودكيا) هيهات لا شيء ، عدم ، كله ضاع وانمحى . وان ما يضحكني بزيادة هو قولهم : (بما أن لوقا ملهم من قبل الروح القدس ، قد حافظ على الترجمة من غير أن تبقى حاجة إلى المتن) .

ولكن المترجمين في المخابرات الدولية دائماً يذهبون بمتن اللغة الأصلية مع الترجمة إلى الرئيس ويعرضونهما عليه معاً .

فأين متن اللغة السماوية ؟! وسنبرهن في الفصل الثاني بصورة قطعية ومقنعة على أن لوقا لم يكتب موعظته بالوحي والإلهام ولا بإلقاء الروح القدس . فالمتن الأصلي مفقود ، والترجمة مشكوك في صحتها !


- 13 -
المعنى اللغوي المستعمل لكلمة (أيودوكيا)

يجب أن تكون كلمة (أيودوكيا) ترجمة حرفية لكلمة سريانية مثل (ايريتي) أو لكلمة عبرانية . ولكن كتاب لوقا لم يترجم عن لسان آخر . فان قال قائل كان هناك مأخذ ، وان لوقا كتب كتابه مترجماً عن ذلك المأخذ) فان المعنى يزداد غموضاً . لان ذلك المأخذ في اللسان الأصلي مفقود .

ولابد أن يرد على بال كل مسيحي وجود نسخه مكتوبة بالسريانية وهي :

( ) بشيطتا
( ) سبرا طابا

ولكن تلك أيضاً مترجمة عن اليونانية(1) فعلينا إذاً أن نفهم معنى (أيودوكيا) من اللغة اليونانية ومن قاموسها فقط ، وذلك لا يكفي لحل المسئلة ، ولابد أن تكون الملائكة قد استعملت كلمة عبرانية أو بابلية أو كلمة أخرى من إحدى اللغات السامية وان لوقا ترجمها بـ (أيودوكيا) وهنها السر والظلمة .

وفي النسخة المسامة (بشيطتا) التي برزت إلى الوجود بعد مجمع نيقية (ازنيك) الكبير قد ترجموا كلمة (أيودوكيا) بكلمة (ساورا طاوا) ومعناها (أمل صالح) وهي مثل (الصبر جميل) بالعربية تماماً . ولا شك أن الذين ترجموها بعبارة (سورا طاوا)(2) قد كتبوها متخذين بنظر اعتبارهم أن (إنجيل) عبارة عن بشارة أمل .

أن المقصود من الاشتغال بالألفاظ ليس إلا التمكن من إظهار حقيقة لم تزل مكتومة أو خافية على كل الموسوية والمسيحية والإسلامية حتى الآن ، فارجوا أن يتعقبني القراء بصبر وتأن .

لا يمكن أن تكون (أمل صالح) ترجمة حرفية مطابقة لأصل كلمة (أيودوكيا) بل يجب أن تكون إحدى العبارتين مردودة ، ولكن أيتهما ؟

الأثوريون النسطوريون يقرؤون الآية التي هي موضوع بحثنا عند شروعهم بالصلاة ، ولهؤلاء كتاب عبادة يسمى (قودشادشليحي) وهو اقدم من مجمع نيقية بكثير. وبما أن ليس بين مندرجات هذا الكتاب المهم الآيات العائدة إلى (قربان القديس) الموجودة في أناجيل متى ومرقس ولوقا(1) نستدل على أن الكتاب المذكور اقدم من الأناجيل الأربعة ، ومهما يكن هذا الكتاب فهو أيضاً أصيب بالتغيرات والتحريفات على مرور الزمان لكنه قد تمكن من أن تبقى صحائفه مصونة عن إضافة الآيات المذكورة إليه المسماة (الكلمات الأصلية) وفي هذا الكتاب (سبرا طابا) أي (أمل صالح) أو (بشارة جيدة أو حسنه) وذلك عوض عن (أيودوكيا)(2) فلدينا وثيقتان فقط في اصل أنشودة الملائكة وهما كتاب (لوقا) وكتاب (قودشا).

ليت شعري أي واحدة من هاتين الوثيقتين المستقله إحداهما عن الأخرى هي اكثر اعتباراً وأخرى بالاعتماد عليها ؟

لو كانت الملائكة في الحقيقة قد أنشدت (أمل صالح) لكان الواجب على لوقا أن يكتب عوضاً عن أيودوكيا ( (أيوه لبيس) وعلى الأصح (ايلبيدا آغسى) كما كتب بولص)(1) وبما أننا وقعنا بين وثيقتين متضادتين تناقض إحداهما الأخرى ، لا يمكننا أن نرجح إحداهما بغير مرجح .

لم يكن في الكنائس القديمة كتاب باسم إنجيل باللغة العبرانية ، أما الكلمة (أيودوكيا) فهي بالعبرانية راصون وهي تشتمل على معان مثل (رضا ، لطف ، انبساط ، مسرة ، حظ ، رغبة) وهي اسم لفعل ( رضا) المشابهة لكلمة (رضا) العربية فتكون النتيجة أن (أيودوكيا) المترجمة إلى اليونانية bona Volantas (حسن الرضا) قد تحولت وتأولت بعد ذلك إلى كافة الألسنة بالعبارات التي تفيد المعنى المذكور .

أنا ادعي أولاً أن تأويل (أيودوكيا) على هذا الطراز لا يؤدي المعنى الحقيقي ، وثانياً انه من الجهل والمفتريات الكفرية بمكان .

أولاً : لا يقال في اليونانية لحسن الرضا (أيودوكيا) بل يقال ( ثليما) وكان يجب لمن يكتب ( ) أو ( ) المطابقة تماماً لحسن الرضا .

ففي هذا يكون تفسير أيودوكيا غلطاً وخطأ . ولعل الكنائس ولا سيما الأساتذة الذين يعرفون اليونانية من أهلها وغيرهم يعارضوني في ذلك فأقول : أن هذه الكلمة مركبة من كلمــتين (أيـو) بمعـنى (حسن ، جيد، صالح ، مرحى ، حقيقي ، حسن ملاحة) وأما كلمة (دوكيا) وحـدها فلا اعـرف لـها استــعمالاً في شيء من كــتب اللــغة ، وإنــما توجــد كلمــة ( أو دوكوئه) وهي بمعــنى (الحمـــد ، الاشـتهاء ، الشوق ، الرغبة، بيان الفكر)(1) وها هي ذي الصفات المشتقة من هذا الفعل ( دوكسا) وهي حمــد، محمــود ، ممــدوح ، نفيـــس ، مشـــتهى ، مرغــوب، مجيد ، والآن لننـــظر مــاذا بيــن أنبيــاء بني إســـرائيل من الأفــكار والمــعاني في الألفــاظ حمـد محمد محمود(*) .

أنا لا اعلم بوجود رجل تاريخي يحمل اسم احمد ومحمد قبل ظهور النبي (الأخير الأعظم) صلى الله عليه وسلم ، وبناء على ذلك فان اختصاص حضرة النبي الأكرم بهذا الاسم الجليل (محمد) لا يمكن أن يكون من قبيل المصادفة والإتفاق ، ولو قال قائل أن أبوي النبي سمياه محمداً قصداً لأنهما قرءا كتب الإنجيل ، ومن هناك علما انه سيأتي نبي باسم محمد ، لكان من المحال أن يصغي لقوله أحد .

وهنا أريد أن أفتش في كتب العهد القديم العبرانية المكتوبة قبل ظهور الإسلام بألفين أو ثلاثة الآلف سنة عن المعنى الحقيقي لهذه الألفاظ العربية (حمد ، احمد ، محمد) وعما تشتمل عليه كلمة (إسلام) في اللغة الرسمية السماوية من المعاني الواسعة فان كلمتي (احمد ومحمد) أيضاً تحتويان على ذلك المقدار من المعاني .

لا تحمد لا تطمع في بيت جارك (خروج 17:20) أن ترجمتهم التركية تنهى عن النظر بالشهوة والحسد ، وذلك غلط، لان نص الآية لا تشته زوجة جارك

( ) تحت ظله باشتياق جلست (نشيد الإنشاد 3:2) حمده ( ) ( الحمد ، الاشتهاء ، الاشتياق ، التعشق ، التلذذ ، الانشراح .
( ) الله اشتهى هذا الجبل أو الجبل الذي اشتهاه الله
(مزامير 16:68) .
( ) حمد الإعجاب ، الاشتهاء ، الانبساط ، الانشراح ، الرضا ، حمد ، محمد، مليح ، جميل المنظر ، حميد المنظر
(تكوين 9:2) .
(حمد وشمن) مرغوب ، مشتهى ، مرضي ، مطلوب ، مرغوب
(أمثال 20:21) والحال انهم قد ترجموا الكلمتين (هتاوا ، هاوا) من الباب نفسه بكلمة (ايبيثوميا) اليونانية التي هي أيضاً بمعنى الشهوة والاشتهاء .أذن فان (الإصحاح السبعين) يترجم الكلمتين (حمد) و (اهوى) كلتيهما بالكلمة (ايبيثوميا) . ( ) وباليونانية (ايبيثوميا) احمد من الذهب أي أشهى من الذهب .
( ) كل (محمدتنـا) جرجت . وفي اليونانيــة ( )
(اشعيا 11:64) تحب الدقة في انهم يترجمون كلمة (محمديتو) التي في الآية المذكورة أعلاه بـ (اندوكساهيمون) .

أذن فمحمد بمعنى Glorieax, IIIustre, Fameux الفرنسية . أي أن علماء اليهود الذي ترجموا كلمة (محمد) العبرانية مرة بمشتهى ومرة بمرغوب وأخرى براض ومرضي ، يعبرون عنها الآن بلفظ (أيندكسوس) فالصفة (أيندوكسوس) المذكورة تحتوي على الصفات الجميلة كالاسم (محمد ، احمد ، امجد ، ممدوح ، محتشم ، ذو الشوكة) والبروتستانت ترجموا هذه الصفة الجميلة بجملة (كل نفائسنا صارت خراباً) .

أذن فالكلمات ( ) أو( ) (المحمدة الاحمدية) أو ( ) الحمدة التي ذكرها لوقا بمقابلة (احمد ، محمد) كلها الاسم المبارك الذي ترنمت به الملائكة إشارة وأخباراً بنبي آخر الزمان(*) .

أن عبارة (حسن الرضا) لها كل المناسبة إلى (محمد وأحمد) فقط. لأنه إذ كان قد وجد في جماعة الأنبياء من ظهرت فيه هذه المعاني : طيب ومقدس حري بتوجيه العالمين وجدير بحسن رضائهم وحائز على المحمدة وكل الصفات الجميلة بحيث يفيدهم ويرضيهم ويسرهم بكل ما يشتاقون إليه ، فهو محمد صلى الله عليه وسلم فان كان الذين لم يؤمنوا ولم يطيعوه بحسن رضائهم فمن ذا الذي يرضون من بعده ؟(*) وأما الذين يذهبون إلى الفكرة السقيمة ، إلى أن المقصود من (حسن الرضا) هو أن واجب الوجود كان سيء النية ، سيء الرضا ، حاملاً للبغض والعداوة والغضب على نوع الإنسان إلى حين ولادة المسيح ، وانه بعد ولادة المسيح غير هذه الصفات إلى ضدها وتصالح الناس ، فليتفكروا جيداً أن الجنود السماوية (ملائكة الله) يعلمون أن خالقهم منزه وبرئ من سوء النية والجهل وانهم يسبحونه ويقدسونه إلى ابد الآبدين .


- 14 -
(تنبيه مفيد جداً للمسلمين)

قد نشرت كثير من المؤلفات حول المقايسة والموازنة بين الأديان الموسوية والعيسوية والإسلامية ، وترجيح بعضها على البعض من نقاط مختلفة ، ويمكنني أن أقول أن المؤلفات المذكورة لم تؤثر في قارئيها تأثيراً حسنا إلى هذا اليوم . وهذا أمر طبيعي لأنها قد كتبت بأساليب تجرح الاحساسات الدينية لثلثي أهالي تلك الأديان ، بيد أن الكتابة بقصد ترجيح أحد هذه الأديان الثلاثة أمر سهل وليس من عمل ايسر وأهون على أحد ذوى المحاباة من أن يبين أن دينه حق وان دين الآخرين باطل . ومن الجهة الأخرى ليس للمدقق اللاديني أن يجد ميداناً واسعاً ومساعداً لبيان المطالعة وسرد الهذيان والافتراءات كما يجده على الدين . فكما أن مؤلفات الجاحدين تسوق إلى الإلحاد وفساد الأخلاق ، فان من المشاهد ان المصنفات المكتوبة على وجه التعصب والتطرف ، مضراتها أكثر محسناتها ، مثلاً البروتستانتيون قد كتبوا مئات من الكتب وألوفاً من النشرات ضد الإسلامية ، ولم يتسن لهم أن يقنعوا مسلماً واحداً من عشرين مليوناً بصحة دينهم فينصروه (*) .

وكذلك قد كتبت كتب على اليهودية ولم يقترن أحدها بنتيجة حسنة . فالقراء لا يكتفون بقراءة اثر الكاتب بل يريدون حالاً وبكل شوق أن يعرفوا من هو ذلك المؤلف؟ وما هي صفته ؟ وفي أي دور الفنون تخرج ؟ وما هو مسلكه وما هي أخلاقه؟ أي أني إذا علمت حقيقة حال رجل يبشر بالدين الذي يلتزمه ويرجحه وعلمت درجة علمه وتتبعاته ودار الفنون التي تخرج فيها ، وانه يقدم على النقد التحليلي لأسفار التوراة والإنجيل المحرفة ، ووجدته واقفاً على اللغات الأصلية التي كتبت بها هذه الكتب المقدسة ، فأنا أول من يقدم له الاحترام ، فان لم يكن واقفاً على العبرانية لسان التوراة ومطلعاً على البابلية والسريانية واليونانية ، فبأي جسارة يتدخل في مثل هذه المسئلة العويصة المشكلة ؟ فان قام لتقريب بعض الكتب الفرنسية المضرة التي فقدت جدتها (مودا) بقصد تطييب خاطر المسلمين فبالطبع هم أيضاً يدافعون عن كتابهم ودينهم ، ويقومون بالدعايات ضد الإسلام والقرآن ، وحينئذ تظهر الحال المؤسفة .

ان ملاحظات المنتقدين الغربيين إلى الآن في تآليفهم بشأن التوراة والإنجيل تنحصر في البحث عن التناقض وعدم الارتباط وعن وجود عدة مؤلفين للكتاب الفلاني ، والخلاصة أنها تبحث عن الآيات المضرة وعن أن (يهوه) معبود اليهود كان كذا وكذا ، وان كيفية ولادة المسيح الخارقة للعادة وصعوده ليست إلا حكاية خرافية ، وما تلك إلا أشياء عديمة الفائدة ، فإذا لم نر واحداً من المائة من بين مطلعي تلك الآثار المذكورة يسلك مسلك الإيمان والتوبة وإصلاح النفس فان القسم الأعظم من هؤلاء يرفضون أفكار المنتقدين ومطالعاتهم بكل نفرة ولا يزالون ثابتين في اعتمادهم على الكتب المقدسة التي في أيديهم .

وأما القسم الآخر فهم أناس مغفلون مساكين مجردون من كل دين ومذهب كمقامر أضاع ثروته في بيوت القمار ،لان أولئك المنتقدين لم يقصدوا تمحيص الحقيقة وإظهارها للعيان وخدمة البشر بها .

لذلك أقول أن ترجمة التآليف المذكورة وإهداءها للمسلمين مضر جداً ، إن بعض المفكرين مثل فولتير وكارلايل ورينان يظهرون في كتبهم التي كتبوها ضد الدينين اليهودية والعيسوية ، كأنهم ينتصرون للإسلامية ، ولكنهم في الحقيقة يقصدون تخريب الإسلامية ، وإبطالها كما يفعلون بالأديان الأخرى ، وكيف ينتصر للإسلام والقرآن هؤلاء المنتقدون وهم ينكرون كل المعجزات الواقعة من قبل لأنبياء الله بأذنه ؟(*) إن مقاصد المنتقدين الغربيين الذين يدعون أن عباد النار أو البوذيين قد أثروا في الدين المسيحي ، عبارة عن بيان أن منبع الأديان المذكورة ومنشأها ليس هو الوحي بل أنها قد تأسست من خرافات وأساطير البابليين والهنود والفرس القدماء(*) وبالطبع فان هؤلاء يحكمون على الإسلام والقرآن الكريم بعين هذه القواعد الانتقادية أيضاً . فلذلك أوصى المسلمين المؤمنين من صميم قلبي بان يبتعدوا عن ترجمة مثل هذه المؤلفات .

ومع أني قد اجتنبت في كتابي هذا كل الانتقادات العديمة الفائدة الجارحة لشعور المسيحيين والموسويين الدينية ، وارجح بقاءهم متدينين بالموسوية والعيسوية على اللا دينية ، فأني أطالع وادقق كتب الإنجيل والتوراة بأصول محاكمة جديدة لم اسبق بها لحد الآن ، تاركاً معاول التخريب التي دأب عليها المنتقدون من قبلي :

إن أملي الوحيد هو الكشف عن حقيقة الموضوع والغرض الذي يجب أن ترمي إليه هذه الكتب (العهد الجديد) أي اني اشعر بان لابد في هذه الكتب من حقيقة . وأدرك أن الحقيقة المذكورة سعادة وخير لكافة البشر . وأني قد شرعت في مطالعة الكتب المقدسة باللسان الأصلي التي كتبت بالدقة والإمعان لإظهار هذه الحقيقة بكل وضوح .


- 15 -
( ) مترجمة عن كلمة ( ) راصون العبرانية .

ليثق قرائي المحترمون ، بان الاختلاف المستحكم بين العيسوية والإسلامية سينحل ويفصل فيه حالاً عند انكشاف المعنى الحقيقي الذي تحتويه هذه الكلمات بعونه تعالى ، فمن الضروري أن يتتبعوا المباحث في شأن الكلمات المذكورة بالصبر والدقة .

يوجد في اللغتين العبرانيـة والبابليــة القديمــة(1) فعــل ثلاثــي مجــرد ( رصــه) ( رضا) بمعنى (رضى) العربية . وهذا الفعل مستعمل كثيراً في كتب التوراة وسنحقق هذه الكلمات الأجنبية المهمة في النسخة المسماة (شبتو اغتبتا) وهي الكتب العبرانية المقدسة التي ترجمها سبعون عالماً يهودياً من اللسان الأصلي إلى اليونانية في مدة قرنين أو ثلاثة(2) قبل الميلاد في إسكندرية مصر .

ومن المعلوم لدى علماء اللغات أن الأسماء والصفات والأفعال على قسمين ، أي أن كل اســم أو صـفة إما مذكر و المؤنث على الإطلاق . مثلاً محمد مذكر ومحمدة مؤنث ، وبالعبرانية ( ) محمد مذكر ( ) مؤنث . وفي الأثورية ( ) محمد مذكر و ( ) محمدة مؤنث وأما اللغات الغربية القديمة فلا تتبع هذه القاعدة وهي تطلق على الكلمة التي لا تذكير ولا تأنيث فيها (غير جنسي)(3) وفي اليونانية يستعملون التعبيرات ( ) بمقابلة محمد ، للمؤنث ( ) أيندوكسي ، ولعديم الجنس ( ) أيندوكسون فاليونانيون يطلقون لفظ (أنيدوكسون) على ما يصفه العبرانيون بالصفة ( ) محمد . لذلك جاء التعبير في (اشعيا 11:64) ( ) محمديتو و ( ) أيندوكساهيمون بمعنى أشياؤنا الحميدة النفيسة (أندوكسا وهو جمع أيندوكسون( محمديهم محمــديها) نفائســهم نفائســه (مرائي ارميــا 1: 7و11) وقد ترجمــت فــي النســخة السبــعيـنية ( ) بمشتهيات ( كرم حمد) كرم الحمد الحديقة اللذيذة ، مبتغي اللذة والشـــوق (اشعيــا 2:27 و12:32) مـن اجـل الحقـول المقبـــولة ( أو بحمــدوت) ( دوكســاسي) النفائــس (دانيــال : 1 : 38 و 43) ( حمدة النسوان) شهوة النساء (دانيال 11: 37 و38 و43) .

( هحمدوت ثياب فاخرة) جيمل ، فاخر ، مرغوب (تكوين 15:27) .

فالمعاني التي تحتوي عليها الكلمات (حمد ، حميد ، محمد) في اللغة العبرانية القديمة على الوجه الآتي :

1- فعل : النظر بعين الطمع والشهوة ، الغبطة ، الاشتياق ، الاشتهاء صبرورة الشيء مرغوباً ولذيذاً ، الرغبة والإرادة ، المدح والثناء ، الحمد .

2- صفة : مشتهى ، شهي ، معشوق ، مقبول ، فاخر ، نفيس ، ذو قيمة ، حميد ، جليل، ممدوح ، حبيب ، لطيف ، لذيذ ، مكيف (أو مطرب) راض ، مسرور، مليح، جميل ، شهير ذو اسم (نامدار) ، صديق .

3- اسم : احمد ، محمد ، عشق ، غال ، علاء ، محمدة ، نفاسة ، لذة ، ملاحة ، حسن، جمال ، كيف ، غلاء ، انبساط ، شهرة ، صداقة .
ولكي لا اتعب القراء المحترمين أتيت على نماذج الألفاظ الأجنبية أعلاه على وجه الاختصار ، وإن صحائف كتب التوراة مملوءة بالألفاظ المذكورة ، وكل المعاني والتأويلات التي أعطيتها صحيحة حقيقية وأنا مستعد كل وقت لإثباتها واحدة واحدة .

يقــف المطالـع مندهشـاً عنـدما يحصـي بحسـن نيـة ما اشـتملـت عليــه هاتـــان الكلمتان ( شلم حمد) من المعاني الكثيرة بهذا المقدار . ويجد أن ألفاظ (حميد واحمد ومحمد) تحتوي اسماً وصفة ، على معاني التفضيل : احب ، وألذ ، وأقوم ، وأعلى، وأغلى ، وأطيب ، واجمل ، وارغب ، واقبل ، واشرف ، واحشم واشهر شيء وشخص وجنس بعد الخالق تعالى .

( عاد يرصي) حتى يرضى (إلى أن يرضى) ايودوكيص (أيوب 6:14).
( اورصيتم) إذا ترضيهم
(أيام ثاني 7:10) .
( رصي) كن راضياً (ارض) ايودوكيصون .
( ايودوكياص) رضا ، رضوان ، عناية
(مزامير 12:5).
( رصون ثيليما) مرضاه رغبه
(دانيال 4:8) .

أن البروتستانت ترجموا (أيودوكيا) راصون طوب (رضا طوب) لا نظن أن أحداً يجترئ على إنكار القرابة والاقتران المعنوي بين الكلمتين (رضا ، رضوان) المذكورتين أعلاه الواردتين في كتب التوراة والاسمين (حمد ، محمد) لأننا أوضحنا أن كلمة حمد العبرانية تشتمل على معان مثل (رضا ، رغبة ، شهوة ، عشق ، طلب ، إرادة ، شوق) .

على أن في العبرانية كلمة أخرى ( حفص) وفي العربية حفص بمعنى (ميل، اشتهاء ، رغبة ، طلب ، اشتياق) وبما أن كلمة راحون التي ترجمت بها الأفعال والأسماء (حمد ومحمد) تستعمل اغلبياً في ترجمة وتفسير حفص ثبت أن مدلول (حمد ومحمد) أوسع واشمل .

وهنا اكرر قولي أن (أيودكيا) لا يكون عبارة عن (حسن الرضا) الخيالي المبهم وعديم المعنى بل أنها بمعنى Bienveillance, Consentement bon plaisir الفرنسية بمعنى (الرضا السرور وإرادة الخير)(1) مثلاً : أيودكيا في اليونانية ( إنشاء الله بتوفيق ، بعناية الباري) وكل ما يرغب فيه الإنسان من مال وروح ونفس وكل ما كان لديه محبوباً ولذيذاً ومشهوراً ومحترماً فهو موجود في معنى الكلمتين احمد ومحمد .

عودة