دلائل النبوة
د. منقذ بن محمود السقار
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد صلى
الله عليه وعلى من تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد
فإن قاعدة الإسلام وأصلَه الشهادتان، شهادةُ أن لا إله إلا الله ، والشهادة بأن
محمداً رسول الله، وهما مفتاح الجنة، وباب كل خير، وهما أجلُّ ما يدين المسلم به
لربه، وأشرف ما يحمله إلى العالمين.
قال رسول الله r : ((أشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، لا يلقى اللهَ بهما
عبدٌ غيرَ شاكٍ فيهما إلا دخل الجنة)) ، فالذي يؤمن بهاتين الشهادتين من غير شك ولا
مرية يدخل الجنة.
ويخبر النبي r عن موعود آخر لهؤلاء المؤمنين ، ألا وهو الأمن من النار، قال r :
((ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبدُه ورسوله، إلا حرمَه الله على
النار)).
ولذلك فإن المسلم حين يُعنى بالحديث عن نبوة النبي e ودلائلِها؛ فإنه يتحدث أو يسمع
عن باب عظيم من أبواب الإسلام، عن الشق الثاني من الركن الأول للإسلام ، فهو يعيش
في جنبات أشرف العلوم وأعظِمها.
وقد دعانا القرآن الكريم للتأمل في دلائل نبوته r في غير آية، منها قول الله تعالى:
]قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن
هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد [ (سبأ: 46).
إن المسلم حين يؤمن بنبوة النبي r إنما يؤمن بعقيدة راسخة رسوخَ الجبال الرواسي،
ورسوها مصدره أنها عقيدة قامت على العلم والدليل والبرهان، إن حاله ليس كحال أولئك
الذين قالوا: ] إنا وجدنا آباءنا على أمةٍ وإنا على آثارهم مقتدون[ (الزخرف: 23)،
فهؤلاء أغلقوا عقولهم عن النظر في الحق ودلائل صدقه ، وصمّت عن سماعه آذانُهم،
واكتَفوا بالقعود حيث تاهت عقول آبائهم الأولين، فأنكر القرآن عليهم هذا الجمود،
وقبّحه ، ودعاهم لإعمال عقولهم والإفادة منها، فقال: ]قل لو شاء الله ما تلوته
عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمراً من قبله أفلا تعقلون [ (يونس: 16).
ولسوف نعرض للأدلة التي تشهد بنبوة النبي r ، تثبيتاً لإيمان للمؤمنين، وخروجاً به
من التقليد إلى البرهان والدليل، وهو أيضاً دعوة للبشرية التائهة عن معرفة نبينا r
وجوانب العظمة في حياته ودعوته، دعوة لهم للتعرف على هذا النبي، والإيمان به نبياً
ورسولاً.
ودلائل النبوة الشاهدةُ بنبوة نبينا e متنوعةٌ وكثيرة، ويجمعها أقسام ستة.
أولها : المعجزات الحسية التي صنعها النبي r كتكثير الطعام وشفاءِ المرضى وانشقاقِ
القمر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "كان يأتيهم بالآيات الدالة على نبوته صلى الله عليه
وسلم, ومعجزاته تزيد على ألف معجزة".
وقال ابن القيم بعد أن ذكر معجزات موسى وعيسى عليهما السلام : "وإذا كان هذا شأن
معجزات هذين الرسولين، مع بُعد العهد وتشتت شمل أمّتيْهما في الأرض، وانقطاع
معجزاتهما، فما الظن بنبوة محمد e, ومعجزاتُه وآياتُه تزيد على الألف؟ والعهد بها
قريب، وناقلوها أصدقُ الخلق وأبرُّهم، ونقلُها ثابت بالتواتر قرناً بعد قرن".
وثانيها : الدلائل المعنوية كاستجابة الله دعاءه، وعصمتِه له من القتل، وانتشارِ
دينه عليه الصلاة والسلام، فهذا النوع من الدلائل يدل على تأييد الله له ومعيِته
لشخصه ثم لدعوته ودينه، ولا يؤيد الله دعياً يفتري عليه الكذب بمثل هذا.
وثالثها : الغيوب التي أخبر عنها النبي e وتحققتْ حال حياته أو بعد وفاته كما أخبر
عنها ، كما يشمل هذا النوع ما أخبر به من أنباء الأمم الماضية التي ما كان له أن
يعرفها لولا إعلام الله له ] تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا
قومك من قبل هذا [ (هود: 49) ومن هذا النوع أيضاً ما أخبر به عليه الصلاة والسلام
من الإعجاز العلمي الذي شهد بصحته العلم التجريبي الحديث.
ورابع أنواع دلائل النبوة أخلاق النبي e وأحواله الشخصية الدالة على كماله ونبوته،
إذ لم تجتمع فيه هذه الصفات وتلك الكمالات إلا من تأديب الله له، فقد أدّبه فأحسن
تأديبه.
وخامس أنواع دلائل النبوة إخبار النبوات السابقة وتبشيرها بمقدمه e، فهو النبي الذي
أخذ الله الميثاق على الأنبياء أن يؤمنوا به وينصروه حال بعثته : } وإذ أخذ الله
ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به
ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من
الشاهدين { (آل عمران: 81).
وأما سادس أنواع دلائل، فهو أعظمُها وأدومُها، إنه القرآن الكريم معجزة الله التي
لا تبليها السُنونُ ولا القرون، هذا الكتاب معجزة خالدة ودليل باهر بما أودعه الله
من أنواع الإعجاز العلمي والتشريعي والبياني، وغيرِها من وجوه الإعجاز، يقول رسول
الله r : ((ما من الأنبياء من نبي، إلا قد أُعطي من الآيات، ما مثلٌه آمن عليه
البشر، وإنما كان الذي أُوتيتُ وحياً أَوحى اللهُ إليّ، فأرجو أن أكون أكثرَهم
تابعاً يوم القيامة)).
وما نعرض للحديث عنه من دلائل النبوة في بحثنا؛ أقتصر فيه على الصحيح الذي روي وفق
شروط المحدثين، وأغمض القلم عن الضعيف والغريب الذي أثقل كتب السير والدلائل
المختلفة.
ولست أزعم أني استوفيت هذه الدلائل، بل قد صح عندي منها ما تركته لشهرته أو لغيره
من الأسباب، كما تغافلت عن كثير من وجوه الإعجاز كالعلمي والبياني، تاركاً ذلك لأهل
الاختصاص، وفي كل ذلك أبذل وسعي آملاً من الله التوفيق والسداد.
د. منقذ بن محمود السقار