.
إعراب الاستعاذة
(أعوذ) أصله أعوذ بسكون العين وضم الواو مثل أقتل، فاستثقلت الضمة على الواو فنقلت إلى العين وبقيت ساكنة، ومصدره عوذ وعياذ ومعاذ، وهذا تعليم، والتقدير فيه: قل أعوذ.
(والشيطان) فيعال من شطن يشطن إذا بعد، ويقال فيه شاطن وتشطين، وسمى بذلك كل متمرد لبعد غوره في الشر، وقيل هو فعلان من شاط يشيط إذا هلك فالتمرد هالك بتمرده، ويجوز ان يكون سمى بفعلان لمبالغته في إهلاك غيره، و (الرجيم) فعيل بمعنى مفعول: أى مرجوم بالطرد واللعن، وقيل هو فعيل بمعنى فاعل: أى يرجم غيره بالاغواء.
إعراب التسمية
الباء في (بسم) متعلقة بمحذوف، فعند البصريين المحذوف مبتدأ والجار والمجرور خبره، والتقدير ابتدائى بسم الله، أى كائن باسم الله فالباء متعلقة بالكون والاستقرار، وقال الكوفيون: المحذوف فعل تقديره ابتدأت أو أبدأ فالجار والمجرور في موضع نصب بالمحذوف وحذفت الالف من الخط لكثرة الاستعمال، فلو قلت لاسم الله بركة أو باسم ربك أثبت الالف في الخط، وقيل حذفوا الالف لانهم حملوه على سم وهى لغة في اسم، ولغاته خمس: سم بكسر السين وضمها، واسم بكسر الهمزة وضمها، وسمى مثل ضحى، والاصل في اسم سمو، فالمحذوف منه لامه، يدل على ذلك قولهم في جمعه أسماء وأسامى، وفى تصغيره سمى، وبنوا منه فعيلا فقالوا: فلان سميك أى اسمه كاسمك، والفعل منه سميت وأسميت، فقد رأيت كيف رجع المحذوف إلى آخره.
وقال الكوفيون: أصله وسم لانه من الوسم وهو العلامة، وهذا صحيح في المعنى فاسد اشتقاقا.
فإن قيل: كيف أضيف الاسم إلى الله، والله هو الاسم؟ قيل: في ذلك ثلاثة أوجه: أحدهما أن الاسم هنا بمعنى التسمية، والتسمية غير الاسم، لان الاسم هو اللازم للمسمى، والتسمية هو التلفظ بالاسم، والثانى أن في الكلام حذف مضاف تقديره باسم مسمى الله، والثالث أن اسم زيادة، ومن ذلك قوله: * إلى الحول ثم اسم السلام عليكما * وقول الآخر: * داع يناديه باسم الماء * أى السلام عليكما ونناديه بالماء
[5]
والاصل في الله الالاه، فألقيت حركة الهمزة على لام المعرفة، ثم سكنت وأدغمت في اللام الثانية ثم فخمت إذا لم يكن قبلها كسرة، ورققت إذا كانت قبلها كسرة، ومنهم من يرققها في كل حال، والتفخيم في هذا الاسم من خواصه.
وقال أبوعلي: همزة إلاه حذفت حذفا من غير إلقاء، وهمزة إلاه أصل وهو من أله يأله إذا عبد، فالاله مصدر في موضع المفعول أى المألوه وهو المعبود، وقيل أصل الهمزة واو لانه من الوله فالاله تتوله إليه القلوب: أى تتحير، وقيل أصله لاه على فعل، وأصل الالف ياء لانهم قالوا في مقلوبه لهى أبوك، ثم أدخلت عليه الالف واللام (الرحمن الرحيم) صفتان مشتقتان من الرحمة والرحمن من أبنية المبالغة، وفى الرحيم مبالغة أيضا إلا أن فعلانا أبلغ من فعيل، وجرهما على الصفة، والعامل في الصفة هو العامل في الموصوف، وقال الاخفش: العامل فيها معنوى وهو كونها تبعا، ويجوز نصبهما على إضمار أعنى ورفعهما على تقدير هو.
 
سورة الفاتحة
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الجمهور على رفع (الحمد) بالابتداء و (لله) الخبر واللام متعلقة بمحذوف أى واجب أو ثابت، ويقرأ الحمد بالنصب على أنه مصدر فعل محذوف، أى أحمد الحمد، والرفع أجود لان فيه عموما في المعنى، ويقرأ بكسر الدال إتباعا لكسرة اللام كما قالوا المعيرة ورغيف وهو ضعيف في الآية لان فيه إتباع الاعراب البناء، وفى ذلك إبطال للاعراب، ويقرأ بضم الدال واللام على إتباع اللام الدال، وهو ضعيف أيضا لان لام الجر متصل بما بعده منفصل عن الدال، ولا نظير له في حروف الجر المفردة إلا أن من قرأ به فر من الخروج من الضم إلى الكسر وأجراه مجرى المتصل، لانه لا يكاد يستعمل الحمد منفردا عما بعده، والرب مصدر رب يرب، ثم جعل صفة كعدل وخصم، وأصله راب وجره على الصفة أو البدل، وقرئ بالنصب على إضمار أعنى، وقيل على النداء، وقرئ بالرفع على إضمار هو (العالمين) جمع تصحيح واحده عالم، والعالم اسم موضوع للجمع ولا واحد له في اللفظ، واشتقاقه من العلم عند من خص العالم بمن يعقل، أو من العلامة عند من جعله لجميع المخلوقات، وفى (الرحمن الرحيم) الجر والنصب والرفع، وبكل قرئ على ماذكرناه في رب قوله تعالى (ملك يوم الدين) يقرأ بكسر اللام من غير ألف، وهو من عمر ملكه، يقال ملك بين الملك بالضم، وقرئ بإسكان اللام وهو من تخفيف
[6]
المكسور مثل فخذ وكتف، وإضافته على هذا محضة وهو معرفة، فيكون جره على الصفة أو البدل من الله، ولاحذف فيه على هذا، ويقرأ بالالف والجر، وهو على هذا نكرة، لان اسم الفاعل إذا أريد به الحال أو الاستقبال لا يتعرف بالاضافة، فعلى هذا يكون جره على البدل لا على الصفة، لان المعرفة لاتوصف بالنكرة، وفى الكلام حذف مفعول تقديره: مالك أمر يوم الدين، أو مالك يوم الدين الامر، وبالاضافة لى يوم خرج عن الظرفية، لانه لايصح فيه تقدير في، لانها تفصل بين المضاف والمضاف إليه، ويقرأ مالك بالنصب على أن يكون بإضمار أعنى أو حالا، وأجاز قوم أن يكون نداء، ويقرأ بالرفع على إضمار هو أو يكون خبرا للرحمن الرحيم على قراء‌ة من رفع الرحمن، ويقرأ مليك يوم الدين رفعا ونصبا وجرا، ويقرأ ملك يوم الدين على أنه فعل ويوم مفعول أو ظرف، والدين مصدر دان يدين.
قوله تعالى (إياك) الجمهور على كسرة الهمزة وتشديد الياء، وقرئ شاذا بفتح الهمزة، والاشبه أن يكون لغة مسموعة، وقرئ بكسر الهمزة وتخفيف الياء، والوجه فيه أنه حذف إحدى الياء‌ين لاستثقال التكرير في حرف العلة، وقد جاء ذلك في الشعر، قال الفرزدق:
تنظرت نصرا والسماكين أيهما * علي مع الغيث استهلت مواطره
وقالوا في أما: أيما، فقلبوا الميم ياء كراهية التضعيف، وإيا عند الخليل وسيبويه اسم مضمر، فأما الكاف فحرف خطاب عند سيبويه لاموضع لها، ولاتكون اسما لانها لو كانت اسما لكانت إيا مضافة إليها والمضمرات لاتضاف، وعند الخليل هى اسم مضمر أضيفت إيا إليه، لان إيا تشبه المظهر لتقدمها على الفعل والفاعل ولطولها بكثرة حروفها، وحكى عن العرب: إذا بلغ الرجل الستين فإياه وإيا الشواب.
وقال الكوفيون: إياك بكمالها اسم وهذا بعيد، لان هذا الاسم يختلف آخره بحسب اختلاف المتكلم والمخاطب والغائب فيقال: إياى وإياك وإياه.
وقال قوم: الكاف اسم وإيا عماد له وهو حرف، وموضع إياك نصب بنعبد.
فإن قيل: إياك خطاب والحمد لله على لفظ الغيبة، فكان الاشبه أن يكون إياه.
قيل: عادة العرب الرجوع من الغيبة إلى الخطاب، ومن الخطاب إلى الغيبة.
وسيمر بك من ذلك مقدار صالح من القرآن.
[7]
قوله تعالى (نستعين) الجمهور على فتح النون، وقرئ بكسرها وهى لغة، وأصله نستعون نستفعل من العون فاستقلت الكسرة على الواو فنقلت إلى العين ثم قلبت ياء لسكونها وإنكسار ماقبلها.
قوله تعالى (اهدنا) لفظه أمر والامر مبنى على السكون عند البصريين، ومعرب عند الكوفيين، فحذف الياء عند البصريين علامة السكون الذى هو بناء، وعند الكوفيين، هو علامة الجزم، وهدى يتعدى إلى مفعول بنفسه فأما تعديه إلى مفعول آخر فقد جاء متعديا إليه بنفسه ومنه هذه الآية، وقد جاء متعديا بإلى كقوله تعالى: " هدانى ربي إلى صراط مستقيم "، وجاء متعديا باللام، ومنه قوله تعالى: " الذى هدانا لهذا ".
و (السراط) بالسين هو الاصل لانه من سرط الشئ إذا بلعه، وسمى الطريق سراطا لجريان الناس فيه كجريان الشئ المبتلع، فمن قرأه بالسين جاء به على الاصل، ومن قرأه بالصاد قلب السين صادا لتجانس الطاء في الاطباق، والسين تشارك الصاد في الصفير والهمس، فلما شاركت الصاد في ذلك قربت منها، فكانت مقاربتها لها مجوزة قلبها إليها لتجانس الطاء في الاطباق، ومن قرأ بالزاى قلب السين زايا، لان الزاى والسين من حروف الصفير، والزاى أشبه بالطاء لانهما مجهورتان، ومن أشم الصاد زايا قصد أن يجعلها بين الجهر والاطباق، وأصل (المستقيم) مستقوم ثم عمل فيه ماذكرنا في نستعين، ومستفعل هنا بمعنى فعيل: أى السراط القويم، ويجوز أن يكون بمعنى القائم، أى الثابت، وسراط الثانى بدلا من الاول، وهو بدل الشئ وهما بمعنى واحد وكلاهما معرفة، والذين اسم موصول وصلته أنعمت، والعائد عليه الهاء والميم، والغرض من وضع الذى وصف المعارف بالجمل، لان الجمل تفسر بالنكرات والنكرة لاتوصف بها المعرفة، والالف واللام في الذى زائدتان وتعريفها بالصلة، ألا ترى أن " من " و " ما " معرفتان ولا لام فيهما فدل أن تعرفهما بالصلة.
والاصل في الذين اللذيون، لان واحده الذى، إلا أن ياء الجمع حذفت ياء الاصل لئلا يجتمع ساكنان، والذين بالياء في كل حال لانه اسم مبنى، ومن العرب من يجعله في الرفع بالواو، وفى الجر والنصب بالياء كما جعلوا تثنيته بالالف في الرفع وبالياء في الجر والنصب.
وفى الذى خمس لغات: إحداها الذى بلام مفتوحة من غير لام التعريف، وقد قرئ به شاذا، والثانية الذى بسكون الياء، والثالثة بحذفها وإبقاء كسرة الذال، والرابعة حذف الياء وإسكان الذال، والخامسة بياء مشددة.
[8]
قوله تعالى (غير المغضوب) يقرأ بالجر، وفيه ثلاثة أوجه: أحدها أنه بدل من الذين.
والثانى أنه بدل من الهاء والميم في عليهم.
والثالث أنه صفة للذين.
فإن قلت: الذين معرفة وغير لا يتعرف بالاضافة فلا يصح أن يكون صفة له.
ففيه جوابان: أحدهما أن غير إذا وقعت بين متضادين وكانا معرفتين تعرفت بالاضافة كقولك: عجبت من الحركة غير السكون، وكذلك الامر هنا لان المنعم عليه والمغضوب عليه متضادان.
والجواب الثانى أن الذين قريب من النكرة لانه لم يقصد به قصد قوم بأعيانهم وغير المغضوب قريبة من المعرفة بالتخصيص الحاصل لها بالاضافة فكل واحد منهما فيه إبهام من وجه واختصاص من وجه.
ويقرأ غير بالنصب، وفيه ثلاثة أوجه:
أحدهما أنه حال من الهاء والميم والعامل فيها أنعمت، ويضعف أن يكون حالا من الذين لانه مضاف إليه، والصراط لا يصح أن يعمل بنفسه في الحال، وقد قيل إنه ينتصب على الحال من الذين ويعمل فيها معنى الاضافة.
والوجه الثاني أنه ينتصب على الاستثناء من الذين أو من الهاء والميم.
والثالث أنه ينتصب بإضمار أعنى والمغضوب مفعول من غضب عليه، وهو لازم والقائم مقام الفاعل عليهم، والتقدير غير الفريق المغضوب، ولا ضمير في المغضوب لقيام الجار والمجرور مقام الفاعل، ولذلك لم يجمع فيقال الفريق المغضوبين عليهم، لان اسم الفاعل والمفعول إذا عمل فيما بعده لم يجمع جمع السلامة (ولا الضالين) " لا " زائدة عند البصريين للتوكيد، وعند الكوفيين هى بمعنى غير، كما قالوا: جئت بلا شئ فأدخلوا عليها حرف الجر فيكون لها حكم غير.
وأجاب البصريون عن هذا بأن " لا " دخلت للمعنى فتخطاها العامل كما يتخطى الالف واللام والجمهور على ترك الهمز في الضالين: وقرأ أيوب السختيانى بهمزة مفتوحة وهى لغة فاشية في العرب في كل ألف وقع بعدها حرف مشدد نحو: ضال ودابة وجان، والعلة في ذلك أنه قلب الالف همزة لتصح حركتها لئلا يجمع بين ساكنين.
فصل:
وأما آمين فاسم للفعل ومعناها اللهم استجب، وهو مبنى لوقوعه موقع المبنى، وحرك بالفتح لاجل الياء قبل آخره كما فتحت أين، والفتح فيها أقوى لان قبل الياء كسرة، فلو كسرت النون على الاصل لوقعت الياء بين كسرتين.
وقيل (آمين): اسم من أسماء الله تعالى، وتقديره: ياآمين، وهذا خطأ لوجهين: أحدهما أن أسماء الله لاتعرف إلا تلقيا ولم يرد بذلك سمع. والثانى أنه لو كان كذلك لبنى على الضم لانه منادى معرفة أو مقصود، وفيه لغتان: القصر وهو الاصل، والمد وليس من الابنية
[9]
العربية، بل هو من الابنية الاعجمية كهابيل وقابيل والوجه فيه أن يكون أشبع فتحة الهمزة فنشأت الالف، فعلى هذا لاتخرج عن الابنية العربية.
فصل
: في هاء الضمير نحو: عليهم وعليه وفيه وفيهم وإنما أفردناه لتكرره في القرآن.
الاصل في هذه الهاء الضم لانها تضم بعد الفتحة والضمة والسكون نحو: إنه وله وغلامه ويسمعه ومنه، وإنما يجوز كسرها بعد الياء نحو: عليهم وأيديهم، وبعد الكسر نحو: به وبداره، وضمها في الموضعين جائز لانه الاصل، وإنما كسرت لتجانس ماقبلها من الياء والكسرة، وبكل قد قرئ.
فأما عليهم ففيها عشر لغات، وكلها قد قرئ به: خمس مع ضم الهاء، وخمس مع كسرها، فالتى مع الضم: إسكان الميم وضمها من غير إشباع، وضمها مع واو، وكسر الميم من غير ياء، وكسرها مع الياء، وأما التي مع كسر الهاء: فإسكان الميم وكسرها من غير ياء وكسرها مع الياء، وضمها من غير واو، وضمها مع الواو، والاصل في ميم الجمع أن يكون بعدها واو كما قرأ ابن كثير، فالميم لمجاوزة الواحد، والالف دليل التثنية نحو: عليهما، والواو للجمع نظير الالف، ويدل على ذلك أن علامة الجماعة في المؤنث نون مشددة نحو: عليهن، فكذلك يجب أن يكون علامة الجمع للمذكر حرفين، إلا أنهم حذفوا الواو تخفيفا، ولا لبس في ذلك لان الواحد لاميم فيه، والتثنية بعد ميمها ألف، وإذا حذفت الواو سكنت الميم لئلا تتوالى الحركات في أكثر المواضع نحو: ضربهم ويضربهم، فمن أثبت الواو أو حذفها وسكن الميم فلما ذكرنا، ومن ضم الميم دل بذلك على أن أصلها الضم وجعل الضمة دليل الواو المحذوفة، ومن كسر الميم وأتبعها ياء فإنه حرك الميم بحركة الهاء المكسورة قبلها ثم قلب الواو ياء لسكونها وانكسار ماقبلها، ومن حذف الياء جعل الكسرة دليلا عليها، ومن كسر الميم بعد ضمة الهاء فإنه أراد أن يجانس بها الياء التى قبل الهاء، ومن ضم الهاء قال: إن الياء في عليه حقها أن تكون ألفا كما ثبتت الالف مع المظهر وليست الياء أصل الالف، فكما أن الهاء تضم بعد الالف فكذلك تضم بعد الياء المبدلة منها، ومن كسر الهاء اعتبر اللفظ، فأما كسر الهاء وإتباعها بياء ساكنة فجائز على ضعف، أما جوازه فلخفاء الهاء بينت بالاشباع، وأما ضعفه فلان الهاء خفية والخفى قريب من الساكن والساكن غير حصين، فكأن الياء وليت الياء، وإذا لقى الميم ساكن بعدها جاز ضمها نحو: عليهم الذلة، لان أصلها الضم، وإنما أسكنت تخفيفا، فإذا احتيج إلى حركتها كان الضم الذى هو حقها في الاصل أولى ويجوز كسرها إتباعا لما قبلها.
[10]
وأما: فيه ويليه، ففيه الكسر من غير إشباع، وبالاشباع، وفيه الضم من غير إشباع وبالاشباع، وأما إذا سكن ماقبل الهاء نحو: منه وعنه وتجدوه، فمن ضم من غير أشباع فعلى الاصل، ومن أشبع أراد تبيين الهاء لخفائها.
 
سورة البقرة
بسم اللّه الرحمن الرحيم
قوله تعالى (الم) هذه الحروف المقطعة كل واحد منها اسم، فألف اسم يعبر به عن مثل الحرف الذى في قال، ولام يعبر بها عن الحرف الاخير من قال، وكذلك ماأشبهها، والدليل على أنها أسماء أن كلا منها يدل على معنى في نفسه، وهى مبنية لانك لاتريد أن تخبر عنها بشئ، وإنما يحكى بها ألفاظ الحروف التى جعلت أسماء لها فهى كالاصوات نحو: غاق، في حكاية صوت الغراب.
وفى موضع الم ثلاثة أوجه: أحدها الجر على القسم، وحرف القسم محذوف وبقى عمله بعد الحذف لانه مراد، فهو كالملفوظ به كما قالوا الله ليفعلن في لغة من جر، والثانى: موضعها نصب، وفيه وجهان: أحدهما هو على تقدير حذف القسم كما تقول الله لافعلن والناصب فعل محذوف تقديره: التزمت الله، أى اليمين به، والثانى هى مفعول بها تقديره اتل الم. والوجه الثالث: موضع رفع بأنها مبتدأ وما بعدها الخبر.
قوله عزوجل (ذلك) ذا اسم إشارة والالف من جملة الاسم.
وقال الكوفيون الذال وحدها هى الاسم، والالف زيدت لتكثير الكلمة، واستدلوا على ذلك بقولهم ذه أمة الله، وليس ذلك بشئ لان هذا الاسم اسم ظاهر، وليس في الكلام اسم ظاهر على حرف واحد حتى يحمل هذا عليه، ويدل على ذلك قولهم في التصغير: ذيا فردوه إلى الثلاثى والهاء في ذه بدل من الياء في ذى.
وأما اللام فحرف زيد ليدل على بعد المشار إليه، وقيل هى بدل من ها، ألا تراك تقول: هذا وهذاك ولا يجوز هذلك، وحركت اللام لئلا يجتمع ساكنان وكسرت على أصل التقاء الساكنين، وقيل كسرت للفرق بين هذه اللام ولام الجر، إذ لو فتحتها فقلت ذلك لالتبس بمعنى الملك، وقيل ذلك هاهنا بمعنى هذا، وموضعه رفع إما على أنه خبر الم والكتاب عطف بيان ولاريب في موضع نصب على الحال أى هذا الكتاب حقا أو غير ذى شك وإما أن يكون ذلك مبتدأ والكتاب خبره ولاريب حال، ويجوز أن يكون الكتاب عطف بيان ولاريب فيه الخبر، وريب مبنى على الاكثرين لانه ركب مع لا وصير
[11]
بمنزلة خمسة عشر، وعلة بنائه تضمنه معنى من، إذ التقدير لا من ريب، واحتيج إلى تقدير من لتدل لا على نفى الجنس، ألا ترى أنك تقول: لا رجل في الدار، فتنفى الواحد ومازاد عليه، فإن قلت لا رجل في الدار فرفعت ونونت نفيت الواحد ولم تنف ما زاد عليه، إذ يجوز أن يكون فيها اثنان أو أكثر. وقوله (فيه) فيه وجهان:
أحدهما هو في موضع خبر لا ويتعلق بمحذوف تقديره، لا ريب كائن فيه، فيقف حينئذ على فيه.
والوجه الثانى: أن يكون لاريب آخر الكلام وخبره محذوف للعلم به، ثم تستأنف فتقول فيه هدى فيكون هدى مبتدأ وفيه الخبر، وإن شئت كان هدى فاعلا مرفوعا بفيه ويتعلق " في " على الوجهين بفعل محذوف، وأما هدى فألفه منقلبة عن ياء لقولك هديت والهدى، وفى موضعه وجهان: أحدهما رفع إما مبتدأ أو فاعل على ماذكرنا، وإما أن يكون خبر مبتدإ محذوف، أى هو هدى، وإما أن يكون خبرا لذلك بعد خبر. والوجه الثانى: أن يكون في موضع نصب على الحال من الهاء في فيه: أى لاريب فيه هاديا فالمصدر في معنى اسم الفاعل، والعامل في الحال معنى الجملة تقديره: أحققه هاديا، ويجوز أن يكون العامل فيه معنى التنبيه والاشارة الحاصل من قوله ذلك.
قوله تعالى (للمتقين) اللام متعلقة بمحذوف تقديره كائن أو كائنا على ماذكرناه من الوجهين في الهدى، ويجوز أن يتعلق اللام بنفس الهدى لانه مصدر والمصدر يعمل عمل الفعل، وواحد المتقين متقى، وأصل الكلمة من وقى فعل، ففاؤها واو ولامها ياء، فإذا بنيت من ذلك افتعل قلبت الواو تاء وأدغمتها في التاء الاخرى فقلت اتقى، وكذلك في اسم الفاعل وما تصرف منه نحو متقى ومتقى ومتقى اسم ناقص، وياؤه التى هى لام محذوفة في الجمع لسكونها وسكون حرف الجمع بعدها كقولك: متقون ومتقين، ووزنه في الاصل مفتعلون، لان أصله موتقيون فحذفت اللام لما ذكرنا فوزنه الآن مفتعون ومفتعين، وإنما حذفت اللام دون علامة الجمع لان علامة الجمع دالة على معنى إذا حذفت لايبقى على ذلك المعنى دليل، فكان إبقاؤها أولى.
قوله تعالى (الذين يؤمنون) هو في موضع جر صفة المتقين، ويجوز أن يكون في موضع نصب إما على موضع للمتقين أو بإضمار أعنى، ويجوز أن يكون في موضع رفع على إضمارهم أو مبتدأ وخبره أولئك على هدى وأصل يؤمنون يؤمنون، لانه من الامن والماضى منه آمن فالالف بدل من همزة ساكنة قلبت ألفا كراهية اجتماع همزتين، ولم يحققوا الثانية في موضع ما لسكونها وانفتاح ما قبلها، ونظيره في الاسماء
[12]
آدم آخر، فأما في المستقبل فلا تجمع بين الهمزتين اللتين هما الاصل، لان ذلك يفضى بك في المتكلم إلى ثلاث همزات: الاولى همزة المضارعة، والثانية همزة أفعل التى في آمن، والثالثة الهمزة التى هى فاء الكلمة، فحذفوا الوسطى كما حذفوها في أكرم لئلا تجتمع الهمزات، وكان حذف الوسطى أولى من حذف الاولى لانها حرف معنى، ومن حذف الثالثة لان الثالثة فاء الكلمة والوسطى زائدة، وإذا أردت تبين ذلك فقل: إن آمن أربعة أحرف فهو مثل دحرج، فلو قلت أدحرج لاتيت بجميع ماكان في الماضى وزدت عليه همزة المتكلم، فمثله يجب أن يكون في أومن، فالباقى من الهمزات الاولى والواو التى بعدها مبدلة من الهمزة الساكنة التى هى فاء الكلمة والهمزة الوسطى هى المحذوفة وإنما قلبت الهمزة الساكنة واوا لسكونها وانضمام ماقبلها، فإذا قلت نؤمن وتؤمن ويؤمن جاز لك فيه وجهان: أحدهما الهمز على الاصل، والثانى قلب الهمزة واوا تخفيفا، وحذفت الهمزة الوسطى حملا على أومن والاصل يؤمن، فأما أؤمن فلا يجوز همز الثانية بحال لما ذكرناه، والغيب هنا مصدر بمعنى الفاعل: أى يؤمنون بالغائب عنهم، ويجوز أن يكون بمعنى المفعول: أى المغيب كقوله: هذا خلق الله: أى مخلوقه، ودرهم ضرب الامير: أى مضروبه.
قوله عزوجل (ويقيمون) أصله يؤقومون: وماضيه أقام، وعينه واو لقولك فيه يقوم، فحذفت الهمزة كما حذفت في أقيم لاجتماع الهمزتين، وكذلك جميع مافيه حرف مضارعة لئلا يختلف باب أفعال المضارعة، وأما الواو فعمل فيها ماعمل في نستعين، وقد ذكرناه، وألف الصلاة منقلبة عن واو لقولك: صلوات، والصلاة مصدر صلى ويراد بها هاهنا الافعال والاقوال المخصوصة فلذلك جرت مجرى الاسماء غير المصادر.
قوله تعالى (ومما رزقناهم) من متعلقة بينفقون، والتقدير: وينفقون مما رزقناهم، فيكون الفعل قبل المفعول كما كان قوله يؤمنون ويقيمون كذلك، وإنما أخر الفعل عن المفعول لتتوافق رء‌وس الآى، وما بمعنى الذى، ورزقنا يتعدى إلى مفعولين، وقد حذف الثانى منهما هنا وهو العائد على " ما " تقديره: رزقناهموه أو رزقناهم إياه، ويجوز أن تكون مانكرة موصولة بمعنى شئ، أى ومن مال رزقناهم فيكون رزقناهم في موضع جر صفة لما.
وعلى القول الاول لا يكون له موضع، لان الصلة لا موضع لها، ولا يجوز أن تكون ما مصدرية لان الفعل لا ينفق، ومن
[13]
للتبعيض، ويجوز أن تكون لابتداء غاية الانفاق، وأصل ينفقون: يؤنفقون لان ماضيه أنفق، وقد تقدم نظيره.
قوله تعالى (بما أنزل إليك) " ما " هاهنا بمعنى الذى، ولايجوز أن تكون نكرة موصوفة أى بشئ أنزل إليك، لانه لا عموم فيه على هذا، ولا يكمل الايمان إلا أن يكون بجميع ماأنزل إلى النبى صلى الله عليه وسلم، وما للعموم، وبذلك يتحقق الايمان، والقراء‌ة الجيدة بأنزل إليك، بتحقيق الهمزة، وقد قرئ في الشاذ أنزل إليك بتشديد اللام والوجه فيه أنه سكن لام أنزل وألقى عليها حركة الهمزة فانكسرت اللام وحذفت الهمزة فلقيتها لام إلى فصار اللفظ بما أنزل إليك فسكنت اللام الاولى وأدغمت في اللام الثانية، والكاف هنا ضمير المخاطب وهو النبى صلى الله عليه وسلم، ويجوز أن يكون ضمير الجنس المخاطب ويكون في معنى الجمع، وقد صرح به في آى أخر كقوله " لقد أنزلنا إليك كتابا فيه ذكركم ".
قوله تعالى (وبالآخرة) الباء متعلقة بيوقنون، ولا يمتنع أن يعمل الخبر فيما قبل المبتدإ، وهذا يدل على أن تقديم الخبر على المبتدإ جائز إذ المعمول لا يقع في موضع لا يقع فيه العامل، والآخر صفة والموصوف محذوف تقديره: وبالساعة الآخرة أو بالدار الآخرة كما قال " وللدار الآخرة خير " وقال " واليوم الآخر ".
قوله تعالى (هم يوقنون) هم مبتدأ ذكر على جهة التوكيد، ولو قال: وبالآخرة يوقنون لصح المعنى والاعراب، ووجه التوكيد في هم تحقيق عود الضمير إلى المذكورين لا إلى غيرهم، ويوقنون الخبر، وأصله يؤيقنون، لان ماضيه أيقن، والاصل أن يؤتى في المضارع بحروف الماضى، إلا أن الهمزة حذفت لما ذكرنا في يؤمنون وأبدلت الياء واوا لسكونها وانضمام ما قبلها.
قوله تعالى (أولئك) هذه صيغة جمع على غير لفظ واحده، وواحده ذا، ويكون أولئك للمؤنث والمذكر، والكاف فيه حرف للخطاب وليست اسما إذ لو كانت اسما لكانت إما مرفوعة أو منصوبة، ولايصح شئ منهما إذ لا رافع هنا ولا ناصب، وإما أن تكون مجرورة بالاضافة، وأولاء لا تصح إضافته لانه مبهم، والمبهمات لا تضاف، فبقى أن تكون حرفا مجردا للخطاب، ويجوز مد أولاء وقصره في غير القرآن، وموضعه هنا رفع بالابتداء، و (على هدى) الخبر، وحرف الجر متعلق بمحذوف: أى أولئك ثابتون على هدى، ويجوز أن يكون أولئك خبر الذين يؤمنون بالغيب، وقد ذكر.
[14]
فإن قيل: أصل " على " الاستعلاء "، والهدى لا يستعلى عليه فكيف يصح معناها هاهنا؟.
قيل: معنى الاستعلاء حاصل، لان منزلتهم علت باتباع الهدى، ويجوز أن يكون لما كانت أفعالهم كلها على مقتضى الهدى كان تصرفهم بالهدى كتصرف الراكب بما يركبه.
قوله تعالى (من ربهم) في موضع جر صفة لهدى، ويتعلق الجار بمحذوف تقديره هدى كائن وفى الجار والمجرور ضمير يعود على الهدى، ويجوز كسر الهاء وضمها على ماذكرنا في عليهم في الفاتحة.
قوله تعالى (وأولئك) مبتدأ و (هم) مبتدأ ثان و (المفلحون) خبر المبتدأ الثانى، والثانى خبره خبر الاول، ويجوز أن يكون هم فصلا لا موضع له من الاعراب، والمفلحون خبر أولئك، والاصل في مفلح مؤفلح، ثم عمل فيه ماذكرناه في يؤمنون.
قوله تعالى (سواء عليهم) رفع بالابتداء، وأأنذرتهم أم لم تنذرهم جملة في موضع الفاعل وسدت هذه الجملة مسد الخبر، والتقدير يستوى عندهم الانذار وتركه، وهو كلام محمول على المعنى، ويجوز أن تكون هذه الجملة في موضع مبتدإ وسواء خبر مقدم، والجملة على القولين خبر أن، ولايؤمنون لا موضع له على هذا ويجوز أن يكون سواء خبر أن ومابعده معمول له، ويجوز أن يكون لايؤمنون خبر أن، وسواء عليهم ومابعده معترض بينهما، ويجوز أن يكون خبرا بعد خبر وسواء مصدر واقع موقع اسم الفاعل وهو مستو، ومستو يعمل عمل يستوى، ومن أجل أنه مصدر لايثنى ولايجمع، والهمزة في سواء مبدلة من ياء لان باب طويت وشويت أكثر من باب قوة وحوة فحمل على الاكثر.
قوله تعالى (أأنذرتهم) قرأ بن محيصن بهمزة واحدة على لفظ الخبر، وهمزة الاستفهام مرادة ولكن حذفوها تخفيفا، وفى الكلام مايدل عليها وهو قوله: أم لم، لان أم تعادل الهمزة، وقرأ الاكثرون على لفظ الاستفهام ثم اختلفوا في كيفية النطق به، فحقق قوم الهمزتين ولم يفصلوا بينهما وهذا هو الاصل، إلا أن الجمع بين الهمزتين مستثقل لان الهمزة نبرة تخرج من الصدر بكلفة فالنطق بها يشبه التهوع، فإذا اجتمعت همزتان كان أثقل على المتكلم، فمن هنا لايحققهما أكثر العرب، ومنهم من يحقق الاولى ويجعل الثانية بين بين: أى بين الهمزة والالف، وهذه في الحقيقة همزة
[15]
ملينة وليست ألفا، ومنهم من يجعل الثانية ألفا صحيحا كما فعل ذلك في آدم وآمن، ومنهم من يلين الثانية ويفصل بينها وبين الاولى بالالف، ومنهم من يحقق الهمزتين ويفصل بينهما بألف، ومن العرب من يبدل الاولى هاء ويحقق الثانية، ومنهم من يلين الثانية مع ذلك، ولايجوز أن يحقق الاولى ويجعل الثانية ألف صحيحا ويفصل بينهما بألف، لان ذلك جمع بين ألفين، ودخلت همزة الاستفهام هنا للتسوية، وذلك شبيه بالاستفهام لان المستفهم يستوى عنده الوجود والعدم، فكذلك يفعل من يريد التسوية، ويقع ذلك بعد سواء كهذه الآية، وبعد ليت شعرى كقولك: ليت شعرى أقام أم قعد، وبعد: لاأبالى، ولاأدرى، وأم هذه هى المعادلة لهمزة الاستفهام، ولم ترد المستقبل إلى معنى المضى حتى يحسن معه أمس، فإن دخلت عليها إن الشرطية عاد الفعل إلى أصله من الاستقبال.
قوله تعالى (وعلى سمعهم) السمع في الاصل مصدر سمع، وفى تقديره هنا وجهان: أحدهما أنه استعمل مصدرا على أصله، وفى الكلام حذف تقديره على مواضع سمعهم لان نفس السمع لايختم عليه، والثانى أن السمع هنااستعمل بمعنى السامعة وهى الاذن، كما قالوا الغيب بمعنى الغائب، والنجم بمعنى الناجم، واكتفى بالواحد هنا عن الجمع كما قال الشاعر:
بها جيف الحسرى فأما عظامها * فبيض وأما جلدها فصليب
يريد جلودها.
قوله تعالى (وعلى أبصارهم غشاوة) يقرأ بالرفع على أنه مبتدأ، وعلى أبصارهم خبره، وفى الجار على هذا ضمير، وعلى قول الاخفش غشاوة مرفوع بالجار كارتفاع الفاعل بالفعل، ولاضمير في الجار على هذا لارتفاع الظاهرية، والوقف على هذه القراء‌ة على " وعلى سمعهم "، ويقرأ بالنصب بفعل مضمر تقديره وجعل على أبصارهم غشاوة، ولايجوز أن ينتصب بختم لانه لايتعدى بنفسه، ويجوز كسر الغين وفتحها وفيها ثلاث لغات أخر، غشوة بغير ألف بفتح الغين وضمها وكسرها.
قوله تعالى (ولهم عذاب) مبتدأ وخبر أو فاعل عمل فيه الجار على ماذكرنا قبل، وفى (عظيم) ضمير يرجع على العذاب لانه صفته.
قوله تعالى (ومن الناس) الواو دخلت هنا للعطف على قوله " الذين يؤمنون
[16]
بالغيب " وذلك أن هذه الآيات استوعبت أقسام الناس، فالآيات الاول تضمنت ذكر المخلصين في الايمان، وقوله (إن الذين كفروا) تضمن ذكر من أظهر الكفر وأبطنه، وهذه الآية تضمنت ذكر من أظهر الايمان وأبطن الكفر، فمن هنا دخلت الواو لتبين أن المذكورين من تتمة الكلام الاول، ومن هنا للتبعيض، وفتحت نونها ولم تكسر لئلا تتوالى الكسرتان، وأصل الناس عند سيبويه أناس حذفت همزته وهى فاء الكلمة، وجعلت الالف واللام كالعوض منها، فلا يكاد يستعمل الناس إلا بالالف واللام، ولايكاد يستعمل أناس بالالف واللام، فالالف في الناس على هذا زائدة واشتقاقه من الانس، وقال غيره ليس في الكلمة حذف، والالف منقلبة عن واو وهى عين الكلمة، واشتقاقه من ناس ينوس نوسا إذا تحرك، وقالوا في تصغيره: نويس.
قوله (من يقول) من: في موضع رفع بالابتداء وماقبله الخبر، أو هو مرتفع بالجار قبله على ماتقدم، ومن هنا نكرة موصوفة، ويقول: صفة لها، ويضعف أن تكون بمعنى الذى، لان الذى يتناول قوما بأعيانهم، والمعنى هاهنا على الابهام والتقدير: ومن الناس فريق يقول، ومن موحدة للفظ، وتستعمل في التثنية والجمع والتأنيث بلفظ واحد، والضمير الراجع إليها يجوز أن يفرد حملا على لفظها، وأن يثنى ويجمع ويؤنث حملا على معناها، وقد جاء في هذه الآية على الوجهين، فالضمير في يقول مفرد، وفى آمنا وماهم جمع، والاصل في يقول: يقول بسكون القاف وضم الواو لانه نظير يقعد ويقتل، ولم يأت إلا على ذلك، فنقلت ضمة الواو إلى القاف ليخف اللفظ بالواو، ومن هاهنا إذا أمرت لم تحتج إلى الهمزة بل تقول قل، لان فاء الكلمة قد تحركت فلم تحتج إلى همزة الوصل.
قوله تعالى (آمنا) أصل الالف همزة ساكنة، فقلبت ألفا لئلا تجتمع همزتان، وكان قلبها ألفا من أجل الفتحة قبلها، ووزن آمن أفعل من الامن، و (الآخر) فاعل فالالف فيه غير مبدلة من شئ.
قوله (وماهم) " هم " ضمير منفصل مرفوع بما عند أهل الحجاز، ومبتدأ عند تميم والباء في الخبر زائدة للتوكيد غير متعلقة بشئ، وهكذا كل حرف جر زيد في المبتدإ أو الخبر أو الفاعل، وماتنفى " ما " في الحال، وقد تستعمل لنفى المستقبل.
قوله تعالى (يخادعون الله) في الجملة وجهان: أحدهما لاموضع لها، والثانى موضعها نصب على الحال، وفى صاحب الحال والعامل فيها وجهان: أحدهما هى من
[17]
الضمير في يقول، فيكون العامل فيها يقول، والتقدير: يقول آمنا مخادعين: والثانى هى حال من الضمير في قوله بمؤمنين، والعامل فيها اسم الفاعل، والتقدير: وماهم بمؤمنين في حال خداعهم، ولايجوز أن يكون في موضع جر على الصفة لمؤمنين، لان ذلك يوجب نفى خداعهم، والمعنى على إثبات الخداع: ولايجوز أن تكون الجملة حالا من الضمير في آمنا، لان آمنا محكى عنهم بيقول، فلو كان يخادعون حالا من الضمير في آمنا لكانت محكية أيضا، وهذا محال لوجهين: أحدهما أنهم ماقالوا آمنا وخادعنا. والثانى أنه أخبر عنهم بقوله يخادعون، ولو كان منهم لكان نخادع بالنون، وفى الكلام حذف تقديره: يخادعون نبى الله، وقيل هو على ظاهره من غير حذف.
قوله عزوجل (وما يخادعون) وأكثر القراء‌ة بالالف، وأصل المفاعلة أن تكون من اثنين، وهى على ذلك هنا لانهم في خداعهم ينزلون أنفسهم منزلة أجنبى يدور الخداع بينهما، فهم يخدعون أنفسهم وأنفسهم تخدعهم، وقيل المفاعلة هنا من واحد كقولك: سافر الرجل، وعاقبت اللص، ويقرأ، يخدعون بغير ألف مع فتح الياء، ويقرأ بضمها على أن يكون الفاعل للخدع الشيطان فكأنه قال: ومايخدعهم الشيطان (إلا أنفسهم) أى عن أنفسهم، وأنفسهم نصب بأنه مفعول وليس نصبه على الاستثناء، لان الفعل لم يستوف مفعوله قبل إلا.
قوله تعالى (فزادهم الله) زاد يستعمل لازما كقولك: زاد الماء، ويستعمل متعديا إلى مفعولين كقولك زدته درهما، وعلى هذا جاء في الآية، ويجوز إمالة الزاى لانها تكسر في قولك زدته، وهذا يجوز فيما عينه واو مثل خاف، إلا أنه أحسن فيما عينه ياء.
قوله تعالى (أليم) هو فعيل بمعنى مفعل لانه من قولك آلم فهو مؤلم وجمعه ألماء وألام مثل شريف وشرفاء وشراف.
قوله تعالى (بما كانوا يكذبون) هو في موضع رفع صفة لاليم، وتتعلق الباء بمحذوف تقديره أليم كائن بتكذيبهم أو مستحق وماهنا مصدرية، وصلتها يكذبون، وليست كان صلتها لانها الناقصة، ولاتستعمل منها مصدر، ويكذبون في موضع نصب خبر كان، وما المصدرية حرف عند سيبويه واسم عند الاخفش: وعلى كلا القولين لايعود عليها من صلتها شئ.
[18]
قوله عزوجل (وإذا قيل لهم) إذا في موضع نصب على الظرف، والعامل فيها جوابها وهو قوله قالوا، وقال قوم: العامل فيها قيل، وهو خطأ لانه في موضع جر بإضافة إذا إليه، والمضاف إليه لايعمل في المضاف وأصل قيل قول، فاستثقلت الكسرة على الواو فحذفت وكسرت القاف لتنقلب الواو ياء كما فعلوا في أدل وأحق، ومنهم من يقول: نقلوا كسرة الواو إلى القاف وهذا ضعيف، لانك لا تنقل إليها الحركة إلا بعد تقدير سكونها فيحتاج في هذا إلى حذف ضمة القاف وهذا عمل كثير، ويجوز إشمام القاف بالضمة مع بقاء الياء ساكنة تنبيها على الاصل، ومن العرب من يقول في مثل قيل وبيع: قول وبوع، ويسوى بين ذوات الواو والياء، قالوا: وتخرج على أصلها وماهو من الياء تقلب الياء فيه واوا لسكونها وانضمام ما قبلها، ولا يقرأ بذلك ما لم تثبت به رواية والمفعول القائم مقام الفاعل مصدر وهو القول وأضمر لان الجملة بعده تفسره، والتقدير: وإذا قيل لهم قول هو لا تفسدوا ونظيره - ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه - أى بدا لهم بداء ورأى، وقيل لهم هو القائم مقام الفاعل وهو بعيد، لان الكلام لايتم به، وماهو مما تفسره الجملة بعده، ولا يجوز أن يكون قوله: لا تفسدوا قائما مقام الفاعل، لان الجملة لاتكون فاعلا فلا تقوم مقام الفاعل، ولهم في موضع نصب مفعول قيل.
قوله (في الارض) الهمزة في الارض أصل، وأصل الكلمة من الاتساع ومنه قولهم: أرضت القرحة إذا اتسعت، وقول من قال: سميت أرضا لان الاقدام ترضها ليس بشئ، لان الهمزة فيها أصل والرض ليس من هذا، ولا يجوز أن يكون في الارض حالا من الضمير في تفسدوا، لان ذلك لا يفيد شيئا وإنما هو ظرف متعلق بتفسدوا.
قوله (إنما نحن) " ما " ههنا كافة لان عن العمل لانها هيأتها للدخول على الاسم تارة وعلى الفعل أخرى، وهى إنما عملت لاختصاصها بالاسم، وتفيد " إنما " حصر الخبر فيما أسند إليه الخبر كقوله: إنما الله إله واحد، وتفيد في بعض المواضع اختصاص المذكور بالوصف المذكور دون غيره، كقولك: إنما زيد كريم، أى ليس فيه من الاوصاف التى تنسب إليه سوى الكرم، ومنه قوله تعالى (إنما أنا بشر مثلكم) لانهم طلبوا منه ما لا يقدر عليه البشر، فأثبت لنفسه صفة البشر ونفى عنه ما عداها.
قوله: نحن: هو اسم مضمر منفصل مبنى على الضم، وإنما بنيت الضمائر لافتقارها إلى الظواهر التى ترجع إليها، فهى كالحروف في افتقارها إلى الاسماء، وحرك آخرها لئلا يجتمع ساكنان، وضمت النون لان الكلمة ضمير مرفوع للمتكلم فأشبهت التاء
[19]
في قمت، وقيل ضمت لان موضعها رفع، وقيل النون تشبه الواو فحركت بما يجانس الواو، ونحن ضمير المتكلم ومن معه، وتكون للاثنين والجماعة، ويستعمله المتكلم الواحد العظيم، وهو في موضع رفع بالابتداء و (مصلحون) خبره.
قوله تعالى (ألا) هى حرف يفتتح به الكلام لتنبيه المخاطب، وقيل معناها حقا، وجوز هذا القائل أن تفتح أن بعدها كما تفتح بعد حقا، وهذا في غاية البعد.
قوله (هم المفسدون) هم مبتدأ والمفسدون خبره والجملة خبر إن، ويجوز أن تكون هم في موضع نصب توكيد لاسم إن، ويجوز أن يكون فصلا لا موضع لها، لان الخبر هنا معرفة، ومثل هذا الضمير يفصل بين الخبر والصفة، فيعين ما بعده للخبر.
قوله تعالى (وإذا قيل لهم آمنوا) القائم مقام المفعول هو القول، ويفسره آمنوا لان الامر والنهى قول.
قوله (كما آمن الناس) الكاف في موضع نصب صفة لمصدر محذوف: أى إيمانا مثل إيمان الناس، ومثله - كما آمن السفهاء -.
قوله (السفهاء ألا إنهم) في هاتين الهمزتين أربعة أوجه: أحدها تحقيقهما وهو الاصل، والثانى تحقيق الاولى وقلب الثانية واوا خالصة فرارا من توالى الهمزتين وجعلت الثانية واوا لانضمام الاولى، والثالث تليين الاولى، وهو جعلها بين الهمزة وبين الواو وتحقيق الثانية، والرابع كذلك إلا أن الثانية واو، ولا يجوز جعل الثانية بين الهمزة والواو لان ذلك تقريب من الالف، والالف لا يقع بعد الضمة والكسرة، وأجازه قوم.
قوله تعالى (لقوا الذين آمنوا) أصله لقيوا فأسكنت الياء لثقل الضمة عليها ثم حذفت لسكونها وسكون الواو بعدها، وحركت القاف بالضم تبعا للواو، وقيل نقلت ضمة الياء إلى القاف بعد تسكينها ثم حذفت، وقرأ ابن السميقع: لاقوا بألف وفتح القاف وضم الواو، وإنما فتحت القاف وضمت الواو لما نذكره في قوله " اشتروا الضلالة ".
قوله (خلوا إلى) يقرأ بتحقيق الهمزة وهو الاصل، ويقرأ بإلقاء حركة الهمزة على الواو وحذف الهمزة فتصير الواو مكسورة بكسرة الهمزة، وأصل خلوا خلووا فقلبت الواو الاولى ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، ثم حذفت الالف لئلا يلتقى ساكنان، وبقيت الفتحة تدل على الالف المحذوفة.
[20]
قوله (إنا معكم) الاصل: إننا، فحذفت النون الوسطى على القول الصحيح، كما حذفت في إن إذا خففت، كقوله تعالى " وإن كل لما جميع " ومعكم ظرف قائم مقام الخبر، أى كائنون معكم.
قوله تعالى (مستهزء‌ون) يقرأ بتحقيق الهمزة وهو الاصل، وبقلبها ياء مضمومة لانكسار ما قبلها، ومنهم من يحذف الياء لشبهها بالياء الاصلية في مثل قولك: يرمون، ويضم الزاى، وكذلك الخلاف في تليين همزة " يستهزئ بهم ".
قوله تعالى (يعمهون) هو حال من الهاء والميم في يمدهم وفى طغيانهم متعلق بيمدهم أيضا، وإن شئت بيعمهون، ولا يجوز أن تجعلهما حالين من يمدهم لان العامل الواحد لا يعمل في حالين.
قوله تعالى (اشتروا الضلالة) الاصل اشتريوا فقلبت الياء ألفا ثم حذفت الالف لئلا يلتقى ساكنان الالف والواو.
فإن قلت: فالواو هنا متحركة.
قيل: حركتها عارضة فلم يعتد بها وفتحة الراء دليل على الالف المحذوفة، وقيل سكنت الياء لثقل الضمة عليها ثم حذفت لئلا يلتقى ساكنان، وإنما حركت الواو بالضم دون غيره ليفرق بين واو الجمع والواو الاصلية في نحو قوله: لو استطعنا، وقيل ضمت لان الضمة هنا أخف من الكسرة لانها من جنس الواو، وقيل حركت بحركة الياء المحذوفة، وقيل ضمت لانها ضمير فاعل، فهى مثل التاء في قمت، وقيل هى للجمع فهى مثل نحن، وقد همزها قوم شبهوها بالواو المضمومة ضما لازما نحو: أثؤب، ومنهم من يفتحها للتخفيف، ومنهم من يكسرها على الاصل في التقاء الساكنين، ومنهم من يختلسها فيحذفها لالتقاء الساكنين، وهو ضعيف لان قبلها فتحة، والفتحة لا تدل عليها.
قوله تعالى (مثلهم كمثل) ابتداء وخبر، والكاف يجوز أن يكون حرف جر فيتعلق بمحذوف، ويجوز أن يكون اسما بمعنى مثل فلا يتعلق بشئ.
قوله (الذى استوقد) الذى هاهنا مفرد في اللفظ، والمعنى على الجمع بدليل قوله " ذهب الله بنوركم " وما بعده، وفى وقوع المفرد هنا موقع الجمع وجهان: أحدهما هو جنس مثل: من وما: فيعود الضمير إليه تارة بلفظ المفرد، وتارة بلفظ الجمع، والثانى أنه أراد الذين، فحذفت النون لطول الكلام بالصلة، ومثله:
[21]
" والذى جاء بالصدق وصدق به " ثم قال: أولئك هم المتقون، واستوقد بمعنى أوقد، مثل استقر بمعنى قر، وقيل استوقد استدعى الايقاد.
قوله تعالى (فلما أضاء‌ت) لما هنا اسم، وهى ظرف زمان، وكذا في كل موضع وقع بعدها الماضى، وكان لها جواب والعامل فيها جوابها مثل: إذا، وأضاء‌ت متعد فيكون " ما " على هذا مفعولا به، وقيل أضاء لازم، يقال: ضاء‌ت النار وأضاء‌ت بمعنى، فعلى هذا يكون " ما " ظرفا، وفى " ما " ثلاثة أوجه: أحدها هى بمعنى الذى، والثانى هى نكرة موصوفة، أى مكانا حوله، والثالث هى زائدة.
قوله (ذهب الله بنورهم) الباء هنا معدية للفعل كتعدية الهمزة له، والتقدير أذهب الله نورهم، ومثله في القرآن كثير، وقد تأتى الباء في مثل هذا للحال كقولك ذهبت بزيد، أى ذهبت ومعى زيد.
قوله تعالى (وتركهم في ظلمات) تركهم هاهنا يتعدى إلى مفعولين لان المعنى صيرهم، وليس المراد به الترك هو الاهمال، فعلى هذا يجوز أن يكون المفعول الثانى في ظلمات، فلا يتعلق الجار بمحذوف ويكون لايبصرون حالا، ويجوز أن يكون لا يبصرون هو المفعول الثانى، وفى ظلمات ظرف يتعلق بتركهم أو بيبصرون، ويجوز أن يكون حالا من الضمير في يبصرون، أو من المفعول الاول.
قوله تعالى (صم بكم) الجمهور على الرفع على أنه خبر ابتداء محذوف: أى هم صم، وقرئ شاذا بالنصب على الحال من الضمير في يبصرون.
قوله تعالى (فهم لا يرجعون) جملة مستأنفة، وقيل موضعها حال وهو خطأ، لان ما بعد الفاء لا يكون حالا، لان الفاء ترتب، والاحوال لا ترتيب فيها، ويرجعون فعل لازم، أى لا ينتهون عن باطلهم، أو لايرجعون إلى الحق، وقيل هو متعد ومفعوله محذوف تقديره: فهم لايردون جوابا، مثل قوله: " إنه على رجعه لقادر ".
قوله تعالى (أو كصيب) في " أو " أربعة أوجه: أحدها أنها للشك، وهو راجع إلى الناظر في حال المنافقين، فلا يدرى أيشبههم بالمستوقد أو بأصحاب الصيب، كقوله: " إلى مائة ألف أو يزيدون ": أى يشك الرائى لهم في مقدار عددهم، والثانى أنها للتخيير: أى شبهوهم بأى القبيلتين شئتم، والثالث أنها للاباحة، والرابع أنها للابهام، أى بعض الناس يشبههم بالمستوقد، وبعضهم بأصحاب الصيب، ومثله قوله تعالى " كونوا هودا
[22]
أو نصارى " أى قالت اليهود كونوا هودا، وقالت النصارى كونوا نصارى، ولايجوز عند أكثر البصريين أن تحمل " أو " على الواو، ولاعلى بل ماوجدن ذلك مندوحة والكاف في موضع رفع عطفا على الكاف في قوله " كمثل الذى " ويجوز أن يكون خبر ابتداء محذوف تقديره: أو مثلهم كمثل صيب، وفى الكلام حذف تقديره: أو كأصحاب صيب، وإلى هذا المحذوف يرجع الضمير من قوله يجعلون، والمعنى على ذلك، لان تشبيه المنافقين بقوم أصابهم مطر فيه ظلمة ورعد وبرق لابنفس المطر، وأصل صيب: صيوب على فيعل، فأبدلت الواو ياء وأدغمت الاولى فيها، ومثله: مين وهين، وقال الكوفيون: أصله صويب على فعيل، وهو خطأ، لانه لو كان كذلك لصحت الواو كما صحت في طويل وعويل (من السماء) في موضع نصب " ومن " متعلقة بصيب، لان التقدير: كمطر صيب من السماء، وهذا الوصف يعمل عمل الفعل، ومن لابتداء الغاية، ويجوز أن يكون في موضع جر على الصفة لصيب فيتعلق من بمحذوف: أى كصيب كائن من السماء، والهمزة في السماء بدل من واو قلبت همزة لوقوعها طرفا بعد ألف زائدة، ونظائره تقاس عليه (فيه ظلمات) الهاء تعود على صيب، وظلمات رفع بالجار والمجرور لانه قد قوى بكونه صفة لصيب، ويجوز أن يكون ظلمات مبتدأ وفيه خبر مقدم، وفيه على هذا ضمير، والجملة في موضع جر صفة لصيب، والجمهور على ضم اللام، وقد قرئ بإسكانها تخفيفا، وفيه لغة أخرى بفتح اللام، والرعد مصدر رعد يرعد، والبرق مصدر أيضا، وهما على ذلك موحدتان هنا، ويجوز أن يكون الرعد والبرق بمعنى الراعد والبارق كقولهم: رجل عدل وصوم (يجعلون) يجوز أن يكون في موضع جر صفة لاصحاب صيب، وأن يكون مستأنفا، وقيل يجوز أن يكون حالا من الهاء في فيه، والراجع على الهاء محذوف تقديره من صواعقه وهو بعيد، لان حذف الراجع على ذى الحال كحذفها من خبر المبتدأ، وسيبويه يعده من الشذوذ (من الصواعق) أى من صوت الصواعق (حذر الموت) مفعول له، وقيل مصدر: أى يحذرون حذرا مثل حذر الموت، والمصدر هنا مضاف إلى المفعول به (محيط) إصله محوط لانه من حاط يحوط فنقلت كسرة الواو إلى الحاء فانقلبت ياء.
قوله تعالى (يكاد) فعل يدل على مقاربة وقوع الفعل بعدها، ولذلك لم تدخل عليه أن لان أن تخلص الفعل للاستقبال وعينها واو، والاصل: يكود، مثل خاف يخاف، وقد سمع فيه، كدت بضم الكاف، وإذا دخل عليها حرف نفى دل على أن الفعل الذى بعدها وقع، وإذا لم يكن حرف نفى لم يكن الفعل بعدها واقعا، ولكنه
[23]
قارب الوقوع، وموضع (يخطف) نصب لانه خبر كاد، والمعنى: قارب البرق خطف الابصار، والجمهور على فتح الياء والطاء وسكون الخاء وماضيه خطف كقوله تعالى (إلا من خطف الخطفة) وفيه قراء‌ات شاذة: إحداها كسر الطاء على أن ماضيه خطف بفتح الطاء، والثانية بفتح الياء والخاء والطاء وتشديد الطاء، والاصل: يختطف، فأبدل من التاء طاء وحركت بحركة التاء، والثالثة كذلك، إلا أنها بكسر الطاء على مايستحقه في الاصل، والرابعة كذلك إلا أنها بكسر الخاء أيضا على الاتباع، والخامسة بكسر الياء أيضا إتباعا أيضا، والسادسة بفتح الياء وسكون الخاء وتشديد الطاء، وهو ضعيف لما فيه من الجمع بين الساكنين (كلما) هى هنا ظرف، وكذلك كل موضع كان لها جواب، و " ما " مصدرية، والزمان محذوف أى كل وقت إضاء‌ة، وقيل " ما" هنا نكرة موصوفة ومعناها الوقت، والعائد محذوف: أى كل وقت أضاء لهم فيه، والعامل في كل جوابها، و (فيه) أى في ضوئه والمعنى بضوئه، ويجوز أن يكون ظرفا على أصلها، والمعنى: إنهم يحيط بهم الضوء (شاء) ألفا منقلبة عن ياء لقولهم في مصدره: شئت شيئا، وقالوا: أشأته أى حملته على أن يشاء (لذهب بسمعهم) أى أعدم المعنى الذى يسمعون به، وعلى كل متعلق ب‍ (قدير) في موضع نصب.
قوله تعالى (ياأيها الناس) أى اسم مبهم لوقوعه على كل شئ أتى به في النداء توصلا إلى نداء مافيه الالف واللام إذا كانت " يا " لاتباشر الالف واللام، وبنيت لانها اسم مفرد مقصود وها مقحمة للتنبيه، لان الاصل أن تباشر " يا " الناس، فلما حيل بينهما بأى عوض من ذلك " ها " والناس وصف لاى لابد منه، لانه المنادى في المعنى، ومن هاهنا رفع، ورفعه أن يجعل بدلا من ضمة البناء، وأجاز المازنى نصبه كما يجيز: يازيد الظريف، وهو ضعيف لما قدمنا من لزوم ذكره، والصفة لايلزم ذكرها (من قبلكم) من هنا لابتداء الغاية في الزمان، والتقدير: والذين خلقهم من قبل خلقكم، فحذف الخلق وأقام الضمير مقامه (لعلكم) متعلق في المعنى باعبدوا، أى اعبدوه ليصح منكم رجاء التقوى، والاصل توتقيون، فأبدل من الواو تاء وأدغمت في التاء الاخرى وسكنت الياء ثم حذفت، وقد تقدمت نظائره، فوزنه الآن تفتعون.
قوله تعالى (الذى جعل) هو في موضع نصب بتتقون أو بدل من ربكم، أو صفة مكررة، أو بإضمار أعنى، ويجوز أن يكون في موضع رفع على إضمار هو
[24]
الذى، وجعل هنا متعد إلى مفعول واحد وهو الارض، وفراشا حال، ومثله: والسماء بناء، ويجوز أن يكون جعل بمعنى صير فيتعدى إلى مفعولين وهما الارض وفراشا ومثله: والسماء بناء، ولكم متعلق بجعل، أى لاجلكم (من السماء) متعلق بأنزل، وهى لابتداء غاية المكان، ويجوز أن يكون حالا، والتقدير: ماء كائنا من السماء، فلما قدم الجار صار حالا وتعلق بمحذوف، والاصل في ماء موه لقولهم: ماهت الركية تموه، وفى الجمع أمواه، فلما تحركت الواو وانفتح ماقبلها قلبت ألفا ثم أبدلوا من الهاء همزة وليس بقياس (من الثمرات) متعلق بأخرج فيكون من لابتداء الغاية ويجوز أن يكون في موضع الحال تقديره رزقا كائنا من الثمرات و (لكم) أى من أجلكم والرزق هنا بمعنى المرزوق وليس بمصدر (فلا تجعلوا) أى لاتصيروا أو لاتسمعوا فيكون متعديا إلى مفعولين، والانداد جمع ند ونديد (وأنتم تعلمون) مبتدأ وخبر في موضع الحال، ومفعول تعلمون محذوف، أى تعلمون بطلان ذلك والاسم من أنتم أن، والتاء للخطاب، والميم للجمع، وهما حرفا معنى.
قوله تعالى (وإن كنتم) جواب للشرط " فأتوا بسورة " و " إن كنتم صادقين " شرط أيضا جوابه محذوف أغنى عنه جواب الشرط الاول: أى إن كنتم صادقين فافعلوا ذلك، ولاتدخل إن الشرطية على فعل ماض في المعنى، إلا على كان لكثرة استعمالها، وأنها لاتدل على حدث (مما نزلنا) في موضع جر صفة لريب: أى ريب كائن مما نزلنا، والعائد على " ما " محذوف: أى نزلناه و " ما " بمعنى الذى أو نكرة موصوفة، ويجوز أن يتعلق " من " بريب: أى إن ارتبتم من أجل مانزلنا (فأتوا) أصله: ائتيوا، وماضيه أتى، ففاء الكلمة همزة، فإذا أمرت زدت عليها همزة الوصل مكسورة فاجتمعت همزتان والثانية ساكنة، فأبدلت الثانية ياء لئلا يجمع بين همزتين، وكانت الياء الاولى للكسرة قبلها، فإذا اتصل بها شئ حذفت همزة الوصل استغناء عنها ثم همزة الياء لانك أعدتها إلى أصلها لزوال الموجب لقلبها ! ويجوز قلب هذه الهمزة ألفا إذا انفتح ماقبلها مثل هذه الآية، وياء إذا انكسر ماقبلها كقوله: الذى ايتمن، فتصيرها ياء في اللفظ، وواوا إذا انضم ماقبلها كقوله: ياصالح أوتنا، ومنهم من يقول: ذن لى (من مثله) الهاء تعود على النبى صلى الله عليه وسلم، فيكون من للابتداء، ويجوز أن تعود على القرآن فتكون من زائدة، ويجوز أن تعود على الانداد بلفظ المفرد كقوله تعالى " وان لكم في الانعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه " (وادعوا) لام الكلمة محذوف، لانه حذف في الواحد دليلا
[25]
على السكون الذى هو جزم في المعرب، وهذه الواو ضمير الجماعة (من دون الله) في موضع الحال من الشهداء والعامل فيه محذوف تقديره شهداء‌كم منفردين عن الله أو عن أنصار الله.
قوله تعالى (فإن لم تفعلوا) الجزم بلم لا بإن لان لم عامل شديد الاتصال بمعموله ولم يقع إلا مع الفعل المستقبل في اللفظ، وإن قد دخلت على الماضى في اللفظ وقد وليها الاسم كقوله تعالى " وان أحد من المشركين " (وقودها الناس) الجمهور على فتح الواو وهو الحطب، وقرئ بالضم وهو لغة في الحطب، والجيد أن يكون مصدرا بمعنى التوقد ويكون في الكلام حذف مضاف تقديره توقدها واحتراق للناس، أو تلهب الناس أوذو وقودها الناس (أعدت) جملة في موضع الحال من النار، والعامل فيها فاتقوا ولايجوز أن يكون حالا من الضمير في وقودها لثلاثة أشياء: أحدها أنها مضاف إليها والثانى أن الحطب لايعمل في الحال، والثالث أنك تفصل بين المصدر أو ماعمل عمله وبين مايعمل فيه بالخبر وهو الناس.
قوله تعالى (أن لهم جنات) فتحت أن هاهنا لان التقدير لهم، وموضع أن وماعملت فيه نصب ببشر، لان حرف الجر إذا حذف وصل الفعل بنفسه هذا مذهب سيبويه، وأجاز الخليل أن يكون في موضع جر بالباء المحذوفة لانه موضع تزاد فيه، فكأنها ملفوظ بها، ولايجوز ذلك مع غير أن لو قلت بشره بأنه مخلد في الجنة جاز حذف الباء لطول الكلام، ولو قلت بشره الخلود لم يجز وهذا أصل يتكرر في القرآن كثيرا فتأمله واطلبه هاهنا (تجرى من تحتها الانهار) الجملة في موضع نصب صفة للجنات، والانهار مرفوعة بتجرى لابالابتداء وأن، من تحتها الخبر ولابتحتها لان تجرى لاضمير فيه إذا كانت الجنات لاتجرى وإنما تجرى أنهارها، والتقدير من تحت شجرها لامن تحت أرضها فحذف المضاف، ولو قيل إن الجنة هى الشجر فلا يكون في الكلام حذف لكان وجها (كلما رزقوا منها) إلى قوله من قبل في موضع نصب على الحال من الذين آمنوا تقديره مرزوقين على الدوام، ويجوز أن يكون حالا من الجنات لانها قد وصفت وفى الجملة ضمير يعود إليها وهو قوله منها (رزقنا من قبل) أى رزقناه فحذف العائد، وبنيت قبل لقطعها عن الاضافة لان التقدير من قبل هذا (وأتوا به) يجوز أن يكون حالا وقد معه مرادة تقديره قالوا ذلك وقد أتوا به ويجوز أن يكون مستأنفا و (متشابها) حال من الهاء في به (ولهم فيها أزواج) أزواج مبتدأ ولهم الخبر، وفيها ظرف للاستقرار، ولايكون فيها الخبر لان الفائدة تقل إذ الفائدة في جعل الازواج لهم
[26]
و (فيها) الثانية تتعلق ب‍ (خالدون) وهاتان الجملتان مستأنفتان ويجوز أن تكون الثانية حالا من الهاء والميم في لهم والعامل فيها معنى الاستقرار.
قوله تعالى (لايستحيى) وزنه يستفعل ولم يستعمل منه فعل بغير السين، وليس معناه الاستدعاء وعينه ولامه ياء‌ان، وأصله الحياء وهمزة الحياء بدل من الياء، وقرئ في الشاذ يستحى بياء واحدة والمحذوفة هى اللام كما تحذف في الجزم، ووزنه على هذا يستفع، إلا أن الياء نقلت حركتها إلى العين وسكنت، وقيل المحذوف هى العين وهو بعيد (أن يضرب) أى من أن يضرب، فموضعه نصب عند سيبويه وجر عند الخليل (ما) حرف زائد للتوكيد و (بعوضة) بدل من مثلا، وقيل مانكرة موصوفة، وبعوضة بدل من " ما " ويقرأ شاذا بعوضة بالرفع على أن تجعل مابمعنى الذى، ويحذف المبتدأ، أى الذى هو بعوضة، ويجوز أن يكون ماحرفا ويضمر المبتدأ تقديره: مثلا هو بعوضة (فما فوقها) الفاء للعطف، ومانكرة موصوفة، أو بمنزلة الذى، والعامل في فوق على الوجهين الاستقرار، والمعطوف عليه بعوضة (أما) حرف ناب عن حرف الشرط وفعل الشرط، ويذكر لتفصيل ماأجمل، ويقع الاسم بعده مبتدأ وتلزم الفاء خبره، والاصل مهما يكن من شئ فالذين آمنوا يعلمون، لكن لما نابت أما عن حرف الشرط كرهوا أن يولوها الفاء فأخروها إلى الخبر، وصار ذكر المبتدإ بعدها عوضا من اللفظ بفعل الشرط (من ربهم) في موضع نصب على الحال: والتقدير: أنه ثابت أو مستقر من ربهم، والعامل معنى الحق، وصاحب الحال الضمير المستتر فيه (ماذا) فيه قولان: أحدهما أن " ما " اسم للاستفهام موضعها رفع بالابتداء وذا بمعنى الذى و (أراد) صلة له، والعائد محذوف، والذى وصلته خبر المبتدإ، والثانى أن " ما وذا " اسم واحد للاستفهام، وموضعه نصب بأراد، ولاضمير في الفعل، والتقدير أى شئ أراد الله (مثلا) تمييز: أى من مثل، ويجوز أن يكون حالا من هذا: أى متمثلا أو متمثلا به، فيكون حالا من اسم الله (يضل) يجوز أن يكون في موضع نصب صفة للمثل، ويجوز أن يكون حالا من اسم الله، ويجوز أن يكون مستأنفا (إلا الفاسقين) مفعول يضل وليس بمنصوب على الاستثناء لان يضل لم يستوف مفعوله قبل إلا.
قوله تعالى (الذين ينقضون) في موضع نصب صفة للفاسقين، ويجوز أن يكون نصبا بإضمار أعنى، وان يكون رفعا على الخبر، أى هم الذين، ويجوز أن
[27]
يكون مبتدأ والخبر قوله " أولئك هم الخاسرون " (من بعد) من لابتداء غاية الزمان على رأى من أجاز ذلك، وزائدة على رأى من لم يجزه، وهو مشكل على أصله، لانه لايجيز زيادة من في الواجب (ميثاقه) مصدر بمعنى الايثاق، والهاء تعود على اسم الله أو على العهد، فإن أعدتها إلى اسم الله كان المصدر مضافا إلى الفاعل، وإن أعدتها إلى العهد كان مضافا إلى المفعول (ماأمر) مابمعنى الذى، ويجوز أن يكون نكرة موصوفة، و (أن يوصل) في موضع جر بدلا من الهاء، أى يوصله، ويجوز أن يكون بدلا من مابدل الاشتمال تقديره: ويقطعون وصل ماأمر الله به، ويجوز أن يكون في موضع رفع: أى هو أن يوصل (أولئك) مبتدأ و (هم) مبتدأ ثان أو فصل، و (الخاسرون) الخبر.
قوله تعالى (كيف تكفرون بالله) كيف في موضع نصب على الحال، والعامل فيه تكفرون، وصاحب الحال الضمير في تكفرون، والتقدير: أمعاندين تكفرون، ونحو ذلك، وتكفرون يتعدى بحرف الجر، وقد عدى بنفسه في قوله " ألا إن عادا كفروا ربهم " وذلك حمل على المعنى إذ المعنى جحدوا (وكنتم) قد معه مضمرة والجملة حال (ثم إليه) الهاء ضمير اسم الله، ويجوز أن يكون ضمير الاحياء المدلول عليه بقوله " فأحياكم ".
قوله تعالى (جميعا) حال في معنى مجتمعا (فسواهن) إنما جمع الضمير لان السماء جمع سماوة أبدلت الواو فيها همزة لوقوعها طرفا بعد ألف زائدة (سبع سموات) سبع منصوب على البدل من الضمير، وقيل التقدير: فسوى منهن سبع سموات، كقوله: واختار موسى قومه - فيكون مفعولا به، وقيل سوى بمعنى صير فيكون مفعولا ثانيا (وهو) يقرأ بإسكان الهاء وأصلها الضم، وإنما أسكنت لانها صارت كعضد فخففت، وكذلك حالها مع الفاء واللام نحو فهو لهو، ويقرأ بالضم على الاصل.
قوله تعالى (وإذ قال) هو مفعول به تقديره: واذكر إذ قال: وقيل هو خبر مبتدإ محذوف تقديره وابتداء خلقى إذ قال ربك، وقيل إذ زائدة و (للملائكة) مختلف في واحدها وأصلها.
فقال قوم أحدهم في الاصل مألك على مفعل، لانه مشتق من الالوكة وهى الرسالة ومنه قول الشاعر:
وغلام أرسلته أمه * بألوك فبذلنا ماسأل
فالهمزة فاء الكلمة، ثم أخرت فجعلت بعد اللام فقالوا: ملاك.
[28]
قال الشاعر:
فلست لانسى ولكن لملاك * تنزل من جو السماء يصوب
فوزنه الآن معفل والجمع ملائكة على معافلة.
وقال آخرون أصل الكلمة لاك فعين الكلمة همزة، وأصل ملك: ملاك من غير نقل، وعلى كلا القولين ألقيت حركة الهمزة على اللام وحذفت فلما جمعت ردت، فوزنه الآن مفاعلة، وقال آخرون عين الكلمة واو، وهو من لاك يلوك إذا أدار الشئ في فيه، فكأن صاحب الرسالة يديرها في فيه فيكون أصل ملك: ملاك مثل معاذ، ثم حذفت عينه تخفيفا، فيكون أصل ملائكة: ملاوكة، مثل مقاولة، فأبدلت الواو همزة، كما أبدلت واو مصائب.
وقال آخرون: ملك فعل من الملك، وهى القوة، فالميم أصل، ولاحذف فيه، لكنه جمع على فعائلة شاذا (جاعل) يراد به الاستقبال فلذلك عمل، ويجوز أن يكون بمعنى خالق، فيتعدى إلى مفعول واحد، وأن يكون بمعنى مصير فيتعدى إلى مفعولين ويكون (في الارض) هو الثانى (خليفة) فعيلة بمعنى فاعل، أى يخلف غيره، وزيدت الهاء للمبالغة (أتجعل) الهمزة للاسترشاد، أى تجعل فيها من يفسد كمن كان فيها من قبل، وقيل استفهموا عن أحوال أنفسهم، أى أتجعل فيها مفسدا ونحن على طاعتك أو نتغير (يسفك) الجمهور على التخفيف وكسر الفاء، وقد قرئ بضمها وهى لغتان، ويقرأ بالتشديد للتكثير، وهمزة (الدماء) منقلبة عن ياء لان الاصل دمى، لانهم قالوا دميان (بحمدك) في موضع الحال تقديره: نسبح مشتملين بحمدك أو متعبدين بحمدك (ونقدس لك) أى لاجلك، ويجوز أن تكون اللام زائدة: أى نقدسك، ويجوز أن تكون معدية للفعل كتعدية الباء مثل سجدت لله (إني أعلم) الاصل إننى، فحذفت النون الوسطى لا نون الوقاية، هذا هو الصحيح، وأعلم: يجوز أن يكون فعلا ويكون " ما " مفعولا، إما بمعنى الذى أو نكرة موصوفة، والعائد محذوف، ويجوز أن يكون اسما مثل أفضل، فيكون " ما " في موضع جر بالاضافة، ويجوز أن يكون في موضع نصب بأعلم كقولهم: هؤلاء حواج بيت الله، بالنصب والجر، وسقط التنوين لان هذا الاسم لاينصرف، فإن قلت: أفعل لاينصب مفعولا.
قيل: إن كانت من معه مرادة لم ينصب، وأعلم هنا بمعنى عالم، ويجوز أن يريد بأعلم: أعلم منكم، فيكون " ما " في موضع نصب بفعل محذوف دل عليه الاسم، ومثله قوله " هو أعلم من يضل عن سبيله ".
قوله تعالى (وعلم) يجوز أن يكون مستأنفا، وأن يكون معطوفا على " قال ربك " وموضعه جر كموضع قال، وقوى ذلك إضمار الفاعل، وقرئ " وعلم آدم " على
[29]
مالم يسم فاعله، وآدم أفعل، والالف فيه مبدلة من همزة هى فاء الفعل، لانه مشتق من أديم الارض أو من الادمة، ولايجوز أن يكون وزنه فاعلا، إذ لو كان كذلك لانصرف مثل عالم وخاتم، والتعريف وحده لايمنع وليس بأعجمى (ثم عرضهم) بعنى أصحاب الاسماء فلذلك ذكر الضمير (هؤلاء إن كنتم) يقرأ بتحقيق الهمزتين على الاصل، ويقرأ بهمزة واحدة، قيل المحذوفة هى الاولى، لانها لام الكلمة والاخرى أول الكلمة الاخرى وحذف الآخر أولى، وقيل المحذوفة الثانية لان الثقل بها حصل، ويقرأ بتليين الهمزة الاولى وتحقيق الثانية وبالعكس، ومنهم من يبدل الثانية ياء ساكنة كأنه قدرهما في كلمة واحدة طلبا للتخفيف.
قوله تعالى (سبحانك) سبحان اسم واقع موقع المصدر، وقد اشتق منه سبحت والتسبيح، ولايكاد يستعمل إلا مضافا، لان الاضافة تبين من المعظم، فإن أفرد عن الاضافة كان اسما علما للتسبيح لاينصرف للتعريف، والالف والنون في آخره مثل عثمان، وقد جاء في الشعر منونا على نحو تنوين العلم إذا نكر ومايضاف إليه مفعول به لانه المسبح، ويجوز أن يكون فاعلا، لان المعنى تنزهت، وانتصابه على المصدر بفعل محذوف تقديره: سبحت الله تسبيحا (إلا ماعلمتنا) مامصدرية أى إلا علما علمتناه، وموضعه رفع على البدل من موضع لا علم، كقولك لاإله إلا الله، ويجوز أن تكون " ما " بمعنى الذى، ويكون علم بمعنى معلوم: أى لامعلوم لنا إلا الذى علمتناه، ولايجوز أن تكون " ما " في موضع نصب بالعلم، لان اسم " لا " إذا عمل فيما بعده لايبنى (إنك أنت العليم) أنت مبتدأ والعليم خبره، والجملة خبر إن، ويجوز أن يكون أنت توكيد للمنصوب، ووقع بلفظ المرفوع لانه هو الكاف في المعنى ولايقع هاهنا إياك للتوكيد، لانها لو وقعت لكانت بدلا، وإياك لم يؤكد بها، ويجوز أن يكون فصلا لاموضع لها من الاعراب، و (الحكيم) خبر ثان أو صفة للعليم على قول من أجاز صفة الصفة، وهو صحيح لان هذه الصفة هى الموصوف في المعنى، والعليم بمعنى العالم، وأما الحكيم فيجوز أن يكون بمعنى الحاكم، وأن يكون بمعنى المحكم.
قوله تعالى (أنبئهم) يقرأ بتحقيق الهمزة على الاصل، وبالياء على تليين الهمزة، ولم نقلبها قلبا قياسيا، لانه لو كان كذلك لحذفت الياء كما تحذف من قولك أبقهم كما بقيت، وقد قرئ " آنبهم " بكسر الباء من غير همزة ولاياء، على أن يكون إبدال الهمزة ياء إبدالا قياسيا، وأنبأ يتعدى بنفسه إلى مفعول واحد، وإلى الثانى
[30]
بحرف الجر، وهو قوله (بأسمائهم) وقد يتعدى بعن كقولك: أنبأته عن حال زيد وأما قوله تعالى " قد نبأنا الله من أخباركم " فيذكر في موضعه (وأعلم ماتبدون) مستأنف وليس بمحكى بقوله (ألم أقل لكم) ويجوز أن يكون محكيا أيضا، فيكون في موضع نصب، وتبدون وزنه تفعون، والمحذوف منه لامه وهى واو، لانه من بدا يبدو، والاصل في الياء التى في (إنى) أن تحرك بالفتح لانها اسم مضمر على حرف واحد، فتحرك مثل الكاف في إنك، فمن حركها أخرجها على الاصل، ومن سكنها استثقل حركة الياء بعد الكسرة.
قوله تعالى (للملائكة اسجدوا) الجمهور على كسر التاء، وقرئ بضمها وهى قراء‌ة ضعيفة جدا، وأحسن ماتحمل عليه أن يكون الراوى لم يضبط على القارئ وذلك أن يكون القارئ أشار إلى الضم تنبيها على أن الهمزة المحذوفة مضمومة في الابتداء، ولم يدرك الراوى هذه الاشارة، وقيل إنه نوى الوقف على التاء الساكنة ثم حركها بالضم إتباعا لضمة الجيم، وهذا من إجراء الوصل مجرى الوقف، ومثله ماحكى عن امرأة رأت نساء معهن رجل فقالت: أفى سوأة أنتنه، بفتح التاء، وكأنها نوت الوقف على التاء، ثم ألقت عليها حركة الهمزة فصارت مفتوحة (إلا إبليس) استثناء منقطع، لانه لم يكن من الملائكة، وقيل هو متصل، لانه كان في الابتداء ملكا وهو اسم أعجمى لاينصرف للعجمة والتعريف، وقيل هو عربى واشتقاقه من الابلاس ولم ينصرف للتعريف، وأنه لانظير له في الاسماء، وهذا بعيد، على أن في الاسماء مثله نحو: إخريط وإجفيل وإصليت ونحوه، وأبى في موضع نصب على الحال من إبليس تقديره: ترك السجود كارها له ومستكبرا (وكان من الكافرين) مستأنف، ويجوز أن يكون في موضع حال أيضا.
قوله (اسكن أنت وزوجك) أنت توكيد للضمير في الفعل أتى به ليصح العطف عليه والاصل في (كل) أأكل مثل أقتل إلا أن العرب حذفت الهمزة الثانية تخفيفا، ومثله خذ، ولايقاس عليه، فلا تقول في الامر من أجر يأجر جر، وحكى سيبويه أو كل شاذا (منها) أى من ثمرتها، فحذف المضاف، وموضعه نصب بالفعل قبله، ومن لابتداء الغاية و (رغدا) صفة مصدر محذوف: أى أكلا رغدا أى طيبا هنيئا، ويجوز أن يكون مصدرا في موضع الحال تقديره: كلا مستطيبين متهنئين (حيث) ظرف مكان، والعامل فيه كلا، ويجوز أن يكون بدلا من الجنة فيكون حيث مفعولا به، لان الجنة مفعول وليس بظرف، لانك تقول سكنت
[31]
البصرة وسكنت الدار، بمعنى نزلت، فهو كقولك انزل من الدار حيث شئت (هذه الشجرة) الهاء بدل من الياء في هذى، لانك تقول في المؤنث هذى وهاتا وهاتى، والياء للمؤنث مع الذال لاغير، والهاء بدل منها لانها تشبهها في الخفاء والشجرة نعت لهذه، وقرئ في الشاذ " هذه الشيرة " وهى لغة أبدلت الجيم فيها ياء لقربها منها في المخرج (فتكونا) جواب النهى، لان التقدير: إن تقربا تكونا، وحذف النون هنا علامة النصب لان جواب النهى إذا كان بالفاء فهو منصوب، ويجوز أن يكون مجزوما بالعطف.
قوله تعالى (فأزلهما) يقرأ بتشديد اللام من غير ألف: أى حملها على الزلة، ويقرأ " فأزلهما " أى نحاهما، وهو من قولك: زال الشئ يزول إذا فارق موضعه وأزلته نحيته، وألفه منقلبة عن واو (مما كانا فيه) مابمعنى الذى، ويجوز أن تكون نكرة موصوفة: أى من نعيم أو عيش (اهبطوا) الجمهور على كسر الباء وهى اللغة الفصيحة، وقرئ بضمها، وهى لغة (بعضكم لبعض عدو) جملة في موضع الحال من الواو في اهبطوا أى اهبطوا متعادين، واللام متعلقة بعدو، لان التقدير بعضكم عدو لبعض، ويعمل عدو عمل الفعل لكن بحذف الجر، ويجوز أن يكون صفة لعدو، فلما تقدم عليه صار حالا، ويجوز أن تكون الجملة مستأنفة، وأما إفراد عدو فيحتمل أن يكون لما كان بعضكم مفردا في اللفظ أفرد عدو، ويحتمل أن يكون وضع الواحد موضع الجمع كما قال: " فإنهم عدو لى " (ولكم في الارض مستقر) يجوز أن يكون مستأنفا، ويجوز أن يكون حالا أيضا، وتقديره: اهبطوا متعادين مستحقين الاستقرار، ومستقر يجوز أن يكون مصدرا بمعنى الاستقرار، ويجوز أن يكون مكان الاستقرار، و (إلى حين) يجوز أن يكون في موضع رفع صفة لمتاع فيتعلق بمحذوف ويجوز أن يكون في موضع نصب بمتاع لانه في حكم المصدر والتقدير وأن تمتعوا إلى حين.
قوله تعالى (فتلقى آدم) يقرأ برفع آدم ونصب كلمات، وبالعكس لان كل ماتلقاك فقد تلقيته، و (من ربه) يجوز أن يكون في موضع نصب بتلقى، ويكون لابتداء الغاية، ويجوز أن يكون في الاصل صفة لكلمات تقديره: كلمات كائنة من ربه، فلما قدمها انتصبت على الحال (إنه هو التواب) هو هاهنا مثل أنت في " إنك أنت العليم الحكيم "وقد ذكر قوله (منها جميعا) حال: أى مجتمعين إما في زمن واحد أو في أزمنة، بحيث يشتركون في الهبوط (فإما) إن حرف شرط،
[32]
وما حرف مؤكد له، و (يأتينكم) فعل الشرط مؤكد بالنون الثقلية، والفعل يصير بها مبنيا أبدا، وماجاء في القرآن من أفعال الشرط عقيب إما كله مؤكد بالنون وهو القياس، لان زيادة " ما " تؤذن بإرادة شدة التوكيد، وقد جاء في الشعر غير مؤكد بالنون، وجواب الشرط (فمن تبع) وجوابه، ومن في موضع رفع بالابتداء، والخبر تبع، وفيه ضمير فاعل يرجع على من، وموضع تبع جزم بمن.
والجواب (فلا خوف عليهم) وكذلك كل اسم شرطت به وكان مبتدأ فخبره فعل الشرط لاجواب الشرط، ولهذا يجب أن يكون فيه ضمير يعود على المبتدإ، ولايلزم ذلك الضمير في الجواب حتى لو قلت: من يقم أكرم زيدا جاز، ولو قلت: من يقم زيدا أكرمه، وأنت تعيد الهاء إلى من لم يجز.
وذهب قوم إلى أن الخبر هو فعل الشرط والجواب، وقيل الخبر منهما ماكان فيه ضمير يعود على من، وخوف مبتدأ وعليهم الخبر، وجاز الابتداء بالنكرة لما فيه من معنى العموم بالنفى الذى فيه، والرفع والتنوين هنا أوجه
من البناء على الفتح لوجهين: أحدهما أنه عطف عليه مالايجوز فيه إلا الرفع، وهو قوله (ولاهم) لانه معرفة، ولا لاتعمل في المعارف، فالاولى أن يجعل المعطوف عليه كذلك ليتشاكل الجملتان، كما قالوا في الفعل المشغول بضمير الفاعل نحو: قام زيد وعمرا كلمته، فإن النصب في عمرو أولى ليكون منصوبا بفعل، كما أن المعطوف عليه عمل فيه الفعل. والوجه الثانى من جهة المعنى، وذلك بأن البناء يدل على نفى الخوف عنهم بالكلية. وليس المراد ذلك، بل المراد نفيه عنهم في الآخرة.
فإن قيل: لم لايكون وجه الرفع أن هذا الكلام مذكور في جزاء من اتبع الهدى. ولايليق أن ينفى عنهم الخوف اليسير، ويتوهم ثبوت الخوف الكثير.
قيل: الرفع يجوز أن يضمر معه نفى الكثير تقديره: لاخوف كثير عليهم. فيتوهم ثبوت الياء القليل، وهو عكس ماقدر في السؤال.
فبان أن الوجه في الرفع ماذكرنا (هداى) المشهور إثبات الالف قبل على لفظ المفرد قبل الاضافة، ويقرأ هدى بياء مشددة، ووجهها أن ياء المتكلم يكسر ماقبلها في الاسم الصحيح والالف لايمكن كسرها فقلبت ياء من جنس الكسرة ثم أدغمت.
قوله (بآياتنا) الاصل في آية: أية، لان فاء‌ها همزة وعينها ولامها ياء ان لانها من تأيا القوم إذا اجتمعوا وقالوا في الجمع آياء، فظهرت الياء الاولى والهمزة الاخيرة يدل من ياء ووزنه أفعال، والالف الثانية مبدلة من همزة هى فاء الكلمة، ولو كانت عينها واوا لقالوا: آواء، ثم إنهم أبدلوا الياء الساكنة في أية ألفا على خلاف القياس.

سورة آل عمران
بسم اللّه الرحمن الرحيم
(الم) قد تقدم الكلام عليها في أول البقرة والميم من ميم حركت لالتقاء الساكنين وهو الميم، ولام التعريف في اسم الله، ولم تحرك لسكونها وسكون الياء قبلها، لان جميع هذه الحروف التى على هذا المثال تسكن إذا لم يلقها ساكن بعدها كقوله لام ميم ذلك الكتاب، وحم، وطس، وق وك.
وفتحت لوجهين: أحدهما كثرة استعمال اسم الله بعدها، والثانى ثقل الكسرة بعد الياء والكسرة، وأجاز الاخفش كسرها، وفيه من القبح ماذكرنا، وقيل فتحت لان حركة همزة الله ألقيت عليها، وهذا بعيد لان همزة الوصل لاحظ لها في الثبوت في الوصل حتى تلقى حركتها على غيرها، وقيل الهمزة في الله همزة قطع، وإنما حذفت لكثرة الاستعمال، فلذلك ألقيت حركتها على الميم لانها تستحق الثبوت، وهذا يصح على قول من جعل أداة التعريف أل (الله لا إله إلا هو الحى القيوم) قد ذكر إعرابه في آية الكرسى (نزل عليك) هو خبر آخر، وماذكرناه في قوله " لا تأخذه " فمثله هاهنا، وقرئ نزل عليك بالتخفيف و (الكتاب) بالرفع، وفى الجملة وجهان: أحدهما هى منقطعة، والثانى هى متصلة بما قبلها، والضمير محذوف تقديره: من عنده، و (بالحق) حال من الكتاب، و (مصدقا) إن شئت جعلته حالا ثانيا، وإن شئت جعلته بدلا من موضع قوله بالحق، وإن شئت جعلته حالا من الضمير في المجرور (التوراة) فوعلة من ورى الزنديرى
[123]
إذا ظهر منه النار، فكان التوراة ضياء من الضلال، فأصلها وورية فأبدلت الواو الاولى تاء كما قالوا تولج وأصله وولج وأبدلت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ماقبلها.
وقال الفراء: أصلها تورية على تفعلة كتوصية، ثم أبدل من الكسرة الفتحة فانقلبت الياء ألفا، كما قالوا في ناصية ناصاة، ويجوز إمالتها لان أصل ألفها ياء (والانجيل) إفعيل من النجل وهو الاصل الذى يتفرع عنه غيره، ومنه سمى الولد نجلا، واستنجل الوادى إذا نز ماؤه، وقيل هو من السعة من قولهم: نجلت الاهاب إذا شققته، ومنه عين نجلاء واسعة الشق، فالانجيل الذى هو كتاب عيسى تضمن سعة لم تكن لليهود، وقرأ الحسن " الانجيل " بفتح الهمزة، ولايعرف له نظير، إذ ليس في الكلام أفعيل، إلا أن الحسن ثقة، فيجوز أن يكون سمعها، و (من قبل) يتعلق بأنزل، وبنيت قبل لقطعها عن الاضافة، والاصل من قبل ذلك، فقبل في حكم بعض الاسم وبعض الاسم لا يستحق إعرابا (هدى) حال من الانجيل والتوراة، ولم يئن لانه مصدر، ويجوز أن يكون حالا من الانجيل، ودل على حال للتوراة محذوفة كما يدل أحد الخبرين على الآخر (للناس) يجوز أن يكون صفة لهدى، وأن يكون متعلقا به، و (الفرقان) فعلال من الفرق، وهو مصدر في الاصل، فيجوز أن يكون بمعنى الفارق أو المفروق ويجوز أن يكون التقدير ذا الفرقان.
قوله تعالى (لهم عذاب) ابتداء وخبر في موضع خبر إن، ويجوز أن يرتفع العذاب بالظرف.
قوله تعالى (في الارض) يجوز أن يكون صفة لشئ، وأن يكون متعلقا بيخفى قوله تعالى (في الارحام) في متعلقة بيصور، ويجوز أن يكون حالا من الكاف والميم: أى يصوركم وأنتم في الارحام مضغ (كيف يشاء) كيف في موضع نصب بيشاء وهو حال، والمفعول: محذوف تقديره: يشاء تصويركم، وقيل كيف ظرف ليشاء، وموضع الجملة حال تقديره: يصوركم على مشيئته أى مريدا، فعلى هذا يكون حالا من ضمير اسم الله، ويجوز أن تكون حالا من الكاف والميم: أى يصوركم متقلبين على مشيئته (لاإله إلا هو العزيز الحكيم) هو مثل قوله لا إله إلا هو الرحمن الرحيم.
قوله تعالى (منه آيات) الجملة في موضع نصب على الحال من الكتاب، ولك أن ترفع آيات بالظرف لانه قد اعتمد، ولك أن ترفعه بالابتداء والظرف خبره (هن أم الكتاب) في موضع رفع صفة لآيات وإنما أفرد أم وهو خبر عن جمع،
[124]
لان المعنى أن جميع الآيات بمنزلة آية واحدة فأفرد على المعنى، ويجوز أن يكون أفرد في موضع الجمع على ماذكرنا في قوله " وعلى سمعهم " ويجوز أن يكون المعنى كل منهن أم الكتاب، كما قال الله تعالى " فاجلدوهم ثمانين " أى فاجلدوا كل واحد منهم (وأخر) معطوف على آيات، و (متشابهات) نعت لاخر.
فإن قيل: واحدة متشابهات متشابهة، وواحدة أخر أخرى، والواحد هنا لايصح أن يوصف بهذا الواحد فلا يقال أخرى متشابهة إلا أن يكون بعض الواحدة يشبه بعضا، وليس المعنى على ذلك، وإنما المعنى أن كل آية تشبه آية أخرى فكيف صح وصف هذا الجمع بهذا الجمع، ولم يوصف مفرده بمفرده.
قيل: التشابه لايكون إلا بين اثنين فصاعدا، فإذا اجتمعت الاشياء المتشابهة كان كل منهما مشابها للآخر، فلما لم يصح التشابه إلا في حالة الاجتماع وصف الجمع بالجمع، لان كل واحد من مفرداته يشابه باقيها، فأما الواحد فلا يصح فيه هذا المعنى، ونظيره قوله تعالى " فوجد فيها رجلين يقتتلان " فثنى الضمير وإن كان لايقال في الواحد يقتتل (ماتشابه منه) ما بمعنى الذى، ومنه حال من ضمير الفاعل: والهاء تعود على الكتاب (ابتغاء) مفعول له، والتأويل مصدر أول يؤول، وأصله من آل يئول إذا انتهى نهايته، و (الراسخون) معطوف على اسم الله، والمعنى أنهم يعلمون تأويله أيضا، و (يقولون) في موضع نصب على الحال وقيل الراسخون مبتدأ، ويقولون الخبر، والمعنى: أن الراسخين لا يعلمون تأويله بل يؤمنون به (كل) مبتدأ: أى كله أو كل منه، و (من عند) الخبر وموضع آمنا وكل من عند ربنا نصب بيقولون.
قوله تعالى (لاتزغ قلوبنا) الجمهور على ضم التاء ونصب القلوب، يقال: زاغ القلب وأزاغه الله، وقرئ بفتح التاء ورفع القلوب على نسبة الفعل إليها، و (إذ هديتنا) ليس بظرف لانه أضيف إليه بعد (من لدنك) لدن مبنية على السكون، وهى مضافة لان علة بنائها موجودة بعد الاضافة، والحكم يتبع العلة، وتلك العلة أن لدن بمعنى عند الملاصقة للشئ، فعند إذا ذكرت لم تختص بالمقارنة، ولدن عند مخصوص فقد صار فيها معنى لايدل عليه الظرف بل هو من قبيل مايفيده الحرف، فصارت كأنها متضمنة للحرف الذى كان ينبغى أن يوضع دليلا على القرب ومثله ثم وهنا لانهما بنيا لما تضمنا حرف الاشارة.
وفيها لغات هذه إحداها، وهى فتح اللام وضم الدال وسكون النون. والثانية كذلك إلا أن الدال ساكنة، وذلك
[125]
تخفيف كما خفف عضد، والثالثة بضم اللام وسكون الدال، والرابعة لدى(1) والخامسة لد بفتح اللام وضم الدال من غير نون، والسادسة بفتح اللام وإسكان الدال ولاشئ بعد الدال.
قوله تعالى (جامع الناس) الاضافة غير محضة لانه مستقبل، والتقدير: جامع الناس (ليوم) تقديره: لعرض يوم أو حساب يوم، وقيل اللام بمعنى في: أى في يوم، والهاء في (فيه) تعود على اليوم، وإن شئت على الجمع، وإن شئت على الحساب أو العرض، ولاريب في موضع جر صفة ليوم (إن الله لا يخلف) أعاد ذكر الله مظهرا تفخيما، ولو قال إنك لا تخلف كان مستقيما، ويجوز أن يكون مستأنفا وليس محكيا عمن تقدم، و (الميعاد) مفعال من الوعد قلبت واوه ياء لسكونها وانكسار ماقبلها.
قوله تعالى (لن تغنى) الجمهور على التاء لتأنيث الفاعل، ويقرأ بالياء لان تأنيث الفاعل غير حقيقى، وقد فصل بينهما أيضا (من الله) في موضع نصب لان التقدير: من عذاب الله، والمعنى: لن تدفع الاموال عنهم عذاب الله، و (شيئا) على هذا في موضع المصدر تقديره: غنى ويجوز أن يكون شيئا مفعولا به على المعنى، لان معنى تغنى عنهم تدفع، ويكون من الله صفة لشئ في الاصل قدم فصار حالا، والتقدير لن تدفع عنهم الاموال شيئا من عذاب الله. والوقود بالفتح الحطب وبالضم التوقد، وقيل هما لغتان بمعنى.
قوله تعالى (كدأب) الكاف في موضع نصب نعتا لمصدر محذوف، وفى ذلك المحذوف أقوال: أحدها تقديره: كفروا كفرا كعادة آل فرعون، وليس الفعل المقدر هاهنا هو الذى في صلة الذين، لان الفعل قد انقطع تعلقه بالكاف لاجل استيفاء الذين خبره، ولكن بفعل دل عليه " كفروا " التى هى صلة.
والثانى تقديره عذبوا عذابا كدأب آل فرعون، ودل عليه أولئك هم وقود النار.
والثالث تقديره بطل انتفاعهم بالاموال والاولاد كعادة آل فرعون.
والرابع تقديره: كذبوا تكذيبا كدأب آل فرعون، فعلى هذا يكون الضمير في كذبوا لهم، وفي ذلك تخويف لهم لعلمهم بما حل بآل فرعون، وفى أخذه لآل فرعون (والذين من قبلهم) على هذا في موضع جر عطفا على آل فرعون، وقيل الكاف في موضع رفع خبر ابتداء محذوف تقديره: دأبهم في ذلك مثل دأب آل فرعون، فعلى هذا يجوز في والذين من قبلهم وجهان: أحدهما هو جر بالعطف أيضا، وكذبوا في موضع الحال

___________________________________
(1) (قوله والرابعة لدى) يقرأ بالتنوين كقفا كما في القاموس اه‍ مصححة. (*)
[126]
وقد معه مرادة، ويجوز أن يكون مستأنفا لاموضع له ذكر لشرح حالهم، والوجه.
الآخر أن يكون الكلام تم على فرعون والذين من قبلهم مبتدأ، و (كذبوا) خبره، و (شديد العقاب) تقديره: شديد عقابه فالاضافة غير محضة، وقيل شديد هنا بمعنى مشدد، فيكون على هذا من إضافة اسم الفاعل إلى المفعول، وقد جاء فعيل بمعنى مفعل ومفعل.
قوله تعالى (ستغلبون وتحشرون) يقرآن بالتاء على الخطاب: أى واجههم بذلك وبالياء تقديره: أخبرهم بأحوالهم فإنهم سيغلبون ويحشرون (وبئس المهاد) أى جهنم فحذف المخصوص بالذم.
قوله تعالى (قد كان لكم آية) آية اسم كان، ولم يؤنث لان التأنيث غير حقيقى، ولانه فصل، ولان الآية والدليل بمعنى، وفى الخبر وجهان: أحدهما لكم و (في فئتين) نعت لآية.
والثانى أن الخبر في فئتين، ولكم متعلق بكان، ويجوز أن يكون لكم في موضع نصب على الحال على أن يكون صفة لآية: أى آية كائنة لكم فيتعلق بمحذوف، و (التقتا) في موضع جر نعتا لفئتين، و (فئة) خبر مبتدأ محذوف: أى إحداهما فئة (وأخرى) نعت لمبتدأ محذوف تقديره: وفئة أخرى (كافرة) فإن قيل: إذا قررت في الاولى إحداهما مبتدأ كان القياس أن يكون والاخرى: أى والاخرى فئة كافرة، قيل، لما علم أن التفريق هنا لنفس المثنى المقدم ذكره كان التعريف والتنكير واحدا، ويقرأ في الشاذ " فئة تقاتل وأخرى كافرة " بالجر فيهما على أنه بدل من فئتين، ويقرأ أيضا بالنصب فيهما على أن يكون حالا من الضمير في التقتا تقديره: التقتا مؤمنة وكافرة، وفئة أخرى على هذا للحال، وقيل فئة، وماعطف عليها على قراء‌ة من رفع بدل من الضمير في التقتا (ترونهم) يقرأ بالتاء مفتوحة، وهو من رؤية العين، و (مثليهم) حال، و (رأى العين) مصدر مؤكد، ويقرأ في الشاذ " ترونهم " بضم التاء على مالم يسم فاعله، وهو من أورى إذا دله غيره عليه كقولك، أريتك هذا الثوب، ويقرأ في المشهور بالياء على الغيبة، فأما القراء‌ة بالتاء فلان أول الآية خطاب، وموضع الجملة على هذا يجوز أن يكون نعتا صفة لفئتين، لان فيها ضميرا يرجع عليهما، ويجوز أن يكون حالا من الكاف في لكم، وأما القراء‌ة بالياء فيجوز أن يكون في معنى التاء، إلا أنه رجع من الخطاب إلى الغيبة، والمعنى واحد وقد ذكر نحوه، ويجوز أن يكون مستأنفا، ولا يجوز أن يكون من رؤية القلب على كل الاقوال لوجهين: أحدهما قوله رأى العين، والثانى أن رؤية القلب علم، ومحال أن يعلم الشئ شيئين.
[127]
(يؤيد) يقرأ بالهمز على الاصل وبالتخفيف، وتخفيف الهمزة هنا جعلها واوا خالصة لاجل الضمة قبلها، ولايصح أن تجعل بين بين لقربها من الالف، ولايكون ماقبل الالف إلا مفتوحا، ولذلك لم تجعل الهمزة المبدوء بها بين بين لاستحالة الابتداء بالالف.
قوله تعالى (زين) الجمهور على ضم الزاى، ورفع (حب) ويقرأ بالفتح ونصب حب تقديره: زين للناس الشيطان على ماجاء صريحا في الآية الاخرى، وحركت الهاء بفى (الشهوات) لانها اسم غير صفة (من النساء) في موضع الحال من الشهوات، والنون في القنطار أصل، ووزنه فعلال مثل حملاق، وقيل هى زائدة واشتقاقه من قطر يقطر إذا جرى، والذهب والفضة يشبهان بالماء في الكثرة وسرعة التقلب، و (من الذهب) في موضع الحال من المقنطرة (والخيل) معطوف على النساء لا على الذهب والفضة لانها لاتسمى قنطارا، وواحد الخيل خائل، وهو مشتق من الخيلاء مثل طير وطائر، وقال قوم: لا واحد له من لفظه بل هو اسم للجمع والواحد فرس، ولفظه لفظ المصدر، ويجوز أن يكون مخففا من خيل ولم يجمع (الحرث) لانه مصدر بمعنى المفعول، وأكثر الناس على أنه لايجوز إدغام الثاء في الذال هنا لئلا يجمع بين ساكنين لان الراء ساكنة، فأما الادغام في قوله يلهث ذلك فجائز، و (المآب) مفعل من آب يئوب، والاصل مأوب، فلما تحركت الواو وانفتح ماقبلها في الاصل وهو آب قلبت ألفا.
قوله تعالى (قل أؤنبئكم) يقرأ بتحقيق الهمزتين على الاصل، وتقلب الثانية واوا خالصة لانضمامها وتليينها وهو جعلها بين الواو والهمزة، وسوغ ذلك انفتاح ماقبلها (بخير من ذلكم) " من " في موضع نصب بخير تقديره: بما يفضل ذلك، ولايجوز أن يكون صفة لخير، لان ذلك يوجب أن تكون الجنة ومافيها مما رغبوا فيه بعضا لما زهدوا فيه من الاموال ونحوها (للذين اتقوا) خبر المبتدأ الذى هو (جنات) و (تجرى) صفة لها.
وعند ربهم يحتمل وجهين: أحدهما أن يكون ظرفا للاستقرار. والثانى أن يكون صفة للجنات في الاصل قدم فانتصب على الحال ويجوز أن يكون العامل تجرى، و (من تحتها) متعلق بتجرى، ويجوز أن يكون حالا من (الانهار) أى تجرى الانهار كائنة تحتها.
ويقرأ جنات بكسر التاء وفيه وجهان: أحدهما هو مجرور بدلا من خير، فيكون للذين اتقوا على هذا صفة لخير، والثانى أن يكون منصوبا على إضمار أعنى، أو بدلا من موضع بخير، ويجوز أن يكون
[128]
الرفع على خبر مبتدأ محذوف: أى هو جنات، ومثله " بشر من ذلكم النار " ويذكر في موضعه إن شاء الله تعالى، و (خالدين فيها) حال إن شئت من الهاء في تحتها، وإن شئت من الضمير في اتقوا، والعامل الاستقرار، وهى حال مقدرة (وأزواج) معطوف على جنات بالرفع، فأما على القراء‌ة الاخرى فيكون مبتدأ وخبره محذوف تقديره: ولهم أزواج (ورضوان) يقرأ بكسر الراء وضمها وهما لغتان، وهو مصدر ونظير الكسر الاتيان والقربات، ونظير الضم الشكران والكفران.
قوله تعالى (الذين يقولون) يجوز أن يكون في موضع جر صفة للذين اتقوا أو بدل منه، ويضعف أن يكون صفة للعباد، لان فيه تخصيصا لعلم الله وهو جائز على ضعفه، ويكون الوجه فيه إعلامهم بأنه عالم بمقدار مشقتهم في العبادة فهو يجازيهم عليها، كما قال: والله أعلم بإيمانكم، ويجوز أن يكون في موضع نصب على تقدير أعنى، وأن يكون في موضع رفع على إضمارهم.
قوله تعالى (الصابرين) ومابعده يجوز أن يكون مجرورا، وأن يكون منصوبا صفة للذين إذا جعلته في موضع جر أو نصب، وإن جعلت الذين رفعا نصبت الصابرين بأعنى.
فإن قيل: لم دخلت الواو في هذه وكلها لقبيل واحد؟
ففيه جوابان: أحدهما أن الصفات إذا تكررت جاز أن يعطف بعضها على بعض بالواو، وإن كان الموصوف بها واحدا، ودخول الواو في مثل هذا الضرب تفخيم، لانه يؤذن لان كل صفة مستقلة بالمدح، والجواب الثانى أن هذه الصفات متفرقة فيهم، فبعضهم صابر وبعضهم صادق، فالموصوف بها متعدد.
قوله تعالى (شهد الله) الجمهور على أنه فعل وفاعل، ويقرأ " شهداء لله " جمع شهيدا أو شاهد بفتح الهمزة وزيادة لام مع اسم الله، وهو حال من يستغفرون، ويقرأ كذلك إلا أنه مرفوع على تقدير: هم شهداء، ويقرأ " شهداء الله " بالرفع والاضافة، و (أنه) أى بأنه في موضع نصب أو جر على ماذكرنا من الخلاف في غير موضع (قائما) حال من هو، والعامل فيه معنى الجملة: أى يفرد قائما، وقيل هو حال من اسم الله: أى شهد لنفسه بالوحدانية، وهى حال مؤكدة على الوجهين، وقرأ ابن مسعود القائم على أنه بدل أو خبر مبتدأ محذوف (العزيز الحكيم) مثل الرحمن الرحيم في قوله " وإلهكم إله واحد " وقد ذكر.
[129]
قوله تعالى (إن الذين) الجمهور على كسر الهمزة على الاستئناف، ويقرأ بالفتح على أن الجملة مصدر، وموضعه جر بدلا من أنه لاإله إلا هو: أى شهد الله بوحدانيته بأن الدين، وقيل هو بدل من القسط، وقيل هو في موضع نصب بدلا من الموضع، والبدل على الوجوه كلها بدل الشئ من الشئ وهو هو، ويجوز بدل الاشتمال (عند الله) ظرف العامل فيه الدين، وليس بحال منه لانه أن تعمل في الحال (بغيا) مفعول من أجله، والتقدير: اختلفوا بعد ماجاء‌هم العلم للبغى، ويجوز أن يكون مصدرا في موضع الحال (ومن يكفر) " من " مبتدأ، والخبر يكفر، وقيل الجملة من الشرط والجزاء هى الخبر، وقيل الخبر هو الجواب، والتقدير: سريع الحساب له.
قوله تعالى (ومن اتبعنى) " من " في موضع رفع عطفا على التاء في أسلمت: أى وأسلم من اتبعنى وجوههم لله، وقيل هو مبتدأ والخبر محذوف: أى كذلك، ويجوز إثبات الياء على الاصل وحذفها تشبيها له برؤوس الآى والقوافى، كقول الاعشى: فهل يمنعنى ارتيادى البلا * دمن حذر الموت أن يأتين وهو كثير في كلامهم (أأسلمتم) هو في معنى الامر: أى أسلموا كقوله " فهل أنتم منتهون " أى انتهوا.
قوله تعالى (فبشرهم) هو خبر إن، ودخلت الفاء فيه حيث كانت صلة الذى فعلا، وذلك مؤذن باستحقاق البشارة بالعذاب جزاء على الكفر، ولا تمنع إن من دخول الفاء في الخبر لانها لم تغير معنى الابتداء بل أكدته، فلو دخلت على الذى كان أو ليت لم يجز دخول الفاء في الخبر.
ويقرأ " ويقاتلون النبيين " ويقتلون هو المشهور، ومعناهما متقارب.
قوله تعالى (يدعون) في موضع حال من الذين (وهم معرضون) في موضع رفع صفة لفريق، أو حالا من الضمير في الجار، وقد ذكرنا ذلك في قوله " أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ".
قوله تعالى (ذلك) هو خبر مبتدإ محذوف. أى ذلك الامر ذلك، فعلى هذا يكون قوله (بأنهم قالوا) في موضع نصب على الحال مما في ذا من معنى الاشارة: أى ذلك الامر مستحقا بقولهم وهذا ضعيف، والجيد أن يكون ذلك مبتدأ وبأنهم خبره: أى ذلك العذاب مستحق بقولهم.
[130]
قوله تعالى (فكيف إذا جمعناهم) كيف في موضع نصب على الحال، والعامل فيه محذوف تقديره: كيف يصنعون أو كيف يكونون، وقيل كيف ظرف لهذا المحذوف وإذا ظرف للمحذوف أيضا.
قوله تعالى (قل اللهم) الميم المشددة عوض من ياء، وقال الفراء: الاصل ياألله أمنا بخير، وهو مذهب ضعيف، وموضع بيان ضعفه غير هذا الموضع (مالك الملك) هو نداء ثان: أى يامالك الملك، ولايجوز أن يكون صفة عند سيبويه على الموضع، لان الميم في آخر المنادى تمنع من ذلك عنده، وأجاز المبرد والزجاج أن يكون صفة (تؤتى الملك) هو ومابعده من المعطوفات خبر مبتدإ محذوف: أى أنت، وقيل هو مستأنف، وقيل الجملة في موضع الحال من المنادى، وانتصاب الحال على المنادى مختلف فيه، والتقدير: من يشاء إتيانه إياه، ومن يشاء انتزاعه منه (بيدك الخير) مستأنف، وقيل حكمه حكم ماقبله من الجمل.
قوله تعالى (الميت من الحى) يقرأ بالتخفيف والتشديد، وقد ذكرناه في قوله " إنما حرم عليكم الميتة " (بغير حساب) يجوز أن يكون حالا من المفعول المحذوف: أى ترزق من تشاؤه غير محاسب، ويجوز أن يكون حالا من ضمير الفاعل: أى تشاء غير محاسب له أو غير مضيق له، ويجوز أن يكون نعتا لمصدر محذوف أو مفعول محذوف: أى رزقا غير قليل.
قوله تعالى (لايتخذ المؤمنون) هو نهى، وأجاز الكسائى فيه الرفع على الخبر، والمعنى لايبتغى (من دون) في موضع نصب صفة لاولياء (فليس من الله في شئ) التقدير فليس في شئ من دين الله، فمن الله في موضع نصب على الحال لانه صفة للنكرة قدمت عليه (إلا أن تتقوا) هذا رجوع من الغيبة إلى الخطاب، وموضع أن تتقوا نصب لانه مفعول من أجله، وأصل (تقاة) وقية، فأبدلت الواو تاء لانضمامها ضما لازما مثل نحاة، وأبدلت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ماقبلها وانتصابها على الحال، ويقرأ تقية ووزنها فعيلة، والياء بدل من الواو أيضا (ويحذركم الله نفسه) أى عقاب نفسه، كذا قال الزجاج، وقال غيره: لاحذف هنا.
قوله تعالى (ويعلم مافى السموات) هو مستأنف، وليس من جواب الشرط لانه يعلم مافيها على الاطلاق.
قوله تعالى (يوم تجد) يوم هنامفعول به: أى اذكر، وقيل هو ظرف والعامل فيه " قدير " وقيل العامل فيه " وإلى الله المصير " وقيل العامل فيه: ويحذركم
[131]
الله عقابه يوم تجد فالعامل فيه العقاب لا التحذير، (وما عملت) مافيه بمعنى الذى، والعائد محذوف وموضعه نصب مفعول أول، و (محضرا) المفعول الثانى هكذا ذكروا، والاشبه أن يكون محضرا حالا، وتجد المتعدية إلى مفعول واحد (وماعملت من سوء) فيه وجهان: أحدهما هى بمعنى الذى أيضا معطوفة على الاولى، والتقدير: وماعملت من سوء محضرا أيضا، و (تود) على هذا في موضع نصب على الحالوالعامل تجد.
والثانى: أنها شرط وارتفع تود على أنه أراد ألفاه أى فهى تود، ويجوز أن يرتفع من غير تقدير حذف لان الشرط هنا ماض. وإذا لم يظهر في الشرط لفظ الجزم جاز في الجزاء الجزم والرفع.
قوله تعالى (فإن تولوا) يجوز أن يكون خطابا فتكون التاء محذوفة: أى فإن تتولوا وهو خطاب كالذى قبله، ويجوز أن يكون للغيبة فيكون لفظه لفظ الماضى.
قوله تعالى (ذرية) قد ذكرنا وزنها ومافيها من القراء‌ات، فأما نصبها فعلى البدل من نوح وماعطف عليه من الاسماء، ولايجوز أن يكون بدلا من آدم لانه ليس بذرية، ويجوز أن يكون حالا منهم أيضا والعامل فيها اصطفى (بعضها من بعض) مبتدأ وخبر في موضع نصب صفة لذرية.
قوله تعالى (إذ قالت) قيل تقديره اذكر، وقيل هو ظرف لعليم، وقيل العامل فيه اصطفى المقدرة مع آل عمران (محررا) حال من ما وهى بمعنى الذى لانه لم يصر ممن يعقل بعد، وقيل هو صفة لموصوف محذوف، أى غلاما محررا، وإنما قدروا غلاما لانهم كانوا لايجعلون لبيت المقدس إلا الرجال.
قوله تعالى (وضعتها أنثى) أنثى حال من الهاء أو بدل منها (بما وضعت) يقرأ بفتح العين وسكون التاء على أنه ليس من كلامها بل معترض وجاز ذلك لما فيه من تعظيم الرب تعالى، ويقرأ بسكون العين وضم التاء على أنه من كلامها والاولى أقوى، لان الوجه في مثل هذا أن يقال وأنت أعلم بما وضعت. ووجه جوازه أنها وضعت الظاهر موضع المضمر تفخيما، ويقرأ بسكون العين وكسر التاء كأن قائلا قال لها ذلك (سميتها مريم) هذا الفعل مما يتعدى إلى المفعول الثانى تارة بنفسه وتارة بحرف الجر تقول العرب سميتك زيدا وبزيد.
قوله تعالى (وأنبتها نباتا حسنا) هو هنا مصدر على غير لفظ الفعل المذكور
[132]
وهو نائب عن إنبات، وقيل التقدير فنبتت نباتا، والنبت والنبات بمعنى، وقد يعبر بهما عن النابت، وتقبلها: أى قبلها، ويقرأ على لفظ الدعاء في تقبلها وأنبتها وكفلها وربها بالنصب: أى ياربها، و (زكريا) المفعول الثانى، ويقرأ في المشهور كفلها بفتح الفاء، وقرئ أيضا بكسرها وهى لغة، يقال كفل يكفل مثل علم يعلم، ويقرأ بتشديد الفاء والفاعل الله وزكريا المفعول، وهمزة زكريا للتأنيث إذ ليست منقلبة ولازائدة للتكثير ولا للالحاق، وفيه أربع لغات: هذه إحداها، والثانية القصر، والثالثة زكرى بياء مشدد من غير ألف، والرابعة زكر بغير ياء (كلما) قد ذكرنا إعرابه أول البقرة، و (المحراب) مفعول دخل، وحق " دخل " أى يتعدى بفى أو بإلى لكنه اتسع فيه فأوصل بنفسه إلى المفعول، و (عندها) يجوز أن يكون ظرفا لوجد وأن يكون حالا من الرزق وهوصفة له في الاصل: أى رزقا كائنا عندها ووجد المتعدى إلى مفعول واحد وهو جواب كلما.
وأما (قال يامريم أنى لك) فهو مستأنف فلذلك لم يعطفه بالفاء ولذلك (قالت هو من عند الله) ولايجوز أن يكون قال بدلا من وجد، لانه ليس في معناه، ويجوز أن يكون التقدير فقال فحذف الفاء كما حذفت في جواب الشرط كقوله " وإن أطعتموهم إنكم " وكذلك قول الشاعر: * من يفعل الحسنات الله يشكرها * وهذا الموضع يشبه جواب الشرط، لان كلما تشبه الشرط في اقتضائها الجواب (هذا) مبتدأ وأنى خبره، والتقدير من أين ولك تبيين؟ ويجوز أن يرتفع هذا بلك وأنى ظرف للاستقرار.
قوله تعالى (هنا لك) أكثر مايقع هنا ظرف مكان وهو أصلها، وقد وقعت هنا زمانا فهى في ذلك كعند فإنك تجعلها زمانا وأصلها المكان كقولك أتيتك عند طلوع الشمس، وقيل هنا مكان: أى في ذلك المكان دعا زكريا والكاف حرف للخطاب وبها تصير هنا للمكان البعيد عنك، ودخلت اللام لزيادة البعد وكسرت على أصل التقاء الساكنين هى والالف قبلها، وقيل كسرت لئلا تلتبس بلام الملك، وإذا حذفت الكاف فقلت هنا للمكان والحاضر في هنا دعا (قال) مثل قال أنى لك (من لدنك) يجوز أن يتعلق بهب لى فيكون من لابتداء غاية الهبة، ويجوز أن يكون في الاصل صفة ل‍ (ذرية) قدمت فانتصبت على الحال، و (سميع) بمعنى سامع.
[133]
قوله تعالى (فنادته) الجمهور على إثبات تاء التأنيث، لان الملائكة جماعة، وكره(1) قوم التاء لانها للتأنيث، وقد زعمت الجاهلية أن الملائكة إناث فلذلك قرأ من قرأ فناداه بغير تاء والقراء‌ة به جيدة، لان الملائكة جمع ومااعتلوا به ليس بشئ، لان الاجماع على إثبات التاء في قوله " وإذ قالت الملائكة يامريم " (وهو قائم) حال من الهاء في نادته (يصلى) حال من الضمير في قائم، ويجوز أن يكون في موضع رفع صفة لقائم (إن الله) يقرأ بفتح الهمزة: أى بأن الله، وبكسرها: أى قالت إن الله لان النداء قول (يبشرك) الجمهور على التشديد، ويقرأ بفتح الياء وضم الشين مخففا، وبضم الياء وكسر الشين مخففا أيضا، يقال بشرته وبشرته وأبشرته.
ومنه قوله " وأبشروا بالجنة " (يحيى) اسم أعجمى، وقيل سمى بالفعل الذى ماضيه حيى (مصدقا) حال منه (وسيدا وحصورا ونبيا) كذلك.
قوله تعالى (غلاما) اسم يكون ولى خبره، ويجوز أن يكون فاعل يكون على أنها تامة فيكون لى متعلقا بها أو حالا من غلام أى أنى يحدث غلام لى؟ وأنى بمعنى كيف أو من أين (بلغنى الكبر) وفى موضع آخر " بلغت من الكبر " والمعنى واحد لان مابلغك فقد بلغته (عاقر) أى ذات عقر فهو على النسب وهو في المعنى مفعول أى معقورة ولذلك لم يلحق تاء التأنيث (كذلك) في موضع نصب: أى يفعل مايشاء فعلا كذلك.
قوله تعالى (اجعل لى آية) أى صير لى، فآية مفعول أول ولى مفعول ثان (آيتك) مبتدأ، و (ألا تكلم) خبره، وإن كان قد قرئ تكلم بالرفع فهو جائز على تقدير: إنك لاتكلم كقوله " ألا يرجع إليهم قولا " (إلا رمزا) استثناء من غير الجنس، لان الاشارة ليست كلاما، والجمهور على فتح الراء وإسكان الميم وهو مصدر رمز ويقرأ بضمها وهو جمع رمزة بضمتين وأقر ذلك في الجمع، ويجوز أن يكون مسكن الميم في الاصل، وإنما أتبع الضم الضم، ويجوز أن يكون مصدرا غير جمع، وضم إتباعا كاليسر واليسر (كثيرا) أى ذكرا كثيرا، و (العشى) مفرد وقيل جمع عشية (والابكار) مصدر، والتقدير: ووقت الابكار، يقال أبكر إذا دخل في البكرة.
قوله تعالى (وإذ قالت) تقديره، واذكر إذ قالت: وإن شئت كان معطوفا على " إذ قالت امرأة عمران " والاصل في اصطفى اصتفى ثم أبدلت التاء طاء لتوافق الصاد في الاطباق، وكرر اصطفى إما توكيدا وإما ليبين من اصطفاها عليهم.

___________________________________
(1) القراء‌تان جيدتان صحيحتان فلا عبرة بكراهة قوم لحوق تاء التأنيث في قوله (فنادته) اه‍ مصحح. (*)
[134]
قوله تعالى (ذلك من أنباء الغيب) يجوز أن يكون التقدير الامر ذلك فعلى هذا من أنباء الغيب حال من ذا، ويجوز أن يكون ذلك مبتدأ ومن أنباء خبره، ويجوز أن يكون (نوحيه) خبر ذلك، ومن أنباء حالا من الهاء في نوحيه، ويجوز أن يكون متعلقا بنوحيه أى الايحاء مبدوء به من أنباء الغيب (إذ يلقون) ظرف لكان.
ويجوز أن يكون ظرفا للاستقرار الذى تعلق به لديهم، والاقلام جمع قلم، والقلم بمعنى المقلوم، أى المقطوع كالنقض بمعنى المنقوض والقبض بمعنى المقبوض (أيهم يكفل مريم) مبتدأ وخبر في موضع نصب: أى يقترعون أيهم، فالعامل فيه مادل عليه يلقون، و (إذ يختصمون) مثل " إذ يلقون " ويختصمون بمعنى اختصموا وكذلك يلقون: أى ألقوا، ويجوز أن يكون حكى الحال.
قوله تعالى (إذ قالت الملائكة) إذ بدل من إذا التى قبلها، ويجوز أن يكون ظرفا ليختصمون، ويجوز أن يكون التقدير اذكر (منه) في موضع جر صفة للكلمة، ومن هنا لابتداء الغاية (اسمه) مبتدأ، و (المسيح) خبره، و (عيسى) بدل منه أو عطف بيان، ولايجوز أن يكون خبرا آخر، لان تعدد الاخبار يوجب تعدد المبتدإ، والمبتدأ هنا مفرد وهو قوله اسمه، ولو كان عيسى خبرا آخر لكان أسماؤه أو أسماؤها على تأنيث الكلمة، والجملة صفة لكلمة، و (ابن مريم) خبر مبتدأ محذوف، أى هو ابن، ولايجوز أن يكون بدلا مما قبله ولاصفة لان ابن مريم ليس باسم، ألا ترى أنك لاتقول اسم هذا الرجل ابن عمرو إلا إذا كان قد علق علما عليه، وإنما ذكر الضمير في اسمه على معنى الكلمة، لان المراد بيبشرك بمكون أو مخلوق (وجيها - ومن المقربين. ويكلم) أحوال مقدرة، وصاحبها معنى الكلمة، وهو مكون أو مخلوق، وجاز أن ينتصب الحال عنه وهو نكرة لانه قد وصف، ولايجوز أن تكون أحوالا من المسيح، ولامن عيسى، ولامن ابن مريم لانها أخبار، والعامل فيها الابتداء أو المبتدأ أو هما، وليس شئ من ذلك يعمل في الحال، ولايجوز أن تكون أحوالا من الهاء في اسمه للفصل الواقع بينهما ولعدم العامل في الحال.
قوله تعالى (في المهد) يجوز أن يكون حالا من الضمير في يكلم: أى يكلمهم صغيرا، ويجوز أن يكون ظرفا (وكهلا) يجوز أن يكون حالا معطوفة على وجيها، وأن يكون معطوفا على موضع في المهد إذا جعلته حالا (ومن الصالحين) حال معطوفة على وجيها.
[135]
قوله تعالى (كذلك الله يخلق) قد ذكر في قوله " كذلك الله يفعل مايشاء " قصة زكريا، و (إذا قضى أمرا) مشروح في البقرة.
قوله تعالى (ونعلمه) يقرأ بالنون حملا على قوله " ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك " ويقرأ بالياء حملا على يبشرك، وموضعه حال معطوفة على وجيها (ورسولا) فيه وجهان: أحدهما هو صفة مثل صبور وشكور، فيكون حالا أيضا، أو مفعولا به على تقدير: ويجعله رسولا، وفعول هنا بمعنى مفعل: أى مرسلا، والثانى أن يكون مصدرا كما قال الشاعر: * أبلغ أبا سلمى رسولا تروعه * فعلى هذا يجوز أن يكون مصدرا في موضع الحال، وأن يكون مفعولا معطوفا على الكتاب: أى ونعلمه رسالة، فإلى على الوجهين تتعلق برسول لانهما يعملان عمل الفعل، ويجوز أن يكون إلى نعتا لرسول فيتعلق بمحذوف (أنى) في موضع الجملة ثلاثة أوجه: أحدها جر: أى بأنى وذلك مذهب الخليل، ولو ظهرت الباء لتعلقت برسول أو بمحذوف يكون صفة لرسول: أى ناطقا بأنى أو مخبرا، والثانى موضعها نصب على الموضع، وهو مذهب سيبويه، أو على تقدير: يذكر أنى، ويجوز أن يكون بدلا من رسول إذا جعلته مصدرا تقديره ونعلمه أنى قد جئتكم، والثالث موضعها رفع: أى هو أنى قد جئتكم إذا جعلت رسولا مصدرا أيضا (بآية) في موضع الحال: أى محتجا بآية (من ربكم) يجوز أن يكون صفة لآية، وأن يكون متعلقا بجئت (أنى أخلق) يقرأ بفتح الهمزة، وفى موضعه ثلاثة أوجه: أحدها جر بدلا من آية، والثانى رفع: أى هى أنى، والثالث أن يكون بدلا من أنى الاولى، ويقرأ بكسر الهمزة على الاستئناف أو على إضمار القول (كهيئة) الكاف في موضع نصب نعتا لمفعول محذوف: أى هيئة كهيئة الطير، والهيئة مصدر في معنى المهيإ كالحلق بمعنى المخلوق، وقيل الهيئة اسم لحال الشئ وليست مصدرا، والمصدر التهيؤ والتهيؤ والتهيئة، ويقرأ كهية الطير على إلقاء حركة الهمزة على الياء وحذفها، وقد ذكر في البقرة اشتقاق الطير وأحكامه، والهاء في (فيه) تعود على معنى الهيئة لانها معنى المهيإ، ويجوز أن تعود على الكاف لانها اسم بمعنى مثل، وأن تعود على الطير، وأن تعود على المفعول المحذوف (فيكون) أى فيصير، فيجوز أن تكون كان هنا التامة، لان معناها صار، وصار بمعنى انتقل، ويجوز أن تكون الناقصة، و (طائرا) على الاول حال، وعلى الثانى خبر، و (بإذن الله) يتعلق بيكون (بما تأكلون) يجوز أن تكون بمعنى الذى ونكرة موصوفة ومصدرية، وكذلك
[136]
ماالاخرى، والاصل في (تدخرون) تذتخرون إلا أن الذال مجهورة والتاء مهموسة فلم يجتمعا، فأبدلت التاء دالا لانها من مخرجها لتقرب من الذال ثم أبدلت الذال دالا وأدغمت، ومن العرب من يقلب التاء ذالا، ويدغم ويقرأ بتخفيف الذال وفتح الخاء وماضيه ذخر.
قوله تعالى (ومصدقا) حال معطوفة على قوله بآية: أى جئتكم بآية ومصدقا (لما بين يدى) ولايجوز أن يكون معطوفا على وجيها، لان ذلك يوجب أن يكون ومصدقا لما بين يديه على لفظ الغيبة (من التوراة) في موضع نصب على الحال من الضمير المستتر في الظرف وهو بين، والعامل فيها الاستقرار أن نفس الظرف، ويجوز أن يكون حالا من " ما " فيكون العامل فيها مصدقا (ولاحل) هو معطوف على محذوف تقديره: لاخفف عنكم أو نحو ذلك (وجئتكم بآية) هذا تكرير للتوكيد، لانه قد سبق هذا المعنى في الآية التى قبلها.
قوله تعالى (منهم الكفر) يجوز أن يتعلق " من " بأحس، وأن يكون حالا من الكفر (أنصارى) هو جمع نصير كشريف وأشراف، وقال قوم: هو جمع نصر وهو ضعيف، إلا أن تقدر فيه حذف مضاف: أى من صاحب نصرى، أو تجعله مصدرا وصف به، و (إلى) في موضع الحال متعلقة بمحذوف وتقديره: من أنصارى مضافا إلى الله أو إلى أنصار الله، وقيل هى بمعنى مع وليس بشئ، فإن إلى لاتصلح أن تكون بمعنى مع، ولاقياس يعضده (الحواريون) الجمهور على تشديد الياء وهو الاصل، لانها ياء النسبة، ويقرأ بتخفيفها لانه فر من تضعيف الياء وجعل ضمة الياء الباقية دليلا على أصل، كما قرء‌وا " يستهزئون " مع أن ضمة الياء بعد الكسرة مستثقل، واشتقاق الكلمة من الحور وهو البياض، وكان الحواريون يقصرون الثياب، وقيل اشتقاقه من حار يحور إذا رجع فكأنهم الراجعون إلى الله وقيل هو مشتق من نقاء القلب وخلوصه وصدقه.
قوله تعالى (فاكتبنا مع الشاهدين) في الكلام حذف تقديره: مع الشاهدين لك بالوحدانية.
قوله تعالى (والله خير الماكرين) وضع الظاهر موضع المضمر تفخيما، والاصل وهو خير الماكرين.
قوله تعالى (متوفيك ورافعك إلي) كلاهما للمستقبل ولايتعرفان
[137]
بالاضافة والتقدير، رافعك إلي ومتوفيك، لانه رفع إلى السماء ثم يتوفى بعد ذلك، وقيل الواو للجمع فلا فرق بين التقديم والتأخير، وقيل متوفيك من بينهم ورافعك إلى السماء فلا تقديم فيه ولا تأخير (وجاعل الذين اتبعوك) قيل هو خطاب لنبينا عليه الصلاة والسلام فيكون الكلام تاما على ماقبله، وقيل هو لعيسى.
والمعنى: أن الذين اتبعوه ظاهرون على اليهود وغيرهم من الكفار إلى قبل يوم القيامة بالملك والغلبة، فأما يوم القيامة فيحكم بينهم فيجازى كلا على عمله.
قوله تعالى (فأما الذين كفروا) يجوز أن يكون الذين مبتدأ (فأعذبهم) خبره ويجوز أن يكون الذين في موضع نصب بفعل محذوف يفسره فأعذبهم تقديره فأعذب بغير ضمير مفعول لعمله في الظاهر قبله فحذف، وجعل الفعل المشغول بضمير الفاعل مفسرا له، وموضع الفعل المحذوف بعد الصلة، ولايجوز أن يقدر الفعل قبل الذين لان أما لايليها الفعل، ومله (وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم) " وأما ثمود فهديناهم " فيمن نصب.
قوله تعالى (ذلك نتلوه) فيه ثلاثة أوجه: أحدها ذلك مبتدأ ونتلوه خبره.
والثانى المبتدأ محذوف وذلك خبره: أى الامر ذلك، ونتلوه في موضع الحال: أى الامر المشار إليه متلوا، و (من الآيات) حال من الهاء، والثالث ذلك مبتدأ، ومن الآيات خبره، ونتلوه حال، والعامل فيه معنى الاشارة، ويجور أن يكون ذلك في موضع نصب بفعل دل عليه نتلوه، تقديره: نتلو ذلك فيكون من الآيات حالا من الهاء أيضا، و (الحكيم) هنا بمعنى المحكم.
قوله تعالى (خلقه من تراب) هذه الجملة تفسير للمثل فلا موضع لها، وقيل موضعها حال من آدم، وقد معه مقدرة، والعامل فيها معنى التشبيه، والهاء لآدم ومن متعلقة بخلق، ويضعف أن يكون حالا لانه يصير تقديره: خلقه كائنا من تراب، وليس المعنى عليه (ثم قال له) ثم هاهنا لترتيب الخبر لالترتيب المخبر عنه لان قوله (كن) لم يتأخر عن خلقه، وإنما هو في المعنى تفسير لمعنى الخلق، وقد جاء‌ت ثم غير مقيدة بترتيب المخبر عنه كقوله " فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد " وتقول: زيد عالم ثم هو كريم، ويجوز أن تكون لترتيب المخبر عنه على أن يكون المعنى صوره طينا، ثم قال له كن لحما ودما.
قوله تعالى (فمن حاجك فيه) الهاء ضمير عيسى، ومن شرطية، والماضى بمعنى المستقبل و (ما) بمعنى الذى، و (من العلم) حال من ضمير الفاعل.
[138]
ولا يجوز أن تكون مامصدرية على قول سيبويه والجمهور، لان ما المصدرية لايعود إليها ضمير، وفى حاجك ضمير فاعل، إذ ليس بعده مايصح أن يكون فاعلا، والعلم لايصح أن يكون فاعلا، لان من لاتزاد في الواجب، ويخرج على قول الاخفش أن تكون مصدرية ومن زائدة، والتقدير: من بعد مجئ العلم إياك والاصل في (تعالوا) تعاليوا، لان الاصل في الماضى تعالى، والياء منقلبة عن واو لانه من العلو فأبدلت الواو ياء لوقوعها رابعة، ثم أبدلت الياء ألفا، فإذا جاء‌ت واو الجمع حذفت لالتقاء الساكنين وبقيت الفتحة تدل عليها، و (ندع) جواب لشرط محذوف، و (نبتهل) و (نجعل) معطوفان عليه، ونجعل المتعدية إلى مفعولين أى نصير، والمفعول الثانى (على الكاذبين).
قوله تعالى (لهو القصص) مبتدأ وخبر في موضع خبر إن (إلا الله) خبر من إله تقديره: وماإله إلا الله.
قوله تعالى (فإن تولوا) يجوز أن يكون اللفظ ماضيا، ويجوز أن يكون مستقبلا تقديره: يتولوا، ذكره النحاس وهو ضعيف، لان حرف المضارعة لايحذف.
قوله تعالى (سواء) الجمهور على الجر وهو صفة لكلمة، ويقرأ " سواء " بالنصب على المصدر، ويقرأ " كلمة " بكسر الكاف وإسكان اللام على التخفيف والنقل مثل فخذ وكبد (بيننا وبينكم) ظرف لسواء: أى لتستوى الكلمة بيننا ولم تؤنث سواء، وهو صفة مؤنث، لانه مصدر وصف به، فأما قوله (ألا نعبد) ففى موضعه وجهان: أحدهما جر بدلا من سواء أو من كلمة، تقديره: تعالوا إلى ترك عبادة غير الله، والثانى هو رفع تقديره: هى أن لانعبد إلا الله، وأن هى المصدرية، وقيل تم الكلام على سواء ثم استأنف فقال بيننا وبينكم أن لانعبد: أى بيننا وبينكم التوحيد، فعلى هذا يجوز أن يكون أن لانعبد مبتدأ والظرف خبره، والجملة صفة لكلمة، ويجوز أن يرتفع ألا نعبد بالظرف (فإن تولوا) هو ماض، ولايجوز أن يكون التقدير: يتولوا لفساد المعنى، لان قوله (فقولوا اشهدوا) خطاب للمؤمنين، ويتولوا للمشركين، وعند ذلك لايبقى في الكلام جواب الشرط، والتقدير: فقولوا لهم.
قوله تعالى (لم تحاجون) الاصل لما، فحذفت الالف لما ذكرنا في قوله " فلم تقتلون " واللام متعلقة بتحاجون (إلا من بعده) من يتعلق بأنزلت، والتقدير من بعد موته.
[139]
قوله تعالى (هاأنتم) ها للتنبيه، وقيل هى بدل من همزة الاستفهام، ويقرأ بتحقيق الهمزة والمد، وبتليين الهمزة والمد، وبالقصر والهمز، وقد ذكرنا إعراب هذا الكلام في قوله " ثم أنتم هؤلاء تقتلون " (فيما) هى بمعنى الذى أو نكرة موصوفة، و (علم) مبتدأ ولكم خبره، وبه في موضع نصب على الحال لانه صفة لعلم في الاصل قدمت عليه، ولايجوز أن تتعلق الباء بعلم إذ فيه تقديم الصلة على الموصول، فإن علقتها بمحذوف يفسره المصدر جاز، وهو الذى يسمى تبيينا.
قوله تعالى (بإبراهيم) الباء تتعلق بأولى، وخبر إن (للذين اتبعوه) وأولى أفعل من ولى يلى، وألفه منقلبة عن ياء لان فاء‌ه واو، فلا تكون لامه واو، إذ ليس في الكلام مافاؤه ولامه واوان إلا واو(1) (وهذا النبى) معطوف على خبر إن، ويقرأ النبى بالنصب: أى واتبعوا هذا النبى.
قوله تعالى (وجهه النهار) وجه ظرف لآمنوا بدليل قوله (واكفروا آخره) ويجوز أن يكون ظرفا لانزل.
قوله تعالى (إلا لمن تبع) فيه وجهان: أحدهما أنه استثناء مما قبله، والتقدير: ولاتقروا إلا لمن تبع، فعلى هذا اللام غير زائدة، ويجوز أن تكون زائدة، ويكون محمولا على المعنى: أى اجحدوا كل أحد إلا من تبع، والثانى أن النية التأخير، والتقدير ولاتصدقوا أن يؤتى أحد مثل ماأوتيتم إلا من تبع دينكم، فاللام على هذا زائدة، ومن في موضع نصب على الاستثناء من أحد، فأما قوله (قل إن الهدى) فمعترض بين الكلامين لانه مشدد، وهذا الوجه بعيد لان فيه تقديم المستثنى على المستثنى منه، وعلى العامل فيه وتقديم مافى صلة أن عليها.
فعلى هذا في موضع أن يؤتى ثلاثة أوجه: أحدها جر تقديره: ولاتؤمنوا بأن يؤتى أحد.
والثانى أن يكون نصبا على تقدير حذف حرف الجر.
والثالث أن يكون مفعولا من أجله تقديره: ولاتؤمنوا إلا لمن تبع دينكم مخافة أن يؤتى أحد، وقيل أن يؤتى متصل بقوله " قل إن الهدى هدى الله " والتقدير: أن يؤتى: أى هو أن لايؤتى، فهو في موضع رفع (أو يحاجوكم) معطوف على يؤتى، وجمع الضمير لاحد لانه في مذهب الجمع، كما قالوا " لانفرق بين أحد منهم " ويقرأ: أن يؤتى على الاستئناف، وموضعه رفع على أنه مبتدأ تقديره: إتيان أحد مثل ماأوتيتم يمكن أو يصدق، ويجوز أن يكون في موضع نصب بفعل محذوف تقديره: أتصدقون أن يؤتى أو أتشيعون، ويقرأ شاذا أن يؤتى على تسمية الفاعل وأحد فاعله والمفعول محذوف: أى أن يؤتى أحد أحدا (يؤتيه من يشاء)

___________________________________
(1) إلا واو التهجى قاله السمين. (*)
[140]
يجوز أن يكون مستأنفا، وأن يكون خبر مبتدإ محذوف: أى هو يؤتيه، وأن يكون خبرا ثانيا.
قوله تعالى (من إن تأمنه) من مبتدأ، ومن أهل الكتاب خبره، والشرط وجوابه صفة لمن لانها نكرة، وكما يقع الشرط خبرا يقع صلة وصفة وحالا، وقرأ أبوالاشهب العقيلى " تأمنه " بكسر حرف المضارعة، و (بقنطار) الباء بمعنى في أى في حفظ قنطار، وقيل الباء بمعنى على (يؤده) فيه خمس قراء‌ات: إحداها كسر الهاء وصلتها بياء في اللفظ وقد ذكرنا علة هذا في أول الكتاب.
والثانية كسر الهاء من غير ياء اكتفى بالكسرة عن الياء لدلالتها عليها، ولان الاصل أن لايزاد على الهاء شئ كبقية الضمائر.
والثالثة إسكان الهاء، وذلك أنه أجرى الوصل مجرى الوقف وهو ضعيف، وحق هاء الضمير الحركة، وإنما تسكن هاء السكت.
والرابعة ضم الهاء وصلتها بواو في اللفظ على تبيين الهاء المضمومة بالواو، لانها من جنس الضمة كما بينت المكسورة بالياء.
والخامسة ضم الهاء من غير واو لدلالة الضمة عليها، ولانه الاصل، ويجوز تحقيق الهمزة وإبدالها واوا للضمة قبلها (إلا مادمت) " ما " في موضع نصب على الظرف: أى إلا مدة دوامك، ويجوز أن يكون حالا لان مامصدرية، والمصدر قد يقع حالا، والتقدير: إلا في حال ملازمتك، والجمهور على ضم الدال، وماضيه دام يدوم مثل قال يقول: ويقرأ بكسر الدال وماضيه دمت تدام مثل خفت تخاف وهى لغة (ذلك بأنهم) أى ذلك مستحق بأنهم (في الاميين) صفة ل‍ (سبيل) قدمت عليه فصارت حالا، ويجوز أن يكون ظرفا للاستقرار في علينا.
وذهب قوم إلى عمل ليس في الحال، فيجوز على هذا أن يتعلق بها، وسبيل اسم ليس وعلينا الخبر، ويجوز أن يرتفع سبيل بعلينا فيكون في ليس ضميرالشأن (ويقولون على الله) يجوز أن يتعلق على بيقولون لانه بمعنى يفترون ويجوز أن يكون حالا من الكذب مقدما عليه، ولايجوز أن يتعلق بالكذب لان الصلة لاتتقدم على الموصول، ويجوز ذلك على التبيين (وهم يعلمون) جملة في موضع الحال.
قوله تعالى (بلى) في الكلام حذف تقديره: بلى عليهم سبيل، ثم ابتدأ فقال (من أوفى) وهى شرط (فإن الله) جوابه، والمعنى: فإن الله يحبهم، فوضع الظاهر موضع المضمر.
قوله تعالى (يلوون) هو في موضع نصب صفة لفريق وجمع على المعنى، ولو
[141]
أفرد جاز على اللفظ، والجمهور على إسكان اللام وإثبات واوين بعدها، ويقرأ بفتح اللام وتشديد الواو وضم الياء على التكثير، ويقرأ بضم اللام وواو واحدة ساكنة والاصل يلوون كقراء‌ة الجمهور إلا أنه همز الواو لانضمامها، ثم ألقى حركتها على اللام. والالسنة جمع لسان، وهو على لغة من ذكر اللسان، وأما من أنثه فإنه يجمعه على ألسن، و (بالكتاب) في موضع الحال من الالسنة: أى ملتبسة بالكتاب أو ناطقة بالكتاب، و (من الكتاب) هو المفعول الثانى لحسب.
قوله تعالى (ثم يقول) هو معطوف على يؤتيه، ويقرأ بالرفع على الاستئناف (بما كنتم) في موضع الصفة لربانيين، ويجوز أن تكون الباء بمعنى السبب فتتعلق بكان ومامصدرية: أى يعلمكم الكتاب، ويجوز أن تكون الباء متعلقة بربانيين (تعلمون) يقرأ بالتخفيف: أى تعرفون، وبالتشديد: أى تعلمونه غيركم (تدرسون) يقرأ بالتخفيف: أى تدرسون الكتاب فالمفعول محذوف، ويقرأ بالتشديد وضم التاء: أى تدرسون الناس الكتاب.
قوله تعالى (ولا يأمركم) يقرأ بالرفع: أى ولايأمركم الله أو النبى فهو مستأنف ويقرأ بالنصب عطفا على يقول فيكون الفاعل ضمير النبى أو البشر، ويقرأ بإسكان الراء فرارا من توالى الحركات، وقد ذكر في البقرة (إذ) في موضع جر بإضافة بعد إليها (وأنتم مسلمون) في موضع جر بإضافة إذا إليها.
قوله تعالى (لما آتيتكم) يقرأ بكسر اللام، وفيما يتعلق به وجهان: أحدهما أخذ: أى لهذا المعنى، وفيه حذف مضاف تقديره: لرعاية ماآتيتكم، والثانى أن يتعلق بالميثاق لانه مصدر: أى توثقنا عليهم لذلك، ومابمعنى الذى، أو نكرة موصوفة، والعائد محذوف و (من كتاب) حال من المحذوف أو من الذى. ويقرأ بالفتح وتخفيف " ما " وفيها وجهان: أحدهما أن مابمعنى الذى، وموضعها رفع بالابتداء، واللام لام الابتداء دخلت لتوكيد معنى القسم.
وفى الخبر وجهان: أحدهما من كتاب وحكمة: أى الذى أوتيتموه من الكتاب، والنكرة هنا كالمعرفة، والثانى الخبر لتؤمنن به والهاء عائدة على المبتدإ واللام جواب القسم، لان أخذ الميثاق قسم في المعنى، فأما قوله (ثم جاء‌كم) فهو معطوف على ماآتيتكم، والعائد على " ما " من هذا المعطوف فيه وجهان: أحدهما تقديره: ثم جاء‌كم به، واستغنى عن إظهاره بقوله به فيما بعد، والثانى أن قوله (لما معكم) في موضع الضمير تقديره: مصدق له، لان الذى معهم هو الذى آتاهم، ويجوز أن يكون العائد ضمير الاستقرار العامل
[142]
في مع، ويجوز أن تكون الهاء في (به) تعود على الرسول، والعائد على المبتدإ محذوف وسوغ ذلك طول الكلام، وأن تصديق الرسول تصديق للذى أوتيه.
والقول الثانى أن " ما " شرط واللام قبله لتلقى القسم كالتى في قوله " لئن لم ينته المنافقون " وليست لازمة بدليل قوله " وإن لم ينتهوا عما يقولون " فعلى هذا تكون " ما " في موضع نصب بآتيت، والمفعول الثانى ضمير المخاطب، ومن كتاب مثل من آية في قوله " ماننسخ من آية " وباقى الكلام على هذا الوجه ظاهر.
ويقرأ " لما " بفتح اللام وتشديد الميم. وفيها وجهان: أحدهما أنها الزمانية: أى أخذنا ميثاقهم لما آتيناهم شيئا من كتاب وحكمة، ورجع من الغيبة إلى الخطاب على المألوف من طريقتهم.
والثانى أنه أراد لمن ماثم أبدل من النون ميما لمشابهتها إياها فتوالت ثلاث ميمات فحذف الثانية لضعفها بكونها بدلا وحصول التكرير بها، ذكر هذا المعنى ابن جنى في المحتسب، ويقرأ آتيتكم على لفظ واحد، وهو موافق لقوله " وإذ أخذ الله " ولقوله " إصرى " ويقرأ آتيناكم على لفظ الجمع للتعظيم (أء‌قررتم) فيه حذف أى بذلك و (إصرى) بالكسر والضم لغتان قرئ بهما.
قوله تعالى (فمن تولى) من مبتدأ يجوز أن تكون بمعنى الذى، وأن تكون شرطا (فأولئك) مبتدأ ثان، و (هم الفاسقون) مبتدأ وخبره، ويجوز أن يكون هم فصلا.
قوله تعالى (أفغير) منصوب ب‍ (يبغون) ويقرأ بالياء على الغيبة كالذى قبله وبالتاء على الخطاب، والتقدير: قل لهم (طوعا وكرها) مصدران في موضع الحال، ويجوز أن يكونا مصدرين على غير الصدر، لان أسلم بمعنى انقاد وأطاع (ترجعون) بالتاء على الخطاب، وبالياء على الغيبة.
قوله تعالى (قل آمنا) تقديره: قل يامحمد آمنا: أى أنا ومن معى، أو أنا والانبياء، وقيل التقدير: قل لهم قولوا آمنا.
قوله تعالى (ومن يبتغ) الجمهور على إظهار الغينين، وروى عن أبى عمرو الادغام وهو ضعيف، لان كسرة الغين الاولى تدل على الياء المحذوفة، و (دينا) تمييز، ويجوز أن يكون مفعول يبتغ، و (غير) صفة قدمت عليه فصارت حالا (وهو في الآخرة من الخاسرين) هو في الاعراب مثل قوله " وإنه في الآخرة لمن الصالحين " وقد ذكر.
[143]
قوله تعالى (كيف يهدى الله) حال أو ظرف، والعامل فيها يهدى، وقد تقدم نظيره (وشهدوا) فيه ثلاثة أوجه: أحدها هو حال من الضمير في كفروا وقد معه مقدرة، ولايجوز أن يكون العامل يهدى، لان يهدى من " شهد أن الرسول حق " والثانى أن يكون معطوفا على كفروا: أى كيف يهديهم بعد اجتماع الامرين.
والثالث أن يكون التقدير: وأن شهدوا: أى بعد أن آمنوا، وأن شهدوا فيكون في موضع جر.
قوله تعالى (أولئك) مبتدأ، و (جزاؤهم) مبتدأ ثان و (أن عليهم لعنة الله) أن واسمها وخبرها خبر جزاء: أى جزاؤهم اللعنة، ويجوز أن يكون جزاؤهم بدلا من أولئك بدل الاشتمال.
قوله تعالى (خالدين فيها) حال من الهاء والميم في عليهم، والعامل فيها الجار أو مايتعلق به، وفيها يعنى اللعنة.
قوله تعالى (ذهبا) تمييزه والهاء في به تعود على المل‌ء أو على ذهب.
قوله تعالى (مما تحبون) " ما " بمعنى الذى أو نكرة موصوفة، ولايجوز أن تكون مصدرية، لان المحبة لاتتفق، فإن جعلت المصدر بمعنى المفعول فهو جائز على رأى أبي علي (وماتنفقوا من شئ) قد ذكر نظيره في البقرة، والهاء في (به) تعود على ما أو على شئ.
قوله تعالى (حلا) أى حلالا، والمعنى كان كله حلا (إلا ماحرم) في موضع نصب لانه استثناء من اسم كان، والعامل فيه كان، ويجوز أن يعمل فيه حلا ويكون فيه ضمير يكون الاستثناء منه، لانه حلا وحلالا في موضع اسم الفاعل بمعنى الجائز والمباح (من قبل) متعلق بحرم.
قوله تعالى (من بعد ذلك) يجوز أن يتعلق بافترى وأن يتعلق بالكذب.
قوله تعالى (قل صدق الله) الجمهور على إظهار اللام وهو الاصل، ويقرأ بالادغام لان الصاد فيها انبساط، وفى اللام انبساط بحيث يتلاقى طرفاهما فصارا متقاربين، والتقدير: قل لهم صدق الله، (حنيفا) يجوز أن يكون حالا من إبراهيم ومن الملة، وذكر لان الملة والدين واحد.
قوله تعالى (وضع للناس) الجملة في موضع جر صفة لبيت، والخبر (للذى ببكة)، و (مباركا وهدى) حالان من الضمير في موضع، وإن شئت في الجار والعامل فيهما الاستقرار.
 
سورة النساء
بسم اللّه الرحمن الرحيم
قد مضى القول في قوله تعالى (ياأيها الناس) في أوائل البقرة (من نفس واحدة) في موضع نصب بخلقكم ومن لابتداء الغاية، وكذلك (منها زوجها) و (منهما رجالا كثيرا) نعت لرجال، ولم يؤنثه لانه حمله على المعنى لان رجالا بمعنى عدد أو جنس أو جمع كما ذكر الفعل المسند إلى جماعة المؤنث كقوله: وقال نسوة، وقيل كثيرا نعت لمصدر محذوف: أى بثا كثيرا (تساء‌لون) يقرأ بتشديد السين، والاصل تتساء‌لون فأبدلت التاء الثانية سينا فرارا من تكرير المثل، والتاء تشبه السين في الهمس، ويقرأ بالتخفيف على حذف التاء الثانية لان الباقية تدل عليها ودخل حرف الجر في المفعول لان المعنى تتحالفون به (والارحام) يقرأ بالنصب، وفيه وجهان: أحدهما معطوف على اسم الله: أى واتقوا الارحام أن تقطعوها، والثانى هو محمول على موضع الجار والمجرور كما تقول مررت بزيد وعمرا، والتقدير الذى تعظمونه والارحام، لان الحلف به تعظيم له. ويقرأ بالجر قيل هو معطوف على المجرور، وهذا لايجوز عند البصريين، وإنما جاء في الشعر على قبحه، وأجازه الكوفيون على ضعف، وقيل الجر على القسم، وهو ضعيف أيضا لان الاخبار وردت بالنهى عن الحلف بالآباء، ولان التقدير في القسم: وبرب الارحام، هذا قد أغنى عنه ما قبله، وقد قرئ شاذا بالرفع وهو مبتدأ، والخبر محذوف تقديره: والارحام محترمة أو واجب حرمتها.
قوله تعالى (بالطيب) هو المفعول الثانى لتتبدلوا (إلى أموالكم) إلى متعلقة بمحذوف وهو في موضع الحال: أى مضافة إلى أموالكم، وقيل هو مفعول به على المعنى، لان معنى لا تأكلوا أموالهم: لاتضيعوها (إنه) الهاء ضمير المصدر الذى دل عليه تأكلوا: أى أن الاكل والاخذ. والجمهور على ضم الحاء من (حوبا) وهو اسم للمصدر، وقيل مصدر، ويقرأ بفتحها وهو مصدر حاب يحوب: إذا أثم.
[166]
قوله تعالى (وإن خفتم) في جواب هذا الشرط وجهان: أحدهما هو قوله فانكحوا ماطاب لكم " وإنما جعل جوابا لانهم كانوا يتحرجون من الولاية في أموال اليتامى، ولا يتحرجون من الاستكثار من النساء، مع أن الجور يقع بينهن إذا كثرن، فكأنه قال: إذا تحرجتم من هذا فتحرجوا من ذاك.
والوجه الثانى أن جواب الشرط قوله " فواحدة " لان المعنى إن خفتم أن لا تقسطوا في نكاح اليتامى فانكحوا منهن واحدة، ثم أعاد هذا المعنى في قوله " فإن خفتم أن لا تعدلوا " لما طال الفصل بين الاول وجوابه، ذكر هذا الوجه أبوعلي (أن لا تقسطوا) الجمهور على ضم التاء وهو من أقسط إذا عدل، وقرئ شاذا بفتحها وهو من قسط إذا جار، وتكون لا زائدة (ماطاب) " ما " هنا بمعنى من، ولها نظائر في القرآن ستمر بك إن شاء الله تعالى، وقيل " ما " تكون لصفات من يعقل، وهى هنا كذلك، لان ماطاب يدل على الطيب منهن، وقيل هى نكرة موصوفة تقديره: فانكحوا جنسا طيبا لكم، أو عددا يطيب لكم، وقيل هى مصدرية والمصدر المقدر بها وبالفعل مقدر باسم الفاعل: أى انكحوا الطيب (من النساء) حال من ضمير الفاعل في طاب (مثنى وثلاث ورباع) نكرات لا تنصرف للعدل والوصف، وهى بدل من ما، وقيل هى حال من النساء، ويقرأ شاذا " وربع " بغير ألف، ووجهها أنه حذف الالف كما حذفت في خيم والاصل خيام، وكما حذفت في قولهم أم والله، والواو في " وثلاث ورباع " ليست للعطف الموجب للجمع في زمن واحد، لانه لو كان كذلك لكان عبثا، إذ من أدرك الكلام يفصل التسعة هذا التفصيل، ولان المعنى غير صحيح أيضا لان مثنى ليس عبارة عن ثنتين فقط، بل عن ثنتين ثنتين وثلاث عن ثلاث ثلاث وهذا المعنى يدل على أن المراد التخيير لا الجمع (فواحدة) أن فانكحوا واحدة، ويقرأ بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف: أى فالمنكوحة واحدة ويجوز أن يكون التقدير: فواحدة تكفى (أو ما ملكت) أو للتخيير على بابها، ويجوز أن تكون للاباحة، و " ما " هنا بمنزلة ما في قوله: ماطاب (أن لا تعولوا) أى إلى أن لا تعولوا، وقد ذكرنا مثله في آية الدين.
قوله تعالى (نحلة) لان معنى آتوهن أنحلوهن، وقيل هو مصدر في موضع الحال، فعلى هذا يجوز أن يكون حالا من الفاعلين: أى ناحلين، وأن يكون من الصدقات، وأن يكون من النساء: أى منحولات (نفسا) تمييز، والعامل فيه طبن، والمفرد هنا في موضع الجمع لان المعنى مفهوم، وحسن ذلك أن
[167]
نفسا هنا في معنى الجنس، فصار كدرهما في قولك: عندى عشرون درهما (فكلوه) الهاء تعود على شئ، والهاء منه تعود على المال لان الصدقات مال (هنيئا) مصدر جاء على فعيل، وهو نعت لمصدر محذوف: أى أكلا هنيئا، وقيل هو مصدر في موضع الحال من الهاء، والتقدير: مهنأ أو طيبا و (مريئا) مثله والمرئ فعيل بمعنى مفعل، لانك تقول: أمرأنى الشئ إذا لم تستعمله مع هنانى فإن قلت هنانى ومرانى لم تأت بالهمزة في مرانى لتكون تابعة لهنانى.
قوله تعالى (أموالكم التى) الجمهور على إفراد التى لان الواحد من الاموال مذكر، فلو قال اللواتى لكان جمعا كما أن الاموال جمع، والصفة إذا جمعت من أجل أن الموصوف جمع كان واحدها كواحد الموصوف في التذكير والتأنيث، وقرئ في الشاذ اللواتى جمعا اعتبارا بلفظ الاموال (جعل الله) أى صيرها فهو متعد إلى مفعولين والاول محذوف وهو العائد، ويجوز أن يكون بمعنى خلق فيكون قياما حالا (قياما) يقرأ بالياء والالف وهو مصدر قام والياء بدل من الواو، وأبدلت منها لما أعلت في الفعل وكانت قبلها كسرة، والتقدير: التى جعل الله لكم سبب قيام أبدانكم: أى بقائها ويقرأ قيما بغير ألف وفيه ثلاثة أوجه: أحدها أنه مصدر مثل الحول والعوض، وكان القياس أن تثبت الواو لتحصنها بتوسطها كما صحت في الحول والعوض، ولكن أبدلوها ياء حملا على قيام على اعتلالها في الفعل.
والثانى أنها جمع قيمة كديمة وديم. والمعنى: أن الاموال كالقيم للنفوس إذ كان بقاؤها بها.
وقال أبوعلى: هذا لايصح لانه قد قرئ في قوله " دينا قيما ملة إبراهيم " وفى قوله " الكعبة البيت الحرام قيما " ولا يصح معنى القيمة فيهما.
والوجه الثالث أن يكون الاصل قياما، فحذفت الالف كما حذفت في خيم.
ويقرأ " قواما " بكسر القاف وبواو وألف، وفيه وجهان: أحدهما هو مصدر قاومت قواما مثل لاوذت لواذا، فصحت في المصدر لما صحت في الفعل، والثانى أنها اسم لما يقوم به الامر وليس بمصدر ويقرأ كذلك إلا أنه بغير ألف، وهو مصدر صحت عينه وجاء‌ت على الاصل كالعوض ويقرأ بفتح القاف وواو وألف.
وفيه وجهان: أحدهما هو اسم للمصدر مثل السلام والكلام والدوام، والثانى هو لغة في القوم الذى هو بمعنى القامة، يقال: جارية حسنة القوام والقوام، والتقدير التى جعلها الله سبب بقاء قاماتكم (وارزقوهم فيها) فيه وجهان: أحدهما أن " في " على أصلها، والمعنى اجعلوا لهم فيها رزقا، والثانى أنها بمعنى من.
[168]
قوله تعالى (حتى إذا بلغوا) حتى هاهنا غير عاملة، وإنما دخلت على الكلام لمعنى الغاية كما تدخل على المبتدإ، وجواب إذا (فإن آنستم) وجواب إن (فادفعوا) فالعامل في " إذا " مايتلخص من معنى جوابها، فالتقدير: إذا بلغوا راشدين فادفعوا (إسرافا وبدارا) مصدران مفعول لهما، وقيل هما مصدران في موضع الحال: أى مسرفين ومبادرين، والبدار مصدر بادرت وهو من باب المفاعلة التى تكون بين اثنين، لان اليتيم مار إلى الكبر والولى مار إلى أخذ ماله، فكأنهما يستبقان، ويجوز أن يكون من واحد (أن يكبروا) مفعول بدارا: أى بدارا كبرهم (وكفى بالله) في فاعل كفى وجهان: أحدهما هو اسم الله، والباء زائدة دخلت لتدل على معنى الامر، إذ التقدير: اكتف بالله، والثانى أن الفاعل مضمر، والتقدير: كفى الاكتفاء بالله، فبالله على هذا في موضع نصب مفعول به، و (شهيدا) حال، وقيل تمييز، وكفى يتعدى إلى مفعولين وقد حذفا هنا: والتقدير: كفاك الله شرهم، ونحو ذلك، والدليل على ذلك قوله " فسيكفيكهم الله ".
قوله تعالى (قل منه) يجوز أن يكون بدلا " مما ترك " ويجوز أن يكون حالا من الضمير المحذوف في ترك: أى مما تركه قليلا أو كثيرا أو مستقرا مما قل (نصيبا) قيل هو واقع موقع المصدر، والعامل فيه معنى ما تقدم، إذ التقدير: عطاء أو استحقاقا، وقيل هو حال مؤكدة، والعامل فيها معنى الاستقرار في قوله " للرجال نصيب " ولهذا حسنت الحال عنها، وقيل هو حال من الفاعل في قل أو كثر، وقيل هو مفعول لفعل محذوف تقديره: أوجب لهم نصيبا، وقيل هو منصوب على إضمار أعنى.
قوله تعالى (فارزقوهم منه) الضمير يرجع إلى المقسوم، لان ذكر القسمة يدل عليه.
قوله تعالى (من خلفهم) يجوز أن يكون ظرفا لتركوا، وأن يكون حالا (من ذرية ضعافا) يقرأ بالتفخيم على الاصل، وبالامالة لاجل الكسرة، وجاز ذلك مع حرف الاستعلاء لانه مكسور مقدم ففيه انحدار (خافوا) يقرأ بالتفخيم على الاصل، وبالامالة لان الخاء تنكسر في بعض الاحوال وهو خفت، وهو جواب لو ومعناها إن.
قوله تعالى (ظلما) مفعول له، أو مصدر في موضع الحال (في بطونهم نارا) قد ذكر في البقرة فيه شئ، والذى يخص هذا الموضع أن في بطونهم حال من نارا:
[169]
أى نارا كائنة في بطونهم وليس بظرف ليأكلون، ذكره في التذكرة (وسيصلون) يقرأ بفتح الياء، وماضيه صلى النار يصلاها، ومنه قوله " لايصلاها إلا الاشقى " ويقرأ بضمها على مالم يسم فاعله، ويقرأ بتشديد اللام على التكثير.
قوله تعالى (للذكر مثل حظ الانثيين) الجملة في موضع نصب بيوصى: لان المعنى: يقرض لكم أو يشرع في أولادكم، والتقدير: في أمر أولادكم (فإن كن) الضمير للمتروكات: أى فإن كانت المتروكات، ودل ذكر الاولاد عليه (فوق اثنتين) صفة النساء: أى أكثر من اثنتين (وإن كانت واحدة) بالنصب: أى كانت الوارثة واحدة، وبالرفع على أن كان تامة، و (النصف) بالضم والكسر، لغتان وقد قرئ بهما (فلامه) بضم الهمزة، وهو الاصل، وبكسرها إتباعا لكسرة اللام قبلها وكسر الميم بعدها (وإن كانوا إخوة) الجمع هنا للاثنين، لان الاثنين يحجبان عند الجمهور، وعند ابن عباس هو على بابه والاثنان لا يحجبان والسدس والثلث والربع والثمن بضم أوساطها وهى اللغة الجيدة، وإسكانها لغة وقد قرئ بها (من بعد وصية) يجوز أن يكون حالا من السدس، تقديره: مستحقا من بعد وصية، والعامل الظرف، ويجوز أن يكون ظرفا: أى يستقر لهم ذلك بعد إخراج الوصية، ولابد من تقدير حذف المضاف لان الوصية هنا المال الموصى به، وقيل تكون الوصية مصدرا مثل الفريضة (أو دين) أو لاحد الشيئين ولاتدل على الترتيب، إذ لافرق بين قولك: جاء‌نى زيد أو عمرو، وبين قولك جاء عمرو أو زيد، لان أو لاحد الشيئين، والواحد لا ترتيب فيه، وبهذا يفسر قول من قال التقدير: من بعد دين أو وصية، وإنما يقع الترتيب فيما إذا اجتمعا فيقدم الدين على الوصية (آباؤكم وأبناؤكم) مبتدأ (لاتدرون أيهم أقرب لكم نفعا) الجملة خبر المبتدإ، وأيهم مبتدأ، وأقرب خبره، والجملة في موضع نصب بتدرون، وهى معلقة عن العمل لفظا لانها من أفعال القلوب، ونفعا تمييز، و (فريضة) مصدر لفعل محذوف: أى فرض ذلك فريضة.
قوله تعالى (وإن كان رجل) في كان وجهان: أحدهما هى تامة ورجل فاعلها و (يورث) صفة له، و (كلالة) حال من الضمير في يورث، والكلالة على هذا اسم للميت الذى لم يترك ولدا ولا والدا، ولو قرئ كلالة بالرفع على أنه صفة أو بدل من الضمير في يورث لجاز، غير أنى لم أعرف أحدا قرئ به، فلا يقرآن إلا بما نقل.
[170]
والوجه الثانى أن كان هى الناقصة، ورجل اسمها، ويورث خبرها، وكلالة حال أيضا، وقيل الكلالة اسم للمال الموروث، فعلى هذا ينتصب كلالة على المفعول الثانى ليورث، كما تقول: ورث زيد مالا، وقيل الكلالة اسم للورثة الذين ليس فيهم ولد ولا والد، فعلى هذا لا وجه لهذا الكلام على القراء‌ة المشهورة لانه لا ناصب له، ألا ترى أنك لو قلت زيد يورث إخوة لم يستقم، وإنما يصح على قراء‌ة من قرأ بكسر الراء مخففة ومثقلة، وقد قرئ بهما، وقيل يصح هذا المذهب على تقدير حذف مضاف تقديره: وإن كان رجل يورث ذا كلالة، فذا حال أو خبر كان، ومن كسر الراء جعل كلالة مفعولا به إما الورثة وإما المال، وعلى كلا الامرين أحد المفعولين محذوف، والتقدير يورث أهله مالا (وله أخ أو أخت) إن قيل قد تقدم ذكر الرجل والمرأة فلم أفرد الضمير وذكره؟ قيل أما إفراده فلان " أو " لاحد الشيئين، وقد قال أو امرأة فأفرد الضمير لذلك، وأما تذكيره ففيه ثلاثة أوجه: أحدها يرجع إلى الرجل لانه مذكر مبدوء به، والثانى أنه يرجع إلى أحدهما ولفظ أحد مذكر.
والثالث أنه راجع إلى الميت أو الموروث لتقدم ما يدل عليه (فإن كانوا) الواو ضمير الاخوة من الام المدلول عليهم بقوله أخ أو أخت، و (ذلك) كناية عن الواحد (يوصى بها) يقرأ بكسر الصاد: أى يوصى بها المحتضر، وبفتحها على مالم يسم فاعله، وهو في معنى القراء‌ة الاولى، ويقرأ بالتشديد على التكثير (غير مضار) حال من ضمير الفاعل في يوصى، والجمهور على تنوين مضار، والتقدير غير مضار بورثته، و (وصية) مصدر لفعل محذوف: أى وصى الله بذلك ودل على المحذوف قوله غير مضار.
وقرأ الحسن غير مضار وصية بالاضافة. وفيه وجهان: أحدهما تقديره: غير مضار أهل وصية أو ذى وصية فحذف المضاف. والثانى تقديره: غير مضار وقت وصية فحذف، وهو من إضافة الصفة إلى الزمان ويقرب من ذلك قولهم هو فارس حرب: أى فارس في الحرب، ويقال: هو فارس زمانه: أى في زمانه كذلك التقدير للقراء‌ة غير مضار في وقت الوصية.
قوله تعالى (يدخله) في الآيتين بالياء والنون ومعناهما واحد (نارا خالدا فيها) نارا مفعول ثان ليدخل، وخالدا حال من المفعول الاول، ويجوز أن يكون صفة لنار، لانه لو كان كذلك لبرز ضمير الفاعل لجريانه على غير من هوله، ويخرج على قول الكوفيين جواز جعله صفة لانهم لا يشترطون إبراز الضمير في هذا النحو.
قوله تعالى (واللاتى) هو جمع التى على غير قياس، وقيل هى صيغة موضوعة للجمع وموضوعها رفع بالابتداء، والخبر (فاستشهدوا عليهن) وجاز ذلك وإن
[171]
كان أمرا، لانه صار في حكم الشرط حيث وصلت التى بالفعل، وإذا كان كذلك لم يحسن النصب، لان تقدير الفعل قبل أداة الشرط لايجوز، وتقديره بعد الصلة يحتاج إلى إضمار فعل غير قوله " فاستشهدوا " لان استشهدوا لايصح أن يعمل النصب في اللاتى، وذلك لا يحتاج إليه مع صحة الابتداء، وأجاز قوم النصب بفعل محذوف تقديره: اقصدوا اللاتى أو تعمدوا، وقيل الخبر محذوف: تقديره وفيما يتلى عليكم حكم اللاتى ففيما يتلى هو الخبر، وحكم هو المبتدأ، فحذفا لدلالة قوله " فاستشهدوا " لانه الحكم المتلو عليهم (أو يجعل الله) أو عاطفة، والتقدير: أو إلى أن يجعل الله، وقيل هى بمعنى إلا أن، وكلاهما مستقيم (لهن) يجوز أن يتعلق بيجعل، وأن يكون حالا من (سبيلا).
قوله تعالى (واللذان يأتيانها) الكلام في اللذان كالكلام في اللاتى، إلا أن من أجاز النصب يصح أن يقدر فعلا من جنس المذكور تقديره: آذوا اللذين، ولا يجوز أن يعمل ما بعد الفاء فيما قبلها هاهنا ولو عرا من ضمير المفعول، لان الفاء هنا في حكم الفاء الواقعة في جواب الشرط، وتلك تقطع مابعدها عما قبلها، ويقرأ اللذان بتخفيف النون على أصل التثنية، وبتشديدها على أن إحدى النونين عوض من اللام المحذوفة، لان الاصل اللذيان مثل العميان والشجيان، فحذفت الياء لان الاسم مبهم، والمبهمات لاتثنى التثنية الصناعية، والحذف مؤذن بأن التثنية هنا مخالفة للقياس، وقيل حذفت لطول الكلام بالصلة، فأما هذان وهاتين، وفذانك فنذكرها في مواضعها.
قوله تعالى (إنما التوبة) مبتدأ، وفى الخبر وجهان: أحدهما هو (على الله) أى ثابتة على الله، فعلى هذا يكون (للذين يعملون السوء) حالا من الضمير في الظرف، وهو قوله " على الله " والعامل فيها الظرف أو الاستقرار: أى كائنة للذين، ولايجوز أن يكون العامل في الحال التوبة لانه قد فصل بينهما بالجار.
والوجه الثانى أن يكون الخبر " للذين يعملون "، وأما " على الله " فيكون حالا من شئ محذوف تقديره: إنما التوبة إذ كانت على الله أو إذا كانت على الله، فإذ أو إذا ظرفان العامل فيهما الذين يعملون السوء، لان الظرف يعمل فيه المعنى وإن تقدم عليه، وكان التامة وصاحب الحال ضمير الفاعل في كان، ولايجوز أن يكون على الله حالا يعمل فيها الذين لانه عامل معنوى، والحال لا يتقدم على المعنوى، ونظيره هذه المسألة قولهم هذا بسرا أطيب منه رطبا.
[172]
قوله تعالى (ولا الذين يموتون) في موضعه وجهان: أحدهما هو جر عطفا على الذين يعملون السيئات: أى ولا الذين يموتون. والوجه الثانى أن يكون مبتدأ، وخبره (أولئك أعتدنا لهم) واللام لام الابتداء وليست لا النافية.
قوله تعالى (أن ترثوا) في موضع رفع فاعل يحل، و (النساء) فيه وجهان: أحدهما هو المفعول الاول، والنساء على هذا هن الموروثات، وكانت الجاهلية ترث نساء آبائها وتقول: نحن أحق بنكاحهن.
والثانى أنه المفعول الثانى: والتقدير: أن يرثوا من النساء المال، و (كرها) مصدر في موضع الحال من المفعول، وفيه الضم والفتح، وقد ذكر في البقرة (ولا تعضلوهن) فيه وجهان: أحدهما هو منصوب عطفا على ترثوا: أى ولا أن تعضلوهن، والثانى هو جزم بالنهى فهو مستأنف (لتذهبوا) اللام متعلقة بتعضلوا، وفى الكلام حذف تقديره: ولا تعضلوهن من النكاح أو من الطلاق على اختلافهم في المخاطب به هل هم الاولياء أو الازواج (ما آتيتموهن) العائد على ما محذوف تقديره: ما آتيتموهن إياه، وهو المفعول الثانى (إلا أن يأتين بفاحشة) فيه وجهان: أحدهما هو في موضع نصب على الاستثناء المنقطع.
والثانى هو في موضع الحال تقديره: إلا في حال إتيانهن الفاحشة، وقيل هو استثناء متصل تقديره: ولاتعضلوهن في حال إلا في حال إتيان الفاحشة (مبينة) يقرأ بفتح الياء على مالم يسم فاعله: أى أظهرها صاحبها، وبكسر الياء والتشديد.
وفيه وجهان: أحدهما أنها هى الفاعلة أى تبين حال مرتكبها. والثانى أنه من اللازم، يقال: بان الشئ وأبان وتبين واستبان وبين بمعنى واحد، ويقرأ بكسر الباء وسكون الياء، وهو على الوجهين في المشددة المكسورة (بالمعروف) مفعول أو حال (أن تكرهوا) فاعل عسى، ولا خبر لها هاهنا، لان المصدر إذا تقدم صارت عسى بمعنى أقرب، فاستغنت عن تقدير المفعول المسمى خبرا.
قوله تعالى (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج) ظرف للاستبدال. وفى قوله (وآتيتم إحداهن قنطارا) إشكالان: أحدهما أنه جمع الضمير والمتقدم زوجان. والثانى أن التى يريد أن يستبدل بها هى التى تكون قد أعطاها مالا فينهاه عن أخذه، فأما التى يريد أن يستحدثها فلم يكن أعطاها شيئا حتى ينهى عن أخذه، ويتأيد ذلك بقوله " وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض " والجواب عن الاول أن المراد بالزوج الجمع، لان الخطاب لجماعة الرجال وكل منهم قد يريد الاستبدال، ويجوزأن يكون جمعا، لان التى يريد أن يستحدثها، يفضى حالها إلى أن
[173]
تكون زوجا، وأن يريد أن يستبدل بها كما استبدل بالاولى، فجمع على هذا المعنى.
وأما الاشكال الثانى ففيه جوابان: أحدهما أنه وضع الظاهر موضع المضمر، والاصل آتيتموهن، والثانى أن المستبدل بها مبهمة فقال " إحداهن " إذ لم تتعين حتى يرجع الضمير إليها، وقد ذكرنا نحوا من هذا في قوله " فتذكر إحداهما الاخرى " (بهتانا) فعلان من البهت، وهو مصدر في موضع الحال، ويجوز أن يكون مفعولا له.
قوله تعالى (وكيف تأخذونه؟) كيف في موضع نصب على الحال، والتقدير: أتأخذونه جائرين؟ وهذا يتبين لك بجواب كيف. ألا ترى أنك إذا قلت كيف أخذت مال زيد؟ كان الجواب حالا تقديره: أخذته ظالما أو عادلا ونحو ذلك، وأبدا يكون موضع كيف مثل موضع جوابها (وقد أفضى) في موضع الحال أيضا (وأخذن) أى وقد أخذن لانها حال معطوفة والفعل ماض فتقدر معه قد ليصبح حالا، وأغنى عن ذكرها تقدم ذكرها (منكم) متعلق بأخذن، ويجوز أن يكون حالا من ميثاق.
قوله تعالى (مانكح) مثل قوله " فانكحوا ماطاب لكم " وكذلك " إلا ما ملكت أيمانكم " وهو يتكرر في القرآن (من النساء) في موضع الحال من " ما " أو من العائد إليها (إلا ما قد سلف).
في " ما " وجهان: أحدهما هى بمعنى من وقد ذكر. والثانى هى مصدرية والاستثناء منقطع، لان النهى للمستقبل، وماسلف ماض فلا يكون من جنسه وهو في موضع نصب، ومعنى المنقطع أنه لا يكون داخلا في الاول بل يكون في حكم المستأنف وتقدر إلا فيه بلكن، والتقدير هنا: ولا تتزوجوا من تزوجه آباؤكم، ولا تطئوا من وطئه اباؤكم لكن ما سلف من ذلك فمعفو عنه، كما تقول: ما مررت برجل إلا بامرأة: أي لكن مررت بامرأة، والغرض منه بيان معنى زائد، ألا ترى أن قولك ما مررت برجل صريح في نفى المرور برجل ما غير متعرض بإثبات المرور بامرأة أو نفيه، فإذا قلت إلا بامرأة كان إثباتا لمعنى مسكوت عنه غير معلوم بالكلام الاول نفيه ولا إثباته (إنه) الهاء ضمير النكاح (ومقتا) تمام الكلام ثم يستأنف (وساء سبيلا) أى وساء هذا السبيل من نكاح من نكحهن الآباء، وسبيلا تمييزه، ويجوز أن يكون قوله " وساء سبيلا " معطوفا على خبر كان، ويكون التقدير: مقولا فيه ساء سبيلا.
قوله تعالى (أمهاتكم) الهاء زائدة، وإنما جاء ذلك فيمن يعقل، فأما ما لا يعقل فيقال: أمهات البهائم، وقد جاء في كل واحد منهما ما جاء في الآخر قليلا، فيقال:
[174]
أمات الرجال، وأمهات البهائم (وبناتكم) لام الكلمة محذوفة، ووزنه فعاتكم، والمحذوف واو أو ياء، وقد ذكرناه، فأما بنت فالتاء فيها بدل من اللام المحذوفة وليست تاء التأنيث لان تاء التأنيث لا يسكن ما قبلها، وتقلب هاء في الوقف، فبنات ليس بجمع بنت بل بنه، وكسرت الباء تنبيها على المحذوف هذا عند الفراء.
وقال غيره: أصلها الفتح، وعلى ذلك جاء جمعها ومذكرها وهو بنون.
وهو مذهب البصريين، وأما أخت فالتاء فيها بدل من الواو لانها من الاخوة، فأما جمعها فأخوات.
فإن قيل: لم رد المحذوف في أخوات ولم يرد في بنات؟ قيل: حمل كل واحد من الجمعين على مذكره فمذكر بنات لم يرد فيه المحذوف بل جاء ناقصا في الجمع فقالوا بنون، وقالوا في جمع أخ إخوة وإخوان فرد المحذوف.
والعمة تأنيث العم والخالة تأنيث الخال، وألفه منقلبة عن واو لقولك في الجمع أخوال (من الرضاعة) في موضع الحال من أخواتكم: أى وحرمت عليكم أخواتكم كائنات من الرضاعة (اللاتى دخلتم بهن) نعت لنسائكم التى تليها، وليست صفة لنسائكم التى في قوله " وأمهات نسائكم " لوجهين: أحدهما أن نساء‌كم الاولى مجرورة بالاضافة، ونساء‌كم الثانية مجرورة بمن فالجران مختلفان، وما هذا سبيله لاتجرى عليه الصفة كما إذا اختلف العمل، والثانى أن أم المرأة تحرم بنفس العقد عند الجمهور، وبنتها لا تحرم إلا بالدخول، فالمعنى مختلف، ومن نسائكم في موضع الحال من ربائبكم، وإن شئت من الضمير في الجار الذى هو صلة تقديره: اللاتى استقررن في حجوركم كائنات من نسائكم (وأن تجمعوا) في موضع رفع عطفا على أمهاتكم، و (إلا ما قد سلف) استثناء منقطع في موضع نصب.
قوله تعالى (والمحصنات) هو معطوف على أمهاتكم، و (من النساء) حال منه، والجمهور على فتح الصاد هنا لان المراد بهن ذوات الازواج، وذات الزوج محصنة بالفتح لان زوجها أحصنها: أى أعفها، فأما المحصنات في غير هذا الموضع فيقرأ بالفتح والكسر وكلاهما مشهور، فالكسر على أن النساء أحصن فروجهن أو أزواجهن، والفتح على أنهن أحصن بالازواج أو بالاسلام، واشتقاق الكلمة من التحصين وهو المنع (إلا ما ملكت) استثناء متصل في موضع نصب، والمعنى: حرمت عليكم ذوات الازواج إلا السبايا فإنهن حلال وإن كن ذوات أزواج (كتاب الله) هو منصوب على المصدر بكتب محذوفة دل عليه قوله حرمت: لان
[175]
التحريم كتب، وقيل انتصابه بفعل محذوف تقديره: الزموا كتاب الله، و (عليكم) إغراء.
وقال الكوفيون هو إغراء والمفعول مقدم، وهذا عندنا غير جائز لان عليكم وبابه عامل ضعيف، فليس له في التقديم تصرف، وقرئ " كتب عليكم " أى كتب الله ذلك عليكم، وعليكم على القول الاول متعلق بالفعل الناصب للمصدر لا بالمصدر لان المصدر هنا فضلة، وقيل هو متعلق بنفس المصدر لانه ناب عن الفعل حيث لم يذكر معه، فهو كقولك مرورا بزيد أى أمر، (وأحل لكم) يقرأ بالفتح على تسمية الفاعل، وهو معطوف على الفعل الناصب لكتاب وبالضم عطفا على حرمت (ماوراء ذلكم) في ما وجهان: أحدهما هى بمعنى من، فعلى هذا يكون قوله (أن تبتغوا) في موضع جر أو نصب على تقدير: بأن تبتغوا أو لان تبتغوا: أى أبيح لكم غير ماذكرنا من النساء بالمهور.
والثانى أن ما بمعنى الذى، والذى كناية عن الفعل: أى وأحل لكم تحصيل ما وراء ذلك الفعل المحرم، وأن تبتغوا بدل منه ويجوز أن يكون أن تبتغوا في هذا الوجه مثله في الوجه الاول، و (محصنين) حال من الفاعل في تبتغوا (فما استمتعتم) في " ما " وجهان: أحدهما هى بمعنى من والهاء في (به) تعود على لفظها، والثانى هى بمعنى الذى، والخبر (فآتوهن) والعائد منه محذوف، أى لاجله فعلى الوجه الاول يجوز أن تكون شرطا، وجوابها فآتوهن والخبر فعل الشرط وجوابه أو جوابه فقط على ماذكرناه في غير موضع، ويجوز على الوجه الاول أن تكون بمنى الذى، ولا تكون شرطا بل في موضع رفع بالابتداء، واستمتعتم صلة لها، والخبر فآتوهن، ولا يجوز أن تكون مصدرية لفساد المعنى، ولان الهاء في به تعود على ما، والمصدرية لا يعود عليها ضمير (منهن) حال من الهاء في به (فريضة) مصدر لفعل محذوف، أو في موضع الحال على ماذكرنا في آية الوصية.
قوله تعالى (ومن لم يستطع) شرط وجوابه " فما ملكت " و (منكم) حال من الضمير في يستطع (طولا) مفعول يستطع، وقيل هو مفعول له وفيه حذف مضاف: أى لعدم الطول، وأما (أن ينكح) ففيه وجهان: أحدهما هو بدل من طول وهو بدل الشئ من الشئ وهما لشئ واحد لان الطول هو القدرة أو الفضل، والنكاح قوة وفضل.
والثانى أن لا يكون بدلا بل هو معمول طول، وفيه على هذا وجهان: أحدهما هو منصوب بطول، لان التقدير: ومن لم يستطع أن ينال
[176]
نكاح المحصنات، وهو من قولك طلته: أى نلته، ومنه قول الفرزدق:
إن الفرزدق صخرة عادية * طالت فليس ينالها الاوعالا
أى طالت الاوعالا.
والثانى أن يكون على تقدير حذف حرف الجر: أى إلى أن ينكح، والتقدير: ومن لم يستطع وصلة إلى نكاح المحصنات، وقيل المحذوف اللام، فعلى هذا يكون في موضع صفة طول، والطول المهر: أى مهرا كائنا لان ينكح، وقيل هو مع تقدير اللام مفعول الطول: أى طولا لاجل نكاحهن (فمن ما) في من وجهان: أحدهما هى زائدة، والتقدير: فلينكح ما ملكت.
والثانى ليست زائدة، والفعل المقدر محذوف تقديره: فلينكح امرأة مما ملكت، ومن على هذا صفة للمحذوف، وقيل مفعول الفعل المحذوف (فتياتكم) ومن الثانية زائدة، و (والمؤمنات) على هذه الاوجه صفة الفتيات، وقيل مفعول الفعل المحذوف المؤمنات، والتقدير: من فتياتكم الفتيات المؤمنات، وموضع من فتياتكم إذا لم تكن من زائدة حال من الهاء المحذوفة في ملكت، وقيل في الكلام تقديم وتأخير تقديره: فلينكح بعضكم من بعض الفتيات، فعلى هذا يكون قوله (والله أعلم بإيمانكم) معترضا بين الفعل والفاعل، و (بعضكم) فاعل الفعل المحذوف، والجيد أن يكون بعضكم مبتدأ، و (من بعض) خبره أى بعضكم من جنس بعض في النسب والدين، فلا يترفع الحر عن الامة عند الحاجة، وقيل " فمما ملكت " خبر مبتدأ محذوف: أى فالمنكوحة مما ملكت (محصنات) حال من المفعول في " وآتوهن " (ولا متخذات) معطوف على محصنات والاضافة غير محضة.
والاخدان جمع خدن مثل عدل وأعدال (فإذا أحصن) يقرأ بضم الهمزة: أى بالازواج وبفتحها أى فروجهن (فإن أتين) الفاء جواب إذا (فعليهن) جواب إن (من العذاب) في موضع الحال من الضمير في الجار، والعامل فيها العامل في صاحبها، ولا يجوز أن تكون حالا من ما لانها مجرورة بالاضافة فلا يكون لها عامل (ذلك) مبتدأ (لمن خشى) الخبر: أى جائز للخائف من الزنا (وأن تصبروا) مبتدأ، و (خير لكم) خبره.
قوله تعالى (يريد الله ليبين لكم) مفعول يريد محذوف تقديره: يريد الله ذلك: أى تحريم ما حرم وتحليل ما حلل ليبين، واللام في ليبين متعلقة بيريد، وقيل اللام زائدة والتقدير: يريد الله أن يبين فالنصب بأن.
قوله تعالى (ويريد الذين يتبعون الشهوات) معطوف على قوله " والله
[177]
يريد أن يتوب عليكم " إلا أنه صدر الجملة الاولى بالاسم " الثانية " بالفعل، ولا يجوز أن يقرأ بالنصب، لان المعنى يصير: والله يريد أن يتوب عليكم، ويريد أن يريد الذين يتبعون الشهوات، وليس المعنى على ذلك.
قوله تعالى (وخلق الانسان ضعيفا) ضعيفا حال، وقيل تمييز لانه يجوز أن يقدر بمن وليس بشئ، وقيل التقدير: وخلق الانسان من شئ ضعيف: أى من طين أو من نطفة وعلقة ومضغة، كما قال " الله الذى خلقكم من ضعف " فلما حذف الجار والموصوف انتصبت الصفة بالفعل نفسه.
قوله تعالى (إلا أن تكون تجارة) الاستثناء منقطع ليس من جنس الاول، وقيل هو متصل والتقدير: لا تأكلوها بسبب إلا أن تكون تجارة وهذا ضعيف، لانه قال بالباطل والتجارة ليست من جنس الباطل، وفى الكلام حذف مضاف: أى إلا في حال كونها تجارة، أو في وقت كونها تجارة، وتجارة بالرفع على أن كان تامة، وبالنصب على أنها الناقصة، التقدير إلا أن تكون المعاملة أو التجارة تجارة، وقيل تقديره: إلا أن تكون الاموال تجارة (عن تراض) في موضع صفة تجارة (ومنكم) صفة تراض.
قوله تعالى (ومن يفعل) من في موضع رفع بالابتداء، والخبر (فسوف نصليه) وعدوانا وظلما مصدران في موضع الحال، أو مفعول من أجله، والجمهور على ضم النون من نصليه، ويقرأ بفتحها وهما لغتان يقال أصليته النار وصليته.
قوله تعالى (مدخلا) يقرأ بفتح الميم وهو مصدر دخل، والتقدير: وندخله فيدخل مدخلا: أى دخولا، ومفعل إذا وقع مصدرا كان مصدر فعل، فأما أفعل فمصدره مفعل بضم الميم كما ضمت الهمزة، وقيل مدخل هنا المفتوح الميم مكان فيكون مفعولا به مثل أدخلته بيتا.
قوله تعالى (ما فضل الله) " ما " بمعنى الذى أو نكرة موصوفة، والعائد الهاء في (به) والمفعول (بعضكم - واسئلوا الله) يقرأ سلوا بغير همز واسئلوا بالهمز وقد ذكر في قوله " سل بنى إسرائيل " ومفعول اسئلوا محذوف: أى شيئا (من فضله) قوله تعالى (ولكل جعلنا) المضاف إليه محذوف وفيه وجهان: أحدهما تقديره: ولكل أحد جعلنا موالى يرثونه، والثانى ولكل مال، والمفعول الاول لجعل (موالى) والثانى لكل، والتقدير: وجعلنا وراثا لكل ميت أو لكل مال (مما ترك) فيه
[178]
وجهان: هو صفة مال المحذوف: أى من مال تركه (الوالدان) والثانى هو يتعلق بفعل محذوف دل عليه الموالى تقديره: يرثون ماترك، وقيل " ما " بمعنى من: أى لكل أحد ممن ترك الولدان (والذين عقدت) في موضعها ثلاثة أوجه: أحدها هو معطوف على موالى: أى وجعلنا الذين عاقدت وارثا، وكان ذلك ونسخ، فيكون قوله (فآتوهم نصيبهم) توكيدا.
والثانى موضعه نصب بفعل محذوف فسره المذكور: أى وآتوا الذين عاقدت.
والثالث هو رفع بالابتداء وفآتوهم الخبر، ويقرأ عاقدت بالالف والمفعول محذوف: أى عاقدتهم، ويقرأ بغير ألف والمفعول محذوف أيضا هو، والعائد تقديره: عقدت حلفهم أيمانكم، وقيل التقدير: عقدت حلفهم ذو أيمانكم، فحذف المضاف لان العاقد لليمين الحالفون لا الايمان نفسها.
قوله تعالى (قوامون على النساء) على متعلقة بقوامون، و (بما) متعلقة به أيضا، ولما كان الحرفان بمعنيين جاز تعلقهما بشئ واحد، فعلى على هذا لها معنى غير معنى الباء، ويجوز أن تكون الباء في موضع الحال فتتعلق بمحذوف تقديره: مستحقين بتفضيل الله إياهم، وصاحب الحال الضمير في قوامون ومامصدرية، فأما " ما " في قوله (وبما أنفقوا) فيجوز أن تكون مصدرية، فتتعلق من بأنفقوا، ولا حذف في الكلام، ويجوز أن تكون بمعنى الذى والعائد محذوف: أى وبالذى أنفقوه، فعلى هذا يكون (من أموالهم) حالا (فالصالحات) مبتدأ (قانتات حافظات) خبران عنه، وقرئ " فالصوالح قوانت حوافظ " وهو جمع تكثير دال على الكثرة، وجمع التصحيح لا يدل على الكثرة بوضعه، وقد استعمل فيها كقوله تعالى " وهم في الغرفات آمنون " (بما حفظ الله) في " ما " ثلاثة أوجه بمعنى الذى ونكرة موصوفة، والعائد محذوف على الوجهين ومصدرية، وقرئ " بما حفظ الله " بنصب اسم الله وما على هذه القراء‌ة بمعنى الذى أو نكرة، والمضاف محذوف والتقدير: بما حفظ أمر الله أو دين الله.
وقال قوم: هى مصدرية، والتقدير: حفظهن الله، وهذا خطأ لانه إذا كان كذلك خلا الفعل عن ضمير الفاعل، لان الفاعل هنا جمع المؤنث وذلك يظهر ضميره، فكان يجب أن يكون بما حفظهن الله، وقد صوب هذا القول وجعل الفاعل فيه للجنس، وهو مفرد مذكر فلا يظهر له ضمير " واللاتى تخافون) مثل قوله " واللاتى يأتين الفاحشة " ومثل " واللذان يأتيانها " وقد ذكرا (واهجروهن في المضاجع) في " في " وجهان: أحدهما هى ظرف للهجران: أى اهجروهن في مواضع الاضطجاع: أى اتركوا مضاجعهن دون ترك مكالمتهن:
[179]
والثانى هى بمعنى السبب: أى واهجروهن بسبب المضاجع كما تقول في هذه الجناية عقوبة (فلا تبغوا عليهن) في تبغوا وجهان: أحدهما هو من البغى الذى هو الظلم، فعلى هذا هو غير متعد، و (سبيلا) على هذا منصوب على تقدير حذف حرف الجر: أى بسبيل ما والثانى هو من قولك: بغيت الامر أى طلبته، فعلى هذا يكون متعديا، وسبيلا مفعوله، وعليهن من نعت السبيل فيكون حالا لتقدمه عليه.
قوله تعالى (شقاق بينهما) الشقاق الخلاف، فلذلك حسن إضافته إلى بين، وبين هنا الوصل الكائن بين الزوجين (حكما من أهله) يجوز أن يتعلق من بابعثوا فيكون الابتداء غاية البعث، ويجوز أن يكون صفة للحكم فيتعلق بمحذوف (إن يريدا) ضمير الاثنين يعود على الحكمين، وقيل على الزوجين، فعلى الاول والثانى يكون قوله (يوفق الله بينهما) للزوجين.
قوله تعالى (وبالوالدين إحسانا) في نصب إحسانا أوجه قد ذكرناها في البقرة عند قوله " وإذ أخذنا ميثاق بنى إسرائيل " و (الجنب) يقرأ بضمتين، وهو وصف مثل ناقة أجد ويد سجح(1)، ويقرأ بفتح الجيم وسكون النون، وهو وصف أيضا، وهو المجانب، وهو مثل قولك: رجل عدل (والصاحب بالجنب) يجوز أن تكون الباء بمعنى في، وأن تكون على بابها، وعلى كلا الوجهين هو حال من الصاحب، والعامل فيها المحذوف.
قوله تعالى (الذين يبخلون) فيه وجهان أحدهما هو منصوب بدل من " من " في قوله " من كان مختالا فخورا " وجمع على معنى من، ويجوز أن يكون محمولا على قوله مختالا فخورا، وهو خبر كان، وجمع على المعنى أيضا أو على إضمار أذم. والثانى أن يكون مبتدأ، والخبر محذوف تقديره: مبغضون، ودل عليه ماتقدم من قوله لايحب، ويجوز أن يكون الخبر معذبون لقوله " وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا " ويجوز أن يكون التقدير، هم الذين، ويجوز أن يكون مبتدأ، والذين ينفقون معطوف عليه، والخبر: إن الله لايظلم: أى يظلمهم، والبخل والبخل لغتان وقد قرئ بهما، وفيه لغتان أخريان البخل بضم الخاء والباء والبخل بفتح الباء وسكون الخاء، و (من فضله) حال من " ما " أو من العائد المحذوف.
قوله تعالى (والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس) رئاء مفعول من أجله والمصدر مضاف إلى المفعول، فعلى هذا يكون قوله (ولايؤمنون بالله) معطوفا

___________________________________
(1) قوله أجد، في القاموس وناقة أجد بضمتين قوية، وقوله وسجح: بضمتين أيضا أى لينة سهلة اه‍. (*)

[180]
على ينفقون داخلا في الصلة، ويجوز أن يكون مستأنفا، ويجوز أن يكون رئاء الناس مصدرا في موضع الحال: أى ينفقون مرائين (فساء قرينا) أى فساء هو والضمير عائد على من أو على الشيطان، وقرينا تمييز، وساء هنا منقولة إلى باب نعم وبئس، ففاعلها والمخصوص بعدها بالذم مثل فاعل بئس ومخصوصها، والتقدير: فساء الشيطان والقرين، فأما قوله " والذين ينفقون " ففى موضعه ثلاثة أوجه: أحدها هو جر عطفا على الكافرين في قوله " وأعتدنا للكافرين " والثانى نصب على ماانتصب عليه الذين يبخلون، والثالث رفع على ماارتفع عليه الذين يبخلون، وقد ذكرا. فأما رئاى الناس فقد ذكرنا أنه مفعول له أو حال من فاعل ينفقون، ويجوز أن يكون حالا من الذين ينفقون: أى الموصول، فعلى هذا يكون قوله " ولايؤمنون " مستأنفا لئلا يفرق بين بعض الصلة وبعض بحال الموصول.
قوله تعالى (وماذا عليهم) فيه وجهان: أحدهما " ما " مبتدأ و " ذا " بمعنى الذى، وعليهم صلتها، والذى وصلتها خبر ما، وأجاز قوم أن تكون الذى وصلتها مبتدأ، وماخبرا مقدما، وقدم الخبر لانه أستفهام. والثانى أن ما وذا اسم واحد مبتدأ، وعليهم الخبر، وقد ذكرنا هذا في البقرة بأبسط من هذا، و (لو) فيها وجهان: أحدهما هى على بابها، والكلام محمول على المعنى: أى لو آمنوا لم يضرهم والثانى أنها بمعنى أن الناصبة للفعل كما ذكرنا في قوله " لو يعمر ألف سنة " وغيره. ويجوز أن تكون بمعنى إن الشرطية كما جاء في قوله " ولو أعجبتكم " أى وأى شئ عليهم إن آمنوا، وتقديره: على الوجه الآخر: أى شئ عليهم في الايمان.
قوله تعالى (مثقال ذرة) فيه وجهان: أحدهما هو مفعول ليظلم، والتقدير: لايظلمهم، أو لايظلم أحدا، ويظلم بمعنى ينتقص: أى ينقص وهو متعد إلى مفعولين والثانى هو صفة مصدر محذوف تقديره: ظلما قدر مثقال ذرة، فحذف المصدر وصفته وأقام المضاف إليه مقامهما (وإن تك حسنة) حذفت نون تكن لكثرة استعمال هذه الكلمة، وشبه النون لغنتها وسكونها بالواو، فإن تحركت لم تحذف نحو " ومن يكن الشيطان ولم يكن الذين " وحسنة بالرفع على أن كان التامة، وبالنصب على أنها الناقصة، و (من لدنه) متعلق بيؤت أو حال من الاجر.
قوله تعالى (فكيف إذا) الناصب لها محذوف: أى كيف تصنعون أو تكونون وإذاظرف لذلك المحذوف (من كل أمة) متعلق بجئنا أو حال من شهيد على قول من أجاز تقديم حال المجرور عليه (وجئنا بك) معطوف على جئنا الاولى،
[181]
ويجوز أن يكون حالا وتكون قد مرادة، ويجوز أن يكون مستأنفا، ويكون الماضى بمعنى المستقبل، و (شهيدا) حال وعلى يتعلق به، ويجوز أن يكون حالا منه.
قوله تعالى (يومئذ) فيه وجهان: أحدهما هو ظرف ل‍ (يود) فيعمل فيه. والثانى يعمل فيه شهيدا، فعلى هذا يكون يود صفة ليوم، والعائد محذوف: أى فيه وقد ذكر ذلك في قوله " واتقوا يوما لاتجزى " والاصل في " إذا " إذ، وهى ظرف زمان ماض، فقد استعملت هنا للمستقبل وهو كثير في القرآن، فزادوا عليها التنوين عوضا من الجملة المحذوفة تقديره: يوم إذ تأتى بالشهداء، وحركت الذال بالكسر لسكونها وسكون التنوين بعدها (وعصوا الرسول) في موضع الحال، وقد مرادة وهى معترضة بين يود وبين مفعولها، وهو (لو تسوى) ولو بمعنى أن المصدرية وتسوى على مالم يسم فاعله.
ويقرأ تسوى بالفتح والتشديد: أى تتسوى فقلبت الثانية سينا وأدغم.
ويقرأ بالتخفيف أيضا على حذف الثانية (ولايكتمون) فيه وجهان: أحدهما هو حال، والتقدير: يودون أن يعذبوا في الدنيا دون الآخرة، أو يكونوا كالارض (ولايكتمون الله) في ذلك اليوم (حديثا).
قوله تعالى (لاتقربوا الصلاة) قيل المراد مواضع الصلاة، فحذف المضاف وقيل لاحذف فيه (وأنتم سكارى) حال من ضمير الفاعل في تقربوا، وسكارى جمع سكران، ويجوز ضم السين وفتحها، وقد قرئ بهما، وقرئ أيضا " سكرى " بضم السين من غير ألف، وبفتحها كذلك، وهى صفة مفردة في موضع الجمع، فسكرى مثل حبلى وسكرى مثل عطشى (حتى تعلموا) أى إلى أن، وهى متعلقة بتقربوا، و (ما) بمعنى الذى أو نكرة موصوفة، والعائد محذوف، ويجوز أن تكون مصدرية ولاحذف (ولاجنبا) حال، والتقدير.
لاتصلوا جنبا، أو لاتقربوا مواضع الصلاة جنبا، والجنب يفرد مع التثنية والجمع في اللغة الفصحى يذهب به مذهب الوصف بالمصادر، ومن العرب من يثنيه ويجمعه فيقول جنبان وأجناب، واشتقاقه من المجانية وهى المباعدة (إلا عابرى سبيل) هو حال أيضا والتقدير: لاتقربوها في حال الجنابة إلى في حال السفر أو عبور المسجد على اختلاف الناس في المراد بذلك (حتى تغتسلوا) متعلق بالعامل في جنب (منكم) صفة لاحد، و (من الغائط) مفعول جاء، والجمهور يقرء‌ون الغائط على فاعل، والفعل منه غاط المكان يغوط إذا اطمأن، وقرأ ابن مسعود بياء ساكنة من غير ألف وفيه وجهان: أحدهما هو مصدر يغوط، وكان القياس غوطا فقلب الواو ياء وأسكنت
[182]
وانفتح ماقبلها لخفتها، والثانى أنه أراد الغيط فخففت مثل سيد وميت، (أو لمستم) يقرأ بغير ألف وبألف، وهما بمعنى، وقيل لامستم مادون الجماع، أو لمستم الجماع (فلم تجدوا) الفاء عطفت مابعدها على جاء، وجواب الشرط (فتيمموا) وجاء معطوف على كنتم: أى وإن جاء أحد (صعيدا) مفعول تيمموا أى اقصدوا صعيدا، وقيل هو على تقدير حذف الباء: أى بصعيد (بوجوهكم) الباء زائدة أى امسحوا وجوهكم، وفى الكلام حذف أى فامسحوا وجوهكم به أو منه، وقد ظهر ذلك في آية المائدة.
قوله تعالى (من الكتاب) صفة لنصيب (يشترون) حال من الفاعل في أوتوا (ويريدون) مثله وإن شئت جعلتهما حالين من الموصول، وهو قوله " من الذين أوتوا " وهى حال مقدرة، ويقال ضللت (السبيل) وعن السبيل، وهو مفعول به وليس بظرف، وهو كقولك أخطأ الطريق (وليا) و (نصيرا) منصوبان على التمييز، وقيل على الحال.
قوله تعالى (من الذين هادوا) فيه ثلاثة أوجه: أحدها أنه خبر مبتدإ محذوف، وفى ذلك تقديران: أحدهما تقديره، هم من الذين ف‍ (يحرفون) على هذا حال من الفاعل في هادوا، والثانى تقديره: من الذين هادوا قوم، فقوم هو المبتدأ وماقبله الخبر، ويحرفون نعت لقوم، وقيل التقدير: من الذين هادوا من يحرفون، كما قال: " ومامنا إلا له ": أى من له، ومن هذه عندنا نكرة موصوفة مثل قوم، وليست بمعنى الذى لان الموصول لايحذف دون صلته.
والوجه الثانى أن من الذين متعلق بنصير، فهو في موضع نصب به كما قال " فمن ينصرنا من بأس الله " أى يمنعنا.
والثالث أنه حال من الفاعل في يريدون، ولايجوز أن يكون حالا من الضمير في أوتوا لان شيئا واحدا لايكون له أكثر من حال واحدة، إلا أن يعطف بعض الاحوال على بعض، ولايكون حالا من الذين لهذا المعنى، وقيل هو حال من أعدائكم: أى والله أعلم بأعدائكم كائنين من الذين، والفصل المعترض بينهما مسدد فلم يمنع من الحال، وفى كل موضع جعلت فيه من الذين هادوا حالا، فيحرفون فيه حال من الفاعل في هادوا و (الكلم) جمع كلمة، ويقرأ " الكلام " والمعنى متقارب و (عن مواضعه) متعلق بيحرفون، وذكر الضمير المضاف إليه حملا على معنى الكلم لانها جنس (ويقولون) عطف على يحرفون، و (غير مسمع) حال والمفعول الثانى محذوف، أى لاأسمعت مكروها هذا ظاهر قولهم، فأما ماأرادوا
[183]
فهو لاأسمعت خيرا، وقيل أرادوا غير مسموع منك (وراعنا) قد ذكر في البقرة و (ليا. وطعنا) مفعول له، وقيل مصدر في موضع الحال، والاصل في لى لوى فقلبت الواو ياء وأدغمت، و (في الدين) متعلق بطعن (خيرا لهم) يجوز أن يكون بمعنى أفعل كما قال (وأقوم) ومن محذوفة، أى من غيره، ويجوز أن يكون بمعنى فاضل وجيد فلا يفتقر إلى من (إلا قليلا) صفة مصدر محذوف: أى إيمانا قليلا.
قوله تعالى (من قبل) متعلق بآمنوا و (على أدبارها) حال من ضمير الوجوه وهى مقدرة.
قوله تعالى (ويغفر مادون ذلك) هو مستأنف غير معطوف على يغفر الاولى لانه لو عطف عليه لصار منفيا.
قوله تعالى (بل الله يزكى من يشاء) تقديره: أخطئوا بل الله يزكى (ولايظلمون) ضمير الجمع يرجع إلى معنى من، ويجوز أن يكون مستأنفا أى من زكى نفسه ومن زكاه الله، و (فتيلا) مثل مثقال ذرة في الاعراب وقد ذكر.
قوله تعالى (كيف يفترون) كيف منصوب بيفترون وموضع الكلام نصب بانظروا، و (على الله) متعلق بيفترون، ويجوز أن يكون حالا من (الكذب) ولايجوز أن يتعلق بالكذب، لان معمول المصدر لايتقدم عليه فإن جعل على التبيين جاز.
قوله تعالى (هؤلاء أهدى) مبتدأ وخبر في موضع نصب بيقولون. وللذين كفروا تخصيص وتبيين متعلق بيقولون أيضا. ويؤمنون بالجبت ويقولون مثل يشترون الضلالة ويريدون وقد ذكر.
قوله تعالى (أم لهم نصيب) أم منقطعة أى بل ألهم وكذلك أم يحسدون (فإذن) حرف ينصب الفعل إذا اعتمد عليه وله مواضع يلغى فيها وهو مشبه في عوامل الافعال بظننت في عوامل الاسماء، والنون أصل فيه وليس بتنوين، فلهذا يكتب بالنون وأجاز الفراء أن يكتب بالالف، ولم يعمل هنا من أجل حرف العطف وهى الفاء، ويجوز في غير القرآن أن يعمل مع الفاء وليس المبطل لعمله لا لان لايتخطاها العامل.
قوله تعالى (من آمن به) الهاء تعود على الكتاب، وقيل على إبراهيم، وقيل على محمد صلى الله عليه وسلم، و (سعيرا) بمعنى مستعر (نضجت جلودهم)
[184]
يقرأ بالادغام لانهما من حروف وسط الفم، والاظهار هو الاصل (بدلناهم جلودا) أى بجلود، وقيل يتعدى إلى الثانى بنفسه.
قوله تعالى (والذين آمنوا) يجوز أن يكون في موضع نصب عطفا على الذين كفروا، وأن يكون رفعا على الموضع أو على الاستئناف والخبر (سندخلهم. خالدين فيها) حال من المفعول في ندخلهم أو من جنات لان فيهما ضمير الكل واحد منهما، ويجوز أن يكون صفة لجنات على رأى الكوفيين و (لهم فيها أزواج) حال أو صفة.
قوله تعالى (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) العامل في إذا وجهان: أحدهما فعل محذوف تقديره: يأمركم أن تحكموا إذا حكمتم، وجعل أن تحكموا المذكورة مفسرة للمحذوف فلا موضع لان تحكموا لانه مفسر للمحذوف، والمحذوف مفعول يأمركم ولايجوز أن يعمل في إذا أن تحكموا لان معمول المصدر لايتقدم عليه.
والوجه الثانى أن تنصب إذا بيأمركم وأن تحكموا به أيضا، والتقدير: أن يكون حرف العطف مع أن تحكموا لكن فصل بينهما بالظرف كقول الاعشى: يوم يراها كشبه أردية الغضب ويوما أديمها ثفلا وبالعدل يجوز أن يكون مفعولابه، ويجوز أن يكون حالا (نعما يعظكم به) الجملة خبر إن، وفى " ما " ثلاثة أوجه: أحدها أنها بمعنى الشئ معرفة تامة، ويعظكم صفة موصوف محذوف هو المخصوص بالمدح تقديره نعم الشئ شئ يعظكم به، ويجوز أن يكون يعظكم صفة لمنصوب محذوف: أى نعم الشئ الشئ شيئا يعظكم به كقولك: نعم الرجل رجلا صالحا زيد، وهذا جائز عند بعض النحويين، والمخصوص بالمدح هنا محذوف. والثانى أن " ما " بمعنى الذى، ومابعدها صلتها وموضعها رفع فاعل نعم والمخصوص محذوف: أى نعم الذى يعظكم به بتأدية الامانة والحكم بالعدل. والثالث أن تكون " ما " نكرة موصوفة، والفاعل مضمر، والمخصوص محذوف كقوله تعالى " بئس للظالمين بدلا ".
قوله تعالى (وأولى الامر منكم) حال من أولى، و (تأويلا) تمييز.
قوله تعالى (يريدون) حال من الذين يزعمون أو من الضمير في يزعمون، ويزعمون من أخوات ظننت في اقتضائها مفعولين، وإن وما عملت في تسد مسدهما (وقد أمروا) في موضع الحال من الفاعل في يريدون، والطاغوت يؤنث ويذكر،
[185]
وقد ذكر ضميره هنا، وقد تكلمنا عليه في البقرة (أن يضلهم ضلالا) أى فيضلوا ضلالا، ويجوز أن يكون ضلالا بمعنى إضلالا، فوضع أحد المصدرين موضع الآخر.
قوله تعالى (تعالوا) الاصل تعاليوا، وقد ذكرنا ذلك في آل عمران، ويقرأ شاذا بضم اللام، ووجهه أنه حذف الالف من تعالى اعتباطا ثم ضم اللام من أجل واو الضمير (يصدون) في موضع الحال و (صدودا) اسم للمصدر والمصدر صد، وقيل هو مصدر.
قوله تعالى (فكيف إذا أصابتهم مصيبة) أى كيف يصنعون؟ (ويحلفون) حال.
قوله تعالى (في أنفسهم) يتعلق بقل لهم، وقيل يتعلق ب‍ (بليغا) أى يبلغ في نفوسهم وهو ضعيف، لان الصفة لاتعمل فيما قبلها.
قوله تعالى (إلا ليطاع) ليطاع في موضع نصب مفعول له، واللام تتعلق بأرسلنا، و (بإذن الله) حال من الضمير في يطاع، وقيل هو مفعول به: أى بسبب أمر الله و (ظلموا) ظرف والعامل فيه خبر إن، وهو (جاء‌وك). (واستغفر لهم الرسول) ولم يقل فاستغفرت لهم، لانه رجع من الخطاب إلى الغيبة لما في الاسم الظاهر من الدلالة على أنه الرسول و (وجدوا) يتعدى إلى مفعولين، وقيل هى المتعدية إلى واحد، و (توابا) حال، و (رحيما) بدل أو حال من الضمير في تواب.
قوله تعالى (فلا وربك) فيه وجهان: أحدهما أن " لا " الاولى زائدة.
والتقدير: فوربك (لا يؤمنون) وقيل الثانية: زائدة، والقسم معترض بين النفى والمنفى.
والوجه الآخر أن لا نفى لشئ محذوف تقديره: فلا يفعلون، ثم قال: وربك لا يؤمنون، و (بينهم) ظرف لشجر أو حال من " ما " أو من فاعل شجر، و (ثم لا يجدوا) معطوف على يحكموك، و (في أنفسهم) يتعلق بيجدوا تعلق
الظرف بالفعل، و (حرجا) مفعول يجدوا، ويجوز أن يكون في أنفسهم حالا من حرج، وكلاهما على أن يجدوا المتعدية إلى مفعول واحد، ويجوز أن تكون المتعدية إلى اثنين، وفى أنفسهم أحدهما، و (مما قضيت) صفة لحرج فيتعلق بمحذوف، ويجوز أن يتعلق بحرج، لانك تقول: حرجت من هذا الامر، و " ما " يجوز أن تكون بمعنى الذى ونكرة موصوفة ومصدرية.
 
سورة المائدة
بسم اللّه الرحمن الرحيم
قوله تعالى (إلا مايتلى عليكم) في موضع نصب على الاستثناء من بهيمة الانعام، والاستثناء متصل، والتقدير: أحلت لكم بهيمة الانعام إلا الميتة وماأهل لغير الله به وغيره مما ذكر في الآية الثالثة من السورة (غير) حال من الضمير المجرور عليكم أو لكم، وقيل هو حال من ضمير الفاعل في أوفوا، و (محلى) اسم فاعل مضاف إلى المفعول، وحذفت النون للاضافة، و (الصيد) مصدر بمعنى المفعول: أى المصدر، ويجوز أن يكون على بابه هاهنا: أى غير محلين الاصطياد في حال الاحرام
[206]
قوله تعالى (ولا القلائد) أى ولا ذوات القلائد لانها جمع قلادة، والمراد تحريم المقلدة لا القلادة (ولا آمين) أى ولا قتال آمين أو أذى آمين. وقرئ في الشاذ " ولا آمى البيت " بحذف النون والاضافة (يبتغون) في موضع الحال من الضمير في آمين، ولايجوز أن يكون صفة لآمين لان اسم الفاعل إذا وصف لم يعمل في الاختيار (فاصطادوا) قرئ في الشاذ بكسر الفاء، وهى بعيدة من الصواب، وكأنه حركها بحركة همزة الوصل (ولا يجرمنكم) الجمهور على فتح الياء، وقرئ بضمها وهما لغتان: يقال، جرم وأجرم، وقيل جرم متعد إلى مفعول واحد وأجرم متعد إلى اثنين، والهمزة للنقل، فأما فاعل هذا الفعل فهو (شنآن) ومفعوله الاول الكاف والميم، و (أن تعتدوا) هو المفعول الثانى على قول من عداه إلى مفعولين، ومن عداه إلى واحد كأنه قدر حرف الجر مرادا مع أن تعتدوا، والمعنى: لا يحملنكم بغض قوم على الاعتداء، والجمهور على فتح النون الاولى من شنآن، وهو مصدر كالغليان والنزوان.
ويقرأ بسكونها وهو صفة مثل عطشان وسكران، والتقدير: على هذا لا يحملنكم بغيض قوم: أى عداوة بغيض قوم، وقيل من سكن أراد المصدر أيضا، لكنه خفف لكثرة الحركات وإذا حركت النون كان مصدرا مضافا إلى المفعول: أى لا يحملنكم بغضكم لقوم، ويجوز أن يكون مضافا إلى الفاعل: أى بغض قوم إياكم (أن صدوكم) يقرأ بفتح الهمزة وهى مصدرية، والتقدير: لان صدوكم، وموضعه نصب أو جر على الاختلاف في نظائره.
ويقرأ بكسرها على أنها شرط، والمعنى: أن يصدوكم مثل ذلك الصد الذى وقع منهم، أو يستديموا الصد، وإنما قدر بذلك لان الصد كان قد وقع من الكفار للمسلمين (ولا تعاونوا) يقرأ بتخفيف التاء‌ين على أنه حذف التاء الثانية تخفيفا، أو بتشديدها إذا وصلتها بلا على إدغام إحدى التاء‌ين في الاخرى، وساغ الجمع بين ساكنين لان الاول منهما حرف مد.
قوله تعالى (الميتة) أصلها الميتة (والدم) أصله دمى (وماأهل لغير الله به) قد ذكر ذلك كله في البقرة (والنطيحة) بمعنى المنطوحة، ودخلت فيها الهاء لانها لم تذكر الموصوفة معها فصارت كالاسم، فإن قلت شاة نطيح لم تدخل الهاء (وماأكل السبع) " ما " بمعنى الذى وموضعه رفع عطفا على الميتة، والاكثر ضم الباء من السبع وتسكينها لغة، وقد قرئ به (إلا ما ذكيتم) في موضع نصب استثناء من الموجب قبله، والاستثناء راجع إلى المتردية والنطيحة وأكيلة السبع
[207]
(وما ذبح) مثل " وما أكل السبع " (على النصب) فيه وجهان: أحدهما هو متعلق بذبح تعلق المفعول بالفعل: أى ذبح على الحجارة التى تسمى نصبا، أى ذبحت في ذلك الموضع.
والثانى أن النصب الاصنام، فعلى هذا في " على " وجهان: أحدهما هى بمعنى اللام: أى لاجل الاصنام، فتكون مفعولا له، والثانى أنها على أصلها وموضعه حال: أى وما ذبح مسمى على الاصنام، وقيل نصب بضمتين، ونصب بضم النون وإسكان الصاد، ونصب بفتح النون وإسكان الصاد، وهو مصدر بمعنى المفعول، وقيل يجوز فتح النون والصاد أيضا، وهو اسم بمعنى المنصوب كالقبض والنقض بمعنى المقبوض والمنقوض (وأن تستقسموا) في موضع رفع عطفا على الميتة، و (الازلام) جمع زلم: وهو القدح الذى كانوا يضربون به على أيسار الجزور (ذلكم فسق) مبتدأ وخبر، ولكم إشارة إلى جميع المحرمات في الآية، ويجوز أن يرجع إلى الاستقسام (اليوم) ظرف ل‍ (يئس) و (اليوم) الثانى ظرف ل‍ (أكملت) و (عليكم) يتعلق بأتممت ولا يتعلق ب‍ (نعمتى) فإن شئت جعلته على التبيين: أى أتممت أعنى عليكم، و (رضيت) يتعدى إلى مفعول واحد، وهو هنا (الاسلام) و (دينا) حال، وقيل يتعدى إلى مفعولين لان معنى رضيت هنا جعلت وصيرت.
ولكم يتعلق برضيت وهى للتخصيص، ويجوز أن يكون حالا من الاسلام: أى رضيت الاسلام لكم (فمن اضطر) شرط في موضع رفع بالابتداء، و (غير) حال، والجمهور على (متجانف) بالالف والتخفيف، وقرئ " متجنف " بالتشديد من غير ألف يقال تجانف وتجنف (لاثم) متعلق بمتجانف، وقيل اللام بمعنى إلى، أى ماثل إلى إثم (فإن الله غفور رحيم) أى له، فحذف العائد على المبتدأ.
قوله تعالى (ماذا أحل لهم) قد ذكر في البقرة (وما علمتم) " ما " بمعنى الذى، والتقدير: صيد ما علمتم، أو تعليم ما علمتم، و (من الجوارح) حال من الهاء المحذوفة أو من " ما " والجوارح جمع جارحة، والهاء فيها للمبالغة وهى صفة غالبة، إذا لا يكاد يذكر معها الموصوف (مكلبين) يقرأ بالتشديد والتخفيف، يقال: كلبت الكلب وأكلبته فكلب: أى أغريته على الصيد وأسدته فاستأسد، وهو حال من الضمير في علمتم (تعلمونهن) فيه وجهان: أحدهما هو مستأنف لا موضع له، والثانى هو حال من الضمير في مكليين، ولا يجوز أن يكون حالا ثانية لان
[208]
العامل الواحد لا يعمل في حالين، ولا يحسن أن يجعل حالا من الجوارح لانك قد فصلت بينهما بحال لغير الجوارح (مما) أى شيئا مما (علمكم الله).
قوله تعالى (وطعام الذين) مبتدأ، (وحل لكم) خبره، ويجوز أن يكون معطوفا على الطبيات، وحل لكم خبر مبتدأ محذوف (وطعامكم حل لهم) مبتدأ وخبر (والمحصنات) معطوف على الطيبات، ويجوز أن يكون مبتدأ والخبر محذوف: أى والمحصنات من المؤمنات حل لكم أيضا، وحل مصدر بمعنى الحلال فلا يثنى ولا يجمع، و (من المؤمنات) حال من الضمير في المحصنات، أو من نفس المحصنات إذا عطفتها على الطيبات (إذا آتيتموهن) ظرف لاحل أو لحل المحذوفة (محصنين) حال من الضمير المرفوع في آتيتموهن، فيكون العامل آتيتم، ويجوز أن يكون العامل أحل أو حل المحذوفة (غير) صفة لمحصنين أو حال من الضمير الذى فيها (ولا متخذى) معطوف على غير فيكون منصوبا، ويجوز أن يعطف على مسافحين وتكون لا لتأكيد النفى (ومن يكفر بالايمان) أى بالمؤمن به فهو مصدر في موضع المفعول كالخلق بمعنى المخلوق، وقيل التقدير بموجب الايمان وهو الله (وهو في الآخرة من الخاسرين) إعرابه مثل إعراب " وإنه في الآخرة لمن الصالحين " وقد ذكر في البقرة.
قوله تعالى (إلى المرافق) قيل إلى بمعنى مع كقوله " ويزدكم قوة إلى قوتكم " وليس هذا المختار، والصحيح أنها على بابها وأنها لانتهاء الغاية، وإنما وجب غسل المرافق بالسنة وليس بينهما تناقض، لان إلى تدل على انتهاء الفعل، ولا يتعرض بنفى المحدود إليه ولا بإثباته، ألا ترى أنك إذا قلت: سرت إلى الكوفة، فغير ممتنع أن تكون بلغت أول حدودها ولم تدخلها وأن تكون دخلتها، فلو قام الدليل على أنك دخلتها لم يكن مناقضا لقولك: سرت إلى الكوفة، فعلى هذا تكون إلى متعلقة باغسلوا، ويجوز أن تكون في موضع الحال وتتعلق بمحذوف، والتقدير: وأيديكم مضافة إلى المرافق (برء‌وسكم) الباء زائدة، وقال من لا خبرة له بالعربية: الباء في مثل هذا للتبعيض، وليس بشئ يعرفه أهل النحو، ووجه دخولها أنها تدل على إلصاق المسح بالرأس (وأرجلكم) يقرأ بالنصب وفيه وجهان: أحدهما هو معطوف على الوجوه والايدى: أى فاغسلوا وجوهكم وأيديكم وأرجلكم، وذلك جائز في العربية بلا خلاف، والسنة الدلالة على وجوب غسل الرجلين تقوى ذلك.
والثانى أنه معطوف على موضع برء‌وسكم، والاول أقوى لان العطف على اللفظ أقوى من العطف على الموضع.
[209]
ويقرأ في الشذوذ بالرفع على الابتداء: أى وأرجلكم مغسولة أو كذلك.
ويقرأ بالجر وهو مشهور أيضا كشهرة النصب. وفيها وجهان: أحدهما أنها معطوفة على الرء‌وس في الاعراب والحكم مختلف، فالرء‌وس ممسوحة والارجل مغسولة، وهو الاعراب الذى يقال هو على الجوار، وليس بممتنع أن يقع في القرآن لكثرته، فقد جاء في القرآن والشعر، فمن القرآن قوله تعالى " وحور عين " على قراء‌ة من جر، وهو معطوف على قوله " بأكواب وأباريق " والمعنى مختلف، إذ ليس المعنى يطوف عليهم ولدان مخلدون بحور عين، قال الشاعر وهو النابغة:
لم يبق إلا أسير غير منفلت * أو موثق في حبال القد مجنوب
والقول في مجرورة والجوار مشهور عندهم في الاعراب، وقلب الحروف ببعضها إلى بعض والتأنيث وغير ذلك.
فمن الاعراب ما ذكرنا في العطف، ومن الصفات قوله " عذاب يوم محيط " واليوم ليس بمحيط، وإنما المحيط العذاب، وكذلك قوله " في يوم عاصف " واليوم ليس بعاصف وإنما العاصف الريح، ومن قلب الحروف قوله على الصلاة والسلام " ارجعن مأزورات غير مأجورات " والاصل موزورات ولكن أريد التآخى، وكذلك قولهم: إنه لا يأتينا بالغدايا والعشايا.
ومن التأنيث قوله " فله عشر أمثالها " فحذفت التاء من عشر وهى مضافة إلى الامثال وهى مذكرة، ولكن لما جاورت الامثال الضمير المؤنث أجرى عليها حكمه، وكذلك قول الشاعر:
لما أتى خبر الزبير تضعضعت * سور المدينة والجبال الخشع
وقولهم: ذهبت بعض أصابعه.
ومما راعت العرب فيه الجوار قولهم: قامت هند، فلم يجيزوا حذف التاء إذا لم يفصل بينهما، فإن فصلوا بينهما أجازوا حذفها، ولا فرق بينهما إلا المجاورة وعدم المجاورة، ومن ذلك قولهم: قام زيد وعمرا كلمته استحسنوا النصب بفعل محذوف لمجاورة الجملة اسما قد عمل فيه الفعل، ومن ذلك قلبهم الواو المجاورة للطرف همزة في قولهم أوائل، كما لو وقعت طرفا، وكذلك إذا بعدت عن الطرف لا تقلب طواويس، وهذا موضع يحتمل أن يكتب فيه أوراق من الشواهد، وقد جعل النحويون له بابا ورتبوا عليه مسائل ثم أصلوه بقولهم: جحر ضب خرب، حتى اختلفوا في جواز جر التثنية والجمع، فأجاز الاتباع فيهما جماعة من حذاقهم قياسا على المفرد المسموع، ولو كان لا وجه في القياس بحال لاقتصروا فيه على المسموع فقط، ويؤيد ماذكرناه أن الجر في الآية قد أجيز غيره، وهو
[210]
النصب والرفع، والرفع والنصب غير قاطعين ولاظاهرين على أن حكم الرجلين المسح، وكذلك الجر يجب أن يكون كالنصب والرفع في الحكم دون الاعراب.
والوجه الثانى أن يكون جر الارجل بجار محذوف تقديره: وافعلوا بأرجلكم غسلا وحذف الجار وإبقاء الجر جائز، قال الشاعر:
مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة * ولا ناعب إلا ببين غرابها
وقال زهير:
بدا لى أنى لست مدرك ما مضى * ولا سابق شيئا إذا كان جائيا
فجر بتقدير الباء وليس بموضع ضرورة، وقد أفردت لهذه المسألة كتابا (إلى الكعبين) مثل إلى المرافق.
وفيه دليل على وجوب غسل الرجلين لان الممسوح ليس بمحدود، والتحديد في المغسول الذى أريد بعضه وهو قوله " وأيديكم إلى المرافق " ولم يحدد الوجه لان المراد جميعه (وأيديكم منه) منه في موضع نصب بامسحوا (ليجعل) اللام غير زائدة، ومفعول يريد محذوف تقديره: ما يريد الله الرخصة في التيمم ليجعل عليكم حرجا، وقيل اللام زائدة وهذا ضعيف لان أن غير ملفوظ بها، وإنما يصح أن يكون الفعل مفعولا ليريد بأن، ومثله (ولكن يريد ليطهركم) أى يريد ذلك ليطهركم (عليكم) يتعلق بيتم، ويجوز أن يتعلق بالنعمة، ويجوز أن يكون حالا من النعمة.
قوله تعالى (إذ) ظرف لواثقكم، ويجوز أن يكون حالا من الهاء المجرورة، وأن يكون حالا من الميثاق.
قوله تعالى (شهداء بالقسط) مثل قوله تعالى " شهداء لله " وقد ذكرناه في النساء (هو أقرب) هو ضمير العدل، وقد دل عليه اعدلوا، وأقرب للتقوى قد ذكر في البقرة.
قوله تعالى (وعد الله) وعد يتعدى إلى مفعولين يجوز الاقتصار على أحدهما والمفعول الاول هنا " الذين آمنوا " والثانى محذوف استغنى عنه بالجملة التى هى قوله (لهم مغفرة) ولا موضع لها من الاعراب، لان وعد لا يعلق عن العمل كما تعلق ظننت وأخواتها.
[211]
قوله تعالى (نعمت الله عليكم) يتعلق بنعمة. ويجوز أن يكون حالا منها فيتعلق بمحذوف، و (إذ) ظرف للنعمة أيضا، وإذا جعلت عليكم حالا جاز أن يعمل في إذ (أن يبسطوا) أى بأن يبسطوا، وقد ذكرنا الخلاف في موضعه.
قوله تعالى (منهم اثنى عشر) يجوز أن يتعلق منهم ببعثنا، وأن يكون صفة لاثنى عشر تقدمت فصارت حالا (وعزرتموهم) يقرأ بالتشديد والتخفيف والمعنى واحد (قرضا) يجوز أن يكون مصدرا محذوف الزوائد، والعامل فيه أقرضتم: أى إقراضا. ويجوز أن يكون القرض بمعنى المقرض فيكون مفعولا به (لاكفرن) جواب الشرط (فمن كفر بعد ذلك منكم) في موضع الحال من الضمير في لاكفرن، و (سواء السبيل) قد ذكر في البقرة.
قوله تعالى (فيما نقضهم) الباء تتعلق ب‍ (لعناهم) ولو تقدم الفعل لدخلت الفاء عليه، وما زائدة أو بمعنى شئ، وقد ذكر في النساء (وجعلنا) يتعدى إلى مفعولين بمعنى صيرنا و (قاسية) المفعول الثانى وياؤه واو في الاصل، لانه من القسوة، ويقرأ " قسية " على فعيلة، قلبت الواو ياء وأدغمت فيها ياء فعيل وفعيلة في لعناهم، وأن يكون حالا من الضمير في قاسية، ولا يجوز أن يكون حالا من هنا للمبالغة بمعنى فاعلة (يحرفون) مستأنف، ويجوز أن يكون حالا من المفعول في لعناهم، وأن يكون حالا من الضمير في قاسية ولا يجوز أن يكون حالا من القلوب، لان الضمير في يحرفون لا يرجع إلى القلوب، ويضعف أن يجعل حالا من الهاء والميم في قلوبهم (عن مواضعه) قد ذكر في النساء (على خائنة) أى على طائفة خائنة، ويجوز أن تكون فاعلة هنا مصدرا كالعاقبة والعافية، و (منهم) صفة لخائنة، ويقرأ " خيانة " وهى مصدر والياء منقلبة عن واو لقولهم يخون، وفلان أخون من فلان، وهو خوان (إلا قليلا منهم) استثناء من خائنة، ولو قرئ بالجر على البدل لكان مستقيما.
قوله تعالى (ومن الذين قالوا) من تتعلق بأخذنا تقديره: وأخدنا من الذين قالوا إنا نصارى ميثاقهم، والكلام معطوف على قوله " ولقد أخذ الله ميثاف بنى إسرائيل " والتقدير: وأخذنا من الذين قالوا إنا نصارى ميثاقهم، ولا يجوز أن يكون التقدير: وأخذنا ميثاقهم، من الذين قالوا إنا نصارى لان فيه إضمار قبل الذكر لفظا وتقديرا، والياء في (وأغرينا) من واو، واشتقاقه من الغراء: وهو الذى يلصق به، ويقال سهم مغرو، و (بينهم) ظرف لاغرينا أو حال من (العداوة) ولا يكون ظرفا للعداوة، لان المصدر لا يعمل فيما قبله (إلى يوم القيامة) يتعلق بأغرينا أو بالبغضاء أو بالعداوة: أى تباغضوا إلى يوم القيامة.
[212]
قوله تعالى (يبين لكم) حال من رسولنا، و (من الكتاب) حال من الهاء محذوفة في يخفون (قد جاء‌كم) لاموضع له (من الله) يتعلق بجاء‌كم أو حال من نور.
قوله تعالى (يهدى به الله) يجوز أن يكون حالا من رسولنا بدلا من يبين، وأن يكون حالا من الضمير في يبين، ويجوز أن يكون صفة لنور أو لكتاب، والهاء في به تعود على من جعل يهدى حالا منه أو صفة له فلذلك أفرد، و (من) بمعنى الذى أو نكرة موصوفة، و (سبل السلام) المفعول الثانى ليهدى، ويجوز أن يكون بدلا من رضوانه، والرضوان بكسر الراء وضمها لغتان، وقد قرئ بهما، وسبلى بضم الباء والتسكين لغة وقد قرئ به (بإذنه) أى بسبب أمره المنزل على رسوله.
قوله تعالى (فمن يملك) أى قل لهم، ومن استفهام تقرير، و (من الله) يجوز أن يكون حالا متعلقا بيملك، وأن يكون حالا من و (شيئا) و (جميعا) حال من المسيح وأمه ومن في الارض، ويجوز أن يكون حالا من من وحدها، ومن هاهنا عام سبقه خاص من جنسه، وهو المسيح وأمه (يخلق) مستأنف.
قوله تعالى (قل فلم يعذبكم) أى قل لهم (بل أنتم) رد لقولهم " نحن أبناء الله " وهو محكى بقل.
قوله تعالى (على فترة) في موضع الحال من الضمير في يبين، ويجوز أن يكون حالا من الضمير المجرور في لكم، و (من الرسل) نعت لفترة (أن تقولوا) أى مخافة أن تقولوا (ولا نذير) معطوف على لفظ بشير، ويجوز في الكلام الرفع على موضع من بشير.
قوله تعالى (نعمت الله عليكم إذ جعل) هو مثل قوله " نعمة الله عليكم إذ هم قوم " وقد ذكر.
قوله تعالى (على أدباركم) حال من الفاعل في ترتدوا (فتنقلبوا) يجوز أن يكون مجزوما عطفا على ترتدوا، وأن يكون منصوبا على جواب النهى.
قوله تعالى (فإنا داخلون) أى داخلوها، فحذف المفعول لدلالة الكلام عليه.
قوله تعالى (من الذين يخافون) في موضع رفع صفة لرجلين، ويخافون صلة الذين والواو العائد.
ويقرأ بضم الياء على مالم يسم فاعله. وله معنيان: أحدهما
[213]
هو من قولك، خيف الرجل: أى خوف، والثانى أن يكون المعنى يخافهم غيرهم كقولك: فلان مخوف: أى يخافه الناس (أنعم الله) صفة أخرى لرجلين، ويجوز أن يكون حالا، وقد معه مقدرة، وصاحب الحال رجلان أو الضمير في الذين.
قوله تعالى (ما داموا) هو بدل من أبدا، لان ما مصدرية تنوب عن الزمان، وهو بدل بعض، و (هاهنا) ظرف ل‍ (قاعدون) والاسم هنا وها للتنبيه مثل التى في قولك هذا وهؤلاء.
قوله تعالى (وأخى) في موضعه وجهان: أحدهما نصب عطفا على نفسى أو على اسم إن، والثانى رفع عطفا على الضمير في أملك: أى ولا يملك أخى إلا نفسه، ويجوز أن يكون مبتدأ والخبر محذوف، أى وأخى كذلك (وبين القوم الفاسقين) الاصل أن لا تكرر بين، وقد تكرر توكيدا كقولك: المال بين زيد وبين عمرو، وكررت هنا لئلا يعطف على الضمير من غير إعادة الجار.
قوله تعالى (أربعين سنة) ظرف لمحرمة، فالتحريم على هذا مقدر، و (يتيهون) حال من الضمير المجرور، وقيل هى ظرف ليتيهون، فالتحريم على هذا غير مؤقت (فلا تأس) ألف تأسا بدل من واو، لانه من الاسى الذى هو الحزن، وتثنيته أسوان، ولا حجة في أسيت عليه لانكسار السين، ويقال: رجل أسوان بالواو، وقيل هى من الياء يقال: رجل أسيان أيضا.
قوله تعالى (نبأ ابنى آدم) الهمزة في ابنى همزة وصل كما هى في الواحد، فأما همزة أبناء في الجمع فهمزة قطع لانها حادثة للجمع (إذ قربا) ظرف لنبأ أو حال منه، ولا يكون ظرفا لاتل. وبالحق حال من الضمير في اتل: أى محقا أو صادقا (قربانا) هو في الاصل مصدر، وقد وقع هنا موضع المفعول به، والاصل إذ قربا قربانين، لكنه لم يثن لان المصدر لا يثنى.
وقال أبوعلى: تقديره إذ قرب كل واحد منهما قربانا كقوله " فاجلدوهم ثمانين جلدة " أى كل واحد منهم (قال لاقتلنك) أى قال المردود عليه للمقبول منه ومفعول (يتقبل) محذوف: أى يتقبل من المتقين قرابينهم وأعمالهم.
قوله تعالى (بإثمى وإثمك) في موضع الحال: أى ترجع حاملا للاثمين.
[214]
قوله تعالى (فطوعت) الجمهور على تشديد الواو، ويقرأ " طاوعت " بالالف والتخفيف وهما لغتان، والمعنى: زينت وقال قوم: طاوعت تتعدى بغير لام، وهذا خطأ لان التى تتعدى بغير اللام تتعدى إلى مفعول واحد وقد عداه هاهنا إلى (قتل أخيه) وقيل التقدير طاوعته نفسه على قتل أخيه فزاد اللام وحذف على.
قوله تعالى (كيف يوارى) كيف في موضع الحال من الضمير في يوارى، والجملة في موضع نصب بيرى، والسوأة يجوز تخفيف همزتها بإلقاء حركتها على الواو فتبقى سوأة أخيه، ولاتقلب الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها لان حركتها عارضة والالف في (ويلتى) بدل من ياء المتكلم، والمعنى: ياويله احضرى فهذا وقتك (فأوارى) معطوف على أكون، وذكر بعضهم أنه يجوز أن ينتصب على جواب الاستفهام وليس بشئ، إذ ليس المعنى أيكون منى عجز فمواراة، ألا ترى أن قولك أين بيتك فأزورك، معناه: لو عرفت لزرت، وليس المعنى هنا لو عجزت لواريت.
قوله تعالى (من أجل) من تتعلق ب‍ (كتبنا) ولاتتعلق بالنادمين، لانه يحسن الابتداء بكتبنا هنا، والهاء في (إنه) للشان، و (من) شرطية، و (بغير) حال من الضمير في قتل: أى من قتل نفسا ظالما (أو فساد) معطوف على نفس، وقرئ في الشاذ بالنصب: أى أو عمل فسادا، أو أفسد فسادا: أى إفساد فوضعه موضع المصدر مثل العطاء، و (بعد ذلك) ظرف ل‍ (مسرفون) ولا تمنع لام التوكيد ذلك.
قوله تعالى (يحاربون الله) أى أولياء الله فحذف المضاف، و (أن يقتلوا) خبر جزاء، وكذلك المعطوف عليه، وقد ترئ فيهن بالتخفيف، و (من خلاف) حال من الايدى والارجل: أى مختلفة (أو ينفوا من الارض) أى من الارض التى يريدون الاقامة بها فحذف الصفة، و (ذلك) مبتدأ، و (لهم خزى) مبتدأ وخبر في موضع خبر ذلك، و (في الدنيا) صفة خزى، ويجوز أن يكون ظرفا له ويجوز أن يكون خزى خبر ذلك ولهم صفة مقدمة فتكون حالا، ويجوز أن يكون في الدنيا ظرفا للاستقرار.
قوله تعالى (إلا الذين) استثناء من الذين يحاربون في موضع نصب، وقيل يجوز أن يكون في موضع رفع بالابتداء، والعائد عليه من الخبر محذوف: أى (فإن الله غفور) لهم أو (رحيم) بهم.
قوله تعالى (إليه الوسيلة) يجوز أن يتعلق إلى بابتغوا، وأن يتعلق بالوسيلة لان الوسيلة بمعنى المتوسل به فيعمل فيما قبله، ويجوز أن يكون حالا، أى الوسيلة كائنة إليه.
[215]
قوله تعالى (من عذاب يوم القيامة) العذاب اسم للتعذيب، وله حكمه في العمل، وأخرجت إضافته إلى يوم يوما عن الظرفية.
قوله تعالى (والسارق والسارقة) مبتدأ. وفى الخبر وجهان: أحدهما هو محذوف تقديره عند سيبويه: وفيما يتلى عليكم، ولا يجوز أن يكون عنده (فاقطعوا) هو الخبر من أجل الفاء، وإنما يجوز ذلك فيما إذا كان المبتدأ الذى وصلته بالفعل أو الظرف لانه يشبه الشرط والسارق ليس كذلك.
والثانى الخبر فاقطعوا أيديهما لان الالف واللام في السارق بمنزلة الذى إذ لايراد به سارق بعينه (وأيديهما) بمعنى يديهما لان المقطوع من السارق والسارقة يميناهما فوضع الجمع موضع الاثنين، لانه ليس في الانسان سوى يمين واحدة، وما هذا سبيله يجعل الجمع فيه مكان الاثنين، ويجوز أن يخرج على الاصل، وقد جاء في بيت واحد، قال الشاعر: ومهمهين فدفدين مرتين * ظهراهما مثل ظهور الترسين (جزاء) مفعول من أجله أو مصدر لفعل محذوف: أى جازاهما جزاء، وكذلك (نكالا).
قوله تعالى (لا يحزنك) نهى، والجيد فتح الياء وضم الزاى، ويقرأ بضم الياء وكسر الزاى من أحزننى وهى لغة (من الذين قالوا) في موضع نصب على الحال من الضمير في يسارعون، أو من الذين يسارعون (بأفواههم) يتعلق بقالوا: أى قالوا بأفواههم آمنا (ولم تؤمن قلوبهم) الجملة حال (ومن الذين هادوا) معطوف على قوله " من الذين قالوا آمنا " و (سماعون) خبر مبتدإ محذوف: أى هم سماعون، وقيل سماعون مبتدأ، ومن الذين هادوا خبره (للكذب) فيه وجهان: أحدهما اللام زائدة تقديره سماعون الكذب.
والثانى ليست زائدة، والمفعول محذوف، والتقدير سماعون أخباركم للكذب. أى ليكذبوا عليكم فيها، و (سماعون) الثانية تكريرا للاولى، و (لقوم) متعلق به: أى لاجل قوم، ويجوز أن تتعلق اللام في لقوم بالكذب، لان سماعون الثانية مكررة، والتقدير: ليكذبوا لقوم آخرين، و (لم يأتوك) في موضع جر صفة أخرى لقوم (يحرفون) فيه وجهان: أحدهما هو مستأنف لا موضع له، أو في موضع رفع خبر لمبتدإ محذوف: أى هم يحرفون.
[216]
والثانى ليست بمستأنف بل هو صفة لسماعون: أى سماعون محرفون، ويجوز أن يكون حالا من الضمير في سماعون، ويجوز أن يكون صفة أخرى لقوم: أى محرفين و (من بعد مواضعه) مذكور في النساء (يقولون) مثل يحرفون، ويجوز أن يكون حالا من الضمير في يحرفون (من الله شيئا) في موضع الحال التقدير: شيئا كائنا من أمر الله.
قوله تعالى (سماعون للكذب) أى هم سماعون، ومثله (أكالون للسحت) والسحت والسحت لغتان وقد قرئ بهما (فلن يضروك شيئا) في موضع المصدر: أى ضررا.
قوله تعالى (وكيف يحكمونك) كيف في موضع نصب عل الحال من الضمير الفاعل في يحكمونك (وعندهم التوراة) جملة في موضع الحال، والتوراة مبتدأ، وعندهم الخبر، ويجوز أن ترفع التوراة بالظرف (فيها حكم الله) في موضع الحال، والعامل فيها مافى عند من معنى الفعل، وحكم الله مبتدأ أو معمول الظرف.
قوله تعالى (فيها هدى ونور) في موضع الحال من التوراة (يحكم بها النبيون) جملة في الحال من الضمير المجرور فيها (للذين هادوا) اللام تتعلق بيحكم (والربانيون والاحبار) عطف على النبيون (بما استحفظوا) يجوز أن يكون بدلا من قوله بها في قوله " يحكم بها " وقد أعاد الجار لطول الكلام وهو جائز أيضا وإن لم يطل، وقيل الربانيون مرفوع بفعل محذوف، والتقدير: ويحكم الربانيون والاحبار بما استحفظوا، وقيل هو مفعول به: أى يحكمون بالتوراة بسبب استحفاظهم ذلك، و " ما " بمعنى الذى: أى بما استحفظوه (من كتاب الله) حال من المحذوف أو من " ما "، و (عليه) يتعلق ب‍ (شهداء).
قوله تعالى (النفس بالنفس) بالنفس في موضع رفع خبر أن، وفيه ضمير وأما (العين) إلى قوله (والسن) فيقرأ بالنصب عطفا على ما عملت فيه أن، وبالرفع وفيه ثلاثة أوجه: أحدها هو مبتدأ والمجرور خبره، وقد عطف جملا على جملة. والثانى أن المرفوع منها معطوف على الضمير في قوله بالنفس، والمجررات على هذا أحوال مبينة للمعنى، لان المرفوع على هذا فاعل للجار، وجاز العطف من غير توكيد كقوله تعالى " ما أشركنا ولا آباؤنا ". والثالث أنها معطوفة على المعنى، لان معنى كتبنا عليهم قلنا لهم النفس بالنفس ولا يجوز أن يكون معطوفا على أن وما عملت فيه لانها وما عملت فيه في موضع نصب.
وأما قوله (والجروح) فيقرأ بالنصب حملا على النفس، وبالرفع وفيه الاوجه الثلاثة، ويجوز أن يكون مستأنفا: أى والجروح قصاص في شريعة محمد، والهاء في (به) للقصاص، و (فهو) كناية عن التصدق والهاء في (له) للمتصدق.
[217]
قوله تعالى (مصدقا) الاول حال من عيسى، و (من التوراة) حال من " ما " أو من الضمير في الظرف، و (فيه هدى) جملة في موضع الحال من الانجيل و (مصدقا) الثانى حال أخرى من الانجيل، وقيل من عيسى أيضا (وهدى وموعظة) حال من الانجيل أيضا، ويجوز أن يكون من عيسى: أى هاديا وواعظا أو ذا هدى وذا موعظة، ويجوز أن يكون مفعولا من أجله: أى قفينا للهدى، أو وآتيناه الانجيل للهدى.
وقد قرئ في الشاذ بالرفع: أى وفى الانجيل هدى وموعظة وكرر الهدى توكيدا.
قوله تعالى (وليحكم) يقرأ بسكون اللام والميم على الامر، ويقرأ بكسر اللام وفتح الميم على أنها لام كى: أى وقفينا ليؤمنوا وليحكم.
قوله تعالى (بالحق) حال من الكتاب (مصدقا) حال من الضمير في قوله بالحق، ولايكون حالا من الكتاب إذ لايكون حالان لعامل واحد (ومهيمنا) حال أيضا، ومن الكتاب حال من " ما " أو من الضمير في الظرف، والكتاب الثانى جنس، وأصل مهيمن ميمن لانه مشتق من الامانة لان المهيمن الشاهد، وليس في الكلام همن حتى تكون الهاء أصلا (عما جاء‌ك) في موضع الحال: أى عادلا عما جاء‌ك، و (من الحق) حال من الضمير في " جاء‌ك " أو من " ما " (لكل جعلنا منكم) لا يجوز أن يكون منكم صفة لكل لان ذلك يوجب الفصل بين الصفة والموصوف بالاجنبى الذى لا تشديد فيه للكلام، ويوجب أيضا أن يفصل بين جعلنا وبين معمولها، وهو (شرعة) وإنما يتعلق بمحذوف تقديره: أعنى، وجعلنا هاهنا إن شئت جعلتها المتعدية إلى مفعول واحد، وإن شئت جعلتها بمعنى صيرنا (ولكن ليبلوكم) اللام تتعلق بمحذوف تقديره: ولكن فرقكم ليبلوكم (مرجعكم جميعا) حال من الضمير المجرور.
وفى العامل وجهان: أحدهما المصدر المضاف لانه في تقدير: إليه ترجعون جميعا، والضمير المجرور فاعل في المعنى أو قائم مقام الفاعل. والثانى أن يعمل فيه الاستقرار الذى ارتفع به مرجعكم أو الضمير الذى في الجار.
[218]
قوله تعالى (وأن احكم بينهم) في أن وجهان: أحدهما هى مصدرية، والامر صلة لها. وفى موضعها ثلاثة أوجه: أحدها نصب عطفا على الكتاب في قوله " وأنزلنا إليك الكتاب " أى وأنزلنا إليك الحكم.
والثانى جر عطفا على الحق: أى أنزلنا إليك بالحق وبالحكم، ويجوز على هذا الوجه أن يكون نصبا لما حذف الجار.
والثالث أن يكون في موضع رفع تقديره: وأن احكم بينهم بما نزل الله أمرنا أو قولنا، وقيل أن بمعنى: أى، وهو بعيد لان الواو تمنع من ذلك والمعنى يفسد ذلك، لان أن التفسيرية ينبغى أن يسبقها قول يفسر بها، ويمكن تصحيح هذا القول على أن يكون التقدير: وأمرناك، ثم فسر هذا الامر باحكم (أن يفتنوك) فيه وجهان: أحدهما هو بدل من ضمير المفعول بدل الاشتمال: أى احذرهم فتنتهم. والثانى أن يكون مفعولا من أجله: أى مخافة أن يفتنوك.
قوله تعالى (أفحكم الجاهلية) يقرأ بضم الحاء وسكون الكاف وفتح الميم والناصب له يبغون، ويقرأ بفتح الجميع، وهو أيضا منصوب بيبغون: أى احكم حكم الجاهلية، ويقرأ تبغون بالتاء على الخطاب لان قبله خطابا، ويقرأ بضم الحاء وسكون الكاف وضم الميم على أنه مبتدأ، والخبر يبغون، والعائد محذوف: أى يبغونه وهو ضعيف، وإنما جاء في الشعر إلا أنه ليس بضرورة في الشعر، والمستشهد به على ذلك قول أبى النجم: قد أصبحت أم الخيار تدعى * على ذنبا كله لم أصنع فرفع كله، ولو نصب لم يفسد الوزن (ومن أحسن) مبتدأ وخبر، وهو استفهام في معنى النفى، و (حكما) تمييز، و (لقوم) هو في المعنى عند قوم (يوقنون) وليس المعنى أن الحكم لهم، وإنما المعنى أن الموقن يتدبر حكم الله فيحسن عنده، ومثله " إن في ذلك لآية للمؤمنين - ولقوم يوقنون " ونحو ذلك، وقيل هى على أصلها، والمعنى: إن حكم الله للمؤمنين على الكافرين، وكذلك الآية لهم: أى الحجة لهم.
قوله تعالى (بعضهم أولياء بعض) مبتدأ وخبر لاموضع له.
قوله تعالى (فترى الذين) يجوز أن يكون من رؤية العين فيكون (يسارعون) في موضع الحال، ويجوز أن يكون بمعنى تعرف فيكون يسارعون حالا أيضا، ويجوز أن يكون من رؤية القلب المتعدية إلى مفعولين فيكون يسارعون المفعول الثانى، وقرئ في الشاذ بالياء والفاعل الله تعالى، و (يقولون) حال من ضمير الفاعل في يسارعون، و (دائرة) صفة غالبة لا يذكر معها الموصوف (أن يأتى) في موضع نصب خبر عسى، وقيل هو في موضع رفع بدلا من اسم الله (فيصبحوا) معطوف على يأتى.


سورة الانعام
بسم اللّه الرحمن الرحيم
قوله تعالى (بربهم) الباء تتعلق ب‍ (يعدلون) أى الذين كفروا يعدلون بربهم غيره، والذين كفروا مبتدأ، ويعدلون الخبر، والمفعول محذوف. ويجوز على هذا أن تكون الباء بمعنى عن، فلا يكون في الكلام مفعول محذوف، بل يكون يعدلون لازما: أى يعدلون عنه إلى غيره، ويجوز أن تتعلق الباء بكفروا فيكون المعنى: الذين جحدوا ربهم مائلون عن الهدى.
قوله تعالى (خلقكم من طين) في الكلام حذف مضاف: أى خلق أصلكم ومن طين متعلق بخلق، ومن هنا لابتداء الغاية، ويجوز أن تكون حالا: أى خلق أصلكم كائنا من طين (وأجل مسمى) مبتدأ موصوف، و (عنده) الخبر.
[235]
قوله تعالى (وهو الله) وهو مبتدأ والله الخبر. و (في السموات) فيه وجهان: أحدهما يتعلق ب‍ (يعلم) أى يعلم سركم وجهركم في السموات والارض، فهما ظرفان للعلم فيعلم على هذا خبر ثان، ويجوز أن يكون الله بدلا من هو ويعلم الخبر. والثانى أن يتعلق " في " باسم الله لانه بمعنى المعبود: أى وهو المعبود في السموات والارض.
ويعلم على هذا خبر ثان أو حال من الضمير في المعبود أو مستأنف.
وقال أبوعلي: لايجوز أن تتعلق " في " باسم الله لانه صار بدخول الالف واللام والتغيير الذى دخله كالعلم ولهذا قال تعالى " هل تعلم له سميا " وقيل قد تم الكلام على قوله " في السموات وفى الارض " يتعلق بيعلم، وهذا ضعيف لانه سبحانه معبود في السموات وفى الارض ويعلم مافى السماء والارض فلا اختصاص لاحدى الصفتين بأحد الظرفين، و (سركم وجهركم) مصدران بمعنى المفعولين: أى مسركم ومجهوركم، ودل على ذلك قوله " يعلم ماتسرون وماتعلنون " أى الذى، ويجوز أن يكونا على بابهما.
قوله تعالى (من آية) موضعه رفع بتأتى، ومن زائدة، و (من آيات) في موضع جر صفة لآية، ويجوز أن تكون في موضع رفع على موضع آية.
قوله تعالى (لما جاء‌هم) لما ظرف لكذبوا، وهذا قد عمل فيها وهو قبلها، ومثله إذا، و (به) متعلق ب‍ (يستهزئون).
قوله تعالى (كم أهلكنا) كم استفهام بمعنى التعظيم. فلذلك لايعمل فيها يروا وهى في موضع نصب بأهلكنا، فيجوز أن تكون كم مفعولا به، ويكون (من قرن) تبيينا لكم، ويجوز أن يكون ظرفا، ومن قرن مفعول أهلكنا، ومن زائدة أى كم أزمنة أهلكنا فيها من قبلهم قرونا، ويجوز أن يكون كم مصدرا: أى كم مرة وكم إهلاكا وهذا يتكرر في القرآن كثيرا (مكناهم) في موضع جر صفة القرن، وجمع على المعنى (مالم نمكن لكم) رجع من الغيبة في قوله " ألم يروا " إلى الخطاب في لكم، ولو قال لهم لكان جائزا و " ما " نكرة موصوفة، والعائد محذوف: أى شيئا لم نمكنه لكم، ويجوز أن تكون " ما " مصدرية والزمان محذوف أى مدة مالم نمكن لكم: أى مدة تمكنهم أطول من مدتكم، ويجوز أن تكون " ما " مفعول نمكن على المعنى، لان المعنى أعطيناهم مالم نعطكم، و (مدرارا) حال من السماء، و (تجرى) المفعول الثانى لجعلنا أو حال من الانهار إذا جعلت جعل متعدية إلى واحد، و (من تحتهم) يتعلق بتجرى، ويجوز أن يكون حالا من الضمير في تجرى: أى وهى من تحتهم، ويجوز أن يكون من تحتهم مفعولا ثانيا لجعل أو حالا من الانهار.
[236]
وتجرى في موضع الحال من الضمير في الجار: أى وجعلنا الانهار من تحتهم جارية: أى استقرت جارية، و (من بعدهم) يتعلق بأنشأنا، ولايجوز أن يكون حالا من قرن لانه ظرف زمان.
قوله تعالى (في قرطاس) نعت لكتاب، ويجوز أن يتعلق بكتاب على أنه ظرف له، والكتاب هنا المكتوب في الصحيفة لانفس الصحيفة، والقرطاس بكسر القاف وفتحها لغتان وقد قرئ بهما، والهاء في (لمسوه) يجوز أن ترجع على قرطاس، وأن ترجع على كتاب.
قوله تعالى (مايلبسون) " ما " بمعنى الذى وهو مفعول " لبسنا ".
قوله تعالى (ولقد استهزئ) يقرأ بكسر الدال على أصل التقاء الساكنين، وبضمها على أنه أتبع حركتها حركة التاء لضعف الحاجز بينهما، و (ما) بمعنى الذى، وهو فاعل حاق، و (به) يتعلق ب‍ (يستهزء‌ون) ومنهم الضمير للرسل فيكون منهم متعلقا بسخروا لقوله " فيسخرون منهم " ويجوز في الكلام سخرت به، ويجوز أن يكون الضمير راجعا إلى المستهزئين فيكون منهم حالا من ضمير الفاعل في سخروا.
قوله تعالى (كيف كان) كيف خبر كان، و (عاقبة) اسمها، ولم يؤنث الفعل لان العاقبة بمعنى المعاد فهو في معنى المذكر، ولان التأنيث غير حقيقى.
قوله تعالى (لمن) من استفهام، و (ما) بمعنى الذى في موضع مبتدإ، ولمن خبره (قل لله) أى قل هو لله (ليجمعنكم) قيل موضعه نصب بدلا من للرحمة وقيل لاموضع له بل هو مستأنف واللام فيه جواب قسم محذوف وقع كتب موقعه (لاريب فيه) قد ذكر في آل عمران والنساء (الذين خسروا) مبتدأ (فهم) مبتدأ ثان، و (لايؤمنون) خبره، والثانى وخبره خبر الاول، ودخلت الفاء لما في الذين من معنى الشرط.
وقال الاخفش: للذين خسروا: بدل من المنصوب في ليجمعنكم، وهو بعيد لان ضمير المتكلم والمخاطب لايبدل منهما لوضوحهما غاية الوضوح، وغيرهما دونهما في ذلك.
قوله تعالى (أغير الله) مفعول أول (أتخذ) و (وليا) الثانى، ويجوز أن يكون أتخذ متعديا إلى واحد وهو ولى، وغير الله صفة له قدمت عليه فصارت حالا ولايجوز أن تكون غير هنا استثناء (فاطر السموات) يقرأ بالجر وهو المشهور، وجره على البدل من اسم الله، وقرئ شاذا بالنصب وهو بدل من ولى، والمعنى
[237]
على هذا: أجعل فاطر السموات والارض غير الله، ويجوز أن يكون صفة لولى، والتنوين مراد، وهو على الحكاية: أى فاطر السموات (وهو يطعم) بضم الياء وكسر العين (ولايطعم) بضم الياء وفتح العين وهو المشهور، ويقرأ " ولايطعم " بفتح الياء والعين، والمعنى على القراء‌تين يرجع إلى الله، وقرئ في الشاذ " وهو يطعم " يفتح الياء والعين، ولايطعم بضم الياء وكسر العين، وهذا يرجع إلى الولى الذى هو غير الله (من أسلم) أى أول فريق أسلم (ولاتكونن) أى وقيل لى لاتكونن، ولو كان معطوفا على ماقبله لقال وأن لاأوكون.
قوله تعالى (من يصرف عنه) يقرأ بضم الياء وفتح الراء على مالم يسم فاعله، وفى القائم مقام الفاعل وجهان: أحدهما (يومئذ) أى من يصرف عنه عذاب يومئذ فحذف المضاف، ويومئذ مبنى على الفتح. والثانى أن يكون مضمرا في يصرف يرجع إلى العذاب فيكون يومئذ ظرفا ليصرف أو للعذاب أو حالا من الضمير، ويقرأ بفتح الياء وكسر الراء على تسمية الفاعل: أى من يصرف الله عنه العذاب، فمن على هذا مبتدأ، والعائد عليه الهاء في عنه، وفى (رحمه) والمفعول محذوف وهو العذاب، ويجوز أن يكون المفعول يومئذ: أى عذاب يومئذ، ويجوز أن تجعل " من " في موضع نصب بفعل محذوف تقديره: من يكرم يصرف الله عنه العذاب، فجعلت يصرف تفسيرا للمحذوف، ومثله " فإياى فارهبون " ويجوز أن ينصب من يصرف، وتجعل الهاء في عنه للعذاب: أى أى إنسان يصرف الله عنه العذاب فقد رحمه، فأما " من " على القراء‌ة الاولى فليس فيها إلا الرفع على الابتداء، والهاء في عنه يجوز أن ترجع على " من " وأن ترجع على العذاب.
قوله تعالى (فلا كاشف له) له خبر كاشف (إلا هو) بدل من موضع لاكاشف، أو من الضمير في الظرف، ولايجوز أن يكون مرفوعا بكاشف، ولابدلا من الضمير فيه لانك في الحالتين اسم " لا " ومتى أعملته ظاهرا نونته.
قوله تعالى (وهو القاهر فوق عباده) هو مبتدأ، والقاهر خبره، وفى فوق وجهان: أحدهما هو أنه في موضع نصب على الحال من الضمير في القاهر: أى وهو القاهر مستعليا أو غالبا. والثانى هو في موضع رفع على أنه بدل من القاهر أو خبر ثان، قوله تعالى (أى شئ) مبتدأ و (أكبر) خبره، (شهادة) تمييز، وأى بعض ماتضاف إليه، فإذا كانت استفهاما اقتضى الظاهر أن يكون جوابها مسمى باسم ماأضيف إليه: أى وهذا يوجب أن يسمى الله شيئا، فعلى هذا يكون قوله (قل الله)
[238]
جوابا والله مبتدأ والخبر محذوف: أى أكبر شهادة، وقوله (شهيد) خبر مبتدإ محذوف، ويجوز أن يكون الله مبتدأ وشهيد خبره، ودلت هذه الجملة على جواب أى من طريق المعنى، و (بينكم) تكرير للتأكيد، والاصل شهيد بيننا، ولك أن تجعل بين ظرفا يعمل فيه شهيد، وأن تجعله صفة لشهيد فيتعلق بمحذوف (ومن بلغ) في موضع نصب عطفا على المفعول في أنذركم وهو بمعنى الذى، والعائد محذوف، والفاعل ضمير القرآن: أى وأنذر من بلغه القرآن (قل إنما هو إله واحد) في ماوجهان: أحدهما هى كافة لان عن العمل فعلى هذا هو مبتدأ وإله خبره، وواحد صفة مبينة. وقد ذكر مشروحا في البقرة. والثانى أنها بمعنى الذى في موضع نصب بأن وهو مبتدأ وإله خبره، والجملة صلة الذى، وواحد خبر إن وهذا أليق بما قبله.
قوله تعالى (الذين آتيناهم الكتاب) في موضع رفع بالابتداء، و (يعرفونه) الخبر والهاء ضمير الكتاب، وقيل ضمير النبى صلى الله عليه وسلم (الذين خسروا أنفسهم) مثل الاولى.
قوله تعالى (ويوم نحشرهم) هو مفعول به، والتقدير: واذكر يوم نحشرهم و (جميعا) حال من ضمير المفعول ومفعولا (تزعمون) محذوفان: أى تزعمونهم شركاء‌كم، ودل على المحذوف ماتقدم.
قوله تعالى (ثم لم تكن) يقرأ بالتاء، ورفع الفتنة على أنها اسم كان، و (أن قالوا) الخبر، ويقرأ كذلك إلا أنه بالياء لان تأنيث الفتنة غير حقيقى، ولان الفتنة هنا بمعنى القول، ويقرأ بالياء، ونصب الفتنة على أن اسم كان أن قالوا وفتنتهم الخبر، ويقرأ كذلك إلا أنه بالتاء على معنى أن قالوا، لان أن قالوا بمعنى القول والمقالة والفتنة (ربنا) يقرأ بالجر صفة لاسم الله، وبالنصب على النداء أو على إضمار أعنى وهو معترض بين القسم والمقسم عليه، والجواب (ماكنا).
قوله تعالى (من يستمع) وحد الضمير في الفعل حملا على لفظ " من " وماجاء منه على لفظ الجمع، فعلى معنى " من " نحو: " من يستمعون " و " من يغوصون له " (أن يفقهوه) مفعول من أجله: أى كراهة أن يفقهوه، و (وقرا) معطوف على أكنة، ولايعد الفصل بين حرف العطف والمعطوف بالظرف فصلا لان الظرف أحد المفاعيل، فيجوز تقديمه وتأخيره، ووحد الوقر هنا لانه مصدر، وقد استوفى القول فيه في أول البقرة (حتى إذا) إذا في موضع نصب بجوابها، وهو يقول:
[239]
وليس لحتى هنا عمل وإنما أفادت معنى الغاية كما لاتعمل في الجمل، و (يجادلونك) حال من ضمير الفاعل في جاء‌وك. والاساطير جمع. واختلف في واحده، فقيل هو أسطورة، وقيل واحدها إسطار، والاسطار جمع سطر بتحريك الطاء، فيكون أساطير جمع الجمع، فأما سطر بسكون الطاء فجمعه سطور وأسطر.
قوله تعالى (وينأون) يقرأ بسكون النون، وتحقيق الهمزة وبإلقاء حركة الهمزة على النون وحذفها فيصير اللفظ بها ينون بفتح النون وواو ساكنة بعدها، و (أنفسهم) مفعول يهلكون.
قوله تعالى (ولو ترى) جواب " لو " محذوف تقديره: لشاهدت أمرا عظيما ووقف متعد، وأوقف لغة ضعيفة، والقرآن جاء بحذف الالف، ومنه وقفوا فبناؤه لما لم يسم فاعله ومنه وقفوهم (ولانكذب، ونكون) يقرآن بالرفع.
وفيه وجهان: أحدهما هو معطوف على نرد، فيكون عدم التكذيب والكون من المؤمنين متمنين أيضا كالرد، والثانى أن يكون خبر مبتدإ محذوف: أى ونحن لانكذب، وفى المعنى وجهان: أحدهما أنه متمنى أيضا، فيكون في موضع نصب على الحال من الضمير في نرد. والثانى أن يكون المعنى أنهم ضمنوا أن لايكذبوا بعد الرد، فلا يكون للجملة موضع. ويقرآن بالنصب على أنه جواب التمنى، فلا يكون داخلا في التمنى، والواو في هذا كالفاء. ومن القراء من رفع الاول ونصب الثانى، ومنهم من عكس، ووجه كل واحدة منهما على ماتقدم.
قوله تعالى (إن هى إلا) هى كناية عن الحياة، ويجوز أن يكون ضمير القصة.
قوله تعالى (وقفوا على ربهم) أى على سؤال ربهم، أو على ملك ربهم.
قوله تعالى (بغتة) مصدر في موضع الحال: أى باغتة، وقيل هو مصدر لفعل محذوف، أى تبغتهم بغتة وقيل هو مصدر بجاء‌تهم من غير لفظه (ياحسرتنا) نداء الحسرة والويل على المجاز، والتقدير: ياحسرة احضرى فهذا أوانك، والمعنى تنبيه أنفسهم لتذكر أسباب الحسرة، و (على) متعلقة بالحسرة، والضمير في (فيها) يعود على الساعة، والتقدير: في عمل الساعة، وقيل يعود على الاعمال، ولم يجر لها صريح ذكر، ولكن في الكلام دليل عليها (ألا ساء مايزرون) ساء بمعنى بئس، وقد تقدم إعرابه في مواضع. ويجوز أن تكون ساء على بابها ويكون المفعول محذوفا، ومامصدرية أو بمعنى الذى أو نكرة موصوفة، وهى في كل ذلك فاعل ساء، والتقدير: ألا ساء‌هم وزرهم.
[240]
قوله تعالى (وللدار الآخرة) يقرأ بالالف واللام، ورفع الآخرة على الصفة والخبر (خير) ويقرأ " ولدار الآخرة " على الاضافة: إى دار الساعة الآخرة، وليست الدار مضافة إلى صفتها لان الصفة هى الموصوف في المعنى، والشئ لايضاف إلى نفسه، وقد أجازه الكوفيون.
قوله تعالى (قد نعلم) أى قد علمنا، فالمستقبل بمعنى الماضى (لايكذبونك) يقرأ بالتشديد على معنى لاينسبونك إلى الكذب، أى قبل دعواك النبوة، بل كانوا يعرفونه بالامانة والصدق، ويقرأ بالتخفيف وفيه وجهان: أحدهما هو في معنى المشدد، يقال أكذبته وكذبته إذا نسبته إلى الكذب. والثانى لايجدونك كذبا يقال: أكذبته إذا أصبته، كذلك كقولك: أحمدته إذا أصبته محمودا (بآيات الله) الباء تتعلق ب‍ (يجحدون) وقيل تتعلق بالظالمين كقوله تعالى " وآيتنا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها ".
قوله تعالى (من قبلك) لايجوز أن يكون صفة لرسل لانه زمان، والجثة لاتوصف بالزمان وإنما هى متعلقة بكذبت (وأوذوا) يجوز أن يكون معطوفا على كذبوا، فتكون (حتى) متعلقة بصبروا، ويجوز أن يكون الوقف تم على كذبوا، ثم أستأنف فقال: وأوذوا، فتتعلق حتى به، والاول أقوى (ولقد جاء‌ك) فاعل جاء‌ك مضمر فيه، قيل المضمر المجئ، وقيل المضمر النبأء، ودل عليه ذكر الرسل لان من ضرورة الرسل الرسالة وهى نبأء، وعلى كلا الوجهين يكون (من نبإ المرسلين) حالا من ضمير الفاعل، والتقدير: من جنس نبأ المرسلين، وأجاز الاخفش أن تكون من زائدة والفاعل نبأ المرسلين وسيبويه لايجيز زيادتها في الواجب ولايجوز عند الجميع أن تكون من صفة لمحذوف لان الفاعل لايحذف، وحرف الجر إذا لم يكن زائدا لم يصح أن يكون فاعلا لان حرف الجر يعدى، وكل فعل يعمل في الفاعل بغير معد، ونبأ المرسلين بمعنى إنبائهم، ويدل على ذلك قوله تعالى " نقص عليك من أنباء الرسل ".
قوله تعالى (وإن كان كبر عليك) جواب إن هذه (فإن استطعت) فالشرط الثانى جواب الاول.
وجواب الشرط الثانى محذوف تقديره: فافعل، وحذف لظهور معناه وطول الكلام (في الارض) صفة لنفق، ويجوز أن يتعلق بتبتغى، ويجوز أن يكون حالا من ضمير الفاعل: أى وأنت في الارض، ومثله (في السماء).
[241]
قوله تعالى (والموتى يبعثهم الله) في الموتى وجهان: أحدهما هو في؟؟ موضع نصب بفعل محذوف: أى ويبعث الله الموتى، وهذا أقوى لانه اسم قد عطف على اسم عمل فيه الفعل. والثانى أن يكون مبتدأ ومابعده الخبر. ويستجيب بمعنى يجيب.
قوله تعالى (من ربه) يجوز أن يكون صفة لآية، وأن يتعلق بنزل.
قوله تعالى (في الارض) يجوز أن يكون في موضع جر صفة لدابة، وفى موضع رفع صفة لها أيضا على الموضع، لان من زائدة (ولاطائر) معطوف على لفظ دابة وقرئ بالرفع على الموضع (بجناحيه) يجور أن تتعلق الباء بيطير، وأن تكون حالا وهو توكيد، وفيه رفع مجاز، لان غير الطائر قد يقال فيه طار إذا أسرع (من شئ) " من " زائدة " وشئ " هنا واقع موقع المصدر: أى تفريطا، وعلى هذا التأويل لايبقى في الآية حجة لمن ظن أن الكتاب يحتوى على ذكر كل شئ صريحا. ونظير ذلك " لايضركم كيدهم شيئا ": أى ضررا، وقد ذكرنا له نظائر، ولايجوز أن يكون شيئا مفعولا به، لان فرطنا لاتتعدى بنفسها بل بحرف الجر، وقد عديت بفى إلى الكتاب فلا تتعدى بحرف اخر، ولايصح أن يكون المعنى ماتركنا في الكتاب من شئ، لان المعنى على خلافه، فبان أن التأويل ماذكرنا.
قوله تعالى (والذين كذبوا) مبتدأ، و (صم بكم) الخبر مثل حلو حامض والواو لاتمنع ذلك، ويجوز أن يكون صم خبر مبتدأ: محذوف تقديره: بعضهم صم وبعضهم بكم (في الظلمات) يجوز أن يكون خبرا ثانيا، وأن يكون حالا من الضمير المقدر في الخبر، والتقدير: أى هم في الظلمات، ويجوز أن يكون في الظلمات خبر مبتدإ محذوف: أى هم في الظلمات، ويجوز أن يكون صفة لبكم: أى كائنون في الظلمات، ويجوز أن يكون ظرفا لصم أو بكم أو لما ينوب عنهما من الفعل (من يشإ الله) من في موضع مبتدإ، والجواب الخبر، ويجوز أن يكون في موضع نصب بفعل محذوف، لان التقدير: من يشإ الله إضلاله أو عذابه، فالمنصوب بيشأ من سبب " من " فيكون التقدير: من يعذب أو من يضلل. ومثله مابعده.
قوله تعالى (قل أرأيتكم) يقرأ بإلقاء حركة الهمزة على اللام فتنفتح اللام وتحذف الهمزة، وهو قياس مطرد في القرآن وغيره، والغرض منه التخفيف. ويقرأ بالتحقيق وهو الاصل، وأما الهمزة التى بعد الراء فتحقق على الاصل، وتلين للتخفيف وتحذف، وطريق ذلك أن تقلب ياء وتسكن ثم تحذف لالتقاء الساكنين
[242]
قرب ذلك فيها حذفها في مستقبل هذا الفعل، فأما التاء فضمير الفاعل فإذا اتصلت بها الكاف التى للخطاب كانت بلفظ واحد في التثنية والجمع والتأنيث، وتختلف هذه المعانى على الكاف فتقول في الواحد أرأيتك، ومنه قوله تعالى " أرأيتك هذا الذى كرمت على " وفى التثنية أرأيتكما، وفى الجمع المذكر أرأيتكم، وفى المؤنث أرأيتكن والتاء في جميع ذلك مفتوحة، والكاف حرف للخطاب وليست اسما، والدليل على ذلك أنها لو كانت اسما لكانت إما مجرورة وهو باطل إذ لاجار هنا، أو مرفوعة، وهو باطل أيضا لامرين: أحدهما أن الكاف ليست من ضمائر المرفوع.
والثانى أنه لارافع لها، إذ ليست فاعلا لان التاء فاعل، ولايكون لفعل واحد فاعلان، وإما أن تكون منصوبة، وذلك باطل لثلاثة أوجه: أحدها أن هذا الفعل يتعدى إلى مفعولين كقولك: أرأيت زيدا مافعل، فلو جعلت الكاف مفعولا لكان ثالثا، والثانى أنه لو كان مفعولا لكان هو الفاعل في المعنى، وليس المعنى على ذلك إذ ليس الغرض أرأيت نفسك بل أرأيت غيرك، ولذلك قلت أرأيتك زيدا، وزيد غير المخاطب، ولاهو بدل منه، والثالث أنه لو كان منصوبا على أنه مفعول لظهرت علامة التثنية والجمع والتأنيث في التاء، فكنت تقول: أرأيتما كما وأرأيتموكم وأرأيتكن.
وقد ذهب الفراء إلى أن الكاف اسم مضمر منصوب في معنى المرفوع، وفيما ذكرناه إبطال لمذهبه.
فأما مفعول أرأيتكم في هذه الآية، فقال قوم هو محذوف دل الكلام عليه تقديره: أرأيتكم عبادتكم الاصنام هل تنفعكم عند مجئ الساعة، ودل عليه قوله " أغير الله تدعون " وقال آخرون: لايحتاج هذا إلى مفعول لان الشرط وجوابه قد حصل معنى المفعول، وأما جواب الشرط الذى هو قوله (إن أتاكم عذاب الله) فما دل عليه الاستفهام في قوله (أغير الله) تقديره: إن أتتكم الساعة دعوتم الله، وغير منصوب ب‍ (تدعون).
قوله تعالى (بل إياه) هو مفعول (تدعون) الذى بعده (إليه) يجوز أن يتعلق بتدعون، وأن يتعلق بيكشف: أى يرفعه إليه، و " ما " بمعنى الذى، أو نكرة موصوفة، وليست مصدرية إلا أن تجعلها مصدرا بمعنى المفعول.
قوله تعالى (بالبأساء والضراء) فعلاء فيهما مؤنث لم يستعمل منه مذكر لم يقولوا بأس وبأساء وضر وضراء كما قالوا أحمر وحمراء.
قوله تعالى (فلولا إذ) " إذ " في موضع نصب ظرف ل‍ (تضرعوا) أى فلولا تضرعوا إذ (ولكن) استدراك على المعنى: أى ماتضرعوا ولكن.
[243]
قوله تعالى (بغتة) مصدرية في موضع الحال من الفاعل: أى مباغتين أو من المفعولين: أى مبغوتين، ويجوز أن يكون مصدرا على المعنى لان أخذناهم بمعنى بغتناهم (فإذا هم) إذا هنا للمفاجأة، وهى ظرف مكان وهم مبتدأ، و (مبلسون) خبره، وهو العامل في إذا.
قوله تعالى (إن أخذ الله سمعكم) قد ذكرنا الوجه في إفراد السمع مع جمع الابصار والقلوب في أول البقرة (من) استفهام في موضع رفع بالابتداء، و (إله) خبره و (غير الله) صفة الخبر، و (يأتيكم) في موضع الصفة أيضا، والاستفهام هنا بمعنى الانكار، والهاء في (به) تعود على السمع لانه المذكور أولا، وقيل تعود على معنى المأخوذ والمحتوم عليه، فلذلك أفرد (كيف) حال، والعامل فيها (نصرف).
قوله تعالى (هل يهلك) الاستفهام هنا بمعنى التقرير، فلذلك ناب عن جواب الشرط: أى إن أتاكم هلكتم.
قوله تعالى (مبشرين ومنذرين) حالان من المرسلين (فمن آمن) يجوز أن يكون شرطا وأن يكون بمعنى الذى وهى مبتدأ في الحالين، وقد سبق القول على نظائره.
قوله تعالى (بما كانوا يفسقون) مامصدرية: أى بفسقهم، وقد ذكر في أوائل البقرة، ويقرأ بضم السين وكسرهاوهما لغتان.
قوله تعالى (بالغداة) أصلها غدوة، فقلبت ألفا لتحركها وانفتاح ماقبلها وهى نكرة. ويقرأ " بالغدوة " بضم الغين وسكون الدال وواو بعدها، وقد عرفها بالالف واللام وأكثر ماتستعمل معرفة علما، وقد عرفها هنا بالالف واللام.
وأما (العشى) فقيل هو مفرد، وقيل هو جمع عشية و (يريدون) حال (من شئ) " من " زائدة وموضعها رفع بالابتداء، وعليك الخبر. ومن حسابهم صفة لشئ قدم عليه فصار حالا، وكذلك الذى بعده إلا أنه قدم من حسابك على عليهم، ويجوز أن يكون الخبر من حسابهم، وعليك صفة لشئ مقدمة عليه (فتطردهم) جواب لما النافية فلذلك نصب (فتكون) جواب النهى وهو " لاتطرد ".
قوله تعالى (ليقولوا) اللام متعلقة بفتنا: أى اختبرناهم ليقولوا فنعاقبهم بقولهم، ويجوز أن تكون لام العاقبة، و (هؤلاء) مبتدأ، و (من الله عليهم) الخبر، والجملة في موضع نصب بالقول، ويجوز أن يكون هؤلاء في موضع نصب بفعل محذوف فسره مابعده تقديره: أخص هؤلاء أو فضل، و (من) متعلقة بمن:
[244]
أى ميزهم علينا، ويجوز أن تكون حالا: أى من عليهم منفردين، (بالشاكرين) يتعلق بأعلم لانه ظرف، والظرف يعمل فيه معنى الفعل بخلاف المفعول، فإن أفعل لايعمل فيه.
قوله تعالى (وإذا جاء‌ك) العامل في إذا معنى الجواب: أى إذا جاء‌ك سلم عليهم، و (سلام) مبتدأ، وجاز ذلك وإن كان نكرة لما فيه من معنى الفعل (كتب ربكم) الجملة محكية بعد القول أيضا (أنه من عمل) يقرأ بكسر إن وفتحها، ففى الكسر وجهان: أحدهما هى مستأنفة والكلام تام قبلها.
والثانى أنه حمل " كتب " على قال فكسرت إن بعده، وأما الفتح ففيه وجهان: أحدهما هو بدل من الرحمة: أى كتب أنه من عمل. والثانى أنه مبتدأ وخبره محذوف: أى عليه أنه من عمل، ودل على ذلك ماقبله، والهاء ضمير الشأن، ومن بمعنى الذى أو شرط، وموضعها مبتدأ، و (منكم) في موضع الحال من ضمير الفاعل و (بجهالة) حال أيضا: أى جاهلا ويجوز أن يكون مفعولا به: أى بسبب الجهل، والهاء في (بعده) تعود على العمل أوعلى السوء (فإنه) يقرأ بالكسر وهو معطوف على أن الاولى، أو تكرير للاولى عند قوم، وعلى هذا خبر من محذوف دل عليه الكلام، ويجوز أن يكون العائد محذوفا: أى فإنه غفور له، وإذا جعلت " من " شرطا فالامر كذلك، ويقرأ بالفتح وهو تكرير للاولى على قراء‌ة من فتح الاولى أو بدل منها عند قوم، وكلاهما ضعيف لوجهين: أحدهما أن البدل لايصحبه حرف معنى إلا أن تجعل الفاء زائدة وهو ضعيف. والثانى أن ذلك يؤدى إلى أن لايبقى لمن خبر ولاجواب إن جعلتها شرطا. والوجه أن تكون أن خبر مبتدأ محذوف: أى فشأنه أنه غفور له، أو يكون المحذوف ظرفا: أى فعليه أنه فتكون أأن إما مبتدأ وإما فاعلا.
قوله تعالى (وكذلك) الكاف وصف لمصدر محذوف: أى نفصل الآيات تفصيلا مثل الذى (وليستبين) يقرأ بالياء، و (سبيل) فاعل: أى يتبين، وذكر السبيل وهو لغة فيه، ومنه قوله تعالى " وإن يروا سبيل الغى يتخذوه سبيلا " ويجوز أن تكون القراء‌ة بالياء على أن تأنيث السبيل غير حقيقى، ويقرأ بالتاء والسبيل فاعل مؤنث وهو لغة فيه، ومنه " قل هذه سبيلى " ويقرأ بنصب السبيل، والفاعل المخاطب، واللام تتعلق بمحذوف: أى لتستبين فصلنا.
قوله تعالى (وكذبتم) يجوز أن يكون مستأنفا وأن يكون حالا، وقد معه مزادة، والهاء في (به) يعود على ربى، ويجوز أن تعود على معنى البينة لانها في معنى
[245]
البرهان والدليل (يقضى الحق) يقرأ بالضاد من القضاء، وبالصاد من القصص، والاول أشبه بخاتمة الآية.
قوله تعالى (مفاتح) هو جمع مفتح، والمفتح الخزانة، فأما مايفتح به فهو مفتاح وجمعه مفاتيح، وقد قيل مفتح أيضا (لايعلمها) حال من مفاتح، والعامل فيها ماتعلق به الظرف، أو نفس الظرف إن رفعت به مفاتح، و (من ورقة) فاعل (ولاحبة) معطوف على لفظ ورقة، ولو رفع على الموضع جاز (ولارطب ولايابس) مثله، وقد قرئ بالرفع على الموضع (إلا في كتاب) أى إلا هو في كتاب، ولايجوز أن يكون استثناء يعمل فيه (يعلمها) لان المعنى يصير: وماتسقط من ورقة إلا يعلمها إلا في كتاب فينقلب معناه(1) إلى الاثبات: أى لايعلمها في كتاب، وإذا لم يكن إلا في كتاب وجب أن يعلمها في الكتاب، فإذا يكون الاستثناء الثانى بدلا من الاول: أى وماتسقط من ورقة إلا هى في كتاب ومايعلمها.
قوله تعالى (بالليل) الباء هنا بمعنى في، وجاز ذلك لان الباء للالصاق، والملاصق للزمان والمكان حاصل فيهما (ليقضى أجل) على مالم يسم فاعله، ويقرأ على تسمية الفاعل، وأجلا نصب.
قوله تعالى (ويرسل عليكم) يحتمل أربعة أوجه: أحدها أن يكون مستأنفا، والثانى أن يكون معطوفا على قوله يتوفاكم، ومابعده من الافعال المضارعة. والثالث أن يكون معطوفا على القاهر، لان اسم الفاعل في معنى يفعل، وهو نظير قولهم الطائر فيغضب زيد الذباب. والرابع أن يكون التقدير وهو يرسل، وتكون الجملة حالا إما من الضمير في القاهر، أو من الضمير في الظرف.
وعليكم فيه وجهان: أحدهما هو متعلق بيرسل، والثانى أن يكون في نية التأخير. وفيه وجهان: أحدهما أن يتعلق بنفس (حفظة) والمفعول محذوف: أى يرسل من يحفظ عليكم أعمالكم. والثانى أن يكون صفة لحفظة قدمت فصار حالا (توفته) يقرأ بالتاء على تأنيث الجماعة، وبألف ممالة على إرادة الجمع، ويقرأ شاذا " تتوفاه " على الاستقبال (يفرطون) بالتشديد: أى ينقصون مما أمروا، ويقرأ شاذا بالتخفيف: أى يزيدون على ماأمروا، قوله تعالى (ثم ردوا) الجمهور على ضم الراء وكسرة الدال الاولى محذوفة ليصلح الادغام، ويقرأ بكسر الراء على نقل كسرة الدال الاولى إلى الراء (مولاهم الحق) صفتان، وقرئ الحق بالنصب على أنه صفة مصدر محذوف: أى الرد الحق أو على إضمار أعنى.
___________________________________
(1) قوله فينقلب معناه إلخ) كذا في جميع النسخ التى بأيدينا، ولايخفى مافيه، فليتأمل اه‍. (*)

[246]
قوله تعالى (ينجيكم) يقرأ بالتشديد والتخفيف، والماضى أنجا ونجى، والهمزة والتشديد للتعدية (تدعونه) في موضع الحال من ضمير المفعول في ينجيكم (تضرعا) مصدر والعامل فيه تدعون من غير لفظه بل معناه، ويجوز أن يكون مصدرا في موضع الحال، وكذلك (خفية) ويقرأ بضم الخاء وكسرها وهما لغتان، وقرئ " وخيفة " من الخوف وهو مثل قوله تعالى " واذكر ربك في نفسك تضرعا وخفية " (لئن أنجيتنا) على الخطاب: أى يقولون لئن أنجيتنا ويقرأ لئن أنجانا على الغيبة وهو موافق لقوله يدعونه (من هذه) أى من هذه الظلمة والكربة.
قوله تعالى (من فوقكم) يجوز أن يكون وصفا للعذاب وأن يتعلق بيبعث وكذلك (من تحت)، (أو يلبسكم) الجمهور على فتح الياء: أى يلبس عليكم أموركم. فحذف حرف الجر والمفعول. والجيد أن يكون التقدير.
يلبس أموركم، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، ويقرأ بضم الياء: أى يعمكم بالاختلاف، و (شيعا) جمع شيعة وهو حال، وقيل هو مصدر والعامل فيه يلبسكم من غير لفظه، ويجوز على هذا أن يكون حالا أيضا: أى مختلفين.
قوله تعالى (لست عليكم) على متعلق ب‍ (وكيل) ويجوز على هذا أن يكون حالا من وكيل على قول من أجاز تقديم الحال على حرف الجر.
قوله تعالى (مستقر) مبتدأ والخبر الظرف قبله أو فاعل، والعامل فيه الظرف وهو مصدر بمعنى الاستقرار، ويجوز أن يكون بمعنى المكان.
قوله تعالى (غيره) إنما ذكر الهاء لانه أعادها على معنى الآيات لانها حديث وقرآن (ينسينك) يقرأ بالتخفيف والتشديد وماضيه نسى وأنسى والهمزة والتشديد لتعدية الفعل إلى المفعول الثانى وهو محذوف: أى ينسينك الذكر أو الحق.
قوله تعالى (من شئ) من زائدة، ومن حسابهم حال، والتقدير: شئ من حسابهم (ولكن ذكرى) أى ولكن نذكرهم ذكرى فيكون في موضع نصب، ويجوز أن يكون في موضع رفع: أى هذا ذكرى، أو عليهم ذكرى.
قوله تعالى (أن تبسل) مفعول له: أى مخافة أن تبسل (ليس لها) يجوز أن تكون الجملة في موضع رفع صفة لنفس، وأن تكون في موضع حال من الضمير في كسبت، وأن تكون مستأنفة (من دون الله) في موضع الحال: أى ليس لها ولى من دون الله، ويجوز أن يكون من دون الله خبر ليس ولها تبيين.
[247]
وقد ذكرنا مثاله (كل عدل) انتصاب كل على المصدر، لانها في حكم ماتضاف إليه (أولئك الذين) جمع على المعنى، وأولئك مبتدأ.
وفى الخبر وجهان: أحدهما الذين أبسلوا، فعلى هذا يكون قوله (لهم شراب) فيه وجهان: أحدهما هو حال من الضمير في أبسلوا، والثانى هو مستأنف. والوجه الآخر أن يكون الخبر لهم شراب، والذين أبسلوا بدل من أولئك أو نعت، أو يكون خبرا أيضا، ولهم شراب خبرا ثانيا.
قوله تعالى (أندعوا) الاستفهام بمعنى التوبيخ، " وما " بمعنى الذى أو نكرة موصوفة، و (من دون الله) متعلق بندعو، ولايجوز أن يكون حالا من الضمير في (ينفعنا) ولامفعولا لينفعنا لتقدمه على " ما " والصلة والصفة لاتعمل فيما قبل الموصول والموصوف (ونرد) معطوف على ندعو، ويجوز أن يكون جملة في موضع الحال: أى ونحن نرد، و (على أعقابنا) حال من الضمير في نرد: أى ترد منقلبين أو متأخرين (كالذى) في الكاف وجهان: أحدهما هى حال من الضمير في نرد، أو بدل من على أعقابنا: أى مشبهين للذى (استهوته) والثانى أن تكون صفة لمصدر محذوف: أى ردا مثل رد الذى استهوته، يقرأ استهوته واستهواه مثل توفته وتوفاه وقد ذكر، والذى يجوز أن يكون هنا مفردا: أى كالرجل الذى أو كالفريق الذى، ويجوز أن يكون جنسا، والمراد الذين (في الارض) يجوز أن يكون متعلقا باستهوته، وأن يكون حالا من (حيران) أى حيران كائنا في الارض ويجوز أن يكون حالا من الضمير في حيران، وأن يكون حالا من الهاء في استهوته وحيران حال من الهاء أو الضمير في الظرف، ولم &