11.4 ما حدث مع رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) في الطريق إلى المدينة:

مرت ثلاث ليال على مبيت الرسول عليه الصلاة والسلام في الغار، وخمد حماس المشركين في الطلب، وتأهب المهاجران لاستئناف رحلتهما الصعبة.
وجاء "عبدالله بن أريقط" في موعده ومعه رواحله قد أعلفها لاستقبال سفر بعيد، وتزود الركب ثم سار على اسم الله.
غير أن قريشاً ساءها أن تخفق في استرجاع محمد عليه الصلاة والسلام وصاحبه، فجعلت دية كل واحد منهما جائزة لمن يجيء بهما أحياء أو أمواتاً.
ومائتان أو مائة من الإبل في الصحراء ثروة تغري بركوب المخاطر وتحمل المشاق.
وقد قدَّر رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) أن المشركين لن يألوا جهداً في الإساءة إليه، فالتزم في سيره جانب المحاذرة، وأعانتهم مهارة الدليل على سلوك دروب لم تعتدها القوافل، ثم أطلق الزمام للرواحل فمضت تصل النهار بالليل.
رمى بصدور العيس منخرق الصَّبا

فلم يدر خلقٌ بعدها أين يمما؟

فلما مروا بحي بني مدلج مُصْعدين، بَصُر بهم رجل من الحي فقال: لقد رأيت آنفاً أسْوِدَة بالساحل، ما أظنها إلا محمداً وأصحابه؛ ففطن إلى الأمر سراقة بن مالك ورغب أن تكون الجائزة له خاصة فقال: بل هم فلان وفلان قد خرجوا لحاجة لهم..ومكث قليلاً ثم قام فدخل خباءه وقال لخادمه: اخرج بالفرس من وراء الخباء وموعدك خلف الأكمة.
قال سراقة: فأخذت رمحي وخرجت من ظهر البيت وأنا أخط بزجه الأرض، حتى أتيت فرسي فركبتها فدفعتها ففرت بي حتى دنوت منهم فعثرت بي فرسي فخررت عنها! فقمت..
وامتطى سراقة فرسه مرة أخرى وزجرها فانطلقت حتى قرب من الرسول عليه الصلاة والسلام وصاحبه، وكان أبو بكر يكثر الالتفات يتبين هذا العدو الجسور؟ فلما دنا عرفه فقال لرسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) وكان ماضياً إلى غايته-: هذا سراقة بن مالك قد رهقنا! وما أتم كلامه حتى هوت الفرس مرة أخرى ملقية سراقة من على ظهرها، فقام معفراً ينادي بالأمان!!
وقع في نفس سراقة أن الرسول عليه الصلاة والسلام حق فاعتذر إليه وسأله أن يدعو الله له وعرض عليهما الزاد والمتاع، فقالا: لا حاجة لنا، ولكن عَمِّ عنا الطلب، فقال: قد كفيتم، ثم رجع فوجد الناس جادين في البحث عن محمد عليه الصلاة والسلام وصاحبه، فجعل لا يلقى أحداً من الطلَّب إلا ردَّه وهو يقول: كفيتم هذا الوجه !
أصبح أول النهار جاهداً عليهما، وأمسى آخره حارساً لهما...!!