الردعلى كتاب الله بين الفلسفة والمسيحية لعوض سمعان

 

أرسل بواسطة : أبو مريم

 

بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى ىله وصحبه أجمعين .
وأشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه .
أما بعد اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا .
إخوانى الكرام أولا لعله من نافلة القول أن اشرح لكم بعض مناهج التبشير لكن ربما كان حريا بى أن أشير إلى منهج خطير من مناهج التبشير ألا وهو إزالة الفوارق والحدود بين المسلم والعقيدة النصرانية ومن ذلك أن تسمى الكنيسة بمسجد المسيح ، وأن تطبع ما يسمى بالكتاب المقدس على صورة القرآن ،أو أن تستخدم المنهج العقلى فى تسويل فكرة التثليث .
لقد طالعت مواقع كثيرة تعمل جاهدة على التبشير فوجدت منها ما يقدم لك الإعانات الروحية والمادية أعنى بالروحية إشعارك بالأمان والتراحم ومنها ما يعتمد على التشهير بالإسلام وسب النبى صلى الله عليه وسلم وهو أقلها نفوذا وأضعفها خطورة وإن شغل به الكثيرون لكنى أؤكد لكم ضعفه وقلة جدواه وعليكم ألا تنساقوا وراء العواطف حتى لا تنشغلوا عن الأخطر والأهم، وهناك من يفتعل الثيولوجيا القديمة ولكن بصورة أقل إحكاما لتعبيد تلك الفوارق وإذابتها حتى يسهل على الفرق الأخرى النفوذ والاستدراج نعم إنها حرب متكاملة على الإسلام شئنا أم أبينا .
ليس عجيبا أن أتعرف على هذا الموقع وأن أجده مشحونا بمؤلفات تتخذ من الثيولوجيا النصرانية منهجا ليس للدفاع عن المسيحية بقدر ما هو للدعاية المضللة وإذابة الفوارق وهو ما سنوضحه إن شاء الله تعالى فى عرضنا المتتالى ونقدنا لكتاب الله بين الفلسفة والمسيحية لعوض سمعان
أولا أحب أن قبل الخوض فى الموضوع أن أوضح نقطة مهمة وهى المنهج العام للمؤلف والمنهج العام الذى أتناول به الكتاب بالنقد والتحليل .
أما المؤلف فهو يعتمد كما قلت لكم على الثيولوجيا النصرانية ولا بأس بإلقاء بعض الضوء على هذا المنهج وتاريخه:
لقد ظهر فى القرن الثالث الميلادى بصورة واضحة ذلك أن الديانة النصرانية قد توارثت بالإضافة لتناقضات الكتاب المقدس تناقضات عقائدية لا يسهل على العقل والفطرة السليمة تقبلها مثل فكرة الثالوث والذنب والكفارة.
ولما كانت معظم تلك الأفكار قد استقت من الفلسفات الوثنية اليونانية فقد رأى الأباء وعلى رأسهم كلمنت clement وأورجين orign (254م) ضرورة الرجوع إلى الأصول اليونانية خاصة الرواقية والأفلاطونية المحدثة فبدأ التفلسف فى العقيدة والدين النصرانى فأسسا مدرستين كبيرتين ، ثم استنبطوا بعض الأفكار والنظريات ليؤيدوا بها عقائدهم فقال أوغستين (افهم كى تؤمن وآمن كى تفهم ) وعنده أن الإيمان والفهم يؤيد كل منهما الأخر بمعنى أن النصرانى يؤمن بعقيدة الثالوث تسليما ثم يتفهم العقل الحكمة من ورائها .
فلما ظهر الإسلام وازدهرت الحضارة الإسلامية فى الشرق التقى هذا الفكر الثيولوجى النصرانى بالفكر الكلامى لدى بعض المدار س الإسلامي و وخاصة المعتزلة وتأثر بهم العديد من مفكرى الكنيسة ومن أبرزهم القديس يوحنا الدمشقى(675م) فالف متأثرا بمنهج المتكلمين كتبا كثيرة فى الثيولوجيا النصرانية من أشهرها ( الإبانة عن الإيمان وشرحه ) وكذلك ( حوار بين مسيحى ومسلم ) وكتاب مهم هو ( معين المعرفة ) ناقش فيه التوحيد والتثليث وسر التجسد والأمور المتعلقة بالمسيح عند النصارى مثل التعميد وعبادة الصليب ..
ثم تطورت المدرسة الثيولوجية بعد ذلك على يد الحركة المدرسية فى العصور الوسطى بقيادة بطرس اللومبادى(1150) ثم ظهر تومس الألكوينى (1225) وقد بلغت المدرسة الاهوتية على يديه ذروتها وظهرت فكرة النزعة الأوغسطينية وتعنى أن الإيمان والعقيدة النصرانية لا تثبت بل تتطور فى تأمل عظيم يغتذى من الكتاب المقدس. . ومن ثم حاول الأكوينى الجمع بين الاهوت والفلسفة ويرى كثير من الباحثين ان الأكوينى قد اطلع على كتب المتكلمين ومؤلفات ابن رشد ونقل منها والأدلة على ذلك كثيرة ..
الخلاصة أن غريزة حب البقاء قد دفعت بالنصرانية المحرفة إلى الاعتماد على وسائل شتى كى تحافظ على بقائها فى قلوب معتنقيها وقد ازدادت تلك النزعة بدوافع داخلية حينا وبدوافع خارجية أحيانا وربما فى أحيان أخرى بدوافع عدوانية تبشيرية ...
إذن الكتاب ينتهج هذا المنهج الثيولوجى النصرانى ولا يغرنك العنوان فهو يستعين بالفلسفة ولا يناقضها وقد يستعين بفلاسفة الإسلام أوالصوفية أو بالمتكلمين لتأييد افكاره وتكوين صورة مقبوله عن العقيدة النصرانية .

وقد قسم المؤلف كتابه من الناحية الشكلية إلى النحو التالى
الباب الأول
الله وصفاته
1 -
آراء الفلاسفة عن الله
2 -
معنى الله ذات
3 -
مكان وجود الله
4 -
صفات الله
5 -
الاعتراضات والرد عليها

الباب الثاني
الله ووحدانيته
1 -
الأدلة على وحدانية الله
2 -
الأدلة على عدم وجود أي تركيب فيه
3 -
الوحدانية المجردة والوحدانية المطلقة
4 -
الوحدانية الحقيقية والوحدانية الوهمية
5 -
درجات الوحدانية الحقيقية
6 -
آراء الفلاسفة والعلماء عن الوحدانية الحقيقية
7 -
الوحدانية اللائقة بالله، أو الوحدانية الجامعة المانعة

الباب الثالث
مشكلات الوحدانية المجردة والوحدانية المطلقة
1 -
مشكلة العلاقة بين صفات الله وذاته
2 -
مشكلة أصل العالم
3 -
مشكلة كيفية تكّون العالم
4 -
مشكلة علاقة الله بالعالم
5 -
مشكلة ماهية الله

الباب الرابع
الوحدانية الجامعة المانعة وماهيتها
1 -
الفلاسفة والوحدانية الجامعة المانعة.
2 -
توافق الوحدانية الجامعة المانعة، مع وحدانية الله المحضة.
3 -
ماهية الجامعية في الوحدانية الإلهية.
4 -
الأقانيم
وإن كنت أؤكد من الآن أن الفكرة الرئيسية فى الكتاب والذى من أجلها صنف هى نظرية الوحدانية الجامعة المانعة وكل ما قبلها هو تهيئة للقارئ لتفهم تلك الفكرة وتمهيد لها .

أما منهجى فى نقد الكتاب فأوضحه فى نقطتين .
1-
فمن حيث الشكل اتتبع الكتاب نقدا تفصيليا مطابقا لفصوله وأبوابه ثم أتلوه بباب مستقل أعرض فيه نقدا موضوعيا وتعليقا عاما وتعقيبا .
2-
الغرض من النقد هو إثبات تهافت الكتاب فى ذاته بغض النظر عن الواقع فأثبت تناقضه الذاتى وعجز استدلالاته وهذا يتطلب من القارئ أن يفطن إلى أمر هام : إذا تعرض الرأى الذى يتبناه المؤلف مع العقيدة الإسلامية فالأمر واضح . أما ما يقوم به الكاتب من تمهيد وإثبات لبعض الحقائق التى نقر بها فليس الغرض من النقد هنا إلا إثبات تهافت الكتاب فلا يغرنك أنى قد انصر مذهب الفلاسفة فى مقابل حجة المؤلف وهذا لا يمنع من توضيح الموقف الإسلامى وأدلته ما استدعت الضرورة وكان ذلك مناسبا وغير مخرج لنا عن الموضوع .
وساضع فى نهاية هذا العرض بإذن الله تعالى النقد كاملا ومنقحا فى ملف بتنسيق الوورد وربما اختلف قليلا أو كثيرًا عما أعرضه هنا متتابعًا .

الباب الأول

 

إثبات تهافته فى الاستدلال على وجود الله تعالى وصفاته

 

الفصل الأول :

 

تهافت منهجه فى إثبات وجود الصانع واتصافه بالصفات الإيجابية



لقد حاول المؤلف مثله مثل كل من تصدى لمسائل العقائد البدء بإثبات وجود الصانع لكن يلاحظ عليه العجز التام والفشل الذريع فى هذه المهمة التى كلف نفسه بها وهو يدعى أن ذلك فقط قد حصل نتيجة الاختصار الشديد لكن هيهات ثم هيهات ان نقبل هذا العذر خاصة أنه أثناء ذلك قد أفاض فى عرض أقوال لا صلة لها بالموضوع :
يقول سمعان : ((انقسم الفلاسفة في آرائهم عن الله إلى خمس فرق رئيسية : الأولى فرقة الماديين التي أنكرت وجوده وقالت أنْ لا إله للعالم، وإن العالم وُجد مصادفة. والفرقة الثانية فرقة العقليين التي قالت إن العقل يفترض وجوب وجود إله للعالم، لكن هذا الإله أسمى من إدراكنا، ولذلك لا نستطيع أن نعرف عنه شيئاً. والفرقة الثالثة فرقة وحدة الوجود التي قالت إن الله والعالم جوهر واحد، فهو من العالم والعالم منه. والفرقة الرابعة اعترفت أن الله ليس هو العالم، ولكنه القوة المحرِّكة للعالم، وبذلك نفت عنه الذاتية وجعلته مجرد طاقة. و الذاتية هي الكيان الذي يتَّصف بالعقل والإدراك. أما الطاقة فهي مجرد قوة، لا عقل لها أو إدراك.
والفرقة الخامسة اعترفت أن الله ذات، ولكنها انقسمت فيما بينها من جهة ذاته وصفاته إلى أربع شيع رئيسية : فالأولى رأت أنه ذات له صفات زائدة عن ذاته، والثانية رأت أن صفاته هي عين ذاته، والثالثة رأت أن الصفات الإيجابية لا تتلاءم مع تفرُّده بالأزلية، فأسندت إليه الصفات السلبية وحدها، والرابعة رأت أن الصفات هي من خصائص المخلوقات، ولذلك نفتها عنه، رغبةً منها " حسب اعتقادها " في تنزيهه عن الاشتراك في خصائص هذه المخلوقات.))
قلت: وحتى أوضح للقارئ طريقة المؤلف فى الاستدلال :
هو أولا قسم موقف الفلاسفة والمفكرين حول مسألة وجود الصانع إلى قسمين قسم ناف وقسم مثبت ثم المثبت انقسم على من قال بكون الصانع لا سبيل لمعرفته مطلقا ومنهم من قال بإمكان ذلك ثم القائلين بإمكان معرفته انقسموا فمنهم من قال إنه من العالم وفرقة قالت بغير ذلك ثم انقسم هؤلاء فمنهم من قال هو الطاقة المحركة للعالم فأثبتوا له الذاتية ومنهم من قال بل هو خارج عن العالم وأثبتوا له الذاتية ثم هذا القسم الأخير انقسم من حيث إثبات الصفات على الصانع إلى الأقسام الأربعة من ينفى الصفات كليه ومن يثبت السلبية فقط ومن يقول الصفات عين الذات ومن يقول بإثبات الصفات السلبية والإيجابية.
فالتقسيم هنا غير منحصر بين النقيضين فيمكن افتراض أقسام أخرى لذلك لا يمكن استخدام القسمة غير المنحصرة فى برهان الحذف فإذا انضاف إلى ذلك عيب آخر وهو وجود نوع من التداخل أو الزيادة أو النقصان والتنافر كقول القائل الكون لا يخلو إما أن يكون حركة أو سكنا أو سوادًا فإنه بذلك قد ادخل فى جنس الكون نوعًا من انواع اللون فتبطل هذه القسمة كونها من مقدمات البراهين .
نتجاوز هذه النقطة وأن القسمة هنا غير منحصرة ولا تمنع من دخول أقسام أخرى ينبغى عليه إبطالها حتى يثبت له مطلوب ونسير معه فى استدلاله ونحلله إلى عناصره:
الأول إثبات وجود الصاتع
الثانى إثبات إمكانية إدراك الصانع
الثالث إثبات أن الصانع ذات
الرابع إثباته متصفا بصفات إيجابية وسلبية .

تهافته فى إثبات وجود الصانع
لا أدرى فى الحقيقة الطريقة التى يحاول بها المؤلف إثبات المطلوب الأول هل هى قياس الخلف بمعنى إثبات وجود الصانع بإبطال نقيض هذا الاحتمال الذى قال به منكرو وجود الصانع أم انه البرهان المستقيم كما نجده عند عامة المتكلمين والفلاسفة سنسير معه حتى النهاية ونراعى كل الاحتمالات :
أولا : على فرض استخدامه لبرهان الخلف ولا بد هنا من مقدمة فنقول برهان الخلف هو إثبات الشىء ببطلان نقيضه إذا احتمل الأمر قسمين فأكثر فأبطل الكل إلا واحدا ثبت هو ببطلان ما عداه ولو أبطل الأقسام كلها لبطل الأصل الذى قامت عليه وثبت نقيضه وقد عده بعضهم بهذا المعنى دلبلا مستقل إذا فما دام الأمر واقع بين النقيضين فلو أثبت المؤلف بطلان القول بالصدفة لثبت مطلوبه الأول لكن هل استطاع ذلك ام لا ؟ قال سمعان :
((
الأول قال ليس من المعقول أن العالم وجد مصادفة))
ولم يدلل على ذلك بدليل إلا أن قال ليس من المعقول فهل يعنى ذلك أن وجود الصانع أمر بديهى غير نظرى هذا محال وإلا لما قام حوله النزاع وبماذا ترد على من قال إن العالم قديم ولا يحتاج إلى محدث .
إذن ليست طريقته هنا طريقة برهان الخلف .
فهو إذن يثبت مطلوبه بالبرهان المستقيم لكن أين هو الدليل؟!
لعله أشار إلى دليل الحدوث بقوله: (( فضلاً عن ذلك فإن الأمثلة التي أتوا بها ليُدخلوا في روعنا أن العالم وُجد مصادفة، افترضوا فيها وجود عامل ساعد على حدوث المصادفة، وبذلك اعترفوا دون أن يدروا أن هناك عامِلاً نظَّم العالم ونسَّقه. وهذا العامل الذي يجهلونه أو يتجاهلونه، هو الله الذي نعرفه ونؤمن به.))
ومعلوم لدى المتكلمين والفلاسفة أن الأدلة على وجود الصانع تعتمد أساسا على حدوث العالم أو إمكانه ثم الاستدلال بذلك على أن له محدث أو أن ممكن الوجود يفتقر إلى واجب الوجود قطعا للدور والتسلسل ، وقد حصرها بعضهم فى سته طرق تبعا لذلك : طريقة حدوث الذوات وإمكانها ومجموعها وطريقة حدوث الصفات وإمكانها ومجموعها واشترط بعضهم فى الحدوث شرط الإمكان .
إذن حدوث العالم أو الطريقة التى قفز إليها المؤلف هنا ليست من الأمور البديهية بل هى تحتاج إلى دليل ونظر، مع العلم بأن حتى أدلة الحدوث تحتاج إلى نظر ومنهم من قال بضرورة إثبات الحدوث بشرط الإمكان والحديث ههنا يطول ويكفى الإشارة فقط إلى انه اعتمد على طريقة الحدوث المجرد و غير المشروط بالإمكان وكان هذا كافيا برد دليله غير أنه لم يستدل على المقدمة الصغرى وهى القول بحدوث العالم وزعم أن خلافه غير معقول ولم يرد على القائلين بقدم العالم .
وإنى للأتعجب من الأمثلة التى ساقها للتدليل على وجود الصانع من أقوال الفلاسفة والمفكرين غير الملحدين فلا هى أدلة ولا هى اعترافات من الخصوم ولا أدرى معنى لإيرادها هنا إلا تكثر الكلام والعجز عن الاستقامة الموضوعية البحث .

تهافت استدلاله على إمكانية معرفة حقيقة الله تعالى وكشفها :يقول سمعان : ((2 - وليس من المعقول أن يكون هناك إله يرضى أن يكون مجهولاً منا، لأنه إذا كان هو الخالق لنا، فمن المؤكد أن يكون كائناً عاقلاً. وإذا كان كائناً عاقلاً، فمن المؤكد أنه لا يرضى أن نُحرم من معرفته. فإن كنا بسبب قصورنا الذاتي لا نستطيع أن نعرف شيئاً عنه من تلقاء أنفسنا، لكن يجب أن نتوقع بكل يقين أن يعرّفنا شيئاً كافياً عن ذاته.))
قلت :أولا تجدر الإشارة إلى وقوع الخلاف بين المفكرين والفلاسفة والمتكلمين حول تلك القضية هل من الممكن معرفة حقيقة الله تعالى ؟
تتلخص حجج المانعين فى أن العقل متناه وحقيقته تعالى غير متناهية ، وأن حقيقته تعالى وذاته مخالفة لحقائق الذوات الأخرى وكل ما نعرفه من صفات لا يمنع من وقوع الشركة فيه ، ثالثا أن طريقنا لمعرفته تعالى هو الموجودات وأنه موجدها قطعًا للتسلسل وهذا لا يكفى لمعرفة حقيقته وما نعرفه إما صفات خارجة عن الذات كالعلم والقدرة أو صفات مضافة ككونه مبدأ للموجودات أو صفات سلبية مجرد سلب للنقص عنه ككونه ليس بجوهر .
أما أدلة الفريق القائل بإمكان معرفة حقيقة الله تعالى فتتلخص فى أن الحكم على الذات بتلك الصفات يقتضى معرفة الذات فالحكم على الشىء فرع عن تصوره فإذا كان وجود ذاته وجوده فإذا كان وجوده معلوما كانت ذاته معلومة ..
ولكن بأى حجة منهما نرد على سمعان !؟
ما الذى يقصده سمعان هنا هل يقصد الاستدلال على إمكانية معرفة الله تعالى بنوع ما من المعرفة فماذا إذن كنا نفعل فى استدلالنا الأول على وجود الله تعالى أليس استدلالنا هنا على إمكانية معرفة الله تعالى معرفة ما يصبح عبثا لا طائل منه ؟!
لعله يقصد إذن إمكانية معرفة كنه الله تعالى لكن ألم ينفى تلك الإمكانية وعجز البشر عنها فى مقدمة كتابه هل فى الأمر تناقض أم أنه لا يفرق بين المعرفتين أعتقد أن الاحتمال الثانى هو الأقرب لأن ما ذكره هنا ليس فيه تمييز واضح لكنه تلك المعرفة بل قال (( يجب أن نتوقع بكل يقين أن يعرّفنا شيئاً كافياً عن ذاته )).
يا له من تهافت وبعد عن الموضوعية والاستدلال العقلى إن كلامه لا يرقى حتى لتوجيه النقد إليه .
هذا فضلا عن عجزه عن الاستدلال على إمكانية تلك المعرفة التى لم يحدد معناها بل لقد وقع فى فكرة الدور فهو يستند إلى كون ذات الإله معلومة لنا بكونها معلوم لنا على نحو من التعقل والقدرة على الخلق والعناية بالمخلوق ولا شك أن إثبات تلك المعرفة الخاصة متأخر عن إثبات إمكانية المعرفة مطلقا .

تهافته فى إثبات أن الله تعالى ذات
الأمر فى تهافته هنا يختلف تماما فهو لا يكتفى بالخطأ المتكرر وعدم قدرته على إثبات المطلوب مباشرة وهو البرهان المستقيم وكذلك عدم قدرته على إثبات الشىء ببطلان نقيضه وهى الطريقة المسماه ببرهان الخلف فضلا عن أن القسمة لا تعتبر قسمة منحصرة ولذلك فهذا فالبرهان هنا غير ممكن أصلا لأنه لا يمكن الجزم بعدم وجود قسم ثالث لم تستوعبه القسمة..
نقول ليت الأمر هنا ينتهى عند ذلك الحد بل نراه هنا كلابس ثوبى زور أبعد ما يكون عن البرهان وأقرب ما يكوب للرياء إنه يأتى فى طريق التوصل إلى إثبات كونه تعالى ذاتا بمحاولة إبطال كونه تعالى من جوهر العالم أو أنه طاقة خلاقة منبثة فى العالم او ما نسميه نحن بالاتحاد والحلول ويا للعجب نصرانى يستدل على عقيدته بإبطال الحلول والاتحاد؟!
لكن حتى لا نظلم الرجل دعنا نسير معه إلى النهاية
يقول سمعان ((3 - وليس من المعقول أن يكون الله والعالم جوهراً واحداً، وأن يكون من العالم والعالم منه، لأنه إذا كان هو الخالق للعالم. فمن المؤكد أن يكون كائناً قائماً بذاته. وعدم رؤيتنا له بعيوننا لا يقوم دليلاً على أنه ليس كذلك، فهناك أمور كثيرة في الطبيعة لا نستطيع رؤيتها بعيوننا، ومع ذلك نقرُّ بوجودها لمجرد وجود أثر يدل عليها. فالعين مثلاً، لا تدرك إلا حزمة ضيقة من الأشعة التي تقع بين اللون الأحمر والبنفسجي. أما ما دون الحمراء وفوق البنفسجية فلا تدركه إطلاقاً. كما أنها لا تدرك الأشعة الكونية أو السينية أو ماهية الكهرباء أو المغناطيس أو الأثير، وغير ذلك - هذا وقد ذهب أشهر علماء الطبيعة في الوقت الحاضر إلى أنه لا يمكن معرفة حقيقة أي شيء نراه في الوجود، الأمر الذي يغلق الباب أمام الذين ينكرون أن الله ذات، بسبب عدم إدراك الحواس له.))
قلت :أولا يجب التأكيد أننا هنا نثبت تهافت استدلاله فقط أما الفكرة فى حد ذاتها فلا شأن لنا بها فقد تكون مقبولة أو غير مقبولة.
أقول له وما دليلك على وجود ما وراء المادة ؟ إن الأمثلة التى ذكرتها لا تدل على ذلك فليست إدراكاتنا البشرية وحدها مقياس للمادة وليست إدراكاتنا للمادة صفات ذاتية لتلك المادة حتى تحدد بها وحتى لوفرضنا ذلك فكيف تقطع بانحصار تلك الإدراكات فى حواس معدودة؟
أما قولك بأنه لا يسعنا إدراك حقيقة أى شىء فى الوجود فهو يفتح المجال لأبواب واسعة من السفسطة واللامعقولية وقد قال السوفسطائيين بذلك وأن الحواس لا تدرك إلا انفعالاتها وقد ترتب على ذلك فوضى علمية لا حدود لها ولو تمثلنا ذلك المبدأ لما احتجنا إلى جهد يذكر لإبطال أى نظرية وأى قانون فضلا عن نظرياتك المتهافتة .
بل نقول ونكرر إن إدراك حقائق الأشياء ممكن دون إدراك كنهها فإنه من مواقف العقل .
يقول سمعان محاولا تفنيد القسم الثانى فى تلك القسمة غير المنحصرة::
((4 -
وليس من المعقول أن يكون الله مجرد طاقة، لأن الطاقة لا تعمل عملاً من تلقاء ذاتها، بل لا بد من عامل يدفعها للعمل، ومن الواضح أن هذا العامل، لا يكون طاقة مثلها، بل يكون ذاتاً ذا قوة أو طاقة.))
قلت : لقد أثبت للطاقة ذاتا ثم نفيت عنها الذات ما هذا التناقض إذا تصورت للطاقة ذاتا فاجعلها هى التى تدفعها للعمل.
فإن قلت:
((
أننا إذا سايرناهم في ادّعائهم أن الطاقة خلاّقة، فإن عقولنا لا تلبث طويلاً حتى تنكر علينا مسايرتنا لهم، لأنها تعلّمنا أن الخالق لا بد أن يكون حاصلاً في ذاته على مزايا مخلوقاته بدرجة أوسع وأعمّ. فلا يخلق العقل مَنْ لا عقل له، ولا يخلق الشخصية من لا شخصية له، بل لا بد أن يتضمنهما ويمارسهما ليس أقل من ممارسة مخلوقاته لهما. ولذلك لا يمكن أن يكون الله مجرد طاقة.))
نقول لك وما أدراك أن هذه مزايا للخالق وهل هذا هو مصدر قولكم بأن الله تعالى عما تقولون اتخذ له ولد فمعلوم أن الإنجاب من صفات الكمال فى المخلوقات حتى يعد مسلوبها ناقصا؟
لا ليس كل صفة فى المخلوق يجب أن توجد فى الخالق حتى ولو اعتبرت صفة كمال فى المخلوق والتفريق بين صفات الكمال التى تختص بالمخلوق والتى تختص بالخالق يحتاج إلى دليل وليس امرا بديهيا بدليل انكم تنسبون لله تعالى ما لا يليق به عند غيركم من العقلاء وتدعونه كمالا .

تهافته فى إثبات كونه تعالى متصفا بصفات إيجابية وسلبية
يقول سمعان : ((5 - وليس من المعقول أن يكون الله بلا صفة، لأن لكل موجود صفة، وليس هناك شيء بلا صفة إلا غير الموجود. وبما أن الله موجود، إذاً فله صفات. ونحن وإن كنا لا نستمد أسانيدنا في هذا الكتاب من أقوال الفلاسفة، لكن استيفاءً للبحث نقول : إنه قد شهد بهذه الحقيقة كثير منهم، فمثلاً قال زينو : من المستحيل أن يخرج عالم مليء بالصفات والخصائص من أصلٍ لا صفة له ولا خاصية " قصة الفلسفة اليونانية ص 51 " .))
قلت : وما علة قياس الغائب على الشاهد هنا هل هى الحقيقة وانت تعلم أن حقيقة واجب الوجود مباينة لحقيقة ممكن الوجود؟
وإذا قلت مستحيل أن يصدر عالم ملىء بالصفات . إلخ فلماذا لا تقيس ذلك على صدور عالم مؤلف عن ذات واحدة وأن تلك الصفات من لوازم الجسمية لاستحالة عرو الجواهر المادية عن الأعراض والصفات ؟
وبماذا تنكر على من قال من المشائين باستحالة وجود صفات زائدة على الذات لأن فى إثباتها إثبات للكثرة والكثرة من هذا الوجه باطلة لأن الصفة والموصوف إن لم يكونا شيئا واحدًا احتاج كلاهما للآخر فلا يكون وجوده من ذاته ، أو استغنى أحدهما عن الأخر وهذه هى التثنية المطلقة ولعلكم تقولون بها ؟
ثم ههنا وثبة طويلة يستحق عليها الميدالية الذهبية أين هو استدلالك على إثبات الصفات السلبية ولو عرفتها لعلمت أن الاستدلال عليها أعقد أنواع الاستدلال ، بل
لا اكون مبالغا إن قلت لكم إن سمعان لا يعرف معنى الصفات السلبية.
يقول سمعان : ((- ليس من المعقول أن يتصف الله بالصفات السلبية فحسب، كعدم العجز دون القدرة، وعدم الجهل دون العلم، وعدم الإرغام دون الإرادة، وذلك للأسباب الآتية :
أ - هذه الصفات ناقصة. وإن كان الله لا يتصف إلا بها كان ناقصاً. وهو منّزَه عن النقص.
ب - الله بوصفه خالقنا هو مصدر سعادتنا وسلامنا، لكن الإله الذي يتصف بالصفات السلبية دون الإيجابية لا يستطيع أن يجلب إلينا سعادة أو سلاماً، إذ لا فائدة في إله يكرهنا ولكنه لا يعطف علينا، وفي إله غير عاجز لكنه غير قادر على مدّ يد العون لنا.))
قلت قولك (( عدم العجز دون القدرة)) لا معنى له هل عدم العجز إلا القدرة أليست القدرة والعجز نقيضان إذا ارتفع أحدهما ثبت الآخر؟!
معذرة فأنا مجرد مفند فقط أنت مخطىء فى أمثلتك هنا فحسب لذلك أعطيك الأمثلة على الصفات السلبية او العدمية أو غير الوجودية فكلها بمعنى واحد وليس كما تصورت بأنها المسبوقة بأداة السلب : القدم ، البقاء والوحدانية وأعطيك أيضا الدليل على بطلان ما أردت أبطاله : العدم المحض لا يفتقر إلى محل ، ولا تتميز الحقائق بالسلوب .
وأما قولك فى نهاية الفصل : (( فآراء هؤلاء الفلاسفة لا نصيب لها من الصواب إطلاقاً.
والحقيقة هي أن الله ذات يتَّصف ليس بالصفات السلبية فحسب، بل وأيضاً بالصفات الإيجابية اللائقة به. ))
قلت : فهو ما عجزت عن إثباته
وأما قولك : (( أما من جهة علاقة صفاته به، وهل هي ذاته أم غير ذاته فهذا ما سنبحثه في الباب الثالث من هذا الكتاب. ))

قلت فليكن موضوعنا القادم إن شاء الله عز وجل وقدر .

 

 

الفصل الثانى تهافته فى تفسيره لمعنى أن الله ذات :



يقول سمعان : ((وإن كنا لا نستمد أسانيدنا في هذا الكتاب من أقوال الفلاسفة، لكن إستيفاءً للبحث نقول إنه قد اتفقت كلمة المؤمنين منهم على أن الله ذات له تعين خاص. فقال جرين : لله ذات شخصية . وقال ليبنتز : الله ذات . وقال ابن سينا : واجب الوجود ما لم يتعين لا يوجد، ولكن قد ثبت بالدليل وجوده، إذاً فهو متعيّن " فلسفة المحدثين والمعاصرين ص 44 ، والمدخل إلى الفلسفة ص 235 والإشارات ص 199 " وقال إدنجتون العالم المشهور في شئون الذرة : العالم غير المنظور يوحي بهيمنة الذات الإلهية عليه وذلك تمييزاً للإله أن يكون مجرد معنى، كما تصفه بعض النحل البرهمية القديمة، وإقراراً لعقيدة الذات الإلهية، كما يؤمن المتدينون " عقائد المفكرين في القرن العشرين ص 96 " .
ومع ذلك، فإننا لا نستطيع القول إن لله تعيُّناً محدوداً، كما لم نستطع القول أن لا تعين له إطلاقاً، لأن الذين قالوا بهذا الرأي أو ذاك، أدخلوا أنفسهم في مشكلات عويصة. فالذين قالوا بالرأي الأول، أسندوا إلى الله الأعضاء الجسمية، والذين قالوا بالرأي الثاني نفوا عنه الصفات، وقطعوا الصلة بينه وبين المخلوقات، كما سيتضح في الباب الثالث. ))

هل هذه هى أدلة التعين التى استند إليها سمعان فى إثباته التعين ؟
قوله اتفقت كلمة المؤمنين لا يعد اتفاقا من العقلاء وحتى لو حصل ذلك فلا يعد دليلا بل هو مجرد قضية مشهورة لا يؤخذ بها فى مسائل يتطلب فيها اليقين .
وأما قول (جرين ) : الله ذات مشخصة فهو منا قض لقولك (( لا نقصد بقولنا إن الله ذات أنه شخص كالأشخاص المحدودة)) وذلك حرى بك ألا تستشهد به والفرق بين الذات والشخص أن الذات أعم من الشخص لأن الذات تطلق على الجسم وغيره والشخص لا يطلق إلا على الجسم .
وقول ابن سينا مبنى على قضة هى ان المتعين هو الموجود وهى مخالفة لقولك السابق بنفى كون الإله طاقة مبثوثة فى الكون مع كونها موجوده كما أنه مصادرة من ابن سينا على المطلوب وهو إثبات أن الموجود لا بد وأن يكون متعينا .
وأما ما نقلته عن علماء الطبيعه فلا يصح الاستشهاد به ههنا فلسنا فى مجال الوعظ والإرشاد ..
المهم أن سمعان لم يقم دليلا واحدا على فكرة التعين واعتمد بدلا من ذلك على المغالطات اللفظية وعدم التحديد الكافى للألفاظ حتى يتمكن من التلاعب بها ثم هو فى النهاية قد خرج عن الموضوع وتاه وتخبط ولم يصل إلى شىء وسنضرب أمثلة على تخبطه فى شأن المصطلحات عن عمد أو جهل :

مغالطات متعمدة
الجوهرية ونقله عن ابن سينا ما أقره الغزالى فى التهافت :

قوله sad.gif(وقد شهد بهذه الحقيقة كثير من الفلاسفة، فقال ديكارت : الله هو الجوهر الحقيقي " المدخل إلى الفلسفة ص 177 " . وقال توما الأكويني : يُطلق الجوهر على اللامتناهي بمعنى يختلف عن الذي يُطلق به على المتناهي. فجوهر المتناهي مفتقر في كشفه إلى أعراض، أما جوهر اللامتناهي فمستغنٍ في وجوده، ومستغنٍ أيضاً في كل شيء غير الوجود " الفلسفة الأوربية في العصر الوسيط ص 75 " . وقال ابن سينا : معنى كون الله جوهراً، أنه الموجود لا في موضوع، والموجود ليس بجنس . وقال أيضاً : الجوهرية ليست من المقومات، لأنها عبارة عن عدم الحاجة إلى الموضوع " تهافت الفلاسفة ص 162 ، ولباب الإشارات ص 87 " . أما المعنى فهو ما ليس له وجود في الخارج، بل وجوده في الذهن فحسب.))

قلت أولا جعل منها حقيقة وهو مصادرة على المطلوب واستدل عليها بشهادة بعض الفلاسفة فأين الشهادة من البرهان والدليل إنه يكرر نفس الخطأ السابق ترك البرهان واللجوء إلى الخطابة.
ومعلوم أن البرهان ما كانت مادته من اليقينيات والقياس الجدل ما كانت مادته من المسلمات والقياس الخطابى ما كانت مادته من المقبولات والمظنونات والمشهورات والقياس الشعرى ما كانت مادته من المخيلات والقياس المغالطى ما كانت مادتها من الوهميات فأى هذه الأنواع استخدم سمعان إنه اعتمد أساسا على القياس المغالطى والخطابى وأحيانا الشعرى ونادرا ما يعتمد على الجدلى .
وإليك دليل على استخدامه للمغالطى :
يقول سمعان ((أما الفلاسفة الذين يتحاشون إسناد الذاتية إلى الله، فيعللون ذلك بأنها إذا أُسندت إليه، دلَّت على وجود تعيُّن له. والله، حسب اعتقادهم، ليس له تعيُّن، لأنه يسمو فوق العقل والإدراك. و التعين هو الوجود الواقعي، الذي يتميز بمميزات تدل على أن له مثل هذا الوجود، ولا يشترط فيه أن يكون محدوداً أو مجسَّماً، بل أن يكون فقط موجوداً وجوداً حقيقياً.))

وهنا قفزة جديدة لقد وضع القول بعدم الذاتية مقابلا للقول بالجوهر ونحن لم نسلم لك بذلك هل ترى أن الذات مرادف للجوهر والتعين؟



إن المتأمل فى تلك المغالطات المتعمدة ليلاحظ أن المؤلف ربما أراد تمرير شىء ما فما هو ذلك الشىء يا ترى ؟
إن هناك علاقة وثيقة ستتضح للقارىء إن شاء الله تعالى فى الفصول القادمة بين فكرة الجوهرية والأقانيم فالنصارى منذ بداية عهدهم بالثيولوجيا يؤكدون دائما على جوهر واحد وأقانيم ثلاثة لذلك فهو حريص كل الحرص على تمرير تلك الفكرة بكل ذكاء وعلى غير العادة ولكن :
لماذا نرفض القول بأن الله تعالى عما يقولون جوهر؟
أولا وقبل الخوض فى المسألة ينبغى أن نشرح المقصود بقولنا جوهر حتى تتضح الأمور

الجوهر لغة :
كل حجر يستخرج منه شيء ينتفع به و جوهر كل شيء ما خلقت عليه جبلته: لسان العرب ج: 4 ص: 152
أما اصطلاحا فهو:
ماهية إذا وجدت في الأعيان كانت لا في موضوع وهو مختصر في خمسة هيولي وصورة وجسم ونفس وعقل لأنه إما أن يكون مجردا أو غير مجرد فالأول أي المجرد إما أن يتعلق بالبدن تعلق التدبير والتصرف أو لا يتعلق والأول أي ما يتعلق العقل والثاني أي ما لا يتعلق النفس والثاني وهو أن يكون غير مجرد إما أن يكون مركبا
ولا والأول أي المركب الجسم والثاني إي غير المركب إما حال أو محل فالأول أي الحال الصورة والثاني أي الحل الهيولى
التعريفات ج: 1 ص: 109

فيقال له ماذا تعنى بالجوهر هل تعنى به المعنى الذى عند أهل اللغة وهوأن جوهر الشىء ما خلقت عليه جبلته ام تعنى به المعنى الاصطلاحي عند أهل الكلام وهو المتحيز مثلا فإن قلت نعنى بالجوهر ما ليس فى موضوع وأنه جوهر ليس كالمخلوق قلنا فإن قال قائل الله جسم ليس كالأجسام المخلوقة فهل نقبل .
ثانيا قولكم جوهر ليس كالجواهر فهل يعنى هذا أن ذات الله تعالى تدخل تحت جنس الجوهر الذى يشملها ويشمل الجواهر المخلوقة .
ثالثا ما هو الوصف المشترك بين هذا الجوهر والجواهر المخلوقة والذى به أمكن إطلاق هذا اللفظ على كلاهما .
ويلاحظ هنا على غير العادة تلك اللفتة الذكية حين أشار المؤلف إلى قول ابن سينا ونقله من تهافت الفلاسفة للغزالى ففيه إشارة إلى كون هذا المذهب مقبول من علماء الدين حتى ممن تصدى منهم لنقد الفلاسفة والرد عليهم .
يقول الغزالى : (( ..القسم الأول يرجع النزاع فيه إلى لفظ مجرد، كتسميتهم صانع العالم -تعالى عن قولهم - جوهراً، مع تفسيرهم الجوهر: بأنه الموجود لا في موضوع أى القائم بنفسه الذى لا يحتاج إلى مقوم يقومه، ولم يريدوا به الجوهر المتحيز، على ما أراده خصومهم.
ولسنا نخوض في إبطال هذا، لأن معنى القيام بالنفس إذا صار متفقاً عليه، رجع الكلام في التعبير باسم الجوهر عن هذا المعنى، إلى البحث عن اللغة، وإن سوّغت اللغة إطلاقه ، رجع جواز إطلاقه في الشرع، إلى المباحث الفقهية، فإنّ تحريم إطلاق الأسامى وإباحتها يؤخذ مما يدل عليه ظواهر الشرع.))

قلت : الغزالى قد انتهج فى هذا الكتاب منهجا جدليا قائما على التسليم بحجة الخصم لإبطال أدلته وقد استفاد من قول الفلاسفة بأن الله تعالى جوهر إلزامهم بإثبات الصفات

حقيقة لقد أخطا سمعان فى فهمه لتساهل الغزالى مع ابن سينا حول هذه النقطة فقد كان الغزالى يرمى من وراء ذلك إلزامهم بنفى التعطيل لأن صفة الجوهرية هى أقرب للجسمية والإثبات منها للتعطيل والنفى .
والباري ليس بجوهر لأن الجوهر هو الموجود لا في موضوع أي إذا وجد يكون وجوده لا في موضوع وهذا يشعر بالحدوث والجوهر عبارة عن حقيقة وجود وواجب الوجود حقيقته وجوده ووجوده حقيقته
وعلى كل حال فقولنا بأنه من الجائز التساهل مع بعض المسلمين فى استخدام ذلك اللفظ دون النصارى ليس من باب الحمية والعصبية فهذا غير وارد فى الكلمات والألفاظ ولكن لآسباب أخرى منها :
أن المسلمين قرنوا تلك الألفاظ بما جاءت به النصوص من نفي التمثيل وأنتم لم تقرنوا بألفاظكم ما ينفي ما أثبتموه من التثليث والاتحاد والمسلمين لم يعتقدوا معنى باطلا وأنتم اعتقدتم من التثليث في الأقانيم والاتحاد ما هو معنى باطل والمسلمين لم يسموا صفات الله بأسماء أحدثوا تسمية الصفات بها وحملوا كلام الرسل عليها وأنتم أحدثتم لصفات الله أسماء سميتموه أنتم بها لم تسمعه الرسل وحملتم كلام الرسل عليها والمسلمين لم يعدلوا عن النصوص الكثيرة المحكمة البينة الواضحة إلى ألفاظ قليلة متشابهة وأنتم عدلتم عن هذا إلى هذا والمسلمين لم يضعوا لهم شريعة اعتقاد غير ما جاءت به الرسل وأنتم وضعتم شريعة اعتقاد غير ما جاءت به الرسل والمسلمبن لم يقولوا قولا لا يعقل وأنتم قلتم قولا لا يعقل والمسلمين لم يتناقضوا فيجعلوا الإله واحدا ويجعلونه اثنين بل ثلاثة وأنتم تناقضتم فهذه الفروق وغيرها مما يبين فساد تشبيهكم أنفسكم بالمسلمين .

ثم إنكم مع مخالفة استعمالاتكم للغة والصطلاح يرد عليكم أمور أخرى تبطل مذهبكم وتثبت تناقضكم وهو ما سنوضحه فى الحديث عن الأقانيم وأن تلك الفكرة مرتبطة عندهم كل الرتباط بقولهم الله تعالى جوهر .


وأما ما وقع فيه من تهافت ناشىء عن عجز وجهل فحدث ولا حرج :


1-
قال عن معنى كون الله ذاتا : ((ولكننا نقصد أنه كائن له وجود ذاتي، يستطيع التعبير عن نفسه بكلمة أنا وهو ليس مجرد طاقة أو معنى.))
أى يقصد بكون الله ذاتا أن الله كائن له وجود ذاتى!! فسر بعد الجهد الماء بالماء، وأما قوله يستطيع التعبير عن نفسه بقوله أنا فهل هذا تعريف للذات هل كل ذات تعبر عن نفسها بأنا أليست للحيوانات ذوات ، وهل قوله ليس طاقة أو معنى يعنى أن من لم يكن ذاتا فهو طاقة أو معنى ..كلام سخيف متهافت هو سمعان الحقيقى عندما يخرج من جعبته بعيدا عن القص واللصق ثم بعد ذلك تراه يكرر عبارته السقيمة (( نحن لا نأخذ أسانيدنا من الفلاسفة ))

2-
قال ((ولو أننا لا نستطيع أن نسبر غور هذا التعيُّن أو نضع له حدوداً. فهو فقط تعين غير مُدرَك أو محدود. وتعيُّنٌ مثل هذا، يختلف كل الاختلاف عن اللاتعين، لأن الثاني يوصف به غير الموجود، أما الأول فيوصف به الموجود الذي يفوق العقل والإدراك.))
قلت: أما غير محدود فمن الممكن أن نسلم لك به وإن كان الكلام لا معنى له ولكن ما معنى قولك تعين غير مدرك فكيف علمت به غير المدرك يختلف عن غير المحدود والمحدود بمعنى المعرف يختلف عن المحدود بمعنى المحصور فانت تستطيع ان تحد صفة من صفات الله تعالى باللفظ كصفة القدرة لكن لا حدود لها فهو قادر على كل شى ء حتى اختلفوا فى هل للقدرة الإلهية ان تجمع بين النقيضين اما حدها فممكن بالسم الدال عليها تقول قدرة الله والله تعالى يتعين بقولنا الله وبوصفنا له الله رب العالمين الخالق البارئ المصور .

3-
قال : (( لأنه لا بد من تعين خاص لكل موجود يثبت وجوده، وإلا فقد خرج من دائرة الوجود إلى اللاوجود، لأن اللاموجود وحده هو الذي لا تعين له إلا اسمه، واسمه كما نعلم هو اسم على غير مسمىلأن اللاموجود وحده هو الذي لا تعين له إلا اسمه، واسمه كما نعلم هو اسم على غير مسمى.))
4-
قلت : ألم تقل إن الطاقة والمعانى ليس لها تعين ثم استدللت بوجودها على وجود الله تعالى لأننا نقر بوجودها ولا ندركها بحواسنا بل بآثارها
ثم ما معنى قولك هو اسم على غير مسمى لقد ابعدت عن كل اساليب العقلاء العدم مسمى وله اسم فما معنى قولك على غير مسمى هل تعنى أن المسمى لا يكون إلا موجودا وأن الحقائق توجد بوجود الأسما وقبل الحقائق لا توجد الأسماء هذا مذهب باطل عرفناه عن بعض المتكلمين لكن ما أظنك تقصده أو تسمع عنه فأنت تلقى بالكلام على عواهنه وليتك اكتفيت بالقص واللصق من كتب الفلاسفة والمتكلمين .
فى الحقيقة لقد خلط سمعان كل المصطلحات واختط لديه الحابل بالنابل فلا تدرى عما يتحدث ولا ما يريد أن يثبت .

4-
قوله(( و الجوهر هو ما ليس في موضوع بل هو القائم بذاته، فلا خطأ في القول الله جوهر ))
فقد جعل من الإبهام جنسا ومن السلب فصلا ومعلوم بطلان ذلك فى صناعة الحد نحن نعلم أن بعض الفلاسفة والمتكلمين قد عرف الجوهر قريبا من ذلك مع استعمال كلمة الموجود وليس ما لكن قولهم ليس فى موضوع يتوجه إليه الاعتراض السابق وهو استعمال اللسلوب كفصول مقومة بالإضافة لكون الحد على هذا النحو غير جامع فقد يقال: بعض الجواهر موجودة في الخارج ولكن لا بنفسها، بل موجودة في موضوع، من قبيل الصورة الموجودة في المادة، فهي موجودة في موضوع، ولا ينطبق عليها هذا التعريف للجوهر. ولهذا قيد التعريف بهذا القيد، فقيل: إن ماهية الجوهر إذا وجدت في الخارج وجدت لا في موضوع مستغن عنها في وجوده.
فضلا عن ان الجوهر والعرض أجناس عالية والأجناس العالية لا جنس لها فلا تعرف ولكن لو قلنا بإمكان نوع من التعريف الفظى او التعريف بالرسم فقولك الجوهر هو القائم بنفسه أو هو ما ليس فى موضوع غير مانع .على أن ثم تعريفات اخرى للجوهر غير ما اختاره النصارى لدى الفلاسفة مثل :
الجوهر هو القائم بالذات القابل للمتضادات أو الجوهر ما اذا وجد كان حاملا للاعراض مقالات الإسلاميين ج: 1 ص: 307

5-
يقول سمعان : ((ومع ذلك، فإننا لا نستطيع القول إن لله تعيُّناً محدوداً، كما لم نستطع القول أن لا تعين له إطلاقاً، لأن الذين قالوا بهذا الرأي أو ذاك، أدخلوا أنفسهم في مشكلات عويصة. فالذين قالوا بالرأي الأول، أسندوا إلى الله الأعضاء الجسمية، والذين قالوا بالرأي الثاني نفوا عنه الصفات، وقطعوا الصلة بينه وبين المخلوقات، كما سيتضح في الباب الثالث.))
وما علاقة التعين بالجسمية هل لا بد أن تعين الله فى جسم كالمسيح أو كفلان أو كصنم ووثن ؟!َ
ثم إنه فى مواضع أخرى من الكتاب لا يفرق بين الموجود والمتحيز:فيقول فى بعض المواضع : ((لو فرضنا أن هناك إلهين، لكان كلٌ منهما متحيزاً بمكان وبما أن المتحيز بمكان لا يكون أزلياً بل حادثاً، فلا يمكن أن يكون أيٌ منهما هو الله، لأن الله لا يتحيز بحيّز فلا يمكن أن يكون هناك إلا إله واحد غير متحيز بمكان وهذا الإله هو الله ))

ثم يقول إننا لا نلأخذ أسانيدنا من الفلاسفة وقد شغلت نقوله عن الفلاسفة نصف الفصل والنصف الباقى تكرار ممل لنفس الألفكار فإذا كان الفصل لا يأخذ أكثر من خمس أو ست صفحات نقل نصفها وهذا مثال على التكرار فى الشطر الباقى :

1-
يقول سمعان ((نعم إننا نعجز كل العجز عن إدراك هذا التعين، وليس في وسعنا أن نختبر ماهيته، أو نضع له حدوداً))

2-
ويقول سمعان (( ولو أننا لا نستطيع أن نسبر غور هذا التعيُّن أو نضع له حدوداً. فهو فقط تعين غير مُدرَك أو محدود))

3-
ويقول أيضا ((ومع ذلك، فإننا لا نستطيع القول إن لله تعيُّناً محدوداً))

4-
ويقول أيضا ((يقصد الحذر من إسناد تعين لله، يمكن أن يعتبره الجهلاء تعيناً محدوداً، والحال أن تعين الله منزه عن الحدود))

5-
يقول أيضا ((ومعنى ذلك أن لله تعيناً خاصاً، لكنه غير محدود بالنسبة لنا، أو لغيرنا من الخلائق.))..

يغلب على ظنى ان ذلك الفصل كان مجرد تسديدا لخانات لقد راعنى فى البداية ألفاظه الموهمة "التعين " "الذاتية" " الجوهر" ... فذهبت ابحث فى كتب أرسطو وابن سينا على أجد شرحا شافيا لتلك الالفاظ شديدة الوعورة ورجعت لبعض المخطوطات كالملخص للرازى ... والواقع أنى اكتشفت الرجل فى هذا الفصل خاوى الوفاض تماما وقد حاولت أن أخرج من هذا العنوان بشىء فلم أجد إلى ذلك سبيلا يقول فى العنوان معنى قوله إن الله ذات وبعد نقاش عارم بينه وبين نفسه طوال هذا الفصل نجده يكرر فقرة واحدة دائما وينهى الفصل بما يفترض أنه النتيجة الحاسمة بقوله:

((
أخيراً نقول إن اللامتناهي كما يقول الأستاذ بارتلمي سانتهلير، ليس هو اللاموجود، لأن اللاموجود هو اللامتعين، وليس هو اللامتناهي. إذ أن اللامتناهي هو الموجود الذي لا بداية له أو نهاية. ولذلك فاللاموجود أو اللامتعين هو العدم، أما اللامتناهي فهو الموجود الأزلي الأبدي الذي لا حصر له ولا حدّ " الكون والفساد ص 303 " .))

فما علاقة التناهى وعدمه وإثبات الوجود بمعنى الذاتية وكيف وصلنا إلى هذا المنعطف ولماذا رجعنا إلى الوراءإلا إذا كان الكلام يسير بطريقة عشوائية وكيفما اتفق لقد أتعب سمعان القارئ بما لا جدوى من وراءه إلا تمرير فكرة بسيطة كان من الممكن سردها فى سطرين ولم يكن ليحاسبه أحد على تجاهلها على أن صراعه هنا مع منكرى أن الله ذات ليعيد إلى الذاكرة رواية دونكى شوت.
لقد أجهدت القارئ يا سمعان بهذا الفصل رغم انه لم يتجاوز خمس صفحات!! فهل كنت تخاطب العوام بلغة الفلاسفة أم تقنع الفلاسفة بحجج العوام أم كنت فى صراعك مع منكرى أن الله ذات أشبه بدونكى شوت الذى حارب طواحين الهواء .

 

 

الفصل الثالث تهافته فى إثبات المكانية أو نفيها .



يقول سمعان:
((
مكان وجود الله
نتحدث عن مكان وجود الله، على فرض أن للمكان وجوداً خاصاً، لأن الفلاسفة اختلفوا في أمره اختلافاً عظيماً. فقال أرسطو : له وجود حقيقي . وقال كانت : ليس له مثل هذا الوجود، بل هو من فرض عقولنا " الفلسفة الإغريقية ج2 ص 48 ، ومعاني الفلسفة ص 109 " . أما جيمز فيقسم المكان إلى أربعة أقسام هي المكان العقلي، والمكان الحسّي، والمكان الطبيعي والمكان المطلق. فالأول هو الذي نتخيله في العقل عندما نتصور الأشكال الهندسية، والثاني هو الذي ندركه بالحواس، والثالث هو المكان العام الذي تقوم فيه الأجسام وتتحرك، وهو عام بالنسبة لنا، والرابع هو الذي يقول به نيوتن في تفسير نظرياته في الميكانيكا وحركات الأجسام السماوية، وهو مطلق من حيث أنه لا بداية له أو نهاية " معاني الفلسفة ص 106 " ))
الم اقل لكم إن سمعان يعجز غالبا عن صياغة عبارة واحدة بعيدا عن القص واللصق ما علاقة مكان وجود الله بوجودية المكان:
أرأيت كم غفل سمعان وكم وقع فيما لا يقع فيه طفل صغير ولا أقول دارس للفلسفة فى السنوات الأولى هو يعلق الحديث عن إمكانية أن يكون لله مكان بكون المكان أو ما نسميه بمقولة المكان أمرا وجوديا بمعنى إن ثبت عدم كون المكان وجوديا فهذا يعنى أن البحث لا محل له من الإعراب فهل يعنى ذلك يا سمعان إذا أثبت لك أن مقولة المكان بل المقولات العشر غير وجودية أن تنفى المكانية عن كل موجود ؟!
على العموم هناك اختلاف حول وجودية المكان و هناك محاولات كثيرة خاصة من جانب السوفسطائيين للتشكيك فى حقيقة المكان فقالوا على سبيل المثال لا معنى للسطح إلا نهاية الجسم ونهاية الشىء هى أن يفنى ذلك الشىء فلا يكون أمرا ثبوتيا وبمثل تلك الحجج شككوا فى وجودية المقولات العشر بل وفى فكرة المقولات كأجناس عليا للموجودات وقد وجدت خير من استفاض فى شرح تلك المسألة الرازى فى شرحه لعيون الحكمة لابن سينا .وهناك علاقة وطيدة لدى الفلاسفة بين المكان والكون فقد أطلقوا مقوله المكان وقصدوا بها حصول الشىء فى المكان وليس هناك تنتقض بين الأمرين أعنى الخلاف حول وجودية المكان والعلاقة بين الكون والمكان .
(
انظر شرح الرازى على عيون الحكمة لابن سينا 24/ب-28/ب مخطوط بدار الكتب المصرية 3916و)

يقول سمعان : ((ومع كلٍّ، فالمكان موضوع نسبي يرجع الأمر في الحكم عليه إلى تقديراتنا البشرية، ونحن لا نعرف على وجه التحقيق معنى العبارة " كل مكان " ، لأنها تدل على نطاق لا ندرك له حدوداً.))

هل نحن سلمنا بأن الله موجود مثلا فى كل مكان حتى تبين لنا كالعادة أن كل ما يتعلق بالله تعالى فهو مبهم ومجهول كما أوهمتنا فى الفصل السابق حتى نسلم لك بافكارك غير المعقوله عن الله ؟

ما معنى أن الحكم عليه يرجع إلى تقديرلتنا البشرية هل معنى ذلك ان الحكم عليه ممكن أم غير ممكن المفروض أنك تقصد انه غير ممكن لكن العبارة تقديراتنا البشرية توحى بغير ذلك وكلا الأمرين خطأ أما الحكم على غير المدرك فجائز فأنت تحكم مثلا على الغول بانه خرافى أو أنه يرعب الاطفال إلى غير ذلك وهو غير مدرك بل غير موجود وأنت تحكم على الزمان والمكان والجوهر والعرض وغيرها مع أن بعضها مجرد افتراضات غير مدركة بل كل الحقائق غير معلومة بالكنه بل بنوع من الإدراك
انت تريد ان تمرر قولك الله فى كل مكان بصيغة الإيهام والإبهام التى تضفى بها معنى القداسة على أفكارك الخاظئة.


دعوة لمذهب اللاأدرية أم تسويغ لعقيدة بهلوانية :
يقول سمعان : ((ولقد انتهينا فيما سلف إلى أن لله تعيناً، لكن هذه الحقيقة تدخلنا في مشكلة من أدق المشكلات، لأن كل ما له تعين يوجد في مكان ما، فأين يوجد الله؟

الواقع أنا انتهينا معك إلى لا شىء وانت لم تثبت شيئا وقولك كل متعين يوجد فى مكان لا نقرك عليه فالمكان محدود كما قلت وواجب الوجود ليس بمحدود إذا فليس كل متعين يوجد فى مكان أو يحل فى مكان .
ولكن هل يعنى بذلك أنه يريد إثبات قول أوغستين ان الله فى كل مكان مع فلسفة الكلالام وتعقيدة وتمويهه حتى لا تستطيع العقول فهمه وبالتالى تسلم به عن عجز ؟
إنه يريد منك أيها القارئ أمرين أن تؤمن دون ان تفكر يقدم لك العقيدة كحقيقة واقعة ثم يخبرك أنه لا يمكن فهمها وهى اعلى من تعقك فعليك الا تحاول إدراكها .

الذى يظهر أن سمعان لا يعرف بأى شىء يستدل وعلى ماذا هل يستدل بعدم وجودية المكان على نقى المكانية عن الله تعالى ام يستدل بوجودية المكان على ان الله موجود فى كل مكان أم يستدل بعدم فهم المكانية وضبابيتها على استساغة القول بأن الله موجود فى كل مكان أم بأن المكانية موجودة بنوع من الوجود على ان الله موجود فى كل مكان أو بأن لا شى واضح اصلا على أننا تائهون ولا يمكن أن نصل إلى شىء .
ولا يظنن القارئ أن سمعان بهذه السذاجه إنه يحاول تهيئة القارئ للإيمان دون اقتناع عن طريق إشعاره بتضاؤل العقل واضمحلاله فى تلك المضايق المزعومة .
لكن يا سمعان هذا لا يدعوا إلى الإيمان بقدر ما يدعو إلى الشك والحيرة ولا يستخلص من الحيرة إيمان كما لا تستخلص الحياة من الموت فكيف تسمى نفسك داعية ومبشرا وأنت تنقض كل ذلك بإيقاع الناس فى الحيرة والارتياب لو كان هذا هو كل ما يمكن للعقل أن يدركه فلماذا ألفت هذا الكتاب هل ألفته على نهج اللاأدرية من السوفسطائيين هل أنت من المبشرين بها أم من المسوغين للتثليث .

اين المطلوب وأين الدليل :

أعجب ما فى الأمر أنك لا تستطيع أن تحدد أين مطلوبه وبماذا يستدل ومن ذلك أنه ينقل عن أرسطو ما يناقض ما نقله عن أوجستين :
((
وقد شهد معظم الفلاسفة، على اختلاف الأديان التي ينتمون إليها، أن الله لا يحدّه مكان، فقال أرسطو : المحرك الأول " أي الله " ليس في مكان ما، لأنه غير جسمي، ولأنه ليس في حاجة إلى مكان معين . وقال القديس أوغسطينوس : الله موجود في كل مكان بنوع خفي، وموجود في كل مكان بنوع ظاهر. فموجود بالحالة الأولى، لأنه لا يمكن لأحد أن يعرفه كما هو في ذاته، وموجود بالحالة الثانية، لأنه لا يقدر أحد أن يجهل وجوده .))
فما نقله عن ارسطو فيه نفى للمكانية وما نقله عن أوغستين فيه إثبات لها وما ينقله عن اسحاق بن عسال فيه نفى للتحيز وليس نفى للمكانية ولو كانت المكانية بمعنى التحيز لما قال به سوى النصارى .

((
وقال اسحق بن العسال : كل متحيز متناهٍ، وكل متناهٍ محدث، فكل متحيز محدث، والباري ليس بمحدث، إذاً فهو ليس متحيزاً ))

استشهاداته وليس استدلالاته غير متوافقه فيما بينها ولا تؤدى إلى معنى محدد .

((
وقد أشار الله إلى عدم تحيزه بمكان فقال : أَلَعَلِّي إِلهٌ مِنْ قَرِيبٍ يَقُولُ الرَّبُّ وَلَسْتُ إِلهاً مِنْ بَعِيدٍ. إِذَا اخْتَبَأَ إِنْسَانٌ فِي أَمَاكِنَ مُسْتَتِرَةٍ أَفَمَا أَرَاهُ أَنَا يَقُولُ الرَّبُّ؟ أَمَا أَمْلَأُ أَنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ يَقُولُ الرَّبُّ؟! " إرميا 23 :23 و 24 ))
هل معنى هذه العباره كما يقول سمعان نفى التحيز وهل النصارى ينفون التحيز ؟ بماذا يستدل سمعان وعلى اى شىء يستدل ؟ وما علاقة المطلوب بالدليل بالنتيجة الأمر غير واضح ولا أظن سمعان يهدف إلى شىء غير نشر الحيرة فهو سؤال على غرار من يفعل ماذا ؟!
وكذلك ما استشهد به مما يسميه اقوال الأنبياء لا يدرى المرأ على اى شىء يستدل فالأدلة اصلا لا تصح من الناحية المنهجية ويلاحظ القارئ أن سمعان هنا بدأ يدخل إلى طور جديد فى استدلالاته فهو يستدل بنصوص من الكتاب المقدس ..

وهذه هى النتيجة الحاسمة:

وبالطبع لا يقصد أيوب بهذا الوصف تصوير الله بحجم كبير، بل يقصد به فقط عدم إمكانية وضع أي حد من الحدود له. ومع كل، فهذا الوجود هو الذي يتوافق مع الله وخصائصه وأعماله كل التوافق، وذلك للأسباب الآتية :
1 -
الله هو خالق كل شيء، الذي لا يمكن أن يحدّه مكان ما.
2 -
الله لا أثر للمادة فيه ولذا لا يتحيَّز بحيز. ومهما كان تعريف العلماء للمادة إلا أنها حادثة، والله ليس بحادث، كما يتضح بالتفصيل في الفصل التالي.
3 -
الله غير محدود ولا يحده حد من الحدود.
4 -
الله خالق الكون وحافظه ومدبره والمتكفل بسلامته، حسب مقاصده الأزلية من نحوه، والقائم بهذه الأعمال لا يتحيز بحيز.
ولذلك لا سبيل للاعتراض على عدم تحيّز الله بمكان، كما أنه لا سبيل للاعتراض على عدم وجود حدّ لتعينه، كما ذكرنا في الفصل السابق.
هذه ى النائج ونتساءل كيف وصل إليها وما فائدتها وما العلاقة بينها وما صلتها بالموضوع وعنوان الفصل .
1-
مصادرة فالمكان ليس بمعنى المحدد الجوهر بل هو تابع فى وجوده لوجود الجوهر .
2-
مغالطة فهو يثبت ضمنا أن لا معنى للمكان إلا التحيز وأن المادة لا بد وأن تتحيز وغيرها لا يتحيز مصادرة وهى القول بأن المادة حادثة ومع إيماننا بذلك لكن اين الدليل وبماذا رد على من زعم بقاء المادة .
3-
تكرار لا طائل منه ولا فائدة .
4-
تكرار لما سبق فى 2 وما العلاقة بين التحيز والتكفل بالعالم أنت هل ينبغى ألا تكون متكفلا بنفسك حتى تخرج منها ؟! من قال أن المتكفل باشىء ينبغى أن يكون خارجا عنه .- الله خالق الكون وحافظه ومدبره والمتكفل بسلامته، حسب مقاصده الأزلية من نحوه، والقائم بهذه الأعمال لا يتحيز بحيز.
لا دليل يا سمعان وليس هناك علاقة مباشرة بين الأمرين
ولذلك لا سبيل للاعتراض على عدم تحيّز الله بمكان، كما أنه لا سبيل للاعتراض على عدم وجود حدّ لتعينه، كما ذكرنا في الفصل السابق
قولك لا سبيل ماذا يعنى هل يعنى أنه أمر بديهى لا يخالفه العقلاء كقولنا الواحد نصف الثنين أم انك قد اقمت الدليل الدامغ على ذلك ؟!
كلام غير معقول واسلوب ملتو لا تصل منه إلى شىء .

فكرة الدور وانهيار البناء الاستدلالى :

كثيرا مع يقع سمعان فى سقطات منهجية ومن ذلك وقوعه فى الدور ومن أمثلة ذلك قوله: (( لله لا أثر للمادة فيه ولذا لا يتحيَّز بحيز. ومهما كان تعريف العلماء للمادة إلا أنها حادثة، والله ليس بحادث، كما يتضح بالتفصيل في الفصل التالي ))
عل العموم نحن لا ننازعك فى هذا الزعم فى ذلك الفصل لكن كان ينبغى عليك إذا استدللت على نتيجة بمطلوب أن تثبت مطلوبك اولا وإلا وقعت فى الدور والتسلسل أو على الأقل فى الخلل المنهجى أنت تريد منك أن أقبل منك قضية كمقدمة فى الرهان على أن تثبتها لى فى رهان أخر قد يستند إلى ذلك البرهان ؟؟!!لكن ما اريد التنبيه عليه هو نوع آخر من الدور فقد بدأ سمعان فى هذا الفصل أيراد بعض النصوص من الكتاب المقدس فى معرض استدلالاته والسؤال الذى يطرح نفسه :
ما نوع الاستدلال فى المسائل العلمية فى أصول الاعتقاد بمثل النصوص النقلية ؟
لقد قام علم الكلام والثيولوجيا عموما على فكرة الدفاع عن العقائد بالدليل العقلى وهذا فى حد ذاته نوعا من التناقض لم يحله المتكلون حتى الأن إذا كيف يعتقد الإنسان ثم يستدل وللخروج من تلك الإشكالية قال المعتزلة بفكرة الدور وهى أن الدليل النقلى لا يدل على مالولا العلم به لم يعلم كونه دلالة وقد حاولواإقامة بناء استدلالى عقائدى فهم يستدلون اولا على وجود الخالق وصفاته بالدليل العقلى ثم على جواز بعث الرسل ثم على صفاتهم ودلالة االمعجزة على صدق النبوة كل ذلك بالدليل العقلى ثم يستدل بعد ذلك بالدليل النقلى والعقلى معا على أمور المعاد والثواب والعقاب .....
لكن نلاحظ أن سمعان قد وقع عن عمد فى تلك المغالطة المنهجية وإذا سألته قال لك ليس على سبيل الاستدلال بل على سبيل الوعظ والاستئناس ولكن هل أكملت بحثك حتى تشحنه بتلك الوعظيات التى لا يتعظ بها من لا يؤمن بها ومن يؤمن بها ليس فى حاجة إلى الاستدلال عليها لن نتعرض كثيرا لنقد تلك النقول لكن قد نشير إلى بعضها من باب الاستقصاء الذى نسير عليه فى نقدنا لكتاب سمعان

النهاية هل سمعان مع أوجستين القائل بأن الله فى كل مكان أم مع القائلين بأن الله تعالى ليس فى مكان .
على كل حال سنرد على الأمرين :
هناك فرق بين كون الشىء موجودا وبين إدراكنا لهذا الشئ وحتى هذا الإدراك على درجات متفاوته فلو أراد سمعان مثلا أن يثبت كون الله تعالى فى مكان مع العجز عن إدراك ذلك أو إدراكه بنوع ما من الإدراك دون الوقوف على حقيقته لكان الأمر يسهل تعقله أما نفى المكانية ونفى إدراكها معا فلا أدرى ماذا يقصد بذلك ثم هو فى نفس الأمر يأتى بما يدل على إثبات المكانية لله تعالى وأنه فى كل مكان كقول القديس أوجستين ....
ومعلوم أن اللذين ينزهون الله تعالى عن المكانية قد وقعوا فى إشكال لا حل له وهو أنه وصفوا الله تعالى بصفات تنطبق على العدم فقالوا ليس داخل الكون ولا خارجه ولا فوقه ولا تحته فهل يوصف العدم بغير ذلك فلما شنعت مقالته قالوا نقول ان الله فى كل مكان لا كالشىء
فى الشىء ولا كالشىء على الشىء ولا كالشىء خارجا عن الشىء ولا مباينا للشىء يقال لهم أصل قولكم القياس والمعقول فقد دللت بالقياس والمعقول على أنكم لا تعبد شيئا لأنه لو كان شيئا داخلا فى القياس والمعقول لأن يكون داخلا فى الشىء أو خارجا عنه فلما لم يكن فى قولكم شيئا استحال أن يكون الشىء فى الشىء أو خارجا من الشىء فوصفت لعمرى ملتبسا لا وجود له وهو دينك وأصل مقالتك التعطيل فهذا عبدالعزيز المكى قد بين أن القياس والمعقول يوجب أن ما لا يكون داخلا فى الشىء ولا خارجا منه فانه لا يكون شيئا وان ذلك صفة المعدوم الذى لا وجود له فالقياس هو الادلة العقلية والمعقول العلوم الضرورية وكذلك قال ابو محمد عبدالله بن سعيد بن كلاب امام المتكلمة الصفاتية كالقلانسى والاشعرى وأتباعه فيما جمعه أبو بكر بن فورك من كلام الاشعرى ايضا فذكر ابن فورك كلام ابن كلاب أنه قال وأخرج من النظر والخبر قول من قال لا هو فى العالم ولا خارج منه فنفاه نفيا مستويا لأنه لو قيل له صفه بالعدم ما قدر أن يقول فيه أكثر من هذا ورد أخبار الله نصا وقال فى ذلك ما لا يجوز فى نص ولا معقول وزعم أن هذا هو التوحيد الخالص والنفى الخالص عندهم هو الاثبات الخالص وهم عند أنفسهم قياسون
فصفة اثبات الخالق كصفة عدم المخلوق فلم لا يقولون عدم كما يقولون للانسان عدم إذا وصفتموه بصفة العدم وقيل لهم اذا كان عدم المخلوق وجودا له كان جهل المخلوق علما له لأنكم وصفتم العدم الذى هو للمخلوق وجودا له واذا كان العدم وجودا كان الجهل علما والعجز قدرة .
فسبحان من جمع للنصارى التشبيه والتعطيل واختصهم به عن غيرهم .
الأمر الآخر الذى أود الإشارة إليه كيف يثبت سمعان تنزيه الله تعالى عن المكانية وهو يعلم علم اليقين أن ذلك من لوازم عقيدتهم بما لا يكاد يخفى على أحد ان الحلول والتحيز من لوازم عقيدة النصارى .

 

 

 

الفصل الرابع

 

تهافته فى إثبات الصفات


يقول سمعان : ((بما أن الله ذات، والذات لها صفات، إذاً فلله صفات))
ما الدليل على أن كل ذات لا بد وان يكون لها صفات ؟
لو سلمنا لك بذلك فهل بإمكانك أن تخرج من إلزام الفلاسفة فقد ذهب الفلاسفة من أمثال ابن سينا إلى استحالة إثبات الصفات للبارى تعالى وقالوا إن الصفة والموصوف إن لم يكونا شيئا واحدا احتاج كلاهما للآخر فلا يكون وجوده من ذاته وإن لم يكونا شيئا واحدا كانت هذه هى الكثرة المطلقة .

عل كل حال لم تسلم طريقة إثبات الصفات إجمالا من سهام الطعن وإن لم يكن ما ذكره سمعان على أيه حال يرقى غلى واحد من تلك الطرق التى توجهت إليها سهام الطعن ولم يكن إثباته للصفات تفصيلا بأحسن حالا من إثباتها إجمالا
فلا هو حصر الصفات ولا مثل ببعضها تمثيلا كافيا
يقول سمعان :
((
نكتفي هنا بالكتابة عما استطاعت عقولنا أن تدركه منها، وشهد الكتاب المقدس عن اتّصافه بها ))
نبدأ الفصل بمشكلة هل هذه الصفات التى حصرتموها هنا مما يدل العقل على حصر الصفات فيها بمعنى اندراج الصفات الإهية تحتها كما فعل كثير من المتكلمين فقالوا بالصفات السبع أو الثمان التى تندرج تحتها باقى الصفات أم هى فقط الصفات التى وردت فى الكتاب المقدس وكيف علمتم ذلك هل بالاستقراء مثلا ونحن نرى أن صفات كثيرة قد وردت فى كتابكم المقدس وتنطق بها ألسنة الناس من كل الملل على حد سواء كصفة الرحمة والعفو والانتقام والقوة وغيرها وكلها صفات كمال إذن فليس ما ذكرتموه من قبيل الاستقراء من الكتاب المقدس وحتى لوثبت ذلك فأنت لم تثبت لنا حجية الكتاب المقدس بعد حتى تستدل على حصر الصفات فيما استقرأته منه هل تحاول مثلا أن تقنعنا بشىء كهذا فى أمر على هذا القدر من الخطورة للصفات التى يدركها العقل ويشهد لها الكتاب المقدس فلا معنى لذلك الحصر ولا لتقييده بما شهد له الكتاب المقدس ولو قال ببعض الأمثلة لكان حريا به دون الإعلان عن الكتاب المقدس إعلان السلعة وترويجه بغير مسوغ

ثم لنتأمل هذه الصفات التى أكتفى بها كما يدعى فنجده يذكر صفات الوجود
والحديث عن صفة الوجود هنا جاء متأخرا فهو موضوع الفصل الأول فهو إذن خطأ من الناحية المنهجية .
نلاحظ أن لا ترتيب ولا بناء عقلى ثابت فى هذا الكتاب فهو يتحدث عن مكان وجود الله تعالى ثم يتحدث عن كونه تعالى موجودا
ويذكر منها صفة الكمال ونتساءل هل الكمال صفة أم صفة للصفات الإلهية
وما علاقة هذا بالاكتفاء بذكر بعض الأمثلة على الصفات هل هو مجرد سرد وتحصيل لحاصل نحن نعلم أن الله تعالى متصف بصفات الكمال لكن عد الكمال صفة قسيمة للسمع والبصر كعدنا اللون جنس من أجناس الكون وكقول القائل الإنسان زنجى أوا بيض أو ماغولى أو منتصبى القامة .


إثبات لصفات لا معنى لا أم تشبيه بصفات المخلوق
يقول سمعان (( لكن نظراً لأن ذاته تفوق العقل والإدراك، كانت صفاته أبعد من أن نستطيع تحديدها أو تعيينها، ولذلك نكتفي هنا بالكتابة عما استطاعت عقولنا أن تدركه منها، وشهد الكتاب المقدس عن اتّصافه بها ))
رجعنا لمنهج التهويل والتهيئة لقبول العقائد النصرانية غير المنطقية وهو ما سبق وأن أشرنا إليه وقد زاد على ذلك الحديث عن تعين الصفات وليس تعين الذات وليس لذلك معنى فى الحقيقة .
لا يمكن القول بأن مفهوم الصفات الإلهية من الأمور البديهية التى يتصورها الإنسان ولا يختلف أحد فى تعريفها ولا تختلط فى الأذهان بغيرها لا يكفى أن تقول إن الله تعالى لا يشبه البشر كى تفرق بين إرادة الله تعالى وإرادة البشر فأنت حين تكتفى بذلك فكأنك تقول هناك شىء مشترك بين الله وخلقه نعرفه جميعا وشىء آخر لن اذكره يخالف فيه الله البشر .
ليست الصفات الإلهية من نفس الجنس الذى تشترك فيه صفات المخلوقين ولو سلمنا لك بذلك فإن الفصل الذى تختص به الصفات الإلهية ينبغى تحديده .

لقد تذرع سمعان بدليل واه جدا للتخلص من المطالبة بتعريف الصفات التى يثبتها لله تعالى وكان لذلك أكبر الأثر فى تهافت حجته وذلك أن البرهنة العقلية تحتاج لتحديد المطلوب البرهانى حتى نعلم عند البرهنة عليه أنه مطلوبنا الذى قصدناه وإلا كان مجرد لعب فى قوالب فارغة لذلك قالوا التصديق فرع عن التصور وقد تذرع للتخلص من ذلك بحجة واهية وهى زعمه بأن الله تعالى غير محدود وكذلك صفاته وهى مغالطة أشرنا إليها من قبل فالمحدودية التى تنفى عن الله تعالى ليست بمعنى الحد الذى هو التعريف فمن المكن حد الصفات بتعريفات متفاوتة فى دقتها وقد حاول سمعان ذلك بالفعل فعرف صفة الإرادة على طريقة بعض الفلاسفة بقوله إنها بمعنى عدم الإجبار ..
وفضلا عن كونه تعريف للشى بنقيضة وهو من عيوب التعريف المشهورة فهو توجه غير سديد بل الإرادة تعرف كصفة إيجابية لله تعالى بالقصد إلى المراد واختياره ومنهم من عرفها بالمشيئة المجردة وهو تعريف لفظى وقد ذهب ابن رشد إلى أنها الاتجاه إلى أفضل وضع ممكن مباشرة ودون سابقة تردد وقال غيره إنها معنى من شأنه تمييز أحد الجائزيين دون اآخر .

العجز عن التعريف ناشئ عن ضحالة الإدراك
هل التعريف راجع إلى حقيقة الشىء أ إلى ذات المعرف وفهمه لقد طرح هذا السؤال فى كتب الكلام لدى المتقدمين وقد حسم لصالح رجوع الحد إلى ذات المحدود فهل ما ذكره سمعان من تعريف للإرادة عائد إلى نفس الصفة الإلهية أم إلى إدراكه وفهمه لها على كل حال لو أخذنا بأضعف الاحتمالات لوجدنا كم كان فهمه للصفات والعلاقة بينها قاصرا إلى أبعد الحدود وإليك الأمثلة
يقول سمعان :

((1 -
إنها غير محدودة سواءً في قوتها أم في فعلها، لأنه تعالى لا يحدّه حدّ.
2 -
إنها متوافقة معاً كل التوافق، لأن من دواعي كمال الله ألا تطغَى صفة فيه على صفة أخرى. فمثلاً صفة الرحمة فيه لا تطغى على صفة العدالة، وصفة العدالة فيه لا تطغى على صفة الرحمة، بل إنهما متعادلتان كل التعادل ومتوافقتان كل التوافق، وهكذا الحال مع كل صفاته المتقابلة كالقوة والصبر، والعظمة والوداعة، وغير ذلك.))

هل معنى توافق الصفات أن الرحمة والعدل متقابلان والسمع والقوة متقابلان وأنهما متعادلان ما وجه المقابلة بين البصر والقوة لا أدرى ليته استدل بأمثلة أخرى كالعفو والانتقام والإحياء والإماته وغير ذلك من الصفات المتقابلة وكيف ينسجم ذلك مع قوله فى الفقرة السابقة إنها غير محدودة ثم يقول بعد ذلك بل هى محدودة ببعضها فالرحمة محدودة بالعدل والعدل محدود بالرحمة الرحمة والعدل غير متقالة بل العدل داخل تحت الرحمة والعفو هذا فى حق الله تعالى الكريم أما ى حق المخلوق فكيف يتصور غير العدل المطلق الذى لا تحده حدود وأما كن البصر يقابل بصفة أخرى تحده وتعادلة ثم قوله إن تلك الصفة هى القوة فلا أرى فلعله أسرف فى شربه من دماء ربهم ولم يعادله بالأكل من لحمه ..

ومن ذلك أيضا قوله فى تفسير كون الله تعالى محبا وأن الله محبة :
((.
أي أنه ليس محباً فقط، بل إنه أيضاً محبة، أو بتعبير آخر إن محبته لا تنضب، أو تقل على الإطلاق.
ولا يُقصَد بالقول الله محبة أن صفة المحبة هي ذات الله، كما يقول بعض الفلاسفة إن صفات الله هي ذاته، بل يُقصَد به أن كيانه " إن جاز هذا التعبير " يفيض بالمحبة، وأن محبته لا حدَّ لها.))

وما الذى يدفعك للتخلص من قول الفلاسفة وما معنى كونه تعالى محبا على الإطلاق وهل فى ذلك صفة مدح ولماذا لا نقول إن الله تعالى كاره للشر والأشرار وعليه قول الله تعالى كره .
الحب والكره من الصفات المتضادة والمتلازمة فى كل حى وكل يحب ويكره بحسب ذاته وكون الله تعالى من صفاته المحبة المجردة لا معنى له بل يجب تقيده بمحبة الخير والأخيار .
ومنه حديثه عن الثبات والتغير كصفة لتلك الصفات :

((
الثبات أو عدم التغيُّر : بما أن الله أزلي أبدي، إذاً فهو لا يتغير في أية ناحية من النواحي. فمثلاً لا تتغير صفاته كالعدل والرحمة والقدرة، فيصبح يوماً ما متساهلاً أو قاسياً أو عاجزاً. ولا تتغير أقواله من نبوات ووعود وأوامر...

فالله " كما أجمع الفلاسفة المؤمنون بوجوده الذاتي " لا ينتقل من العدم إلى الوجود، لأنه لا علة لوجوده أصلاً. ولا ينتقل من الوجود إلى العدم، لأن وجوده واجب. ولا ))

فحديثه عن عدم التغير ليس هو ما يقصده الفلاسفة والمتكلمون بتلك الصفة بل قالوا هل يحل بذاته الحوادث أم لا أما قولك إن معنى كونه تعالى لا يتغير أنه لا يتحول من القوة إلى العجز فهو تحصيل لحاصل ما قدمته من قبل فكون القدرة من صفات الله تعالى مع عدم تقييدها يعنى أنه غير عاجز ولا فى وقت من الأوقات ولا حالة من .

مقدمات أغمض من النتائج !
ومن الأخطاء الشائعة فى استدلالت سمعان استدلالة بمقدمات ليست مسلمة بل وقد تكون النتيجة أقرب إلى المتلقى ومن ذلك قوله :

((
بما أن الله ذات، والذات لها صفات، إذاً فلله صفات))
وكقوله
((
بما أنه لو كان الله ممكن الوجود لكان مثله مثل العالم، وتبعاً لذلك لما كان في إمكانه أن يوجِده " لأن العالم لا يستطيع أن يوجِد من تلقاء ذاته، عالماً مثله " . فمن البديهي أن يكون الله واجب الوجود .))
ما كل هذه (اللفة ) ثم ما المانع أن ينتج الشىء شىء مثله لقد أشبه استدلاله لحم جمل غث فوق جبل وعر لا سهل فيرتقى ولا سمين فينتقل ..
استدلالات لا قيمة لها ولا معنى لها ..الاستدلال أن تبدأ من مقدمات أولية ضرورية أو على الأقل مسلمة لدى المتلقى لا أن تكون النتيجة أعرف لدى المتلقى من المقدمة .
ومن ذلك قوله :
((
وبما أن الله واجب الوجود، فهو لم يكن مسبوقاً بوجود أو عدم، وإذاً فهو ليس منذ الأزل فحسب، بل أنه أيضاً الأزلي . وبما أنه الأزلي فهو أبدي كذلك، لأن ما لا بداية له، لا نهاية له.))
ليس مسبوقا بوجود أو عدم كيف تنفى النقيضين وهما لا يرتفعان وما معنى هذا الكلام المضطرب وهل هذا دليل على الأزلية وما الفرق بين الأزلى والموجود منذ الأزل ..
إن الأزلى تعنى أنه الموجود منذ الأزل ولو كان ثم معنى آخر فى ذهنك فكان ينبغى الإفصاح عنه .

عجز عن استخدام منهج غير مسلم


إن ما أورده سمعان من أدلة تفصيلية على الصفات غير لا ئق بكتاب يدعى صاحبه مناقشة القضايا الفلسفية كان من الأجدى بسمعان إن أراد أن يكون كتابه ذا قيمة أن يبدأ أولا بتعريف هذه الصفات ثم يستدل عليها بالأدلة العلمية والفلسفية وليس بمثل هذه الأقاويل التى تعد استخفافا بعقل القارئ
لكن لنا تعليق على قايس الغائب على الشاهد الذى حاول سمعان تطبيقه فعجز عن ذلك رغم ادعائه الاطلاع على المصادر الفلسفية

القياس بصفة عامة يعتمد على إلحاق النظير بالنظير لجامع بينهما فهل يمكن إلحاق الغائب والذى هو هنا الصانع الكامل من كل الوجوه بالشاهد الذى هو العالم المخلوق المحدث وهل يمكن اندراجهما تحت قضية كلية واحدة
هذا ما وقع فيه الخلاف بين المتكلمين والفلاسفة فقال المانعون فى نقد قياس الغائب على الشاهد لا يمكن إلحاق الغائب بالشاهد بالعلل التى وضعتموها وهى الحقيقة أو الحد والعلة والشرط والدلالة
فأما الجمع بالحد فإن ثبت أن حد العالم فى الشاهد من قام به العلم وثبت أن مسمى العالم متحد فى الغائب ةالشاهد فلا حاجة فى القياس على الشاهد وإلا فالإلحاق متعذر وعلى هذا يكون الكلام فى العلة والشرط ويزيد فيها كون العلم فى الشاهد معلل بالعلم أو مشروطا به لكونه جائزا وقال المجوزون إن قولكم باستحالة الجمع بين عالم الغيب وعالم الشهادة فى قضية كلية من قبيل التعسف والسفسطة ..

وعلى العموم حتى ولو ثبت جواز إلحاق الشاهد بالغائب فى بعض المسائل فهذا لا يعنى مطلقا اطراد تلك القاعدة ولا يعنى من باب أولى أن ما صنعه يمكن أن بندرج تحت هذا الاستدلال بصورة مقبولة
هناك طريقة استخدمها بعض المتكلمين لقياس الغائب على الشاهد فى إثبات الصفات وهى ما يعرف بطريقة الكمال فلو قلنا مثلا إن السمع من صفات الكمال فى الشاهد وكان الخالق أكمل من المخلوق فلابد وأن يكون أولى بتلك الصفة من المخلوق وإلا كان ناقصا ن هذه الجهة وهذا محال ..
أما استدلالات سمعان على الصفات فهى أضعف من أن يتوجه إليها النقد العلمى فمثلا هو يستدل على صفة البصر بصفة العلم وأن ذلك من لوازم العلم ولا أدرى هل معنى ذلك أن من حرم نعمة البصر مثلا فهو جاهل وليس بعالم يقول سمعان ((البصر والسمع والكلام : بما أن المتَّصف بالعِلم يكون بصيراً، والذي له علاقة مع غيره يكون سميعاً وكليماً، وبما أن الله عليم وله علاقة مع خلائقه، إذاً فهو بصير سميع كليم،)) .. وهنا مغالطات كثيرة أيضا منها أنه يبنى الاستدلال على صفة بصفة أخرى لم نسلم له بالاستدلال عليها ثم بصفات أخرى لا معنى لها ولم يشر إليها وهى من له علاقة مع غيره ثم قوله إن من له علاقة بغيره لابد وأن يكون سميعا كليما فما معنى ذلك هل تستخف فبعقولنا إلى هذا الحد هل نحن محتجون لدليل حتى نرمى بكلامك عرض الحائط وهل تضطرنا إلى الإشارة إلى أمور كقولنا إن الأكمه يمكن أن يتجاوب مع غيره وليس ذلك مانعا من التواصل بغيره بالإشارة وغيرها لماذا يا سمعان نزلت بنا إلى هذا الحضيض الفكرى ولماذا لم تنقل من الكتب كما فعلت فى الموضوعات السابقة .
ويقول سمعان فى أثبات صفة العلم ((بما أن صانع الشيء يعلم كل شيء عنه، وعمَّا يمكن أن يطرأ عليه، إذاً فالله على علم أزلي تام بجميع الأشياء التي في العالم.
كلام غير منضبط وغير كاف فى الدليل على صفة العلم هل صانع الشىء لا بد ان يعلم كل شىء عنه هذه قية اولية يقر بها كل أحد وهل صفة العلم تعنى العلم بكل شىء عن العالم فحسب وما الدليل على علمه بما سيحدث .
إن سمعان يستدل على ذلك بدليل أوهى من بيت العنكبوت فالعالم بالشىء عنده لا بد وأن يكون عالما بكل ما يمكن أن يطرأ !!
ولكن ماذا عن علمه بما لم يكن لوكان كيف كان يكون ؟!

وأما عن صفة الحياة فيقول سمعان موضحا ومستدلا (( بما أن الصفات السابق ذكرها لا توجد في الجماد بل في الحي، إذاً فالله حي. نعم، بل وهو رب الحياة لأنه خالق العالم وكل ما فيه، والشرط الأساسي في الخالق أن يكون حياً ))

لقد استل المتكلمون والفلاسفة على صفة الحياة بأنها شرط لما تقدم من الصفات فى الشاهد فوجب أن تكون كذلك فى الغائب ولكن هل استطاع سمعان أن يثبت ما تقدم من الصفات أو بعضها حتى يستدل بدليلهم هذا ما لا سبيل إليه وليته نقل هذين السطرين بل تخبط فى كلامه كعادته عندما يخرج عن النقل فقال إن الصفات السابق ذكرها لا توجد فى الجمادات ومعلمو أن الجماد ليس بمعنى الموات .. وعل كل حال فصفة الحياة لا تعنى سلب الموت والذى لا يتفاوت فلا يصح بهذا المعنى أن تقول فلان أحيا من فلان ولا أموت منه كما نقول فلان أسمع من فلان وأبصر وأعدل ..
ولا يستخدم افعل التفضيل هنا فهو من الصفات التى لا تقبل التفاوت بل صفة الحياة إذا نسبت لله تعالى تعنى كمال الذات كما أن صفة القيومية تعنى كمال الصفات .
كما تعنى صفة الحياة عند اختصاص الله تعالى بها دوام الحياة وأبديتها وأزليتها وفى المقاب ليطلق على كل مخلوق ميت كما فة قوله تعالى (( إنك ميت وإهم ميتون )) ..

إن ما نلاحظه على مدى هذا الكتاب أنه قد انحط عن براهين الخاصة من الفلاسفة والمتكلمين وتعالى عن لغة العامة فلا هو كتاب يصلح للاستدلال العقلى ولا كتاب يصلح للتبشر إلا أن يكون الغرض مجرد التهويش على الناس وإيهامهم بأن ثم منهج عقلى يمكن أن يسوغ تلك العقائد الباطلة .

وكأن سمعان قد شعر بضعف حجته وتهافته فعقد فصلا أخيرا فى هذا الباب وخصصه لدفع ما يمكن أن يوجه إليه من اعتراضات حتى يوهم القارئ بأنه قد استكممل بحثه وسوف نوضح بإذن الله تعالى أن فصله الخامس لم يزد بحثه إلا تهافتا .

 

أنتهى

 

 

 

تعليقات

د\ هشام عزمي

 


بالنسبة لقضية المكان و هل الله يوجد في مكان ، فهي تحتاج إلى تفصيل :
ماذا تقصد بالمكان ؟ هل تقصد بالمكان شيئًا مخلوقًا ؟

إذا أردت هذا المعنى فالله ليس في شيء من مخلوقاته ، و الفكرة التي يريد عوض سمعان أن يسربها هي كون الله غير محدود يقتضي وجوده في كل مكان (مخلوق و غير مخلوق) لأن كونه غير محدود يقتضي - من وجهة نظر عوض سمعان - أن يكون موجودًا في كل شيء في العالم المخلوق و ما وراء العالم أيضًا .

و قبل الرد على هذه الأطروحة نتوجه لعوض سمعان بسؤال : ذلك الموجود في العالم المخلوق ، هل هو الله كله أم جزء منه ؟

إن قلت هو جزء منه ، جعلت الله مركبًا من جزئين : جزء داخل العالم و جزء خارجه .. و الله تعالى لا تركيب فيه و منزه عن التبعيض و التجزئة كما ذكرت في مواضع متعدده من الكتاب .
و إن قلت هو الله كله ، جعلته محدودًا لأن العالم المخلوق محدود و ما كان داخله فهو محدود كذلك .

و في الواقع ، فإن اطروحة عوض سمعان (أن كون الله غير محدود تقتضي وجوده في كل مكان) سببها أن فكرة اللامحدودية عند الكاتب هي لامحدودية في الحجم أو لامحدودية في المساحة كأن الله عنده عبارة عن جسم لامحدود لذا فوجوده المكاني يلتهم كل شيء و كل مكان !

و هو لو أدرك أن الله تعالى ليس شيئًا ماديًا يشغل المكان لما قادته هذه المقدمة (الله غير محدود) إلى هذه النتيجة الباطلة .. لذلك ، فعلى عوض سمعان أن يثبت أن الله تعالى له مساحة غير محدودة أو حجم غير محدود حتى يمكنه إقناع الغير بكلامه .

ثم قوله أن الله غير محدود ليس عليه دليل عقلي !

و ما المقصود به على وجه الدقة ؟!

هل المقصود بها أنه غير محدود في حجمه أو مساحته ؟ أم في علمه ؟ ام قدرته ؟ أم ماذا ؟

ما هو ردك يا عوض سمعان ؟!!

 

 

تعقيب قذافي

الأخوة الكرام
أود أولاً أن أتوجه في بداية مشاركتي الأولى في هذا المنتدى الكريم بجزيل الشكر إلى الشيخ الفاضل أبو مريم على هذا التحليل الممتع , وأود أن أضيف تعليقاً لي لما قرأته من كتاب الله بين الفلسفة والمسيحية للكاتب عوض سمعان.

لماذا ثلاثة أقانيم ؟؟
ولماذا لا يكون واحدا أو اثنين أو أربعة … أو أي عدد آخر ؟؟

يجيب على هذا التساؤل الكاتب المسيحي الأستاذ (عوض سمعان) - في كتابه (الله بين الفلسفة والمسيحية) فيقول:

"
إن العدد ثلاثة هو أول عدد فردي كامل بحيث لا يمكن لأقل منه أن تتوافر فيه خصائص الوحدانية الجامعة المانعة !!
وكما أن الإنسان مكون من ثلاثة أجزاء رئيسية , والحيوانات الراقية مكونة من ثلاثة أجزاء رئيسية , والنباتات الراقية مكونة من ثلاثة أجزاء رئيسية , فكذلك الله مكون من ثلاثة أقانيم !!! "

ويستطرد الأستاذ عوض سمعان في تأكيد التثليث والتدليل على أهمية العدد ثلاثة فيقول :

"
الأمثال العامية تقول ( الحبل المثلوث لا ينقطع ) , ( المرة الثالثة ثابتة ) , من أجل هذا يكون الله أيضا مكون من ثلاثة أجزاء !!!! ".

وتعليقا عما ورد بتعليق الأستاذ عوض سمعان في تفسيره الغريب للتثليث وتدليله عليه :

أولا:
حقيقة لا أدري كيف استباح ذلك الكاتب لنفسه أن يتجرأ ويمثل الخالق العظيم جل وعلى الذي ليس كمثله شئ في الأرض ولا في السماء بمخلوقاته الضعيفة ؟؟
بل كيف وصل به الإسفاف في التشبيه الذي وصل إلى حد الهذيان بتمثيل الله سبحانه وتعالى بالحيوانات والنباتات الراقية ؟؟ , ونحمد الله أنه لم يقوم بتشبيه الله بالحيوانات والنباتات الدنيئة !!

ثانيا:
لا أدري أيضا على أي أساس حسابي أو رياضي أو هندسي أو منطقي أو عقلي بنى ذلك الكاتب قوله أن العدد ثلاثة هو أول عدد فردي تتوافر فيه خصائص الوحدانية ؟؟
هل أسقط الأستاذ عوض سمعان العدد (واحد) من حساباته كأول عدد فردي ؟؟ .. أم أنه لا يدري حقيقة أن العدد (واحد) هو أول الأعداد الفردية ؟؟

ثالثا:
هل أفلس الأستاذ عوض سمعان فلم يجد إلا الأمثال الشعبية الدارجة مثل ( الثالثة ثابتة ) كي يبني عليها افتراضاته ودلائله على أهم مسألة من المسائل التي تختص بموضوع العقيدة ألا وهي التثليث ؟؟
وإذا تمشينا مع استناد الأستاذ عوض سمعان إلى المثال الشعبية التي ذكرها , فهل يكون المثل القائل ( خمسة وخميسة ) دليلا على أن الله له خمسة أقانيم ؟؟

إن استناد الأستاذ عوض سمعان إلى الأمثال الشعبية للتدليل على مسألة هامة وخطيرة مثل مسألة التثليث , يذكرني عندما كنت في أحد الدول الأوروبية وجاءني شاب جزائري مسلم – أو منتسب إلى الإسلام – حيث أنه لا يعرف من شعائر الإسلام أي شئ اللهم إلا وجوب خلع الحذاء قبل الدخول إلى المسجد (إذا كان يدخل المسجد أصلا !) .. جاءني ذلك الشاب وأخبرني أنه قد توصل بالدليل والبرهان وبما لا يدع مجالا للشك إلى حقيقة هامة , وهي أن أهل الكهف الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم كانوا سبعة وثامنهم كلبهم !!
وبرغم أن الله سبحانه وتعالى لم يخبرنا صراحة في القرآن بالعدد الحقيقي لأهل الكهف لحكمة هو يعلمها
وبرغم أن معرفة العدد الحقيقي لأهل الكهف لن يفيد في أي شئ
وبرغم أن الله سبحانه وتعالى ذكر في سورة الكهف بالآية 22 .. " سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا " .. صدق الله العظيم
إلا أنني أردت أن أعرف على أي أساس توصل إلى هذه النتيجة .. وتصورت في البداية أنه قد استند إلى قصة نيام أفسس السبعة الموجودة بالتراث المسيحي والتي تعترف بها الكنيسة المارونية.

ولكنني فوجئت أن ذلك الشاب يخبرني أن دليله هو مثل عامي موجود عندنا في مصر يقول ( سبع صنايع والبخت ضايع ) !!

وقبل أن أفيق من هول الصدمة لأسأله عن العلاقة بين هذا المثل وأهل الكهف , وجدته يبادرني بشرح نظريته العبقرية قائلا : إن السبع صنايع رمز لأهل الكهف الذين كان عددهم سبعة , والبخت الضايع رمز لكلبهم , وكلمة ضايع هي دليل على أنهم ضاعوا في الكهف !!! .. انتهى الشرح والتفسير.
وبعدها قلت له مداعبا : ولكن كلمة ضايع تعود على البخت أو (الكلب) فقط ولا تعود على السبع صنايع أو (أهل الكهف).
فأفحمني بالإجابة القاطعة قائلا أنهم كانوا مرافقين للكلب , ومادام الكلب ضاع فبالتالي هم أيضا ضاعوا معه .

الأخوة القراء
لم أرد أن أضيع وقتكم عبثا بذكر هذه القصة السخيفة , ولكني أردت أن أوضح أن الأستاذ عوض سمعان قد اتبع نفس طريقة التفكير الساذجة ذلك الشاب الجزائري.
الشاب الجزائري يقول ( سبع صنايع والبخت ضايع ) والأستاذ عوض سمعان يقول ( الثالثة ثابتة ).

رابعا:
يبدو أن الأستاذ عوض سمعان قد تشبع بالتثليث , فأصبح يرى في كل شئ حوله دلالة على التثليث.
فطبيعة الإنسان دليل على التثليث !!!
والحيوانات الراقية دليل على التثليث !!!
والنباتات الراقية دليل على التثليث !!!
والحبال المثلثة دليل على التثليث !!!
والثالثة ثابتة دليل على التثليث !!!

ويخيل إلي أن الأستاذ عوض سمعان يكاد يفسر أيضا الأغنية الشعبية الشهيرة ( إسح .. إندح .. أمبو ..إدي الواد لأبوه ) على أنها دليل على التثليث فيقول:
أن جملة ( إسح .. إندح .. أمبو ) هي رمز ( الأب .. الابن .. الروح القدس )
وأن جملة ( إدي الواد لأبوه ) هي كناية عن صعود الابن وجلوسه على يمين أبيه
وأن جملة ( يعيني الواد بيعيط ) هي كناية عن تحمل المسيح لأوجاعنا وآلامنا
أما باقي الأغنية ( متشيل الواد من الأرض … الواد عطشان اسقوه ) فهي حقيقة ليس عليك أن تفهمها ولكن عليك أن تقبلها !!!

لقد أردت أن أوضح للأخوة القراء بهذا المثل , هو أنه من السهل جدا على أي أحد أن يثبت (بالعافية) التثليث .. حتى بالاستناد إلى الأغاني الشعبية !!!
مما سبق يتضح أن التثليث غير منطقي , وأن أي محاولة لشرحه وتفسيره هي محاولة فاشلة كمن يحاول أن يثبت أن العدد واحد هو نفس العدد ثلاثة.

وأكرر مرة أخري لكل النصارى أن عقلهم ملكهم .. فلا يعطوه لأحد

 

 

 

الأخوة الكرام
لازلنا مع طرائف وغرائب عوض سمعان في كتابه الله بين الفلسفة والمسيحية
فأرجو قراءة هذه الرسالة للأهمية

ما رأي الأخوة القراء لو طفح أحد المتفلسفين عليهم من عصارة مخه بنظرية عبقرية وفذة يحاول أن يثبت من خلالها ذلك " المتفلسف العبقري " أن حاصل جمع واحد + واحد = واحد .. وليس اثنين ؟؟ .. بالطبع ستقولون أنه إنسان سفيه ومختل.

وما رأي الأخوة القراء إذا ذلك " العبقري " يعتبره النصارى أحد مفكريهم وعلمائهم ؟؟

وقبل أن أستطرد في موضوع ذلك " الفيلسوف العبقري " .. فأنا أدعو كل الأخوة القراء أولا لقراءة الصفحة رقم 97 وما بعدها من كتاب (الله بين الفلسفة والمسيحية) للكاتب النصراني (عوض سمعان) , والذي يحاول فيه أن يشرح ويحلل طبيعة الله وتكوينه المثلث كما يدعي – سبحان الله وتعالى عما يصفون .

وسوف يستطيع الأخوة القراء من خلال المحاولة اليائسة لذلك الكاتب وفشله في تفسير التثليث , أن يلمسوا بأنفسهم مدى فساد عقيدة التثليث لدى النصارى وافتقادها لأي منطق ورفض العقل لها.

يقول الكاتب المسيحي عوض سمعان في محاولته لتفسيره التثليث بالنص وبالحرف ما يلي:

الله واحد وثالوث , فهو واحد من جهة وثالوث من جهة أخرى !!!!
(
أرجو ملاحظة التناقض في الله واحد وثالوث )

ويقول الكاتب : فكما أن الإنسان واحد في مظهره وفي الوقت نفسه هو جوهريا مكون من ثلاثة عناصر هي الجسد والنفس والروح , كذلك الله فهو واحد من جهة وجامع وشامل من جهة أخرى دون أي تعارض أو تناقض في ذاته !!!؟؟؟!!!

وأرجو هنا ملاحظة الانحدار في تشبيه طبيعة الله الذي ليس كمثله شئ بالإنسان , هذا بالإضافة إلى فساد وجه المقارنة حيث أن الجسد والنفس والروح في الإنسان ليست أقانيم تظهر منفصلة عن بعضها البعض وتحادث بعضها بعضا وتصلي إحداها للأخرى كما صوروا الله بهذه الصورة !!

1)
فلا يمكن أن نتصور أن جسدنا يمكن أن ينفصل عن روحنا ويكون حيا كما هو ولا يموت .. كما كان أقنوم الابن – على حد زعم النصارى - كائنا بذاته ومنفصلا انفصالا تاما عن أقنوم الأب.
2)
ولا يمكن كذلك أن نتصور أن يخاطب جسدنا روحنا كطرف آخر مستقل , ويصلي لها ويتوسل إليها .. كما كان يفعل المسيح عليه السلام في صلاته وتوسلاته إلى الله التي يخبرنا بها الكتاب المقدس.
3)
وبالطبع لا يمكن أن نتصور أيضا أن يموت جسدنا - الذي افترضنا أنه لم يمت - عندما انفصل عن روحنا كأقنوم
4)
ثم يصعد جسدنا بعد أن مات وعاد إلى الحياة مرة أخرى إلى روحنا التي كان قد انفصل عنها ولم يمت ليجلس على يمينها !!
5)
كل هذا .. ونفسنا واقفة في النص ما بينهم بتتفرج عليهم !!!

ومما سبق يتضح مدى ( هبالة وعبط ) الفكرة العبقرية في تشبيه الله تعالى بالإنسان في جسده وروحه ونفسه.

ويستطرد الكاتب فيقول : فالله واحد من جهة الجوهر أو الباطن وهو جامع من جهة التعين أو الظاهرية !!!!
(
وأرجو هنا ملاحظة التناقض بين .. واحد من جهة – جامع من جهة أخرى )

ويضيف كاتبنا الفذ : وجوهر الله يسمى اللاهوت , أي الله في جوهره , وهذا الجوهر نفسه بالنظر إلى تعينه وظهوره هو الله !!!!
(
وأرجو هنا ملاحظة مدى الإفلاس والهذيان وذكر مترادفات ليس لها أي معنى منطقي حيث يشبه الماء بالماء , فيذكر العلاقة بين المشبه والمشبه به أولا , ثم يعود مرة أخرى بذكر نفس العلاقة مع ذكر المشبه به أولا قبل المشبه كي يوحي للقارئ أنه يأتي بفلسفة عميقة)

ثم يطفح علينا مرة أخرى بأفكاره ويقول : فالله هو اللاهوت معينا واللاهوت هو الله جوهرا , أي أن الله هو اللاهوت ظاهرا , واللاهوت هو الله مستترا , والله واللاهوت واحد !!!؟؟؟!!

(
وبصرف النظر عن ذلك العبث والهذيان , إلا أننا نجد أن الكاتب يقول هنا أن الله هو اللاهوت معينا وفي نفس الوقت اللاهوت ظاهرا , ومعنى هذا أنه يقصد هنا أن اللاهوت هو تعين الله أو ظهور الله !

ولكننا نجد أن ذلك الكاتب في نفس هذه الجملة يناقض نفسه ويذكر غير هذا فيقول أن اللاهوت هو الله جوهرا ومستترا , أي أن تعريف الله باللاهوت يناقض تعريف اللاهوت بالله ويخالفه .. أي أن العلاقة بين المشبه والمشبه به تختلف عن نفس العلاقة إذا نظرنا إليها بالعكس بين المشبه به والمشبه !!!!؟؟!!

وأخيرا .. يذكر ذلك الكاتب في نهاية الجملة بعد كل هذا المجهود والتناقض والعبث ببساطة وبغرابة أن الله واللاهوت واحد .. وأترك لكم التعليق

ويستطرد الكاتب العبقري في شرح طبيعة الله – سبحانه وتعالى عما يصفون – وتشريحه قائلا :

لأن جوهر الله هو عين تعينه , وتعينه هو عين جوهره !!!؟؟؟!!!
إن الله ليس تعينا واحدا بل تعينات !!!!؟؟؟؟!!
وكل جزء من هذه التعينات ليس جزءا من ذات الله بل هي عين ذاته , أي هو ذات الله نفسها بكل خصائصها وصفاتها الذاتية !!!؟؟؟!!
ولذلك يكون كل تعين من هذه التعينات هو الله وهذه التعينات تسمى الأقانيم !!!؟؟!!
فالأقانيم هي تعينات اللاهوت أو هم اللاهوت معينا , أي اللاهوت معلنا في ذاته وصفاته !!!؟؟!!

أما ذلك الخرف فإنه يشبه لي بالذي يحاول أن يثبت أن حاصل جمع (واحد) + (واحد) = (واحد).. وليس (اثنين) فيقول:

إن (الواحد) الذي على يمين علامة (+) هو نفس (الواحد) الذي على يسار علامة (+)
كما أن ذلك (الواحد) هو نفس (الواحد) الذي على يسار علامة (=) في الطرف الآخر من المعادلة
ولكن رقم (واحد) الذي على يمين علامة (+) يختلف عن رقم (واحد) الذي على يسار علامة (+)
ولكنهما في النهاية جوهر واحد وإن اختلفوا من حيث الوظيفة أو التعين
وحيث أن حاصل ضرب (واحد) x (واحد) = (واحد)
 (
واحد) = (واحد)¸وحيث أن حاصل قسمة (واحد)
ولذلك فنستطيع أن نستنتج بمنتهى البساطة أن حاصل جمع (واحد) + (واحد) = (واحد) .. وليس (اثنين)

إنتهى الشرح .. تصفيق حاد

الأخوة القراء إن هذا العبث الذي ذكرته كان من تأليف الكاتب النصراني عوض سمعان في كتابه (الله بين الفلسفة والمسيحية) .. وأعتقد أنكم في النهاية تستطيعون الحكم على مدى فساد عقيدتهم .

وأنا أتحدى أي نصراني أن يقوم بشرح ذلك الخرف الذي ذكره عوض سمعان
وفي النهاية .. سنجد أن النصارى سيقومون بتبرير فشلهم في الفهم والشرح بأن المسلمين لا يفهمون هذا " الكلام الكبير "


ولذلك فإنني أتوجه إلى الأخوة النصارى في الوطن بقراءة ذلك الكلام الذي يمس عصب عقيدتهم , وأن يتفكروا بهدوء وروية , وأن يبحثوا عن الحقيقة.
فالمسألة ليست مسألة تحدي وعراك
فالمنتصر الوحيد في هذا النقاش هو الذي يعرف الحق بعقله ويطمئن له قلبه

وإلى لقاء آخر بمشيئة الله تعالى