آخر الزمان
ويروي الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله r قال:
((لا تقوم الساعة حتى يكثُر المال، ويفيضَ حتى يَخرجَ الرجلُ بزكاة ماله فلا يجد
أحداً يقبلها منه، وحتى تعودَ أرض العرب مروجاً وأنهاراً)).
ولسوف نخص هذه الحلقة للحديث عن عود أرض العرب مروجاً وأنهاراً، فالبشارة النبوية
تضمنت خبرين : أولُهما أن أرضَ العرب أي جزيرةُ العرب، كانت مروجاً وأنهاراً، أي
كانت خضراءَ كثيرةَ المياه، والثاني: أنها ستعود كذلك قبل قيام الساعة.
ومن المعلوم أن جزيرة العرب تنعدم الأنهار فيها اليوم، وتقل المساحات الخضراء في
ربوعها، بينما يخبر الحديث أنها كانت وسترجع إلى غير هذه الحال.
قال الدكتور يوسف الوابل في كتابه "أشراط الساعة": "وفي هذا الحديث دلالة على أن
أرض العرب كانت مروجاً وأنهاراً ، وأنها ستعود كما كانت".
وحين تحدث القرآن عن قوم نبي الله هود، قومِ عاد الذين عاشوا في جنوب جزيرة العرب
وقريباً من صحراء الربع الخالي، قال ممتناً عليهم: ] واتَّقُوا الذَّي أَمَدَّكُم
بِمَا تَعلَمُونَ # أَمَدَّكُم بِأَنعَامٍ وَبَنيِن # وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ [
(الشعراء: 132-134)، فذكر أن بلادهم المقفرةَ اليومَ كانت مروجاً وبساتين كثيرة
المياه.
وليست بلادُ عاد الوحيدةَ من المدائن القديمة التي دفنتها ذرات رمال الصحراء، التي
أغرقت بكثبانها الكثير من المدن التي كانت عامرة في غابر الأيام، كمدينة الفاو
ومدينة أوبار المكتشفَتين حديثاً في جنوب جزيرة العرب، ومثل هذه المدن لا تُشاد في
صحراءَ جرداء، بل في واحة خضراءَ كثيرةِ المياه.
وهذا الخبر نجد مصداقه أيضاً عند علماء الجولوجيا والآثار، حيث يؤكدون أن جزيرة
العرب كانت قبل عشرين ألف سنة رقعة خضراء كثيرة المياه والأنهار، وفيها الكثير من
أنواع الحيوانات التي تتواجد عادة في المراعي والغابات، كما شهد بذلك ما بقي من
آثارهم.
كما أكد صدقَ هذا الخبر النبوي الدكتور هال ماكلور في أطروحته للدكتوراه والتي كانت
عن الربع الخالي، فذكر أن البحيراتِ كانت تغطي هذه المنطقة الصحراوية خلال العصور
المطيرة التي انقضت قبل ثمانية عشرَ ألفَ سنة.
ووافقه العالمُ الجيولوجي الألماني الشهير البروفسور الفريد كرونر في مؤتمر علمي
أقيم في جامعة الملك عبد العزيز بالمملكة العربية السعودية.
وأضاف بأن عود جزيرة العرب إلى تلك الحال مسألة معروفة عند العلماء، وأنها حقيقة من
الحقائق العلمية، التي يوشك أن تكون، وقال: هذه حقيقة لا مفر منها.
ولما أُخبِر بقول النبي e ((وحتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً)) تعجب، وقال:
"هذا لا بد أنه جاء من فوق" أي من عند الله، وقال: "لقد أدهشتني الحقائق العلمية
التي رأيتها في القرآن والسنة والتي لم نتمكن من التدليل عليها إلا في الآونة
الأخيرة بالطرق العلمية الحديثة .. الأمر الذي يدل على أن النبي محمداً لم يصل إلى
هذا العلم إلا بوحي علوي".
كما نذكر بما حملته إلينا الأخبار قريباً عن تصوير جزيرة العرب من الفضاء، واكتشاف
العلماء من خلال هذه الصور أنها تسبح فوق نهر من المياه الجوفية، يمتد من غرب
الجزيرة العربية إلى شرقها, ناحية الكويت, حيث أوضحت الصور أن مساحةً شاسعة من شمال
غرب الكويت عبارة عن دلتا لهذا النهر العملاق .
فمن الذي أخبر محمداً e بحال جزيرة العرب قبل آلاف السنين، ومن الذي أنبأه بما
سيكون عليه حالها في قابل الأيام، إنه وحي الله الذي يشهد له بالرسالة e.
وقد لاحت تباشير هذه البشارة بعود الجزيرة أنهاراً وجناناً بما بدأ ينتشر في
جنباتها من مساحاتٍ خضراءَ في كافة أرجائها، ومن توفر المياه في جنباتها التي كانت
مناطق عزيزة المياه.