رجال ونساء أسلموا

 

إعداد: قذيفة الحق

أبريل 2005

 

 

http://www.saaid.net/

 

 

 

 

 

 


بسم الله الرحمن الرحيم

 

مقدمة

 

 (ويري الذين أوتوا العلم الذي أنزل اليك من ربك هو الحق ويهدي إلي صراط العزيز الحميد) سبأ:6.

 

إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا,من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً..

 أما بعد..

فهذا اهداء إلي كل من يبحث عن الحق في زمن انتشر به الباطل..

إلي كل ضال يسعي إلي الهداية..

إلي كل حزين يبحث عن السعادة..

إلي كل عاصي يتمني التوبة..

إلي كل أمة تعيش علي أفكار ومعتقدات زائفة تسوقها إلي النار لتكون مصيرها الأبدي..وهي لا تدري..

 

هذه قصصهم يروونها بألسنتهم قائلين للناس:

(ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لايعلمون)

 

داعياً الله أن يتقبل جهدي المتواضع هذا وأن يجعله ذخراً لي يوم العرض عليه..

 

 

                                                                          أخوكم قذيفة الحق

islamohm@yahoo.com

http://www.newmuslims.tk

 

 


الفهرس

 

قساوسة ومنصرون أسلموا

1-رئيس لجان التنصير بأفريقيا القس المصري السابق اسحق هلال مسيحه

2-ابراهيم خليل فلوبوس أستاذ اللاهوت المصري السابق

3- يوسف استس القس الأمريكي السابق

4- الدكتور وديع أحمد الشماس المصري سابقاً

5- كينيث جينكينز القسيس الأمريكي السابق

6- رئيس الأساقفة اللوثريِّ السابق التنزانيِّ  أبو بكر موايبيو

7-الراهب السابق الفليبيني ماركو كوربس

8-عالم الرياضيات والمنصر السابق الدكتور الكندي جاري ميلر

9-القس المصري السابق فوزي صبحي سمعان

10-الشهيد القس السابق الأثيوبي ملقاه فقادو

11-القس  السابق الإندونيسي من أصل هولندي رحمة بورنومو

12- القمص السابق المصري عزت اسحاق معوض

13-القس السابق الفليبيني عيسي بياجو

14-القس السابق الفرنسي جان ماري دوشمان

15-معلمة اللاهوت السابقة الأمريكية ماري واتسون

16-معلم النصرانية السابق السريلانكي ألدو دمريس

17-معلم النصرانية السابق الهندي كرست راجا

18-الشماس السابق المصري سيف الإسلام التهامي

19-المنصر السابق الألماني جي ميشيل

20-معلم اللاهوت الدكتور آرثر ميلاستنوس

21-معلم اللاهوت السابق عبدالأحد داود

22-القس السابق محمد فؤاد الهاشمي

23- القس السابق ثاني أكبر قسيس في غانا

24-كبير أساقفة جوهانسبرج فردريك دولامارك

25-القس السابق الأيرلندي يبكي عند قبر النبي

26-أمين عام مجلس الكنائس العالمي لوسط وشرق إفريقيا سابقًا أشوك كولن يانج

 

علماء وأدباء أسلموا

27-الجراح الفرنسي موريس بوكاي

28- كيث مور عالم الأجنة الشهير

29-عالم التشريح التايلندي تاجاتات تاجسن

30-عالم الجيولوجيا الألماني ألفريد كرونير

31-الدكتور الفرنسي علي سليمان بنوا

32-العالم المجري عبدالكريم جرمانيوس

33-عالم الإجتماع الإنجليزي حسين روف

34- المفكر الإنجليزي مارتن لنجز

35-الكاتب الأمريكي مايكل ولفي سيكتر

36-العالم والصحفي والمؤلف الألماني الدكتورحامد ماركوس

37-المؤلف والروائي والشاعرالبريطاني ويليام بيكارد

38-الرسام والمفكر الفرنسي المعروف اتييان دينيه

39-المفكر السويسري روجيه دوباكييه

40-الكاتب الأمريكي الكولونيل دونالدس روكويل

41-العالم البريطاني آرثر أليسون

42-اللورد جلال الدين برانتون

43-أستاذ الرياضيات الجامعي الأمريكي جفري لانج

44-الأستاذ الجامعي الأمريكي محمد أكويا

45-الأديب الفرنسي فانسان مونتييه

46-المفكر النمساوي ليوبولد فايس

47-الأستاذة الجامعية الدكتورة الروسية آلا أولينيكوفا

48-الشهيدة المفكرة الأسبانية ماريا ألاسترا

49-الكاتبــة الأمريكية مارجريت ماركوس

50-الكاتبة البريطانية ايفلين كوبلد

51-العالمة الكندية صوفي بوافير

52-الفيلسوف الفرنسي رينيه جينو

53-الباحثة الأمريكية بربارا براون

54-أستاذ الفلسفة الجامعي الفرنسي روبرت بيرجوزيف

55-عالم النفس الألماني فيلي بوتولو

56-أستاذ الصحافة الأمريكي مارك شليفر

57-أستاذ الأدب البريطاني جان مونرو

58-الأستاذ الجامعي الأسباني ميجيل بيرو

59- رئيس المعهد الدولي التكنولوجي بالرياض الدكتور اسبر ابراهيم شاهين

60- الباحث الكندي موري ديفيد كيل

61-أستاذ القانون اليهودي

62- الدكتور العراقي اليهودي سابقاً أحمد نسيم سوسه

63-المفكر الإنجليزي عبدالله كويليام

64-الداعية الأمريكي حمزة يوسف

65-الدكتور المصري عبده ابراهيم والد د.عيسي عبده رائد الأقتصاد الإسلامي

66-المستشار الدكتور المصري محمد مجدي مرجان رئيس محكمة الجنايات والاستئناف العليا

 

مشاهير أسلموا

67- المغني السابق البريطاني يوسف إسلام

68-الدكتور روبرت كرين مستشار الرئيس الأمريكي نيكسون

69- لاعب السلة الأمريكي محمود عبدالرؤوف

70-لاعب كرة القدم الفرنسي نيكولاس أنيلكا

71-الممثل الأمريكي ويل سميث

72-الممثل الإيطالي جينو لو كابوتو

73-المغني الأمريكي جيرمان جاكسون شقيق مايكل جاكسون

74-الموسيقي البريطاني براين هوايت

75-جوناثان بيرت ابن رئيس الـ"بي بي سي" يعتنق الإسلام

76-بطل السنوكر العالمي السابق روني أوسوليفان

77-المغنية الألمانية كريستيان باكر

78-رئيس جمهورية جامبيا

79-مدير دريم بارك الأمريكي في مصر

80-يوسف خطاب الحاخام اليهودي سابقاً

81- مالكولــم إكــــس زعيم من الملوّنين الأمريكيين

82-اللورد هدلي سليل الأسرة المالكة في بريطانيا

83-عارضة الأزياء الفرنسية فابيان

84-عارضة الأزياء اليونانية ماكلين سيكاروس

85-رئيس الحزب الإسلامي البريطاني داود موسي بيتكوك

86- السفير الألماني في المغرب وفي مصر سابقاً د.مراد هوفمان

 

نماذج متنوعة لإعتناق الإسلام

87-عماد الشاب المصري النصراني سابقاً

88-سناء الفتاة المصرية النصرانية سابقاً

89-سوسن هندي الفتاة المصرية النصرانية سابقاً

90-الطفل الأمريكي الكساندر فريتز

91-السيدة الألمانية ايفا ماريا

92- السيدة الأمريكية كايسي ستاربك

93-السيدة الألمانية ايريس صفوت

94-السنغافوري إحسان جيم تشوا

 

 

خاتمة الكتاب وقصص صحابة الرسول من أهل الكتاب الذين اعتنقوا الإسلام

 

 

 

قساوسة ومنصرون أسلموا

 

 

1-رئيس لجان التنصير بأفريقيا القس المصري السابق اسحق هلال مسيحه

 

الاسم: القس إسحق هلال مسيحه

 

المهنة: راعي كنيسة المثال المسيحي ورئيس فخري لجمعيات خلاص النفوس المصرية بإفريقيا وغرب آسيا. مواليد: 3/5/1953-المنيا-جمهورية مصر العربية. ولدت في قرية البياضية مركز ملوي محافظة المنيا من والدين نصرانيين أرثوذكس زرعا في نفوسنا - ونحن صغار - الحقد ضد الإسلام والمسلمين.

 

حين بدأت أدرس حياة الأنبياء بدأ الصراع الفكري في داخلي وكانت أسئلتي تثير المشاكل في أوساط الطلبة مما جعل البابا (شنودة) الذي تولّى بعد وفاة البابا (كيربس) يصدر قراراً بتعييني قسيساً قبل موعد التنصيب بعامين كاملين- لإغرائي وإسكاتي فقد كانوا يشعرون بمناصرتي للإسلام - مع أنه كان مقرراً ألا يتم التنصيب إلا بعد مرور 9 سنوات من بداية الدراسة اللاهوتية. ثم عيّنت رئيساً لكنيسة المثال المسيحي بسوهاج ورئيساً فخرياً لجمعيّات خلاق النفوس المصريّة (وهي جمعيّة تنصيريّة قويّة جدّاً ولها جذور في كثير من البلدان العربية وبالأخص دول الخليج) وكان البابا يغدق عليّ الأموال حتّى لا أعود لمناقشة مثل تلك الأفكار لكنّي مع هذا كنت حريصاً على معرفة حقيقة الإسلام ولم يخبو النور الإسلامي الذي أنار قلبي فرحاً بمنصبي الجديد بل زاد، وبدأت علاقتي مع بعض المسلمين سراً وبدأت أدرس وأقرأ عن الإسلام. وطُلب منّي إعداد رسالة الماجستير حول مقارنة الأديان وأشرف على الرسالة أسقف البحث العلمي في مصر سنة 1975، واستغرقت في إعدادها أربع سنوات وكان المشرف يعترض على ما جاء في الرسالة حول صدق نبوة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وأميته وتبشير المسيح بمجيئه. وأخيراً تمّت مناقشة الرّسالة في الكنيسة الإنكليكيّة بالقاهرة واستغرقت المناقشة تسع ساعات وتركزت حول قضيّة النّبوّة والنّبي صلى الله عليه وسلم علماً بأن الآيات صريحة في الإشارة إلى نبوّته وختم النّبوّة به. وفي النهاية صدر قرار البابا بسحب الرسالة منّي وعدم الاعتراف بها. أخذت أفكر في أمر الإسلام تفكيراً عميقاً حتّى تكون هدايتي عن يقين تام ولكن لم أكن أستطيع الحصول على الكتب الإسلامية فقد شدّد البابا الحراسة عليّ وعلى مكتبتي الخاصّة.

 

ولهدايتي قصة

في اليوم السادس من الشهر الثامن من عام 1978م كنت ذاهباً لإحياء مولد العذراء بالإسكندريّة أخذت قطار الساعة الثالثة وعشر دقائق الذي يتحرك من محطة أسيوط متجهاً إلى القاهرة وبعد وصول القطار في حوالي الساعة التاسعة والنصف تقريباً ركبت الحافلة من محطة العتبة رقم 64 المتجهة إلى العباسيّة وأثناء ركوبي في الحافلة بملابسي الكهنوتية وصليب يزن ربع كيلو من الذهب الخالص وعصاي الكرير صعد صبيّ في الحادية عشر من عمره يبيع كتيبات صغيرة فوزعها على كلّ الركّاب ماعدا أنا، وهنا صار في نفسي هاجس لم كل الركاب إلا أنا، فانتظرته حتّى انتهى من التوزيع والجمع فباع ما باع وجمع الباقي قلت له: "يا بنيّ لماذا أعطيت الجميع بالحافلة إلا أنا". فقال: "لا يا أبونا أنت قسيس". وهنا شعرت وكأنّني لست أهلاً لحمل هذه الكتيّبات مع صغر حجمها (لا يمسّه إلاّ المطهرون). ألححت عليه ليبيعني منهم فقال: "لا دي كتب إسلاميّة" ونزل، وبنزول هذا الصّبي من الحافلة شعرت وكأنّني جوعان وفي هذه الكتب شبعي وكأنّني عطشان وفيها شربي. نزلت خلفه فجرى خائفاً منّي فنسيت من أنا وجريت وراءه حتّى حصلت على كتابين. عندما وصلت إلى الكنيسة الكبرى بالعبّاسيّة (الكاتدرائيّة المرقسيّة) ودخلت إلى غرفة النّوم المخصّصة بالمدعوّين رسميّاً كنت مرهقاً من السفر، ولكن عندما أخرجت أحد الكتابين وهو (جزء عم) وفتحته وقع بصري على سورة الإخلاص فأيقظت عقلي وهزت كياني. بدأت أرددها حتى حفظتها وكنت أجد في قراءتها راحة نفسية واطمئناناً قلبياً وسعادة روحية، وبينا أنا كذلك إذ دخل عليّ أحد القساوسة وناداني: "أبونا إسحاق" ،فخرجت وأنا أصيح في وجهه: (قل هو الله أحد) دون شعور منّي.

 

على كرسي الاعتراف:

بعد ذلك ذهبت إلى الإسكندريّة لإحياء أسبوع مولد العذراء يوم الأحد أثناء صلاة القداس المعتاد وفي فترة الراحة ذهبت إلى كرسي الاعتراف لكي أسمع اعترافات الشعب الجاهل الذي يؤمن بأن القسيس بيده غفران الخطايا.

 

جاءتني امرأة تعض أصابع الندم. قالت: "أني انحرفت ثلاث مرات وأنا أمام قداستك الآن أعترف لك رجاء أن تغفر لي وأعاهدك ألا أعود لذلك أبداً ". ومن العادة المتبعة أن يقوم الكاهن برفع الصليب في وجه المعترف ويغفر له خطاياه. وما كدت أرفع الصليب لأغفر لها حتى وقع ذهني على العبارة القرآنية الجميلة (قل هو الله أحد) فعجز لساني عن النطق وبكيت بكاءً حارّاً وقلت: "هذه جاءت لتنال غفران خطاياها منّي فمن يغفر لي خطاياي يوم الحساب والعقاب". هنا أدركت أن هناك كبير أكبر من كل كبير، إله واحدٌ لا معبود سواه. ذهبت على الفور للقاء الأسقف وقلت له: "أنا أغفر الخطايا لعامة الناس فمن يغفر لي خطاياي" . فأجاب دون اكتراث: "البابا". فسألته: "ومن يغفر للبابا"، فانتفض جسمه ووقف صارخاً وقال: "أنت قسيس مجنون واللي أمر بتنصيبك مجنون حتّى وإن كان البابا لأنّنا قلنا له لا تنصّبه لئلاّ يفسد الشعب بإسلاميّاته وفكره المنحل". بعد ذلك صدر قرار البابا بحبسي في دير (ماري مينا) بوادي النطرون.

 

كبير الرهبان يصلّي:

أخذوني معصوب العينين وهناك استقبلني الرهبان استقبالاً عجيباً كادوا لي فيه صنوف العذاب علماً بأنّني حتّى تلك اللحظة لم أسلم، كل منهم يحمل عصا يضربني بها وهو يقول: "هذا ما يصنع ببائع دينه وكنيسته". استعملوا معي كل أساليب التعذيب الذي لا تزال آثاره موجودةً على جسدي وهي خير شاهدٍ على صحّة كلامي حتّى أنّه وصلت بهم أخلاقهم اللاإنسانيّة أنهم كانوا يدخلون عصا المقشّة في دبري يوميّاً سبع مرّات في مواقيت صلاة الرهبان لمدّة سبعة وتسعين يوماً، وأمروني بأن أرعى الخنازير. وبعد ثلاثة أشهر أخذوني إلى كبير الرهبان لتأديبي دينياً وتقديم النصيحة لي فقال: "يا بنيّ . . إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً، اصبر واحتسب. ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب".قلت في نفسي ليس هذا الكلام من الكتاب المقدس ولا من أقوال القديسين. وما زلت في ذهولي بسبب هذا الكلام حتى رأيته يزيدني ذهولاً على ذهول بقوله: "يا بنيّ نصيحتي لك السر والكتمان إلى أن يعلن الحق مهما طال الزمان" تُرى ماذا يعني بهذا الكلام وهو كبير الرهبان. ولم يطل بي الوقت حتى فهمت تفسير هذا الكلام المحيّر. فقد دخلت عليه ذات صباح لأوقظه فتأخر في فتح الباب، فدفعته ودخلت وكانت المفاجأة الكبرى التي كانت نوراً لهدايتي لهذا الدين الحق دين الوحدانيّة عندما شاهدت رجلاً كبيراً في السنّ ذا لحية بيضاء وكان في عامة الخامس والستّين وإذا به قائماً يصلي صلاة المسلمين (صلاة الفجر). تسمرتُ في مكاني أمام هذا المشهد الذي أراه ولكنّي انتبهت بسرعة عندما خشيت أن يراه أحد من الرهبان فأغلقت الباب. جاءني بعد ذلك وهو يقول: "يا بنيّ استر عليّ ربّنا يستر عليك". أنا منذ 23 سنة على هذا الحال-غذائي القرآن وأنيس وحدتي توحيد الرحمن ومؤنس وحشتي عبادة الواحد القهّار الحقّ أحقّ أن يتّبع يا بنيّ".

 

بعد أيّام صدر أمر البابا برجوعي لكنيستي بعد نقلي من سوهاج إلى أسيوط لكن الأشياء التي حدثت مع سورة الإخلاص وكرسي الاعتراف والراهب المتمسّك بإسلامه جعلت في نفسي أثراً كبيراً لكن ماذا أفعل وأنا محاصر من الأهل والأقارب وممنوع من الخروج من الكنيسة بأمر شنودة.


رحلة تنصيريّة:

بعد مرور عام جاءني خطاب والمودع بالملف الخاص بإشهار إسلامي بمديرية أمن الشرقيّة-ج.م.ع يأمرني فيه بالذهاب كرئيس للّجنة المغادرة إلى السودان في رحلة تنصيريّة فذهبنا إلى السودان في الأوّل من سبتمبر 1979م وجلسنا به ثلاثة شهور وحسب التعليمات البابويّة بأن كلّ من تقوم اللجنة بتنصيره يسلّم مبلغ 35 ألف جنيه مصريّ بخلاف المساعدات العينيّة فكانت حصيلة الذين غرّرت بهم اللجنة تحت ضغط الحاجة والحرمان خمسة وثلاثين سودانيّاً من منطقة واو في جنوب السودان. وبعد أن سلّمتُهم أموال المنحة البابويّة اتّصلت بالبابا من مطرانيّة أم درمان فقال: "خذوهم ليروا المقدسات المسيحيّة بمصر (الأديرة)" وتم خروجهم من السودان على أساس عمّال بعقود للعمل بالأديرة لرعي الإبل والغنم والخنازير وتم عمل عقود صوريّة حتّى تتمكّن لجنة التنصير من إخراجهم إلى مصر.

 

بعد نهاية الرحلة وأثناء رجوعنا بالباخرة (مارينا) في النّيل قمت أتفقّد المتنصرين الجدد وعندما فتحت باب الكابينة 14 بالمفتاح الخاص بالطاقم العامل على الباخرة فوجئت بأن المتنصر الجديد عبد المسيح (وكان اسمه محمّد آدم) يصلّي صلاة المسلمين. تحدّثت إليه فوجدته متمسّكاً بعقيدته الإسلاميّة فلم يغريه المال ولم يؤثّر فيه بريق الدنيا الزائل . خرجت منه وبعد حوالي الساعة أرسلت له أحد المنصّرين فحضر لي بالجناح رقم 3 وبعد أن خرج المنصّر قلت له: "يا عبد المسيح لماذا تصلّي صلاة المسلمين بعد تنصّرك"، فقال: "بعت لكم جسدي بأموالكم، أمّا قلبي وروحي وعقلي فملك الله الواحد القهّار لا أبيعهم بكنوز الدنيا وأنا أشهد أمامك بأن لا إله إلا الله وأنّ محمّد رسول الله".

 

بعد هذه الأحداث التي أنارت لي طريق الإيمان وهدتني لأعتنق الدين الإسلامي وجدت صعوبات كثيرة في إشهار إسلامي نظراً لأنّني قس كبير ورئيس لجنة التنصير في أفريقيا وقد حاولوا منع ذلك بكل الطرق لأنه فضيحة كبيرة لهم. ذهبت لأكثر من مديريّة أمن لأشهر إسلامي وخوفاً على الوحدة الوطنيّة أحضرتْ لي مديريّة الشرقيّة فريقاً من القساوسة والمطارنة للجلوس معي وهو المتّبع بمصر لكل من يريد اعتناق الإسلام. هدّدتني اللجنة المكلّفة من 4 قساوسة و 3 مطارنة بأنها ستأخذ كلّ أموالي وممتلكاتي المنقولة والمحمولة والموجودة في البنك الأهلي المصري-فرع سوهاج وأسيوط والتي كانت تقدّر بحوالي 4 مليون جنيه مصريّ وثلاثة محلات ذهب وورشة لتصنيع الذهب بحارة اليهود وعمارة مكوّنة من أحد عشر طابق رقم 499 شارع بور سعيد بالقاهرة فتنازلت لهم عنها كلّها فلا شئ يعدل لحظة الندم التي شعرت بها وأنا على كرسي الاعتراف. بعدها كادت لي الكنيسة العداء وأهدرت دمي فتعرضت لثلاث محاولات اغتيال من أخي وأولاد عمّي، فقاما بإطلاق النّار عليّ في القاهرة وأصابوني في كليتي اليسرى والّتي تم استئصالها في 7/1/1987م في مستشفى القصر العيني والحادث قيّد بالمحضر رقم 1762/1986 بقسم قصر النّيل مديريّة أمن القاهرة بتاريخ 11/11/1986م.

أصبحت بكلية واحدة وهي اليمنى ويوجد بها ضيق الحالب بعد التضخم الذي حصل لها بقدرة الخالق الذي جعلها عوضاً عن كليتين. ولكن للظروف الصعبة الّتي أمر بها بعد أن جرّدتني الكنيسة من كل شئ والتقارير الطبّيّة التي تفيد احتياجي لعملية تجميل لحوض الكلية وتوسيع للحالب. ولأني لا أملك تكاليفها الكبيرة، أجريت لي أكثر من خمس عشرة عملية جراحيّة من بينها البروستات ولم تنجح واحدة منها لأنها ليست العملية المطلوب إجراؤها حسب التقارير التي أحملها، ولما علم أبواي بإسلامي أقدما على الانتحار فأحرقا نفسيهما والله المستعان.

 

قصة اسلامه بصوته علي هذا الرابط: http://www.aljame3.com/modules.php?name=Audio&l_op=viewaudio&cid=21

 

 


2-ابراهيم خليل فلوبوس أستاذ اللاهوت المصري السابق

نبذة عنه:

-ماجستير في اللاهوت من جامعــة برنسـتون الأمريكية .

-من كتبه (محمد في التوراة والإنجيل والقرآن) و(المسيح إنسان لا إله) و(الإسلام في الكتب السماوية) و(اعرف عدوك اسرائيل) و(الاستشراق والتبشير وصلتهما بالإمبريالية العالمية) و(المبشرون والمستشرقون في العالم العربي الإسلامي).

وقد كان راعياً للكنيسة الإنجيلية ، وأستاذاً للاهوت ، أسلم على يديه عدد كبير من الناس .

ردّه العقل الحر :

-يحدثنا الحاج إبراهيم عن رحلته إلى الإسلام ، فيقول :

"في مؤتمر تبشيري دعيت للكلام ، فأطلت الكلام في ترديد كل المطاعن المحفوظة ضد الإسلام ، وبعد أن انتهيت من حديثي بدأت أسأل نفسي : لماذا أقول هذا وأنا أعلم أنني كاذب ؟! واستأذنت قبل انتهاء المؤتمر ، خرجت وحدي متجهاً إلى بيتي ، كنت مهزوزاً من أعماقي ، متأزماً للغاية ، وفي البيت قضيت الليل كله وحدي في المكتبة أقرأ القرآن ، ووقفت طويــلاً عنـد الآية الكريمة :

( لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ).

وفي تلك الليلة اتخذت قرار حياتي فأسلمت، ثم انضم إلي جميع أولادي ، وكان أكثرهم حماساً ابني الأكبر (أسامة) وهو دكتور في الفلسفة ويعمل أستاذاً لعلم النفس في جامعة السوربون".

وبإسلامهم زادت بيوت الإسلام بيتاً .

 

قصته: 

الأستاذ السابق بكلية اللاهوت الإنجيلية ( إبراهيم خليل فلوبوس ) واحد من الملايين الذين انقادوا لما وجدوا عليه آباءهم من غير بني الإسلام .. تنشأ في الكنيسة .. وترقى في مدارس اللاهوت .. وتبوأ مكانة مرموقة في سلم التنصير .. وبأنامل يديه خط عصارة خبرته الطويلة عدة مئات من الصفحات رسالة للماجستير تحت عنوان : ( كيف ندمر الإسلام بالمسلمين ) ؟ !. في علم اللاهوت كان ( فلوبوس ) متخصصاً لا يجارى .. وفي منظار ( الناسوت ) كان ابن الكنيسة الإنجلية .. الأمريكية يتيه خيلاء .. ولأسباب القوة والمتعة والحماية المتوفرة .. ما كان ( إبراهيم ) يقيم لعلماء الأزهر ، ـ وقد شفهم شظف العيش ـ أي وزن أو احترام !

 

لكن انتفاضة الزيف لم تلبث فجأة أن خبت .. وضلالات التحريف الإنجيلي والتخريف التوراتي انصدعت على غير ميعاد .. وتساقطت إذ ذاك غشاة الوهم ، وتفتحت بصيرة الفطرة ، فكان لإبراهيم خليل فلوبوس ـ وقد خطا عتبات الأربعين يوم الخامس والعشرين من 59 ـ ميلاداً جديداً .

 

مع الأستاذ إبراهيم خليل أحمد … داعية اليوم كان هذا اللقاء .. وعبر دهاليز الضلالة والزيف نحو عالم الحق والهداية والنور كان هذا الحوار .

 

ـ كيف كانت رحلة الهداية التي أوصلتك شاطئ الإيمان والإسلام ، ومن أين كانت البداية ؟

 

ـ في مدينة الإسكندرية وفي الثالث عشر من يناير عام 1919 كان مولدي ، نشأت نشأة نصرانية ملتزمة وتهذبت في مدارس الإرسالية الأمريكية ، وتصادف وصولي مرحلة (الثقافة) المدرسية مع اندلاع الحرب العالمية الثانية ، وتعرض مدينة الإسكندرية لأهوال قصف الطائرات .. فاضطررنا للهجرة إلى أسيوط حيث استأنفت في كليتها التعليم الداخلي وحصلت على الدبلوم عام 41 / 1942 وسرعان ما تفتحت أمامي سبل العمل فالتحقت بالقوات الأمريكية من عام 42 وحتى عام 1944م .

 

ـ ما طبيعة هذا العمل وكيف حصلت عليه ؟

 

ـ كان للقوات الأمريكية وقتذاك معامل كيماوية لتحليل فلزات المعادن التي تشكل هياكل الطائرات التي تسقط من أجل معرفة تراكيبها ونوعياتها ، وبحكم ثقافتي في كلية أسيوط ولتمكني من اللغة الإنجليزية ولأن الأمريكان كانوا يهتمون اهتماماً بالغاً بالخريجين ويستوعبونهم في شركاتهم فقد أمضيت في هذا العمل سنتين .. لكن أخبار الحرب والنكبات دفعتني لأن أنظر إلى العالم نظرة أعمق قادتني للاتجاه إلى دعوة السلام وإلى الكنيسة .. التي كانت ترصد رغباتي وتؤجج توجهاتي .. فالتحقت بكلية اللاهوت سنة 1945م وأمضيت فيها ثلاث سنين.

 

ـ ماهي الخطوط العامة لمنهج الكلية وأين موقع الإسلام فيه ؟

ـ في الثمانية أشهر الأولى كنا ندرس دراسات نظرية .. يقدم الأستاذ المحاضرة على شكل نقاط رئيسية ، ونحن علينا أن نكمل البحث من المكتبة . وكان علينا أن ندرس اللغات الثلاث : اليونانية والأرامية والعبرية إضافة إلى اللغة العربية كأساس والإنجليزية كلغة ثانية .. بعد ذلك درسنا مقدمات العهد القديم والجديد ، والتفاسير والشروحات وتاريخ الكنيسة ، ثم تاريخ الحركة التنصيرية وعلاقتها بالمسلمين ، وهنا نبدأ دراسة القرآن الكريم والأحاديث النبوية ، ونتجه للتركيز على الفرق التي خرجت عن الإسلام أمثال الإسماعيلية ، والعلوية ، والقاديانية ، والبهائية … وبالطبع كانت العناية بالطلاب شديدة ويكفي أن أذكر بأننا كنا حوالي 12 طالباً وُكّل بتدريسنا 12 أستاذاً أمريكياً و7 آخرين مصريين .

 

ـ هذه الدراسات عن الإسلام وعن الفرق .. هل كانت للاطلاع العلمي وحسب أم أن هدفاً آخر كان وراءها ؟

 

ـ في الواقع كنا نؤسس على هذه الدراسات حواراتنا المستقبلية مع المسلمين ونستخدم معرفتنا لنحارب القرآن بالقرآن … والإسلام بالنقاط السوداء في تاريخ المسلمين ! كنا نحاور الأزهريين وأبناء الإسلام بالقرآن لنفتنهم ، فنستخدم الآيات مبتورة تبتعد عن سياق النص ونخدم بهذه المغالطة أهدافنا ، وهناك كتب لدينا في هذا الموضوع أهمها كتاب ( الهداية ) من 4 أجزاء و ( مصدر الإسلام ) إضافة إلى استعانتنا واستفادنا من كتابات عملاء الاستشراق أمثال طه حسين الذي استفادت الكنيسة من كتابه ( الشعر الجاهلي ) مائة في المائة ، وكان طلاب كلية اللاهوت يعتبرونه من الكتب الأساسية لتدريس مادة الإسلام !

 

وعلى هذا المنهج كانت رسالتي في الماجستير تحت عنوان (كيف ندمر الإسلام بالمسلمين) سنة 52 والتي أمضيت 4 سنوات في إعدادها من خلال الممارسة العملية للوعظ والتنصير بين المسلمين من بعد تخرجي عام 48 .

 

ـ كيف إذاً حدث الانقلاب فيك … ومتى اتجهت لاعتناق الإسلام ؟

 

ـ كانت لي ـ مثلما ذكرت ـ صولات وجولات تحت لواء الحركة التنصيرية الأمريكية ، ومن خلال الاحتكاك الطويل ، ومن بعد الاطلاع المباشر على خفاياهم تأكد لي أن المنصرين في مصر ما جاءوا لبثّ الدين وإنما لمساندة الاستعمار والتجسس على البلاد !

 

ـ وكيف ؟

ـ الشواهد كثيرة ، وفي أي مسألة من المسائل ، فإذا كانت البلد تستعد للانتفاضة على الظلم كانت الكنيسة أول من تدرك ذلك لأن القبطي والمسلم يعيشان على أرض واحدة ، ويوم يتأوه المسلم سرعان ما يسمع النصراني تأوهاته فيوصلها إلينا لنقوم بتحليلها وترجمتها بدورنا ، ومن جانب آخر كان رعايا الكنيسة في القوات المسلحة أداة مباشرة لنقل المعلومات العسكرية وأسرارها ، وعن طريق المراكز التنصيرية التابعة لأمريكا والتي تتمتع بالرعاية وبالحماية الأمريكية كانت تدار حرب التجسس ، ولك أن تعلم هنا أن النصراني في مصر له جنسيتان وانتماءان : انتماؤه للوطن الذي ولد فيه وهو انتماء مدني تُعبر عنه جنسيته المصرية ، وانتماء ديني أقوى تمثله الجنسية النصرانية . فهو يحس في أوروبا وفي أمريكا حصناً وبالدرجة الأولى ، بينما يشعر النصارى في مصر أنهم غرباء ! تماماً كالانتماء الإسرائيلي الذي يعتبر انتماءه بالروح إلى أرض أورشليم انتماء دينياً ، وانتماءه إلى الوطن الذي ولد فيه انتماء مدنياً وحسب ! ولذلك قام مخطط المنصرين والكنيسة على جعل مصر تدور في فلك الاستعمار فلا تستطيع أن تعيش بعيداً عنه ، الأمر الذي جعلني أشعر بمصريتي وأحس أن هؤلاء أجانب عني وأن جاري المسلم أقرب إلي منهم بالفعل … فبدأت أتسامح .. عفواً أقول أتسامح وأعني أن أقرأ القرآن بصورة تختلف عما كنت أقرؤه سابقاً وفي شهر يونيو تقريباً عام 1955م استمعت إلى قول الله سبحانه [ قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآناً عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به .. ] هذه الآية الكريمة من الغريب أنها رسخت في القلب ، ولما رجعت إلى البيت سارعت إلي المصحف وأمسكته وأنا في دهشة من هذه السورة ، كيف ؟ إن الله سبحانه وتعالى يقول : [ لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله .. ].

 

إبراهيم خليل الذي كان إلى عهد قريب يحارب الإسلام ويقيم الحجج من القرآن والسنة ومن الفرق الخارجة عن الإسلام لحرب الإسلام … يتحول إلى إنسان رقيق يتناول القرآن الكريم بوقار وإجلال … فكأن عيني رُفعت عنهما غشاوة وبصري صار حديداً … لأرى ما لا يرى … وأحس إشراقات الله تعالى نوراً يتلألأ بين السطور جعلتني أعكف على قراءة كتاب الله من قوله تعالى : [ الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل ] وفي سورة الصف : [ ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد ] إذاً فالقرآن الكريم يؤكد أن هناك تنبؤات في التوراة وفي الإنجيل عن النبي محمد . ومن هنا بدأت ولعدة سنوات دراسة هذه التنبؤات ووجدتها حقيقة لم يمسها التبديل والتغيير لأن بني إسرائيل ظنوا أنها لن تخرج عن دائرتهم .. وعلى سبيل المثال جاء في ( سفر التثنية ) وهو الكتاب الخامس من كتب التوراة ( أقيم لهم نبياً من وسط إخوتهم مثلك ، وأجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به ) توقفت أولاً عند كلمة ( إخوتهم ) وتساءلت : هل المقصود هنا من بني إسرائيل ؟ لو كان كذلك لقال ( من أنفسهم ) أما وقد قال ( من وسط إخوتهم ) فالمراد بها أبناء العمومة ، ففي سفر التثنية إصحاح 2 عدد 4 يقول الله لسيدنا موسى عليه السلام : ( أنتم مارون بنجم إخوتكم بني عيسو … ) و ( عيسو ) هذا الذي نقول عنه في الإسلام ( العيس ) هو شقيق يعقوب عليه السلام ، فأبناؤه أبناء عمومة لبني إسرائيل ، ومع ذلك قال ( إخوتكم ) وكذلك أبناء ( إسحق ) وأبناء ( إسماعيل ) هم أبناء عمومة ، لأن إسحق ، ( شقيق ) ( إسماعيل ) عليهما السلام ومن ( إسحق ) سلالة بني إسرائيل ، ومن ( إسماعيل ) كان ( قيدار ) ومن سلالته كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وهذا الفرع الذي أراد بنو إسرائيل إسقاطه وهو الذي أكدته التوراة حين قالت ( من وسط إخوتهم ) أي من أبناء عمومتهم .

 

وتوقفت بعد ذلك عند لفظة ( مثلك ) ووضعت الأنبياء الثلاثة : موسى ، وعيسى ، ومحمد عليهم الصلاة والسلام للمقابلة فوجدت أن عيسى عليه السلام مختلف تمام الا ختلاف عن موسى وعن محمد عليهما الصلاة والسلام ، وفقاً للعقيدة النصرانية ذاتها والتي نرفضها بالطبع ، فهو الإله المتجسد ، وهو ابن الله حقيقة ، وهو الأقنوم الثاني في الثالوث ، وهو الذي مات على الصليب .. أما موسى عليه السلام فكان عبدالله ، وموسى كان رجلاً ، وكان نبياً ، ومات ميتة طبيعية ودفن في قبر كباقي الناس وكذلك سيدنا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، وإذاً فالتماثل إنما ينطبق على محمد صلى الله عليه وسلم ، بينما تتأكد المغايرة بين المسيح وموسى ـ عليهما السلام ـ ، ووفقاً للعقيدة النصرانية ذاتها ! فإذا مضينا إلى بقية العبارة : ( وأجعل كلامي في فمه .. ) ثم بحثنا في حياة محمد صلى الله عليه وسلم فوجدناه أمياً لا يقرأ ولا يكتب ، ثم لم يلبث أن نطق بالقرآن الكريم المعجزة فجأة يوم أن بلغ الأربعين .. وإذا عدنا إلى نبوءة أخرى في التوراة سفر أشعيا إصحاح 79 تقول : ( أو يرفع الكتاب لمن لا يعرف القراءة ولا الكتابة ويقول له اقرأ ، يقول ما أنا بقاريء .. ) لوجدنا تطابقاً كاملاً بين هاتين النبوءتين وبين حادثة نزول جبريل بالوحي على رسول الله في غار حراء ، ونزول الآيات الخمس الأولى من سورة العلق.

 

ـ هذا عن التوراة ، فماذا عن الإنجيل وأنت الذي كنت تدين به ؟

 

ـ إذا استثنينا نبوءات برنابا الواضحة والصريحة ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم بالاسم ، وذلك لعدم اعتراف الكنيسة بهذا الإنجيل أصلاً ، فإن المسيح عليه السلام تنبأ في إنجيل يوحنا تسع نبوءات ، و ( البرقليط ) الذي بشر به يوحنا مرات عديدة … هذه الكلمة لها خمسة معاني : المعزّي ، والشفيع ، والمحامي ، والمحمد ، والمحمود ، وأي من هذه المعاني ينطبق على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تمام الانطباق فهو المعزّي المواسي للجماعة التي على الإيمان وعلى الحق من بعد الضياع والهبوط ، وهو المحامي والمدافع عن عيسى ابن مريم عليه السلام وعن كل الأنبياء والرسل بعدما شوه اليهود والنصارى صورتهم وحرفوا ما أتوا به وهو الإسلام .. ولهذا جاء في إنجيل يوحنا إصحاح 14 عدد 16 و17 ( أنا أصلي إلى الله ليعطيكم معزياً آخر ليمكث معكم إلى الأبد روح الحق ) .. وقال في نبوءة أخرى إصحاح 16 عدد 13 ـ 14 ( وأما متى جاء ذاك الروح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به . ويخبركم بأمور آتية ، ذاك يمجدني ) وهذا مصداق قول الله تبارك وتعالى : [ قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ] .

 

ـ كيف كانت لحظة إعلانك للإسلام وكيف كانت بداية الحياة الجديدة في رحاب الهداية والحق ؟

 

ـ بعد أن وصلت إلى اليقين وتلمست الحقائق بيدي كان عليّ أن أتحدث مع أقرب الناس إلي زوجتي ، لكن الحديث تسرب عن طريقها إلى الإرسالية للأسف ، وسرعان ما تلقفوني ونقلوني إلى المستشفى وتحت مراقبة صارمة مدعين أني مختل العقل ! ولأربعة شهور تلت عشت معاناة شديدة جداً ، ففرقوا بيني وبين زوجتي وأولادي ، وصادروا مكتبتي وكانت تضم أمهات الكتب والموسوعات … حتى اسمي كعضو في مجمع أسيوط ، وفي مؤتمر ( سنودس ) شُطب ، وضاع ملفي كحامل ماجستير من كلية اللاهوت … ومن المفارقات العجيبة أن الإنجليز في هذه الآونة كانوا قد خلعوا الملك طلال من عرش الأردن بتهمة الجنون … فخشيت أن يحدث معي الأمر ذاته .. لذلك التزمت الهدوء والمصابرة وصمدت حتى أطلق سراحي ، فقدمت استقالتي من الخدمة الدينية واتجهت للعمل في شركة أمريكية للأدوات المكتبية لكن الرقابة هناك كانت عنيفة جداً ، فالكنيسة لا تترك أحداً من أبنائها يخرج عليها ويسلم ، إما أن يقتلوه أو يدسوا عليه الدسائس ليحطموا حياته .. وفي المقابل لم يكن المجتمع المسلم حينذاك ليقدر على مساعدتي … فحقبة الخمسينات والستينات كما تعلمون كانت تصفية للإخوان المسلمين ، وكان الانتماء للإسلام والدفاع عنه حينذاك لا يعني إلا الضياع ! ولذلك كان عليّ أن أكافح قدر استطاعتي ، فبدأت العمل التجاري ، وأنشأت مكتباً تجارياً هرعت بمجرد اكتماله للإبراق إلى ( د. جون تومسون ) رئيس الإرسالية الأمريكية حينذاك ، وكان التاريخ هو الخامس والعشرين من ديسمبر 1959 والذي يوافق الكريسماس ، وكان نص البرقية : ( آمنت بالله الواحد الأحد ، وبمحمد نبياً ورسولاً ) لكن إشهار اعتناقي الرسمي للإسلام كان يفترض عليّ وفق الإجراءات القانونية أن ألتقي بلجنة من الجنسية التي أنا منها لمراجعتي ومناقشتي.

 

و في الوقت الذي رفضت جميع الشركات الأوربية والأمريكية التعامل معي تشكلت اللجنة المعنية من سبعة قساوسة بدرجة الدكتوراه .. خاطبوني بالتهديد والوعيد أكثر من مناقشتي ! وبالفعل تعرضت للطرد من شقتي لأنني تأخرت شهرين أو ثلاثة عن دفع الإيجار واستمرت الكنيسة تدس علي الدسائس أينما اتجهت .. وانقطعت أسباب تجارتي .. لكني مضيت على الحق الذي اعتنقته … إلى أن قدر الله أن تبلغ أخباري وزير الأوقاف حينذاك عبدالله طعيمة ، والذي استدعاني لمقابلته وطلب مني بحضور الأستاذ الغزالي المساهمة في العمل الإسلامي بوظيفة سكرتير لجنة الخبراء في المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية فكنت في منتهى السعادة في بادئ الأمر ، لكن الجو الذي انتقلت إليه كان ـ وللأسف ـ مسموماً ، فالشباب يدربون على التجسس بدل أن يتجهوا للعلم ! والموظفون مشغولون بتعليمات ( منظمة الشباب ) عن كل مهامهم الوظيفية وكان التجسس على الموظفين ، وعلى المديرين ، وعلى وكلاء الوزارة … حتى يتمكن الحاكم من أن يمسك هؤلاء جميعاً بيد من حديد ! ولكم تركت أشيائي منظمة كلها في درج مكتبي لأجدها في اليوم الثاني مبعثرة ! وعلى هذه الصورة مضت الأيام وأراد الله سبحانه أن يأتي د . محمد البهي وزيراً للأوقاف بعد . طعيمة الجرف . وكان د.البهي قد تربى تربية ألمانية منضبطة ، لكن توفيق عويضة سكرتير المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية وأحد ضباط الصف الثاني للثورة تصدى له .. وحدث أن استدعاني د. البهي في يوم من الأيام بعدما صدر كتابي : ( المستشرقون والمنصرون في العالم العربي والإسلامي ) وأحب أن يتعرف عليّ … فترامى الخبر إلى توفيق عويضة واعتقد أنني من معسكر د. البهي والأستاذ الغزالي .. ووجدت نفسي فجأة أتلقى الإهانة من مدير مكتبه رجاء القاضي وهو يقول لي : اتفضل على الوزارة التي تحميك ! خرجت والدموع في عيني ، وقد وجدتهم صادروا كتبي الخاصة من مكتبي ولم يبقوا لي إلا شيئاً بسيطاً حملته ورجعت إلى الوزارة .. وهناك اشتغلت كاتب وارد بوساطة !! فكان يوم خروجي على المعاش بتاريخ 12 / 1 / 1979 وقد بلغت الستين ، ومن ذلك اليوم بدأ إبراهيم خليل يتبوأ مركزه كداعية إسلامي ، وكان أول ما نصرني الله به أن ألتقيت مع الدكتور جميل غازي ـ رحمه الله ـ بـ 13 قسيساً بالسودان في مناظرة مفتوحة انتهت باعتناقهم الإسلام جميعاً وهؤلاء كانوا سبب خير وهداية لغرب السودان حيث دخل الألوف من الوثنيين وغيرهم دين الله على أيديهم.

المناظرة في هذه الصفحة:  http://212.37.222.34/islam/multimedia.htm

 

ـ في الختام نشكركم وندعو المولى أن يأخذ بالأيادي المخلصة إلى ما فيه خير أمة الإسلام ، وجزاكم الله خيراً ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 


وهذا مانشرته مجلة الدعوة عنه في أكتوبر 1976:

 

أستاذ اللاهوت المسئول عن تنصير قطاع من مصر

 

كان يعمل راعي الكنيسة الإنجيلية و أستاذ العقائد و اللاهوت بكلية اللاهوت بأسيوط حتى عام 1953 ، ثم سكرتيراً عاماً للإرسالية الألمانية السويسرية بأسوان ، و مبشراً بين المسلمين ما بين المحافظات من أسيوط إلى أسوان حتى عام 1955 ... حصل على المؤهلات المتخصصة في اللاهوت ، فحصل على دبلوم كلية اللاهوت الإنجيلية بالقاهرة عام 1948 ، ثم ماجستير في الفلسفة و اللاهوت من جامعة "برنستون" بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1952 .

 

و يتحدث "إبراهيم خليل أحمد" عن قصة دخوله الإسلام فيقول :

 

" في إحدى الأمسيات من عام 1955 سمعت القرآن مذاعاً بالمذياع ، و سمعت في قوله تعالى :

{ قل أوحيَ إليّ أنه استمع نفرٌ من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآناً عجباً (1) يهدي إلى الرشد فآمنا به و لن نشرك بربنا أحداً } [الجن:1 ، 2]

 

كانت هاتان الآياتان بمثابة الشعلة المقدسة التي أضاءت ذهني و قلبي للبحث عن الحقيقة .. في تلك الأمسية عكفت على قراءة القرآن حتى أشرقت شمس النهار ، و كأن آيات القرآن نورٌ يتلألأ ، و كأنني أعيش في هالة من النور .. ثم قرأت مرة ثانية فثالثة فرابعة حتى وجدت قوله تعالى :

{ الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة و الإنجيل يأمرهم بالمعروف و ينهاهم عن المنكر و يحل لهم الطيبات و يحرم عليهم الخبائث و يضع عنهم إصرهم و الأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به و عزروه و نصروه و اتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون } [الأعراف:157]

 

.. من هذه الآية قررت أن أقوم بدراسة متحررة للكتاب المقدس ، و قررت الاستقالة من عملي كقسيس و سكرتير عام للإرساليات الأمريكية بأسوان .

 

و لما نفذت قراري تآمر عليّ مجموعة أطباء و أشاعوا أنني مختل العقل ، فصبرت و صمدت بكل ثقة في الله ، فسافرت إلى القاهرة حيث عملت بشركة للمبيعات "استاندرد ستاشينري" ، و في أثناء عملي بها طلب مني مدير الشركة طبع تفسير جزء عم باللغة الإنجليزية ، فتعهدت له بإنجاز هذا العمل ، و كان يظنني مسلماً ، و حمدت الله أنه لم يفطن لمسيحيتي ، فكانت بالنسبة لي دراسة إسلامية متحررة من ثياب الدبلوماسية حتى شرح الله صدري للإسلام ، و وجدت أنه لابد من الاستقالة من العمل كخطوة لإعلان إسلامي ، و فعلاً قدمت استقالتي في عام 1959 و أنشأت مكتباً تجارياً و نجحت في عملي الجديد .

 

و في 25 ديسمبر عام 1959 أرسلت برقية للإرسالية الأمريكية بمصر الجديدة بأنني آمنت بالله الواحد الأحد و بمحمد نبياً و رسولاً ، ثم قدمت طلباً إلى المحافظة للسير في الإجراءات الرسمية .. و تم تغيير اسمي من "إبراهيم خليل فيلبس" إلى "إبراهيم خليل أحمد" ، و تضمن القرار تغيير أسماء أولادي على النحو التالي : إسحاق إلى أسامة ، و صموئيل إلى جمال ، و ماجدة إلى نجوى ."

 

ثم يلتقط أنفاسه ليعاود سرد قصته و رحلته للإيمان بالإسلام ، فيقول عن المتاعب التي تعرض لها :

" فارقتني زوجتي بعد أن استنكرت عليّ و على أولادي الإسلام ، كما قررت البيوتات الأجنبية التي تتعامل في الأدوات المكتبية و مهمات المكاتب عدم التعامل معي ، و من ثم أغلقت مكتبي التجاري ، و اشتغلت كاتباً بشركة بـ 15 جنيهاً شهرياً بعد أن كان دخلي 80 جنيهاً ... و في هذه الأثناء درست السيرة النبوية ، و كانت دراستها لي عزاء و رحمة .. و لكن حتى هذه الوظيفة المتواضعة لم أستمر فيها ، فقد استطاع العملاء الأمريكان أن يوغروا الشركة ضدي حتى فصلتني ، و ظللت بعدها ثلاثة أشهر بلا عمل حتى عينت في المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ، و ذلك إثر محاضرة قد ألقيتها و كان عنوانها لماذا أسلمت؟ "

 

ثم يضحك بمرارة و سخرية و هو يقول :

" لقد تولت الكنيسة إثارة الجهات المسئولة ضدي ، حتى أن وزارتي الأوقاف و الداخلية طلبتا مني أن أكف عن إلقاء المحاضرات و إلا تعرضت لتطبيق قانون الوحدة الوطنية متهماً بالشغب و إثارة الفتن ، و ذلك بعد أن قمت بإلقاء العديد من المحاضرات في علم الأديان المقارن بالمساجد في الإسكندرية و المحلة الكبرى و أسيوط و أسوان و غيرها من المحافظات ، فقد اهتزت الكنيسة لهذه المحاضرات بعد أن علمت أن كثيراً من الشباب النصراني قد اعتنق الإسلام "

 

ثم يصمت في أسى ليقول بعدها :

" هذا الاختناق دفعني دفعاً إلى أن أقرر الهجرة إلى المملكة العربية السعودية حيث أضع كل خبراتي في خدمة كلية الدعوة و أصول الدين "

 

ثم يعود مستدركاً و موضحاً لما سبق أن أشار إليه عن أسباب اعتناقه للإسلام ، فيقول :

" إن الإيمان لابد أن ينبع من القلب أولاً ، و الواقع أن إيماني بالإسلام تسلل إلى قلبي خلال فترات طويلة كنت دائماً أقرأ القرآن الكريم و أقرأ تاريخ الرسول الكريم و أحاول أن أجد أساساً واحداً يمكن أن يقنعني أن محمداً هذا الإنسان الأمي الفقير البسيط يستطيع وحده أن يحدث كل تلك الثورة التي غيرت تاريخ العالم و لا تزال .

 

استوقفني كثيراً نظام التوحيد في الإسلام و هو من أبرز معالم الإسلام : { ليس كمثله شئ } [الشورى:11] ، { قل هو الله أحد (1) الله الصمد } [الإخلاص:1 ، 2] " .. و يرفع رأسه متأملاً في السماء و يقول :

 

" نعم .. التوحيد يجعلني عبداً لله وحده ، و لست عبداً لأي إنسان ... التوحيد هنا يحرر الإنسان و يجعله غير خاضع لأي إنسان ، و تلك هي الحرية الحقيقية ، فلا عبودية إلا لله وحده .. عظيم جداً نظام الغفران في الإسلام ، فالقاعدة الأساسية للإيمان تقوم على الصلة المباشرة بين العبد و ربه ، فالإنسان في الإسلام يتوب إلى الله وحده ، لا وجود لوسطاء ، و لا لصكوك الغفران أو كراس الاعتراف ؛ لأن العلاقة مباشرة بين الإنسان و ربه " .

 

و يختتم كلامه و قد انسابت تعابيره رقراقةً :

" لا تعلم كم شعرت براحة نفسية عميقة و أنا أقرأ القرآن الكريم فأقف طويلاً عند الآية الكريمة : { لو أنزلنا هذا القرآن على جبلٍ لرأيتَه خاشعاً متصدعاً من خشية الله } [الحشر:21]

 

كذا الآية الكريمة :

{ لتجدنَّ أشد الناس عداوةً للذين آمنوا اليهود و الذين أشركوا و لتجدنَّ أقربهم مودةً للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين و رهباناً و أنهم لا يستكبرون (82) و إذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين } [المائدة:82 ، 83]

 

لذلك كله اتخذت قراري بإشهار إسلامي ، بل عليّ القيام بالدعوة للدين الإسلامي الذي كنت من أشد أعدائه ، يكفي أنني لم أدرس الإسلام في البداية إلا لكي أعرف كيف أطعنه و أحاربه ، و لكن النتيجة كانت عكسية فبدأ موقفي يهتز و بدأت أشعر بصراع داخلي بيني و بين نفسي ، و اكتشفت أن ما كنت أبشر به و أقوله للناس كله زيف و كذب " .

 

لسماع قصة اسلامه بصوته: الجزء الأول:  http://www.alhakekah.com/aduio/b1.mp3

الجزء الثاني: http://www.alhakekah.com/aduio/b2.mp3

ونصيحة للمسيحيين منه:الجزء الأول: http://www.alhakekah.com/aduio/fe1.mp3

الجزء الثاني: http://www.alhakekah.com/aduio/fe2.mp3

 

 

3- يوسف استس القس الأمريكي السابق

بدايتي مع الإسلام:
- إسمي «يوسف» إستس بعد الإسلام وقد كان قبل الإسلام «جوزيف» إدوارد إستس، ولدت لعائلة نصرانية شديدة الالتزام بالنصرانية تعيش في الغرب الأوسط لأمريكا، أباؤنا وأجدادنا لم يبنوا الكنائس والمدارس فحسب، بل وهبوا أنفسهم لخدمة النصرانية،بدأت بالدراسة الكنسية أو اللاهوتية عندما اكتشفت أني لا أعلم كثيراً عن ديني النصراني ، وبدأت أسأل أسئلة دون أن أجد أجوبة مناسبة لها ، فدرست النصرانية حتى صرت قسيساً وداعياً من دعاة النصرانية وكذلك كان والدي ، وكنا بالإضافة إلى ذلك نعمل بالتجارة في الأنظمة الموسيقية وبيعها للكنائس ، وكنت أكره الإسلام والمسلمين حيث أن الصورة المشوهة التي وصلتني وارتسمت في ذهني عن المسلمين أنهم أناس وثنيون لا يؤمنون بالله ويعبدون صندوقاً أسوداً في الصحراء وأنهم همجيون وإرهابيون يقتلون من يخالف معتقدهم .

 


 لم يتوقف بحثي في الديانة المسيحية على الاطلاق ودرست الهندوسية واليهودية والبوذية، وعلى مدى 30 سنة لاحقة، عملت أنا وأبي معاً في مشاريع تجارية كثيرة، وكان لدينا برامج ترفيه وعروض كثيرة جذابة، وقد عزفنا البيانو والأورج في تكساس واوكلاهما وفلوريدا، وجمعت العديد من ملايين الدولارات في تلك السنوات، لكني لم أجد راحة البال التي لا يمكن تحقيقها إلا بمعرفة الحقيقة وايجاد الطريق الصحيح للخلاص.

كنت أود تنصيره:
- قصتي مع الإسلام ليست قصة أحد أهداني مصحفاً أو كتباً إسلامية وقرأتها ودخلت الإسلام فحسب، بل كنت عدواً للإسلام فيما مضى، ولم أتوان عن نشر النصرانية، وعندما قابلت ذلك الشخص الذي دعاني للإسلام، فانني كنت حريصاً على إدخاله في النصرانية وليس العكس.
- كان ذلك في عام 1991، عندما بدأ والدي عملاً تجارياً مع رجل من مصر وطلب مني أن أقابله، طرأت لي هذه الفكرة وتخيلت الأهرامات وأبو الهول ونهر النيل وكل ذلك،ففرحت في نفسي وقلت : سوف نتوسع في تجارتنا وتصبح تجارة دولية تمتد إلى أرض ذلك الضخم أعني ( أبا الهول ) !
ثم قال لي والدي : لكنني أريد أن أخبرك أن هذا الرجل الذي سيأتينا مسلم وهو رجل أعمال .
فقلت منزعجاً : مسلم !! لا .. لن أتقابل معه .
فقال والدي : لابد أن تقابله .
فقلت : لا .. أبداً .
- لم يكن من الممكن أن أصدق .. مسلم!!
- ذكرت أبي بما سمعنا عن هؤلاء الناس المسلمين.
- وانهم يعبدون صندوقاً أسود في صحراء مكة وهو الكعبة لم أرد أن أقابل هذا الرجل المسلم، وأصر والدي على أن أقابله، وطمأنني أنه شخص لطيف جداً، لذا استسلمت ووافقت على لقائه.
-ومع ذلك لما حضر موعد اللقاء لبست قبعة عليها صليب ولبست عقداً فيه صليب وعلقت صليباً كبيراً في حزامي ، وأمسكت بنسخة من الإنجيل في يدي وحضرت إلى طاولة اللقاء بهذه الصورة ، ولكني عندما رأيته ارتبكت .. لا يمكن أن يكون ذلك المسلم المقصود - الذي نريد لقاءه، كنت أتوقعه رجلاً كبيراً يلبس عباءة ويعتمر عمامة كبيرة على رأسه وحواجبه معقودة، فلم يكن على رأسه أي شعر «أصلع» .. وبدأ مرحباً بنا وصافحنا، كل ذلك لم يعنِ لي شيئاً، ومازالت صورتي عنهم أنهم ارهابيون.حيث تطرقنا في الحديث عن ديانته وتهجمت على الإسلام والمسلمين حسب الصورة المشوهة التي كانت لدي ، وكان هو هادئاً جداً وامتص حماسي واندفاعي ببرودته.
- ثم بادرت إلى سؤاله:
- هل تؤمن بالله؟ قال: أجل .. ثم قلت ماذا عن ابراهيم هل تؤمن به؟ وكيف حاول أن يضحي بابنه لله؟ قال: نعم .. قلت في نفسي: هذا جيد سيكون الأمر أسهل مما اعتقدت..
- ثم ذهبنا لتناول الشاي في محل صغير، والتحدث عن موضوعي المفضل: المعتقدات.
- بينما جلسنا في ذلك المقهى الصغير لساعات نتكلم وقد كان معظم الكلام لي، وقد وجدته لطيفاً جداً، وكان هادئا وخجولاً، استمع بانتباه لكل كلمة ولم يقاطعني أبداً.
- وفي يوم من الأيام كان محمد عبد الرحمن صديقنا هذا على وشك أن يترك المنزل الذي كان يتقاسمه مع صديق له، وكان يرغب أن يعيش في المسجد لبعض الوقت، حدثت أبي إن كان بالامكان أن ندعو محمدا للذهاب إلى بيتنا الكبير في البلدة ويبقى هناك معنا.. ثم دعاه والدي للإقامة عندنا في المنزل ، وكان المنزل يحويني أنا وزوجتي ووالدي ثم جاء هذا المصري واستضفنا كذلك قسيساً آخر لكنه يتبع المذهب الكاثوليكي
فصرنا نحن الخمسة .. أربعة من علماء ودعاة النصارى ومسلم مصري عامي .. أنا ووالدي من المذهب البروتستانتي النصراني والقسيس الآخر كاثوليكي المذهب وزوجتي كانت من مذهب متعصب له جانب من الصهيونية ، وللمعلومية والدي قرأ الإنجيل منذ صغره وصار داعياً وقسيساً معترفا به في الكنيسة ، والقسيس الكاثوليكي له خبرة 12 عاماً في دعوته في القارتين الأمريكيتين ، وزوجتي كانت تتبع مذهب البورنجين الذي له ميول صهيونية ، وأنا نفسي درست الإنجيل والمذاهب النصرانية واخترت بعضاً منها أثناء حياتي وانتهيت من حصولي على شهادة الدكتوراة في العلوم اللاهوتية النصرانية .
- وهكذا انتقل للعيش معنا، وكان لدي الكثير من المنصرين في ولاية تكساس، وكنت أعرف أحدهم، كان مريضاً في المستشفى، وبعد أن تعافى دعوته للمكوث في منزلنا أيضاً، وأثناء الرحلة إلى البيت تحدثت مع هذا القسيس عن بعض المفاهيم والمعتقدات في الإسلام، وأدهشني عندما أخبرني أن القساوسة الكاثوليك يدرسون الإسلام، وينالون درجة الدكتوراه أحياناً في هذا الموضوع.
- بعد الاستقرار في المنزل بدأنا جميعاً نتجمع حول المائدة بعد العشاء كل ليلة لمناقشة الديانة، وكان بيد كل منا نسخة إنجيل تختلف عن الأخرى، وكان لدى زوجتي إنجيل «نسخة جيمي سواجارت للرجل المتدين الحديث»-والمضحك أن جيمي سوجارت هذا عندما ناظره الشيخ المسلم أحمد ديدات أمام الناس قال : إنا لست عالماً بالإنجيل !!فكيف يكتب رجل إنجيلاً كاملاً بنفسه وهو ليس عالماً بالإنجيل ويدعي أنه من عند الله ؟!!-، وكان لدى القسيس بالطبع الكتاب المقدس الكاثوليكي كما كان عنده 7 كتب أخرى من الإنجيل البروتستانتي. وقد كان مع والدي في تلك الفترة نسخة الملك جيمس وكانت معي نسخة الريفازد إيديشن ( المُراجع والمكتوب من جديد ) التي تقول: إن في نسخة الملك جيمس الكثير من الأغلاط والطوام الكبيرة !! حيث أن النصارى لما رأوا كثرة الأخطاء في نسخة الملك جيمس اضطروا إلى كتابته من جديد وتصحيح ما رأوه من أغلاط كبيرة ،  لذا قضينا معظم الوقت في تحديد النسخة الأكثر صحة من هذه الأناجيل المختلفة، وركزنا جهودنا لاقناع محمد ليصبح نصرانياً.وكنا نحن النصارى في البيت يحمل كل منا نسخة مختلفة من الإنجيل ونتناقش عن الاختلافات في العقيدة النصرانية وفي الأناجيل المختلفة على مائدة مستديرة ، والمسلم يجلس معنا ويتعجب من اختلاف أناجيلنا ..
من جانب آخر كان القسيس الكاثوليكي لديه ردة فعل من كنيسته واعتراضات وتناقضات مع عقيدته ومذهبه الكاثوليكي ، فمع أنه كان يدعو لهذا الدين والمذهب مدة 12 سنة لكنه لم يكن يعتقد جازماً أنه عقيدة صحيحة ويخالف في أمور العقيدة المهمة .
ووالدي كان يعتقد أن هذا الإنجيل كتبه الناس وليس وحياً من عند الله ، ولكنهم كتبوه وظنوه وحياً .
وزوجتي تعتقد أن في إنجيلها أخطاء كثيرة ، لكنها كانت ترى أن الأصل فيه أنه من عند الرب !

أما أنا فكانت هناك أمور في الإنجيل لم أصدقها لأني كنت أرى التناقضات الكثيرة فيه ، فمن تلك الأمور أني كنت أسأل نفسي وغيري : كيف يكون الرب واحداً وثلاثة في نفس الوقت! ، وقد سألت القسس المشهورين عالمياً عن ذلك وأجابوني بأجوبة سخيفة جداً لا يمكن للعاقل أن يصدقها ، وقلت لهم : كيف يمكنني أن أكون داعية للنصرانية وأعلّم الناس أن الرب شخص واحد وثلاثة أشخاص في نفس الوقت ، وأنا غير مقتنع بذلك فكيف أقنع غيري به .

بعضهم قال لي : لا تبيّن هذا الأمر ولا توضحه ، قل للناس : هذا أمر غامض ويجب الإيمان به ، وبعضهم قال لي : يمكنك أن توضحه بأنه مثل التفاحة تحتوي على قشرة من الخارج ولب من الداخل وكذلك النوى في داخلها ، فقلت لهم : لا يمكن أن يضرب هذا مثلاً للرب ، التفاحة فيها أكثر من حبة نوى فستتعدد الآلهة بذلك ويمكن أن يكون فيها دود فتتعدد الآلهة ، وقد تكون نتنة وأنا لا أريد رباً نتناً .

وبعضهم قال : مثل البيضة فيها قشر وصفار وبياض ، فقلت : لا يصح أن يكون هذا مثلاً للرب فالبيضة قد يكون فها أكثر من صفار فتتعدد الآلهة ، وقد تكون نتنة ، وأنا لا أريد أن أعبد رباً نتناً .
وبعضهم قال : مثل رجل وامرأة وابن لهما ، فقلت له : قد تحمل المرأة وتتعدد الآلهة ، وقد يحصل طلاق فتتفرق الآلهة وقد يموت أحدها ، وأنا لا أريد رباً هكذا .
وأنا منذ أن كنت نصرانياً وقسيساً وداعية للنصرانية لم أستطع أن اقتنع بمسألة التثليث ولم أجد من يمكنه إقناع الإنسان العاقل بها .

قرآناً واحداً، وعدة أناجيل:
- أتذكر أنني سألت محمداً فيما بعد: كم نسخة من القرآن ظهرت طوال السنوات 1400سنة الماضية؟
- أخبرني أنه ليس هناك الا مصحف واحد، وأنه لم يتغير أبداً، وأكد لي أن القرآن قد حفظ في صدور مئات الآلاف من الناس، ولو بحثت على مدى قرون لوجدت أن الملايين قد حفظوه تماماً وعلموه لمن بعدهم.
- هذا لم يبد ممكناً بالنسبة لي .. كيف يمكن أن يحفظ هذا الكتاب المقدس ويسهل على الجميع قراءته ومعرفة معانيه؟!!
- كان بيننا حوار متجرد واتفقنا على أن ما نقتنع به سندين به ونعتنقه فيما بعد.
- هكذا بدأنا الحوار معه، ولعل ما أثار إعجابي أثناء الحوار أن محمداً لم يتعرض للتجريح أو التهجم على معتقداتنا أو انجيلنا وأشخاصنا وظل الجميع مرتاحين لحديثه.وعلى العموم .. لما كنا نجلس في بيتنا نحن النصارى الأربعة المتدينين مع المسلم المصري (محمد) ونناقش مسائل الاعتقاد حرصنا أن ندعو هذا المسلم إلى النصرانية بعدة طرق .. فكان جوابه محدداً بقوله : أنا مستعد أن أتبع دينكم إذا كان عندكم في دينكم شيء أفضل من الذي عندي في ديني .
قلنا : بالطبع يوجد عندنا .
فقال المسلم : أنا مستعد إذا أثبتم لي ذلك بالبرهان والدليل .
فقلت له : الدين عندنا لم يرتبط بالبرهان والاستدلال والعقلانية .. إنه عندنا شيء مسلّم وهو مجرد اعتقاد محض ! فكيف نثبته لك بالبرهان والدليل ؟! .. فقال المسلم : لكن الإسلام دين عقيدة وبرهان ودليل وعقل ووحي من السماء .
فقلت له : إذا كان عندكم الاعتماد على جانب البرهان والاستدلال فإني أحب أن أستفيد منك وأن أتعلم منك هذا وأعرفه .
ثم لما تطرقنا لمسألة التثليث .. وكل منا قرأ ما في نسخته ولم نجد شيئاً واضحاً .. سألنا الأخ (محمد) : ما هو اعتقادكم في الرب في الإسلام .
فقال : ( قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفواً أحد ) ، تلاها بالعربية ثم ترجم لنا معانيها .. وكأن صوته حين تلاها بالعربية دخل في قلبي حينها .. وكأن صوته لا زال يرن صداه في أذني ولاأزال أتذكره .. أما معناها فلا يوجد أوضح ولا أفضل ولا أقوى ولا أوجز ولا أشمل منه إطلاقاً .
فكان هذا الأمر مثل المفاجأة القوية لنا .. مع ما كنا نعيش فيه من ضلالات وتناقضات في هذا الشأن وغيره.

- ولما أردت دعوته للنصرانية قال لي بكل هدوء ورجاحة عقل إذا أثبت لي بأن النصرانية أحق من الإسلام سأتبعك إلى دينك الذي تدعو إليه، فقلت له متفقين، ثم بدأ محمد: أين الأدلة التي تثبت أفضلية دينكم وأحقيته، قلت: نحن لا نؤمن بالأدلة، ولكن بالإحساس والمشاعر، ونلتمس ديننا وما تحدثت عنه الاناجيل، قال محمد ليس كافياً أن يكون الإيمان بالإحساس والمشاعر والاعتماد على علمنا، ولكن الإسلام فيه الدلائل والأحاسيس والمعجزات، التي تثبت ان الدين عند الله الإسلام، فطلب جوزيف هذه الدلائل من محمد والتي تثبت أحقية الدين الإسلامي، فقال محمد ان أول هذه الأدلة هو كتاب الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم الذي لم يطرأ عليه تغيير أو تحريف منذ نزوله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قبل ما يقرب من 1400 سنة، وهذا القرآن يحفظه كثير من الناس، إذ ما يقرب من 12 مليون مسلم يحفظون هذا الكتاب، ولا يوجد أي كتاب في العالم على وجه الأرض يحفظه الناس كما يحفظ المسلمون القرآن الكريم من أوله لآخره.
"إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ "
(سورة الحجر الآية 9)
وهذا الدليل كافيا، لإثبات أن الدين عند الله الإسلام.

معجزات القرآن:
- من ذلك الحين بدأتُ البحث عن الأدلة الكافية، التي تثبت أن الإسلام هو الدين الصحيح، وذلك لمدة ثلاثة شهور بحثاً مستمراً. بعد هذه الفترة وجدت في الكتاب المقدس أن العقيدة الصحيحة التي ينتمي إليها سيدنا عيسى عليه السلام هي التوحيد وأنني لم اجد فيه أن الاله ثلاثة كما يدعون، ووجدت أن عيسى عبدالله ورسوله وليس إلها، مثله كمثل الأنبياء جميعا جاء يدعو إلى توحيد الله عز وجل، وأن الأديان السماوية لم تختلف حول ذات الله سبحانه وتعالى، وكلها تدعوا الى العقيدة الثابتة بأنه لا اله الا الله بما فيها الدين المسيحي قبل أن يفترى عليه بهتانا، ولقد علمت ان الإسلام جاء ليختم الرسالات السماوية ويكملها ويخرج الناس من حياة الشرك الى التوحيد والإيمان بالله تعالى، وإن دخولي في الإسلام سوف يكون إكمالا لإيماني بأن الدين المسيحي كان يدعو إلى الإيمان بالله وحده، وأن عيسى هو عبدالله ورسوله، ومن لا يؤمن بذلك فهو ليس من المسلمين.
- ثم وجدت ان الله سبحانه وتعالى تحدى الكفار بالقرآن الكريم أن يأتوا بمثله أو يأتون بثلاث آيات مثل سورة الكوثر فعجزوا عن ذلك.

"وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ"(سورة البقرة آية 23)
أيضا من المعجزات التي رأيتها والتي تثبت ان الدين عند الله الإسلام التنبؤات المستقبلية التي تنبأ بها القرآن الكريم مثل:
"الم {1} غُلِبَتِ الرُّومُ {2} فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ {3}"(أول سورة الروم)
وهذا ما تحقق بالفعل فيما بعد وأشياء أخرى ذكرت في القرآن الكريم مثل سورة الزلزلة تتحدث عن الزلزال، والتي قد تحدث في أي منطقة، وكذلك وصول الإنسان إلى الفضاء بالعلم، وهذا تفسير لمعنى الآية التي تقول :"يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ "(سورة الرحمن الآية 33)
وهذا السلطان هو العلم الذي خرق به الإنسان الفضاء فهذه رؤية صادقة للقرآن الكريم.
- أيضا من المعجزات التي تركت أثراً في نفسي (العلقة)، التي ذكرها الله في القرآن الكريم، والذي وضحها العالم الكندي «كوسمر» وقال، ان العلقة هي التي تتعلق برحم الأم، وذلك بعدما تتحول الحيوانات المنوية في الرحم إلى لون دموي معلق. وهذا بالفعل ما ذكره القرآن الكريم من قبل أن يكتشفه علماء الأجنة في العصر الحديث، وهذا بيان للكفار والملحدين.
- وبعد كل هذا البحث الذي استمر ثلاثة شهور، قضاها معنا محمد تحت سقف واحد، بسبب ذلك اكتسب ود الكثيرين، وعندما كنت أراه يسجد لله ويضع جبهته على الأرض، أعلم أن ذلك الأمر غير عادي.

محمد كالملائكة:
- يوسف استس يتحدث عن صديقه ويقول: أن مثل هذا الرجل (محمد) ينقصه جناحان ويصبح كالملائكة يطير بهما، وبعد ما عرفت منه ما عرفت، وفي يوم من الأيام طلب صديقي القسيس من محمد هل من الإمكان أن نذهب معه إلى المسجد، لنعرف أكثر عن عبادة المسلمين وصلاتهم، فرأينا المصلين يأتون إلى المسجد يصلون ثم يغادرون .. قلت: غادروا؟ دون أي خطب أو غناء؟ قال: أجل...
- مضت أيام وسأل القسيس محمداً، أن يرافقه إلى المسجد مرة ثانية، ولكنهم تأخروا هذه المرة حتى حل الظلام .. قلقنا بعض الشيء ماذا حدث لهم؟ أخيراً وصلوا، وعندما فتحت الباب .. عرفت محمدا على الفور .. قلت من هذا؟ شخص ما يلبس ثوباً أبيض وقلنسوة وينتظر دقيقة! كان هذا صاحبي القسيس!!! قلت له هل أصبحت مسلماً قال: نعم أصبحت من اليوم مسلماً!، ذهلت .. كيف سبقني هذا إلى الإسلام .. ثم ذهبت إلى أعلى للتفكير في الأمور قليلاً، وبدأت أتحدث مع زوجتي عن الموضوع، فقالت لي : أظن أني لن أستمر بعلاقتي معك طويلاً .
فقلت لها : لماذا ؟ هل تظنين أني سأسلم ؟
قالت : لا . بل لأني أنا التي سوف تسلم !
فقلت لها : وأنا أيضاً في الحقيقة أريد أن أسلم .
قال : فخرجت من باب البيت وخررت على الأرض ساجداً تجاه القبلة وقلت : يا رب .. اهدني.
-  ذهبت إلى أسفل، وأيقظت محمداً، وطلبت منه أن يأتي لمناقشة الأمر معي... مشينا وتكلمنا طوال تلك الليلة، وحان وقت صلاة الفجر.. عندها أيقنت أن الحقيقة قد جاءت أخيراً، وأصبحت الفرصة مهيئة أمامي... أذن الفجر، ثم استلقيت على لوح خشبي ووضعت رأسي على الأرض، وسألت إلهي إن كان هناك أن يرشدني... وبعد فترة رفعت رأسي إلى أعلى فلم ألحظ شيئاً، ولم أر طيوراً أو ملائكة تنزل من السماء، ولم أسمع أصواتاً أو موسيقى، ولم أر أضواء...
- أدركت أن الأمر الآن أصبح مواتياً والتوقيت مناسباً، لكي أتوقف عن خداع نفسي، وأنه ينبغي أن أصبح مستقيماً مسلماً... عرفت الآن ما يجب علي فعله....
- وفي الحادية عشرة صباحاً وقفت بين شاهدين: القسيس السابق والذي كان يعرف سابقاً بالآب «بيتر جاكوب» ومحمد عبدالرحمن، وأعلنت شهادتي، وبعد لحظات قليلة أعلنت زوجتي إسلامها بعد ما سمعت بإسلامي....
- كان أبي أكثر تحفظاً على الموضوع، وانتظر شهوراً قبل أن ينطق بالشهادتين....
يقول الشيخ : فأرى أن إسلامنا جميعاً كان بفضل الله ثم بالقدوة الحسنة في ذلك المسلم الذي كان حسن الدعوة وكان قبل ذلك حسن التعامل ، وكما يقال عندنا : لا تقل لي .. ولكن أرني .

أسلمنا دفعة واحدة!!:
- لقد دخلنا ثلاثة زعماء دينيين من ثلاث طوائف مختلفة، دخلنا الإسلام دفعة واحدة، وسلكنا طريقاً معاكساً جداً لما كنا نعتقد.... ولم ينتهِ الأمر عند هذا الحد، بل في السنة نفسها دخل طالب معهد لاهوتي معمد من «تينسي» يدعى «جو» دخل في الإسلام بعد أن قرأ القرآن.... ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل رأيت كثيراً من الأساقفة والقساوسة، وأرباب الديانات الأخرى يدخلون الإسلام ويتركون معتقداتهم السابقة.
- أليس هذا أكبر دليل على صحة الإسلام، وكونه الدين الحق؟!! بعد أن كان مجرد التفكير في دخولنا الإسلام، ليس أمراً مستبعداً فحسب، بل أمر لا يحتمل التصور بأي حال من الأحوال.
- كل هذه الدلائل السابقة أن الدين عند اللّه الإسلام، جعلتني أرجع إلى الطريق المستقيم، الذي فطرنا اللّه عليه منذ ولادتنا من بطون أمهاتنا، لأن الإنسان يولد على الفطرة «التوحيد» وأهله يهودانه أو ينصرانه، ولم يكن اسلامي فردياً، ولكنه يعد اسلام جماعي لي أنا وكل الأسرة من خلال مدة بسيطة قضاها مسلم مصري مع أسرتنا وفي بيتنا اكتشفنا من وجوده وطريقة حياته ومعيشته ونظامه ومن خلال مناقشتنا له أموراً جديدة علينا لم نكن نعلمها عن المسلمين وليست عندنا كنصارى.
- أسلم والدي بعدما كان متمسكاً بالكنيسة، وكان يدعو الناس إليها، ثم أسلمت زوجتي وأولادي، والحمدللّه الذي جعلنا مسلمين. الحمد لله الذي هدانا للإسلام وجعلنا من أمة محمد خير الأنام.
- تعلق قلبي بحب الإسلام وحب الوحدانية والإيمان باللّه تعالى، وأصبحت أغار على الدين الإسلامي أشد من غيرتي من ذي قبل على النصرانية، وبدأت رحلة الدعوة إلى الإسلام وتقديم الصورة النقية، التي عرفتها عن الدين الإسلامي، الذي هو دين السماحة والخلق، ودين العطف والرحمة.

عنوان موقعه: www.todayislam.com

لقاء صوتي معه: الجزء الأول: http://www.alhakekah.com/converts/yousef1.mp3

الجزء الثاني: http://www.alhakekah.com/converts/yousef2.mp3


4- الدكتور وديع أحمد الشماس المصري سابقاً

 

* الحمد الله على نعمة الإسلام نعمة كبيرة لا تدانيها نعمة لأنه لم يعد على الأرض من يعبد الله وحده الا المسلمين.

 

* ولقد مررت برحلة طويلة قاربت 40 عاما الى أن هدانى الله وسوف أصف لكم مراحل هذه الرحلة من عمرى مرحلة مرحلة:-

 

مرحلة الطفولة:- ( زرع ثمار سوداء )

 

* كان أبى واعظا فى الاسكندرية فى جمعية أصدقاء الكتاب المقدس وكانت مهنته التبشير فى القرى المحيطة والمناطق الفقيرة لمحاولة جذب فقراء المسلمين الى المسيحية.

 

* وأصر أبى أن أنضم الى الشمامسة منذ أن كان عمرى ست سنوات وأن أنتظم فى دروس مدارس الأحد وهناك يزرعون بذور الحقد السوداء فى عقول الأطفال ومنها: -

 

1- المسلمون اغتصبوا مصر من المسيحين وعذبوا المسيحين.

2- المسلم أشد كفرا من البوذى وعابد البقر.

3- القرآن ليس كتاب الله ولكن محمد اخترعه.

4- المسلمين يضطهدون النصارى لكى يتركوا مصر ويهاجروا..... وغير ذلك من البذور التى تزرع الحقد الأسود ضد المسلمين فى قلوب الأطفال.

 

* وفى هذه الفترة المحرجة كان أبى يتكلم معنا سرا عن انحراف الكنائس عن المسيحية الحقيقية التى تحرم الصور والتماثيل والسجود للبطرك والاعتراف للقساوسة.

 

مرحلة الشباب ( نضوج ثمار الحقد الأسود ):

 

أصبحت أستاذاً في مدارس الأحد و معلما للشمامسة وكان عمري 18 سنة وكان علي أن أحضر دروس الوعظ بالكنيسة والزيارة الدورية للأديرة ( خاصة في الصيف ) حيث يتم استدعاء متخصصين في مهاجمة الإسلام والنقد اللازع للقرآن ومحمد ( صلي الله علية وسلم ) .

 

* وما يقال في هذه الإجتماعات :

 

1- القرآن مليء بالمتناقضات ( ثم يذكروا نصف آية ) مثل ( ولا تقربوا الصلاة ...)

2- القرآن مليء بالألفاظ الجنسية ويفسرون كلمة ( نكاح ) علي أنها الزنا أو اللواط .

3- يقولون أن النبي محمد ( صلي الله عليه وسلم ) قد أخذ تعاليم النصرانية من ( بحيره ) الراهب ثم حورها و إخترع بها دين الإسلام ثم قتل بحيره حتي لا يفتضح أمره ........ ومن هذا الإستهزاء بالقرآن الكريم و محمد ( صلي الله عليه وسلم ) الكثير والكثير ...

 

أسئلة محيرة :

الشباب في هذه الفترة و أنا منهم نسأل القساوسة أسئلة كانت تحيرنا :

شاب مسيحي يسأل :

س : ما رأيك بمحمد ( صلي الله عليه وسلم ) ؟

القسيس يجاوب : هو إنسان عبقري و ذكي .

س : هناك الكثير من العباقرة مثل ( أفلاطون ، سقراط , حامورابي .....) ولكن لم نجد لهم أتباعا و دين ينتشر بهذه السرعة الي يومنا هذا ؟ لماذا ؟

ج : يحتار القسيس في الإجابة

 

شاب أخر يسأل :

س : ما رأيك في القرآن ؟

ج : كتاب يحتوي علي قصص للأنبياء ويحض الناس علي الفضائل ولكنه مليء بالأخطاء .

 

س : لماذا تخافون أن نقرأه و تكفرون من يلمسه أو يقرأه ؟

ج : يصر القسيس أن من يقرأه كافر دون توضيح السبب !!

 

يسأل أخر:

س : إذا كان محمد ( صلي الله عليه وسلم ) كاذباًَ فلماذا تركه الله ينشر دعوته 23 سنة ؟ بل ومازال دينه ينتشر الي الأن ؟ مع انه مكتوب في كتاب موسي ( كتاب ارميا ) ان الله وعد بإهلاك كل إنسان يدعي النبوة هو و أسرته في خلال عام ؟

ج : يجيب القسيس ( لعل الله يريد أن يختبر المسيحيين به ).

 

مواقف محيرة :

1- في عام 1971 أصدر البطرك ( شنودة ) قرار بحرمان الراهب روفائيل ( راهب دير مينا ) من الصلاة لأنه لم يذكر أسمه في الصلاة وقد حاول اقناعه الراهب ( صموائيل ) بالصلاة فانه يصلي لله وليس للبطرك ولكنه خاف ان يحرمه البطرك من الجنه ايضا !!

 

وتسائل الراهب صموائيل هل يجرؤ شيخ الأزهر ان يحرم مسلم من الصلاة ؟ مستحيل

 

2- أشد ما كان يحيرني هو معرفتي بتكفير كل طائفة مسيحية للأخري فسألت القمص (ميتاس روفائيل) أب اعترافي فأكد هذا وان هذا التكفير نافذ في الارض والسماء .

 

فسألته متعجبا : معني هذا اننا كفار لتكفير بابا روما لنا ؟

أجاب : للأسف نعم

سألته : وباقي الطوائف كفار بسبب تكفير بطرك الإسكندرية لهم ؟

أجاب : للأسف نعم

سألته : وما موقفنا إذا يوم القيامة ؟

أجاب : الله يرحمنا !!!

 

بداية الإتجاة نحو الإسلام:

* وعندما دخلت الكنيسة ووجدت صورة المسيح وتمثاله يعلو هيكلها فسألت نفسي كيف يكون هذا الضعيف المهان الذي استهزأ به و عذب رباً و إلهاً ؟؟

 

* المفروض أن أعبد رب هذا الضعيف الهارب من بطش اليهود . وتعجبت حين علمت أن التوراة قد لعنت الصليب والمصلوب عليه وانه نجس وينجس الأرض التي يصلب عليها !! ( تثنية 21 : 22 – 23 ) .

 

* وفي عام 1981 : كنت كثير الجدل مع جاري المسلم ( أحمد محمد الدمرداش حجازي ) و ذات يوم كلمني عن العدل في الإسلام ( في الميراث ، في الطلاق ، القصاص ...... ) ثم سألني هل عندكم مثل ذلك ؟ أجبت لا.. لايوجد

 

* وبدأت أسأل نفسي كيف أتي رجل واحد بكل هذه التشريعات المحكمة والكاملة في العبادات والمعاملات بدون اختلافات ؟ وكيف عجزت مليارات اليهود والنصاري عن إثبات انه مخترع ؟

 

* من عام 1982 و حتي 1990 : وكنت طبيبا في مستشفي ( صدر كوم الشقافة ) وكان الدكتور محمد الشاطبي دائم التحدث مع الزملاء عن أحاديث محمد ( صلي الله عليه وسلم ) وكنت في بداية الأمر اشعر بنار الغيرة ولكن بعد مرور الوقت أحببت سماع هذه الأحاديث ( قليلة الكلام كثيرة المعاني جميلة الألفاظ والسياق ) و شعرت وقتها أن هذا الرجل نبي عظيم .

 

هل كان أبي مسلماً:

* من العوامل الخفية التي أثرت علي هدايتي هي الصدمات التي كنت أكتشفها في أبي ومنها :

1- هجر الكنائس والوعظ والجمعيات التبشيرية تماما .

2- كان يرفض تقبيل أيدي الكهنة ( وهذا أمر عظيم عند النصاري )

3- كان لايؤمن بالجسد والدم ( الخبز والخمر ) أي لا يؤمن بتجسيد الإله .

4- بدلاً من نزوله صباح يوم الجمعة للصلاة أصبح ينام ثم يغتسل وينزل وقت الظهر ؟!

5- ينتحل الأعذار للنزول وقت العصر والعودة متأخرا وقت العشاء .

6- أصبح يرفض ذهاب البنات للكوافير .

7- ألفاظ جديدة أصبح يقولها ( أعوذ بالله من الشيطان ) (لا حول ولا قوة الا بالله )...

8- وبعد موت أبي 1988 وجدت بالإنجيل الخاص به قصاصات ورق صغيرة يوضح فيها أخطاء موجودة بالأناجيل وتصحيحها .

9- وعثرت علي إنجيل جدي ( والد أبي ) طبعة 1930 وفيها توضيح كامل عن التغيرات التي أحدثها النصاري فيه منها تحويل كلمة ( يا معلم ) و ( يا سيد ) الي ( يا رب ) !!!ليوهموا القاريْ ان عبادة المسيح كانت منذ ولادته .

 

الطريق إلي المسجد:

* وبالقرب من عيادتى يوجد مسجد ( هدى الإسلام ) اقترب منه وأخذت أنظر بداخله فوجدته لا يشبه الكنيسة مطلقا ( لا مقاعد – لا رسومات – لا ثريات ضخمة – لا سجاد فخم – لا أدوات موسيقى وايقاع – لا غناء لا تصفيق ) ووجدت أن العبادة فى هذه المساجد هى الركوع والسجود لله فقط ، لا فرق بين غنى وفقير يقفون جميعا فى صفوف منتظمة وقارنت بين ذلك وعكسه الذى يحدث فى الكنائس فكانت المقارنة دائما لصالح المساجد.

 

فى رحاب القرآن:

* وددت أن أقرأ القرآن واشتريت مصحفا وتذكرت أن صديقى أحمد الدمرداش قال ان القرآن ( لا يمسه الا المطهرون ) واغتسلت ولم أجد غير ماء بارد وقتها ثم قرأت القرآن وكنت أخشى أن أجد فيه اختلافات ( بعد ما ضاعت ثقتى فى التوراة والانجيل ) وقرأت القرآن فى يومين ولكنى لم أجد ما كانوا يعلمونا اياه فى الكنيسة عن القرآن .

* الأعجب من هذا أن من يكلم محمد صلى الله عليه وسلم يخبره أنه سوف يموت ؟!! من يجرؤ أن يتكلم هكذا الا الله ؟؟!! ودعوت الله أن يهدين ويرشدني .

 

الرؤيا :

وذات يوم غلبني النوم فوضعت المصحف بجوارى وقرب الفجر رأيت نورا فى جدار الحجرة وظهر رجلاً وجهه مضىء اقترب منى وأشار الى المصحف فمددت يدى لأسلم عليه لكنه اختفى ووقع فى قلبى أإن هذا الرجل هو النبى محمد صلى الله عليه وسلم يشير الى أن القرآن هو طريق النور والهداية .

 

أخيرا – أسلمت وجهى لله:

* وسألت أحد المحامين فدلني علي أن أتوجه لمديرية الأمن – قسم الشئون الدينية – ولم أنم تلك الليلة وراودني الشيطان كثيرا ( كيف تترك دين أبائك بهذه السهولة ) ؟

 

* وخرجت في السادسة صباحا ودخلت كنيسة ( جرجس وأنطونيوس ) وكانت الصلاة قائمة ، وكانت الصالة مليئة بالصور والتماثيل للمسيح و مريم و الحواريين وأخرين إلي البطرك السابق ( كيرلس ) فكلمتهم : ( لو أنكم علي حق وتفعلون المعجزات كما كانوا يعلمونا فافعلوا أي شيء ... أي علامة أو إشارة لأعلم انني اسير في الطريق الخطأ ) و بالطبع لا إجابة .

 

* وبكيت كثيرا علي عمر كبير ضاع في عبادة هذه الصور والتماثيل . وبعد البكاء شعرت أنني تطهرت من الوثنية وأنني أسير في الطريق الصحيح طريق عبادة الله حقا .

 

* وذهبت الي المديرية و بدأت رحلة طويلة شاقة مع الروتين ومع معاناة مع البيروقراطية و ظنون الناس وبعد عشرة شهور تم اشهار اسلامي من الشهر العقاري في أغسطس 1992 .

 

اللهم أحيني علي الإسلام وتوفني علي الإيمان

 

اللهم إحفظ ذريتي من بعدي خاشعين ،عابدين ، يخافون معصيتك ويتقربون بطاعتك

 

و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

 

للدكتور وديع أحمد موقع علي شبكة الإنترنت عنوانه http://www.wadee3.5u.com

 

 


5- كينيث جينكينز القسيس الأمريكي السابق

 

هذا الموضوع هو في الحقيقة كتيب اصدره القسيس السابق Kenneth L. Jenkins او عبدالله الفاروق حاليا .. وهو يصف قصة اعتناقه لهذا الدين العظيم ... انظر غلاف الكتيب : يقول فيه : " كقسيس سابق وكرجل دين في الكنيسة كانت مهمتي هي انارة الطريق للناس للخروج بهم من الظلمة التي هم بها ... وبعد اعتناقي الإسلام تولدت لدي رغبة عارمة بنشر تجربتي مع هذا الدين لعل نوره وبركته تحل على الذين لم يعرفوه بعد... انا احمد الله لرحمته بي بادخالي للاسلام ولمعرفة جمال هذا الدين وعظمته كما شرحها الرسول الكريم وصحابته المهتدين ... انه فقط برحمة الله نصل الى الهداية الحقة والقدرة لاتباع الصراط المستقيم الذي يؤدي للنجاح في هذه الدنيا وفي الاخرة... ولقد رأيت هذه الرحمة تتجلى عندما ذهبت للشيخ عبدالعزيز بن باز واعتنقت الإسلام ولقد كانت محبته تزداد لدي وايضاً المعرفة في كل لقاء لي به .... هناك أيضاً الكثير الذين ساعدوني بالتشجيع والتعليم ولكن لخوفي لعدم ذكر البعض لن أذكر اسمائهم... انه يكفي أن أقول الحمد لله العظيم الذي يسير لي كل أخ وكل أخت ممن لعبوا دورا هاما لنمو الإسلام في داخلي وايضا لتنشئتي كمسلم.... انا أدعو الله ان ينفع بهذا الجهد القصير أناساً كثيرين ... واتمنى من النصارى أن يجدوا الطريق المؤدي للنجاة.. ان الاجوبة لمشاكل النصارى لا تستطيع ان تجدها في حوزة النصارى انفسهم لانهم في أغلب الاحيان هم سبب مشاكلهم... لكن في الإسلام الحل لجميع مشاكل النصارى والنصرانية ولجميع الديانات المزعومة في العالم...نسأل الله ان يجزينا على اعمالنا ونياتنا ....

البداية : كطفل صغير .... نشئت على الخوف من الرب ...وتربيت بشكل كبير على يد جدتي وهي أصولية مما جعل الكنيسة جزء مكمل لحياتي....وانا لازلت طفلا صغيرا ...بمرور الوقت وببلوغي سن السادسة ... كنت قد عرفت ما ينتظرني من النعيم في الجنة وما ينتظرني من العقاب في النار.... وكانت جدتي تعلمني أن الكذابين سوف يذهبون الى النار الى الابد... والدتي كانت تعمل بوظيفتين ولكنها كانت تذكرني بما تقوله لي جدتي دائماً... أختي الكبرى وشقيقي الاصغر لم يكونوا مهتمين بما تقوله جدتي من انذارات وتحذيرات عن الجنة والنار مثلما كنت انا مهتماً !! لا زلت اتذكر عندما كنت صغيرا عندما كنت انظر الى القمر في الاحيان التي يكون فيها مقتربا من اللون الاحمر ... وعندها ابدأ بالبكاء لأن جدتي كانت تقول لي ان من علامات نهاية الدنيا ان يصبح لون القمر أحمر ....مثل الدم... عند بلوغي الثامنة كنت قد اكتسبت معرفة كبيرة وخوف كبير بما سوف ينتظرني في نهاية العالم ...وأيضاً كانت تأتيني كوابيس كثيرة عن يوم الحساب وكيف سيكون؟؟ بيتنا كان قريباً جداً من محطة السكة الحديد وكانت القطارات تمر بشكل دائم.... أتذكر عندما كنت أستيقظ فزعاً من صوت القطار ومن صوت صفارته معتقدا أني قد مت وأني قد بعثت !! هذه الافكار كانت قد تبلورت في عقلي من خلال التعليم الشفوي من قبل جدتي وكذلك المقروء مثل قصص الكتاب المقدس .... في يوم الأحد كنا نتوجه الى الكنيسة وكنت ارتدي احسن الثياب وكان جدي هو المسؤول عن توصيلنا الى هناك ....واتذكر ان الوقت كان يمر هناك كما لو كان عشرات الساعات !! كنا نصل هناك في الحادية عشر صباحا ولا نغادر الا في الثالثة.... اتذكر اني كنت انام في ذلك الوقت في حضن جدتي ... وفي بعض الأحيان كانت جدتي تسمح لي بالخروج للجلوس مع جدي الذي لم يكن متديناً ... وكنا معاً نجلس لمراقبة القطارات.... وفي أحد الايام اصيب جدي بالجلطة مما اثر على ذهابنا الى المعتاد الى الكنيسة .... وفي الحقيقة كانت هذه الفترة حساسة جداً في حياتي ... بدأت اشعر في تلك الفترة بالرغبة الجامحة للذهاب الى الكنيسة وفعلا بدأت بالذهاب لوحدي .. وعندما بلغت السادسة عشرة بدأت بالذهاب الى كنيسة اخرى كانت عبارة عن مبنى صغير وكان يشرف عليها والد صديقي ...وكان الحضور عبارة عني أنا وصديقي ووالده ومجموعة من زملائي في الدراسة .... واستمر هذا الوضع فقط بضعة شهور قبل ان يتم اغلاق تلك الكنيسة .. وبعد تخرجي من الثانوية والتحاقي بالجامعة تذكرت التزامي الديني واصبحت نشطا في المجال الديني.... وبعدها تم تعميدي .... وكطالب جامعي ... اصبحت بوقت قصير أفضل عضو في الكنيسة مما جعل كثير من الناس يعجبون بي ... وأنا أيضاً كنت سعيداً لأني كنت اعتقد أني في طريقي " للخلاص"... كنت أذهب الى الكنيسة في كل وقت كانت تفتح فيه ابوابها .... وايضاً أدرس الكتاب المقدس لأيام ولأسابيع في بعض الاحيان ... كنت أحضر محاضرات كثيرة كان يقيمها رجال الدين .... وفي سن العشرين أصبحت احد أعضاء الكنيسة ...وبعدها بدأت بالوعظ .... واصبحت معروفا بسرعة كبيرة.. في الحقيقة انا كنت من المتعصبين وكان لدي يقين أنه لا يستطيع احد الحصول على الخلاص مالم يكن عضوا في كنيستنا !! وايضاً كنت استنكر على كل شخص لم يعرف الرب بالطريق التي عرفته أنا بها ... أنا كنت اؤمن ان يسوع المسيح والرب عبارة عن شخص واحد ... في الحقيقة في الكنيسة تعلمت ان التثليث غير صحيح ولكني بالوقت نفسه كنت اعتقد ان يسوع والاب وروح القدس شخص واحد !! حاولت ان افهم كيف تكون هذه العلاقة صحيحة ولكن في الحقيقة أبدا لم استطع الوصول الى نتيجة متكاملة بخوص هذه العقيدة !! انا اعجب باللبس المحتشم للنساء وكذلك التصرفات الطيبة من الرجال .. أنا كنت ممن يؤمنون بالعقيدة التي تقول ان على المرأة تغطية جسدها!وليست المرأة التي تملأ وجهها بالميكياج وتقول أنا سفيرة المسيح !.... كنت في هذا الوقت قد وصلت الى يقين بأن ما أنا فيه الآن هو سبيلي الى الخلاص... وأيضاً كنت عندما ادخل في جدال مع أحد الاشخاص من كنائس اخرى كان النقاش ينتهي بسكوته تماما .... وذلك بسب معرفتي الواسعة بالكتاب المقدس كنت أحفظ مئات النصوص من الانجيل .... وهذا ما كان يميزني عن غيري ... وبرغم كل تلك الثقة التي كانت لدي كان جزء مني يبحث ... ولكن عن ماذا ..؟؟ عن شيء أكبر من الذي وصلت اليه! كنت أصلي باستمرار للرب أن يهديني إلى الدين الصحيح ... وأن يغفر لي إذا كنت مخطئاً ... إلى هذه اللحظة لم يكن لي أي احتكاك مباشر مع المسلمين ولم اكن اعرف اي شيء عن الإسلام .... وكل ما عرفته هو ما يسمى ب " امة الإسلام" وهي مجموعة من السود اسسوا لهم ديناً خاصاً بهم وهو عنصري ولا يقبل غير السود ... ولكن أسموه "امة الإسلام" وهذا مما جعلني اعتقد ان هذا هو الإسلام ... مؤسس هذا الدين اسمه " اليجا محمد" وهو الذي بدأ هذا الدين والذي أسمى مجموعته ايضا "المسلمين السود" ....في الحقيقة قد لفت نظري خطيب مفوه لهذه الجماعة اسمه لويس فرقان وقد شدني بطريقة كلامه وكان هذا في السبعينات من هذا القرن ... وبعد تخرجي من الجامعة كنت قد وصلت الى مرحلة متقدمة من العمل في المجال الديني .... وفي ذلك الوقت بدا اتباع "اليجه محمد " بالظهور بشكل واضح ... وعندها بدأت بدعمهم خصوصا انهم يحاولون الرقي بالسود مما هم عليه من سوء المعاملة والأوضاع بشكل عام... بدأت بحضور محاضراتهم لمعرفة طبيعة دينهم بالتحديد... ولكني لم اقبل فكرة ان الرب عبارة عن رجل أسود(كما كان من اعتقاد اصحاب أمة الإسلام) ولم اكن احب طريقتهم في استخدام الكتاب المقدس لدعم افكارهم.... فأنا أعرف هذا الكتاب جيدا ... ولذلك لم أتحمس لهذا الدين(وكنت في هذا الوقت اعتقد انه هو الإسلام!!) وبعد ست سنوات انتقلت للعيش في مدينة تكساس ... وبسرعة التحقت لأصبح عضوا في كنيستين هناك وكان يعمل في واحدة من هاتين الكنيستين شاب صغير بدون خبرة في حين أن خبرتي في النصرانية كانت قد بلغت مبلغاً كبيراً وفوق المعتاد ايضاً ... وفي الكنيسة الاخرى التي كنت عضوا فيها كان هناك قسيس كبير في السن ورغم ذلك لم يكن يمتلك المعرفة التي كنت انا امتلكها عن الكتاب المقدس ولذلك فضلت الخروج منها حتى لا تحصل مشاكل بيني وبينه ... عندها انتقلت للعمل في كنيسة اخرى .... في مدينة اخرى وكان القائم على تلك الكنيسة رجل محنك وخبير وعنده علم غزير ... وعنده طريقة مدهشة في التعليم .... ورغم انه كان يمتلك افكارا لا أوافقه عليها الا انه كان في النهاية شخصاً يمتلك القدرة على كسب الاشخاص... في هذا الوقت بدأت أكتشف أشياء لم اكن أعلمها بالكنيسة وجعلتني افكر فيما أنا فيه من دين...!!! مرحبا بكم في عالم الكنيسة الحقيقي : بسرعة اكتشفت ان في الكنيسة الكثير من الغيرة وهي شائعة جدا في السلم الكنسي... وايضا أشياء كثيرة غيرت الأفكار التي كنت قد تعودت عليها .... على سبيل المثال النساء يرتدين ملابس أنا كنت اعتبرها مخجلة ... والكل يهتم بشكله من اجل لفت الانتباه ... لا أكثر ...للجنس الاخر !! الآن اكتشفت كيف أن المال يلعب لعبة كبرى في الكنائس..لقد أخبروني ان الكنيسة اذا لم تكن تملك العدد المحدد من الاعضاء فلا داعي ان تضيع وقتك بها لأنك لن تجد المردود المالي المناسب لذلك .... عندها أخبرتهم اني هنا لست من اجل المال... وانا مستعد لعمل ذلك بدون اي مقابل ... وحتى لو وجد عضو واحد فقط...!! هنا بدات أفكر بهؤلاء الذين كنت اتوسم فيهم الحكمة كيف انهم كانوا يعملون فقط من اجل المال!! لقد اكتشفت ان المال والسلطة والمنفعة كانت اهم لديهم من تعريف الناس بالحقيقة ... هنا بدأت اسأل هؤلاء الأساتذة بعض الأسئلة ولكن هذه المرة بشكل علني في وقت المحاضرات .... كنت اسألهم كيف ليسوع أن يكون هو الرب؟؟.... وأيضاً في نفس الوقت روح القدس والأب والأبن ووو... الخ... ولكن لا جواب!! كثير من هؤلاء القساوسة والوعاظ كانوا يقولون لي أنهم هم أيضاً لا يعرفون كيف يفسرونها لكنهم في نفس الوقت يعتقدون انهم مطالبون بالإيمان بها !! وكان اكتشاف الحجم الكبير من حالات الزنا والبغاء في الوسط الكنسي وايضا أنتشار المخدرات وتجارتها فيما بينهم وايضا اكتشاف كثير من القساوسة الشواذ جنسيا أدى بي الى تغيير طريقة تفكيري والبحث عن شيء آخر ولكن ماهو ؟ وفي تلك الايام أستطعت أن أحصل على عمل جديد في المملكة العربية السعودية ... بداية جديدة : لم يمر وقت طويل حتى لاحظت الاسلوب المختلف للحياة لدى المسلمين..... كانوا مختلفين عن اتباع "اليجه محمد" العنصريين الذين لا يقبلون الا السود ... الإسلام الموجود في السعودية يضم كافة الطبقات ...وكل الاعراق ... عندها تولدت لدي رغبة قوية في التعرف على هذا الدين المميز... كنت مندهشاً لحياة الرسول صلى الله عليه وسلم وكنت أريد أن اعرف المزيد .. طلبت مجموعة من الكتب من أحد الاخوة النشيطين في الدعوة الى الإسلام .... كنت أحصل على جميع الكتب التي كنت أطلبها ....قرأتها كلها بعدها أعطوني القرآن الكريم وقمت بقراءته عدة مرات ...خلال عدة أشهر ...سألت أسئلة كثيرة جداً وكنت دائماً أجد جواباً مقنعاً ...الذي زاد في اعجابي هو عدم اصرار الشخص على الاجابة ... بل انه ان لم يكن يعرفها كان ببساطة يخبرني انه لا يعرف وانه سوف يسأل لي عنها ويخبرني في وقت لاحق !! وكان دائما في اليوم التالي يحضر لي الاجابة .... وايضا مما كان يشدني في هؤلاء الناس المحيرين هو اعتزازهم بانفسهم !! كنت اصاب بالدهشة عندما أرى النساء وهن محتشمات من الوجه الى القدمين ! لم اجد سلم ديني او تنافس بين الناس المنتسبين للعمل من أجل الدين كما كان يحدث في امريكا في الوسط الكنسي هناك .... كل هذا كان رائعا ولكن كان هناك شيء ينغص علي وهو كيف لي ان اترك الدين الذي نشأت عليه ؟؟ كيف أترك الكتاب المقدس؟؟ كان عندي اعتقاد انه به شيء من الصحة بالرغم من العدد الكبير من التحريفات والمراجعات التي حصلت له .... عندها تم اعطائي شريط فيديو فيه مناظرة اسمها "هل الانجيل كلمة الله" وهي بين الشيخ أحمد ديدات وبين القسيس جيمي سواجارت...وبعدها على الفور أعلنت اسلامي!!!!!!

 

 لمشاهدة تلك المناظرة المثيرة او سماعها يمكنك تحميلها من الوصلة التالية : http://www.islam.org/audio/ra622_4.ram  

وستجدها في هذه الصفحة إن شاء الله:

http://212.37.222.34/islam/multimedia.htm

 

 بعدها تم اخذي الى مكتب الشيخ عبدالعزيز بن باز لكي أعلن الشهادة وقبولي بالإسلام ... وتم اعطائي نصيحة عما سوف اواجهه بالمستقبل ....انها في الحقيقة ولادة جديدة لي بعد ظلام طويل ..... كنت افكر بماذا سوف يقول زملائي في الكنيسة عندما يعلمون بخبر اعتناقي للاسلام؟؟ لم يكن هناك وقت طويل لأعلم .... بعد ان عدت للولايات المتحدة الامريكية من اجل الاجازة أخذت الإنتقادات تضربني من كل جهة على ما انا عليه من "قلة الايمان " على حد قولهم !! وأخذوا يصفوني بكل الأوصاف الممكنة ... مثل الخائن والمنحل اخلاقيا ... وكذلك كان يفعل رؤساء الكنيسة ... ولكني لم اكن اعبىء بما كانوا يقولوه لأني الآن فرح ومسرور بما انعم الله علي به من نعمة وهي الإسلام ... أنا الان اريد ان اكرس حياتي لخدمة الإسلام كما كنت في المسيحية ... ولكن الفرق ان الإسلام لايوجد فيه احتكار للتعليم الديني بل الكل مطالب أن يتعلم ...... تم اهدائي صحيح مسلم من قبل مدرس القران .... عندها اكتشفت حاجتي لتعلم سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ... واحاديثه وما عمله في حياته ...... فقمت بقراءة الاحاديث المتوفرة باللغة الانجليزية بقدر المستطاع ... أيضاً أدركت ان خبرتي بالمسيحية نافعة جدا لي في التعامل مع النصارى ومحاججتهم... حياتي تغيرت بشكل كامل ... وأهم شيء تعلمته ان هذه الحياة انما هي تحضيرية للحياة الاخروية ... وايضا مما تعلمته اننا نجازى حتى بالنيات .... اي انك اذا نويت ان تعمل عملا صالحا ولم تقدر ان تعمله لظرف ما ... فان جزاء هذا العمل يكون لك .... وهذا مختلف تماما عن النصرانية.... الآن من أهم أهدافي هو تعلم اللغة العربية وتعلم المزيد عن الإسلام .... وأنا الآن اعمل في حقل الدعوة لغير المسلمين ولغير الناطقين بالعربية..... وأريد ان اكشف للعالم التناقضات والاخطاء والتلفيقات التي يحتويها الكتاب الذي يؤمن به الملايين حول العالم (يقصد الكتاب المقدس للنصارى) وايضاً هناك جانباً إيجابياً مما تعلمته من النصرانية انه لا يستطيع احد ان يحاججني لأني اعرف معظم الخدع التي يحاول المنصرون استخدامها لخداع النصارى وغيرهم من عديمي الخبرة .... أسأل الله أن يهدينا جميعاً الى سواء الصراط " جزاه الله خيرا وهذا الكلام لا يصدر في الحقيقة الا من رجل صادق عرف الله فامن به ... ومن ثم كبر الايمان في قلبه ... حتى اصبح هدفه هو هداية الناس جميعا !!! وهذا الرجل تنطبق عليه الاية الكريمة التالية : " لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ * وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا جَاءنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبَّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ " سورة المائدة اية82-84.

 

 

(غلاف الكتاب)

(بطاقة القسيس السابق)

 

 

6- رئيس الأساقفة اللوثريِّ السابق التنزانيِّ  أبو بكر موايبيو

 

في الثالث والعشرين من شهر كانون الأوَّل لعام 1986 -وقبل يومين من أعياد الميلاد- أعلن رئيس الأساقفة مارتن جون موايبوبو لجماعة المصلِّين بأنَّه سيترك المسيحيَّة لدخول الإسلام. كان حشد المصلِّين في حالة شللٍ تامٍّ للصدمة الَّتي أصابتهم لسماع هذا الخبر، إلى درجة أنَّ مساعد الأُسقف قام من مقعده فأغلق الباب والنوافذ، وصرَّح لأعضاء الكنيسة بأنَّ رئيس الأساقفة قد جُنّ. فكيف استطاع الرَّجل أن يفكِّر بقول ذلك، في حين أنَّه قبل ذلك ببضع دقائق كان يعزف آلاته الموسيقيَّة بطريقةٍ تثير مشاعر أعضاء الكنيسة؟! لم يكونوا يعرفون بأنَّ ما يجول في خاطر الأسقف سيكون قراراً يعصف بألبابهم، وأنَّ ذلك الترفيه لم يكن إلاّ حفلة وداع. لكنَّ ردَّ فعل المصلِّين كان مُفجعاً على حدٍّ سواء! فقد اتَّصلوا بقوات الأمن لأخذ الرَّجل "المجنون". فتحفَّظوا عليه في الزنزانة حتَّى منتصف الليل، إلى أن جاء الشَّيخ أحمد شيخ –وهو الرَّجل الَّذي حثَّه على دخول الإسلام- وكفله لإطلاق سراحه. لقد كان هذا الحادث بدايةً لطيفةً فقط نسبةً لما كان ينتظر الأُسقف السَّابق من صدمات.

 

وقد قام سيمفيوي سيسانتي –وهو صحفيٌّ من صحيفة القلم– بإجراء لقاءٍ مع رئيس الأساقفة اللوثريِّ التنزانيِّ مارتن جون موايبوبو، والَّذي أصبح بعد إعلانه الإسلام معروفاً باسم (الحاج أبو بكر جون موايبوبو.).

 

الفضل في إثارة الفضول الصحفيِّ لدى هذا الكاتب -سيسانتي- يعود إلى الأخ الزيمبابويِّ سفيان سابيلو، وذلك بعد استماع الأخير إلى حديث موايبوبو في مركر وايبانك الإسلاميِّ في ديربان. وسفيان ليس من الَّذين يرغبون بالإثارة، لكنَّه في تلك الليلة كان قد سمع شيئاً قيّماً. فهو لم يستطع التوقُّف عن الحديث عن الرَّجل! ومن كان بإمكانه ألاَّ يكون مأخوذاً بعد سماعه بأنَّ رئيس الأساقفة قد دخل الإسلام؟ وهو الَّذي لم يحصل فقط على شهادتي البكالوريوس والماجستير في اللاهوت، بل وعلى شهادة الدكتوراه أيضاً. وإنْ كنتم ممَّن يهتَّمون بالشَّهادات الأجنبيَّة، فإنَّ الرَّجل قد حصل على الدبلوم في الإدارة الكنسيَّة من إنجلترا، وما تبقَّى من الدَّرجات العلميَّة من برلين في ألمانيا! وهذا الرَّجل الَّذي كان – قبل دخوله الإسلام- الأمين العام لمجلس الكنائس العالميِّ لشؤون إفريقيا -ممَّا يشمل تنزانيا وكينيا وأوغندا وبوروندي وأجزاء من أثيوبيا والصُّومال- كان منصبه في مجلس الكنائس يفوق الرئيس الحاليَّ للجنة حقوق الإنسان الجنوب إفريقيَّة بارني بيتيانا، ورئيس لجنة المصالحة الوطنيَّة الأُسقف ديسموند توتو.

 

إنَّها قصَّة رجلٍ وُلد قبل 61 عاماً -في الثاني والعشرين من شهر شباط- في بوكابو، وهي منطقةٌ على الحدود مع أوغندا. وبعد سنتيْن من ولادته قامت عائلته بتعميده؛ وبعد خمس سنواتٍ كانت تراقبه بفخرٍ وهو يصبح خادم المذبح في القُدَّاس، ناظرين إليه وهو يساعد كاهن الكنيسة بتحضير "جسد ودم" المسيح (عليه الصَّلاة والسَّلام). كان هذا ممَّا يملأُ عائلته بالفخر، ويملأُ أباه بالأفكار حول مستقبل ابنه.

 


يسترجع أبو بكر ذكرياته قائلاً:

"فيما بعد -وعندما كنت في المدرسة الدَّاخليَّة- كتب إليَّ أبي قائلاً بأنَّه يريدني أن أُصبح راهباً. وفي كلِّ رسالةٍ كان يكتب لي ذلك."

 

لكنَّ موايبوبو كانت لديه أفكاره الخاصَّة عن مستقبل حياته، والَّتي كانت تتعلَّق بالانضمام إلى سلك الشرطة. ومع ذلك -وفي الخامسة والعشرين من عمره- استسلم لرغبة والده. فعلى النقيض ممَّا يحصل في أوروبا، حيث يستطيع الأبناء فعل ما يشاؤون بعد عمر الحادية والعشرين، فالأبناء في إفريقيا يُعلَّمون احترام رغبات أبائهم أكثر من احترام رغباتهم الشخصيَّة.

 

يا بنيّ، قبل أن أغمض عيني (أموت)، سأكون مسروراً إنْ أصبحتَ راهباً" .

 

هذا ما قاله الأب لابنه، وهكذا فعل الابن؛ وهو القرار الَّذي قاده إلى إنجلترا عام 1964 للحصول على الدبلوم في إدارة الكنائس؛ وبعد ذلك بسنةٍ إلى ألمانيا للحصول على البكالوريوس. وبعودته بعد عامٍ أصبح أُسقفاً عاملاً.

 

وفيما بعد رجع ليحصل على الماجستير.

 

"كلّ ذلك الوقت، كنت أفعل الأشياء بدون نقاش."

 

وقد بدأ بالتساؤل حين كان يعمل على الحصول على الدكتوراه، يقول موايبوبو:

 

"بدأت أتساءل باندهاش، فهناك المسيحيَّة والإسلام واليهوديَّة والبوذيَّة، وكلُّ دينٍ منها يدَّعي أنَّه الحقّ؛ فما هي الحقيقة؟ كنت أريد الحقيقة."

 

وهكذا بدأ بحثه حتى اختزله إلى الأديان الرئيسيَّة الأربعة. وحصل على نسخةٍ من القرآن الكريم. وهل تتخيَّلون ماذا حدث؟

 

يتذكر موايبوبو قائلاً:

"حين فتحت القرآن الكريم، كانت الآيات الأولى الَّتي أقرأها هي: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ(1)اللَّهُ الصَّمَدُ(2)لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ(3)وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ(4) / سورة الإخلاص."

 

كان هذا هو الوقت الذي بدأت فيه بذور الإسلام بالنموِّ، وهو الدِّين غير المعروف بالنِّسبة إليه. وفي ذلك الوقت اكتشف بأنَّ القرآن الكريم هو الكتاب المقدَّس الوحيد الَّذي لم يُشوِّههُ الإنسان منذ الإيحاء به.

 

"وهذا ما قُلْته كخاتمةٍ في رسالتي للدكتوراه. ولم يكن يهمُّني إنْ كانوا سيمنحوني الدكتوراه أم لا، لأنَّ هذه هي الحقيقة؛ وأنا كنت أبحث عن الحقيقة.".

 

وفي حالته الذهنيَّة هذه، ذهب إلى أُستاذه المحبوب فان بيرغر. ويستعيد ذكرياته قائلاً:

 

"أغلقت الباب، ثمَّ نظرت إليه في عينيه، وسألته: من كلِّ الأديان الَّتي في الدُّنيا، أيُّها هو الدِّين الحقّ؟ فأجابني: "الإسلام". فسألته: "فلماذا أنت إذاً لست مسلماً؟" فقال لي: "أوَّلاً: أنا أكره العرب؛ وثانياً: هل أنت ترى كلَّ هذا الترف الَّذي أنعم فيه؟ فهل تعتقد بأنِّي سأتخلَّى عن كلِّ ذلك من أجل الإسلام؟" وعندما تفكَّرت بجوابه، بدأت أتفكَّر بحالتي الخاصَّة أيضاً" .

 

فمنصب موايبوبو، وسياراته، كلُّ ذلك خطر في باله. لا، فهو لا يستطيع إعلان الإسلام. وهكذا -ولسنةٍ كاملةٍ- نحَّى هذه الفكرة عن خاطره. لكنَّ رُؤى بدأت تلاحقه، وآياتٌ من القرآن الكريم دوامت على الظُّهور أمامه، وأُناسٌ موشحون بالبياض يأتون إليه، "خاصَّةً في أيَّام الجُمَع"، حتَّى لم يستطع أن يقاوم أكثر.

 

وهكذا أعلن إسلامه رسميًّا في الثَّاني والعشرين من شهر كانون الأوَّل. وهذه الرُؤى الَّتي قادته إلى ذلك، ألم تكن بفعل الطَّبيعة الخُرافيَّة للأفارقة؟ ويحدِّثنا عن ذلك موايبوبو قائلاً:

 

- "لا؛ لا أظنُّ بأنًّ كلَّ الرُؤى سيِّئة. فإنَّ هناك تلك الرُؤى الَّتي تهديك للاتجاه الصَّحيح، وتلك الَّتي لا تفعل ذلك. أمَّا هذه -على وجه الخصوص- فقد قادتني إلى الطَّريق الصَّحيح، إلى الإسلام.".

 

ونتيجةً لذلك قامت الكنيسة بتجريده من بيته وسياراته. ولم تستطع زوجه تحمُّل ذلك فحزمت حقائبها وأخذت أولادها وتركته، وذلك على الرغم من تأكيد موايبوبو لها بأنَّها ليست مُلزمةً بدخول الإسلام. وعندما ذهب إلى والديه، الَّلذيْن كانا أيضاً قد سمعا بقصَّته:

 

"طلب منِّي أبي انتقاد الإسلام علانيةً؛ وقالت أُمِّي بأنَّها "لا تريد أن تسمع أيَّ تُرَّهاتٍ منِّي".

 

لقد أصبح وحيداً! وحين سُئِل كيف يشعر تجاه والديه قال بأنَّه سامحهم، وقد تصالح مع أبيه قبل أن ينتقل إلى عالم الآخرة. وقال موايبوبو:

 

"لقد كانا كبيريْن بالسنِّ، ولم يكن لديهما العلم أيضاً. حتَّى أنَّهما لم يكن باستطاعتهما قراءة الإنجيل، وكلُّ ما كانا يعرفانه هو ما كانا يسمعانه من الراهب وهو يقرأ."

 

سألهما البقاء  في المنزل لليلةٍ واحدة، وفي اليوم التَّالي بدأ رحلته إلى حيث تنتمي عائلته أصلاً -إلى كاييلا- على الحدود بين تنزانيا ومالاوي. وخلال رحلته جَنَح إلى بروسيل حيث كانت هناك عائلةٌ تريد بيع بيتٍ لصُنع الجعة. وحصل هناك أن التقى بزوج المستقبل، وهي راهبةٌ كاثوليكيَّةٌ اسمها الأخت جيرترود كيبويا، والَّتي تُعرف الآن باسم الأخت زينت. ومعها سافر إلى كاييلا، حيث أخبره العجوز الَّذي منحه المأوى في الليلة السَّابقة بأنه هناك سيجد مسلمين آخرين. ولكن قبل ذلك، وفي صباح ذلك اليوم رفع الأذان للصَّلاة، وهو الشيء الَّذي جعل القرويِّين يخرجون من منازلهم سائلين المضيف كيف  يؤوي رجلاً "مجنوناً".

 

"لقد كانت الرَّاهبة هي الَّتي أوضحت بأنِّي لست مجنوناً بل مسلماً"، يقول موايبوبو.

 

وكانت نفس الرَّاهبة هي الَّتي ساعدته فيما بعد على دفع النَّفقات العلاجيَّة لمشفى الإرساليَّة الأنجليكانيَّة حين كان مريضاً جدّاً. وذلك بفضل  المحادثة الَّتي كانت له معها.

 

وكان أن سألها: لماذا ترتدي الصَّليب في سلسلةٍ على صدرها، فكان أن أجابت بأنَّ ذلك لأنَّ المسيح (عليه الصَّلاة والسَّلام) قد صُلب عليه.

 

"ولكن، لنَقُل أن أحدهم قتل أباك ببندقيَّةٍ، فهل كنت ستتجوَّلين حاملةً البندقيَّة على صدرك؟"

 

لقد جعل ذلك الراهبة تفكِّر، وحارت في الإجابة. وحين عرض عليها الأُسقف الزواج لاحقاً، كان جوابها بالإيجاب. فتزوَّجا سرّاً، وبعد أربعة أسابيع كتبت إلى مسؤوليها تُعلِمهم بأنَّها تركت الرَّهبنة. سمع الشَّيخ الَّذي قدَّم لهما المأوى –وهو خال الرَّاهبة- بهذا الزواج؛ وفي لحظة وصولهما إلى بيته نُصحا بالهرب، لأنَّ "الشَّيخ كان يُعبِّىء بندقيَّته بالعتاد". وكان والد الرَّاهبة غاضباً "ومتوحِّشاً كالأسد".

 

انتقل موايبوبو من رفاهية منزل رئيس الأساقفة ليعيش في بيتٍ مبنيٍّ من الطِّين. وبدلاً من راتبه الكبير كعضوٍ في المجلس الكنسيِّ العالميِّ كأمينٍ عامٍّ لشرق إفريقيا، بدأ بكسب قوته كحطَّابٍ، وحرَّاثٍ لأراضي الآخرين. وفي الأوقات الَّتي لم يكن يعمل فيها كان يدعو إلى الإسلام علانية. ممَّا قاده إلى سلسلةٍ من الأحكام القصيرة بالسِّجن لعدم احترام المسيحيَّة.

 

وحين كان يؤدِّي فريضة الحجِّ في عام 1988، حدثت الكارثة. فقد فُجِّر بيته، وترتب على ذلك قتل أطفاله التوائم الثلاثة. ويتذكَّر قائلاً:

 

"الأُسقف – وهو ابن خالتي- كان ضالعاً في تلك المؤامرة".

 

ويُضيف بأنَّه بدلاً من أن يحبطه ذلك فقد فعل العكس، لأنَّ عدد الَّذين كانوا يعلنون إسلامهم كان بازدياد، وهذا يشمل حماه أيضاً.

 

وفي عام 1992 اعتُقِل لمدَّة عشرة أشهرٍ مع سبعين من أتباعه، واتُّهموا بالخيانة. وكان ذلك بعد تفجير بعض محلات بيع لحم الخنزير الَّتي كان قد تحدَّث ضدَّها. لقد تحدَّث فعلاً ضدَّها، وهو يعترف بذلك مُوضحاً بأنَّه دستوريَّاً -ومنذ عام 1913- هناك قانون بمنع الخمَّارات والكازينوهات ومحلات بيع لحم الخنزير في دار السَّلام وتانغا ومافيا وليندي وكيغوما. ولحُسن حظِّه فقد بُرِّأت ساحته، وبعد ذلك مباشرةً هاجر إلى زامبيا منفيّاً؛ وذلك بعد أن نُصِحَ بأنَّ هناك مؤامرة لقتله.

 

وحدَّثنا بأنَّه في كلِّ يومٍ كان يُطلق فيه سراحه، كانت الشرطة تأتي لتعتقله مُجدَّداً. وهل يمكن أن تتخيَّلوا ماذا حصل أيضاً؟! يقول موايبوبو:

 

"لقد قالت النِّساء بأنَّهن لن يسمحن بذلك! وبأنَّهم سيقاومن اعتقالي من قبل قوات الأمن بأجسادهن. وكانت النِّساء أيضاً هنَّ اللواتي ساعدنني على الهرب عبر الحدود مُتخفياً؛ فقد ألبسنني ملابس النِّساء!"

 

وهذا هو أحد الأسباب التي جعلته يُقدِّر دور النِّساء.

 

"يجب أن تُعطى النِّساء مكانةً رفيعةً, وأن يُمنحن تعليماً إسلاميّاً جيِّداً. وإلا فكيف يمكن للمرأة أن تتفهَّم لماذا يتزوَّج الرَّجل أكثر من امرأةٍ واحدة... لقد كانت زوجي زينب هي من اقترحت عليَّ بأنِّي يجب أن أتزوَّج بزوجي الثَّانية –صديقتها شيلا– حين كان يتوجَّب عليها السَّفر إلى الخارج من أجل الدِّراسات الإسلاميَّة."

 

هل الأُسقف (السَّابق) هو الَّذي يقول ذلك. الله أكبر؟!

 

ورسالة الحاجِّ أبي بكر موايبوبو إلى المسلمين هي:

"إنَّ هناك حرباً على الإسلام... وقد أغرقوا العالم بالمطبوعات. والآن بالتحديد يعملون على جعل المسلمين يشعرون بالعار بوصفهم لهم بالأُصوليِّين. فيجب على المسلمين ألا يقفوا عند طموحاتهم الشَّخصيَّة، ويجب عليهم أن يتَّحدوا. فعليك أن تدافع عن جارك إن كنت تريد أن تكون أنت في أمان."

 

يقول ذلك ويحضُّ المسلمين على أن يكونوا شجعاناً، مُستشهداً بالمركز الإسلاميِّ العالميِّ للدَّعوة والشَّيخ أحمد ديدات:

 

"ذلك الرَّجل ليس مُتعلِّماً، لكن انظر إلى الطَّريقة الَّتي ينشر بها الإسلام."

 


7-الراهب السابق الفليبيني ماركو كوربس

 

الحمد لله ربِّ العالمين، وصلاة الله تعالى وسلامه على خاتم الأنبياء والمرسلين سيِّدنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسانٍ إلى يوم الدِّين.

 

هذه هي قصتي، ولماذا أعلنت إسلامي:

 

خلال طفولتي، رُبِّيت جزئيًّا على الكاثوليكيَّة. أما جدي وعمتي فقد كانا مُعالِجَيْن روحانيَّيْن يعبدان الأصنام والأرواح. وقد شهدت الكثير من المرضى الَّذين جاءوا إليهما من أجل العلاج، وكيف كانوا يبرأون. ولذلك فقد تسبَّبا في اتباعي ما يؤمنان به.

 

عندما وصلت السابعة عشرة من عمري، لاحظت بأنَّ هناك الكثير من الأديان، والَّتي تحوي أنواعاً مختلفةً من التعاليم، على الرغم من أنَّ لها نفس المصدر، وهو الإنجيل. وكلٌّ منها يدَّعي بأنَّه الدِّين الحقّ. عندها تساءلت: "هل يتوجَّب عليَّ أن أبقى على دين عائلتي، أم أنِّي يجب أن أُجرِّب الاستماع إلى الأديان الأخرى؟"

 

وفي أحد الأيام دعاني ابن عمي لحضور عيد الخميس في الكنيسة. كان دافعي هو مشاهدة ما يفعلونه داخل كنيستهم. فشاهدت كيف كانوا يغنُّون، ويصفِّقون، ويرقصون، و يبكون رافعين أيديهم في دعائهم ليسوع (عليه الصَّلاة والسَّلام). وقام الراهب بالوعظ بخصوص الإنجيل. ثم ذكر الفقرات الأكثر شيوعاً، والَّتي يقتبسها كلُّ المبشِّرين، وهي تلك الَّتي تتعلَّق بأُلوهيَّة المسيح (عليه الصَّلاة والسَّلام)، مثل: يوحنا 1:12 ، ويوحنا 3:16، ويوحنا 8:31-32. وفي ذلك الوقت، ولدت من جديد كمسيحيّ، وقَبِلْتُ يسوع المسيح (عليه الصَّلاة والسَّلام) كإلهي ومُخلِّصي.

 

كان أصدقائي يزوروني كلَّ يومٍ للذهاب إلى الكنيسة. وبعد شهرين تمَّ تعميدي، فأصبحت عضواً منتظماً في صلاتهم. وبعد مرور خمسة أعوام، أقنعني راهبنا بالعمل في الكهنوت كعاملٍ متطوِّع. وبعد ذلك أصبحت المنشد الرئيسي، ثم القائد في الصَّلاة، ثم معلِّماً في مدرسة الأحد، ثم أصبحت أخيراً راهباً رسميّاً في الكنيسة. وكان عملي خاضعاً لبعثة التبشير الإنجيليَّة القرويَّة الحرَّة (F.R.E.E.). وهي بعثةٌ تبشيريَّة مثل بعثة "يسوع هو الله" (سبحانه وتعالى عمَّا يصفون)، و "الناصري"، و "خبز الحياة"، إلخ.

 

بدأت تعليم الناس الإنجيل وتعاليمه. وقرأت الإنجيل مرَّتين من الغلاف إلى الغلاف. وأجبرت نفسي على حفظ أجزاءٍ وآياتٍ منه عن ظهر قلبٍ من أجل الدِّفاع عن الدِّين الَّذي كنت أُومن به. وأصبحت فخوراً بنفسي لهذا المنصب الَّذي حظيت به. وكنت غالباً ما أقول لنفسي بأنِّي لا أحتاج إلى أيِّ تعاليم أو نصوص أخرى عدا الإنجيل. ولكن مع ذلك، كان هناك فراغٌ روحيٌّ في داخلي. صلَّيت، وصُمْت، واجتهدت لإرضاء مشيئة الإله الَّذي كنت أعبده، ولم أكن أجد السعادة إلَّا عندما كنت أتواجد في الكنيسة. لكن هذا الشعور بالسعادة لم يكن مستمرّاً، وحتى عندما كنت أتواجد مع عائلتي. ولاحظت أيضاً أنَّ بعض أصدقائي من الرُّهبان ماديُّون. فهم يغمسون أنفسهم في الشهوة الجسديَّة - كالعلاقات المحرَّمة مع النِّساء - والفساد، وتعطُّشهم للشهرة.

 

وعلى الرغم من كلِّ ذلك فقد واصلت -وبطريقةٍ عمياء- اعتناقي الدِّين بقوَّة. وذلك لأنِّي كنت أعرف -وحسب ما تقوله التعاليم- "بأنَّ الكثيرين يُدْعَوْن، ولكنَّ القليل منهم يُخْتارون". كنت دوماً أُصلِّي ليسوع المسيح (عليه الصَّلاة والسَّلام) ليغفر لي ذنوبي وكذلك ذنوبهم. فقد كنت أظنُّ بأنَّه (عليه الصَّلاة والسَّلام) هو الحلُّ لكلِّ مشكلاتي ولذلك فإنَّه يستطيع الاستجابة لكلِّ دعائي.

 

مع ذلك - وبالنظر إلى حياة زملائي من الرُّهبان- فإنَّك لا تستطيع أن تجد بينهم أمثلةً جيّدةً مُقارنةً بالرعيَّة الَّتي يعظونها. وهكذا بدأ إيماني يخفت، وناضلت بصعوبة بالغة على العمل في خدمة الصَّلاة الجماعيَّة.

 

في أحد الأيام، فكرت في السفر إلى الخارج، وليس  ذلك من أجل العمل فقط، بل وأيضاً من أجل نشر اسم يسوع كإله؛ أستغفر الله العظيم. وكان في خطتي الذهاب إمَّا إلى تايوان أو كوريا. إلَّا أنَّ مشيئة الله تعالى كانت في حصولي على تأشيرة عملٍ في المملكة العربيَّة السعوديَّة. ووقَّعت في الحال عقداً لمدَّة ثلاثة أعوام للعمل في جدَّة.

 

بعد أسبوعٍ من وصولي إلى جدَّة، لاحظت أُسلوب الحياة المختلف، كاللغة، والعادات والتقاليد، حتى الطعام الَّذي يأكلونه. فقد كنت جاهلاً تماماً بثقافات الآخرين.

 

الحمد لله؛ فقد حدث أن كان لديَّ زميلٌ فلبينيٌّ في المصنع، وهو مسلمٌ يتكلَّم العربيَّة. لذلك -ومع أنِّي كنت متوتِّراً، إلَّا أنِّي حاولت سؤاله عن المسلمين، وعن دينهم ومعتقداتهم. فقد كنت أعتقد بأنَّ المسلمين من عُتاةِ القَتَلة، وأنَّهم يعبدون الشيطان والفراعنة ومحمَّداً (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) كآلهةٍ لهم. وحدَّثته عن إيماني بالمسيح (عليه الصَّلاة والسَّلام). وكردِّ فعلٍ على ذلك أخبرني أنَّ دينه يختلف تماماً عن ديني. واقتبس آيتيْن من القرآن الكريم. الأولى من سورة المائدة وهي الآية الثالثة الَّتي جاء فيها:

"...الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِينًا..."

 

والأخرى من سورة يوسف:

"مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَءَابَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ(40)"

 

هاتان الآيتان أصبنني بصدمةٍ قويَّة. بعد ذلك بدأت بملاحظة حياته. وكلَّ يومٍ كنَّا نتحدث كلٌّ عن دينه، حتى أصبحنا في النِّهاية صديقيْن حميميْن. وفي إحدى المناسبات ذهبنا إلى البلد (المنطقة التجاريَّة من جدَّة) لإرسال بعض الرسائل. وهناك حدث أن رأيت جمهرةً من أُناسٍ كثيرين يشاهدون فيلماً فيديويّاً لمناظرةٍ لأحد أفضل "المبشِّرين" لديّ. أخبرني صديقي المسلم بأنَّ هذا الَّذي أدعوه "بأفضل مبشِّرٍ لديّ" كان الشيخ أحمد ديدات، وهو داعيةٌ إسلاميٌّ مشهور. فأخبرته بأنَّ رهباننا في الوطن جعلونا نعتقد بأنَّه "مبشِّرٌ عظيمٌ" فقط؛ وأخفوا عنَّا شخصيَّته الحقيقيَّة بأنَّه داعيةٌ مسلم! ومهما كانت نيَّتهم، فإنَّها بالتأكيد كانت لإبعادنا عن معرفة الحقيقة. وعلى الرغم ممَّا عرفته، فقد اشتريت أشرطة الفيديو، وبعض الكتب أيضاً لأقرأ عن الإسلام.

 

وفي مكان إقامتنا، حدَّثني صديقي عن قصص الأنبياء. وكنت حقيقةً مُقتنعاً، لكنَّ كبريائي أبقاني بعيداً عن الإسلام.

 

وبعد مُضيِّ سبعة أشهر، حضر إليَّ في غرفتي صديقٌ آخر -وهو مسلمٌ من الهند- وأعطاني نسخةً من ترجمة معاني القرآن الكريم بالإنجليزيَّة. وفيما بعد قادني إلى البلد، ثم اصطحبني إلى المركز الإسلاميّ. قابلت هناك أحد الإخوة الفلبينيِّين؛ ودار بيننا نقاشٌ حول بعض المسائل الدينيَّة، وقام بربط ذلك بمقارنةٍ لحياته قبل الإسلام -حين كان مسيحيّاً- وبعده؛ ثم شرح لي بعض تعاليم الإسلام.

 

وفي تلك الليلة المباركة، في الثامن عشر من نيسان لعام 1998 -وبلا إكراه- دخلت الإسلام أخيراً. وأعلنت دخولي الإسلام بترديد الشهادتين.

 

 الله أكبر!

 

كنت سابقاً أتَّبع ديناً أعمى، أمَّا الآن فإنِّي أرى الحقيقة المطلقة بأنَّ الإسلام هو الطريقة الأفضل والكاملة للحياة المصمَّمة لكلِّ البشريَّة. الحمد لله ربِّ العالمين.

 

وأدعو الله تعالى أن يغفر لنا كلَّ جهلنا بخصوص الإسلام، وأن يهدينا سبحانه وتعالى صراطه المستقيم الَّذي يقود إلى الجنَّة. آمين.

 

8-عالم الرياضيات والمنصر السابق الدكتور الكندي جاري ميلر

 

أستاذ للرياضيات بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن اسمه جاري ميلر..كندي الأصل..كان قسيساً يدعو للنصرانية وبعد أن من الله عليه بالإسلام وقف يخطب في الناس قائلاً :

 

"أيها المسلمون,لو أدركتم فضل ما عندكم علي ما عند غيركم لحمدتم الله أن أنبتكم من أصلاب مسلمة ورباكم في محاضن المسلمين وأنشأكم علي هذا الدين العظيم, إن معني النبوة..معني الألوهية..معني الوحي..الرسالة..البعث..الحساب..كل تلك المعاني-عندكم وعند غيركم-فرق مابين السماء والأرض."

 

ثم يضيف قائلاً:" لقد جذبني لهذا الدين وضوح العقيدة ,ذلك الوضوح الذي لا أجده في عقيدة سواه"

 

وقصته مع الإسلام هي:

هذا أكبر داعى للنصرانية يعلن إسلامه ويتحول إلى أكبر داعي للإسلام فى كندا ، كان من المبشرين الناشطين جدا في الدعوة إلى النصرانية وأيضا هو من الذين لديهم علم غزير بالكتاب المقدس Bible ....

 

هذا الرجل يحب الرياضيات بشكل كبير.... لذلك يحب المنطق أو التسلسل المنطقي للأمور....

في أحد الأيام أراد أن يقرأ القرآن بقصد أن يجد فيه بعض الأخطاء التي تعزز موقفه عند دعوته للمسلمين للدين النصراني .... كان يتوقع أن يجد القرآن كتاب قديم مكتوب منذ 14 قرن يتكلم عن الصحراء وما إلى ذلك ..... لكنه ذهل مما وجده فيه .....بل واكتشف أن هذا الكتاب يحتوي على أشياء لا توجد في أي كتاب آخر في هذا العالم .......

 

كان يتوقع أن يجد بعض الأحداث العصيبة التي مرت على النبي محمد صلى الله عليه وسلم مثل وفاة زوجته خديجة رضي الله عنها أو وفاة بناته وأولاده...... لكنه لم يجد شيئا من ذلك ...... بل الذي جعله في حيرة من أمره انه وجد أن هناك سورة كاملة في القرآن تسمى سورة مريم وفيها تشريف لمريم عليها السلام لا يوجد مثيل له في كتب النصارى ولا في أناجيلهم !!

 

ولم يجد سورة باسم عائشة أو فاطمة رضي الله عنهن.

وكذلك وجد أن عيسى عليه السلام ذكر بالاسم 25 مرة في القرآن في حين أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم لم يذكر إلا 4 مرات فقط فزادت حيرة الرجل .

 

أخذ يقرأ القرآن بتمعن أكثر لعله يجد مأخذا عليه ....ولكنه صعق بآية عظيمة وعجيبة ألا وهي الآية رقم 82 في سورة النساء :

{ أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا }

 

يقول الدكتور ميلر عن هذه الآية : " من المبادئ العلمية المعروفة في الوقت الحاضر هو مبدأ إيجاد الأخطاء أو تقصي الأخطاء في النظريات إلى أن تثبت صحتها Falsification test...

والعجيب أن القرآن الكريم يدعوا المسلمين وغير المسلمين إلى إيجاد الأخطاء فيه ولن يجدوا."

 

يقول أيضا عن هذه الآية : لا يوجد مؤلف في العالم يمتلك الجرأة ويؤلف كتابا ثم يقول هذا الكتاب خالي من الأخطاء ولكن القرآن على العكس تماما يقول لك لا يوجد أخطاء بل ويعرض عليك أن تجد فيه أخطاء ولن تجد.

 

أيضا من الآيات التي وقف الدكتور ميلر عندها طويلا هي الآية رقم 30 من سورة الأنبياء :

{ أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شي حي أفلا يؤمنون }

 

يقول: "إن هذه الآية هي بالضبط موضوع البحث العلمي الذي حصل على جائزة نوبل في عام 1973 وكان عن نظرية الانفجار الكبير وهي تنص أن الكون الموجود هو نتيجة انفجار ضخم حدث منه الكون بما فيه من سماوات وكواكب. فالرتق هو الشي المتماسك في حين أن الفتق هو الشيء المتفكك فسبحان الله."

 

يقول الدكتور ميلر : " الآن نأتي إلى الشيء المذهل في أمر النبي محمد صلى الله عليه وسلم والادعاء بأن الشياطين هي التي تعينه والله تعالى يقول :

{ وما تنزلت به الشياطين ، وما ينبغي لهم وما يستطيعون ، إنهم عن السمع لمعزولون } [ الشعراء : الآية 210-212 ]

{ فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم } [ النحل : 98 ]

 

أرأيتم ؟؟ هل هذه طريقة الشيطان في كتابة أي كتاب ؟؟

يؤلف كتاب ثم يقول قبل أن تقرأ هذا الكتاب يجب عليك أن تتعوذ مني ؟؟

إن هذه الآيات من الأمور الإعجازية في هذا الكتاب المعجز ! وفيها رد منطقي لكل من قال بهذه الشبهة.

ومن القصص التي أبهرت الدكتور ميلر ويعتبرها من المعجزات هي قصة النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي لهب.....

 

يقول الدكتور ميلر :

"هذا الرجل أبو لهب كان يكره الإسلام كرها شديدا لدرجة أنه كان يتبع محمد صلى الله عليه وسلم أينما ذهب ليقلل من قيمة ما يقوله الرسول صلى الله عليه وسلم, إذا رأى الرسول يتكلم الي إناس غرباء فإنه ينتظر حتى ينتهي الرسول من كلامه ليذهب إليهم ثم يسألهم ماذا قال لكم محمد؟ لو قال لكم أبيض فهو أسود ولو قال لكم ليل فهو نهار والمقصد أنه يخالف أي شيء يقوله الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ويشكك الناس فيه .

 

وقبل 10 سنوات من وفاة أبي لهب نزلت سورة في القرآن أسمها سورة المسد , هذه السورة تقرر أن أبو لهب سوف يذهب إلى النار , أي بمعنى آخر أن أبو لهب لن يدخل الإسلام .

 

وخلال عشر سنوات كاملة كل ما كان على أبو لهب أن يفعله هو أن يأتي أمام الناس ويقول "محمد يقول أني لن أسلم و سوف أدخل النار ولكني أعلن الآن أني أريد أن أدخل في الإسلام وأصبح مسلما !! , الآن مارأيكم هل محمد صادق فيما يقول أم لا ؟ هل الوحي الذي يأتيه وحي إلهي؟ "

لكن أبو لهب لم يفعل ذلك تماما رغم أن كل أفعاله كانت هي مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم لكنه لم يخالفه في هذا الأمر .يعني القصة كأنها تقول أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأبي لهب أنت تكرهني وتريد أن تنهيني , حسنا لديك الفرصة أن تنقض كلامي !

 

لكنه لم يفعل خلال عشر سنوات كاملة!! لم يسلم ولم يتظاهر حتى بالإسلام !!

عشر سنوات كانت لديه الفرصة أن يهدم الإسلام بدقيقة واحدة ! ولكن لأن الكلام هذا ليس كلام محمد صلى الله عليه وسلم ولكنه وحي ممن يعلم الغيب ويعلم أن أبا لهب لن يسلم .

 

كيف لمحمد صلى الله عليه وسلم أن يعلم أن أبا لهب سوف يثبت ما في السورة إن لم يكن هذا وحيا من الله؟؟

كيف يكون واثقا خلال عشر سنوات كاملة أن ما لديه حق لو لم يكن يعلم أنه وحيا من الله؟؟

 

لكي يضع شخص هذا التحدي الخطير ليس له إلا معنى واحد هذا وحي من الله.

{ تبت يدا أبي لهب وتب

ما أغنى عنه ماله وما كسب

سيصلى نارا ذات لهب

وامرأته حمالة الحطب

في جيدها حبل من مسد }

 

يقول الدكتور ميلر عن آية أبهرته لاعجازها الغيبي :

من المعجزات الغيبية القرآنية هو التحدي للمستقبل بأشياء لايمكن أن يتنبأ بها الإنسان وهي خاضعة لنفس الاختبار السابق ألا وهو Falsification tests أو مبدأ إيجاد الأخطاء حتى تتبين صحة الشيء المراد اختباره وهنا سوف نرى ماذا قال القرآن عن علاقة المسلمين مع اليهود والنصارى.

القرآن يقول أن اليهود هم أشد الناس عداوة للمسلمين وهذا مستمر الى وقتنا الحاضر فأشد الناس عداوة للمسلمين هم اليهود.

 

ويكمل الدكتور ميلر :

أن هذا يعتبر تحدي عظيم ذلك أن اليهود لديهم الفرصة لهدم الإسلام بأمر بسيط ألا وهو أن يعاملوا المسلمين معاملة طيبة لبضع سنين ويقولون عندها :

ها نحن نعاملكم معاملة طيبة والقرآن يقول أننا أشد الناس عداوة لكم , إذن القرآن خطأ ! , ولكن هذا لم يحدث خلال 1400 سنة !! ولن يحدث لأن هذا الكلام نزل من الذي يعلم الغيب وليس إنسان.

 

يكمل الدكتور ميلر :

هل رأيتم أن الآية التي تتكلم عن عداوة اليهود للمسلمين تعتبر تحدي للعقول !!

{ لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون ، وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين ، وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين } [ المائدة : 82 - 84 ]

وعموما هذة الآية تنطبق على الد كتور ميلر حيث أنه من النصارى الذي عندما علم الحق آمن و دخل الإسلام وأصبح داعية له...

وفقه الله

 

يكمل الدكتور ميلر عن أسلوب فريد في القرآن أذهله لإعجازه :

بدون أدنى شك يوجد في القرآن توجه فريد ومذهل لا يوجد في أي مكان آخر , وذلك أن القرآن يعطيك معلومات معينة ويقول لك : لم تكن تعلمها من قبل.

 

مثل :

{ ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون } [ سورة آل عمران : آية 44 ]

{ تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين } [ سورة هود : آية 49 ]

{ ذلك من أنباء الغيب نوحيه اليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون } [ سورة يوسف : آية 102 ]

 

يكمل الدكتور ميلر:

لا يوجد كتاب مما يسمى بالكتب الدينية المقدسة يتكلم بهذا الأسلوب , كل الكتب الأخرى عبارة عن مجموعة من المعلومات التي تخبرك من أين أتت هذه المعلومات , على سبيل المثال الكتاب المقدس (الإنجيل المحرف) عندما يناقش قصص القدماء فهو يقول لك الملك فلان عاش هنا وهذا القائد قاتل هنا معركة معينة وشخص آخر كان له عدد كذا من الأبناء وأسماءهم فلان وفلان ..الخ .

ولكن هذا الكتاب (الإنجيل المحرف) دائما يخبرك إذا كنت تريد المزيد من المعلومات يمكنك أن تقرأ الكتاب الفلاني أوالكتاب الفلاني لأن هذه المعلومات أتت منه.

 

يكمل الدكتور جاري ميلر:

بعكس القرآن الذي يمد القارىء بالمعلومة ثم يقول لك هذه معلومة جديدة !! بل ويطلب منك أن تتأكد منها إن كنت مترددا في صحة القرآن بطريقة لا يمكن أن تكون من عقل بشر !!. والمذهل في الأمر هو أهل مكة في ذلك الوقت -أي وقت نزول هذه الآيات - ومرة بعد مرة كانوا يسمعونها ويسمعون التحدي بأن هذه معلومات جديدة لم يكن يعلمها محمد صلى الله عليه وسلم ولا قومه ,, بالرغم من ذلك لم يقولوا : هذا ليس جديدا بل نحن نعرفه , أبدا لم يحدث أن قالوا مثل ذلك ولم يقولوا : نحن نعلم من أين جاء محمد بهذه المعلومات , ايضا لم يحدث مثل هذا , ولكن الذي حدث أن أحدا لم يجرؤ على تكذيبه أو الرد عليه لأنها فعلا معلومات جديدة كليا !!! وليست من عقل بشر ولكنها من الله الذي يعلم الغيب في الماضي والحاضر والمستقبل"

 

جزاك الله خيرا يا دكتور ميلر على هذا التدبر الجميل لكتاب الله في زمن قل فيه التدبر.

 

وهذا هو مقاله كاملاً بعنوان "القرآن العظيم":

نبذة عن المؤلف: الدكتور جاري ميلر (عبد الأحد عمر) عالمٌ في الرياضيات واللاهوت المسيحيِّ ومُبشِّرٌ سابق. يُبيِّن كيف أنَّه بإمكاننا تأسيس إيمانٍ صحيحٍ بوضع معايير للحقيقة. ويصوِّر طريقةً مُبسَّطةً وفعالةً لإيجاد الاتجاه الصحيح أثناء البحث عن الحقّ.

وقد كان الدكتور ميلر في إحدى فترات حياته نشطاً في التبشير المسيحيّ، ولكنَّه بدأ مبكِّراً باكتشاف تناقضاتٍ كثيرةٍ في الإنجيل. وفي سنة 1978، حصل أن قرأ القرآن الكريم مُتوقِّعاً بأنَّه أيضاً سيحوي خليطاً من الحقيقة والزَّيْف. لكنَّه ذهل باكتشافه أنَّ رسالة القرآن الكريم كانت مُطابقةً لنفس جوهر الحقيقة الَّتي استخلصها من الإنجيل. فدخل الإسلام، ومنذئذ أصبح نشطاً بتقديمه للناس، بما في ذلك استخدام المذياع والبرامج التلفازيَّة. وهو أيضاً مؤلِّفٌ للعديد من المقالات والنشرات الإسلاميَّة، نذكر منها: "ردٌّ موجَزٌ على المسيحيَّة – وجهة نظر المسلم"، و "القرآن العظيم"، و "خواطر حول (براهين) أُلوهيَّة المسيح"، و "أُسُسُ عقيدة المسلم"، و "الفرق بين الإنجيل والقرآن"، و "المسيحيَّة التبشيريَّة – تحليلٌ لمسلم".

 

المقال:

وَصْفُ القرآن بالعظيم ليس شيئاً يفعله المسلمون فقط – وهم الَّذين يُقدِّرون هذا الكتاب حقَّ قَدْره، وهم به جِدُّ سعداء - بل إنَّ غير المسلمين أيضاً قد صنَّفوه ككتابٍ عظيم. وحقّاً، حتى أولئك الَّذين يكرهون الإسلام كُرهاً شديداً ما زالوا يدعونه عظيماً.

 

أحد الأشياء الَّتي تفاجئ غير المسلمين الَّذين يتفحَّصون هذا الكتاب عن قُرب، هو أنَّ القرآن لا يتكشَّف لهم كما كانوا يتوقَّعون. فما يفترضونه هو أنَّ بين أيديهم كتابٌ قديمٌ جاء من الصَّحراء العربيَّة قبل أربعة عشر قرناً، ويتوقَّعون بأنَّه بالضرورة يحمل نفس الانطباع –كتابٌ قديمٌ من الصَّحراء. لكنَّهم بعدئذٍ يجدون بأنَّه لا يشبه مُطلقاً ما كانوا يتوقَّعون.

 

بالإضافة إلى ذلك، واحدٌ من أوِّل الأشياء الَّتي يفترضها بعض النَّاس هو أنَّ هذا الكتاب القديم، ولأنَّه جاء من الصَّحراء، فإنَّه بالضَّرورة يتحدَّث عن الصَّحراء. حسناً, فالقرآن يتحدَّث عن الصَّحراء في بعض مجازاته اللغويَّة الَّتي تصف الصَّحراء؛ ولكنَّه أيضاً يتحدَّث عن البحر, ولقد صوَّر لنا كيف تكون العاصفة على سطح البحر.

 

قبل بضع سنوات، وصلتنا قصَّةٌ إلى تورونتو (كندا) عن رجلٍ كان بحَّاراً في الأسطول التجاريّ، ويكسب رزقه من عمله في البحر. أعطاه أحد المسلمين ترجمةً لمعاني القرآن الكريم ليقرأها، ولم يكن هذا البحَّار يعرف شيئاً عن تاريخ الإسلام، لكنَّه كان مهتمّاً بقراءة القرآن الكريم. وعندما أنهى قراءته، حمله وعاد به الى المسلم الَّذي أعطاه إياه, وسأله: "مُحمَّدٌ هذا (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم), أكان بحَّاراً؟" فقد كان الرجل مندهشاً من تلك الدِّقَّة الَّتي يصف بها القرآن العاصفة على سطح البحر. وعندما جاءه الردُّ: "لا، في الحقيقة لم يكن. فمحمَّدٌ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) عاش في الصَّحراء." لقد كان هذا كافياً له ليُعلن إسلامه على الفور. لقد كان مُتأثِّراً جدّاً بالوصف القرآنيِّ للعاصفة البحريَّة. لأنَّه بنفسه كان مرَّةً في خِضَمِّها, وكان لذلك يعلم أنَّه أيّاً من كان الَّذي كتب هذا الوصف, فإنَّه لا بُدَّ وقد عاش هذه العاصفة بنفسه. فالوصف الَّذي جاء في القرآن عن العاصفة لم يكن شيئاً يستطيع أن يكتبه أيُّ كاتبٍ من محض خياله. والموج الَّذي من فوقه موجٌ من فوقه سحاب لم يكن شيئاً يمكن لأحدهم تخيُّله والكتابة عنه، بل إنَّه وصفٌ كتبه من يعرف حقاًّ كيف تبدو العاصفة البحريَّة.

 

هذا مثلٌ واحدٌ على أنَّ القرآن ليس مرتبطاً بزمان أو مكان. ومن المؤكد أنَّ الإشارات العلميَّة الَّتي يُعبِّر عنها لا يمكن أن يكون أصلها من الصَّحراء قبل أربعة عشر قرناً مضت.

 

لقرونٍ عدَّةٍ قبل ظهور رسالة محمَّدٍ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم), كانت هناك نظريَّةٌ معروفةٌ عن الذرَّة وضعها الفيلسوف اليوناني ديموقريتوس. فهذا الفيلسوف والَّذين جاءوا من بعده افترضوا أنَّ المادَّة تتكوَّن من دقائق صغيرةٍ غير مرئيَّةٍ وغير قابلةٍ للانقسام تسمى الذرَّات. وكان العرب أيضاً قد أَلِفُوا هذا المفهوم, فكانت في الواقع كلمة "ذرَّة" في العربيَّة تعني أصغر جزءٍ كان معروفاً للإنسان.

 

أمَّا الآن فإنَّ العلم الحديث قد اكتشف بأنَّ هذه الوحدة الأصغر للمادَّة –وهي الذرَّة الَّتي تحمل نفس خصائص المادة الَّتي تنتمي إليها- يمكن تقسيمها إلى مُكوِّناتها. وهذه حقيقةٌ جديدةٌ تُعدُّ نتاجاً للتطوُّر في القرن الماضي. فمن المثير جدّاً للاهتمام أنَّ هذه المعلومة كانت قد وُثِّقت فعلاً في القرآن الكريم قبل ذلك بأربعة عشر قرناً، والَّذي يقول الله تعالى فيه:

" وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْءَانٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ " (يونس 61)

 

فبلا أدنى شك أنَّ مثل هذا التصريح لم يكن شيئاً مألوفاً حتَّى للعربيِّ في ذلك الوقت. فبالنسبة له كانت الذرَّة هي أصغر شيءٍ موجود. وهذا حقاًّ دليلٌ على أنَّ القرآن لم يعف عليه الزَّمن.

 

مثالٌ آخرٌ على ما يمكن أن يتوقَّع المرء إيجاده في "كتابٍ قديم" يتعرَّض لموضوع الصحة أو الطب, أنَّ ما فيه من المعلومات ستكون قديمةً وقد عفا عليها الزَّمن. مصادر تاريخيَّةٌ عديدةٌ تقول بأنَّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) أعطى نصائح بخصوص الصحة والنظافة, لكنَّ مُعظم هذه النصائح (الأحاديث الشريفة) لم تَرِد في القرآن. وللوهلة الأولى يبدو هذا لغير المسلمين إهمالاً لا يُمكن التهاون فيه. فهم لا يستطيعون أن يفهموا لماذا لم يُوحِ الله (سبحانه وتعالى) في القرآن مثل هذه المعلومات المفيدة. بعض المسلمين يحاولون توضيح غياب هذه المعلومات من القرآن بالحجَّة التالية: "على الرغم من أنَّ نصائح رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) كانت مناسبةً للوقت الَّذي عاش فيه, فإنَّ الله سبحانه وتعالى كان يعلم في حكمته اللامحدودة أنَّه سيحدث في الأزمان اللاحقة تطوُّراتٌ علميَّةٌ وطبيَّةٌ قد تجعل إرشادات النبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) تبدو وكأنَّها قد عفا عليها الزَّمن. فعندما تظهر الاكتشافات لاحقاً, من الممكن أن يقول النَّاس بأنَّها تتعارض مع ما قاله النبيُّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم). لذلك, وحيث إنَّ الله تعالى لم يكن أبداً لُيعطي لغير المسلمين أيَّ فرصةٍ ليدَّعوا بأنَّ القرآن يناقض نفسه، أو يناقض أقوال النبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم), فقد أوحى في القرآن المعلومات والأمثلة الَّتي تستطيع أن تصمد أمام كلِّ اختبارات الزَّمن."

 

على أيَّة حال, عندما يتفحَّص المرء الواقع الحقيقيَّ للقرآن الكريم، وبخصوص وجوده كوحيٍ من الله تعالى, فإنَّ المسألة كلَّها سرعان ما تظهر في منظورها المناسب. والخطأ في مثل حُجَّة غير المسلمين تلك يصبح واضحاً ومفهوماً. فلا بُدَّ أن يكون مفهوماً بأنَّ القرآن وحيٌ من الله تعالى, وبما أنَّه كذلك فإنَّ كلَّ المعلومات الواردة فيه ذات أصلٍ إلهيّ، وأنَّ الله تعالى قد أوحى به من ذاته سبحانه وتعالى، فهو كلامه سبحانه وتعالى الموجود من قبْل الخليقة, وهكذا فلا يمكن لشيءٍ فيه أن يُضاف أو يُحذف أو يُعدَّل. فالقرآن في جوهره كان موجوداً وكاملاً من قبْل خلق النبيِّ مُحمَّدٍ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم), لذلك لم يكن من الممكن أن يحوي أيّاً من كلمات أو نصائح النبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) الخاصَّة. وتضمين مثل هذه المعلومات كانت ستناقض الهدف الَّذي من أجله نزل القرآن, وتعرِّض مرجعيَّته للشُبْهة، وتجعله غير موثوقٍ به كوحيٍ من الله تعالى.

 

وبناءً على ذلك لم يكن هناك "وصفاتٌ علاجيَّةٌ بيتيَّةٌ" في القرآن يمكن أن يُدَّعى بأنَّها تقادمت مع مرور الزَّمن؛ ولم يتضمَّن وجهة نظر أيٍّ كان فيما يتعلَّق بالمنفعة الصحيَّة, أو أيِّ الطعام هو الأفضل للأكل, أو ما هو العلاج لهذا أو ذاك المرض. في الواقع, لقد ذكر القرآن شيئاً واحداً فقط له علاقة بالعلاج الطبيّ, وهذا لا يعارضه أحد, حيث يرشدنا الله تعالى أنَّ في العسل شفاءً للنَّاس، ولا أظنُّ أنَّ هناك من يمكنه أن يعارض ذلك!

 

إذا افترض أحد النَّاس بأنَّ القرآن الكريم من نتاج العقل البشري, فإنَّه سيتوقَّع أنَّه سيعكس ما كان يجول في عقل ذاك الإنسان الَّذي ألَّفه. وهناك حقاًّ بعض الموسوعات والكتب المختلفة الَّتي تدَّعي بأنَّ القرآن الكريم كان من نتاج هَلْوَساتٍ كان النبيُّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) يمرُّ بها. فإذا كانت هذه الادِّعاءات صحيحة -أي إذا كان القرآن الكريم فعلاً قد أُلِّفَ نتيجةً لبعض المشكلات النفسيَّة عند النبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)- فإنَّ الدَّليل على ذلك يجب أن يكون ظاهراً جليّاً فيه. فهل لمِثْل هذا الدَّليل وجود؟ ولكي نحدِّد وجود هذا الدَّليل من عدمه, فإنَّه يجب علينا أوَّلاً أن نتعرَّف على الأمور الَّتي كانت تدور في ذهنه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) في ذلك الوقت, وعندئذٍ يتمُّ البحث عن هذه الأفكار وانعكاساتها في القرآن الكريم.

 

من المعروف أنَّ حياة النبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) كانت صعبةً جدّاً. فكلُّ بناته (عليه وآله الصَّلاة والسَّلام) توفين قبله عدا واحدة, وكانت لديه (عليه وآله الصَّلاة والسَّلام) لسنواتٍ عديدة زوجٌ حبيبةٌ إلى قلبه، وكانت عنده من الأهميَّة بمكان (رضي الله عن أُمِّنا خديجة), وقد فُجِعَ بموتها في مرحلةٍ حرجةٍ من مراحل حياته. ويقيناً أنَّها كانت امرأةً حقّاً، وبكلِّ ما في الكلمة من معنى. لأنَّه (عليه وآله الصَّلاة والسَّلام) -وعندما جاءه الوحي لأوِّل مرَّة- ذهب إليها مسرعاً يرتعد خوفاً. من المؤكَّد أنَّنا -وحتَّى في أَيَّامنا هذه- لا يمكن أن نجد ببساطةٍ بين العرب من يقول: "لقد كنت خائفاً جدّاً لدرجة أنِّي ركضت هارباً إلى زوجي"، لأنَّ العرب ببساطةٍ ليسوا كذلك. ومع ذلك فإنَّ النبيَّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) كان يشعر براحة كافيةٍ مع زوجه لتكون لديه القُدْرة على فعل ذلك. هكذا كانت زوجه (عليه وآله الصَّلاة والسَّلام) امرأةً مؤثِّرةً وقويَّة (رضي الله عنها). ومع أنَّ هذه الأمثلة هي بعض ما كان في ذهن محمَّدٍ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) من أمور، إلَّا أنَّها كافية بقوَّتها لتُثبت هذه المسألة. فعلى الرغم من أنَّ هذه الأمور كان يجب أن تسود كغيرها، أو على الأقلِّ أن تُذكر في القرآن الكريم، إلَّا أنَّه لم يُذكر أيٌّ منها –فلم تُذكر وفاة أولاده، ولا وفاة زوجه ورفيقته الحبيبة، ولا وصف خوفه من الوحي؛ ذلك الخوف الَّذي تقاسمه مع زوجه بتلك الطريقة الغاية في الجمال؛ لم يُذكر شيئٌ من ذلك. مع أنَّ هذه الأمور لا بُدَّ وأن تكون قد جرحته، وأزعجته، وسبَّبت له الألم والحزن خلال مراحل حياته النفسيَّة (عليه وآله الصَّلاة والسَّلام).

 

إنَّ فهم القرآن الكريم بطريقةٍ علميَّةٍ حقيقيَّةٍ ممكنٌ للغاية، وذلك لأنَّ القرآن الكريم يقدِّم شيئاً لا تقدِّمه الكتب السماويَّة الأخرى خاصَّة أو الأديان الأخرى عامَّة. إنَّ في القرآن ما يطلبه العلماء. هناك الكثير في هذه الأيَّام ممَّن لديهم نظريَّاتٍ عن طريقة عمل الكون، إنَّهم في كلِّ مكان من حولنا, لكنَّ مجتمع أهل العلم لا يكلِّف نفسه حتَّى بالاستماع إليهم. وذلك لأنَّ المجتمع العلميَّ -وخلال القرن الماضي- وضع شرطاً لقبول مناقشة النظريَّات الجديدة، وهو ما يُسمَّى "اختبار الزَّيف(أو الخطأ)". فهم يقولون: "إن كانت لديك نظريَّة، فلا تزعجنا بها حتى تحضر لنا مع هذه النظريَّة طريقةً ما تُثبت إن كنت على صوابٍ أم على خطأ."

 

مثل هذا الاختبار كان بالتأكيد هو السَّبب الَّذي جعل العلماء يستمعون لآينشتاين في مطلع هذا القرن. لقد جاء بنظريَّةٍ جديدةٍ، وقال: "أنا أعتقد بأنَّ الكون يعمل بهذه الطَّريقة, وها هي ثلاث طُرُقٍ لتُثبت إنْ كنت مخطئاً!" بعدئذٍ وضع العلماء نظريَّته تحت الاختبار لمدَّة ستِّ سنوات, فنَجَحَتْ في اجتياز الاختبارات، وبالطُّرق الثَّلاث كلِّها. طبعاً, هذا لم يثبت أنَّه كان عظيماً, بل أثبت فقط أنَّه يستحقُّ أنْ يُستمع له, لأنَّه قال: "هذه هي نظريَّتي, وإنْ أردتم إثبات أنِّي مخطئٌ فافعلوا هذا أو جرِّبوا ذاك." وهذا هو بالضَّبط ما يقدِّمه القرآن الكريم -اختباراتٌ للزَّيف. بعض هذه الاختبارات أصبحت مفروغاً منها حيث إنَّها أثبتت صحَّتها, والبعض الآخر ما زال قائماً إلى يومنا هذا. إنَّ القرآن يشير أساساً إلى أنَّه إذا لم يكن هذا الكتاب هو ما يدَّعيه, فما عليكم إلَّا أن تفعلوا هذا أو ذاك لتثبتوا أنَّه مُزيَّف. وخلال ألفٍ وأربعمائة سنة مرَّت لم يستطع أحد بالطبع أن يفعل هذا أو ذاك فيثبت ذلك, لذلك ما زال يعتبر صحيحاً وأصيلاً.

 

أنا أقترح عليكم أنَّه إذا أراد أحدكم أن يدخل في مناظرةٍ حول الإسلام مع أحد غير المسلمين الَّذين يدَّعون أنَّ لديهم الحقيقة وأنَّكم على الباطل, أن يضع بدايةً كلَّ الحُجَجِ الأخرى جانباً وأن يسأله ما يلي: "هل يوجد أيُّ اختبارٍ للزَّيف في دينك؟ هل يوجد في دينك ما يمكن أن يُبيِّن أنَّكم على خطأ إن استطعت أنا أن أُثبت ذلك؛ هل يوجد أيُّ شيء؟! حسناً, أستطيع أن أعدك منذ الآن أنَّه لن يكون لدى أيٍّ منهم أيُّ اختبار أو إثبات؛ لا شيء ! وذلك لأنَّهم ليس لديهم أدنى فكرةٍ أنَّه يتوجَّب عليهم حين عرضهم ما يؤمنون به على النَّاس أن يقدِّموا لهم الفرصة لإثبات أنهَّم مخطئون إن استطاعوا. ومع هذا, فإنَّ الإسلام يقدِّم لهم ذلك. ومثالٌ رائعٌ على كيفيَّة تزويد القرآن الكريم الإنسان بفرصةٍ ليتثبَّت من أصالته، وأن (يثبت زيفه) جاء في السُّورة الرابعة. وأقول بصدق أنِّي كنت مندهشاً حين اكتشفت هذا التحدِّي لأوَّل مرَّة. يقول الله تعالى:

" أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا " (النساء 82)

 

فهذا يمثِّل تحدِّياً واضحاً لغير المسلمين، لأنَّه (وبطريقةٍ غير مباشرة) يدعوهم لإيجاد أيِّ خطأ. وحقَّاً -إن وضعنا الجديَّة أو الصُّعوبة في هذا التحدِّي جانباً- فإنَّ تقديم مثل هذا التحدِّي -في المقام الأوَّل- ليس حتَّى من طبيعة البشر، فهو يتعارض مع تكوين الشخصيَّة البشريَّة. فالإنسان لا يتقدَّم لاختبارٍ في المدرسة، ثمَّ بعد إنهاء الاختبار يكتب ملحوظةً للمُصَحِّحِ يقول فيها: "هذه الإجابات مثاليَّة، ولا يوجد فيها أيُّ خطأ. فجد خطأً واحداً إن استطعت!" فالإنسان ببساطةٍ لا يفعل ذلك. فذاك المعلِّم ما كان ليذوق طعم النَّوم حتى يجد خطأً ما! ومع ذلك فإنَّ هذه هي الطَّريقة الَّتي يصل بها القرآن إلى النَّاس.

 

موقفٌ آخرٌ مثيرٌ للدَّهشة يتكرَّر في القرآن كثيراً، ويتعامل مع نُصح القارئ. فالقرآن يُعْلِمُ القارئ عن حقائق مختلفةٍ ثمَّ يُعطيه النَّصيحة بأنَّه إن كان يريد أن يعرف أكثر عن هذا أو ذاك، أو إن كان يشكُّ فيما قيل، فما عليه عندئذٍ إلَّا أن يسأل أولئك الَّذين يملكون العلم والمعرفة. وهذا موقفٌ مدهش، فمن غير المعتاد أن يُؤلَّف كتابٌ من قِبَلِ إنسانٍ لا يملك أيَّ خلفيَّةٍ جغرافيَّة، أو نباتيَّة، أو أحيائيَّة.. إلخ، ويبحث فيه مثل هذه الموضوعات، وبعدئذٍ ينصح القارئ بأن يسأل أهل العلم إن كان في رَيْبٍ من شيء. يقول الله تعالى في القرآن العظيم:

" وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ " (الأنبياء 7)

 

في كلِّ عصرٍ من العصور السابقة –وحتَّى الآن- كان هناك علماء مسلمون يتتبَّعون إرشادات القرآن، وقد توصَّلوا إلى اكتشافاتٍ مذهلة. فإذا نظر أحدنا إلى أعمال العلماء المسلمين لعصورٍ عديدةٍ مضت، فسيجد أنَّهم كانوا ممتلئين بالاستشهادات القرآنيَّة. فأعمالهم تُبيِّن أنَّهم قاموا بالبحث في مكانٍ ما عن شيءٍ ما، وقد أكَّدوا أنَّ سبب بحثهم في مثل هذا المكان أو ذاك بالذَّات لأنَّ القرآن أرشدهم في ذلك الاتجاه. فمثلاً يشير القرآن إلى خلق الإنسان، ثمَّ يحثُّ القارئ على البحث في ذلك! فهو يعطي القارئ لمحةً أين يبحث، ويخبره بأنَّه سيجد معلوماتٍ أكثر عن ذلك. وهذه هي نوعيَّة الأشياء الَّتي يبدو أنَّ المسلمين اليوم يبحثونها بتوسُّع، والمثل التالي يصوِّر ذلك، مع مراعاة أنَّ ذلك لا يحدث باستمرار؛ وأنَّه لا يحدث دائماً بنفس الطريقة.

 

قبل عدَّة سنوات, قام بعض المسلمين من الرِّياض –في المملكة العربيَّة السعوديَّة- بجمع كلِّ الآيات القرآنيَّة الَّتي تتحدَّث عن علم الأَجِنَّة، وهو العلم الَّذي يدرس مراحل نموِّ الجنين في الرَّحم؛ ثمَّ قالوا: "هذا ما يقوله القرآن الكريم. فهل هو حقّ؟" في الحقيقة، لقد أخذوا بنصيحة القرآن الكريم: "فاسألوا أهل الذِّكر إن كنتم لا تعلمون". وحصل أن اختاروا أستاذاً جامعيّاً في علم الأجنَّة من جامعة تورونتو في كندا، ولم يكن مسلماً. هذا الأستاذ يُدعى كيث موور, وهو مؤلِّفٌ للعديد من الكتب في علم الأجنَّة، ويُعدُّ من الخبراء العالميِّين المُبرِّزين في هذا المجال. وجَّهوا له الدَّعوة إلى الرِّياض, ثمَّ قالوا له: "هذا ما يقوله القرآن الكريم فيما يخصُّ تخصُّصَكم. فهل هو صحيح؟" ماذا تستطيع أن تخبرنا عن ذلك؟" وأثناء إقامته في الرِّياض, قدَّموا له كلَّ المساعدة الَّتي احتاجها في الترجمة وكلَّ العون الَّذي كان يطلبه. لقد كان مذهولاً جدّاً بما وجد بحيث إنَّه غيَّر بعض النُّصوص في كتبه. في الواقع, قام في الطبعة الثانية لكتابه (قبل أن نولد), وفي الطبعة الثانية من (تاريخ علم الأجنَّة) بإضافة بعض المواد الَّتي لم تكن موجودة في الطبعة الأولى, وذلك لما وجده في القرآن الكريم. وحقّاً فإنَّ هذا يُصوِّر بوضوحٍ أن القرآن الكريم سابقٌ لزمانه, وأنَّ أولئك الَّذين يؤمنون به يعرفون ما لا يعرفه الآخرون.

 

لقد كان من دواعي سروري أنِّي أجريت لقاءً تلفازيّاً مع الدكتور كيث موور, وتحدَّثنا مُطوَّلاً حول هذا الموضوع, وكان ذلك بالاستعانة بالصور التوضيحيَّة وغيرها. وقد ذكر بأنَّ بعض الأشياء الَّتي ذكرها القرآن الكريم عن نموِّ الإنسان لم تكن معروفةً إلى ما قبل ثلاثين عاماً. لقد ذكر في الواقع موضوعاً مُعيَّناً بشكل خاص, وهو وصف القرآن الكريم للإنسان "بالعلقة" في إحدى مراحل نموِّه, وأنَّ هذا الوصف كان جديداً بالنسبة إليه, ولكنَّه عندما تفحَّص الأمر وجده حقيقة, وهكذا أضافه إلى كتابه. لقد قال: "لم يخطر ببالي ذلك أبداً من قبل". ولهذا فقد ذهب إلى قسم علم الحيوان وطلب صورةً للعلقة. وعندما وجد أنَّها تشبه الجنين تماماً في هذه المرحلة من النموّ, قرَّر أن يضع الصورتين في أحد كتبه (صورة الجنين وصورة العلقة).

 

بعد ذلك قام الدكتور موور أيضاً بتأليف كتابٍ عن علم الأجنَّة السريريِّ, وعندما نشر هذه المعلومات في تورونتو سبَّبت ضجَّةً كبيرةً في كلِّ أنحاء كندا. لقد كانت في بعض الصُّحف على الصَّفحات الأولى وفي جميع أنحاء كندا, وبعض العناوين الرئيسيَّة كانت شديدة الطَّرافة. فمثلاً, كان أحد العناوين الرئيسيَّة يقول: "شيءٌ مدهشٌ وُجِدَ في كتابٍ قديم!" ويبدو واضحاً من هذا المثل أنَّ النَّاس لم يفهموا بوضوحٍ حول ماذا كانت كلُّ تلك الضجَّة. وأحد الأمور الَّتي حدثت حقّاً أنَّ أحد الصحفيين سأل الدكتور موور: "ألا تعتقد أنَّ العرب ربَّما كانوا يعرفون هذه المعلومات عن هذه الأشياء، أي عن وصف الجنين، وعن شكله وكيف يتغيَّر وينمو؟ فربَّما لم يكن هناك علماء, ولكنَّهم ربَّما قاموا بشيءٍ من التشريح الوحشيِّ على طريقتهم – أي قاموا بتقطيع النَّاس وتفحُّص هذه الأشياء."

 

فأشار له الدكتور على الفور بأنَّه نسي شيئاً في غاية الأهميَّة, وهو أنَّ كلَّ صور الجنين الَّتي عُرضت في الفيلم قد جاءت من صورٍ أُخِذت عن طريق المجهر؛ وأضاف قائلاً: "ليست المسألة هي إنْ كان أحد النَّاس قد حاول اكتشاف علم الأجنَّة قبل أربعة عشر قرناً مضت, ولكنَّها في أنَّه لو حاول ذلك فإنَّه لم يكن باستطاعته رؤية شيءٍ على الإطلاق!"

 

فكلُّ ما يصفه القرآن الكريم عن شكل الجنين هو عندما يكون صغيراً جدّاً ولا يُرى بالعين المجرَّدة, لذا فالمرء بحاجةٍ إلى مجهرٍ ليرى ذلك. إلَّا أنَّ مثل هذه الآلة لم تُكتشف إلَّا قبل أكثر من مائتي عامٍ بقليل. وأضاف الدكتور موور ساخراً: "ربَّما كان لدى أحدهم -قبل أربعة عشر قرناً مضت- مجهراً سرِّيّاً, فقام بعمل هذه الأبحاث، ولم يرتكب أثناء ذلك أيَّ خطأٍ يُذكر، ثمَّ علَّم محمَّداً (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ذلك بطريقةٍ ما, وأقنعه بأن يضع هذه المعلومات في كتابه؛ وبعدئذٍ حطَّم مجهره، واحتفظ بسرِّه للأبد. فهل أنت تصدِّق ذلك؟! يجب عليك حقّاً ألَّا تفعل، حتَّى تحضر دليلاً للإثبات, لأنَّ مثل هذه النظريَّة ما هي إلَّا سخافة!"

 

وعندما سُئِل الدكتور موور: "كيف تفسِّر إذاً وجود مثل هذه المعلومات في القرآن؟" كان ردُّه: "لم يكن هذا ممكناً إلَّا بوحيٍ من الله (سبحانه وتعالى)!"

 

ومع أنَّ المثل المذكور سابقاً عن بحث الإنسان في معلوماتٍ مُحتواةٍ في القرآن الكريم قام به عالمٌ غير مسلم, إلَّا أنَّه يعتبر صحيحاً, وذلك لأنَّ هذا الرَّجل واحدٌ من أهل الذِّكر في هذا المجال. فلو ادَّعى شخصٌ عاديٌّ بأنَّ ما يقوله القرآن حول علم الأجنَّة صحيح، لما كان لزاماً علينا قبول كلامه. على أيَّة حال فإنَّ المركز المرموق والاحترام والتقدير الَّذي يكنُّه المرء للعلماء تجعل الإنسان يفترض تلقائيّاً صحَّة النتائج الَّتي يتوصَّلون اليها نتيجة البحث في موضوعٍ ما. وهذا ما دفع أحد زملاء الدكتور موور -يُدْعى مارشال جونسون, ويعمل بشكلٍ مُكثَّفٍ في مجال علم الجيولوجيا (علم طبقات الأرض) في جامعة تورونتو- لكي يصبح مُهتمّاً جدّاً بالقرآن الكريم, لأنَّ الحقائق الَّتي ذكرها عن علم الأجنَّة كانت دقيقة. ولذلك سأل المسلمين أن يجمعوا له كلَّ شيءٍ في القرآن الكريم ممَّا له علاقة بتخصُّصه. ومرَّةً أخرى كان النَّاس مندهشين جدّاً من النتائج!

 

إنَّ عدداً كبيراً من الموضوعات مذكورٌ في القرآن الكريم, ممَّا يتطلَّب بالتأكيد وقتاً طويلاً لتفصيل كلِّ موضوعٍ على حدة. فيكفي من أجل الهدف من هذا النِّقاش أن أقول بأنَّ القرآن الكريم يضع تصريحاتٍ واضحةٍ ودقيقةٍ حول موضوعاتٍ متنوِّعةٍ، وأثناء ذلك ينصح القارئ بالتثبُّت من صحَّتها بالبحث عند العلماء. وكلُّ ما صُوِّر في القرآن أثبت صحَّته بوضوح.

 

وبلا شك, هناك أمرٌ في القرآن الكريم لا نجده في أيِّ كتابٍ آخر!

 

فمن المثير للاهتمام أنَّ القرآن الكريم حين يزوِّد القارئ بالمعلومات, فإنَّه كثيراً ما يخبره بأنَّه لم يكن يعلم ذلك من قبل.

 

 (كقوله تعالى في سورة النِّساء : "وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا(113)." وقوله تعالى في سورة البقرة: "كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ ءَايَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ(151) ." )

 

وطبعاً لا يوجد أيُّ كتابٍ مقدَّسٍ يقوم بتقديم مثل هذا الزَّعم. فكلُّ الكتب المقدَّسة والمخطوطات القديمة الَّتي يملكها النَّاس تحوي بالفعل معلوماتٍ كثيرة, ولكنَّها تذكر دوماً من أين جاءت تلك المعلومات. فمثلاً, عندما يناقش الإنجيل التاريخ القديم, فإنَّه يذكر بأنَّ هذا الملك عاش في المنطقة الفلانيَّة, وأنَّ ذاك خاض المعركة الفلانيَّة, وأنَّ الآخر كان له أبناء كثيرون.. إلخ. وهو دائماً ينصُّ على أنَّك إنْ أردت الحصول على المزيد من المعلومات, فما عليك إلَّا أن تقرأ الكتاب الفلاني أو العلَّاني، لأنَّه من هناك جاءت المعلومات. وباختلافٍ كبيرٍ عن هذا الأسلوب, فإنَّ القرآن الكريم يزوِّد القارئ بالمعلومات, ثمَّ يقول له إنَّ هذه المعلومات شيءٌ جديدٌ لم يكن يعرفه أحدٌ حين نزوله. وطبعاً كان هناك دائماً دعوةٌ للبحث في هذه المعلومات, للتأكُّد من صحَّتها وأصالتها (إنَّها وحيٌ من الله تعالى).

 

ومن المثير للدَّهشة أنَّ مثل هذا الطَّرْح لم يستطع أبداً أنْ يتحدَّاه أحدٌ من غير المسلمين قبل أربعة عشر قرناً مضت. فالواقع أنَّ أهل مكَّة الَّذين كانوا يكرهون المسلمين كرهاً شديداً, وكانوا يستمعون لهذا الوحي المرَّة تلو المرَّة وهو يدَّعي بأنَّ ما يسمعونه شيءٌ جديدٌ لم يعرفوه من قبل, لم يستطع أحدٌ منهم أن يرفع صوته قائلاً: "لا, ليس هذا بجديد. فنحن نعلم من أين جاء محمَّدٌ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) بهذه المعلومات، فقد تعلَّمناها في المدرسة!"

 

إنَّهم لم يستطيعوا أبداً تحدِّي أصالة القرآن الكريم, لأنَّه فِعْلاً كان شيئاً جديداً!

 

ويجب أن نشدِّد هنا على أنَّ القرآن الكريم دقيقٌ بخصوص كلِّ الأمور, وأنَّ هذه الدقَّة هي حقّاً واحدة من خصائص الوحي الإلهي. فمثلاً, دليل التلفون دقيقٌ في معلوماته, لكنَّه ليس وحياً. المشكل الحقيقيُّ هو أنَّ المرء يجب أن يُقِيْم الدَّليل على مصدر المعلومات القرآنيَّة. والتّأكُّد من ذلك من واجب القارئ. فلا يستطيع المرء أن ينكر صحَّة القرآن الكريم -هكذا ببساطة- دون دليلٍ مقنع. طبعاً إنْ وجد أحدُهم خطأً فيه, فإنَّ له الحقَّ أن يقضي بعدم صحَّته، وهذا بالضَّبط ما يشجِّع عليه القرآن الكريم.

 

في إحدى المرَّات جاءني رجلٌ بعد أن أنهيت محاضرةً ألقيتها في جنوب إفريقيا. لقد كان غاضباً جدّاً لما قلتهُ, ولذلك ادَّعى قائلاً: "سأذهب إلى بيتي الليلة ولا بُدَّ أن أجد خطأً ما في القرآن." فأجبته طبعاً: "أُهنِّئُك. فهذا هو الشيء الأكثر ذكاءً فيما قلته." بالتأكيد, هذا هو الموقف الَّذي يجب أن يتَّخذه المسلمون مع أولئك الَّذين يشكُّون في أصالة القرآن الكريم, لأنَّ القرآن الكريم نفسه يُقدِّم هذا التحدِّي. فحتماً بعد القبول بهذا التحدِّي، والاكتشاف بأنَّ القرآن حقّ, فإنَّهم سيؤمنون به لأنَّهم لم يستطيعوا أن يجرِّدوه من صحَّته؛ بل سيكتسب احترامهم لأنَّهم تأكَّدوا من أصالته بأنفسهم. والحقيقة الأساسيَّة الَّتي يجب أن تُكرَّر كثيراً بخصوص التثبّت من أصالة القرآن الكريم, هي أنَّ عدم قدرة أحدهم على توضيح أيِّ ظاهرةٍ بنفسه لا يلزمه بقبول وجود هذه الظاهرة، أو قبول تفسير شخصٍ آخر لها. وهذا يعني أنَّ عدم قدرة الإنسان على تفسير شيءٍ ما لا يعني أنَّه يجب بالضرورة أن يقبل بتفسير الآخرين. ومع ذلك فإنَّ رفض الإنسان لتفسير الآخرين يعود بالعبء عليه نفسه ليجد جواباً مُقْنِعاً. هذه النظريَّة العامَّة تنطبق على العديد من المفاهيم في الحياة, ولكنَّها تتناسب بشكلٍ كبيرٍ مع التحدِّي القرآني, لأنَّها تشكِّل صعوبةً كبيرةً لمن يقول: "أنا لا أومن بالقرآن". ففي اللحظة الَّتي يرفضه فيها, يجد الإنسان نفسه ملزماً بأن يجد التفسير لذلك بنفسه, لأنَّه يشعر بأنَّ تفسيرات الآخرين ليست صحيحة.

 

في الحقيقة، وخاصَّةً في إحدى الآيات القرآنيَّة الَّتي اعتدت أن أرى أنَّها تُرجمت خطأً إلى الإنجليزيَّة, يذكر الله سبحانه وتعالى رجلاً كان يسمع آيات الله تتلى عليه, إلاَّ أنَّه كان يغادر دون أن يتفحص حقيقة ما سمع. أي أنَّ الإنسان –بطريقةٍ أم بأخرى- مذنبٌ إذا سمع شيئاً ولم يبحثه أو يتفحَّصه ليرى إن كان صحيحاً.

 

وهذا جاء في قوله تعالى في سورة لقمان الآية/ 7 :" وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ ءَايَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ".

 

فالإنسان يُفترض منه أن يُعْمِل عقله بكلِّ المعلومات الَّتي ترده، وأن يقرِّر ما هو الهراء منها ليُلْقِيه بعيداً، وما هو المفيد ليحتفظ به ويستفيد منه فيما بعد. فلا يستطيع المرء أن يترك الأمور على اختلاف أنواعها تزدحم في ذهنه هكذا فقط. بل يجب أن توضع الأمور في فئاتها المناسبة وأن تُفهم حسب ذلك. فمثلاً، إذا كانت المعلومات ما تزال في حاجةٍ إلى تأمُّلٍ، فعندئذٍ يجب أن يُميِّز المرء إن كانت أقرب إلى الصواب، أم هي إلى الخطأ أقرب. ولكن إذا كانت كلُّ الحقائق قد عُرِضَت, فإنَّه عندئذٍ يجب عليه أن يُقرِّر تماماً بين هذين الأمرين. وحتَّى عندما لا يكون المرء إيجابياًّ بخصوص أصالة المعلومة, إلاَّ أنَّه ما زال مطلوباً منه أن يُعْمِل عقله في كلِّ المعلومات ليعترف بأنَّه فقط لا يعرف ذلك على وجه الدقَّة. ومع أنَّ هذه النقطة الأخيرة تبدو وكأنَّها غير ذات قيمةٍ واقعياًّ، إلاَّ أنَّها مفيدةٌ للوصول إلى نتيجةٍ إيجابيَّةٍ فيما بعد، وذلك لأنَّها تُرغم المرء على الأقلِّ بأن يتعرَّف ويبحث ويعيد النظر في الحقائق. وهذا التآلف مع المعلومات سيزوِّد الإنسان "بالحد الفاصل" عندما تتمُّ الاكتشافات المستقبليَّة وتُعرض معلوماتٌ إضافيَّة. فالشيء المهمُّ هو أن يتعامل المرء مع الحقائق، لا أن ينبذها -هكذا وببساطة- وراء ظهره بدافع العاطفة أو اللامبالاة.

 

اليقين الحقيقيُّ بخصوص صحَّة القرآن الكريم واضحٌ من خلال الثِّقة الَّتي تُهَيْمِنُ خلال آياته، وهي الثَّقة الَّتي تأتي بطريقةٍ مختلفة، ألا وهي "استنزاف البدائل". فالقرآن الكريم أساساً يؤكِّد أنَّه وحيٌ يوحى, فإن كان هناك من لا يصدِّق ذلك, فليثبت له مصدراً آخر! وهذا هو التحدِّي. لدينا هنا كتابٌ مصنوعٌ من الورق والحبر، فمن أين أتى؟ وهو يقول أنَّه وحيٌ إلهي؛ فإن لم يكن كذلك، فما هو مصدره؟ والحقيقة المثيرة هي أنَّه لا يوجد أحدٌ على الإطلاق لديه تفسيرٌ يصلح ليناقض ما جاء في القرآن الكريم. في الواقع, لقد تمَّ استنزاف كلِّ البدائل. وحيث إنَّ هذا الفكر قد أُسِّس من قِبَلِ غير المسلمين فقد اختزلت هذه البدائل لتصبح مقصورةً على مدرستين فكريَّتيْن تبادليّاً، مُصرِّين في ذلك على إحداهما أو على الأخرى. فمن ناحيةٍ توجد مجموعةٌ كبيرةٌ من الَّذين بحثوا في القرآن الكريم لمئات السنين والَّذين يدَّعون (والعياذ بالله): "نحن متأكِّدين من شيءٍ واحد, وهو أن ذلك الرَّجل محمَّداً (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) كان يتوهَّم أنَّه نبي. فقد كان مجنوناً!" فهم مقتنعون بأنَّ محمَّداً (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) كان مخدوعاً بطريقةٍ ما. ومن ناحيةٍ أخرى فإنَّ هناك مجموعة أخرى تدَّعي: "بوجود هذا الدَّليل (الجنون)، فإنَّنا يقيناً نعرف شيئاً واحداً، وهو أنَّ ذلك الرَّجل محمَّداً (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) كان كاذباً!" وما هو مدعاةٌ للسخرية أنَّ هاتين المجموعتين لا يبدو أبداً أنَّهما تجتمعان دون تناقض. وفي الواقع، فإنَّ العديد من المراجع الَّتي كُتبت عن الإسلام عادةً تدَّعي النظريَّتين معاً. فهم يبدأون بالقول بأنَّ محمَّداً (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) كان مجنوناً، وينتهون بأنَّه كان كاذباً. ويبدو أنَّهم لا يدركون أبداً بأنَّه (عليه وآله الصَّلاة والسَّلام) لم يكن بالإمكان أن يكون الاثنين معاً! لكنَّ الكثير من المراجع في العادة تذكر هذيْن الأمريْن معاً.

 

فمثلاً، إذا جُنَّ أحد النَّاس وظنَّ حقاًّ أنَّه نبيّ, فإنَّه لن يقضي الليل بطوله مُخطِّطاً: "كيف سأخدع النَّاس غداً ليظنُّوا أنِّي نبيّ؟" فلأنَّه يؤمن فعلاً بأنَّه نبيّ, هو واثقٌ بأنَّ الإجابة على أيِّ تساؤلٍ ستأتيه عن طريق الوحي. وفي واقع الأمر، فإنَّ جزءاً كبيراً من القرآن الكريم نزل على شكل ردود على تساؤلات. فكان أحدهم يسأل رسول الله محمَّداً (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) سؤالاً، فينزل الوحي بالإجابة. ومؤكَّدٌ أنَّ أحد النَّاس إن كان مجنوناً ويعتقد بأنَّ ملاكاً سوف يلقي الإجابة في أُذُنه، فإنَّه عندئذ حين يسأله أحد النَّاس سؤالاً سيظنُّ بأنَّ ملاكاً سيأتيه بالإجابة. فلأنَّه مجنون، هو حقّاً سيظنُّ ذلك. ولن يطلب من السائل الانتظار بُرهةً، ثم يذهب إلى أصحابه ليسألهم: "هل يعرف أيٌّ منكم الإجابة؟" فهذا النَّوع من السُّلوك هو ميزةٌ لغير المؤمن بأنَّه نبي. ما يرفض قبوله غير المسلمين هو أنَّ الإنسان لا يستطيع أن يكون الاثنين معاً, فهو إمَّا أن يكون متوهِّماً وإمَّا كاذباً. وبطريقةٍ أخرى، فهو إمَّا أن يكون واحداً منهما أو لا يكون كلاهما؛ وقطعاً لا يمكنه أن يكون الاثنين معاً! ويجب التأكيد هنا على حقيقة أنَّ هاتين الصفتين –بديهيّاً- هما سمتان شخصيّتان تبادليَّتان. (أي حيث توجد إحداهما فلا وجود للأخرى).

 

والحوار التالي هو مثالٌ جيّدٌ لهذه الحلقة المفرغة الَّتي يدور فيها غير المسلمين بشكلٍ دائم. فإذا سألت أحدهم: "ما هو مصدر القرآن الكريم؟" فإنَّه سيجيبك بأنَّ مصدره هو عقل رجلٍ كان مصاباً بالجنون. عندئذ تسأله: "إن كان قد جاء به من رأسه, فمن أين حصل على المعلومات المحتواة فيه؟ فمن المؤكَّد أنَّ القرآن الكريم يذكر أشياء كثيرة لم يكن العرب يعرفونها." ولكي يستطيع أن يفسر الحقيقة الَّتي قدَّمتها له فإنَّه سيغيِّر موقفه ويقول: "حسناً, ربَّما لم يكن مجنوناً، بل ربَّما كان بعض الأعاجم يعطونه تلك المعلومات. وهكذا كذب على النَّاس وأخبرهم بأنَّه كان نبيّاً." عند هذه النقطة يجب أن تسأله: "إذا كان محمدٌ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) كاذباً, فمن أين حصل على ثقته بنفسه؟ ولماذا كان يتصرَّف وكأنَّه كان نبيّاً فِعلاً؟" وفي النِّهاية -وعندما يكون قد حُشر في الزاوية- فإنَّه كالقطَّة سيندفع فجأةً وبسرعةٍ بأوَّل ردٍّ يخطر على باله -ومتناسياً أنَّه قبل ذلك استثنى ذاك الاحتمال- ليدَّعي: "حسناً, ربَّما لم يكن كاذباً. ربَّما كان مجنوناً وحقّاً كان يعتقد أنَّه نبيّ." وهكذا يبدأ دورانه في الحلقة المفرغة من جديد.

 

 ( وهذا هو ديدن الكفَّار منذ بعثة النبيِّ عليه وآله الصَّلاة والسَّلام, حيث ذكر الله تعالى ذلك في سورة الدُّخان: " أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ(13)ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ(14) " ).

 

كما ذُكر سابقاً, فإنَّ القرآن الكريم يحوي معلوماتٍ كثيرةٍ لا يمكن نِسبة مصدرها لأحد إلاَّ لله تعالى. فمثلاً، من أخبر محمَّداً (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) عن سدِّ ذي القرنين، وهو مكانٌ يبعد مئات الأميال إلى الشمال؟ ومن أخبره عن علم الأجنَّة؟ وعندما يُواجَه النَّاس بمثل هذه الحقائق، فإنَّهم –حتَّى وإن كانوا لا يريدون نسبتها إلى مصدرٍ إلهيٍّ- يصنِّفونها تلقائيّاً حسب فرضيَّة أنَّ أحد النَّاس قدَّمها لمحمَّدٍ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، وهو بدوره قام باستخدامها لخداع النَّاس. ومع ذلك فإنَّ هذه النظريَّة يمكن دحضها بسؤالٍ بسيط: "إذا كان محمَّدٌ كاذباً (حاشاه عليه وآله الصَّلاة والسَّلام)، فمن أين له بكلِّ تلك الثِّقة؟ ولماذا قال للنَّاس مُواجهةً ما لم يستطع أحدٌ منهم قوله أبداً؟ فمثل تلك الثِّقة اعتمدت بالكليَّة على اقتناعه التامِّ بأنَّ ما يأتيه هو وحيٌ إلهيّ.

 

ومثال على ذلك أنَّه كان للنبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) عمّاً يُكنَّى بأبي لهب. وكان هذا الرَّجل يكره الإسلام لدرجة أنَّه كان يتبع النبيَّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) أينما ذهب ليُكذِّبه. فكان إذا رأى النبيَّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) يتحدَّث إلى أحد الغرباء, كان ينتظر حتى يتفرَّقا, ثمَّ يذهب إلى ذاك الغريب ويسأله: "ماذا كان يقول لك؟ هل قال أبيض؟ لا، بل هو أسود. هل قال نهار؟ لا، بل هو ليل." وقد كان مُثابراً في قوله عكس ما يسمعه من محمَّدٍ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) أو من المسلمين الآخرين. ورغم ذلك، وقبل عشر سنواتٍ تقريباً من موت أبي لهب، نزلت سورةٌ قصيرةٌ من القرآن الكريم بخصوصه بالذَّات، وتقول بأنَّه سوف يكون من أهل النَّار. وبتعبيرٍ آخر، فإنَّ هذه السُّورة تؤكِّد بأنَّه لن يدخل الإسلام أبداً، وبذلك سيكون محكوماً بالخلود في النَّار. ولمدَّة عشر سنواتٍ بعد نزول هذه السُّورة، كان كلُّ ما عليه قوله هو: "لقد سمعت بأنَّه قد نزل على محمَّدٍ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) بأنِّي لن أتغيَّر أبداً –أي أنِّي لن أُصبح مسلماً وسأدخل النَّار. حسناً، أنا أُريد دخول الإسلام الآن. فهل يعجبكم ذلك؟ وماذا تظنُّون بوحيكم الآن؟" ولكنَّه لم يفعل ذلك أبداً، مع أنَّ هذا السُّلوك كان بالضَّبط هو المُتوقَّع من شخصٍ مثله كان دوماً يسعى لمعارضة الإسلام. لقد كان هذا وكأنَّ محمَّداً (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) قد قال له: "أنت تكرهني وتريد القضاء عليّ؟ هاك، قل هذه الكلمات (الشَّهادتيْن)، ويتمُّ لك ذلك. هيَّا، قُلْها!" لكنَّ أبا لهب -ولعشر سنواتٍ كاملة- لم يقلها أبداً! حتَّى أنَّه لم يصبح من المتعاطفين مع الإسلام. فكيف كان بإمكان النبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) أن يعلم يقيناً بأنَّ أبا لهب سيحقِّق النبوءة القرآنيَّة إنْ لم يكن حقّاً رسول الله تعالى؟! كيف كان بإمكانه (عليه وآله الصَّلاة والسَّلام) أن يمتلك مثل تلك الثِّقة ليتحدَّى أحد ألدِّ أعداء الإسلام -ولمدَّة عشر سنواتٍ- مانِحاً إيَّاه الفرصة لتكذيب زعمه النبوَّة؟! والجواب الوحيد هو أنَّه (عليه وآله الصَّلاة والسَّلام) كان رسول الله تعالى. فَلِكَيْ يضع نفسه أمام هذا التحدِّي الخطير, لا بُدَّ وأنَّه كان على ثقةٍ تامَّةٍ بأنَّ ما يأتيه هو وحيٌ من الله تعالى.

 

مثلٌ آخرٌ على الثِّقه الَّتي كان يمتلكها محمَّدٌ بنبوَّته (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) –وما يتبعها من حمايةٍ إلهيَّةٍ له ولرسالته- هو خروجه من مكَّة واختباؤه في الغار مع أبي بكرٍ الصدِّيق (رضي الله عنه) خلال هجرته إلى المدينة المنوَّرة. فقد رآى كلاهما بوضوحٍ أنَّ الكفَّار قد جاءوا لقتلهما، وأصاب الخوف أبا بكرٍ الصدِّيق (رضي الله عنه). ومن المؤكَّد أنَّ محمَّداً (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) لو كان كاذباً، أو مُزوِّراً، أو أحد الَّذين يحاولون خداع النَّاس ليؤمنوا بنبوَّته، لكان من المتوقَّع أن يقول لصاحبه في مثل هذه الظروف: "يا أبا بكر، انظر إن كان بإمكانك إيجاد طريقٍ للخروج من هذا الغار." أو: "اخفض نفسك في ذلك الرُّكن هناك، والزم الهدوء." إلاَّ أنَّ ما قاله حقيقةً يصوِّر بوضوحٍ ثقته المطلقة. فقد قال (عليه وآله الصَّلاة والسَّلام) لصاحبه (رضي الله عنه): "لا تحزن، إنَّ الله معنا."

 

والآن، إذا كان أحدهم يدَّعي المعرفة بأنَّه (عليه وآله الصَّلاة والسَّلام) كان يخدع النَّاس، فمن أين له (عليه وآله الصَّلاة والسَّلام) أن يقف هذا الموقف النوعيّ؟ فواقعيّاً، هذا النوع من التفكير لا يُعدُّ على الإطلاق سمةً للكذَّاب أو المُزيِّف. لهذا –وكما ذُكر سابقاً- فغير المسلمين يظلُّون يدورون ويدورون في الدائرة المُفرغة ذاتها، باحثين عن طريقٍ للخروج منها، لكن بالعثور على طريقةٍ يفسِّرون بها الاكتشافات في القرآن الكريم دون نسبتها إلى مصدرها المناسب. فمن ناحية، كلُّهم -في أيام الاثنين والأربعاء والجمعة- يقولون: "كان الرَّجل كذَّاباً"؛ ومن ناحيةٍ أخرى - في أيام الثلاثاء والخميس والسبت- يقولون لك: "لقد كان مجنوناً". وما يرفضون قبوله هو أنَّ الإنسان لا يمكن أن يكون الاثنين معاً؛ ومع ذلك فإنَّهم يحتاجون الحُجَّتَيْن معاً لتفسير ما جاء في القرآن الكريم.

 

قبل سبع سنواتٍ تقريباً, زارني أحد الرُّهبان في بيتي. وفي تلك الحجرة الَّتي كنَّا نجلس فيها كان هناك قرآنٌ على الطاولة ووجهه إلى الأسفل, فلم يعرف الرَّاهب أيّ كتابٍ هو. وفي منتصف نقاشنا, أشرت إلى الكتاب قائلاً: "أنا لديَّ الثِّقة بهذا الكتاب". فأجاب ناظراً إلى القرآن الكريم من غير أن يعرف ما هو: "حسناً, وأنا أقول لك بأنَّه إن كان ذلك الكتاب ليس الإنجيل، فقد أُلِّف من قِبَلِ الإنسان!" فكان ردِّي عليه: "دعني أُحدِّثك شيئاً عمَّا جاء في هذا الكتاب." وخلال ثلاثٍ أو أربع دقائق فقط ذكرت له ما يتعلَّق ببضعةٍ من الأمور الموجودة في القرآن الكريم. وبعد تلك الثَّلاث أو الأربع دقائق فقط غيَّر موقفه تماماً وقال: "أنت على حقّ. فالإنسان لم يؤلِّف هذا الكتاب، بل الشيطان هو الَّذي ألَّفه!" طبعاً، اتِّخاذ مثل هذا الموقف هو غايةٌ في سوء الطَّالع، وذلك لأسبابٍ عدَّة، منها أنَّه عُذْرٌ مُتسرِّعٌ ورخيصٌ كمَخْرَجٍ فوريٍّ من ذلك الوضع المزعج. وفيما يتعلَّق بهذا الأمر، هناك قصَّةٌ مشهورةٌ في الإنجيل تذكر كيف أنَّ بعض اليهود في أحد الأيَّام كانوا شهوداً حين أقام يسوع (عليه الصَّلاة والسَّلام) رجلاً من الموت. كان ذلك الرَّجل ميتاً لأربعة أيَّام، وعندما وصل يسوع، قال ببساطة: "انهض!" فقام الرَّجل ومشى في طريقه. وحين رأوا هذا المشهد، قال بعض الشُّهود من اليهود مُنْكِرِيْن: "هذا هو الشيطان. الشيطان هو الَّذي ساعده!" وهذه القصَّة تُكرَّر الآن كثيراً في الكنائس في جميع أنحاء العالم، والنَّاس يذرفون دموعاً غزيرةً لسماعها قائلين: "آه، لو كنت هناك، فما كنت لأكون غبيّاً مثل اليهود!" ويا للسخرية، فمع هذا فإنَّ هؤلاء النَّاس يفعلون ما فعله اليهود تماماً حين تعرض عليهم -في ثلاثٍ أو أربع دقائق- جزءًا صغيراً فقط من القرآن الكريم؛ وكلُّ ما يستطيعون قوله هو: "آه، الشيطان فعل ذلك. الشيطان هو الَّذي ألَّف هذا الكتاب!" لأنَّهم حقّاً يكونون قد حُشِروا في الزَّاوية؛ وحين لا يملكون أيَّ إجابةٍ مقبولة، فإنَّهم يلتجئون إلى أسرع وأرخص حُجَّةٍ مُتاحةٍ لهم.

 

ومثلٌ آخرٌ على استخدام النَّاس لهذا الموقف الضَّعيف يمكن إيجاده في تفسير كفَّار مكَّة لمصدر رسالة محمَّدٍ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم). فقد اعتادوا القول بأنَّ الشيطان هو الَّذي يُملي عليه القرآن! لكنَّ القرآن –كعادته مع أيِّ حُجَّةٍ لهم- يقدِّم الإجابة على ذلك: فيقول الله تعالى في سورة التكوير: "وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ(25)فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ(26)إِنْ هُوَ إلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ(27) " .

 

وهكذا فإنَّ القرآن يعطي ردّاً جليّاً على هذا الادِّعاء. في الواقع، هناك العديد من البراهين في القرآن الكريم جاءت كردٍّ على الادِّعاء بأنَّ الشيطان هو الَّذي أملى على محمَّدٍ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) رسالته. فمثلاً في سورة الشعراء:

 

"وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ(210)وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ(211)إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (212)".

 

وفي مكانٍ آخرٍ في القرآن الكريم يعلِّمنا الله تعالى: "فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْءَانَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ(98) سورة النحل".

 

والآن، فهل بهذه الطريقة يكتب الشيطان كتاباً؟ وهل يقول للإنسان: "قبل أن تقرأ كتابي, اسأل الله أن يحفظك منِّي."؟ فما هذا إلاَّ افتراءٌ كبير، كبيرٌ جدّاً. طبعاً، إنَّ بإمكان الإنسان أن يكتب شيئاً كهذا، ولكن هل كان للشيطان أن يفعل ذلك؟ الكثير من غير المسلمين يقولون بوضوحٍ أنَّهم لا يستطيعون الوصول إلى استنتاجٍ بخصوص هذا الموضوع. فهم من ناحيةٍ يدَّعون بأنَّ الشيطان لم يكن ليفعل مثل هذا الشيء، وحتى لو استطاع فإنَّ الله تعالى لم يكن ليسمح له بذلك، ويؤمنون أيضاً بأنَّ الشيطان أقلَّ بكثيرٍ من الله تعالى. ومن ناحيةٍ أخرى -وفي جوهر ما يطرحونه- هم يزعمون بأنَّ الشيطان يمكنه ربَّما فعل أيِّ شيءٍ يستطيعه الله تعالى. وكنتيجةٍ على ذلك، عندما ينظرون إلى القرآن الكريم -وحتَّى عند انذهالهم بعَظَمَتِهِ- فإنَّهم ما زالوا يصرُّون: "الشيطان هو الَّذي فعل ذلك!" الحمد لله أن ليس للمسلمين مثل هذا الموقف. فمع أنَّ الشيطان يمتلك بعض القدرات، إلاَّ أنَّ الفرق بينها وبين قدرات الله تعالى كبير جداًّ. ولا يكون المسلم مسلماً إلاَّ إذا آمن بذلك. ومن البديهيِّ أيضاً -حتَّى لدى غير المسلمين- أنَّ الشيطان يمكنه بسهولة أن يقع في الأخطاء، ولذا فمن المتوقَّع أن يناقض نفسه إن حصل وكتب كتاباً. ولهذا فإنَّ الله تعالى يقول في سورة النِّساء: "أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا(82)".

 

وبالإضافة إلى الحجج الَّتي يقدِّمها غير المسلمين في محاولاتهم التافهة لتبرير وجود الآيات الَّتي لا يفهمونها في القرآن الكريم، فإنَّ هناك هجوماً آخر غالباً ما يظهر كمزيجٍ من النظريَّتين معاً، وهو أنَّ محمَّداً (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) كان مجنوناً وكاذباً. فأولئك النَّاس يقترحون أساساً بأنَّه (عليه وآله الصَّلاة والسَّلام) كان مخبولاً، وكنتيجةٍ لتوهُّمه فقد كذب وضلَّل النَّاس. ولهذا اسمٌ في علم النّفس، وهو الميثومانيا Mythomania (المسُّ الأساطيريّ: وهو نزوعٌ مفرطٌ أو غير سويٍّ إلى الكذب والمبالغة.). وهو يعني ببساطة أنَّ الإنسان يكذب، ثمَّ يصدِّق ما كذب. هذا هو ما يدَّعيه غير المسلمين عمَّا كان يعاني منه محمَّدٌ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم). إلاَّ أن المشكل الوحيد الَّذي يواجهونه بخصوص هذه الحُجَّة هو أنَّ الإنسان الَّذي يعاني من الميثومانيا لا يمكنه التعامل مع الحقائق مطلقاً، مع أنَّ القرآن الكريم كلّه قائمٌ تماماً على الحقائق. فكلُّ ما فيه يمكن بحثه والتثبُّت من صحَّته. في حين أنَّ الحقائق تعتبر مشكلاً كبيراً للمصاب بالميثومانيا. فعندما يحاول الطبيب النفسيُّ علاج أحد الَّذين يعانون من هذا المرض، فإنَّه باستمرارٍ يواجهه بالحقائق. فمثلاً، إذا كان أحدهم مريضاً نفسيّاً ويدَّعي قائلاً: "أنا ملك إنجلترا"، فإنَّ الطبيب النفسيَّ لا يقول له: "لا، أنت لست كذلك، بل أنت مجنون!" فالطبيب لا يفعل ذلك، بل بدلاً من ذلك يواجهه ببعض الحقائق قائلاً: "حسناً، أنت تقول بأنَّك ملك إنجلترا، لذا قل لي أين هي الملكة اليوم؟ وأين رئيس وزرائك؟ وأين هم حرَّاسك؟" وعندما يكون لدى هذا المريض مشكلٌ في محاولته التعامل مع هذه الأسئلة، سيحاول إيجاد الأعذار: "آه....الملكة....ذهبت إلى بيت أُمِّها. آه....رئيس الوزراء.....حسناً، لقد مات." وفي النِّهاية سيشفى من مرضه تماماً لأنَّه لم يستطع التعامل مع الحقائق. فإذا استمرَّ الطبيب النفسيُّ بمواجهته بحقائق كافية، فإنَّه بالنِّهاية سيواجه الواقع قائلاً: "أظنُّ بأنِّي لست ملك إنجلترا". والقرآن يصل إلى كلِّ إنسانٍ يقرأه بنفس الطريقة الَّتي يعالج بها الطبيب النفسيُّ مريضه بالميثومانيا. يقول الله تعالى في سورة يونس: "يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ(57)".

 

للوهلة الأولى قد يبدو هذا التصريح غامضاً، ولكنَّ المعنى لهذه الآية يتَّضح عندما يُنْظر إليها على ضوء المثل السابق. فالإنسان يُشفى أساساً من أوهامه بقراءة القرآن الكريم. فهو في جوهره علاجٌ يشفي الضَّالِّين تماماً وذلك بمواجهتهم بالحقائق. ومن المواقف السائدة في القرآن الكريم هو ما يخاطب به النَّاس بأنَّهم يقولون كذا وكذا حول شيء ما؛ فماذا عن هذا أو ذاك؟ وكيف يستطيعون قول ذلك وهم يعلمون؟ وهكذا. (كقوله تعالى في سورة البقرة: "الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلاََ تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ(22)")

 

إنَّه يرغم المرء على تدبُّر الحقيقة وما له علاقة بها، في حين يقوم في نفس الوقت بعلاجه من أوهامه، وذلك لأنَّ الحقائق المقدَّمة من الله تعالى للبشريَّة يمكن توضيحها وفصلها عن كلِّ النظريَّات والحُجج الرَّديئة. إنه نوعٌ خاصٌّ من التعامل مع الأشياء –مواجهة النَّاس بالحقائق- بحيث أسر اهتمام الكثير من غير المسلمين.

 

وفي الواقع، يوجد مرجعٌ مثيرٌ للاهتمام بخصوص هذا الموضوع في الموسوعة الكاثوليكيَّة الجديدة. ففي فقرةٍ بخصوص موضوع القرآن الكريم تُصرِّح الكنيسة الكاثوليكيَّة: "عبر القرون الماضية قُدِّمت نظرياتٌ كثيرةٌ عن أصل القرآن... واليوم لا يوجد إنسانٌ عاقل يقبل بأيٍّ منها."! فها هي الكنيسة الكاثوليكيَّة المٌعمِّرَةِ, والماثلة هنا وهناك لقرونٍ عديدة, تنكر تلك المواقف التافهة لدحض أصل القرآن الكريم. القرآن الكريم بالطبع يمثِّل مشكلاً للكنيسة الكاثوليكيَّة, فهو يصرِّح بأنَّه وحيٌ من الله تعالى, ولذلك هم يدرسونه. ومؤكَّدٌ أنَّهم يودُّون إيجاد برهانٍ على أنَّه ليس كذلك، ولكنَّهم لا يستطيعون. فهم لا يستطيعون إيجاد تفسيرٍ مقبول. لكنَّهم على الأقلِّ شرفاء في بحثهم، ولا يقبلون بأوَّل تفسيرٍ غير مدعومٍ بدليلٍ يأتي إليهم. فالكنيسة تصرِّح بأنَّه -وخلال أربعة عشر قرناً- لم يُقدَّم بعد تفسيرٌ معقول. فهي بذلك على الأقلِّ تعترف بأنَّ القرآن الكريم ليس موضوعاً سهل الإنكار. لكن هناك بالتأكيد آخرون ممَّن هم أقلُّ شرفاً حين يقولون على عَجَل: "آه، لقد جاء القرآن من هنا، أو من هناك." وهم حتَّى لا يتفحَّصون مصداقية ما يصرِّحون به في معظم الأحيان. وطبعاً، فإنَّ مثل هذا التصريح من الكنيسة الكاثوليكيَّة يسبِّب للمسيحيِّ العاديِّ شيئاً من الصُّعوبة. وذلك لأنَّه ربَّما يكون لديه أفكاره الخاصَّة عن أصل القرآن، ولكنَّه كعضوٍ في الكنيسة لا يستطيع التصرُّف حقّاً حسب نظريَّته. فمثل هذا التصرُّف قد يكون مناقضاً للخضوع والإخلاص والولاء الَّذي تطلبه الكنيسة. فبموجب عضويَّته في الكنيسة، يتوَّجب عليه قبول ما تعلنه الكنيسة الكاثوليكيَّة دون سؤال، وأن يجعل تعاليمها كجزءٍ من روتينه اليوميّ. لذا، فجوهرياًّ إذا كانت الكنيسة الكاثوليكيَّة في عمومها تقول: "لا تستمعوا لتلك التقارير غير المؤكَّدة حول القرآن"، فما يمكن أن يقال حول وجهة النَّظر الإسلاميَّة؟ فحتَّى غير المسلمين يعترفون بأنَّ هناك شيئاً في القرآن –شيئاً كان يجب أن يكون معترفاً به- إذاً فلماذا يكون النَّاس عنيدين، وهجوميِّين، وعدائيِّين، حين يقدِّم المسلمون نفس النظريَّة؟ هذا بالتأكيد شيءٌ لأولي الألباب ليتأمَّلوا فيه –شيءٌ للتأمُّل لأولئك الَّذين يعقلون!

قام حديثاً واحدٌ من المفكِّرين القياديِّين في الكنيسة الكاثوليكيَّة –يدعى هانز- بدراسة القرآن الكريم، وأدلى برأيه فيما قرأ. هذا الرَّجل أثبت حضوره القوي على الساحة ولزمنٍ طويل، وهو ذو منزلةٍ رفيعةٍ في الكنيسة الكاثوليكيَّة، وبعد تفحُّص دقيقٍ نشر ما وجده مستنتجاً: "إنَّ الله قد كلَّم الإنسان من خلال الإنسان، محمَّدٍ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)". ومرَّةً أخرى يأتي هذا الاستنتاج من مصدرٍ غير مسلمٍ –وهو مفكِّرٌ قياديٌّ كبيرٌ في الكنيسة الكاثوليكيَّة نفسها! أنا لا أظنُّ بأنَّ البابا يتَّفق معه، ولكن على الرغم من ذلك فإنَّ رأي مثل هذه الشخصيَّة العامَّة ذائعة الصِّيْت وذات السُّمعة الحسنة يجب أن يكون له وزنه في الدِّفاع عن الموقف الإسلاميّ. ويتوَّجب التَّصفيق له لمواجهته الواقع بأنَّ القرآن الكريم ليس شيئاً يمكن أن يلقى بعيداً بسهولة، وبأنَّ الله تعالى حقّاً هو مصدر كلماته.

يتَّضح من كلِّ ما تقدَّم سابقاً بأنَّ كلَّ البدائل قد استنزفت، ولذا فالفرصة لإيجاد إمكانيَّةٍ أخرى لإنكار القرآن الكريم لا وجود لها. لأنَّ هذا الكتاب إن لم يكن وحياً، فإنَّه عندئذٍ خداع؛ وإن كان خداعاً، فإنَّ على الإنسان أن يتساءل: "فما هو مصدره؟ وفي أيِّ جزءٍ منه يقوم بخداعنا؟" وطبعاً فإنَّ الإجابات الصحيحة على هذه التساؤلات تُلقي الضَّوء على أصالة القرآن الكريم، وتُسكت ادعاءات الكفَّار اللاذعة وغير القائمة على دليل.

ومن المؤكَّد أنَّه إذا استمرَّ أولئك النَّاس بالإصرار على أنَّ القرآن الكريم ما هو إلاَّ خداع, فإنَّه يتوَّجب عليهم تقديم البرهان الَّذي يدعم ادعاءهم. فعبء إيجاد البرهان يقع على عاتقهم، وليس على عاتقنا! فلا يُفترض من أحدهم أبداً أن يقدِّم نظريَّةً بدون حقائق كافية تعزِّزها؛ لذا فأنا أقول لهم: "أروني خداعاً واحداً! أروني أين يخدعني القرآن الكريم! أروني ذلك، وإن لم تفعلوا، فلا تقولوا لي بأنَّه خداع!

 

9-القس المصري السابق فوزي صبحي سمعان

 

فوزي المهدي .. الداعية الذي كان قساً..

 

خلف أسوار الكاتدرائية كنيسة (ماري جرجس) في مدينة الزقازيق المصرية ، وفي جو اختلطت فيه رهبة الظلمة بإتقان من أضواء خافتة مع حالة التيه التي تحرص عليها تهويمات الرهبان.

 

خلف هذه الأسوار جلس الفتى فوزي صبحي سمعان السيسي خادم الكنيسة الذي يحلم بأن يحصل على رتبة (القس) يستمع إلى القس الأكبر.

 

كان الفتى شارداً مع حلمه تتنازعه بعض أفكار ثقيلة لشبح في سماء فكره كلما انتبه لما يسمع وارتفع صوت قسيس الكنيسة مناجياً المسيح: (يا ابن الله يا مخلصنا وإلهنا).

 

وانتفض الفتى طارداً الفكرة ، لكنها تلح عليه مرة أخرى ، لاذ بحلمه وشرود يطارده هارباً مما يسمع.

 

ويعلو صوت القسيس مرة أخرى كان الفتى هو المقصود .. انتزعه من حلمه فرك عينيه وانتبه .. والتمرد يكبر .. يواجه نفسه بالحقيقة التي طالما نجح في الفرار منها: لقد قالوا لنا إن المسيح صلب وعذب ولم يكن قادراً على تخليص نفسه من الصلب والتعذيب المبرح .. فكيف يتأتى له أن يخلصنا؟!

 

وتتمدد علامة الاستفهام الكبيرة .. الفتى يشعر بالخطر .. الصراع يملأ رأسه وجعاً .. يقف موليّاً ظهره للقسيس والكنيسة.

 

كم كبير من المخدوعين.

الفتى هو فوزي صبحي سمعان السيسي الذي كبر وتحقق حلمه وأصبح قساً .. لكن ظلت الفكرة تطارده وتفقده طعم الحلم الذي طالما انتظره .. وأخيراً تتغلب عليه ليصبح الشيخ فوزي صبحي عبد الرحمن المهدي الداعية ومدرس التربية الإسلامية في مدارس التربية الإسلامية في مدارس منارات جدة .. لكن لماذا وكيف حدث ذلك؟ ..

 

خرج الفتى من الكنيسة غاضباً من تمرده ، هلعاً من أفكاره الأكثر تمرداً .. لكن ماذا بيده؟ ..

 

كان لابد أن يُسكت هذا التمرد في داخله .. بدأ يبحث في الأديان الأخرى وآخرها الإسلام .. واستمع إلى القرآن فاهتز له قلبه .. ونظر إلى المسلمين فوجد نظافة ووضوءاً وطهارة وصلاة وركوعاً وسجوداً .. واستدار ينظر إلى حاله فلا طهارة ولا اغتسال ولا وضوء.

 

لم يكن ذلك كافياً لإحداث الانقلاب كما أنه لم يرحمه من مطاردة الفكرة.

 

وعاد الفتى إلى الكنيسة .. القس يرفع صوته متحدثاً عن أسرار الكنيسة السبعة .. همت الضحكة أن تفلت من فمه فأسكتها بصعوبة شديدة وهو يتمتم: أية أسرار يتحدثون عنها؟!

 

ومرة أخرى داهمته فكرة التمرد .. أية أسرار سبعة؟ وبدأ يستعرضها:

 

السر الأول: هو (التعميد) بئر داخل الكنيسة صلى عليها الصلاة فحلت بها الروح القدس .. الطفل يغمس فيها فيصبح نصرانياً!! هكذا؟!! وصرخت به فكرة التمرد .. أنه يولد فيجد أبويه نصرانيين فماذا يحتاج بعد ذلك ليكون نصرانياً (بعد أن أسلم الفتى وجد الإجابة في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه ينصّرانه أو يمجّسانه أو يهوّدانه)).

 

السر الثاني: هو (الاعتراف) إذ يجلس النصراني المذنب أمام نصراني أكبر منه رتبة (قس - مطران – بطريك – (بابا)) ليعترف أمامه بكل شيء ويضع الأخير عصاه على رأسه ويتمتم ببعض الكلمات مانحاً إياه صك الغفران .. ويخبر الفتى حواراً دار بينه وبين طبيب نصراني: القس يغفر لي فمن يغفر للقس؟ .. قال: البابا. ومن يغفر للبابا؟ قال: الله .. فلماذا لا نعترف لله مباشرة ليغفر لنا؟! لماذا نفضح أنفسنا أمام الناس وقد سترنا الله؟!..

 

السر الثالث: هو الشرب من دم المسيح هكذا!! نعم .. يأتي النصراني بالنبيذ ليصلي عليه القس فيتحول إلى دم مبارك هو دم المسيح ليشربه النصراني بِوَلَهٍ وخشوع!! ويتساءل الفتى: إذا كان المسيح مخلصنا فلماذا نشرب من دمه؟ فنحن نشرب من دم عدونا فقط ، الفتى جرب مرة وأحضر النبيذ للقس فصلى عليه وشربه فلم يجده قد تحول ..

 

السر الرابع: هو أكل لحم المسيح ، قرابين تصنع من الدقيق ليرتل عليها القس فتتحول إلى جزء من جسد المسيح يأكلونه!! هكذا أيضاً!! وتساءلت النفس المتمردة .. لماذا نأكل لحم المسيح وهو إلهنا وأبونا؟!

 

الأسرار الثلاثة الأخيرة هي الأب والابن والروح القدس .. ويقولون تثليث في توحيد .. كهنوت وتهاويم وتناقض لا يقبله عقل!!

 

وهرع الفتى مرة أخرى ساخطاً على الكنيسة والقس ، وأشياء كثيرة يناقضها المنطق.

 

ووسط الزحام دس الفتى جسده ونفسه المتمردة .. رويداً رويداً .. تناسى الأفكار التي تطارده .. وخجلاً قادته قدماه إلى الكنيسة .. وأحس هذه المرة بانقباض فقد أرهقه الكر والفر مع نفسه .. وعلا صوت القس ومعه جموع المخدوعين بقانون الإيمان كما يقولون:

 

(بالحقيقة نؤمن) .. بـ (إله واحد) .. الأب .. ضابط الكل .. خالق السماء والأرض .. ما يرى وما لا يرى .. نؤمن برب واحد يسوع المسيح .. ابن الله الوحيد .. المولود من الأب قبل كل الدهور .. نور من نور .. إله حق .. إله حق .. مولود غير مخلوق .. تساوى الأب في الجوهر .. هذا الذي كان به كل شيء .. هذا الذي كان من أجلنا – نحن البشر – نزل من السماء فتجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء .. وصلب وقبر عنا .. وقام من بين الأموات في اليوم الثالث كما في الكتاب .. و .. و ..

 

وانسحب الفتى من بين الجموع وهو ممسك برأسه يمنعه من الانفجار ..

 

يقولون: إله واحد ، ثم يقولون المسيح ابن الله الوحيد؟! .. كيف وكل مولود مخلوق!! يقولون: صلب وقبر من أجلنا .. فكيف يليق بالرب خالق الكون أن يصلبه ويعذبه أحد خلقه؟!

 

ومضى الفتى إلى الجيش ليؤدي الخدمة العسكرية .. وفي الإسماعيلية دخل الكنيسة للمرة الأخيرة .. مضى إلى الهيكل مباشرة حيث لا يرى من بداخله .. سجد مثلما يسجد المسلم .. بكى بحرقة وابتهل إلى رب الخلق أجمعين الواحد الأحد – قال: ربي .. أنت تعلم أنني في حيرة شديدة فإن كانت النصرانية هي الحق فاجعل روح القدس تحل عليّ الآن .. وإن كان الإسلام هو الحق فأدخله في قلبي.

 

يقول الفتى: ولم أرفع رأسي من السجود إلا وصدري قد انشرح للإسلام.

 

وقبل أن يخرج من الكنيسة عرج على القس وألقى عليه بعض التساؤلات .. لم يجبه ولكن سأل: هل تقرأ القرآن؟ قال الفتى: نعم .. اكفهر وجه القس وصرخ: نحن فقط الذين نقرأ القرآن أما أنت والعامة فلا .. وخرج ولم يعد للكنيسة ، والآن يقول الفتى: كنت رجلاً تائهاً في لهيب الفيافي يقتلني العطش ولا ألقى سوى السراب وإذا بي أجد ماء زمزم .. عشت تسع سنوات بين نفسي المتمردة والهروب منها .. قارنت بين الإسلام والنصرانية .. بين الأناجيل والقرآن وكانت الغلبة للحقيقة والنور ..

 

اجتمع إخوة الفتى وتشاوروا و اتخذوا القرار ووضعوا طريقة التنفيذ .. لا بد أن يقتل لقد عصى الرب وأهان الكنيسة .. وجاء من يخبره ويشير عليه .. وهرب الفتى من قريته .. قلبه على إخوته .. يدعو لهم بالهداية ..

 

ويدق باب شقته دقاً خفيفاً .. يفتح يجد أخته أمامه .. بكت وأخبرته بما أفرحه .. ستشهر إسلامها .. وبكى وأخبرها أنه طالما سهر الليالي يبتهل إلى الله أن يلحقها به .. ولأن الأم قد ماتت منذ أمد بعيد فقد ظلا يتوسلان إلى الله أن يهدي قلب أبيهما إلى الإيمان.

 

ولم يمض وقت طويل حتى جاء ذلك اليوم .. عاد من عمله .. وجد أخته خلف الباب .. أسرعت إليه .. قالت له: أبوك في انتظارك .. جاء ساعياً إلى نور الحق .. انكب على رأسه ويديه يقبلهما .. ويشهر الأب إسلامه ليموت على الإسلام بعد عام ونصف.

 

وفارس آخر يلحق بالركب .. عبد الله المهدي .. أسلم وجاء ليكمل نصف دينه .. ولم يجد أمامه سوى أخت (الفتى) ليقترن بها ويسافرا معاً حيث يعمل إماماً لأحد المساجد في الدوحة.

 

وهذا مقال نشرته عنه مجلة الفيصل في عددها الصادر في أكتوبر 1992-بتصرف-:

كانت أمنية "فوزي صبحي سمعان" منذ صغره أن يصبح قساً يقَبِّل الناس يده و يعترفون له بخطاياهم لعله يمنحهم صك الغفران و يغسل ذنوبهم بسماعه الاعتراف ... و لذا كان يقف منذ طفولته المبكرة خلف قس كنيسة "ماري جرجس" بمدينة الزقازيق ـ عاصمة محافظة الشرقية بمصر ـ يتلقى منه العلم الكنسي ، و قد أسعد والديه بأنه سيكون خادماً للكنيسة ليشب نصرانياً صالحاً طبقاً لاعتقادهما .

 

و لم يخالف الفتى رغبة والديه في أن يكون خادماً للكنيسة يسير وراء القس حاملاً كأس النبيذ الكبيرة أو دم المسيح كما يدعون ليسقي رواد الكنيسة و ينال بركات القس .

 

لم يكن أحد يدري أن هذا الفتى الذي يعدونه ليصير قساً سوف يأتي يوم يكون له شأن آخر غير الذي أرادوه له ، فيتغير مسار حياته ليصبح داعية إسلامياً .

 

يذكر فوزي أنه برغم إخلاصه في خدمة الكنيسة فإنه كانت تؤرقه ما يسمونها "أسرار الكنيسة السبعة" و هي : التعميد ، و الاعتراف ، و شرب النبيذ ، و أكل لحم المسيح ، و الأب ، و الابن ، و الروح القدس ... و أنه طالما أخذ يفكر ملياً في فكرة الفداء أو صلب المسيح ـ عليه السلام ـ افتداءً لخطايا البشرية كما يزعم قسس النصارى و أحبارهم ، و أنه برغم سنه الغضة فإن عقله كان قد نضج بدرجة تكفي لأن يتشكك في صحة حادثة الصلب المزعومة ، و هي أحد الأركان الرئيسية في عقيدة النصارى المحرفة ، ذلك أنه عجز عن أن يجد تبريراً واحداً منطقياً لفكرة فداء خطايا البشرية ، فالعدل و المنطق السليم يقولان بأن لا تزر وازرة وزر أخرى ، فليس من العدل أو المنطق أن يُعَذَّب شخص لذنوب ارتكبها غيره .. ثم لماذا يفعل المسيح عليه السلام ذلك بنفسه إذا كان هو الله و ابن الله كما يزعمون؟! .. ألم يكن بإمكانه أن يغفر تلك الخطايا بدلاً من القبول بوضعه معلقاً على الصليب؟!

 

ثم كيف يقبل إله ـ كما يزعمون ـ أن يصلبه عبد من عباده ، أليس في هذا مجافاة للمنطق و تقليلاً بل و امتهاناً لقيمة ذلك افله الذي يعبدونه من دون الله الحق؟ .. و أيضاً كيف يمكن أن يكون المسيح عليه السلام هو الله و ابن الله في آن واحد كما يزعمون؟!

 

كانت تلك الأفكار تدور في ذهن الفتى و تتردد في صدره ، لكنه لم يكن وقتها قادراً على أن يحلل معانيها أو يتخذ منها موقفاً حازماً ، فلا السن تؤهله لأن يتخذ قراراً و لا قدراته العقلية تسمح له بأن يخوض في دراسة الأديان ليتبين الحقائق واضحة ، فلم يكن أمامه إلا أن يواصل رحلته مع النصرانية و يسير وراء القسس مردداً ما يلقنونه له من عبارات مبهمة .

 

و مرت السنوات ، و كبر فوزي و صار رجلاً ، و بدأ في تحقيق أمنيته في أن يصير قساً يشار إليه بالبنان ، و تنخني له رؤوس الصبية و الكبار رجالاً و نساءً ليمنحهم بركاته المزعومة و يجلسون أمامه على كرسي الاعتراف لينصت إلى أدق أسرار حياتهم و يتكرم عليهم بمنحهم الغفران نيابةً عن الرب !!!

 

و لكن كم حسدهم على أنهم يقولون ما يريدون في حين أنه عاجز عن الاعتراف لأحد بحقيقة التساؤلات التي تدور بداخله و التي لو علم بها الآباء القسس الكبار لأرسلوا به إلى الدير أو قتلوه .

 

و يذكر فوزي أيضاً أنه كثيراً ما كان يتساءل :

" إذا كان البسطاء يعترفون للقس ، و القس يعترف للبطريرك ، و البطريرك يعترف للبابا ، و البابا يعترف لله ، فلماذا هذا التسلسل غير المنطقي ؟ ... و لماذا لا يعترف الناس لله مباشرةً و يجنبون أنفسهم شر الوقوع في براثن بعض المنحرفين من القسس الذين يستغلون تلك الاعترافات في السيطرة على الخاطئين و استغلالهم في أمور غير محمودة ؟! "

 

لقد كان القس الشاب يحيا صراعاً داخلياً عنيفاً ، عاش معه لمدة تصل إلى تسعة أعوام ، كان حائراً بين ما تربى عليه و تعلمه في البيت و الكنيسة ، و بين تلك التساؤلات العديدة التي لم يستطع أن يجد لها إجابة برغم دراسته لعلم اللاهوت و انخراطه في سلك الكهنوت ... و عبثاً حاول أن يقنع نفسه بتلك الإجابات الجاهزة التي ابتدعها الأحبار قبل قرون و لقنوها لخاصتهم ليردوا بها على استفسارات العامة برغم مجافاتها للحقيقة و المنطق و العقل .

 

لم يكن موقعه في الكنيسة يسمح له أن يسأل عن دين غير النصرانية حتى لا يفقد مورد رزقه و ثقة رعايا الكنيسة ، فضلاً عن أن هذا الموقع يجبره على إلقاء عظات دينية هو غير مقتنع بها أصلاً لإحساسه بأنها تقوم على غير أساس ، و لم يكن أمامه إلا أن يحاول وأد نيران الشك التي ثارت في أعماقه و يكبتها ، حيث إنه لم يملك الشجاعة للجهر بما يهمس به لنفسه سراً خيفة أن يناله الأذى من أهله و الكنيسة ، و لم يجد أمامه في حيرته هذه إلا أن ينكب بصدق و حماسة سراً على دراسة الأديان الأخرى .

 

و بالفعل أخذ يقرأ العديد من الكتب الإسلامية ، فضلاً عن القرآن الكريم الذي أخذ يتفحصه في اطلاع الراغب في استكشاف ظواهره و خوافيه ، و توقف و دمعت عيناه و هو يقرأ قوله تعالى :

 

{ و إذ قال الله يا عيسى ابن مريم ءأنت قلت للناس اتخذوني و أميَ إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي و لا أعلم ما نفسك إنك أنت علام الغيوب (116) ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي و ربكم و كنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم و أنت على كل شئٍ شهيد } [المائدة:116 ، 117]

 

قرأ فوزي تلك الكلمات و أحس بجسده يرتعش ، فقد وجد فيها الإجابات للعديد من الأسئلة التي طالما عجز عن إيجاد إجابات لها ، و جاء قوله تعالى :

{ إن مَثَلَ عيسى عند الله كمَثَل آدم خلقه من ترابٍ ثم قال له كن فيكون } [آل عمران:59]

 

لقد وجد أن القرآن الكريم قدم إيضاحات لم يقرأها في الأناجيل المحرفة المعتمدة لدى النصارى . إن القرآن يؤكد بشرية عيسى عليه السلام و أنه نبي مرسل لبني إسرائيل و مكلف برسالة محددة كغيره من الأنبياء .

 

كان فوزي خلال تلك الفترة قد تم تجنيده لأداء الخدمة العسكرية و أتاحت له هذه الفترة فرصة مراجعة النفس ، و قادته قدماه ذات يوم لدخول كنيسة في مدينة الإسماعيلية ، و وجد نفسه ـ بدون أن يشعر ـ يسجد فيها سجود المسلمين ، و اغرورقت عيناه بالدموع و هو يناجي ربه سائلاً إياه أن يلهمه السداد و يهديه إلى الدين الحق .. و لم يرفع رأسه من سجوده حتى عزم على اعتناقه الإسلام ، و بالفعل أشهر إسلامه بعيداً عن قريته و أهله خشية بطشهم و إيذائهم ، و تسمى باسم "فوزي صبحي عبد الرحمن المهدي" .

 

و عندما علمت أسرته بخبر اعتناقه الإسلام وقفت تجاهه موقفاً شديداً ساندتهم فيه الكنيسة و بقية الرعايا النصارى الذين ساءهم أن يشهر إسلامه ، في حين كان فوزي في الوقت نفسه يدعو ربه و يبتهل إليه أن ينقذ والده و إخوته و يهديهم للإسلام ، و قد ضاعف من ألمه أن والدته قد ماتت على دين النصرانية .

 

و لأن الدعاء مخ العبادة فقد استجاب الله لدعاء القلب المؤمن ، فاستيقظ ذات يوم على صوت طرقات على باب شقته ، و حين فتح الباب وجد شقيقته أمامه تعلن رغبتها في اعتناق الإسلام .. ثم لم يلبث أن جاء والده بعد فترة و لحق بابنه و ابنته على طريق الحق .

 

و من الطريف أن يعمل فوزي ـ الآن ـ مدرساً للدين الإسلامي في مدارس منارات جدة بالمملكة العربية السعودية .. أما والده فقد توفاه الله بعد إسلامه بعام و نصف .. و تزوجت شقيقته من شاب نصراني هداه الله للإسلام فاعتنقه و صار داعية له ، و هو يعمل حالياً إماماً لأحد المساجد بمدينة الدوحة بدولة قطر حيث يعيش مع زوجته حياة أسرية سعيدة .


10-الشهيد القس السابق الأثيوبي ملقاه فقادو

 

مانشرته صحيفة المسلمين عنه عدد 2 اكتوبر 1991-بتصرف:

 

القس الأثيوبي الذي أسلم على يديه الكثيرون

 

نال ثقة الكنيسة فيما يقوم به من نشاط في حركات التبشير و التنصير حتى وصل إلى أعلى المراتب الكنسية ، و لكن داخله الشك عندما وقع تحت يده كتاب يتضمن تفاسير قرآنية و كانت بداية خطواته على طريق الإيمان الذي يحكيه فيقول :

 

" عشت سنوات من التيه ، و لم أكن أدري ما يخبئه القدر لي ... خدمت المسيحية بكل ما أستطيع ، و من ثم تدرجت في السلم الكنسي حتى وصلت إلى مراتب عليا في الكنيسة و أصبحت أحد القياديين فيها ، ثقةً من كبار القساوسة في شخصي و فيما أقوم به من نشاط بكل إخلاص و همة ، مما دفعهم إلى تحميلي مسئوليات كبرى في التبشير و التنصير .

 

كنت محباً للقراءة و الاطلاع ، فلم أجد كتاباً عن الإنجيل إلا قرأته حتى فوجئت و أنا أقرأ بعض الكتب الإنجيلية المترجمة أنها تتناول الدين الإسلامي و تطرح سؤالاً مؤداه : أهو دين سماوي أم لا ؟ .. و عندما وصلت إلى هذه النقطة بدأت أعيد طرح السؤال مرة أخرى ... ثم مرت الأيام و عثرت على كتاب للتفاسير القرآنية مكتوب باللغة الأمهرية ، فبدأت أقارن بين ما وجدته في هذا الكتاب و ما قرأته سابقاً في الترجمات ، فبدأت أقارن بين ما وجدته في هذا الكتاب و ما قرأته سابقاً في الترجمات الإنجيلية عن دين محمد ، حتى بدأ يداخلني الشك و أشعر بالفرق الهائل و بالتحريف الذي حدث تجاه دين الإسلام ، حتى أيقنت تماماً أن الإسلام هو الدين الحقيقي .. بعدها أشهرت إسلامي و تسميت باسم "محمد سعيد قفادو" ... بعدها عكفت على إعداد دراسة تبين أسباب إسلامي موضحاً فيها حقيقة المعلومات الخاطئة المنحرفة في الكتب الإنجيلية ، و من ثم أوردت الحقائق الثابتة و رفعتها إلى المجلس الإسلامي الأعلى في أديس أبابا " .

 

ثم يصمت برهةً يلتقط فيها أنفاسه ليعرض رد فعل الكنيسة فيقول :

" لم تقف الكنيسة موقف المتفرج بعد أن فضحها من عاش بداخلها ردحاً من الزمن ، فتحركت بسرعة و حركت أذنابها في السلطة الشيوعية إبَّان عهد "منجستو" و سلطوا عليّ أجهزة الأمن التي قامت باعتقالي ، و دخلت السجن لمدة ثلاثة أشهر بلا ذنب سوى أنني اعتنقت الإسلام و تخليت عن المسيحية " .

 

و كان لمحمد سعيد دور في الدعوة الإسلامية فيعبر عن ذلك بقوله :

" بعد خروجي من السجن استفدت من علاقاتي الشخصية و نجحت في إدخال أكثر من مائتي شخص جديد لدين الإسلام ، و لكن الأسقف "كارلويوس" رئيس القساوسة لم يهنأ له بال حتى قام برشوة أجهزة القمع في نظام "منجستو" الديكتاتوري ، و مرةً ثانية جرى اعتقالي و تأكد لي أنني لن أخرج هذه المرة من السجن ، و لا سيما أن الكنسيين مستمرون في ملاحقتي ، غير أنه بعد زيارة قام بها الدكتور "عبد الله عمر نصيف" الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي لأثيوبيا و لقائه مع الرئيس السابق "منجستو" طلب منه الإفراج عني ، فاستجاب لطلبه "

 

و هكذا نجد أنفسنا أمام شخصية صارت تستميت من أجل عقيدتها لا يثنيها عنها المكائد المتلاحقة .

 

وهذا ماكتبته مجلة الفيصل عنه عدد أبريل 1992-بتصرف- :

و لد ملقاه فقادو لأب يهودي و أم نصرانية في إحدى قرى أثيوبيا ، و درس في صباه المبكر التوراة و الإنجيل ، و اختار أن يصير نصرانياً كأمه ، و لم يكن اختياره نابعاً عن قناعة بالديانة النصرانية ، و لكن للأفضلية التي يحظى بها أتباع هذه العقيدة في بلاده التي تعد أحد معاقل النصرانية في إفريقيا .

 

و لم يجد "ملقاه" ذاته في التوراة أو الإنجيل ، إذ رأى في الأولى مجموعة من الأقاصيص و الأساطير التي عمد الكهان و الأحبار إلى حشوها بكل ما هو غريب بعد أن حرفوا الكلم عن مواضعه ، فلم يتقبل عقل "ملقاه" ما في التوراة المحرفة من خرافات و أباطيل ، فنبذها إلى دراسة الإنجيل الذي تؤمن به والدته ، فوجد أن التناقض بين نصوص الأناجيل واضح ، فضلاً عن كونها لا تقدم تفسيراً للحياة و الكون و لا تحاول تنظيم أية علاقة في شئون الدنيا و الآخرة ، فأدرك أنها ليست الكتاب المنزل على عيسى عليه السلام ، أما الإسلام فلم يحاول "ملقاه" أن يدرسه و لم يَسْعَ إليه لحظة ، فالدعاية الكنسية القوية و المؤثرة تصور الإسلام على أنه دين المتخلفين و تنسب العديد من الافتراءات و الأكاذيب عليه و على المسلمين ، و من ثم كبر "ملقاه" على بغض الإسلام ، و بحث عن مهنة تليق بمستوى أسرته الاجتماعي و تتيح له أن يحيا حياته في بحبوحة و رغد من العيش ، فلم يجد أفضل من السلك الكنسي ، حيث سيحظى بالاحترام و بالمرتب الكبير و بالسيارة ، و قد ساعده على الالتحاق بالعمل في الكنيسة حفظه التوراة ، و صار الشاب "ملقاه" قساً يشار إليه بالبنان و تقبل العامة يديه و ينادونه "أبانا" ..

 

و استمر عمله في الكنيسة ست سنوات ، اجتهد خلالها في الدعوة إلى النصرانية دونما كلل أو ملل ن و لاسيما أنه ينعم بمميزات عدة من راتب سخي و سكن أنيق و سيارة فاخرة في بلد تهدده المجاعة كل يوم و تفتك بالكثيرين من مواطنيه .

 

و ظل هكذا يعمل بجد في خدمة الكنيسة و الدعوة لمعتقداتها حتى كانت ليلة فاصلة إذ رأى فيها ـ فيما يرى النائم ـ رجلاً يقترب منه في المنام و يوقظه هاتفاً به أن يقرأ شهادتي : "لا إله إلا الله ، محمد رسول الله" ، و سورة الإخلاص : { قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد و لم يولد * و لم يكن له كُفُواً أحد } .. فقام من نومه فزعاً و قد روعته تلك الرؤيا التي لم يستوعبها ، و إنما فسرها بفهمه القاصر على أنها من الشيطان .

 

و تكررت الرؤيا ليلتين أخريين ، و رأى في الليلة الثالثة نوراً يضئ أمامه الطريق و رجلاً يقرئه الشهادتين و سورة الإخلاص ، فأدرك من فوره أن هذه رؤيا حق و ليست من عمل شيطان رجيم كما كان يتوهم ، فالنور الذي أضاء سبيله في الرؤيا قد تسرب في وجدانه و أنار بصيرته فأصبح من يومه و في قرارة نفسه إيمان عميق بأن عقيدة الإسلام هي الحق و ما دونها باطل .. و لم يطُل به التفكير لأنه بحكم دراسته اللاهوتية كان مطلعاً على البشارات العديدة برسالة محمد صلى الله عليه و سلم ، و لذا أشهر إسلامه عن اقتناع تام .

 

و عندما حدث زوجته في الأمر عارضاً عليها الدخول في الإسلام جاوبته بالإيجاب و دخلت معه في عقيدة التوحيد ، و كذلك فعل أطفاله الثلاثة .

 

و كان أول ما فعله "ملقاه" بعد إشهار إسلامه أن قام بتغيير اسمه إلى "محمد سعيد" معتبراً ذلك اليوم يوم ميلاده الحقيقي شاكراً الله تعالى ما أنعم به عليه من نعمة الهداية إلى دين الحق .

 

أما بالنسبة للأوساط الكنسية الأثيوبية فقد استقبلت نبأ إسلام "محمد سعيد" بغضب شديد ، و لم تكتفِ بحرمانه من الامتيازات التي كان ينعم بها من مسكن راقٍ و سيارة فاخرة و راتب ضخم و غير ذلك ، بل سعت حتى أدخلته السجن ليلقى صنوفاً و ألواناً من التعذيب في محاولة لرده عن إيمانه و ليكون عبرة و عظة لكل من يفكر في ترك النصرانية و الالتحاق بركب الإسلام .

 

و تحمل "محمد سعيد" كل ذلك صابراً محتسباً أجره عند الله ، و لم يتزحزح إيمانه قيد أُنمُلة ، و لسانه يلهج بالقول : "سبحان الله ، و الحمد لله ، و لا إله إلا الله" ..

 

و حين لم تُجدِ معه وسائل التعذيب ـ و ما أكثرها ! ـ اضطر القساوسة إلى تركه لكيلا يتحول إلى رمز و قدوة تنير الطريق لكثير من رعايا الكنيسة إلى درب دين الحق .

 

و خرج "محمد سعيد" من السجن أقوى إيماناً و اشد تصميماً على إيصال دعوة الحق إلى غيره ، إذ زادته محنة السجن ثباتاً و حرصاً على أن يصبح داعية للإسلام بعدما كان قساً يدعو إلى النصرانية ، و جعله الله سبباً في هداية نحو 280 شخصاً اعتنقوا الإسلام على يديه .

 

و يذكر "محمد سعيد" أنه قد استفاد من دراسته العميقة للتوراة و الإنجيل في استكشاف الكثير من أوجه الإعجاز القرآني ، و أنه بحكم عمله السابق كقس يدرك الأساليب غير السوية التي يلجأ إليها المنصرون من أجل جذب الفقراء و المحتاجين إلى الديانة النصرانية ، حيث يستغلون فقر الناس و عَوَزهم بالتظاهر بمواساتهم مادياً و معنوياً و الاهتمام بهم صحياً و تعليمياً في محاولة لاكتساب ودهم و محبتهم ، و من ثم السيطرة على عقولهم و إقناعهم بأن في النصرانية خلاصهم من عذاب الآخرة و فقر الدنيا !!

 

هذا و يقضي "محمد سعيد" أوقاته في حفظ القرآن الكريم ، مع ما في ذلك من مشقة لكونه من غير الناطقين باللغة العربية ليتمكن من الدعوة الإسلامية . و عن أسلوبه في الدعوة يقول :

 

" أعتمد على معرفة عقيدة من أدعوه من غير المسلمين ، و من ثم مناقشته في عقيدته و إظهار بطلانها و مخالفتها للفطرة و العقل ، ثم بعد ذلك أقوم بشرح ما في الإسلام من نواحٍ خيِّرة عديدة مبيناً أنه الدين الحق الذي اختاره الله للبشرية منذ بدء الخليقة ، فالإسلام يعني التسليم لله بالربوبية و الطاعة و الانقياد لأوامره ـ عز و جل ـ و اجتناب نواهيه "

 

و عن أمنية "محمد سعيد" يقول :

" أمنيتي الخاصة أن أتمكن من هداية والدي و والدتي إلى دين الحق .. أما أمنيتي العامة فهي أن أستطيع أن أكون أحد فرسان الدعوة الإسلامية و أن يوفقني الله لما فيه خير أمة الإسلام و أن ينصرها و يعلي شأن دينه "

 

أجل .. أمنيات تدل على صدق إيمان القس السابق "ملقاه" بدين محمد صلى الله عليه و سلم الذي صار سعيداً باعتناقه له فتسمى باسم نبي الإسلام و يقرنه بكونه سعيداً .

 

أما آخر اخباره فكان الخبر التالي من موقع مفكرة الإسلام:

 (فقادو) من أشهر قساوسة أثيوبيا، ذاع صيته وانتشر اسمه لنشاطه في تنصير أعداد كبيرة من أبناء جلدته، تعمق في دراسة النصرانية واطلع على أدق تفاصيلها وخفاياها، وأصبح علماً بارزاً من أعلامها، وقد أكسبته هذه الشهرة الجاه والمال وأصبح ذا شأن عظيم في أوساط نصارى القرن الأفريقي.

 

رأى في منامه كأنه يقرأ سورة الإخلاص بكاملها {قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفواً أحد} ونظراً لما يمتاز به من ذكاء حاد وفطنة وحس يقظ لم تمر عليه هذه الرؤيا مرور الكرام بل ظل يدور حولها ويمعن النظر في تفسيرها ويفكر في فحواها ومغزاها. ولما لم يصل إلى نتيجة مقنعة حول تعبير هذه الرؤيا ذهب إلى مكتب رابطة العالم الإسلامي بأثيوبيا علّه يجد ما يطفىء ظمأه، ويجد تعليلاً وتوضيحاً وتفسيراً لرؤيته التي لم يهدأ له بال بعدها لادراكه بأن هذه السورة من سور القرآن. وقد وجد في مكتب الرابطة ضالته إذ أوضح له مدير المكتب مغزى هذه الرؤيا وأن الله عز وجل أراد له الهداية وإخراجه من الظلمات إلى النور وكعادة مكاتب الرابطة، المنتشرة في مختلف أنحاء العالم، في نشر الدعوة الإسلامية وإرشاد الناس إلى دين الله اقتنع السيد (فقادو) بعد عدة زيارات للمكتب بالإسلام وأشهر إسلامه بحمد الله وأصبح اسمه (محمد سعيد).

 

ونظراً لما يمثله هذا الرجل من ثقل في النصرانية فقد أزعج إسلامه الكنيسة واعتبروه مارقاً عن ديانتهم ولا مناص من عودته إلى النصرانية أو تصفيته جسدياً. وفي الجانب الآخر يعتبر إسلام هذا الرجل مكسباً كبيراً للمسلمين نظراً لكثرة أتباعه وتأثيره عليهم وتأثرهم به مما سيؤدي إلى إسلام قرى بأكملها وهذا ما تم بالفعل.

 

ولما أحس رجال الكنيسة بما يمثله (فقادو) من خطورة وأدركوا تمسكه بالإسلام واستحالة عودته إلى ديانتهم قرروا الانتقام منه وقد فطن إلى ذلك. وقام مكتب الرابطة بأثيوبيا بالتنسيق مع الأمانة العامة للرابطة بمكة المكرمة بمنحه تأشيرة دخول إلى المملكة العربية السعودية لإبعاده عن مضايقات رجال الكنيسة من جهة ولتعليمه مبادىء الإسلام في مهبط الوحي من جهة أخرى. ونظراً لعدم إلمامه باللغة العربية فقد تم إلحاقه بمعهد اللغة العربية التابع لجامعة أم القرى بمنحة من الرابطة وتم تأمين سكن مناسب له ولأسرته بمكة المكرمة وتخصيص راتب شهري يليق بمكانته. ونظراً لحدة ذكائه كما أسلفت فقد تعلم أساسيات اللغة العربية في وقت قياسي وتعمق في دراسة الإسلام وحسن إسلامه وظهرت سمات الصلاح في وجهه وحفظ بعض أجزاء القرآن الكريم وترقق قلبه وأصبح دائم البكاء من شدة فرحه بما أنعم الله عليه من نور الهداية.

 

وفي هذه الأثناء جاءته ابنة راعي الكنيسة قادمة من إثيوبيا وهى شابة حسناء، أتته باكية مستنجدة مدعية بأن أباها طردها عندما أدرك أنها سوف تعتنق الدين الإسلامي وهى جاءت إلى فقادو لكي ينقذها من أسرتها التي تريد قتلها وطلبت منه أن يتزوجها ويعلمها الإسلام وتم لها ما أرادت فتزوجها وأسكنها في جدة لأن زوجته الأولى أسلمت معه وسكنت في مكة المكرمة.

 

ولم يكن يعلم بما حيك له من سوء وما دبر له من مكائد فقد يئس رجال الكنيسة من عودته إلى ديانتهم فخططوا لقتله حتى وإن كان خارج أثيوبيا.

وأرسلوا له هذه الحسناء المصابة بمرض الإيدز وبالتالي انتقلت إليه العدوى ونقلها دون أن يعلم إلى زوجته الأولى. ولما أدركت هذه الشابة نجاح مهمتها ولّت هاربة إلى إثيوبيا تاركة هذا المرض يسري في جسد محمد سعيد وزوجته. ولم يمهلهما المرض كثيراً حيث توفيت زوجته بعد عدة أشهر أما هو فقد هزل جسمه وضعفت قوته ثم قضى نحبه ودفن بمكة المكرمة. نسأل الله أن يتغمده برحمته ويسكنه فسيح جناته.

 

وصدق الله العظيم: {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملّتهم....} [البقرة:120] .

 

رحمك الله يا فقادو وتقبلك شهيداً في جنة الخلد.

 

11-القس  السابق الإندونيسي من أصل هولندي رحمة بورنومو

 

إنه رجل ينتسب إلى أب هولندي وأم إندنوسية من مدينة (أمبون) الواقعة في جزيرة صغيرة في أقصى الشرق من جزر إندونيسيا ، والنصرانية هي الدين الموروث لأسرته أباً عن جد.

كان جده قسيساً ينتمي إلى مذهب البروتستانت ، وكان أبوه أيضاً قسيساً على مذهب بانتي كوستا ، وكانت والدته معلمة الإنجيل للنساء ، أما هو نفسه فقد كان قساً ، ورئيساً للتبشير في كنيسة (بيتل إنجيل سبينوا) ، وقد قال وهو يحكي سبب إسلامه:

 

(لم يخطر ببالي ولو للحظة واحدة أن أكون من المسلمين ، إذ أنني منذ نعومة أظفاري تلقيت التعليم من والدي الذي كان يقول لي دائماً: (إن محمداًً رجل بدوي صحراوي ليس له علم ولا دراية ، ولا يقرأ وأنه أمي) ، هكذا علمني أبي ، بل أكثر من ذلك فقد قرأت للبروفسور الدكتور ريكولدي النصراني الفرنسي قوله في كتاب له: (بأن محمداً رجل دجال يسكن في الدرك التاسع من النار) ، هكذا كانت تساق المفتريات الكثيرة لتشويه شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومنذ ذلك الحين تكونت لدي فكرة مغلوطة راسخة تدفعني إلى رفض الإسلام ، وعدم اتخاذه ديناً لي.

ثم يقول: الواقع أنه لم يكن من أهدافي بحال من الأحوال أن أبحث عن دين الإسلام ، ولكني كان يحدوني دائماً دافع لأن أهتدي إلى الحق ، ولكن لماذا كنت أبحث عن الحق المجهول؟ ولماذا تركت ديني رغم أنني كنت أتمتع فيه بمكانة مرموقة بين قومي ، وحيث كنت رئيس التبشير المسيحي في الكنيسة ، وكنت أحيا بناء على ذلك حياةً كلها رفاهية ويسر ، إذن لماذا اخترت الإسلام؟

 

لقد بدأت القصة على النحو التالي:

في يوم من الأيام أرسلتني قيادة الكنيسة للقيام بأعمال تبشيرية لمدة ثلاثة أيام ولياليها في منطقة (دايري) التي تبعد عن عاصمة (ميدان) الواقعة في شمال جزيرة (سومطرة) بضع مئات من الكيلومترات ، ولما انتهيت من أعمال التبشير والدعوة أويت إلى دار مسئول الكنيسة في تلك المنطقة ، وكنت في انتظار وصول سيارة تقلني إلى موقع عملي ، وإذا برجل يطلع علينا فجأة ، لقد كان معلماً للقرآن ، وهو ما يسمى في إندونيسيا مطوع في الكُتَّاب ، وهو المدرسة البسيطة التي تعلم القرآن ، لقد كان الرجل ملفتاً للأنظار ، كان نحيف الجسم ، دقيق العود يرتدي كوفية بيضاء بالية خلقة ، ولباساً قد تبدل لونه من كثرة الاستعمال ، حتى أن نعله كان مربوطاً بأسلاك لشدة قدمه ، اقترب الرجل مني ، وبعد أن بادلني التحية بادرني بالسؤال التالي ، وكان سؤالاً غريباً من نوعه ، قال: (لقد ذكرت في حديثك أن عيسى المسيح إله ، فأين دليلك على ألوهيته؟) ، فقلت له: (سواء أكان هناك دليل أم لا فالأمر لا يهمك: إن شئت فلتؤمن ، وإن شئت فلتكفر) وهنا أدار الرجل ظهره لي ، وانصرف ، ولكن الأمر لم ينته عند هذا الحد ، فقد أخذت أفكر في قرارة نفسي ، وأقول: هيهات هيهات أن يدخل هذا الرجل الجنة ، لأنها مخصصة فقط لمن يؤمن بألوهية المسيح فحسب ، هكذا كنت أعتقد جازماً آنذاك.

ولكن عندما عدت إلى بيتي وجدت أن صوت الرجل يجلجل في روعي ، ويدق بقوة في أسماعي ، مما دفعني إلى الرجوع إلى كتب الإنجيل بحثاً عن الجواب الصحيح على سؤاله ، ومعلوم أن هناك أربعة أناجيل مختلفة أحدها بقلم متَّى ، والأخر مارك ، والثالث لوقا ، والرابع إنجيل يوحنا ، هذه التسميات أُخذت لمؤلف كل منها ، أي أن الأناجيل الأربعة المشهورة هي من صنع البشر ، وهذا غريب جداً ، ثم سألت نفسي: (هل هناك قرآن بنسخ مختلفة من صنع البشر؟) وجاءني الجواب الذي لا مفر منه ، وهو: (بالطبع لا يوجد) ، فهذه الكتب وبعض الرسائل الأخرى هي فقط مصدر تعاليم الديانة المسيحية المعتمدة!

وأخذت أدرس الأناجيل الأربعة فماذا وجدت؟ هذا إنجيل متَّى ماذا يقول عن المسيح عيسى عليه السلام؟ إننا نقرأ فيه ما يلي: (إن عيسى المسيح ينتسب إلى إبراهيم وإلى داود ... إلخ) (1-1) إذن من هو عيسى؟ أليس من بني البشر؟ نعم إذن فهو إنسان ، وهذا إنجيل لوقا يقول: (ويملك علي بيت يعقوب إلى الأبد ، ولا يكون لملكه نهاية) (1-33) ، وهذا إنجيل مارك يقول: (هذه سلسلة من نسب عيسى المسيح ابن الله) (:1) وأخيراً ماذا يقول إنجيل يوحنا عن عيسى المسيح عليه السلام؟ إنه يقول: (في البدء كان الكلمة ، وكان الكلمة عند الله ، وكان الكلمة الله) (1:1) ، ومعنى هذا النص هو في البدء كان المسيح ، والمسيح عند الله ، والمسيح هو الله.

قلت لنفسي: إذن هناك خلاف بارز بين هذه الكتب الأربعة حول ذات المسيح عيسى عليه السلام أهو إنسان أم ابن الله أم ملك أم هو الله؟ لقد أشكل عليَّ ذلك ، ولم أعثر على جواب ، وهنا أحب أن أسأل إخواني النصارى: (هل يوجد في القرآن الكريم تناقض بين آية وأخرى؟) بالطبع لا – لماذا؟ لأن القرآن من عند الله سبحانه وتعالى ، أما هذه الأناجيل فهي من تأليف البشر ، إنكم تعرفون ولا شك أن عيسى عليه السلام كان طيلة حياته يقوم بأعمال الدعوة إلى الله هنا وهناك ، ولنا أن نتساءل:- ترى ما هو المبدأ الأساسي الذي كان يدعو إليه عيسى عليه السلام؟

ثم واصلت البحث ، فوجدت في إنجيل يوحنا نصوصاً تشير إلى دعاء المسيح عليه السلام وتضرعه إلى الله سبحانه وتعالى. فقلت في نفسي: لو كان عيسى هو الله القادر على كل شيء فهل يحتاج إلى هذا التضرع والدعاء الذي ورد في إنجيل يوحنا ، هذا هو نص الدعاء: (هذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ، ويسوع المسيح الذي أرسلته ، أنا مجدتك على الأرض ، العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته) (17-3-4) وهو دعاء طويل يقول في نهايته: (أيها الرب البار ، إن العالم لم يعرفك ، أما أنا فعرفتك وهؤلاء عرفوا أنك أنت أرسلتني وعرفتهم اسمك ، وسأعرفهم ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به) (17-25-26).

هذا الدعاء يمثل اعترافاً من عيسى عليه السلام بأن الله هو الواحد الأحد ، وأن عيسى هو رسول الله المبعوث إلى قوم معينين ، وليس إلى جميع الناس ، فأي قوم هم هؤلاء يا ترى؟ نقرأ جواب ذلك في إنجيل متَّى (15-24) حيث يقول: (لم أُرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة) ، إذن لو ضممنا هذه الاعترافات إلى بعضها لأمكننا أن نقول: (إن الله الواحد الأحد ، وإن عيسى عليه السلام هو رسول الله إلى بني إسرائيل). ثم واصلت البحث ، فتذكرت أنني حين أكون في صلاتي أقرأ دائماً العبارات التالية: (الله الأب ، الله الابن ، الله الروح القدس ، ثلاثة في أقنوم واحد) ، قلت لنفسي: أمر غريب حقاً ، فلو سألنا طالباً في الصف الأول الابتدائي (1+1+1=3؟) ، لقال: (نعم) ، ثم إذا قلنا له: (ولكن أيضاً 3=1) ، لما وافق على ذلك ، إذ إن هناك تناقضاً صريحاً فيما نقول ، لأن عيسى عليه السلام يقول في الإنجيل كما رأينا بأن الله واحد ، لا شريك له.

 

لقد حدث تناقض صريح بين العقيدة التي كانت راسخة في نفسي منذ أن كنت طفلاً صغيراً ، وهي: ثلاثة في واحد ، وبين ما يعترف به المسيح عيسى نفسه في كتب الإنجيل الموجودة الآن بين أيدينا وهي أن الله واحد أحد لا شريك له ، فأيهما هو أحق؟ لم يكن بوسعي أن أقرر آنذاك ، والحق يقال ، بأن الله واحد أحد ، فأخذت أبحث في الإنجيل من جديد لعلي أقع على ما أريد ، لقد وجدت في سفر أشعياء النص التالي: (اذكروا الأوليات منذ القديم ، لأني أنا الله وليس آخر الإله ، وليس مثلي) (46:9) ولشد ما كانت دهشتي عظيمة حين اعتنقت الإسلام فوجدت في سورة الإخلاص قول الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم: (قل هو الله أحد ، الله الصمد ، لم يلد ، ولم يولد ، ولم يكن له كفواً أحد) نعم ، مادام الكلام كلام الله فهو لا يختلف حيثما وجد ، هذا هو التعليم الأول أو البديهية الأولى في ديانة المسيحية السابقة ، إذن (ثلاثة في واحد) لم يعد لها وجود في نفسي.

ثم ينتقل الأخ رحمة بورنومو الإندونيسي إلى نقطة جوهرية أخرى جعلته يختار الإسلام ديناً فهو يقول:

أما البديهية الثانية في الديانة المسيحية فتقول بأن هناك ما يسمى بالذنب الوراثي أو الخطيئة الأولى ، ويُقصد بها أن الذنب الذي اقترفه آدم عليه السلام عندما أكل الثمرة المحرمة عليه من الشجرة في الجنة ، هذا الذنب سوف يرثه جميع بني البشر حتى الجنين في رحم أمه يتحمل هذا الإثم يولد آثماً ، فهل هذا صحيح أم لا؟ لقد أخذت أبحث عن حقيقة ذلك ، فلجأت إلى العهد القديم فوجدت في سفر حزقيال ما يلي: (الابن لا يحمل من إثم الأب ، والأب لا يحمل من إثم الابن ، بر البار عليه يكون ، وشر الشرير عليه يكون ، فإذا رجع الشرير عن جميع خطاياه التي فعلها ، وحفظ كل فرائضي ، وفعل حقاً وعدلاً ، فحياة يحيا ولا يموت ، كل معاصيه التي فعلها لا تذكر عليه) (حزقيال 18:20-21).

لعل من المناسب هنا أن نذكر ما يقوله القرآن الكريم في هذا المقام: (ولا تزر وازرة وزر أخرى ، وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى) ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (يُولد ابن آدم على الفطرة ، وأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) ، هذه هي القاعدة في الإسلام ، ويوافقها ما جاء في الإنجيل ، فكيف يقال: (إن خطيئة آدم تنتقل من جيل إلى جيل ، وأن الإنسان يولد آثماً؟).

يقول الأخ (رحمة بورنومو) الإندونيسي:

إذن هذه التعاليم المسيحية قد اتضح بطلانها وافتراؤها بنص صريح من الكتاب الموصوف بـ (المقدس) نفسه.

وهناك البديهية الثالثة في التعاليم النصرانية التي تقول: إن ذنوب بني البشر لا تغفر حتى يصلب عيسى عليه السلام ، لقد أخذت أفكر في هذه البديهية ، وأتساءل: (هل هذا صحيح؟) وكان الجواب الذي لا مفر منه: بالطبع لا ، لأن النص الآنف الذكر من العهد القديم ينفي مثل هذا الاعتقاد بقوله: (فإذا رجع الشرير عن جميع خطاياه التي فعلها ، وحفظ كل فرائضي ، وفعل حقاً وعدلاً ، فحياة يحيا ولا يموت ، كل معاصيه التي فعلها لا تذكر عليه) ، أي أن الله يغفر ذنوبه دون حاجة إلى أية وساطة من أحد.

ويمضي الأخ الأندونيسي الذي كان قساً في يوم من الأيام يحدثنا عما فعل بعد ذلك ضمن رحلته الطويلة من الكفر إلى الإسلام ، فيقول:

لقد واصلت البحث في عدد من القضايا الاعتقادية الأخرى ، لقد وضعت يوماً من الأيام كُلاًّ من الإنجيل والقرآن أمامي على المنضدة ، ووجهت السؤال التالي إلى الإنجيل قلت له: (ماذا تعرف عن محمد؟) فقال: (لا شيء ، لأن اسم محمد غير مذكور في الإنجيل) ، ثم وجهت السؤال التالي إلى عيسى كما تحدث القرآن فقلت : (يا عيسى ابن مريم ماذا تعرف عن محمد؟) فقال: (لقد ذكر القرآن بما لا يدع مجالاً للشك أن رسولاً لا بد أن يأتي بعدي اسمه أحمد) ، يقول تعالى على لسان عيسى عليه السلام: (وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد ، فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين) (الصف: 6) فأي ذلك حق يا ترى؟

ثم يقول: هناك إنجيل واحد هو إنجيل برنابا وهو غير الأناجيل الأربعة التي ذكرناها من قبل ، وهذا الإنجيل للأسف حَرَّم رجالُ الدين النصارى على أتباعهم الاطلاع عليه ، أتدرون لماذا؟ الأرجح أنه لأن هذا الإنجيل هو الوحيد الذي يتضمن البشرى بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وتقل فيه الإضافات والتحريفات إلى حد أدنى ، كما أن فيه حقائق تطابق ما جاء في القرآن الكريم ، جاء في إنجيل برنابا (إصحاح 163): وقتئذٍ يسأل التلاميذ المسيح: يا معلم من يأتي بعدك؟ فقال المسيح بكل سرور وفرح: محمد رسول الله سوف يأتي من بعدي كالسحاب الأبيض يُظل المؤمنين جميعاً.

ويمضي الأخ رحمة بورنومو فيقول: ثم قرأت آية أخرى في إنجيل برنابا وهي قوله في (الإصحاح 72): وقتئذ إندرياس (التلميذ) يسال المسيح: (يا معلم! حين يأتي محمد ، ما هي علاماته حتى نعرفه؟) فقال المسيح: (محمد لا يأتي في عصرنا هذا ، وإنما يأتي بعد مئات السنين حين يُحرَّف الإنجيل ، والمؤمنون حينئذ لا يبلغ عددهم ثلاثين نفراً ، فحينئذ يرسل الله سبحانه وتعالى خاتم الأنبياء والمرسلين محمداً صلى الله عليه وسلم) ، لقد تردد ذكر ذلك في إنجيل برنابا عدة مرات أحصيتها فوجدت أن فيه خمسة وأربعين آية تذكر محمداً صلى الله عليه وسلم ، وقد اكتفيت بالآيتين السابقتين على سبيل الاستشهاد.

 

بعد ذلك يتحدث الأخ المهتدي الجديد من إندونيسيا عن جانب آخر من دراسته المقارنة فيقول:

ومن التعاليم البديهية في الديانة المسيحية أن عيسى عليه السلام هو المنقذ المخلِّص للعالم ، أي أنك إذا آمنت بألوهية عيسى فسوف تنجو ، وهذا يعني أنك يمكنك أن تفعل ما تشاء غيرَ آبهٍ بالذنوب والمعاصي ما دمت تؤمن بعيسى كمنقذ لك ، شريطة أن تكون علي يقين بأنك من التابعين ، قلت لنفسي: لا بد أن أبحث في الإنجيل وأعرف الحق من الباطل في ذلك ، في سفر أعمال الرسل رسالة بولس الأولى إلى أهل كورينثوس يقول: الله قد أقام الرب وسيُقيمنا نحن أيضاً بقوته (6:14) ، والقصة كما وردت في التعاليم المسيحية فيه كالآتي: أنه لما قبضوا على السيد المسيح عرضوه أمام العدالة فحكم عليه بالصلب ، ثم دُفن فهنا تأتي الآية مناسبة لتلك القصة.

وهنا يعلق الأخ رحمة بورنومو فيقول: لقد تأملت هذه الآية طويلاً ثم قلت: إذا لم يتدخل الله في إقامة المسيح من القبر لبقي مدفوناً تحت التراب إلى يوم القيامة ، إذن ما دام المسيح لم يستطع إنقاذ نفسه فكيف يكون بوسعه إنقاذ الآخرين؟ هل يليق بإله –كما يزعمون- أن يكون عاجزاً عن ذلك؟ لا أشك لحظة أن كل ذي عقل سيوافقني فيما ذهبت إليه. أليس كذلك؟

ثم يقول:

عند ذلك عزمت على الخروج من الكنيسة وعدم الذهاب إليها ، كان ذلك في عام 1969 حيث خرجت فعلاً ولم أعد أتردد على الكنيسة ، وليس معنى ذلك أنني خرجت ذلك الحين من الديانة النصرانية نفسها ، لأنه كما هو معلوم هناك كنائس ومذاهب شتى في الديانة النصرانية ، فهناك الكاثوليك ، والبروتستانت ، والميثوديست ، والبلاي كسلامتن ، واليونيتاريان ، وغيرها كثير ، حتى أنني أستطيع أن أقول بأن هناك أكثر من 360 مذهباً في الديانة النصرانية ، وصدق الله العظيم (وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ، ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله).

قد يقول قائل: وفي الإسلام أيضاً توجد مذاهب وطوائف عدة ، فهناك المذاهب الأربعة المعروفة ، وهي الحنفي والشافعي والحنبلي والمالكي وغيرها ...

والجواب هو أن أتباع المذاهب .. لا يختلفون في أصول الدين بل يتفقون جميعاً أن الله واحد ، لا شريك له ، وأن محمداً رسول الله ، كما يتفقون في أركان الإسلام الخمسة ، وجوانب الخلاف بينهم في الفروع الفقهية فقط لا في الأصول ، أما في الديانة المسيحية فالأمر مختلف تماماً إذ الخلاف في صُلب العقيدة ، وهذا هو الفارق بين الإسلام والمسيحية.

ومهما اختلفت المذاهب في الإسلام فإنك لا تجد مسجداً يخص مذهباً معيناً دون سائر المساجد ، بل على العكس من ذلك ، فإذا نادى المنادي للصلاة تجد كل مسلم يدخل أقرب مسجد ليصلي فيه. ولكن الأمر مختلف تماماً في الديانة النصرانية: فكل كنيسة تتبع مذهباً معيناً ، ولا يدخلها إلا أتباع ذلك المذهب فحسب ، فالكاثوليكي لا يصلي في كنيسة بروتستانتية ، والبروتستانتي لا يصلي هو الآخر في كنيسة كاثوليكية ، وهكذا.

 

ثم يمضي الأخ رحمة بورنومو في قصته الشائقة ، فيقول:

وذات يوم لقيت صديقاً لي فدعاني إلى الكاثوليكية ، وأخذ يعدد مميزات لهذا المذهب لم أجد مثلها في مذهبي البروتستانتي ، قال صديقي: (في هذا المذهب توجد حجرة الغفران ، وهي عبارة عن غرفة في الكنيسة يجلس فيها قس ذو لحية كثيفة يرتدي لباساً أسود ، ويقعد على كرسي عال ، ومن طلب العفو والغفران ذهب إليه ، ورددَ بعض الألفاظ الغير المفهومة ، وما أن يكاد يفرغُ من قراءتها حتى يقال له بأنه برئ من ذنوبه ، ويرجع كيوم ولدته أمه ، وهكذا قال لي صديقي ، وأضاف قائلاً: كل ما تقترف يداك من الذنوب خلال أيام الأسبوع كفيل بأن يُغفر لك عند ذهابك إلى الكنيسة يوم الأحد ، وحصولك على الغفران. فأنت لا تحتاج إلى الصلاة ، ولا إلى العبادة ، ولكن إذا تركت ذلك كله وذهبت إلى القس ، واعترفت أمامه ، غُفرت ذنوبك)

يقول الأخ رحمة بورنومو: لقد تذكرت ما يقرره الإسلام في ذلك ، وهو أن البشر مهما علت رتبة أحدهم لا يمكن أن يُوكَلَ إليه غفران ذنوب العباد ، كما أن التوبة والمغفرة لا تُسقط التكاليف والفرائض ، بل لا بد للتائب من أن يؤدي الصلوات الخمس اليومية في أوقاتها ، فإذا تركها فلا قيمة لتوبته وعليه إثم كبير لا يمكن أن يتحمله عنه غيره من الناس (ولا تزر وازرة وزر أخرى) صدق الله العظيم.

ثم يقول: لقد رأيت الداخلين إلى حجرة الغفران في الكنيسة عليهم أمارات الحزن والكآبة لثقل الذنوب ، بينما رأيت من يخرج منها وقد علت وجهه ابتسامة الفرح لاعتقاده بأن ذنوبه قد غفرت له ، أما أنا فحين جربت تلك الغرفة دخلتها حزيناً وخرجت منها حزيناً ، لماذا يا ترى؟ لأنني كنت أفكر وأتسائل: (هذه ذنوبنا يتحملها القس ، ولكن من يتحمل ذنوبه هو؟) وهكذا لم أقتنع بالكاثوليكية فتركتها ، وبحثت عن دين آخر.

 

ثم يحدثنا الأخ رحمة بورنومو عن المرحلة التالية من رحلته من الشك إلى اليقين فيقول:

بعد ذلك تعرفت على طائفة نصرانية أخرى تسمى (شهود يهوه) وهي مذهب آخر من مذاهب النصرانية ، لقيت رئيسهم ، وسألته عن تعاليم مذهبه ، وقلت له: (من تعبدون؟) ، قال: (الله) ، قلت: (ومن هو المسيح؟) فقال: (عيسى هو رسول الله) ، فصادف ذلك موافقة لما كنت أومن به ، وأميل إليه ، ودخلت كنيستهم فلم أجد فيها صليباً واحداً ، فسألته عن سر ذلك ، فقال: (الصليب علامة الكفر ، لذلك لا نعلقه في كنائسنا)

وهكذا رضي الأخ رحمة بورنومو أن يعرف المزيد عن شهود يهوه ، وهو يصف هذه الفترة من حياته فيقول: لقد أمضيت ثلاثة أشهر كاملة أتلقى تعاليم ذلك المذهب ، وفي نهايتها كان لي الحوار التالي مع رئيس الكنيسة ، وكان هولنديا. قلت له: (يا سيدي ، إذا توفيت على هذا المذهب ، فإلى أين مصيري؟) قال: (كالدخان الذي يزول في الهواء) ، فقلت متعجباً: (ولكني لست سيجارة ، بل أنا إنسان ذو عقل وضمير).

ثم سألته: (وأين أتجه بعد الممات؟) ، فقال: (تُوضع في ميدان واسع) ، قلت له: (وأين ذلك الميدان؟) قال: (لا أعلم) ، قلت: (سيدي إذا كنت عبداً مطيعاً ملتزماً بهذا المذهب ، فهل أدخل الجنة؟) قال: (لا) ، قلت: (فإلى أين إذن؟) قال: (الذين يدخلون الجنة عددهم 144 ألف شخص فقط ، أما أنت فسوف تسكن الأرض مرة أخرى) ، وهنا قاطعته قائلاً: (ولكن يا سيدي قد وقعت الواقعة ، فالدنيا خربت) ، قال: (أنت لا تفهم حقيقة القيامة ، لو كان لديك كرسي وفوقه حشرات مؤذية ، هل تحرق الكرسي لتخلص من الحشرات؟) قلت: (لا) ، قال: (بل تقتل الحشرات ويبقى الكرسي سليماً ، وهكذا تبقى الأرض سليمة بعد تطهيرها من الدنس والخطايا ، وعندها ينتقل إليها الناس من ذلك الميدان ، فليس هناك ما يسمى بالنار).

وهنا أعملت فكري جيداً ، ودرست الأمر وقلبته ، حتى اتخذت القرار الأخير بترك النصرانية بجميع مذاهبها رسمياً ، كان ذلك في عام 1970 ، وفي أحد الأيام بينما كنت أسير في طريقي بحثاً عن الحق ، رأيت معبداً بوذياً جميلاً ضخماً فاقتربت منه فوجدت فيه عدة تماثيل وصور وفي السقف تمثال لتنين ، وعلى الجدران مثل ذلك ، كما شاهدت أمام البوابة تمثالين على شكل أسد صامت ، وما أن دخلت من البوابة حتى جاءني رجل فأوقفني ، وسأل: (إلى أين؟) قلت: (أريد أن أدخل) ، قال: (اخلع نعليك قبل أن تدخل ، هذا معبد لنا فاحترم مكان عبادتنا) ، قلت في نفسي: (حتى البوذية تعرف النظافة ، أما ديانتي السابقة فلا نظافة فيها ، أذكر أنني عندما كنت أدخل الكنيسة لم أكن أخلع نعليَّ عند الدخول)

ثم يقول: (لقد جربت الديانة البوذية فترة من الزمن ، ولكن سرعان ما تركتها لإحساسي بأنني لم أجد الحق الذي أنشده ، ثم اتصلت بالديانة الهندوسية التي بدأت ونشأت في الهند ، والتي انتشرت تعاليمها حتى وصلت إلى بعض الجزر الإندونيسية ، فأخذت أتنقل بين تلك الجزر التي يوجد فيها نشاط لأتباع هذا الدين ، ومكثت معهم فترة من الزمن تعلمت فيها الكثير ، وقد نجحت في المرحلة الأولى إلى درجة أنني أخذت أجرى الخوارق كالعبور في النار ، والمشي على المسامير الحادة ، وإدخال المسامير في أعضاء الجسم إلى غير ذلك ، ولكن أيضاً ليس هذا هو ما كنت أبحث عنه)

ثم يضيف الأخ رحمة بورنومو: وذات يوم سألت رئيس المعبد الهندوسي: (ماذا تعبدون؟) ، قال: نعبد (برهما ، ويشنو ، وشيوا) ، برهما: إله الخلق ، ويشنو: إله الخير ، وشيوا: إله الشر ، ثلاثة آلهة تجلت في جسد إنسان واحد اسمه كريشنا الذي يعتبر المنقذ للعالم عند الهندوس ، قلت لنفسي: (إذن فلا فرق في أمر الألوهية بين الهندوسية والنصرانية ، ولو اختلفت الأسماء فهما يناديان ثلاثة في واحد).

قلت للكاهن الهندوسي: (اشرح لي نشأة كريشنا) ، فقال: كان في الهند سنة ألفين قبل الميلاد ملك جبار ظالم لا يرحم حتى أبناءه ، فيقتل مولده الذكر خوفاً من أن يحتل عرشه غصباً ، وفي إحدى الليالي الظلماء كان الملك جالساً أمام قصره ، وإذا بكوكب مضئ يطلع في السماء فوق رأسه ، وكان يسير بسرعة مذهلة ، ثم توقف في الفضاء وأرسل نوره الباهر على حظيرة الأبقار ، فلما سأل الملك رجال العلم والدين ، راجعوا كتبهم المقدسة ، فقالوا: إن ذلك دليل على تجلي الآلهة في جسم إنسان اسمه سري كريشنا ، فقلت في نفسي: هذه القصة بحذافيرها مع تغيير الأشخاص موجودة في الديانة المسيحية ، وكنت أحدث بها الناس وأنا قس ، والفرق أن القرية المشار إليها هي بيت لحم ، والإنسان عندنا هو المسيح ، فلا فرق إذن بين القصتين ولا بين العقيدتين في قضية أساسية هي قضية الألوهية ، وقضية هوية المنقذ للعالم.

لقد واصلت حواري مع الكاهن الهندوسي فقلت له: (يا سيدي إذا توفيت وأنا على دينكم ، فإلى أين مصيري؟) قال: (لا أعلم ، ولكن عليك أن تمتنع عن قتل الحشرات من أمثال النمل والبعوض وغيرها) ، وقال: (قد تكون هذه الحشرات آباءك وأجدادك الموتى).

 

ثم يقول: (وفي النهاية قررت أن أترك كل تلك الديانات ، ولم يكن أمامي إلا الإسلام الذي لم أكن أريد اعتناقه لما غُرس في نفسي منذ طفولتي من نفور وكراهية لهذا الدين الذي لم أكن أعرف عنه إلا الشبهات ، كنت أريد البحث عن الحق المجهول وهذا البحث يلزم الجهد والصبر ، وذات يوم قلت لزوجتي: اعتباراً من هذه الليلة لا أريد أن يزعجني أحد ، أريد أن أصلي وأتضرع إلى الله ، وهكذا أقفلت باب حجرتي ورفعت يدي إلى الله خاشعاً متضرعاً قائلاً: (يا رب: إذا كنت موجوداً حقاً فخذ بناصيتي إلى الهدى والنور ، واهدني إلى دينك الحق الذي ارتضيته للناس).

 

ويمضي الأخ رحمة بونومو في حديثه قائلاً:

والدعاء إلى الله ليس كأي طلب من الطلبات كما أن دعائي إلى الله سبحانه وتعال لم يكن خلال فترة وجيزة فحسب ، بل استمر ذلك زمناً طويلاً ، حوالي ثمانية أشهر ، وفي ليلة الحادي والثلاثين من شهر أكتوبر عام 1971م الموافقة للعاشر من رمضان من نفس العام ، وبعد أن فرغت من دعائي المعتاد رحت في نوم عميق ، وعندها جاءني نور الهدى من الله عز وجل ، إذ رأيت العالم حولي في ظلام دامس ، ولم يكن بوسعي أن أرى شيئاً ، وإذا بجسم شخص يظهر أمامي ، فأمنعت النظر فيه فإذا بنور حبيب يشع منه يبدد الظلمة من حولي ، لقد تقدم الرجل المبارك نحوي ، فرأيته يلبس ثوباً أبيض وعمامة بيضاء ، له لحية جعدة الشعر ، ووجه باسم لم أر قط مثله من قبل جمالاً وإشراقاً ، لقد خاطبني الرجل بصوت حبيب قائلاً: (ردد الشهادتين) ، وما كنت حينئذٍ أعلم شيئاً اسمه الشهادتين ، فقلت مستفسراً: (وما الشهادتان؟) فقال: (قل: أشهد أن لا إله إلا الله , وأشهد أن محمداً رسول الله) فكررتهما وراءه ثلاث مرات ، ثم ذهب الرجل عني.

يقول الأخ الإندونيسي بعد ذلك: ولما استيقظت من نومي وجدت جسمي مبللاً بالعرق ، وسألت أول مسلم قابلته: ( ما هي الشهادتين ، وما قيمتهما في الإسلام؟) ، فقال: (الشهادتان هما الركن الأول في الإسلام ، ما أن ينطقهما الرجل حتى يصبح مسلماً) ، فاستفسرت منه عن معناهما فشرح لي المعنى ، وفكرت ملياً ، وتساءلت من يكون الرجل الذي رأيته في منامي ، وكانت ملامحه واضحة المعالم لي؟ فلما وصفتها لصديقي المسلم هتف على الفور قائلاً: (لقد رأيت الرسول محمداً صلى الله عليه وسلم).

ثم يختم الأخ رحمة بورنومو قصته بقوله: وبعد عشرين يوماً من ذلك الحادث وكانت ليلة عيد الفطر سمعت صيحات التكبير يرددها المسلمون من المساجد القريبة من دارنا ، فاقشعر بدني واهتز قلبي ، ودمعت عيناي لا حزناً على شيء ، بل شكراً لله على هذه النعمة فالحمد لله الذي هداني أخيراً إلى ما كنت أبحث عنه منذ سنين ، لقد تم ذلك في عام 1971م وقد خَيَّرتُ زوجتي بين الإسلام والمسيحية ، فاختارت الإسلام ، والجدير بالذكر أنها كانت في طفولتها مسلمة ومن عائلة مسلمة تنصرت بسبب إغراءات المبشرين ، وتبعاً لجهلها بأمور دينها الحنيف ، كما تبعنا أبناؤنا فاعتنقوا الإسلام ، ومنذ الثاني من شهر فبراير عام 1972م ونحن مسلمون والحمد لله.

نقلاً من كتاب (علو الهمة) للشيخ محمد بن إسماعيل ص (239-254) بتصرف يسير



12- القمص السابق المصري عزت اسحاق معوض

 

كان أحد الدعاة للالتزام بالنصرانية ، لا يهدأ و لا يسكن عن مهمته التي يستعين بكل الوسائل من كتب و شرائط و غيرها في الدعوة إليها ، و تدرج في المناصب الكنسية حتى أصبح "قُمُّصاً" .. و لكن بعد أن تعمق في دراسة النصرانية بدأت مشاعر الشك تراوده في العقيدة التي يدعو إليها في الوقت الذي كان يشعر بارتياح عند سماعه للقرآن الكريم ... و من ثم كانت رحلة إيمانه التي يتحدث عنها قائلاً :

 

" نشأت في أسرة مسيحية مترابطة و التحقت بقداس الأحد و عمري أربع سنوات ... و في سن الثامنة كنت أحد شمامسة الكنيسة ، و تميزت على أقراني بإلمامي بالقبطية و قدرتي على القراءة من الكتاب المقدس على النصارى .

 

ثم تمت إجراءات إعدادي للالتحاق بالكلية الأكليريكية لأصبح بعدها كاهناً ثم قُمُّصاً ، و لكنني عندما بلغت سن الشباب بدأت أرى ما يحدث من مهازل بين الشباب و الشابات داخل الكنيسة و بعلم القساوسة ، و بدأت أشعر بسخط داخلي على الكنيسة ، و تلفت حولي فوجدت النساء يدخلن الكنيسة متبرجات و يجاورن الرجال ، و الجميع يصلي بلا طهارة و يرددون ما يقوله القس بدون أن يفهموا شيئاً على الإطلاق ، و إنما هو مجرد تعود على سماع هذا الكلام .

 

و عندما بدأت أقرأ أكثر في النصرانية وجدت أن ما يسمى "القداس الإلهي" الذي يتردد في الصلوات ليس به دليل من الكتاب المقدس ، و الخلافات كثيرة بين الطوائف المختلفة بل و داخل كل طائفة على حدة ، و ذلك حول تفسير "الثالوث" ... و كنت أيضاً أشعر بنفور شديد من مسألة تناول النبيذ و قطعة القربان من يد القسيس و التي ترمز إلى دم المسيح و جسده !!! "

 

و يستمر القُمُّص عزت إسحاق معوض ـ الذي تبرأ من صفته و اسمه ليتحول إلى الداعية المسلم محمد أحمد الرفاعي ـ يستمر في حديثه قائلاً :

 

" بينما كان الشك يراودني في النصرانية كان يجذبني شكل المسلمين في الصلاة و الخشوع و السكينة التي تحيط بالمكان برغم أنني كنت لا أفهم ما يرددون ... و كنت عندما يُقرأ القرآن كان يلفت انتباهي لسماعه و أحس بشئ غريب داخلي برغم أنني نشأت على كراهية المسلمين ... و كنت معجباً بصيام شهر رمضان و أجده أفضل من صيام الزيت الذي لم يرد ذكره في الكتاب المقدس ، و بالفعل صمت أياماً من شهر رمضان قبل إسلامي " .

 

و يمضي الداعية محمد أحمد الرفاعي في كلامه مستطرداً :

 

"بدأت أشعر بأن النصرانية دين غير كامل و مشوه ، غير أنني ظللت متأرجحاً بين النصرانية و الإسلام ثلاث سنوات انقطعت خلالها عن الكنيسة تماماً ، و بدأت أقرأ كثيراً و أقارن بين الأديان ، و كانت لي حوارات مع إخوة مسلمين كان لها الدور الكبير في إحداث حركة فكرية لديّ ... و كنت أرى أن المسلم غير المتبحر في دينه يحمل من العلم و الثقة بصدق دينه ما يفوق مل لدى أي نصراني ، حيث إن زاد الإسلام من القرآن و السنة النبوية في متناول الجميع رجالاً و نساءً و أطفالاً ، في حين أن هناك أحد الأسفار بالكتاب المقدس ممنوع أن يقرأها النصراني قبل بلوغ سن الخامسة و الثلاثين ، و يفضل أن يكون متزوجاً !! "

 

ثم يصمت محمد رفاعي برهةً ليستكمل حديثه بقوله :

" كانت نقطة التحول في حياتي في أول شهر سبتمبر عام 1988 عندما جلست إلى شيخي و أستاذي "رفاعي سرور" لأول مرة و ناقشني و حاورني لأكثر من ساعة ، و طلبت منه في آخر الجلسة أن يقرئني الشهادتين و يعلمني الصلاة ، فطلب مني الاغتسال فاغتسلت و نطقت بالشهادتين و أشهرت إسلامي و تسميت باسم "محمد أحمد الرفاعي" بعد أن تبرأت من اسمي القديم "عزت إسحاق معوض" و ألغيته من جميع الوثائق الرسمية . كما أزلت الصليب المرسوم على يدي بعملية جراحية .. و كان أول بلاء لي في الإسلام هو مقاطعة أهلي و رفض أبي أن أحصل على حقوقي المادية عن نصيبي في شركة كانت بيننا ، و لكنني لم أكترث ، و دخلت الإسلام صفر اليدين ، و لكن الله عوضني عن ذلك بأخوة الإسلام ، و بعمل يدر عليّ دخلاً طيباً " .

 

و يلتقط أنفاسه و هو يختتم كلامه قائلاً :

" كل ما آمله الآن ألا أكون مسلماً إسلاماً يعود بالنفع عليّ وحدي فقط ، و لكن أن أكون نافعاً لغيري و أساهم بما لديّ من علم بالنصرانية و الإسلام في الدعوة لدين الله تعالى " .

 

صحيفة المسلمين ـ الصادرة في 4 / 10 / 1991 (بتصرف)

 

13-القس السابق الفليبيني عيسي بياجو

حاوره : علي ياسين

 

 اسمه عيسى عبد الله بياجو ، عمره أربعون سنة ، بلده الفلبين ، متزوج وله ابن, كان قساً كاثوليكياً ثم اهتدى إلى النور ، وشرح الله صدره للإسلام ، كان ذلك من أربع عشرة سنة ، وهو الآن قد جاء للعمل بالدوحة .. فسعينا إلى الالتقاء به .

 

سألناه عن حياته قبل الإسلام فقال : اسمي الإصلى هو كريسانتو بياجو ، درست في المعهد اللاهوتي ، وحصلت على درجة الليسانس في اللاهوت وعملت كقس كاثوليكي سمعت عن المسلمين كمجموعة من الناس ، ولم تكن عندي فكرة عما يدينون به . وفي ذلك الحين كنت لا أطيق حتى مجرد سماع اسمهم نظراً للدعاية العالمية التي توجه ضدهم . وحتى المسلمون المنتمون إلى جبهة تحرير مورو في الفلبين كان يُعطى الإيحاء بأنهم قراصنة وهمجيون ، يسهل عليهم العدوان وسفك الدماء ، هذا الشعور يشاركني فيه معظم نصارى الفلبين الذين يمثلون 90% من السكان . جاء يوم حضرت فيه محاضرة ألقاها منصّر أمريكي اسمه بيتر جوينج عن الإسلام ، فأخذتني الرغبة في التعرف على هذا الدين ، وانطلقت لأقرأ بعض الرسائل عن أركان الإيمان ، وأركان الإسلام ، وعن قصص الأنبياء ، فدهشت من أن الإسلام يؤمن بالإنبياء الذين من أهمهم المسيح عليه السلام . كانت مشكلتي نقص الكتب التي تتكلم عن الإسلام وعن القرآن ولكني لم أيأس ، لأنني كنت أستحضر من كلام المبشر الأمريكي قوله : إن التوراة فيها أخطاء ، مما أدخل الشك في نفسي ، فبدأت أكوّن فكرتي عن الدين الحق الذي أومن به . ولم أجد الإجابات عن الأسئلة التي جالت آنئذٍ في صدري حول الإنجيل وكلما حللت مشكلة أو أجبت عن سؤال ، ظهرت مشاكل كثيرة وأسئلة أكثر . لجأت إلى تفريغ ذهني من كل فكرة مسبقة ، ودعوت الله أن يهديني إلى الحق وكان من المفارقات العجيبة أنني كقسيس كنت أعلّم الناس ما لا أعتقده ، فمثلاً لم أكن على الإطلاق مقتنعاً بفكرة الخطيئة الأصلية ، والصّلب ، إذ كيف يحمّل الله إنساناً ذنوب الآخرين ؟ هذا ظلم ، ولماذا لا يغفرها الله ابتداءً ؟ وكيف يفعل الأب هذا بابنه ؟ أليس هذا إيذاءً للأبناء بغير حق ؟ وما الفرق بين هذا وبين ما يفعله الناس من إساءة معاملة الأطفال ؟ . بدأت أبحث عن الوحي الحقيقي فتأملت نص التوراة فلم أجد إلا كلاماً مليئاً بالأخطاء والتناقضات لا ندري من كتبه ولا من جمعه ، فأصل التوراة مفقود ، وهناك أكثر من توراة . اهتزت عقيدتي تماماً . ولكني كنت أمارس عملي ، لئلا أفقد مصدر دخلي وكل امتيازاتي . ومرت سنتان وأنا على هذا الحال حتى جاء يوم لقيت فيه جماعة من المسلمين يوزعون كتيبات عن الإسلام ، فأخذت منهم واحداً قرأته بشغف ، ثم سعيت إلى مناقشة تلك الجماعة التي كانت توزع تلك الكتيبات فقد كنت أحب الجدال والمناظرة ، وهذا ليس غريباً ، ففي الفلبين جماعات نصرانية متصارعة يقارب عددها 20 ألف جماعة وكثيراً ما كنت أمارس الجدال والمناظرة مع بعض تلك الجماعات . فلما جلست مع ذلك الفريق المسلم في إحدى الحدائق فوجئت بأن الذي يحاورني كان قسيساً كبيراً دخل الإسلام . أخذت أنصت لكلامه : عن النظام السياسي في الإسلام ، فأعجبني لأنني كنت أحب المساواة التي لم أجدها في النظم البشرية ولكني حينئذٍ وجدتها في دين مبني على كلام الله ووحيه إلى خلقه . سألت المتحدث عن سبب اعتناقه للإسلام ، ثم عن الفرق بين القرآن والإنجيل فأعطاني كتاباً لرجل اسمه أحمد ديدات . قرأت الكتاب فوجدت فيه الإجابة عن كل تساؤلاتي حول الإنجيل واقتنعت تماماً . ثم أخذت أقابل ذلك الرجل كل يوم جمعة بعد الظهر لأسأله عن كل شيء ، وكان من فضولي أن سألته عن محمد صلى الله عليه وسلم ، وهل هو من نسل إسماعيل ؟ فقال إن في التوراة الموجودة حالياً ذكر محمد صلى الله عليه وسلم ، وأعطاني مقاطع كثيرة من التوراة في هذا الصدد . أخذت أبحث لأقتنع ، وكان من دواعي اطمئناني أن إيماني بعيسى عليه السلام يجعلني أقبل الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم ، واستمر بحثي شهرين ، شعرت بعدهما ببعض التردد ، لخوفي على مستقبلي لأنني أعلم يقيناً أنني لو أسلمت فسأخسر كل شيء : المال ، ودرجتي العلمية ، والكنيسة ، وسأخسر والديّ وإخوتي ، كان الشيء الذي هزني هو عجزي عن تدريس الناس العقيدة النصرانية إذ أصبحت بارداً جداً وغير مقتنع بما أقول . تركت قراءة التوراة حتى لاحظ والداي ذلك . ثم لقيت صديقي المسلم ، وسألته عن الصلاة ، فقال لى : الشهادة أولاً ، فرفعت أصبعي بتلقائية وقلت خلفه : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ولم أكن أعرف معنى هذا القول حتى شرحه هو لي بعد ذلك . وقلت : وأشهد أن عيسى رسول الله . كان في المجلس مسلمون كثيرون من جنسيات مختلفة فقام الجميع وعانقوني وهنأوني ، فقلت في نفسي : كل هؤلاء مسلمون رغم اختلاف جنسياتهم وألوانهم ، لقد جمعهم الإسلام بلا تمييز ، فلماذا التمييز في النصرانية حتى تجد جماعات نصرانية للبيض وجماعات نصرانية للسود؟ فرجعت إلى بيتي ونطقت بالشهادة باللغة الانجليزية بيني وبين الله تعالى فليس يهمني الناس . بقيت على إسلامي من غير أن يعلم أحد من معارفي ، وكنت أدخل الكنيسة لمدة ستة أسابيع ، لأنزع بعد ذلك فتيل القنبلة وأعلن إسلامي ، فغضب والداي أشد الغضب . وجاء الكاهن الأكبر إلى المنـزل ليناقشني فعرضت عليه ما عندي من تناقضات الإنجيل ، فكلمني عن بعض الشبهات التي تثار حول الإسلام فقلت له : أقنعني اولاً أن محمداً ليس رسولاً من عند الله ، فوعدني ولكن لم يرجع ، وسمعت بعد ذلك أن الكنيسة كلها تصلي من أجلي لأرجع إلى عقلي ، وكأنني صرت مجنوناً . بدأت بعد ذلك أثبّت قدمي في الإسلام - دراسة وتعلماً - وكنت ألقي بعد ذلك برامج إسلامية في التلفزيون والإذاعة المحلية التي تمولها الجهات الإسلامية ، ثم تزوجت امرأة مسلمة رزقني الله منها عبد الصمد ابني الوحيد ( 11سنة ) . واعتنق الإسلام بعد ذلك أبي وأمي وأختي وزوجها وابن أخي وبنت أختي . وأحمد الله على أن كنت سبب هدايتهم إلى الصراط المستقيم . بعد هذه القصة المثيرة لإسلام عيسى بياجو سألناه عن حال الدعوة في الفلبين فقال : يدخل في الإسلام كل شهر أكثر من أربعمائة من نصارى الفلبين حسب السجلات الرسمية ، أما العدد الحقيقي فالمرجح أنه أكثر من ذلك . ومعظم أهل الفلبين مسيحيون بالاسم فقط ولايجدون من يدعوهم إلى الإسلام . ومنهم من يقتنع بالإسلام ، ولكن يعوقه عن اعتناقه عامل الخوف من المستقبل لأنه سيفقد الأسرة وسيفقد العمل ، فالناس هناك لا تقبل توظيف من ترك النصرانية . سألناه عن خير وسيلة للدعوة إلى الإسلام ، فقال : إنها المعاملة الطيبة بخلق الإسلام ، فكثير ممن أسلموا كان دافعهم إلى الاقتراب من عقيدة التوحيد معاملة المسلمين الحسنة لهم ، كأن يكون صاحب العمل مسلماً حسن المعاملة ، أو زميلاً لمسلم حسن الصحبة ودمث الأخلاق . وكثير ممن أسلموا في الفلبين لم يسلموا إلا بعد أن عادوا إلى بلادهم بعد العمل في بلد إسلامي ، إذ أحسوا بالفرق عندما فقدوا المناخ الإسلامي ، فتبخرت كل أوهامهم وشكوكهم حول الإسلام فأعلنوا إسلامهم بعيداً عن كل ضغط أو تأثير ، ولذا أوصى بالدعوة الحسنة ، وبعدم استعجال النتيجة ، فالبذرة لا تنمو ما بين يوم وليلة . وقال الأخ عيسى : إن بعض من أسلموا كان سبب إسلامهم تأثرهم برؤية منظر المسلمين وهم يصلّون ، لأنه منظر عجيب حقاً. سألناه : ماذا عن دعوة المسيحي المثقف ثقافة دينية ؟ هل يكفي معه هذا وحده ؟ فقال مثل هذا نأخذ بيده ، وندعوه إلى مقارنة أسفار الكتاب المقدس ، ودراسة مقارنة الأديان ، فتلك الوسائل أفضل لإقناعه . ثم كان السؤال الأخير عن العقبات التي تحول دون دخول الناس في الإسلام فقال : أول ما يصد الناس هو الفكرة الخاطئة التي تعشش في أذهانهم عن الإسلام ثم هناك سلوكيات كثير من المسلمين ، الذين - بأقوالهم وأفعالهم - يعطون صورة سيئة عن الإسلام ، ثم فتوى بعض المسلمين من غير علم . وتأتي أخيراً الشبهات التي تثار حول الإسلام من كونه يدعو إلى الإرهاب ويسيء معاملة المرأة ، فيدعو الرجل إلى طلاقها ، وإلى الزواج بغيرها ، وأنه يحرمها من حقوقها ويقهرها ولا يعطيها حريتها . ولا شك أن هذه الشبهات كلها منحازة وخاطئة ، ولكن - للأسف - تؤلف فيها كتب ، وتروّج بين غير المسلمين لتصدهم عن الإسلام وهنا يأتي دورنا نحن الدعاة المسلمين لتقديم الصورة المشرقة الحقيقية ، ونفض الغبار وهدم السور العالي الذي أقامه الإعلام الهدام ، ليحول بين الناس وبين التعرف الحر على دين الله رب العالمين .

 

14-القس السابق الفرنسي جان ماري دوشمان

 

في السادس من أيلول (سبتمبر) 1988م، توفّي بالدار البيضاء في المغرب الأب "عبد المجيد جان ماري دوشمان" في الثمانين من عمره. وقد دُفن بمقبرة المدينة المغربيّة تلبة لرغبته أن يُدفن في أرض اسلاميّة. وكانت هذه الرغبة هي سبب مغادرته مدينة لومانس بغرب فرنسا، للإقامة في المغرب سنة 1987م.

قرّر القسيس المسيحي السابق هذا الانتقال، بعد اعتناقه الدّين الإسلاميّ في السنوات الأخيرة، ولقصّة اسلامه أهميّة بالغة تجعل هذا المسلم الفرنسيّ يُقارن بالدكتور "غرونين" الذي دخل البرلمان الفرنسيّ بلباس عربي، بعد اعلانه التمسّك بالدّين الإسلاميّ سنة 1894م بمدينة البلدية بالجزائر. كما أنّ الأسباب التي جعلت الأب "دوشمان" يفضّل الإسلام تذكّر بالموقف الذي شرحه "عبد الله الترجمان" ذلك القسيس الأسباني الذي غادر كليّة اللاهوت ببولونيا في ايطاليا في أواخر القرن الرابع عشر للميلاد الى تونس، حيث أعلن اسلامه أمام السلطان أبو العبّاس الحفصيّ.

وتأثّرت الجالية الإسلاميّة في غرب فرنسا بوفاة هذا الرجل الذي خصّص جزءاً كبيراً من ماله ووقته من أجل مساعدة العمّال المسلمين من أفريقيا الشمالية وأفريقيا السوداء ومن تركيا، منذ ربع قرن. فكان يطرق بابه كلّ من واجه صعوبات في ميادين الشغل والسّكن وتربية الأطفال.. وتمكّن الأب دوشمان من تخفيف المشاق التي يعانيها العمّال المغتربون..

وقبل هذا المنعطف من حياته، كان قد اعتنى بمعرفة الإسلام عندما أراد أن يصير مبشّراً في المغرب أو في أفريقيا، وهو مُعجب في بداية شبابه بالأب دوفوكو الذي كوّن مجموعة دينية لتختصّ بتنصير المسلمين، ولم يستطع تنفيذ هذا المشروع نظراً لحالته الصحيّة، وعوض السفر خارج فرنسا دخل دوشمان معهد اعداد القسيسين، حيث تخرّج عام 1932م، وهو في الرابعة والعشرين من عمره، وعُين على رأس كنائس عديدة في المدن والقرى المجاورة لمدينته لومانس، والتي كان يقطن أحد أحيائها الشعبيّة.

كان حلم دوشمان وثقافته، زيادة على ذوقه كرسّام يرسم لوحات زيتيّة تحت امضاء "دوتو"، وهو اسم مُستعار، يجعلانه مطلوباً من طرف أغنياء وأشراف المقاطعة الذين كانوا ينتظرون من القسيس ثقافة عليا زيادة على معرفته بعلم اللاهوت وتاريخ الكنيسة.. إلاّ أنّه كان لا يحتمل جوانب من النفسيّة السائدة داخل الكنيسة لأنّها تتناقض في نظره والصّراحة الناتجة عن الايمان الحقيقي. وسبق له أن حرّر كتاباً يتهكّم فيه على تصرّف بعض المسؤولين في الكنيسة، إلاّ أنّه لم يرد نشر هذا الكتاب القيّم الذي كان يقرأ صفحات منه للقسيسين الذين كانوا يدعوهم الى مائدته من أجل تسليتهم. في هذه الفترة كان الأب دوشمان قسيساً مثاليّاً متمسّكاً بقيم الانجيل أكثر ممّا كان متفقاً مع الكنيسة ولا يتحمّل ما يقترب من النفاق، ومع هذا كان منضبطاً يمتثل للأوامر الآتية من القمّة.

في سنة 1947م عثر الأب دوشمان على ترجمة لسورة الفاتحة وانكبّ على قراءتها وصار يقرأ هذه الترجمة وسط الأدعية المسيحيّة، الى أن زار مسجد باريس سنة 1957م بمناسبة معرض فنّي. فاشترى هناك ترجمة كاملة للقرآن للأستاذ مونتي. وتعوّد منذ تلك الفترة على قراءة القرآن عدّة مرّات في كلّ سنة.

وبعد انتهاء حرب الجزائر تعرّف على بعض الجزائريين الذين هاجروا مع الجيش الفرنسيّ، وبعد انتهاء تعاقدهم خرجوا من الثكنات الواقعة قرب مدينة لامانس، واتّصلوا به كي يساعدهم في بحثهم على العمل. وهكذا تمّ الاتصال بين الأب دوشمان والجالية الإسلامية بمدينة لامانس وضواحيها.. وممّا لاحظه التأثير الدينيّ على سلوكهم وثقافتهم، وكان يحسن الحوار معهم، رغم جهلهم للّغة الفرنسية وعدم معرفته اللغة العربيّة الى أن فكّر يوماً بفتح مسجد كي يتجمّع فيه العمّال الذين كانوا يصلّون في بيته. وجّه الطلب الأوّل الى ادارة الكنيسة كي تقبل بيع قطعة من الأرض لجمعيّة مسلمي السارت التي أسّسها عدد من المهاجرين ذوي الأقدميّة بفرنسا بوحي من القسيس الذي حرّر النصوص الأساسيّة، وقام ببقيّة الاجراءات الاداريّة سنة 1970م. لم تقبل الكنيسة تنفيذ هذا المشروع نظراً للأفكار المسبقة عن الإسلام السائدة آنذاك في الأوساط المسيحيّة، إلا أنّ الحاح الأب دوشمان جعل الأسقف شوفالييه يوافق على بيع القطعة من الأرض الواقعة بحي "فلونسار" على الطريق المؤديّ الى مدينة تور.

وهكذا شرع في بناء المسجد بفضل تطوّع عدد من العمّال المسلمين (الذين يشتغلون في قطاع البناء) وتمويل من طرف محسنين آخرين. وكان الأب دوشمان هو أسخى هؤلاء المحسنين، حيث كان يدفع ثمن التكاليف التي لم يتمكّن من دفعها العمّال، وهكذا فُتح واحد من أكبر المساجد خارج باريس في أوائل السبعينات، واستمرّ الأب دوشمان في اعتنائه بالجالية الإسلاميّة الى أن صار يتردّد على المقاهي ليلتقي بالعمّال المسلمين المنسيين من حكوماتهم والمتروكين من طرف الفرنسيين والهيئات المسمّاة بالوطنيّة. وعندما كان يحاول أن ينهاهم عن شرب الخمر ردّ عليه مرّة أحدهم قائلاً له: "لماذا تشرب الخمر وأنتَ رجل دين؟" فقرّر القسيس منذ هذا الوقت الكفّ عن شرب الخمر، كي تصبح نصائحه مسموعة لدى الذين يسعى من أجل انقاذهم.

ثم صار يرافق الذين هجروا المقاهي ليرجعوا الى المسجد ليصلّي معهم يوم الجمعة، وفي شهر رمضان، بدأ يصوم مع المسلمين، في حين كان يتابع نشاطه كقسيس مسيحيّ يقوم بالصّلوات والوعظ في كنائس لومانس وضواحيها. وكان المسيحيّون التقليديّون يتذوّقون خطبه الدينيّة. بعد أن شرع في تعميق معرفته للاسلام صار يقرأ كلّ ما نُشر عن هذا الدين. وراجع دروسه الدينية، وفتح من جديد الكتب التي كانت مسطّرة في برنامج معهد إعداد القسيسين الذي تخرّج منه سنة 1932م. الى أن أصبح خبيراً في المقارنة بين الديانتين المسيحيّة والإسلام. وصار يُدخِل كثيراً من الأفكار الإسلاميّة في خطبه الدينيّة الموجّهة للمسيحيين. واجتاز مراحل شتّى أدّت به الى رفض عدد من المعتقدات المسيحيّة مثل فكرة الوهيّة عيسى (عليه السلام) وفكرة التثليث. وبعد صدور كتاب نشره الكاردينال دانيالو، في أواخر الستينات، يتساءل فيه المؤلّف حول الظروف التي كُتبت فيها الأناجيل وتأثير القدّيس بول (الذي لم يعرف السيّد المسيح) على محرّري الأناجيل، صار الأب دوشمان يقارن هذا باحتفاظ المسلمين بالنصّ الأصليّ.

وتمعّن كثيراً في الآيات الموجّهة لأهل الكتاب وللمسيحيين مثل: (يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم) و (لتجدنّ أقرب النّاس مودّة للّذين آمنوا الذين قالوا انّا نصارى).. (ذلك أنّ فيهم قسّيسين ورهباناً.. وأنّهم لا يستكبرون).

وتعجّب كثيراً عندما قال له الاستاذ حميد الله، بعد توديعه اثر زيارة المسجد الجديد: "سنلتقي إن شاء الله يوم القيامة" فسأل القسيس: "أيستطيع رجل دين مسيحيّ أن يكون مع المسلمين يوم القيامة؟".. ثم أكّد له حميد الله: "نعم، انّ الله يجازي كل من سعى من أجل أن يُعبد في هذه الأرض". فقارن القسيس ذلك بمبدأ المسيحيين بأن "لا نجاة خارج الكنيسة". وأعاد قراءة الآيات التي تضمن الجنّة لكلّ (مَن آمَنَ وعمِلَ صالحاً).

وفي سنة 1976م، قام الأب دوشمان بزيارة الى الهند وباكستان استغرقت أربعين يوماً، واحتفظ بانطباعات ايجابيّة.. وربّما قرّر القسيس اعتناقه الإسلام، في هذه السنة، إلاّ أنّه صار يخفي ذلك، كي لا يزعج ابنة خالته التي كفلها والتي كانت تُبدي تمسّكاً شديداً بالمسيحية التقليديّة. وبعد وفاتها سنة 1982م، غيّر دوشمان مناخ بيته، حيث وضع اسم الله في الأماكن التي كان فيها صليب أو صنم. وكان قد اختار لنفسه اسم "عبد المجيد" لأنه اسم الشاب التونسيّ الذي ساعده على معرفة الإسلام، فيما بقي حريصاً على الصلوات الخمس وصوم رمضان، وتابع خطبه أمام المصلّين المسيحيين الذين لم يلاحظ إلاّ القليل منهم أنّ قسيسهم المفضّل صار يخاطبهم حول عظمة الله أكثر ممّا يركّز على شخصيّة السيّد المسيح (ع).

وفي سنة 1983م توجّه الى مسجد باريس ليعلن عن اسلامه رسميّاً للتحصيل على شهادة الاعتناق. لأنّه قرّر أن يذهب ليقيم في بلد اسلاميّ حتّى يُدفن في أرض الإسلام.. وكان لإعلان اسلامه رسميّاً ردود فعل في الأوساط المسيحيّة المحليّة شجّعته على مغادرة مسقط رأسه، إلاّ أنّ الأسقف جلسون حرص على استمرار الصّلة معه، رغم عدم ادراكه لمثل هذه المبادرة التي تزداد غرابة في نظره، لأنّها أتت من أحسن القسيسين في العلم والتقوى.

وفي أغسطس (آب) غادر عبد المجيد دوشمان مدينته لومانس متوجّهاً الى الدار البيضاء في المغرب، حيث فوجىء بالفرق الموجود بين فكرته عن الإسلام وأوضاع المسلمين الراهنة..

 

المصدر : "الإسلام والغرب، الوجه الآخر" تأليف حسن السعيد

 


15-معلمة اللاهوت السابقة الأمريكية ماري واتسون

 

معلمة اللاهوت "ميري واتسون" بعد إسلامها :

*درست اللاهوت في ثماني سنوات.. واهتديت إلى الإسلام في أسبوع !!

*يوم إسلامي يوم ميلادي.. والمسلمون بحاجة إلى قوة الإيمان

 

بين الشك واليقين مسافات، وبين الشر والخير خطوات، اجتازتها "ميري واتسون" معلمة اللاهوت سابقاً بإحدى جامعات الفلبين، والمنصِّرة والقسيسة التي تحولت بفضل الله إلى داعية إسلامية تنطلق بدعوتها من بريدة بالمملكة العربية السعودية بمركز توعية الجاليات بالقصيم، لتروي لنا كيف وصلت إلى شاطئ الإسلام وتسمت باسم خديجة.

 

بياناتك الشخصية قبل وبعد الإسلام؟

أحمد الله على نعمة الإسلام، كان اسمي قبل الإسلام "ميري" ولديَّ سبعة أبناء بين البنين والبنات من زوج فلبيني، فأنا أمريكية المولد في ولاية أوهايو، وعشت معظم شبابي بين لوس أنجلوس والفلبين، والآن بعد الإسلام ولله الحمد اسمي خديجة، وقد اخترته لأن السيدة خديجة ـ رضي الله عنها ـ كانت أرملة وكذلك أنا كنت أرملة، وكان لديها أولاد، وأنا كذلك، وكانت تبلغ من العمر 40 عاماً عندما تزوجت من النبي صلى الله عليه وسلم، وآمنت بما أنزل عليه، وكذلك أنا كنت في الأربعينيات، عندما اعتنقت الإسلام، كما أنني معجبة جداً بشخصيتها، لأنها عندما نزل الوحي على محمد صلى الله عليه وسلم آزرته وشجعته دون تردد، لذلك فأنا أحب شخصيتها.

 

حدثينا عن رحلتك مع النصرانية.

كان لديَّ ثلاث درجات علمية: درجة من كلية ثلاث سنوات في أمريكا، وبكالوريوس في علم اللاهوت بالفلبين، ومعلمة اللاهوت في كليتين فقد كنت لاهوتية وأستاذاً محاضراً وقسيسة ومنصِّرة، كذلك عملت في الإذاعة بمحطة الدين النصراني لإذاعة الوعظ النصراني، وكذلك ضيفة على برامج أخرى في التلفاز، وكتبت مقالات ضد وماذا عن أولادك؟

 

عندما كنت أعمل بالمركز الإسلامي بالفلبين كنت أحضر للبيت بعض الكتيبات والمجلات وأتركها بالمنزل على الطاولة "متعمدة" عسى أن يهدي الله ابني "كريستوفر" إلى الإسلام، إذ إنه الوحيد الذي يعيش معي، وبالفعل بدأ هو وصديقه يقرآنها ويتركانها كما هي تماماً، كذلك كان لديَّ "منبه أذان" فأخذ يستمع إليه مراراً وتكراراً وأنا بالخارج ثم أخبرني بعد ذلك برغبته في الإسلام، ففرحت جداً وشجعته ثم جاء إخوة عدة من المركز الإسلامي لمناقشته في الإسلام وعلى أثرها أعلن الشهادة وهو ابني الوحيد الذي اعتنق الإسلام في الوقت الحالي، وسمى نفسه عمر، وأدعو الله أن يمنَّ على باقي أولادي بنعمة الإسلام.

 

 

ما الذي أعجبك في دين الإسلام؟

الإسلام هو الطريق الأكمل والأمثل للحياة، بمعنى آخر هو البوصلة التي توجه كل مظاهر الحياة في الاقتصاد والاجتماع وغيرها حتى الأسرة وكيفية التعامل بين أفرادها.

 

ما أكثر الآيات التي أثارت قلبك؟

قوله تعالى: { هم درجات عند الله والله بصير بما يعملون } . فهي تعني لي الكثير وقد ساعدتني وقت الشدة.

 

ما نوعية الكتب التي قرأتها؟

أحب القراءة جداً. فقد قرأت في البخاري ومسلم والسيرة النبوية، وعن بعض الصحابة والصحابيات بجانب تفسير القرآن طبعاً وكتب غيرها كثيرة.

 

الخوض في أجواء جديدة له متاعب، فما الصعوبات التي واجهتها؟

كنت أعيش بين أمريكا والفلبين كما أن بناتي جميعهن متزوجات هناك وعندما أسلمت كان رد ثلاث من بناتي عنيفاً إزاء اعتناقي الإسلام والباقيات اعتبرنه حرية شخصية، كما أن بيتي وتليفوني روقبا، فقررت الاستقرار في الفلبين، لكن تنكر لي أهل زوجي لأني من قبل كنت مرتبطة بهم لكون أبي وأمي ميتين، لذلك بكيت ثلاثة أيام، وعندما كنت أظهر في الشارع بهذا الزي كان الأطفال ينادون عليَّ بالشيخة أو الخيمة، فكنت أعتبر هذا بمثابة دعوة إلى الإسلام، كما تجنبني كل من يعرفني تماماً.

 

هل حضرت ندوات أو مؤتمرات بعد اعتناق الإسلام؟

لم أحضر، ولكن ألقيت العديد من المحاضرات عنه في الجامعات والكليات بالفلبين، وقد دعيت من قبل رؤساء بعض الدول لإجراء محاورات بين مسلمة ونصرانية لكن لا أحب هذه المحاورات لأن أسلوبها عنيف في النقاش، وأنا لا أحب هذه الطريقة في الدعوة بل أفضل الأسلوب الهادئ لا سيما اهتمامنا بالشخص نفسه أولاً ثم دعوته ثانياً.

 

ما رأيك فيما يُقال عن خطة عمرها ربع القرن المقبل لتنصير المسلمين؟

بعد قراءتي عن الإسلام وفي الإسلام علمت لماذا الإسلام مضطهد من جميع الديانات لأنه أكثر الديانات انتشاراً على مستوى العالم، وأن المسلمين أقوى ناس لأنهم لا يبدلون دينهم ولا يرضون غيره بديلاً، ذلك أن دين الإسلام هو دين الحق وأي دين آخر لن يعطيهم ما يعطيه لهم الإسلام.

 

ماذا تأملين لنفسك وللإسلام؟

لنفسي ـ إن شاء الله ـ سأذهب إلى إفريقيا، لأدرس بها وأعمل بالدعوة، كما آمل أن أزور مصر لأرى فرعونها الذي ذُكر في القرآن، وجعله الله آية للناس، أما بالنسبة للإسلام، فنحن نحتاج إلى إظهار صحته وقوته وحسنه، وسط البيئات التي يحدث فيها تعتيم أو تشويش إعلامي. كما نحتاج إلى مسلمين أقوياء الإيمان، إيمانهم لا يفتر، يقومون بالدعوة إلى الله.

الإسلام قبل توبتي، فأسأل الله أن يغفر لي، فلقد كنت متعصبة جداً للنصرانية.

 

ما نقطة تحولك إذن من منصِّرة إلى داعية إسلامية؟

كنت في إحدى الحملات التنصيرية إلى الفلبين لإلقاء بعض المحاضرات، فإذا بأستاذ محاضر فلبيني جاء من إحدى الدول العربية، لاحظت عليه أموراً غريبة، فأخذت أسأله وألحّ عليه حتى عرفت أنه أسلم هناك، ولا أحد يعرف بإسلامه وقتئذ.

 

وكيف تخطيت هذه الحواجز وصولاً إلى الإسلام؟

بعدما سمعت عن الإسلام من هذا الدكتور الفلبيني راودتني أسئلة كثيرة: لماذا أسلم؟ ولماذا بدل دينه؟ لابد من أن هناك شيئاً في هذا الدين وفيما تقوله النصرانية عنه ؟! ففكرت في صديقة قديمة فلبينية أسلمت وكانت تعمل بالجزيرة، فذهبت إليها، وبدأت أسألها عن الإسلام، وأول شيء سألتها عنه معاملة النساء، لأن النصرانية تعتقد أن النساء المسلمات وحقوقهن في المستوى الأدنى في دينهن، وهذا غير صحيح طبعاً، كما كنت أعتقد أن الإسلام يسمح للأزواج بضرب زوجاتهم، لذلك هن مختبئات وكائنات في منازلهن دائماً !

 

ارتحت كثيراً لكلامها فاستطردت أسألها عن الله عز وجل، وعن النبي محمد صلى الله عليه وسلم وعندما عرضت عليَّ أن أذهب إلى المركز الإسلامي ترددت فشجعتني فدعوت "الرب" وابتهلت إليه حتى يهديني، وذهبت فاندهشوا جداً من معلوماتي الغزيرة عن النصرانية ومعتقداتي الخاطئة عن الإسلام،. وصححوا ذلك لي، وأعطوني كتيبات أخذت أقرأ فيها كل يوم وأتحدث إليهم ثلاث ساعات يومياً لمدة أسبوع، كنت قد قرأت بنهايته 12 كتاباً، وكانت تلك المرة الأولى التي أقرأ فيها كتباً لمؤلفين مسلمين والنتيجة أنني اكتشفت أن الكتب التي قد كنت قرأتها من قبل لمؤلفين نصارى ممتلئة بسوء الفهم والمغالطات عن الإسلام والمسلمين، لذلك عاودت السؤال مرة أخرى عن حقيقة القرآن الكريم، وهذه الكلمات التي تُقال في الصلاة.

 

وفي نهاية الأسبوع عرفت أنه دين الحق، وأن الله وحده لا شريك له، وأنه هو الذي يغفر الذنوب والخطايا، وينقذنا من عذاب الآخرة، لكن لم يكن الإسلام قد استقر في قلبي بعد، لأن الشيطان دائماً يشعل فتيل الخوف والقلق في النفـــس، فكثف لي مركز التوعية الإسلامي المحاضرات، وابتهلت إلى الله أن يهديني، وفي خلال الشهر الثاني شعرت في ليلة ـ وأنا مستلقية على فراشـــي وكاد النوم يقارب جفوني ـ بشيء غريب استقر في قلبي، فاعتدلت من فوري وقلت يا رب أنا مؤمنة لك وحدك، ونطقت بالشهادة وشعرت بعدها باطمئنان وراحة تعم كل بدني والحمد لله على الإسلام، ولم أندم أبداً على هذا اليوم الذي يعتبر يوم ميلادي.

 

وكيف تسير رحلتك مع الإسلام الآن؟

بعد إسلامي تركت عملي كأستاذة في كليتي وبعد شهور عدة طلب مني أن أنظم جلسات أو ندوات نسوية للدراسات الإسلامية في مركز إسلامي بالفلبين حيث موطن إقامتي، وظللت أعمل به تقريباً لمدة سنة ونصف، ثم عملت بمركز توعية الجاليات بالقصيم ـ القسم النسائي كداعية إسلامية خاصة متحدثة باللغة الفلبينية بجانب لغتي الأصلية.

 

 

16-معلم النصرانية السابق السريلانكي ألدو دمريس

 

كان "ألدو دمريس" أحد القساوسة الذين بلغ حماسهم للنصرانية منتهاه و من الدعاة المخلصين لها في بلاده سيريلانكا ، فقد كانت مهمته تلقين النشء الصغير عقيدة التثليث و أن يزرعها في نفوسهم و يعمقها في وجدانهم و عقلهم ليشبوا نصارى لا يعرفون غير النصرانية ديناً ، و ساعده على اتقان عمله كونه أحد المتخصصين في علم مقارنة الأديان إلى جانب مؤهله الجامعي في الاقتصاد و التجارة الذي هيأ له فرصة العمل بالمملكة العربية السعودية التي منها بدأت قصة إيمانه بالإسلام .

 

لقد كان "ألدو دمريس" يظن أن المسلمين قوم وثنيون يعبدون القمر ، و هذا الظن كان نتيجة فهم خاطئ بسبب تحري المسلمين ظهور القمر كل أول شهر قمري ، إذ لم يكن يدري أن هذا يعود إلى ضرورة معرفة بدايات الشهور كي يتسنى لهم أداء فريضة الصوم و الحج في موعدهما ... و كان بفهمه القاصر ـ آن ذاك ـ يعتقد أن قيام المسلمين بمثل هذا هو ضرب من ضروب عبادة القمر كما يفعل الوثنيون ، و قد أسهم في ترسيخ هذه الفكرة الخاطئة لديه نشأته في أسرة نصرانية متعصبة ، و لذلك كان أمر إسلامه بعيداً عن مخيلة من يعرفونه ، فضلاً عن مخيلته هو نفسه .

 

و عندما جاء "ألدو" إلى المملكة العربية السعودية استوقفه و أثار انتباهه إغلاق المحال التجارية و انصراف جموع المسلمين إلى المسجد حين يؤذن المنادي للصلاة ، لقد شده هذا المشهد بما يجسده من معانٍ عميقة في نفوس المسلمين و اعتزازهم بدينهم .. كما أثار انتباهه المعاملة الطيبة التي قوبل بها ، فضلاً عن معرفته ـ أخيراً ـ أن الإسلام يدعو إلى قيم و مبادئ لو طبقت لساد العالم الحب و العدل ، و من ثم بدأت نفسه تميل إلى معرفة سر هذا الدين .

 

و حين قوي هذا الإحساس في داخله بدأ لا يكتفي بالسؤال ، و إنما أخذ يبحث عن نسخة مترجمة لمعاني القرآن الكريم كي يكتشف بنفسه نواحي بلاغته و إعجازه .. و لم يلبث أن تحقق له ما أراد حين وجدها لدى أحد أصدقائه المسلمين فاستعارها منه فرحاً ، و ظل عاكفاً عليها يدرسها حتى حان أذان الفجر و سمع المؤذن ينادي للصلاة ، فدمعت عيناه ، و لم يملك إلا أن يهرع ليغتسل و يصلي كما رأى المسلمين بفعلون .

 

كان لابد أن يتوج "ألدو" إيمانه بإثباته رسمياً كي يتمكن من زيارة الكعبة الشريفة و المسجد النبوي الشريف ، و من ثم توجه إلى أحد أصدقائه المسلمين ليرشده إلى طريق إشهار إسلامه الذي تحقق بحضور القاضي الشرعي معلناً مولده من جديد باسم "محمد شريف" .

 

و لم يكتفِ "محمد شريف" بإسلامه ، فقد شعر بأن عليه واجباً مطلوب منه أن يؤديه و هو الإسهام في هداية غيره ، و لا سيما هؤلاء الذين كان هو أحد أسباب تعمق النصرانية في نفوسهم من أهله و تلاميذه .

 

و استطاع بمثابرته و أسلوب حواره الهادئ المبني على الحقائق أن يقنع أهله و الكثير من أقاربه بأن الإسلام دين الحق ، فآمنوا به بما فيهم صديق قس صار ـ بعد إسلامه ـ من أخلص المؤمنين لدين الله ، كما نجح في هداية تلاميذه السابقين ، فأسلم معظمهم .

 

و من الجدير بالإشارة أن دراسة "محمد شريف" للنصرانية ـ كما يقول هو ـ كانت خير معين له في إقناع أولئك الذين هداهم الله ، إذ أوضح لهم بعد أن منَّ الله عليه بالهداية مدى التضارب الحاصل في الأناجيل حول طبيعة عيسى عليه السلام في الوقت الذي يتخذ القرآن الكريم موقفاً محدداً واضحاً حول طبيعة ذلك النبي محمد صلى الله عليه و سلم ، موقف يقبله العقل و يتفق مع المنطق .

 

هذا ، و يعد "محمد شريف" نموذجاً للداعية المسلم ، حيث استفاد من معرفته لثماني لغات في الدعوة لله بين الناطقين بتلك اللغات ، و له ـ كداعية ـ آراء و أساليب للدعوة إلى دين الله ينبغي الالتفات إليها لأنها تصدر عن تجربة عملية ، من ذلك :

 

يرى أن الدعوة الإسلامية لا تزال تفتقر إلى أمور كثيرة ، منها على سبيل المثال قلة الرسائل و المطبوعات التي تدعو الناس إلى دين الله ، في حين كانت تتوفر لديه أثناء عمله في التنصير .

 

كما يرى أن الدعاة المسلمين مطالبون بالتغلغل في الأوساط الشعبية في مختلف البلدان ليشرحوا للناس حقيقة الإسلام و مزاياه الفريدة ، و لا سيما أن التصورات لدى العام في البلدان غير الإسلامية بفعل تأثير دعاة النصرانية في غير صالح الإسلام ، و من ثم فمن غير المنطقي أن ندعو الناس إلى الدخول في دين معلوماتهم عنه مشوهة .

 

لذا يطالب "محمد شريف" بضرورة اتباع طرق تكتيكية في الدعوة الإسلامية تبدأ بشرح جوهر الإسلام و كيف أن الدين عند الله الإسلام ، و تبيان حقيقة كون عيسى عليه السلام نبياً مرسلاً بالحق ، و توضيح مقدار إجلال المسلمين له باعتباره نبياً ، و لأمه العذراء التي يضعها الإسلام في مقدمة نساء الجنة .

 

و يشير كذلك إلى جزئية هامة ، و هي تقع على عاتق أثرياء المسلمين ، فيرى أن الواجب يحتم عليهم أن يبادروا إلى طبع ترجمات لمعاني القرآن الكريم و الكتب التي تتناول جوهر العقيدة الإسلامية و غيرها من الكتب التي تصلح للدعوة إلى مختلف اللغات ، ذلك أن كثيرين من أبناء الملل الأخرى يتوقون إلى التعرف على حقيقة الإسلام و تعاليمه ، غير أن حاجز اللغة يقف حجر عثرة أمام تحقيق مطلبهم .

 

و يبرز "محمد شريف" حقيقة ليعلمها أثرياء المسلمين ، فيقول :

"إن نشاطات التنصير تجد دعماً من أغنياء النصرانية ، في حين يلقي المسلمون تبعة نشاطات الدعوة على عاتق الحكومات و المنظمات و الهيئات التي تكون ـ عادة ـ مشغولة بألوان متعددة من النشاطات " .

 

و هكذا نجد أنفسنا أمام شخصية قد أخلصت في اعتناقها للإسلام ، إلى حد غيرتها على الدعوة إليه بتبصرة الدعاة المسلمين إلى أساليبها و متطلباتها ليكون لها أثر فعال .

 

17-معلم النصرانية السابق الهندي كرست راجا

 

كرست راجا العالم النصرانى الذي اعتنق الإسلام :قرأت القرآن بقصد الانتقاد ولكن الله هدانى إلى الإسلام.

عالم نصرانى فى ولاية "تملنادو" من أقصى جنوب الهند تعمق فى دراسة كتب اليهود والنصارى المسماة بالكتب المقدسة. وكان يعتقد أن القرآن مسروق من العهد القديم والجديد، فوجد فرصة لقراءة ترجمة معانى القرآن الكريم فى اللغة التاميلية فعرف أنه منزل من عند الله تعالى فنطق بكلمة التوحيد وسمى نفسه "محمد".

حوار أجراه أبو بشرى

· ما قصة إسلامك يا محمد؟

· كان أسمى الأول "كرست راجا". ولدت فى عائلة نصرانية فى قرية من ولاية تلمنادور ولغتى التاميلية وأعرف عدداً من اللغات، منذ صغر سنى كنت أحب النصرانية وكذلك المسيح حباً شديداً، لأن أحبار النصارى كانوا يعلمونني أن الذى لا يحب المسيح لا يدخل الجنة،و نشأت على هذه العقيدة. وكنت أدعو الله دائما أن يحول المسلمين جميعا إلى النصرانية.

وفى أحد الأيام التقيت بعالم مسلم ووجدت فرصة لكى أناقش معه بعض الأمور المتعلقة بالإسلام والمسيحية، وتحدانى بقوله: لن تجد شيئاً فى القرآن يخالف العقل أو يخالف الفطرة وكان هذا التحدى سبباً لأقرأ القرآن الكريم فقرأت ترجمة المعانى فى اللغة التاميلية مرتين فعرفت أن الإسلام هو الدين الصحيح والنصرانية محرفة فقبلت الإسلام ديناً.

· هل واجهت أى مشكلة من مجمعك بعد اعلانك الإسلام؟

· طبعا واجهت مشاكل كثيرة من مجتمعى، إنهم كانوا ينظرون إلى نظرة السخرية وقالوا لى: انك صرت مجنونا وضحكوا على لأننى أطلقت اللحية بعد أن كنت متعودا على حلقها، وتحملت جميع هذه المشاكل من قومى وصبرت عليها لأننى كنت أقرأ فى القرآن قصص الدعاة والمصلحين من الآنبياء والرسل وتحملهم الأذى والمصائب فى سبيل التبليغ الدعوة إلى الله.

· هل أسلم على يدك أحد؟

· نعم أسلم على يدى زوجتى وثلاثة من أولادى وكذلك أسلم على يدى بعض الأخوة الآخرين.

· ماذا تعمل الآن يا محمد؟

· انكم تعلمون جيدا أن أحبار النصارى وعلماءهم ودعاتهم يتمتعون بكل نعيم فى الدنيا ويعيشون عيشة رضية بما يحصلون عليه من المعونات الهائلة من الدول النصرانية، وأننى تركت هذه كلها طمعا بما أعد الله لى فى الآخرة من نعيم فى الجنة، والآن أتجول فى القرى والمدن ماشيا والتقى بالناس أفراداً وجماعات أوجه الدعوة إليهم وأدعوهم إلى الإسلام وأبين لهم أباطيل دينهم وابذل جهدى لايصال ترجمة معانى القرآن الكريم إلى كل شخص من غير المسلمين. لأننى على يقين أنهم إذا قرأوا القرآن مرة واحدة من أوله إلى آخره فسيدخلون فى دين الله.

· قلت إنك تعمل فى مجال الدعوة فهل تشتغل بنفسك أو تتبع أحد المراكز الإسلامية؟

· إننى لا أستطيع أن اعمل منفرداً لأننى لا أجد ما أنفقه فلذلك اشتغل كداعية فى مركز الدعوة للمسلمين الجدد التابع لجمعية أهل القرآن والحديث فى ولاية تملنادوا جنوب الهند والتى تبذل جهدها فى نشر الدعوة إلى الله بين المسلمين وغيرهم.

· ماذا تريد أن تقول للمسلمين؟

· إن المستقبل للإسلام وآلاف من القلوب فى هذه المنطقة تنتظر الفرصة للدخول فى الإسلام وعلى المسلمين مسئولية كبرى، يجب عليهم أن يتمثلوا صورة الإسلام الصحيحة أولا ثم يقوموا بالدعوة المستمرة ويبذلوا جهدهم فى تعريف الإسلام لغير المسلمين من النصارى والهندوس وغيرهم، وعلى المؤسسات والهيئات الإسلامية فى داخل البلاد وخارجها التى تهتم بالشئون الدينية أن تقوم بتوزيع ترجمة معانى القرآن بكية كبيرة.

· وأقول أخيراً إن المسلمين هم المسئولون أمام الله لتأخر دخولى فى الإسلام. فقد كنت جاهلا به أكثر من ثلاثين سنة، وذلك بسبب المسلمين وتقصيرهم فى دعوتى للإسلام وبيان معانيه، وإننى أخشى أن يقول الناس جميعاً يوم القيامة أمام الله تعالى مثل قولى هذا..

 

المصدر: المجلة الخيرية العدد "74" محرم 1417 هـ

 


18-الشماس السابق المصري سيف الإسلام التهامي

 

المقدمة:

الحمد لله رب العالمين والصلاة و السلام على أشرف المرسلين محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة و أتم التسليم

و بعد....

 

النشأة:

ولدت في القاهرة في 30/7/1980 من أبوين نصرانيين,كان أبي أرمن كاثوليك و أمي إنجيلية( طوائف نصرانية ) , و كانت ابنة عم أبي راهبة في مدرسة راهبات الأرمن, و كان خالي قسيساُ في أحد الكنائس الإنجيلية, وكان لي أختان أكبر مني بأربع سنوات .

 

نشأت نشأة نصرانية بحتة, فمنذ نعومة أظافرى و أنا أذهب إلى الكنيسة كل يوم أحد، و في الأعياد، و في كل وقت أشاء حيث لم يكن علي رقيبٌ فيما يخص ذهابي للكنيسة فقد أحببت الذهاب إليها، و الاستمتاع بكل ما فيها من شعائر و صلوات و أيضاً ألعاب و معسكرات و رحلات.

 

التحقت بمدرسة نوباريان الأرمنية وهي مدرسة لا تقبل إلا النصارى الأرمن فقد كان عدد طلاب المدرسة من حضانة إلى ثانوي ما يقرب من 125 طالب فقط في جميع مراحل التعليم بها . وكان أول ما نفعله صباحاً في طابور المدرسة هو الصلاة ونحن واقفون في صفنا ، وكانت توجد كنيسة بالمدرسة وكان أكثر المدرسين في المدرسة نصارى .

 

فمن الواضح الآن للقارىء أني لم يكن لي أي إختلاط بالمسلمين إلا القليل من أصدقائي في الحي أو جيراني ، بل كانت معظم أوقاتي أقضيها بالكنيسة , وكنت أخدم كشماس في الكنيسة( والشماس هو الذي يساعد القسيس في مراسم القداس و الصلاة) .

 

واستمر بي الحال على ذلك حتى وصلت المرحلة الثانوية، وفي هذه المرحلة بدأت أرتبط بالكنيسة والقساوسة أكثر من ذي قبل وكنت سعيداً جداً بهذه العلاقة لأني كنت من المقربين لديهم وأصبحت أقوم بمعظم شعائر القداس من قراءة للإنجيل ورد على القسيس عندما يتلوا أي شيء منه ، بالإضافة إلى تحضير القربان والخمر للقداس (أعاذكم الله منها).

 

بداية الهداية:

و في يوم من الأيام كنت أجلس مع أحد أصدقائي المسلمين,

فقال لي : ألن تسلم ؟

فقلت له : ولم أسلم ؟ولم لا تتنصر أنت ؟

فقال لي عبارة كانت هي أشد ما سمعت ..

قال: (أنتم كلكم في النار ) !

فيالها من كلمة قوية وقعت عليَّ كالصاعقة ..

النار؟!؟

لماذا النار؟؟

و أناأعمل كل شيء صالح لأتقرب إلىربي لكي أدخل الجنة ثم يقول لي أني سوف أدخل...النار ؟

فعندما هدأت سألته: لماذا أدخل أنا والنصارى جميعاً النار وأنتم المسلمون تدخلون الجنة ؟

فقال : لأنكم تقولون ثالث ثلاثة وأن المسيح ابن الله وغيرها من الافتراءات على المسيح !

فقلت له: وكيف عرفت كل هذه الأشياء ..هل قرأت الإنجيل ؟

قال : لا بل قرأتها عندنا في القرآن .

 

الشك و اليقين:

فكان هذا من الأشياء العجيبة التي سمعتها أيضاً ، فكيف يعرف القرآن ما هو في ديننا (سابقاً) وكيف يقر بأن هذه الأشياء التي نقولها على المسيح كلها كفر وتؤدي إلى النار؟

 

عندئذ احتار أمري وبدأت أتفكر مليا في هذا الأمر ، ثم بدأت أقرأ الإنجيل ولأول مرة على بصيرة فقد كان على قلبي عمى ، وبدأت أجد الاختلافات الشديدة في ذكر نسب المسيح!

 

و إدعاء ألوهيته تارة و نبوته تارة أخرى!

فبدأت أتساءل من هو المسيح إذن ؟

أهو نبي أم ابن الله أم هو الله ؟

 

أسئلة بلا أجوبة!!:

وبدأت أضع بعض الأسئلة ثم أذهب بها إلى القسيس, لكى أحصل على الإجابة الشافية, ولكني لم أجد ما يثلج صدري في أي إجابة!

 

فأتذكر أني ذات مرة سألت القسيس: لماذا الكتاب المقدس يقول أن المسيح جالس على جبل الزيتون وهو يدعو الله ؟

 

.. فإن كان هو الله حقاً فلمن يدعو ؟ ولمن يسجد ؟ فأجابني إجابات لم أفهم منها شيئاً .

 

ثم بدأت أتفكر فيما كنا نفعله في الكنيسة من اعتراف بالخطايا والذنوب للقسيس وأيضاً المناولة(وهي عبارة عن جلاش طري يوضع في الخمر فيقول القسيس أن هذين الشيئين صارا دم وجسد المسيح ومن يأخذهم يغفر له ويطهر من الداخل! )

 

وتساءلت كيف يغفر ذنوبي بشراً مثله مثلي ؟!!

 

وهو لمن يعترف؟ ومن يغفر له ؟

 

وكيف يحل دم وجسد المسيح في هذه الكأس ؟

 

هل هذه خرافة أم حقيقة ؟

 

وكيف يطهر ما في داخلي ويغفر ذنوبي ؟

 

فبدأت الأسئلة تكثر داخلي ولم أجد لها إجابة ، فبدأت آخذ قراراتي من نفسي: مثل عدم الاعتراف للقسيس لأنه بشر مثلي ، وأيضاً عدم أخذ المناولة ، و آمنت أن المسيح عليه السلام نبياً لأنه بشر ...

 

والإله له صفات الكمال الخاصة التي تتنافى مع صفات البشر و بدأت أقرأ الإنجيل بدون أن أقول (ربنا يسوع المسيح) [ بنص الإنجيل ]

 

ولكن أقول يسوع المسيح (فقط) ، ولكن مع هذا لم أشعر بالراحة التي أريدها ولم أشعر أن هذا هو الحل في هذا الدين الذي أعتنقه .

 

{إنّ هذا القرآن يهدى للتى هى أقوم}

 

وأثناء ذلك وفي تلك الحقبة من حياتي ، كنت ذات يوم أستذكر دروسي في غرفتي داخل منزل الأسرة الذي يقع خلفه تماماً مسجد ، وكنا في شهر رمضان وكانت مكبرات الصوت تعمل من بعد صلاة العشاء خلال صلاة التراويح ، وكان صوت الإمام الذي يقرأ القرآن يصل إلى غرفتي ..

 

إنه صوت خافت وجميل كنت أشعر فيه بحلاوة تمس قلبي ولم أكن قد علمت بعد أن هذه التلاوة هي القرآن الكريم .

 

 

 

داخل الكنيسة:

ثم جاءت اللحظة التي شرح الله فيها صدري للإسلام وكان ذلك يوم الأحد بالقداس داخل الكنيسة عندما كنت أقرأ الإنجيل, قبل القداس استعداداً لقراءته على الناس خلال الصلاة.

 

وأثناء استعدادي سألت نفسي:

هل سأقول ربنا يسوع المسيح؟

أم يسوع المسيح فقط ؟

لأنه نبي وليس بإله ، ولكن إذا قلت ذلك سوف يدرك الحاضرون أني تجاوزت عن تلك الكلمة ، ولكن أيضاً كيف سأخالف ضميري ..

 

وفي النهاية قررت أني سأقرأ الإنجيل كما هو دون تغيير مادمت أمام الناس وأن أجعل هذا التغيير عندما أقرأه بمفردي .

 

وجاء ميعاد قراءتي للإنجيل خلال القداس ..

وبدأت أقرأ بثبات كما هو مكتوب تماماً حتى وقفت عند كلمة: (ربنا يسوع المسيح).. فأبى لساني أن ينطق بها, ولم أشعر بنفسي إلا و أنا أتجاوز كلمة (ربنا) خلال القراءة بالكلية ، وتعجب القسيس من ذلك الموقف, فأشار إلي بالجلوس فتوقفت عن القراءة ثم جلست ولكننا أكملنا الصلاة بشكل طبيعي ، حتى إذا انتهت الصلاة توجهت للغرفة الخاصة بنا..

 

وهنالك سألني القسيس: لم فعلت ذلك ؟

لماذا لم تقرأ الإنجيل كما هو ؟

فلم أجبه, وقلت له: إني أريد أن أذهب إلى البيت لأستريح!

وذهبت إلى غرفتي وأنا في غاية الدهشة..

لماذا فعلت ذلك ؟ و ماذا حدث لي؟

 

ومنذ ذلك اليوم, وأنا أنام قبل إتمام قراءة الإنجيل يومياً كما كنت معتاداً من ذي قبل، وأصبحت لا أشعر بالراحة لا في صلاة, ولا قراءة ولا حتى الذهاب إلى الكنيسة..

 

وظللت أتفكر في حالي

 (وتخترق أذني تلك الكلمة القاسية التي قالها لي صديقي المسلم)

 ( كلكم في النار..)

 

الطريق إلى اليقين:

بعدها.. أقبلت على القراءة الجادة في كتب المقارانات والكتب الإسلامية التي تتناول حياة المسيح ، فعرفت من هو المسيح في الإسلام, وعلمت أيضاً مالم أكن أعلم: وهو ذكر النبي (صلى الله عليه وسلم) في إنجيل العهدين القديم و الحديث..

 

وأكتشفت: أن المسيح وأمه مريم (عليهما السلام), مكرمان غاية التكريم في القرآن.

 

وأن المسيح (نبيّ), قال الله له كن: فكان.

 

وهو (روح منه)، فتأكدت حينئذِ أن الإنجيل الذي بين يديّ محرف، ويكثر فيه اللغط .

 

ثم علمت أن (الإسلام) هو دين الحق, وأن الله لا يرضى غير الإسلام ديناً ، وأنه هو الطريق إلى الجنة والنجاة من النار (التي لا يسعى إليها أحد).

 

فذهبت بعدها إلى إحدى المكتبات واشتريت مصحفاً كي أقرأ فيه..

 

وعندما قرأته لم أكن -حينها- أفهم منه شيئاً, ولكني والله أحسست براحة غريبة في صدري !!

 

لقد انشرح صدري لهذا الدين الذي ارتضاه الله لعباده وكرمهم به وأرشدهم إليه, فالحمد لله أولاً, والحمد لله آخراً ,والحمد لله أبداً أبداً ، الحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة .

 

ومن المدهش أيضاً أني عندما أخبرت أخواتي بالإسلام وجدتهن قد سبقاني إليه!!

 

ولم يعارضني منهن أحد، فالحمد لله الذي منَّ علينا جميعاً بالإسلام ..

 

فيومها نطقت بالشهادتين أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .

 

لقد ولدت من جديد، فما أجمله من دين, وما أعظمه من إله واحد أحد, لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد .

 

فلك الحمد يا إلهي, أنت عزي وأنت جاهي, فمن يستعين بسؤالك وأنت لا تخيب من راجاك .

 

اللهم فلك الحمد علي نعمة الإسلام وعلى نعمة الإيمان، اللهم ثبتني على ما أنا عليه واجعل آخر كلماتي في هذه الدنيا لا إله إلا الله محمد رسول الله فيها ومن أجلها أحيا وأموت وبها ألقاك، وصلاةً وسلاما على خير المرسلين إمام النبيين محمد صلى الله عليه وسلم تسليماً كبيراً عظيماً إلى يوم الدين.

 


19-المنصر السابق الألماني جي ميشيل

 

تعرضت بعثة تنصيرية رفيعة المستوى للفشل الذريع بسبب اعتناق رئيسها للدين الإسلامي، والذي تعرض لمحاولات مستميتة من قبل البعثة التنصيرية بهدف إبعاده عن اعتناق الإسلام، والتي وصلت إلى حد التهديد بالقتل... وترجع قصة هذا الخبر عندما إختارت منظمة التنصير بألمانيا الغربية "جى ميشيل"  G.Michel لكي يكون رئيساً للبعثة التنصيرية في الصومال، بجانب عمله كطبيب لأمراض العيون..

كانت بعثة تنصيرية اتخذت في خطتها مشروع تنصير القرن الافريقي، على أن تكون الصومال هي نقطة الانطلاق لعمليات التنصير.. وقد اتخذت هذه البعثة مشروعاً خيريّاً كستار تخفي من ورائه نشاطها المشبوه.. وكان هذا المشروع هو علاج أمراض العيون كي تنفذ من خلاله إلى المواطنين والتأثير عليهم بترغيبهم في الديانة المسيحية.

وبعد خمسة أشهر تلقت المنظمة تقارير تفيد بتفانيه في عمله كطبيب.. وإهماله للشق الآخر من مهمته، وهو التنصير.. فتلقى "جي ميشيل" برقية من رئاسة المنظمة تطلب منه ضرورة ذهابه إلى إنجلترا لقضاء فترة تدريبية لمدة شهر، ثم السفر منها إلى "تنزانيا".

وفي انجلترا تعرّف "جي ميشيل" على صديق مسلم من الصومال يدعى "محمد باهور" الذي وطد علاقة صداقته معه، وحدث أن دعاه ذات يوم لزيارة منزله... الذي يتحدث عنها قائلاً:

"بعد أن تعرفت على صديق مسلم من الصومال اسمه "محمد باهور" دعاني إلى زيارة منزله، فلبيت دعوته، وكان الترحيب من أسرته... وأثناء الزيارة فوجئت برجل يتكلم الإنجليزية بطلاقة مدهشة.. وعلمت أنه والد "صديقي محمد"، وفرحت به، وتمنيت أن أجذبه إلى الدين المسيحي حتى تتحقق عملية التنصير.. وبدأت مع هذا الرجل عملية جذبه للمسيحية بالحديث عنها معه.. وهو ينصت إليّّ بإصغاء تام، توقعت اقتناعه بما أقول، وبالتالي سيكون مفتاح "التنصير في المنطقة كلها".

ويسترسل رئيس البعثة التنصيرية حديثه بقوله:

"بعد أن أسهبت في الكلام عن المسيحية كدين لا يرقى في مكانته أية ديانة أخرى، وأنا أتعرض لعظمة الإنجيل والمسيح عيسى ابن الله.. فوجئت بوالد صديقي ممسكاً بنسخة من القرآن في يديه وسألني أتعرف هذا الكتاب.. فابتسمت ولم أجب، خشية إثارته أو التلميح له بمهمتي، ولكن أحسست أن هذا الرجل يدرك ما يدور بعقلي، فمنحني فرصة الخروج من المأزق.. وبدأ هو يتحدث عن الإنجيل وعن المسيح... ومن خلال حديثه أدركت تماماً أن المسلمين جميعاً يحبونه ويعترفون به، وخصوصاً أن الإسلام ذاته يدعو إلى الإيمان به وبغيره من الرسل والأنبياء، بل جعل ذلك من دعائم الإيمان بالإسلام.

ثم طلب مني والد صديقي أن أوجه له أي سؤال في الإنجيل أو في القرآن... فقلت له: كيف؟! قال: في القرآن كل شيء".

ويصمت "جي ميشيل" برهة وهو يستعيد حكايته مع الإسلام التي نُسجت خيوطها الاولى من خلال زيارة لصديقه والتقائه بوالده الذي أصغى إليه وهو يحاول أن يجذبه للمسيحية، ثم تعقيب والد صديقه على ما سمعه منه، وإفاضته في الحديث عن الإسلام في سلاسة ويُسر يستسيغه العقل والتفكير المنطقي.

ثم يستطرد قائلا:

"وتعددت زياراتي لوالد صديقي.. وكنت مُراقباً من أفراد البعثة الذين طلبوا مني عدم الذهاب إلى هذا المنزل، وفوجئت بعد ذلك بقرار نقل صديقي، ثم اعتقاله بدون سبب... أما بالنسبة لي فقد طلبوا مني الانتقال إلى "كينيا" لقضاء اجازة ممتعة على حد تعبير منظمة التنصير... ووصلتني رسالة ساخنة من والدي يطالبني فيها بالعودة إلى ألمانيا بأسرع ما يمكن".

ولكن "جي ميشيل" رئيس بعثة التنصير رفض الاستجابة لتعليمات رئاسته في المانيا.. كما رفض الاستجابه لطلب والده.. فكتب هذه البرقية إلى كل منهما:

"اطمئنوا تماماً.. كل شيء على ما يرام، وسأعتنق الإسلام".

وعكف "جي ميشيل" على دراسة الإسلام وتفهم تعاليمه وأركانه التي حث عليها.. بعدها أعلن اعتناقه للإسلام، وقام بتغيير اسمه إلى "عبد الجبار".

واستمر "عبد الجبار" في الصومال يؤدي رسالته كطبيب مسلم يعرف حق الله وحق مرضاه، ويعامل الناس بآداب الإسلام التي تحلّى بها في سلوكياته وأخلاقياته.

 

 

20-معلم اللاهوت السابق الدكتور آرثر ميلاستنوس

 

(آرثر ميلاسنتوس) دكتوراه في اللاهوت ، وكان الرجل الثالث في مجمع كنائس قارة آسيا .

قصته مع الإسلام:

في أثناء عمله بالتنصير عام 1983 قال لنفسه : أي ضير في قراءة القرآن من أجل الرد على المسلمين ؟ فتوجه إلى أحد المسلمين سائلاً إياه أن يعيره كتاب المقدس ، فوافق المسلم مشترطاً عليه أن يتوضأ قبل كل قراءة ، ثم شرع آرثر يقرأ القرآن خفية ، ولنستمع إليه يحدثنا عن تجربته الأولى مع القرآن :

"عندما قرأت القرآن أول مرة ، شعرت بصراع عنيف في أعماقي ، فثمة صوت يناديني ويحثني على اعتناق هذا الدين ، الذي يجعل علاقة الإنسان بربه علاقة مباشرة ، لا تحتاج إلى وساطات القسس ، ولا تباع فيها صكوك الغفران !! وفي يوم توضأت ، ثم أمسكت بالقرآن فقرأت : (( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ علَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا )) فأحسستُ بقشعريرة ، ثم قرأت : (( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِينًا ))

فحلّت السكينة في الروح الحيرى ، وشعرت أني قد خُلقت من جديد .

في تلك الليلة لم يصبر آرثر حتى تطلع الشمس ، بل اتجه حالاً إلى منزل صديقه المسلم ليسأله عن كيفية الدخول في الإسلام ، وبين حيرة الصديق ودهشته نطق آرثر بالشهادتين.

 

المصدر:ربحت محمداً ولم أخسر المسيح-د.عبدالمعطي الدالاتي

 


21-معلم اللاهوت السابق عبدالأحد داود

 

(بنجامين كلداني) أستاذ في علم اللاهوت ، وقسيس الروم الكاثوليك لطائفة الكلدانيين الموحدة ، يتكلم عدة لغات .

 

اسمه / هو دافيد بنجامين الكلداني ، كان قسيسا للروم من طائفة الكلدان ، وبعد إسلامه تمسى بعبد الأحد داود .

 

مولده / ولد عام 1868م ، في أروميا من بلاد فارس ، وتلقى تعليمه الابتدائي في تلك المدينة ، وبين عامي 1886 – 1889م كان أحد موظفي التعليم في إرسالية أساقفة " كانتر بوري " المبعوثة إلى النصارى النسطوريين في بلدته ، وفي عام 1892م أرسل إلى روما حيث تلقى تدريبا منتظما في الدراسات الفلسفية واللاهوتية في كلية " بروبوغاندافيد " وفي عام 1895م تم ترسيمه كاهنا ، وفي هذه الفترة شارك في كتابة سلسلة من المقالات التي تم نشرها في بعض الصحف المتخصصة ، وبعد عودته من روما توقف في إستانبول عام 1895م وأسهم في كتابة ونشر بعض المقالات عن الكنائس الشرقية في الصحف اليومية الإنجليزية والفرنسية .

 

لم يمكث طويلا في إستانبول بل عاد في نفس العام إلى بلدته ، وانضم إلى إرسالية " لازارست " الفرنسية ، ونشر لأول مرة في تأريخ الإرسالية منشورات فصلية دورية باللغة السريانية ، وبعد ذلك بعامين انتدب من قبل اثنين من رؤساء أساقفة الطائفة الكلدانية في بلده لتمثيل الكاثوليك الشرقيين في مؤتمر " القربان المقدس " الذي عقد في مدينة " باري لو مونيال " في فرنسا ، وفي عام 1898م عاد إلى قريته " ديجالا وافتتح مدرسة بالمجان .

وفي عام 1899م أرسلته السلطات الكنسية إلى سالماس ، لتحمل المسئولية ، حيث يوجد نزاعات بين بعض القياديين النصارى هناك ، وفي عام 1900م ألقى موعظة بليغة شهيرة ، حضرها جمع غفير من طائفته وغيرها ، وكان موضوعها :

( عصر جديد ورجال جدد ) انتقد فيها تواني بني قومه عن واجبهم الدعوي .

 

ما هي دوافع إسلامه ؟

يحدثنا عبدالأحد داود نفسه في كتبه عن هذه الدوافع ، ومنها :

 

 (1) عناية الله به ، إذ يقول لما سئل : كيف صرت مسلما ؟ كتب : إن اهتدائي للإسلام لا يمكن أن يعزى لأي سبب سوى عناية الله عز وجلب ، وبدون هداية الله فإن كل القراءات والأبحاث ، ومختلف الجهود التي تبذل للوصول لإلى الحقيقة لن تكون مجدية ، واللحظة التي آمنت بها بوحدانية الله ، وبنبيه الكريم صلوات الله عليه ، أصبحت نقطة تحولي نحو السلوك النموذجي المؤمن ) .

 

 (2) ومن الأسباب التي ذكرها أيضا والتي جعلته يعلن عصيانه على الكنيسة ، أنها تطلب من أن يؤمن بالشفاعة بين الله وبين خلقه في عدد من الأمور ، كالشفاعة للخلاص من الجحيم ، وكافتقار البشر إلى الشفيع المطلق بصورة مطلقة ، وأن هذا الشفيع إله تام وإنسان تام ، وأن رهبان الكنيسة أيضا شفعاء مطلقون ، كما تأمره الكنيسة بالتوسل إلى شفعاء لا يمكن حصرهم .

 

(3) من واقع دراسته لعقيدة الصلب وجد أن القرآن ينكرها والإنجيل المتداول يثبتها ، وكلاهما في الأصل من مصدر واحد ، فمن الطبيعي ألا يكون بينهما اختلاف ، ولكن وقع بينهماالاختلاف والتضاد ، فلا بد من الحكم على أحدهما بالتحريف ، فاستمر في بحثه وتحقيقه لهذه المسألة حتى توصل إلى الحقيقة ، حيث يقول :

 

( ولقد كانت نتيجة تتبعاتي وتحقيقي أن اقتنعت وأيقنت أن قصة قتل المسيح عليه السلام وصلبه ثم قيامه من بين الأموات قصة خرافية)

 

 (4) اعتقاد النصارى بالتثليث ، وادعاؤهم أن الصفة تسبق الموصوف كان أحد الأسباب التي دعته للخروج من المسيحية .

 

 (5) التقى بعدد من العلماء المسلمين وبعد مواجهات عديدة معهم اقتنع بالإسلام واعتنقه .

 

 (6)اعتزل الدنيا في منزله شهراً كاملاً ، يعيد قراءة الكتب المقدسة بلغاتها القديمة وبنصوصها الأصلية مرة بعد مرة ، ويدرسها دراسة متعمقة مقارنة ضمّن بعضها في كتابه الفذ (محمد في الكتاب المقدس) وأخيراً اعتنق الإسلام في مدينة استانبول ومن مؤلفاته (الإنجيل والصليب) . يقول عبد الأحد داود :

"في اللحظة التي آمنت فيها بوحدانية الله ،وبنبيه الكريم صلوات الله عليه ، بدأت نقطة تحولي نحو السلوك النموذجي المؤمن".

"لا إله إلا الله محمد رسول الله" هذه العقيدة سوف تظل عقيدة كل مؤمن حقيقي بالله حتى يوم الدين … وأنا مقتنع بأن السبيل الوحيد لفهم معنى الكتاب المقدس وروحه ، هو دراسته من وجهة النظر الإسلامية" .

المصدر: (محمد في الكتاب المقدس) عبد الأحد داود ص (162) - (عظماء ومفكرون يعتنقون الإسلام) محمد طماشي

 

من كتبه: الإنجيل والصليب علي هذا الرابط:

http://saaid.net/book/49.zip  

 

22-القس السابق محمد فؤاد الهاشمي

 

ألّف كتاب (الأديان في كفة الميزان) يقول فيه : "لقد كان قصدي من البحث في الإسلام استخراج العيوب التي أوحى إلي بها أساتذتي ، لكن وجدت أن ما زعموه في الإسلام عيوباً هو في الحقيقة مزايا ! فأخذ الإسلام بلبي ، فانقدت إليه ، وآمنت به عن تفكّر ودراسة وتمحيص ، وبها كلها رجحت كفة الإسلام ، وشالت كفة سواه"..

 

المصدر: عن ( الإسلام) الدكتور أحمد شلبي ص (288)

 

23- القس السابق ثاني أكبر قسيس في غانا

 

أخذوه طفلا فقيرا معدما يلبس الرث من الثياب ، وبالكاد يجد لقمة يومه ، ربوه في ملاجئهم ، درسوه في مدارسهم ، ما إن لحظوا منه نباهة حتى جعلوه من أولويات اهتماماتهم ، كان يتميز بذكاء حاد ونظرة ثاقبة في سن مبكرة من حياته ، سرعان ما شق طريقه في التعليم ، حتى نال أكبر الشهادات بالطبع كان ذلك مقابل دينه الذي يعرف انتماءه له ، لكنه تلفت يمنة ً ويسرة ً في وقت العوز والحاجة ، فما وجد أحدا إلا المنفرين - أعني المنصرين أو من يسمون أنفسهم بالمبشرين – أصبح قسيسا لامعا في بلده ، له لسان ساحر وأسلوب جذاب ومظهر لامع ، وبريق عينيه يقود من رآه إلى مرآب ساحته، ومع الأسف كانت ساحته هي التنصير ، وكم تنصر على يديه من مسلم .

 

وذات يوم إذ أراد الله هدايته ، تأمل … وأخذ يتساءل .. أنا لم أترك ديني لقناعة في الديانة النصرانية ، وإنما الجوع هو الذي قادني ، والحاجة هي التي دفعتني ، والعوز هو الذي ساقني ، وعلى الرغم من رغد العيش الذي أنا فيه ، والرفاهية التي أتمتع بها إلا أنني لم أجد الانشراح ولم أشعر وأنعم بالراحة والسعادة والطمأنينة إذ ما فتئت أقلق من المصير بعد الموت ، ولم أرس على بر أمان أو قاعدة صلبة تريح الضمير حول ما في الآخرة من مصير .

 

لماذا لا أتعرف على الإسلام أكثر؟ لماذا لا أقرأ القرآن مباشرة ، بدلا من الاكتفاء بمعلوماتي عن الإسلام من المصادر النصرانية التي ربما لم تعرض الإسلام بصورته الحقيقة .

 

وهنا شرع يقرأ القرآن ويتأمل ويقارن ، فوجد فيه الإنشراح والإطمئنان ، وانفرجت أساريره وعرف طريق الحق وسبيل النور " قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم " . هنا اتخذ قراره الحاسم وعزم على التصدي لكل عقبة تحول دون إسلامه ، تـُرى ماذا فعل؟ لقد عمل بالمثل القائل الباب الذي يأتيك منه الريح . افتحه وقف في وجهه. فذهب إلى الكنيسة وقابل الرجل الأول فيها القسيس الأوروبي الكبير عندهم ، وأخبره بقراره ، فظن أنه يمزح أو أنه هكذا أراد أن يقنع نفسه لكنه أكّد له أنه جاد في رغبته هذه ، فجن جنون الرجل وأخذ يزبد ويرعد ويهدد . . . ثم لما هدأ ، أخذ يذكره بما كان عليه وما صار إليه ، وما فيه الآن من نعمة ويسر ، وحاول إغراءه بالمال وأنه سيزيد راتبه ويعطيه منحة حالا ويزيد من المنحة السنوية ، ويزيد من صلاحياته ، و. . . و ... و.. لكن دون جدوى فجذوة الإيمان قد تغلغلت في شغاف القلب واستقرت في سويداء الضمير ، كذلك بشاشة الإيمان إذا خالطت القلب استقرت كما قال قيصر الروم لأبي سفيان فيما رواه البخاري رحمه الله.

 

هنا قال له : إذن تـُرجع لنا كل ما أعطيناك وتتجرد من كل ما تملك ، قال أما ما فات فليس لي سبيل إرجاعه ، وأما ما لدي الآن فخذوه كله ، وكان تحت يديه أربع سيارات لخدمته ، وفيلا كبيرة وغيرها ، فوقع تنازلا عن كل ما يملك ، وهو في هذا يعيد لنا أمجاد أبا يحيى صهيب الرومي رضي الله عنه الذي قال له الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه : ربح البيع أبا يحيى ، وذلك عندما استوقفه مشركو قريش في طريق هجرته وقالوا له جئتنا معدما فقيرا ثم استغنيت فوالله لا ندعك حتى تخرج من مالك فاشترى نفسه منهم بأن دلهم على ماله على أن يدعوه " إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة " .

 

اغتاظ القسيس الكبير وجرده حتى من ملابسه وطرده من الكنيسة شر طردة ، وظن أنه سيكابد الفقر يومين ثم يعود مستسمحا ، كيف لا يظن ذلك وهم المادّيّون حتى الثمالة. خرج أخونا من الكنيسة قال : وأنا لا ألبس سوى ما يستر عورتي ولا أملك سوى هذا الدين العظيم الإسلام ، وشعرت حينئذٍ أنني أسعد مخلوق على هذه البسيطة . سار ماشيا باتجاه المسجد الكبير وسط البلد وفي الطريق أخذ الناس يمشون بجانبه مستغربين ، ويقول بعضهم : لقد جن القسيس ، وهو لا يرد على أحد حتى وصل المسجد فلما هم بالدخول حاولوا منعه متسائلين إلى أين؟ وإذا بالجواب الصاعقة : جئت أُعلن إسلامي . عجباً ، القسيس الأشهر في البلاد الذي تنصر على يديه المئات ، الذي يظهر في شاشة التلفاز مرتين أسبوعيا ، الذي يمثل النصرانية في البلد ، الذي الذي الذي ….. يأتي اليوم ليُعلن إسلامه إنها سعادةٌ لا توصف ، وفرحة لا تعبر عنها الكلمات ، ولا تقدر على تصويرها الجمل والعبارات ، إنه أنسٌ غامر ، وإشراقة منيرة ، وكأنّ بالتاريخ يدوّي بصيحة اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين ، ومع فارق التشبيه إلا أنه رب إسلام شخص ٍ واحدٍ يجر خلفه إسلام المئات وإنقاذ العشرات من براثن التيه والضلال وحمأة الكفر والإنحلال .

 

المسلمون فرحون ، هذا أعطاه بنطالا وذاك أعطاه قميصا وآخر وهبه الشال ، حتى دخل المسجد وألقى بالمسلمين المتواجدين خطبة عصماء ، أعلن فيها إسلامه انطلقت على إثرها صيحات التكبير وارتفعت خلالها أصوات التهليل والتسبيح ، استبشارا وفرحا بإسلام مَن طالما دعاهم إلى الضلال ، إذا به اليوم يدعوهم إلى الهداية والإسلام ، وخلال يومين رجع الكثير الكثير ممن تنصروا إلى واحة دينهم الإسلام الوارفة الظلال ، حيث ينعمون في ظله وكنفه بآثار الهداية وطمأنينة سلوك السبيل القويم وراحة البال والضمير والخير العميم . " الذين ءامنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب "

 

بعد يومين من إعلانه إسلامه بدأ النصارى الحاقدون يبحثون عنه ليقتلوه وتهددوا وتوعّدوا فقام المسلمون بتهريبه إلى سيراليون سرا ، حيث أ ُعلِن عبر الإذاعة التي تملكها لجنة مسلمي أفريقيا الكويتية أنه سيُلقي خطابا للأمة بمناسبة إسلامه ، وأخذ الجميع يترقّب هذا الخطاب والكنيسة كانت ضمن المترقبين وقد توقعت أن يقوم بمهاجمتها أشد المهاجمة وإخراج كثير من أسرارها أمام الملأ والتجني عليها ، هذا ما كانت تتوقعه ، وقد أعدّت قبل خطابه مسودة لبيان سوف تنشره وكان يرتكز على أنها وجدته معدما فقيرا وقامت بمساعدته وتبنيه وتربيته وتكفلت بتعليمه حتى بلغ أعلى المستويات العلمية ثم هو يقوم بنكران الجميل وخيانة الأمانة ورد المعروف بالإساءة ، والتنكر لمن آواه ورعاه .

 

لكن الله خيّب فألهم وأغلق عليهم الطرق ، حيث قام صاحبنا بإلقاء خطاب خلاف توقعهم بدأ فيه بشكرهم على كل ما قدّموا له وذكر ما قدّموا له من رعاية ومأوى وتعليم وغيره بالتفصيل ودان لهم بعد الله بالفضل ، إلا أنه نوّه وأشار بطريقة لبقة تتسم بالذكاء إلى أن العقيدة وحرية الدين ليست تسير وفق العواطف بطريقة عمياوية وفضل الله تعالى فوق كل فضل ، ونعمة الله تعالى فوق كل نعمة ، ذلك بصياغة تجعل كل مَن خَدَمَتهُ الكنيسة يُعِيدُ النظرَ في هذه الخدمة والرعاية وأنها ليست مقياسا لصحة العقيدة ، وليست العامل المرجّح لاختيار الدين ، فأصاب الكنيسة في مقتل وأغلق الطريق أمامها لانتقاده والتشنيع عليه ، وأظهر دين الإسلام بأنه لا يرضى لأتباعه بنكران الجميل ، بل قال أن الدين الإسلامي يعلم أتباعه الوفاء ، لكنه لا يرضى لهم أبدا بإلغاء عقولهم " إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون " .

 

بعد الخطاب بيومين كان هناك حفل افتتاح مسجد الجامعة حيث حضر هذا الحفل في باحة الجامعة رئيس جمهورية سيراليون وجمع من المسئولين وبعض رجال الكنيسة الذين دعتهم الجامعة لتكريس التسامح الديني ولتلطيف الجو بعد الخطاب الذي ألقاه القس الذي أسلم ، وفي الحفل بعد تلاوة القرآن الكريم قام الشيخ طايس الجميلي حفظه الله ممثل لجنة مسلمي أفريقيا التي تكفلت ببناء المسجد بألقاء كلمة أشار فيها إلى إسلام ذلك القس وضمنها قوله تعالى " ولتجدن أقربهم مودة للذين ءامنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لايستكبرون وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا ءامنا فاكتبنا مع الشاهدين " وأن هذا هو حاله وما حدث معه وعندما شرع في شرح هذه الآية ووصل بشرحه عند الآية ترى أعينهم تفيض من الدمع والمترجم يترجم على الفور ، قال رأيت القساوسة الذين حضروا أخرجوا مناديلهم يمسحون دموعهم ، تأثرا أو مجاملة والله أعلم . قال أحد القساوسة لزميله الذي بجانبه أقسم أن هذا هو من أرشد ذلك القسيس ليجعل خطابه بالصورة التي ظهر عليها وأحرجنا . وسمعهم أحد المسلمين بجانبهم. والحمد لله على نصرة دينه ، والله أكبر ولله الحمد .

 

 

24-كبير أساقفة جوهانسبرج فردريك دولامارك

 

الدهشة للمسلمين والمسيحيين بالتساوي من إسلام كبير أساقفة جوهانسبرج

 

اهتزت دوائر التنصير العالمية إثر مفاجأة كبرى شهدتها مدينة "جنيف" السويسرية، إذ أعلن المونسينور "فردريك دولامارك" كبير أساقفة "جوهانسبرج" في صحن المركز الإسلامي الكبير بجنيف، مؤكداً إستعداده للبدء فوراً في قيامه بالتعريف بحقيقة الإسلام، والعمل على نشر تعاليمه في أنحاء القارة الإفريقية.

وسادت الدهشة والذهول أركان الكنيسة الكاثوليكية بعد أن أعلن الرجل أنه عندما درس الإسلام وجد صورة أخرى مختلفة للمسيح عيسى عليه السلام مما أحدث في نفسه أعمق الأثر... وتخشى الكنيسة من تأثر عدد كبير من قادة العمل التنصيري بتلك المفاجأة، حيث اشتهر "فردريك" برجاحة عقله وإنصافه للحقيقة.

المثير للانتباه أن "فردريك" قد وصلت غيرته على الإسلام إلى حد التأكيد على ضرورة تطوير أساليب الدعوة والاهتمام بدعمها، حيث إن هناك قصوراً في هذا الصدد ينبغي معالجته... وقد صرح بهذا المعنى في قوله:

"من المؤسف حقاً أن الجهود التنصيرية لا تشكو من أي نقص تنظيمي أو حركي أو مالي أو معنوي، وهذا ما نفتقده عند دعاة الإسلام، فضلاً عن المصاعب السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

 

25-القس السابق الأيرلندي يبكي عند قبر النبي

 

جاء إلى مصر بعد أن استقال من منصبه كأسقف في إحدى الولايات الأمريكية ليدرس الإسلام على يد شيوخ الأزهر وعلمائه.

كان يشعر بالشك في عقيدته بعد أن درس الفلسفة واللاهوت.. وبعد أن كان يقوم بتدريس المواد الدينية في إحدى المدارس الثانوية الكاثوليكية.. فقد كان مشغوفاً بالبحث والدراسة حتى يستطيع أن يقوم بعمله خير قيام. ولكن دراساته وبحوثه لم تزده إلا شكاً في عقيدته وطبيعة عمله.

وقبل أن يسرد في حكايته قصة اتجاهه للإسلام واعتناقه يتناول بالحديث طبيعة نشأته ومراحل دراسته وتطورها التي أوصلته للعمل كأسقف بولاية "نيو جيرسى".... فيقول:

"أنا شاب إيرلندي الأصل، نشأتُ في بيئة كاثوليكية متمسكة بعقيدتها.. وكل الأباء هناك يتمنون أن يكون من أبنائهم قسيس يخدم الدين المسيحي، لأن هذا شرف كبير للعائلة، لذلك درست في مدرسة ثانوية دينية، ثم إلتحقت بكلية خاصة بالقسس بجامعة "سانت باتريك" لدراسة الفلسفة واللهوت لمدة ست سنوات.. وخلال فترة دراستي لم أسمع كلمة واحدة عن الإسلام.

وبعد تخرجي بشهرين فقط عام 1971 ذهبت إلى أمريكا للتبشير، حيث تُخرج الكلية مائتي قسيس كل عام.. ويأتي الأساقفة الأمريكيون فيأخذون أغلبهم إلى أمريكا للعمل بالتبشير في مناطق مختلفة.. وعملت أسقفاً بولاية "نيو جيرسي".. وأصبحت مسئولاً عن إعداد برامج التوجيه الديني لكل المستويات وتدريب القائمين بهذا العمل، وإلى جانب ذلك عملت مدرساً للمواد الدينية بالمدرسة الثانوية الكاثوليكية.. وكنت مشغوفاً بالبحث والدراسة حتى أستطيع أن أؤدي واجبي تجاه إرشاد الناس.

.... وكنت كلما تعمقت في البحث والدراسة انتابني شعور غريب بالشك في عقيدتي.. ولم أستطع أن أكتم شكوكي، فقررت مفاتحة رئيس الأساقفة وقلت له: لدي شك في عملي، بل وفي إيماني بالله حسب عقيدتنا. فنصحني بالتريّث والتفكير، وأعطاني مهلة لمدة عام ريثما أفكر في الموضوع بهدوء".

ويتنهد ويزفر بزفرات حارة وهو يهز رأسه قائلاً:

"... وخلال هذا العام عكفتُ على البحث والدراسة، وتوجت بحثي بالحصول على درجتين للماجستير، إحداهما في التربية الدينية، والأخرى في اللاهوت والكتاب.. ولكن هذه الدراسات والبحوث لم تزدني إلا شكاً في عقيدتي وعملي.. وعدت إلى رئيس الأساقفة ومعي استقالتي من عملي فوافق..".

ثم يلتقط أنفاسه ليعود مستدركاً ما بدا له أنه قد فاته توضيحه فيقول:

"ولكن حتى هذه اللحظة لم أكن قد عرفت أي شيء عن الإسلام".

ويبدو أن هناك أسباباً وراء شكوكه في عقيدته كانت وراء استقالته من عمله دون أن يكون واقعاً تحت تأثير أي عقيدة أخرى.. فيحدثنا عنها قائلاً:

"هناك اسباب كثيرة، فقد كان انتقالي من "إيرلندا" حيث المجتمع الريفي المتماسك، إلى "أمريكا" حيث المجتمع الصناعي المادي، وما يتميز به من أمور غريبة من ذلك مثلاً عدد المذاهب المسيحية الذي يربو على ثلثمائة مذهب... كل واحد منها يزعم أنه على الحق دون غيره، مما جعلني أشك في صدق هؤلاء.

كما أن هناك اشياء أخرى لم أكن مقتنعاً بها، مثل السلطة البابوية المطلقة على الناس.. والتعسف، في معالجة الأمور، مثلما حدث من جدال طويل قد ثار حول موقف البابا من تنظيم النسل.. فهم يرفضون التنظيم مع أنه لا يوجد في الأناجيل ما يمنع ذلك.

كما أنني لم أكن مقتنعاً بفكرة الرهبنة، حيث كثير من رجال الدين في المسيحية ممنوعون من الزواج بأمر البابا... وهذا شيء ضد طبيعة الإنسان وفطرته.

هذه هي بعض الأسباب التي ضاعفت شكوكي، وجعلتني أعيش في حيرة.. كيف أعظ الناس وأنا غير مقتنع بما أقول.. لذلك قررتُ الإستقالة دون أن أعرف شيئاً عن الإسلام".

وبعد أن استقال قرر أن يستأنف دراسته للحصول على الدكتوراه من جامعة "هارفارد"، وذلك بعد أن اشتغل في الكنيسة تسع سنوات.

وفي فترة دراسته تلك كانت توافيه معلومات وبيانات عن الإسلام، فأراد أن يستزيد منها.. فماذا يفعل؟ ... يجيب عن ذلك بقوله:

"أَردت أن أعرف المزيد عن الإسلام، فدرست تاريخ الإسلام والحضارة الإسلامية.. كما حرصت على حضور بعض المحاضرات لعدد من علماء المسلمين الذين يحاضرون في القرآن والحديث وأركان الإسلام، وكل ما يتصل به. وذلك من باب حب الاستطلاع.

ويصمت برهة ليسترجع ذكريات حبيسة في نفسه فيقول:

"أذكر في ذلك الوقت أنني قد سمعتُ عن مصر والأزهر ودوره الإسلامي الكبير.. والغريب الذي أعجب منه كلما استرجعه أن بداية معرفتي بالأزهر جاءت بعد رؤيتي لعرض تقدّمه شيخان من الأزهر بزيهما الديني المميز إعترافاً وتقديراً لدور الأزهر كأقدم جامعة في العالم، وذلك في أثناء الإحتفال بمرور ثلاثمائة عام على إنشاء جامعة "هارفارد"، حضره مندوبون من جامعات العالم العريقة..

وهذه الصورة محفوظة في سجل الجامعة هناك... ولذلك قررت أن أكون موضوع رسالتي للدكتوراه عن علماء الدين الإسلامي.. أهميتهم ودورهم في المجتمع المصري من أيام الشيخ عبد المجيد سليم وحتى الآن".

وحتى ذلك الوقت لم يكن قد قرر إعتناق الإسلام، وإنما كان اهتمامه بالدراسة فقط، والتي كانت تستدعي منه مجيئه إلى مصر ليقوم بدراسة الإسلام من كليات الأزهر المتخصصة، مثل كلية أصول الدين، والتقائه بأساتذتها، وعلماء الإسلام، فضلاً عن قراءاته المستفيضة لعدد كبير من الكتب الإسلامية.

وعندما حضر إلى مصر وشاء قَدَرُ الله أن يكون ذلك في شهر رمضان، استرعى انتباهه ظاهرة غريبة بالنسبة له كأجنبي... عنها يقول:

"حين جئت إلى مصر في شهر رمضان.. شاهدت المجتمع المصري منتظماً في أسلوب حياته القائم على أساس من الدين.. فالناس يذهبون إلى المسجد عند سماع الأذان، ويتطهرون بماء الوضوء، ثم يقفون في صفوف منتظمة.. وعند الإفطار تخلو الشوارع من المارة".

عندئذ يضحك ساخراً من نفسه عندما فسر في البداية خلو الشوارع من المارة بوجود تعليمات بحظر التجوال في ذلك الوقت.. فيعبر عن ذلك بقوله:

"ظننت في بداية الأمر أن هناك قانوناً يقضي بحظر التجوال بعد الغروب.. ولكنني عرفت السبب بعد ذلك".

ثم يعود ليستكمل روايته عن تلك الظاهرة التي استرعت انتباهه في شهر رمضان فيقول:

"ورأيت أيضاً المسلمين يُصلُّون العشاء والتراويح.. ويذهب بعضهم إلى أعمالهم ومتاجرهم حتى ساعة متأخرة، يقال عنها "السحور".. ثم يصلون الفجر وينامون".

ثم يندفع في كلامه ليؤكد حكماً استخلصه من مشاهداته في المجتمع المصري كمجتمع مسلم فيقول:

"فالمجتمع إذن منظم على أساس من الدين.. يكفي أنه قد شد انتباهي أن الأمن والأمان سائدان - في شوارع القاهرة - بشكل لم أرهما من قبل في أي مكان.. فالناس يسيرون في الشوارع ليلاً في أمنٍ واطمئنان بدون أن يتعرضوا للاعتداء عليهم بالقتل أو غيره.. في حين أنّ عندنا في نيويورك مثلاً يوجد كل يوم ثمانية قتلى في الشوارع، مع أن الأمريكيين لا يسيرون في الشوارع والطرقات ليلاً خوفاً على حياتهم ليس ذلك في نيويورك وحدها، بل في باقي الولايات الأمريكية.. فبرغم القوانين والعقوبات تنتشر الجرائم والانحرافات انتشاراً مخيفاً، ولكن الأمر يختلف في المجتمع المسلم، كما هو الحال في مصر، فإيمان الناس بدينهم يجعلهم يطبقون تعاليمه بدون خوف من عقوبة أو قانون، بل إحتراماً لمبادئهم وعقيدتهم. وهذا هو الفرق بين المجتمع هنا والمجتمع في الغرب حيث لا أمن ولا أمان".

وبرغم اقتناعه بالإسلام كمنهج حياة ينظم للبشر أسلوب معيشتهم وسلوكياتهم - كما رأى بعينه من انتظام الناس في العبادة في شهر رمضان.. وبرغم قراءاته في الكتب الإسلامية المترجمة، ولا سيما ترجمة معاني القرآن الكريم وغيرها من كتب، ككتاب "حياة محمد" للدكتور محمد حسين هيكل، الذي استخدم فيه الأسلوب العلمي الدقيق في الرد على شبهات المستشرقين حول الرسول وزوجاته الطاهرات.. وبرغم مقابلاته مع شيوخ وعلماء الأزهر.. برغم ذلك كله لم يعلن إسلامه على الفور.. ليس عن عناد فكرٍ وغشاوة قلب.. وإنما لسبب آخر... عن ذلك يقول موضحاً:

"إنه برغم اقتناعي الكامل بالإسلام كدين خاتم يجب أن يؤمن به الناس جميعاً فإنني ترددت أربعة أشهر قبل أن أعلن إسلامي، لأدرس القرار في تأنٍّ من جميع جوانبه.. لأنه من الصعب على الإنسان أن يغير دينه...

بعدها شرح الله صدري للإسلام، فدخلت في دين الله الحق.. وسميت نفسي "مصطفى مولاني" تيمناً باسم الرسول محمد(ص)".

وفي نبرة سعادة خفية كشفتها عيناه وهي تلمع كوميض الضوء وهو يصرخ قائلاً:

"في لحظة اعتناقي للإسلام شعرتُ أنني أدخل عالماً نورانياً يسمو بالروح والنفس.. وذلك حينما تسلمت شهادة إشهاري الإسلام.. قد شعرت بأنني حصلت على أعلى شهادة في الدنيا.. وأحسست في الوقت ذاته أنني ألقيتُ عن كاهلي عبئاً ثقيلاً من الهموم والقلق والشكوك والشقاء.. نعم شعرت بسعادة غامرة لم أشعر بها من قبل".

وعن الرسول محمد (ص) الذي هاجمه عندما كان قسيساً قال:

"لقد اقتنعتُ تماماً بأن محمداً (ص) هو خاتم الأنبياء والمرسلين.. واقتنعت بسنته وتشريعاته التي اتخذها الغرب مدخلاً للطعن في رسالته مثل تعدد الزوجات التي اقتنعت تماماً بحكمتها".

ثم أضاف قائلاً:

"لقد قمت بعمل عُمرة، وزُرتُ البيت الحرام، والروضة الشريفة، وفاضت عيناي بالدموع أمام قبر المصطفى (ص) وقلت لنفسي حينئذ: من أنا حتى أقف أمام قبر أعظم إنسان عرفته البشرية.. وشكرت الله تعالى أن هداني للإسلام".

إن قصة اعتناق الأسقف الأمريكي للإسلام تبين إلى أي مدى ينتشر دين الله.. في قلعة الكفر التي لا تعترف بالإسلام ولا برسوله وتناصبهما العداء.. ولكن عندما تشاء إرادة الله في هداية أحد من عباده فلا رادَّ لمشيئته.

 

المصدر : الجانب الخفي وراء إسلام هؤلاء محمد كامل عبد الصمد

 

26-أمين عام مجلس الكنائس العالمي لوسط وشرق إفريقيا سابقًا أشوك كولن يانج

 

الكاردينال السابق أشوك كولن يانج يكشف جوانب جديدة عن رحلته إلى الإسلام ..

أثارت المقابلة التي أجريت مع أمين عام مجلس الكنائس العالمي لوسط وشرق إفريقيا سابقًا أشوك كولن يانق ردود فعل واسعة النطاق وتناقلتها عشرات المواقع الإلكترونية ووسائل الإعلام.. وكان كولن يانج الذي اعتنق الإسلام عام 2002 المجتمع قد كشف في حوار لمجلة المجتمع أبعاد المخطط الكنسي الرامي لتنصير المسلمين وضرب الحركة الإسلامية، عبر توظيف العلمانيين لمواجهة المد الإسلامي، وإنفاق أموال طائلة على بعض الأجهزة والأفراد ذوي الصلة.. وفي هذا العدد يكشف الكاردينال السابق جوانب جديدة من رحلته "من الظلمات إلى النور ومن الكفر إلى الإسلام، ومن حال أهل النار إلى حال أهل القبلة" على حد تعبيره، وفيما يلي التفاصيل:

تغيير الإنسان عقيدته ليس أمراً سهلاً، خاصة إذا كان هذا الإنسان يحتل قمة الهرم الذي يدعو إلى هذه العقيدة.. فما الذي قادك إلى التغيير، ومن ثم اعتناق الإسلام من واقع دراستك للأناجيل؟

 

-سؤال مهم.. الإنسان مهما علا شأنه إذا كان صادقاً وجاداً في البحث عن الحقيقة، فإنه حتماً سيصل إليها يوماً ما، وهذه الحقيقة التي سيصل إليها إما أنها تعزز ما يؤمن به، أو تهديه إلى سبيل آخر... هذا أولاً.

أما كيف غيرت عقيدتي فأجيب من خلال أقوال المسيح التي وردت في الأناجيل، فقد جاء في إنجيل يوحنا في الإصحاح الثامن فقرة 40 عندما همَّ اليهود بقتله: "ولكنكم الآن تطلبون أن تقتلوني وأنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الله"، فالمسيح عليه السلام إنسان اختاره الله وحمّله رسالة وجعله نبياً، ولذلك يقول عليه السلام كما جاء في الإصحاح الثامن فقرة 42: "لو كان الله أباكم لكنتم تحبونني لأني خرجت من قبل الله وأتيت، لأني لم آت من نفسي بل ذلك أرسلني، لماذا لا تفهمون كلامي"؟، وقد صرحت بعض الأناجيل بنبوة عيسى عليه السلام كما جاء في لوقا الإصحاح السابع فقرة 16: "فأخذ الجميع خوف ومجدوا الله قائلين: قد قام فينا نبي عظيم"، وجاء في متى الإصحاح الحادي والعشرين فقرة (9، 10، 11): "ولما دخل أورشليم ارتجت المدينة كلها قائلة: من هذا؟ فقالت الجموع: هذا النبي الذي من ناصرة الجليل"، وهذه النصوص تتفق مع قوله تعالى في القرآن الكريم: مالمسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل(المائدة).

 

رسالة عيسى

 

إذاً أنت ترى أن هذه النصوص التي اقتبستها من الأناجيل كفيلة بتغيير العقيدة من النصرانية إلى الإسلام؟

-الإيمان برسالة سيدنا عيسى عليه السلام يكون بتصديقه فيما أخبر، فلا نرد خبره ولا نكذب قوله ولا نخالفه، فالمسيح عليه السلام جاءنا من الله لأمرين مهمين:

أولاً: لتعلم الأمة التي بعث إليها كيف تتقرب إلى الله وتعبده، أما معرفة الله فيقول المسيح عليه السلام: "إن الله واحد لا شريك له ولا نظير له ولا شبيه له"، فقد جاء في إنجيل مرقص في الإصحاح الثاني عشر فقرة 30 لما سأله الكتبة: أي وصية هي أول الكل؟ فأجابه يسوع: "إن أول كل الوصايا هي: اسمع يا "إسرائيل" الرب إلهنا رب واحد، وتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك ومن كل قدرتك، هذه هي الوصية الأولى، وثانية مثلها هي أن تحب قريبك كنفسك، ليس وصية أخرى أعظم من هاتين فقال له الكاتب: صحيح يا معلم حسب الحق تكلمت فإن الله واحد لا آخر سواه"، وتتأكد هذه الحقيقة عن ذات الله بما جاء في إنجيل متى الإصحاح 23 فقرة 8، يقول المسيح عليه السلام: "وأما أنتم فلا تدعوا لكم أباً على الأرض لأن أباكم واحد الذي في السماء"، وجاء في يوحنا في الإصحاح 20 فقرة 18 قال المسيح: "إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم" وكلمة الأب "أبي وأبيكم" تعني في لغة الإنجيل الرب أي ربي وربكم.

فإلى محبي المسيح أقول: ألم تتضمن وصايا المسيح عليه السلام تعريفاً واضحاً لذات الله العلي الكبير المتفرد، يقول الله تعالى في القرآن: }قل هو الله أحد (1) الله الصمد (2) لم يلد ولم يولد (3) ولم يكن له كفوا أحد(4) { ، كما جاء في القرآن الكريم أيضاً: }وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون {25 ( الأنبياء).

 

ثانياً: إن مهمة عيسى عليه السلام الثانية أن يهدي الأمة التي بعث إليها إلى عبادة الله، وهي أمة بني إسرائيل، أما غيرهم من الأمم فلا تعنيهم شريعة عيسى، وهذا ما تقرره الأناجيل المسيحية، فقد جاء في إنجيل متى الإصحاح 15 فقرة 5 قول يسوع: "لم أُرسل إلا لخراف بني إسرائيل الضالة"، وجاء في متى الإصحاح 10 فقرة 5: هؤلاء الاثنا عشر أرسلهم يسوع وأوصاهم قائلاً: "إلى طرق أمم لا تمضوا، وإلى مدينة السامريين لا تدخلوا، بل اذهبوا بالحرى إلى خراف بنى إسرائيل الضالة" (أعمال الرسل 11 الفقرة الأولى).

 

وإلى محبي المسيح أقول: يا من تبحث عن الحق ويا من آمن بالله الواحد الأحد، إليك هدية من القلب: آمِن بالله إلهاً واحداً وبأن المسيح رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وبأن محمداً عبد الله ورسوله وخاتم النبيين والمرسلين، واتبعْه حق الاتباع، قل لا إله إلا الله يؤتك الله أجرك مرتين، قال تعالى في القرآن الكريم الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون 52 وإذا يتلى" عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين 53 أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرءون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون 54 ( القصص).

 

اللحظة الفاصلة

 

صف لنا اللحظة الفاصلة التي قررت فيها اعتناق الإسلام؟ وماذا ترتب على ذلك؟

-حينما قررت اعتناق الإسلام، ذهبت إلى الكنيسة وتقدمت بطلب إجازة لكي أقضيها مع أسرتي، فطلب مني أن أنتظر حتى تعتمد لي الكنيسة من 50 100 ألف دولار لكي أنفقها على أولادي، قلت لهم أنا لا أريد "قروشكم" وكانت عندي للكنيسة عمارتان و" قروش" تبلغ مليونين و400 ألف دولار أمريكي، و320 مليون جنيه سوداني، فقمت بتسليمها إلى راعي ميزانية التنصير، فكانت مفاجأة كبيرة للكنيسة.

وبعد ذلك قضيت يومين مع أسرتي نفكر في هذا الأمر ونناقشه، وقد كانت أسرتي المكونة من زوجتي وأربعة أبناء تدرك أنني أفكر في اعتناق الإسلام، وحينما أبلغتهم أن الوقت قد حان، كان ردهم أنت أعلم منا ونحن نثق بك وقرارك قرارنا، وبالفعل ذهبنا إلى أحد المساجد المجاورة "مسجد النور" وأشهرنا الإسلام، وصحيح أنني خسرت أموالاً كثيرة غير أنني كسبت الإيمان والراحة النفسية بعد 40 سنة قضيتها في الباطل، وعلى أثر ذلك اتهمتني الكنيسة بالجنون وأنني مريض نفسياً.

 

لست مجنوناً

 

قلت إن الكنيسة اتهمتك بالجنون... فهل أثبت لها أنك في كامل قواك العقلية وقد أسلمت بعد قانعة ودراسة أم ماذا حدث؟

 

- لقد شاء الله أن أدرس مقارنة الأديان وكان الهدف أن أتعرف على الأديان السماوية وغير السماوية من أجل ممارسة التنصير بعلم وخبرة ومنهجية، لكن الله أراد شيئاً آخر، فقد درست الأديان السماوية وهي معروفة، كما درست غير السماوية وهي البوذية والهندوسية وعبادة النار والشمس والشيطان والأصنام، وخلال مرحلة الدراسة كانت تتكشف أمامي الحقائق عن الإسلام أولا ًبأول، وبدأ تكويني الديني يتشكل وأفكاري تتغير وتتداخل، وفي إحدى مراحل الدراسة أيقنت أن الإسلام هو الدين الصحيح، فكنت حينما أسمع الأذان أتوقف عن إلقاء المحاضرة احتراماً للنداء الإلهي، وحينئذ أصبحت شخصاً بوجهين، وجه يرى أن الإسلام الدين الحق وأن الله واحد لا شريك له، ووجه يغالط نفسه ويواصل انخراطه في الأعمال الكنسية والتمتع بأموالها الطائلة.

 

ولما بدا تعاطفي مع الإسلام اجتمعت مجالس القساوسة والرهبان والكاردينالات، وكان رأيهم أنني أميل للإسلام، وهنا مارس مجلس الكنائس ضغوطاً كثيرة عليَّ، ولما فشل قرر إيقافي عن العمل بالكنيسة، وصدر قرار من الكنائس بأن الجنون قد أصابني، فقلت لهم إنني لست مجنوناً فأنا أخاف الله الواحد ربي وربكم ورب محمد وعيسى، إنني أخاف من عذاب الله، إنني أخاف من الله، وعلمت بعد ذلك أن تقرير الأطباء أثبت أنني لست مجنوناً، ولكنني أتطلع إلى اعتناق الإسلام.

السيد أشوك.. لماذا لم تغير اسمك إلى اسم مسلم كما جرت عادة كل من يعتنق الإسلام؟

 

- لم أغير اسمي لاعتبارين:

 

الأول: لأن الإسلام لا يرى في ذلك حرجاً، وهذا ما يهمني بالدرجة الأولى، فلا بأس أن يعتنق غير المسلم الإسلام ويبقى محافظاً على اسمه القديم، فالدين الإسلامي يركز على الإيمان.

 

الثاني: لقد أحببت الاحتفاظ باسمي لأهداف دعوية وهي أن أظل مقبولاً لدى غير المسلمين، ومن ثم أستطيع أن أبين لهم الحق، بعد أن شرح الله صدري بالإسلام وخرجت من الظلمات إلى النور، ومن الكفر إلى الإسلام، ومن حال أهل النار إلى حال أهل القبلة.

 

الكاردينالية

 

وصلت في الكنيسة إلى درجة كاردينال كما احتل والدكم هذا المنصب.. ماذا يعني منصب كاردينال؟ وما وظيفته في الكنيسة؟

- لقد تقلدت مناصب كبيرة في الكنيسة، ومن بين ذلك كنت كاردينالاً كما كان والدي كذلك، وهذا المنصب في الكنيسة الكاثوليكية يوازي وظيفة المفتي في الإسلام، ويجب أن يعرف القس أنه ليس إلهاً لكي يغفر للناس ذنوبهم وآثامهم، فالعجيب أنه إذا أخطأ عبد ذهب إلى القس يوم الأحد قبل الصلاة، ويقول له لقد أخطأت في كذا وكذا، فيقول القس: اذهب قد غُفر لك، كيف يتجرأ هذا القس على حمل سلطة الله؟!، ومن الذي أعطاه هذه الصلاحية وهو بشر!

وأنا أتحدى أياً من كبار القساوسة الشرقيين أو الغربيين أن يحاججني، بل أنا على استعداد لمناظرة أي درجة عالية في الكنيسة لإثبات صحة الإسلام وأحقيته بالاتباع، فأنا لم أسلم عاطفياً أو عبثاً، وإنما أسلمت بعد دراسة معمقة للأديان، وصلت في نهاية الدراسة إلى أن الإسلام هو الدين السماوي الذي ختم الله به الرسالات السماوية، وأن النبي {صلي الله عليه وسلم{  خاتم الأنبياء والمرسلين، وأن عيسى عليه السلام إنسان من البشر وهو نبي ورسول وليس أكثر من ذلك، قال تعالى في القرآن الكريم:}ماالمسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل{المائدة:75)، وأنا لست أول من يسلم من القساوسة، فقد سبقني إلى الإسلام عدد كبير من القساوسة والمبشرين، وعلى رأسهم الأمين العام لمجلس مؤتمر المطارنة في الكنيسة الكاثوليكية، ورئيس القساوسة في الولاية الشرقية.

أنت الآن داعية إسلامي ومن قبل كنت داعية نصرانياً... ما الفرق؟

- في السابق كان كل همي، تنصير المسلمين أو إبعادهم عن دينهم حتى لو فسدوا وارتكبوا كل الموبقات، فلم يكن مهماً أن يكون المسلم إنساناً صالحاً أو سوياً في المجتمع حتى بعد تحوله عن الإسلام، والكنيسة لا تهتم بدعوة النصارى إلى الالتزام، فجل اهتمامها أن يحمل الإنسان كلمة مسيحي، وليس شرطاً أن يكون متديناً أو ملتزماً، أما الآن فالمرء في الإسلام محاسب على كل صغيرة وكبيرة، وكل من يعتنق الإسلام عليه أن يكون صاحب عقيدة سليمة وعبادة صحيحة.

 

المسلمون ينتقدون أعمال التنصير فيما يمارسون الدعوة الإسلامية بين غير المسلمين... لماذا الازدواجية؟

-هناك فرق كبير بين الدعوة للإسلام والدعوة للنصرانية، فدعاة الإسلام يوضحون مبادئه وتعاليمه ويعكسون الصورة الصحيحة للإسلام، ولا يجبرون أحداً على الدخول فيه، لأن الإنسان إذا لم يعبد الله عن قناعة واعتقاد لا ريب فيهما فلا قيمة لإسلامه، أما دعاة التنصير فهم للأسف ينتهزون حاجة الفقراء والمعوزين ويقدمون لهم الغذاء والدواء أو فرص التعليم مقابل اعتناق النصرانية، فهؤلاء المنصرون لا يقنعون أحداً بعقيدة لأنه لا توجد تعاليم نصرانية مقنعة، وكل ما هنالك أن هؤلاء لديهم ميزانيات كبيرة، ومن الإنصاف أن نقول بأن المنظمات الإسلامية العاملة في الحقل الإنساني تقيم الكثير من المشاريع التي يستفيد منها المسلم وغير المسلم، ولا تتوقف عند ديانة المستفيد، ولا تبتزه أو تساومه على أساس الغذاء مقابل اعتناق الإسلام.

 

المسلمون الجدد

 

ما دوركم الآن في مجال الدعوة الإسلامية؟

-نحن نرعى عشرات الآلاف من الذين اعتنقوا الإسلام من خلال نشاطاتنا في "منظمة التضامن الإسلامي للتنمية والإعمار" ومن بينهم مثقفون وضباط ومسؤولون في قطاعات مختلفة حيث نقيم لهم المدارس والخلاوي القرآنية، فهناك أكثر من 12 ألفاً من المسلمين الجدد من النساء والرجال ينتظمون في خلاوي تحفيظ القرآن الكريم، وتضم كل واحدة منها من 300 400 رجل وامرأة يحفظون القرآن ويدرسون السيرة والحديث الشريف والفقه الإسلامي.

ونهتم بقيادات القبائل والسلاطين فهؤلاء يتمتعون باحترام أتباعهم وأنصارهم فإذا أسلموا، أسلم من خلفهم، وقد لاحظنا أن الكثير من النصارى في الجنوب ينحدرون من أسر مسلمة، وكان الإنجليز أثناء احتلالهم للسودان قد نصروهم، ومن ثم فنحن نعمل على إعادتهم إلى أصولهم الإسلامية.

 

المصدر مجلة المجتمع العدد 1644

 


علماء وأدباء أسلموا

 

27-الجراح الفرنسي موريس بوكاي

 

نبذة عنه:

طبيب فرنسي ، رئيس قسم الجراحة في جامعة باريس ، اعتنق الإسلام عام1982م .

يُعتبر كتابه (التوراة والقرآن والعلم) من أهم الكتب التي درست الكتب المقدسة على ضوء المعارف الحديثة .

وله كتاب (القرآن الكريم والعلم العصري) منحته الأكاديمية الفرنسية عام 1988م جائزة في التاريخ . يقول :

"إن أول ما يثير الدهشة في روح من يواجه نصوص القرآن لأول مرة هو ثراء الموضوعات العلمية المعالجة ، وعلى حين نجد في التوراة – الحالية – أخطاء علمية ضخمة ، لا نكتشف في القرآن أي خطأ.

ولو كان قائل القرآن إنساناً فكيف يستطيع في القرن السابع أن يكتب حقائق لا تنتمي إلى عصره ..

ليس هناك تفسير وضعيّ لمصدر القرآن"-(دراسة الكتب المقدسة على ضوء المعارف الحديثة) د. موريس بوكاي ص(145)-

"لم أجد التوافق بين الدين والعلم إلا يوم شرعت في دراسة القرآن الكريم فالعلم والدين في الإسلام شقيقان توأمان .لأن القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف يدعوان كل مسلم إلى طلب العلم ،طبعاً إنما نجمت إنجازات الحضارة الإسلامية العظيمة عن امتثال الأوامر المفروضة على المسلمين منذ فجر الإسلام"-(القرآن الكريم والعلم المعاصر) د. موريس بوكاي ص(123)-.

 

وهذا مقال عنه بقلم د.محمد يوسف المليفي:

 

موريس بوكاي ..

من هو موريس بوكاي ؟! وما أدراك ما فعل موريس بوكاي ؟!

 

إنه شامة فرنسا ورمزها الوضاء..

فلقد ولد من أبوين فرنسيين , وترعرع كما ترعرع أهله في الديانة النصرانية , ولما أنهى تعليمه الثانوي انخرط طالبا في كلية الطب في جامعة فرنسا, فكان من الأوائل حتى نال شهادة الطب , وارتقى به الحال حتى أصبح أشهر وأمهر جراح عرفته فرنسا الحديثة ..

 

فكان من مهارته في الجراحة قصة عجيبة قلبت له حياته وغيرت له كيانه..!

اشتهر عن فرنسا أنها من أكثر الدول اهتماما بالآثار والتراث , وعندما تسلم الرئيس الفرنسي الاشتراكي الراحل (فرانسوا ميتران) زمام الحكم في البلاد عام 1981 طلبت فرنسا من دولة (مصر) في نهاية الثمانينات استضافة مومياء (فرعون مصر) إلى فرنسا لإجراء اختبارات وفحوصات أثرية ومعالجة ..

فتم نقل جثمان أشهر طاغوت عرفته مصر.. وهناك وعلى أرض المطار اصطف الرئيس الفرنسي منحنيا هو ووزراؤه وكبار المسؤولين في البلد عند سلم الطائرة ليستقبلوا فرعون مصر استقبال الملوك وكأنه مازال حيا..! وكأنه إلى الآن يصرخ على أهل مصر (أنا ربكم الأعلى!)

 

عندما انتهت مراسم الإستقبال الملكي لفرعون مصر على أرض فرنسا ..

حملت مومياء الطاغوت بموكب لا يقل حفاوة عن استقباله وتم نقله إلى جناح خاص في مركز الآثار الفرنسي , ليبدأ بعدها أكبر علماء الآثار في فرنسا وأطباء الجراحة والتشريح دراسة تلك المومياء واكتشاف أسرارها, وكان رئيس الجراحين والمسؤول الأول عن دراسة هذه المومياء الفرعونية هو البروفيسور موريس بوكاي

 

كان المعالجون مهتمين في ترميم المومياء, بينما كان اهتمام رئيسهم( موريس بوكاي) عنهم مختلفا للغاية , كان يحاول أن يكتشف كيف مات هذا الملك الفرعوني , وفي ساعة متأخرة من الليل.. ظهرت نتائج تحليله النهائية ..

 

لقد كانت بقايا الملح العالق في جسده أكبر دليل على أنه مات غريقا..!

وأن جثته استخرجت من البحر بعد غرقه فورا, ثم اسرعوا بتحنيط جثته لينجو بدنه!

 

لكن ثمة أمراً غريباً مازال يحيره وهو كيف بقيت هذه الجثة دون باقي الجثث الفرعونية المحنطة أكثر سلامة من غيرها رغم أنها استخرجت من البحر..! كان موريس بوكاي يعد تقريراً نهائيا عما كان يعتقده اكتشافاً جديداً في انتشال جثة فرعون من البحر وتحنيطها بعد غرقه مباشرة , حتى همس أحدهم في أذنه قائلا لا تتعجل فإن المسلمين يتحدثون عن غرق هذه المومياء..

 

ولكنه استنكر بشدة هذا الخبر , واستغربه , فمثل هذا الإكتشاف لايمكن معرفته إلا بتطور العلم الحديث وعبر أجهزة حاسوبية حديثة بالغة الدقة , فقال له احدهم إن قرآنهم الذي يؤمنون به يروي قصة عن غرقه وعن سلامة جثته بعد الغرق .. !

فازداد ذهولا وأخذ يتساءل ..

كيف يكون هذا وهذه المومياء لم تكتشف أصلا إلا في عام 1898 ميلادية أي قبل مائتي عام تقريبا , بينما قرآنهم موجود قبل أكثر من ألف وأربعمئة عام؟!

 

وكيف يستقيم في العقل هذا , والبشرية جمعاء وليس العرب فقط لم يكونوا يعلمون شيئا عن قيام قدماء المصريين بتحنيط جثث فراعنتهم إلا قبل عقود قليلة من الزمان فقط؟؟؟

 

جلس (موريس بوكاي) ليلته محدقا بجثمان فرعون , يفكر بإمعان عما همس به صاحبه له من أن قرآن المسلمين يتحدث عن نجاة هذه الجثة بعد الغرق .. بينما كتابهم المقدس (إنجيل متى ولوقا) يتحدث عن غرق فرعون أثناء مطاردته لسيدنا موسى عليه السلام دون أن يتعرض لمصير جثمانه البتة .. وأخذ يقول في نفسه : هل يعقل أن يكون هذا المحنط أمامي هو فرعون مصر الذي كان يطارد موسى؟!

وهل يعقل ان يعرف محمدهم هذا قبل أكثر من ألف عام وأنا للتو أعرفه ؟!

 

لم يستطع (موريس) أن ينام , وطلب أن يأتوا له بالتوراة, فأخذ يقرأ في (سفر الخروج) من التوراة قوله »فرجع الماء وغطى مركبات وفرسان جميع جيش فرعون الذي دخل وراءهم في البحر لم يبق منهم ولا واحد« .. وبقي موريس بوكاي حائراً

 

حتى الإنجيل لم يتحدث عن نجاة هذه الجثة وبقائها سليمة بعد أن تمت معالجة جثمان فرعون وترميمه , أعادت فرنسا لمصر المومياء بتابوت زجاجي فاخر يليق بمقام فرعون! ولكن ..(موريس) لم يهنأ له قرار ولم يهدأ له بال , منذ أن هزه الخبر الذي يتناقله المسلمون عن سلامة هذه الجثة!

فحزم أمتعته وقرر أن يسافر إلى المملكة السعودية لحضور مؤتمر طبي يتواجد فيه جمع من علماء التشريح المسلمين..

 

وهناك كان أول حديث تحدثه معهم عما اكشتفه من نجاة جثة فرعون بعد الغرق.. فقام أحدهم وفتح له المصحف وأخذ يقرأ له قوله تعالى { فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون } [يونس :92]

 

لقد كان وقع الآية عليه شديدا ..

ورجت له نفسه رجة جعلته يقف أمام الحضور ويصرخ بأعلى صوته :(( لقد دخلت الإسلام وآمنت بهذا القرآن))

 

رجع (موريس بوكاي) إلى فرنسا بغير الوجه الذى ذهب به .. وهناك مكث عشر سنوات ليس لديه شغل يشغله سوى دراسة مدى تطابق الحقائق العلمية والمكتشفة حديثا مع القرآن الكريم , والبحث عن تناقض علمي واحد مما يتحدث به القرآن ليخرج بعدها بنتيجة قوله تعالى {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} [فصلت :43]

 

كان من ثمرة هذه السنوات التي قضاها الفرنسي موريس أن خرج بتأليف كتاب عن القرآن الكريم هز الدول الغربية قاطبة ورج علماءها رجا , لقد كان عنوان الكتاب (القرآن والتوراة والإنجيل والعلم .. دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة).. فماذا فعل هذا الكتاب؟؟

 

من أول طبعة له نفد من جميع المكتبات !

ثم أعيدت طباعته بمئات الآلاف بعد أن ترجم من لغته الأصلية (الفرنسية) إلى العربية والإنكليزية والأندونيسية والفارسية والصربكرواتية والتركية والأوردوية والكجوراتية والألمانية ..!

لينتشر بعدها في كل مكتبات الشرق والغرب , وصرت تجده بيد أي شاب مصري أو مغربي أو خليجي في أميركا, فهو يستخدمه ليؤثر في الفتاة التي يريد أن يرتبط بها..! فهو خير كتاب ينتزعها من النصرانية واليهودية إلى وحدانية الإسلام وكماله ..

 

ولقد حاول ممن طمس الله على قلوبهم وأبصارهم من علماء اليهود والنصارى أن يردوا على هذا الكتاب فلم يكتبوا سوى تهريج جدلي ومحاولات يائسة يمليها عليهم وساوس الشيطان..

وآخرهم الدكتور (وليم كامبل) في كتابه المسمى (القرآن والكتاب المقدس في نور التاريخ والعلم) فلقد شرق وغرب ولم يستطع في النهاية ان يحرز شيئا..!

 

بل الأعجب من هذا أن بعض العلماء في الغرب بدأ يجهز رداً على الكتاب , فلما انغمس بقراءته أكثر وتمعن فيه زيادة .. أسلم ونطق بالشهادتين على الملأ!! فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

 

يقول موريس بوكاي في مقدمة كتابه (لقد أثارت هذه الجوانب العلمية التي يختص بها القرآن دهشتي العميقة في البداية , فلم أكن أعتقد قط بإمكان اكتشاف عدد كبير إلى هذا الحد من الدقة بموضوعات شديدة التنوع , ومطابقتها تماما للمعارف العلمية الحديثة , وذلك في نص قد كتب منذ أكثر من ثلاثة عشر قرنا..!

 

معاشر السادة النبلاء..

لا نجد تعليقا على تلك الديباجية الفرعونية .. سوى أن نتذكر قوله تعالى { أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيراً} [النساء :82] ..

 

نعم والله لو كان من عند غير الله لما تحقق قوله تعالى في فرعون { فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية } كانت حقا آية إلهية في جسد فرعون البالي.. تلك الآية التي أحيت الإسلام في قلب موريس...!

 

* ويقول الدكتور الفرنسي موريس بوكاي عن الحقائق العلمية التي وردت في القرآن في آخر جملة له في كتابه "دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة ص 222 بعد أن فند مزاعم التوراة الكاذبة في التكوين وأثبت خطأها:

 

 

" IN VIEW OF THE STATE OF KNOWLEDGE IN MUHAMMAD'S DAYS, IT IS INCONCEIVABLE THAT MANY OF THE STATEMENTS IN THE QUR'AN WHICH ARE CONNECTED WITH SCIENCE COULD HAVE BEEN THE WORK OF MAN. IT IS MOREOVER, PERFECTLY HAS BEEN LIGITIMATE, NOT ONLY TO REGARD THE QUR'AN AS THE EXPRESSION OF A REVELATION, BUT ALSO TO AWARD IT A VERY SPECIAL PLACE ON ACCOUNT OF THE GURANTEE OF AUTHENTICITY ، IT PROVIDES AND THE PRESENCE IN IT OF SCIENTIFIC STATEMENTS WHICH , WHEN STUDIED TODAY, APPEAR AS A CHALLENGE TO HUMAN EXPLANATION"

 

وترجمتها كالاتي:

(بالنظر إلى مستوى المعرفة في أيام محمد فإنه لا يمكن تصور الحقائق العلمية التي وردت في القرآن على أنها من تأليف بشر. لذا فمن الإنصاف تمامأ أن لا ينظر فقط إلى القرآن على أنه التنزيل الإلهي فحسب بل يجب أن تعطى له منزلة خاصة جداً للأصالة التي تقدمها المعطيات العلمية التي وردت فيه والتي إذا ما درست اليوم تبدو وكأنها تتحدى تفسير البشر).

 

ويقول أيضاً:

"لقد قمت أولاً بدراسة القرآن الكريم، وذلك دون أي فكر مسبق وبموضوعية تامة باحثًا عن درجة اتفاق نص القرآن ومعطيات العلم الحديث. وكنت أعرف، قبل هذه الدراسة، وعن طريق الترجمات، أن القرآن يذكر أنواعًا كثيرة من الظاهرات الطبيعية ولكن معرفتي كانت وجيزة. وبفضل الدراسة الواعية للنص العربي استطعت أن أحقق قائمة أدركت بعد الانتهاء منها أن القرآن لا يحتوي على أية مقولة قابلة للنقد من وجهة نظر العلم في العصر الحديث وبنفس الموضوعية قمت بنفس الفحص على العهد القديم والأناجيل. أما بالنسبة للعهد القديم فلم تكن هناك حاجة للذهاب إلى أبعد من الكتاب الأول، أي سفر التكوين، فقد وجدت مقولات لا يمكن التوفيق بينها وبين أكثر معطيات العلم رسوخًا في عصرنا. وأما بالنسبة للأناجيل.. فإننا نجد نصّ إنجيل متى يناقض بشكل جلي إنجيل لوقا ، وأن هذا الأخير يقدم لنا صراحة أمرًا لا يتفق مع المعارف الحديثة الخاصة بقدم الإنسان على الأرض"( القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم، ص 150).

 

"لقد أثارت الجوانب العلمية التي يختص بها القرآن دهشتي العميقة في البداية. فلم أكن أعتقد قط بإمكان اكتشاف عدد كبير إلى هذا الحدّ من الدعاوى الخاصة بموضوعات شديدة التنوع ومطابقته تمامًا للمعارف العلمية الحديثة، وذلك في نصّ كتب منذ أكثر من ثلاثة عشر قرنًا. في البداية لم يكن لي أي إيمان بالإسلام. وقد طرقت دراسة هذه النصوص بروح متحررة من كل حكم مسبق وبموضوعية تامة.."( القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم، ص 145).

 

".. تناولتُ القرآن منتبهًا بشكل خاص إلى الوصف الذي يعطيه عن حشد كبير من الظاهرات الطبيعية. لقد أذهلتني دقة بعض التفاصيل الخاصة بهذه الظاهرات وهي تفاصيل لا يمكن أن تدرك إلا في النص الأصلي. أذهلتني مطابقتها للمفاهيم التي نملكها اليوم عن نفس هذه الظاهرة والتي لم يكن ممكنًا لأي إنسان في عصر محمد [صلى الله عليه وسلم] أن يكون عنها أدنى فكرة..".

 

".. تناولتُ القرآن منتبهًا بشكل خاص إلى الوصف الذي يعطيه عن حشد كبير من الظاهرات الطبيعية. لقد أذهلتني دقة بعض التفاصيل الخاصة بهذه الظاهرات وهي تفاصيل لا يمكن أن تدرك إلا في النص الأصلي. أذهلتني مطابقتها للمفاهيم التي نملكها اليوم عن نفس هذه الظاهرة والتي لم يكن ممكنًا لأي إنسان في عصر محمد [صلى الله عليه وسلم] أن يكون عنها أدنى فكرة.."( القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم، ص 145).

 

".. كيف يمكن لإنسان – كان في بداية أمره أمّيًا -.. أن يصرح بحقائق ذات طابع علمي لم يكن في مقدور أي إنسان في ذلك العصر أن يكونها، وذلك دون أن يكشف تصريحه عن أقل خطأ من هذه الوجهة؟"( القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم، ص 150).

 


28- كيث مور عالم الأجنة الشهير

 

نبذة عنه: البروفيسور كيث مور من أكبر علماء التشريح والأجنة في العالم , في عام 1984 إستلم الجائزة الأكثر بروزا قدّمت في حقل علم التشريح في كندا، جي. سي. بي . جائزة جرانت من الجمعية الكندية لإختصاصيي التشريح. وجّه العديد من الجمعيات الدولية، مثل الجمعية الكندية والأمريكية لإختصاصيي التشريح ومجلس إتحاد العلوم الحيوية.

 

 

وهذه قصة إسلامه من كتاب الذين هدي الله للدكتور زغلول النجار:

دعيت مرة لحضور مؤتمر عقد للإعجاز في موسكو فكرهت في بادئ الأمر أن أحضره لأنه يعقد في بلد كانت هي عاصمة الكفر والإلحاد لأكثر من سبعين سنة وقلت في نفسي: ماذا يعلم هؤلاء الناس عن الله حتي ندعوهم إلي ما نادي به القرآن الكريم؟!.فقيل لي: لابد من الذهاب فإن الدعوة قد وجهت إلينا من قبل الأكاديمية الطبية الروسية.فذهبنا إلي موسكو وفي أثناء استعراض بعض الآيات الكونية وبالتحديد عند قول الله تعالي:(يدبر الأمر من السماء إلي الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون) -السجدة:5- . وقف أحد العلماء المسلمين وقال: إذا كانت ألف سنة تساوي قدران من الزمان غير متكافئين دل ذلك علي اختلاف السرعة. ثم بدأ يحسب هذه السرعة فقال: ألف سنة..لابد وأن تكون ألف سنة قمرية لأن العرب لم يكونوا يعرفون السنة الشمسية والسنة القمرية اثنا عشر شهراً قمرياً ومدة الشهر القمري هي مدار القمر حول الأرض, وهذا المدار محسوب بدقة بالغة, وهو 2,4 بليون كم .فقال: 2,4 بليون مضروب في 12 -وهو عدد شهور السنة-ثم في ألف سنة,ثم يقسم هذا الناتج علي أربع وعشرين-وهو عدد ساعات اليوم-ثم علي ستين-الدقائق-ثم علي ستين-الثواني-.فتوصل هذا الرجل إلي سرعةأعلي من سرعة الضوء.فوقف أستاذ في الفيزياء- وهو عضو في الإكاديمية الروسية-وهو يقول :لقد كنت كنت أظنني-قبل هذا المؤتمر-من المبرزين في علم الفيزياء,وفي علم الضوء بالذات,فإذا بعلم أكبر من علمي بكثير.ولا أستطيع أن أعتذر عن تقصيري في معرفة هذا العلم إلا أن أعلن أمامكم جميعاً أني( أشهدأن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله).ثم تبعه في ذلك أربعة من المترجمين,الذين ماتحدثنا معهم علي الإطلاق وإنما كانوا قابعين في غرفهم الزجاجية يترجمون الحديث من العربية إلي الروسية والعكس,فجاءونا يشهدون أن لاإله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

 

ليس هذا فحسب وإنما علمنا بعد ذلك أن التلفاز الروسي قد سجل هذه الحلقات وأذاعها كاملة فبلغنا أن أكثر من 37 عالماً من أشهر العلماء الروس قد أسلموا بمجرد مشاهدتهم لهذه الحلقات.

 

ليس هذا فحسب..وإنما كان معنا أيضاًً كيث مور* وهو من أشهر العلماء في علم الأجنة ويعرفه تقريباً كل أطباء العالم,فهو له كتاب يدرس في معظم كليات الطب في العالم وقد ترجم هذا الكتاب لأكثر من 25 لغة فهو صاحب الكتاب الشهير (The Developing Human) .فوقف هذا الرجل في وسط ذلك الجمع قائلاً:

 

"إن التعبيرات القرآنية عن مراحل تكون الجنين في الإنسان لتبلغ من الدقة والشمول مالم يبلغه العلم الحديث, وهذا إن دل علي شئ فإنما يدل علي أن هذا القرآن لايمكن أن يكون إلا كلام الله, وأن محمداً رسول الله"

 

.فقيل له: هل أنت مسلم؟!؟.قال:لا ولكني أشهد أن القرآن كلام الله وأن محمداً مرسل من عند الله.فقيل له:إذاً فأنت مسلم,قال: أنا تحت ضغوط اجتماعية تحول دون إعلان إسلامي الآن ولكن لاتتعجبوا إذا سمعتم يوماً أن كيث مور قد دخل الإسلام.ولقد وصلنا في العام الماضي أنه قد أعلن إسلامه فعلاً فلله الحمد والمنة.

 

وفي مؤتمر الإعجاز العلمي الأول للقرآن الكريم والسنة المطهرة والذي عقد في القاهرة عام 1986 وقف الأستاذ الدكتور، كيث مور (Keith Moore ) في محاضرته قائلاً : (إنني أشهد بإعجاز الله في خلق كل طور من أطوار القرآن الكريم، ولست أعتقد أن محمداً r أو أي شخص آخر يستطيع معرفة ما يحدث في تطور الجنين لأن هذه التطورات لم تكتشف إلا في الجزء الأخير من القرن العشرين، وأريد أن أؤكد على أن كل شيء قرأته في القرآن الكريم عن نشأة الجنين وتطوره في داخل الرحم ينطبق على كل ما أعرفه كعالم من علماء الأجنة البارزين).

وهذه شهادته المصورة علي الإعجاز العلمي في القرأن الكريم:

الجزء الأول: http://alhakekah.com/aduio/moore-1-56k[1].ram

الجزء الثاني: http://alhakekah.com/aduio/moore-2-56k[1].ram

 

 علماً أن مراحل خلق الإنسان (بني آدم ) التي ذكرها القرآن هي سبع مراحل. قال تعالى: ((  وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ،ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ، ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ )) [المؤمنون 12ـ14]

وقد أثبت علم الأجنة هذه المراحل وصحتها وتطابقها مع المراحل المذكورة في القرآن. وهذه المراحل هي:1- أصل الإنسان (سلالة من طين) 2- النطفة  3- العلقة  4- المضغة    5-العظام 6- الإكساء باللحم 7- النشأة.

وقد اعتبر المؤتمر الخامس للإعجاز العلمي في القرآن والسنة والذي عقد في موسكو (أيلول 1995) هذا التقسيم القرآني لمراحل خلق الجنين وتطوره صحيحاً ودقيقاً وأوصى في مقرراته على اعتماده كتصنيف علمي للتدريــس علماً أن الأستاذ الدكتور  كيث مور Keith Moore)) وهو من أشهر علماء التشريح وعلم الأجنة في العالم ورئيس هذا القسم في جامعة تورنتو بكندا (والذي كان أحد الباحثين المشاركين في المؤتمر المذكور ) ، ألف كتاباً يعد من أهم المراجع الطبية في هذا الاختصاص ( مراحل خلق الإنسان _ علم الأجنة السريري ) وضمنه ذكر هذه المراحل المذكورة في القرآن، وربط في كل فصل من فصول الكتاب التي تتكلم عن تطور خلق الجنين وبين الحقائق العلمية والآيات والأحاديث المتعلقة بها وشرحها وعلق عليها بالتعاون مع الشيخ الزنداني وزملائه.

 

 

29-عالم التشريح التايلندي تاجاتات تاجسن

 

* بدأت صلتنا بالبرفيسور تاجاتات تاجاسون* عندما عرضنا عليه بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية المتصلة بمجال تخصصه فى علم التشريح وبعد أن أجاب على تساؤلاتنا قال:

- نحن كذلك يوجد فى كتبنا البوذية المقدسة أوصافاً لأطوار الجنين .

- نحن فى شوق لأن نقف على ما جاء فى تلك الكتب .

فى لقائنا القادم

* فى العام التالى عندما جاء ممتحناً خارجياً لطلاب كلية الطب بجامعة الملك عبد العزيز سألنا عما وعدنا به وفى أمانة علمية جديرة بالاحترام أجاب

- أقدم لكم اعتذارى عن معلوماتى السماعية لقد أجبتكم دون أن  أتأكد من هذه المعلومات ولكنى بالرجوع الى تلك الكتب لم أجد شيئاً حول ذلك الموضوع .

عندئذً قدمنا له محاضرة كان قد أعدها البرفيسور كيث مور أستاذ علم التشريح بجامعة تورنتو بكندا وعنوانها مطابقة علم الاجنة لما فى القرآن والسنة وسألناه هل تعرف البرفيسور مور ؟

- بالطبع إنه من كبار العلماء المشهورين فى هذا التخصص وهو مرجع عالمى وإنى لمندهش مما سجله هنا فى هذه المحاضرة .

* ثم سألناه عدداً من الاسئلة فى مجال تخصصه كان من بينها ذلك السؤال المتعلق بالجلد :

- هل هناك مرحلة ينعدم عندها الإحساس بألم الحرق ؟؟

- نعم إذا كان الحرق عميقاً ودمر عضو الإحساس بالألم

- حسناً ما رأيك إذن أن القرآن الكريم الذى عند تاريخ نزوله على محمد صلي الله عليه وسلم لأكثر من ألف وأربعمائة عام . قد أشار إلى تلك الحقيقة العلمية عندما ذكر الطريقة التى سيعاقب الله به الكافرين يوم القيامة حيث يقول :

(إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم ناراً كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب )

فالقرآن هنا يقرر أنه عندما ينضج الجلد يخلق الله للكفار جلداً جديداً كى يتجدد إحساسهم بالألم وذلك تأكيد من جانب القرآن على أن الأطراف العصبية التى تجعل الإنسان يشعر بالألم موجودة فى الجلد .

- هذا أمر يدعو للدهشة والغرابة حقيقة فتلك معرفة مبكرة جداً عن مراكز الإحساس والأعصاب فى الجلد ولا أدرى كيف ذكر قرآنكم هذا !!

- ترى أيمكن أن تكون هذه المعلومات قد استقاها محمد نبى الإسلام من مصدر بشرى ؟

- بالطبع لا ففى ذلك الوقت لم تكن هناك معارف بشرية حول هذا الموضوع .

- من أين إذن وكيف عرف ذلك .

- المؤكد عندى هو استحالة المصدر البشرى ولكنى أسألكم أنتم من أين تلقى محمد صلي الله عليه وسلم هذه المعلومات الدقيقة .

- من عند الله .

- الله !! ومن هو الله ؟

وبعد أن شرحنا له المفهوم الإسلامى للفظ الجلالة الأعظم راقته تلك الرؤية وعاد الى بلاده ليحاضر عن هذه الظاهرة القرآنية التى عايشها وتأثر بها حتى جاء موعد المؤتمر الطبى السعودى الثامن واستمع فى الصالة الكبرى التى خصصت للإعجاز على مدى أربعة أيام لكثير من العلماء ولا سيما غير المسلمين يحاضرون عن ظاهرة الإعجاز العلمى وفى ختام جلسات المؤتمر وقف البروفيسور (تاجاتات تاجاسون) يعلن :- بعد هذه الرحلة الممتعة والمثيرة فإنى أؤمن أن كل ما ذكر فى القرآن الكريم يمكن التدليل على صحته بالوسائل العلمية وحيث أن محمداً نبى الإسلام كان أمياً إذن لابد أنه قد تلقى معلومات عن طريق وحى من خالق عليم بكل شئ . وإننى أعتقد أنه حان الوقت لأن أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

نبذة عنه:

*البروفيسور تيجاتات تيجاسون رئيس قسم علم التشريح في جامعة شيانك مي ، تايلند وقد أدلى بشهادته بأن هذا الكلام لايمكن أن يصدر من بشر وبعد ذلك نطق بالشهادتين.

شهادته المصورة: http://alhakekah.com/aduio/tejasen-1-56k[1].ram

 

 

30-عالم الجيولوجيا الألماني ألفريد كرونير

 

العالم البروفسيور الفريد كرونير  من أشهر علماء الجيولوجيا في العالم .. حضر مؤتمرا جيولوجيا في كلية علوم الأرض في جامعة الملك عبد العزيز .. قلت له : هل عندكم حقائق أن جزيرة العرب كانت بساتين وأنهارا - هذه الصحراء التي ترونها كانت قبل ذلك بساتين وحدائق فقال : نعم هذه مسألة معروفة عندنا .. وحقيقة من الحقائق العلمية وعلماء الجيولوجيا يعرفونها .. لأنك إذا حفرت في أي منطقة تجد الآثار التي تدلك على أن هذه الأرض كانت مروجا وأنهارا , والأدلة كثيرة .. فقط لعلمكم منها قرية الفاو التي اكتشفت تحت رمال الربع الخالي .. وهناك أدلة كثيرة في هذا . قلت له : وهل عندك دليل على أن بلاد العرب ستعود مروجا وأنهارا ؟ .. قال هذه مسألة حقيقية ثابتة نعرفها نحن الجيولوجيون ونقيسها ونحسبها , ونستطيع أن نقول بالتقريب حتى يكون ذلك .. وهي مسألة ليست عنكم ببعيدة وهي قريبة .. قلت : لماذا ؟ قال : لأننا درسنا تاريخ الأرض في الماضي فوجدنا أنها تمر بأحقاب متعددة من ضمن هذه الأحقاب المتعددة .. حقبة تسمى العصور الجليدية . وما معنى العصر الجليدي ؟ معناه : أن كمية من ماء البحر تتحول إلى ثلج وتتجمع في القطب المتجمد الشمالي ثم تزحف نحو الجنوب وعندما تزحف نحو الجنوب تغطي ما تحتها وتغير الطقس في الأرض , ومن ضمن تغيير الطقس تغيير يحدث في بلاد العرب , فيكون الطقس باردا , وتكون بلاد العرب من أكثر بلاد العالم أمطارا وأنهارا . وكنت أربط بين السيول والأمطار في منطقة أبها وبين تلك التي تحدث في شمال أوروبا وأنا أتأمل فيما يقول قلت له : تأكد لنا هذا قال : نعم هذه حقيقة لا مفر منها ! قلت له : اسمع من أخبر محمدا صلى الله عليه وسلم بذلك ,هذا كله مذكور في حديث رواه مسلم يقول صلى الله عليه وسلم : ( لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجا وأنهارا ) من قال لمحمد صلى الله عليه وسلم أن أرض العرب كانت مروجا وأنهارا ؟! ففكر وقال : الرومان .. فقلت له : ومن أخبره بأن أرض العرب ستعود مروجا وأنهارا .. ففكر وفكر وقال : ( فيه فوق !! ) وهنا قلت له : اكتب .. فكتب بخطه لقد أدهشتني الحقائق العلمية التي رأيتها في القرآن والسنة ولم نتمكن من التدليل عليها إلا في الآونة الأخيرة بالطرق العلمية الحديثة وهذا يدل على أن النبي محمدا صلى الله عليه وسلم لم يصل إلى هذا العلم إلا بوحي علوي .. قال الزنداني : أيها الإخوة الكرام : هذا موقف الملحد الكبير الألماني وقد تضاعف شعوري بمسئولية الأمة الإسلامية أمام دينها , وأنا أرى قيادات العالم الكبار ما أن تقوم لهم الحقائق حتى يسلموا .. ليس فقط يسلموا بل وينشروا ويكتبوا في كتبهم دون مبالاة فقلت في نفسى : لو أن هناك عملا جادا من أمة الإسلام ومن الجامعات فلن تمر عشر سنوات إلا وثلث علماء الأرض في عشر سنوات أو خمس عشرة سنة من المسلمين . والله هذا الألماني مامر بيني وبينه سوى ساعتين ونصف ساعة حتى قال هذا كله .. وهذا عملاق من عمالقة العلم . ويكتب هذا ويقره وهذا يدل على أن هناك علما واحدا وحقيقة واحدة وإلها واحدا وأن هناك حركة وعملا من المسلمين وجد إن بيدنا الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه إن هذا العصر عصر خضع فيه كل شيء للعلم , ولكننا في بدايات عصر خضوع العلم للإسلام وللقرآن الحق قال تعالى : ( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد ) سورة فصلت : 53

 

 

نبذة عنه:

*البروفيسورألفريد كرونير أحد أكبر جيولوجيي العالم المشاهير , وهو أستاذ علم طبقات الأرض ورئيس قسم علم طبقات الأرض في معهد جوسيينسيس، جامعة يوهانز جوتينبيرج ، مينز ، ألمانيا. قال : من أين جاء محمد بهذا . . . أعتقد إنه من شبه المستحيل بأنّه كان يمكن أن يعرف حول هذه الأشياء مثل الأصل المشترك للكون ، لأن العلماء إكتشفوا ذلك فقط ضمن السنوات القليلة الماضية ، بالطرق التقنية المعقّدة والمتقدّمة جدا .

 

وشهادته المصورة هذه:
الجزء الأول:
http://alhakekah.com/aduio/kroner-1-56k[1].ram

الجزء الثاني: http://alhakekah.com/aduio/kroner-2-56k[1].ram

 

 


31-الدكتور الفرنسي علي سليمان بنوا

 

أنا دكتور في الطب وأنتمي إلى أسرة فرنسية كاثوليكية. وقد كان لاختياري لهذه المهنة أثره في انطباعي بطباع الثقافة العلمية البحتة وهي لا تؤهلني كثيرا للناحية الروحية.

 

لا يعني هذا أنني لم أكن أعتقد في وجود اله، إلا أنني أقصد أن الطقوس الدينية النصرانية عموما والكاثوليكية بصفة خاصة، لم تكن لتبعث في نفسي الإحساس بوجوده، وعلى ذلك فقد كان شعوري الفطــري بوحدانية الله يحول بيني وبين الإيمان بعقيدة التثليث، وبالتالي بعقيدة تأليه عيسى المسيح.

 

كنت قبل أن أعرف الإسلام مؤمنا بالقسم الأول من الشهادتين (لا اله إلا الله) وبهذه الآيات من القــرآن

{قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفوا أحد } .

 

لهذا فإنني أعتبر أن الإيمان بعالم الغيب وما وراء المادة هو الذي جعلني أدين بالإسلام. على أن هناك أسبابا أخرى حفزتني لذلك أيضا، منها مثلا، أنني لا أستسيغ دعوى الكاثوليك أن من سلطانهم مغفرة ذنوب البشر نيابة عن الله، ومنها أنني لا أصدق مطلقا ذلك الطقس الكاثوليكي عن العشــاء الرباني والخبز المقدس، الذي يمثل جسد المسيح عيسى، ذلك الطقس الطوطمي الذي يماثل ما كانت تؤمن به العصور الأولى البدائية، حيث كانوا يتخذون لهم شعارا مقدسا، يحرم عليهم الاقتراب منه، ثم يلتهمون جسد هذا المقدس بعد موته حتى تسري فيهم روحه!!!.

 

ومما كان يباعد بيني وبين النصرانية، أنها لا تحوي في تعاليمها شيئا يتعلق بنظافة وطهارة البدن، لا سيما قبل الصلاة، فكان يخيل لي أن في ذلك انتهاكا لحرمة الرب، لأنه كما خلق لنا الروح فقد خلق لنا الجسد كذلك، وكان حقا علينا ألا نهمل أجسادنا.

 

ونلاحظ كذلك أن النصرانية التزمت الصمت فيما يتعلق بغرائز الإنسان الفسيولوجية، بينما نرى أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي ينفــرد بمراعاة الطبيعة البشرية.

 

أما مركز الثقل والعامل الرئيسي في اعتناقي للإسلام، فهو القرآن. بدأت قبل أن أسلم، في دراســته .. وأني مدين بالشي الكثير للكتاب العظيم الذي ألفه مستر مالك بن نبي وأسمه "الظاهرة القرآنية" فاقتنعت بأن القرآن كتاب وحي منزل من عند الله.

 

إن من بين آيات هذا القرآن الذي أوحى الله به منذ أكثر من أربعة عشر قرنا ما يحمل نفس النظريات التي كشفت عنها أحدث الأبحاث العلمية.

 

كان هذا كافيا لاقنا عي وإيماني بالقسم الثاني من الشهادتين (محمد رسول الله).

 

وهكذا تقدمت يوم 20 فبراير سنة 1953 م إلى المسجد في باريس وأعلنت إيماني بالإسلام وسجلني مفتي مسجد باريس في سجلات المسلمين وحملت الاسم الجديد" علي سلمان".

 

إنني أشعر بالغبطة الكاملة في ظل عقيدتي الجديدة وأعلنها مرة أخرى " أشهد أن لا اله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله" .

 

المصــدر: كتاب لماذا أسلمنا؟

تأليف : عبد الحميد بن عبد الرحمن السحيباني

 

 


32-العالم المجري عبدالكريم جرمانيوس

 

نبذة عنه: عالم مجري ، وصفه العقاد بأنه:"عشرة علماء في واحد".

أتقن ثماني لغات وألف بها ، وهي العربية والفارسية والتركية والأوردية والألمانية والمجرية والإيطالية والإنجليزية ..

وكان عضوا في مجامع اللغة العربية في دمشق والقاهرة وبغداد والرباط، وله أكثر من مائة وخمسين كتاباً بمختلف اللغات .

منهاكتاب "معاني القرآن" .. و"شوامخ الأدب العربي".. و"الله أكبر"..و"الحركات الحديثة في الإسلام".

يقول الدكتور عبد الكريم جرمانوس :

" حَبّب لي الإسلام أنه دين الطهر والنظافة : نظافة الجسم والسلوك الاجتماعي والشعور الإنساني ، ولا تستهن بالنظافة الجسمية فهي رمز ولها دلالتها"-(النهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين) د. محمد رجب البيومي (2 / 421)-

" كم أَلفيت في قلوب المسلمين كنوزاً تفوق في قيمتها الذهب ، فقد منحوني إحساس الحب والتآخي ، ولقّنوني عمل الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ..

وعلى المسلمين أن يعضّوا بالنواجذ على القيم الخلقية التي يمتازون بها ، ولا ينبهروا ببريق الغرب ، لأنه ليس أكثر من بريقٍ خاوٍ زائف"-(هؤلاء المثقفون اختاروا الإسلام) محمد عثمان ص (35)-

الإسلام دين الحضارة:

"لا يوجد في تعاليم الإسلام كلمة واحدة تعوق تقدم المسلم ، أو تمنع زيادة حظه من الثروة أو القوة أو المعرفة ..

وليس في تعاليم الإسلام ما لا يمكن تحقيقه عمليا ، وهي معجزة عظيمة يتميز بها عن سواه ، فالإسلام دين الذهن المستنير ، وسيكون الإسلام معتقد الأحرار" .

ويكتشف جرمانوس العلاقة الوثيقة بين اللغة العربية وبين الإسلام ، ويتعلق بلغة القرآن إلى درجة الهيام بها ، فيقول:

"لقد تمنيت أن أعيش مائة عام ، لأحقق كل ما أرجوه لخدمة لغة القرآن الكريم ، فدراسة لغة الضاد تحتاج إلى قرن كامل من الترحال في دروب جمالها وثقافتها"-(هؤلاء المثقفون اختاروا الإسلام) محمد عثمان ص (36)-

 

مقالة عنه من كتاب الإسلام والغرب، الوجه الآخر – حسن السعيد:

الحاج عبد الكريم جرمانوس مستشرق مجريّ وعالِم، طبقت شهرته آفاق العالم. وُلد في بودابست، وتعلّم اللّغات الغربيّة: اليونانيّة، والّلاتينيّة، الإنجليزيّة، والفرنسيّة، والإيطاليّة، والمجريّة، ومن اللّغات الشرقيّة: الفارسيّة والأورديّة، وأتقن العربيّة والتركيّة على أستاذيه: فامبيري، وغولد زيهر اللّذين ورث عنهما ولَعهما بالشرق الإسلاميّ. ثمّ تابع دراستهما بعد عام 1905م في جامعتي استانبول وفينّا. وصنّف كتاباً بالألمانيّة عن الأدب العثمانيّ (1906)، وآخر عن تاريخ أصناف الأتراك في القرن السابع عشر ، فنال عليه جائزة مكّنته من قضاء فترة مديدة في لندن، حيث استكمل دراسته في المتحف البريطانيّ.

وفي عام 1912م عاد إلى بودابست، فعُيِّن أستاذاً للّغات العربيّة والتركيّة والفارسيّة، وتاريخ الإسلام وثقافته في المدرسة العليا الشرقيّة. ثمّ في القسم الشرقيّ من الجامعة الاقتصاديّة، ثمّ أستاذاً ورئيساً للقسم العربيّ في جامعة بودابست (1948)، وظلّ يقوم فيه بتدريس اللّغة العربيّة، وتاريخ الحضارة الإسلاميّة، والأدب العربي قديمه وحديثه، محاولاً إيجاد حلقات اتصال بين نهضات الأُمم الإسلاميّة الاجتماعيّة والسيكولوجيّة، حتّى أُحيل على التقاعد (1965).

ودعاه "طاغور" إلى الهند أستاذاً للتاريخ الإسلاميّ، فعلمه في جامعات دلهي، ولاهور، وحيدر آباد (1929ـ1932)، وهناك أشهر إسلامه في مسجد دلهي الأكبر، وألقى خطبة الجمعة، وتسمّى ب‍ "عبد الكريم". وقدم القاهرة وتعمّق في دراسة الإسلام على شيوخ الأزهر، ثمّ قصد مكّة حاجّاً وزار قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، وصنّف في حجّته كتابه: الله أكبر، وقد نُشر في عدّة لغات (1940)، وقام بتحرِّيات علميّة (1939ـ1941) في القاهرة والسعوديّة نشر نتائجها في مجلّدين: شوامخ الأدب العربي (1952)، ودراسات في التركيبات اللّغوية العربيّة (1954).

وربيع عام 1955 عاد ليقضي بضعة أشهر في القاهرة والإسكندريّة ودمشق بدعوة من الحكومة ليحاضر بالعربيّة عن الفكر العربيّ المعاصر، وعن صور من الأدب المجريّ، ثمّ رجع إلى الشرق العربيّ في شتاء 1958، لاستكمال مصادر كتابه الجديد عن أدبائه المعاصرين. والذي صدرت بعض فصوله، وفيها قصص الكتّاب المعاصرين. وقد انتخب عضواً في المجمع الإيطالي(1952)، ومراسلاً للمجمع اللّغويّ بالقاهرة (1956)، وفي المجمع العلميّ العراقي (1962).

إرهاصات اعتناقه الإسلام:

يروي الدكتور "عبد الكريم جرمانوس" خلفيّات اهتدائه إلى الإسلام فيقول: "كان ذلك في عصر يوم مطير، وكنتُ ما أزال في سنّ المراهقة، عندما كنتُ أقلِّب صحائف مجلّة مصوّرة قديمة، تختلط فيها الأحداث الجارية مع قصص الخيال، مع وصف لبعض البلاد النائية؛ بقيت بعض الوقت أقلِّب الصحائف في غير اكتراث إلى أن وقعت عيني فجأة على صورة لوحة خشبيّة محفورة استرعت انتباهي، كانت الصورة لبيوت ذات سقوف مستوية تتخلّلها هنا وهناك قباب مستديرة ترتفع برفق إلى السماء المظلمة التي شقّ الهلال ظلمتها..

ملكت الصورة عليَّ خيالي.. وأحسستُ بشوق غلاّب لا يقاوم إلى معرفة ذلك النور الذي كان يُغالب الظّلام في اللّوحة.. بدأتُ أدرس اللّغة التركيّة، ومن ثمّ الفارسيّة فالعربيّة. وحاولتُ أن أتمكّن من هذه اللّغات الثلاث حتّى أستطيع خوض هذا العالم الروحيّ الذي نشر هذا الضوء الباهر على أرجاء البشريّة".

وفي إجازة صيف كان من حظّه أن يُسافر إلى البوسنة وهي أقرب بلد شرقيّ إلى بلاده. وما كاد ينزل أحد الفنادق حتّى سارع إلى الخروج لمشاهدة المسلمين في واقع حياتها.. حيث خرج بانطباع مُخالف لما يُقال حول المسلمين.. وكان هذا هو أوّل لقاء مع المسلمين. ثمّ مرّت به سنوات وسنوات في حياة حافلة بالأسفار والدراسات، كان مع مرور الزّمن تتفتّح عيونه على آفاق عجيبة وجديدة.

ورغم تطوافه الواسع في دنيا الله، واستمتاعه بمشاهدة روائع الآثار في آسيا الصغرى وسوريا، وتعلّمه اللّغات العديدة وقراءاته لآلاف الصفحات من كتب العلماء، قرأ كلّ ذلك بعين فاحصة: "ورغم كلّ ذلك فقد ظلّت روحي ظمأى" كما يقول.

أثناء وجوده في الهند، وفي ذات ليلة رأى ـ كما يرى النائم ـ كأنّ محمّداً رسول الله صلى الله عليه وسلم يخاطبه بصوت عطوف: "لماذا الحيرة؟ إنّ الطريق المستقيم أمامك مأمون ممهّد مثل سطح الأرض. سرْ بخطى ثابتة وبقوّة الإيمان".. وفي يوم الجمعة التالية، وقع الحدث العظيم في مسجد الجمعة في دلهيّ.. حينما أشهر إسلامه على رؤوس الأشهاد..

وعن تلك اللّحظات المفعمة بالأحاسيس يتذكّر "الحاج عبد الكريم جرمانوس" فيقول: "كان التأثّر والحماس يعمّان المكان، ولا أستطيع أن أتذكّر ماذا كان في ذلك الحين.. وقف الناس أمامي يتلقّفونني بالأحضان. كم من مسكين مجهد نظر إليَّ في ضراعة، يسألني "الدعوات" ويريد تقبيل رأسي، فابتهلتُ إلى الله أن لا يدع هذه النفوس البريئة تنظر إليِّ وكأنِّي أرفع منها قدراً، فما أنا إلاّ حشرة من بين حشرات الأرض، أو تائه جادّ في البحث عن النور، لا حول لي ولا قوة، مثل غيري من المخلوقات التعيسة.. لقد خجلتُ أمام أنّات وآمال هؤلاء الناس الطيِّبين.. وفي اليوم التالي وما يليه كان الناس يفدون عليَّ في جماعات لتهنئتي،ونالني من محبّتهم وعواطفهم ما يكفيني زاداً مدى حياتي.

من آثاره:

إضافة إلى ما ورد في ثنايا البحث، من عناوين مؤلّفاته، فقد ترك تراثاً علميّاً زاخراً بالعمق والتنوّع: قواعد اللّغة التركيّة (1925)، والثورة التركيّة، والقوميّة العربيّة (1928)، والأدب التركيّ الحديث (1931)، والتيّارات الحديثة في الإسلام(1932)، واكتشاف الجزيرة العربيّة وسوريا والعراق وغزوها (1940)، ونهضة الثقافة العربيّة (1944)، ودراسات في التركيبات اللّغويّة العربيّة (1954)، وابن الروميّ (1956)، وبين المفكِّرين (1958)، ونحو أنوار الشرق، ومنتخب الشعراء العرب (1961)، وفي الثقافة الإسلامية، وأدب المغرب (1964)، وكان يعدّ ثلاثة كتب عن: أدب الهجرة، والرحّالة العرب وابن بطّوطة، وتاريخ الأدب العربيّ.


33-عالم الإجتماع الإنجليزي حسين روف

 

يلاحظ المتتبع لحركة انتشار العقيدة الإسلامية، في الدول الأوربية والامريكية، أن نسبة كبيرة من الذين استجابوا لدعوتها في هذه الدول، من علماء الاجتماع، والعاملين في مجالات الإصلاح الاجتماعي وذلك لما تتطلبه الدراسات التي يتناولها أولئك العلماء والمصلحون الاجتماعيون من تعرض دائم للعقائد والمذاهب الاجتماعية، وخاصة من حيث تأثيرها في المجتمعات، وقدرتها على معالجة المشكلات التي تعرض للأفراد والجماعات والإسهم في تخفيف حدثها، والارتقاء بالقيم والسلوكيات الاجتماعية.

 

وفي معرض هذه الدراسات التي تستخدم فيها طريقة التحليل، وأسلوب الموازنة والمقارنة تتجلى أهداف الإسلام السامية، وفضائله الكبرى فتجتذب النفوس العاقلة، وتتفتح لها القلوب الواعية.

 

وكان “حسين روف” واحداً من الاجتماعيين الإنجليز، الذين درسوا الأديان والمذاهب الاجتماعية المختلفة، دراسة متأنية متعمقة فبهرته عظمة الإسلام، وسمو أهدافه ومبادئه، وقدرته الخارقة على مواجهة المتاعب والمشكلات التي يعانيها الأفراد والمجتمعات، وملاءمته العجيبة لمختلف البيئات والحضارات على تباينها واختلافها.

وكان طبيعيّاً أن يبادر إلى اعتناق هذا الدين الحنيف، والدعوة _بكل طاقته_ إليه، وتبصير مواطنيه بمبادئه وأهدافه، وتفنيد ما يوجهه إليه أعداؤه _كذباً وبهتاناً_ من تُهَم باطلة.

 

وقد بدأ “روف” بدراسة عقيدتي أبويه… وكان أحدهما مسيحياً والآخر يهوديّاً… ثم انتقل إلى دراسة العقيدة الهندوسية، وفلسفتها، وخاصة تعاليمها الحديثة عند “يوبانيشادو فيدانتا”… ثم درس العقيدة البوذية، مع مقارنتها ببعض المذاهب اليونانية القديمة. كما درس بعض النظريات والمذاهب الاجتماعية الحديثة، وخاصة أفكار الفيلسوف الروسي “ليوتولستوي”.

 

ومن العجيب حقاً أن اهتمامه بدراسة الإسلام جاءت متأخرة، بالنسبة للأديان والعقائد الأخرى، برغم إقامته في بعض البلاد العربية… وكان أول تعرّف له عليه خلال قراءاته لترجمة للقرآن الكريم وضعها “رودويل” إلا أنه لم يتأثر بها، لأنها لم تكن ترجمة أمينة صادقة، وكان شأنها في ذلك شأن كثير من الترجمات المماثلة التي يشوبها الجهل أو الأغراض العدائية والتي صدرت بعدة لغات أجنبية.

 

غير أنه _لحسن حظه _ التقى بأحد الدعاة المثقفين إلى الإسلام، الذين يتقدون حماساً له، وإخلاصاً في تبليغه للناس، فقام بتعريفه لبعض حقائق الإسلام، وأرشده إلى إحدى النسخ المترجمة لمعاني القرآن الكريم، ترجمها أحد العلماء المسلمين، وأضاف إليها تفسيراً واضحاً مقنعاً بُني على المنطق والعقل، فضلاً عن توضيح المعاني الحقيقية التي تعجز عن إبرازها اللغة الإنجليزية… كما أرشده إلى بعض الكتب الإسلامية الأخرى التي تتسم بالصدق والبرهان الساطع… فأتاح له كل ذلك أن يُكوّن فكرة مبدئية عن حقيقة الإسلام قد أثارت رغبته في الاستزادة من المعرفة به وبمبادئه وأهدافه عن طريق المصادر العلمية غير المغرضة.

 

وقد أكدت صلاته ببعض الجماعات الإسلامية، ودراسة لأحوالهم عن كثب، ومدى تأثير الإسلام في سلوكهم وروابطهم، فكرته المبدئية عن عظمة الإسلام، فآمن به كل الإيمان…

 

تعالوا معنا نستمتع بما قاله في وصفه لتلك التجربة التي شجعته على اعتناق هذا الدين الحنيف:

 

 “ذات يوم من عام 1945 دُعيت لمشاهدة صلاة العيد، وتناول الطعام بعد الصلاة، فكان في ذلك مناسبة طيبة لأرى عن كثب ذلك الحشد العالمي من مختلف بلاد العالم، ومختلف الطبقات الاجتماعية، ومن مختلف الألوان… هناك قابلت أميراً تركياً وإلى جواره كثير من المعدمين، جلسوا جميعاً لتناول الطعام معاً، لا تلمح في وجوه الأغنياء امتعاضاً أو تظاهراً كاذباً بالمساواة، كذلك الذي يبدو على الرجل الأبيض في حديثه إلى جاره الأسود، ولا ترى بينهم من يعتزل الجماعة أو ينتحي فيها ركناً قصياً، كما لا تلمح بينهم ذلك الشعور الطبقي السخيف الذي يمكن أن يتخفى وراء أستار مزيفة من المساواة”.

 

ثم استطرد يقول:

 “ليس هناك مجال لشرح كل أمور الحياة التي وجدت في شرائع الإسلام من حلول، لم أجده في غيره، ويكفي أن أقول إنني _بعد تفكير وتدبر _ رأيتني أهتدي إلى الإيمان بهذا الدين، بعد دراستي لجميع الأديان الأخرى المعروفة في العالم، بدون أن أقتنع بأي واحد منها”.

 

ثم مضى في بيان سبب إسلامه، فقال:

 “قد بينتُ فيما ذكرت، لماذا أصبحت مسلماً، ولكن ذلك لا يكفي مطلقاً لبيان دواعي فخري واعتزازي بذلك، فإن هذا الشعور نما وازداد مع مرور الزمن وازدياد تجاربي… فقد درست الحضارة الإسلامية في جامعة إنجليزية، وأدركت لأول مرة أنها _وبكل تأكيد _ هي التي أخرجت أوربا من العصور المظلمة واستقرأت التاريخ، فرأيت أن كثيراً من الإمبراطوريات العظيمة كانت إسلامية، وأن كثيراً من العلوم الحديثة، يعود الفضل فيها إلى الإسلام.…

 

ولما جاء بعض الناس ليقول لي: إني باعتناقي للإسلام أكون قد سلكتُ طريق التخلف، ابتسمت سخرية لجهلهم، وخلطهم بين المقدمات والنتائج”.

 

ثم تساءل قائلاً:

 “هل يجوز للعالم أن يحكم على الإسلام بمقتضى ما أصابه من انحلال لظروف خارجة عنه؟… وهل يجوز الحط من قيمة الفن العظيم الذي صاحب عصر النهضة الأوربية، بسبب اللوحات الممسوخة في أرجاء المعمورة في أيامنا هذه؟… حسبنا أن نعلم أن اعظم العقول وأكثرها تقدماً في جميع العصور كانت كلها تنظر بكل تقدير إلى الثقافة الإسلامية، التي لا تزال أكثر لآلئها مكنوزة لم يتوصل الغرب بعد إليها”.

 

ثم أشاد بأخلاق المسلمين الحقيقيين وكرمهم، وقدرة الإسلام على علاج مشكلة التفاوت الاجتماعي بقوله:

 “لقد سافرت إلى أقطار كثيرة في أنحاء المعمورة، وأُتيحت لي الفرصة لأرى كيف يستقبل الغريب في كل مكان، وأن أعرف كيف يكون إكرامه أول ما يخطر على البال.. وكيف يكون التصرف معه؟ .. وعن الفائدة التي قد تأتي من مساعدته، فلم أجد من غير المسلمين من يدانيهم في إكرام الغريب والعطف عليه من غير مقابل…

 

 

34- المفكر الإنجليزي مارتن لنجز

 

كان يدين بالمسيحية شأن أسرته التي لا تعرف عن الدين شيئاً إلا أنها مسيحية بالوراثة.. وهكذا نشأ هو خالي النفس من أية عقيدة يؤمن بها حق الإيمان.. ولكن بدأت سمات نضجه الفكري تتضح بعد حصوله على شهادة الـ "A-B" في الآداب الإنجليزية حيث كان يدرس الأدب الإنجليزي في جامعة "أكسفورد" إنجلترا.. فقد أخذ ينقب في كتب التراث عن الديانات المنتشرة في العالم ليقرأ عنها جميعاً، فاستوقفه دين الإسلام كشريعة لها منهاج يتفق مع المنطق والعقل، وآداب تستسيغها النفس والوجدان، فاستشعر حينئذ أنه قد وجد نفسه مع هذا الدين الذي يتفق مع فطرة الإنسان حيث يعبر عن ذلك بقوله:

 

"لقد وجَدتُ في الإسلام ذاتي التي افتقدتها طوال حياتي، وأحسست وقتها أني إنسان لأول مرة، فهو دين يرجع بالإنسان إلى طبيعته حيث يتفق مع فطرة الإنسان".

 

ثم أردف قائلاً _ وقد أنارت الابتسامة وجهه:

"شاء الله لي أن أكون مسلماً، وعندما يشاء الله فلا رَادَّ لقضائه.. وهذا هو سبب إسلامي أولاً وقبل كل شيء".

 

ويذكر أنه قد أشهر إسلامه على يد شيخ جزائري اسمه الشيخ "أحمد العلوي"، التقى به في سويسرا التي كان يعمل بها مدرساً، بعدها قام بتغيير اسمه من "مارتن لنجز" الى اسم "أبي بكر سراج الدين".

 

ثم ماذا…؟ هل هناك أسباب أو دوافع أخرى وراء اعتناقه الإسلام؟.. يهز برأسه ويرد قائلاً: نعم .. إن ما أثر عليَّ وجعلني أهتم بالإسلام هو كتب مؤلف كبير كان مثلي اعتنق الإسلام وأصبح من قمم المتصوفة، إنه الشيخ "عبد الواحد يحيى".. لقد تأثرت بكتبه التي صنفها عن الإسلام، حتى أنني لم أقرأ كتباً من قبل في مثل عظمة كُتُبِه، مما دفعني لأن أسعى لمقابلة مَن كان سبباً في إسلامي، فجئت إلى مصر حيث كان يعيش فيها وقتئذ".

 

ثم يضيف فيقول: “لقد استفدت منه كثيراً.. فقد كان بحق عالماً عاملاً بعلمه.. وأكثر ما تعلمته منه الزهد في الدنيا وهو ما تسمونه أنتم "التصوف" ”.

 

هل أنت متصوف؟ سؤالا يُطرح عليه ليجيب عنه بقوله:

 “نعم.. ولكن مفهومي للتصوف أنه ليس انعزالاً عن الدنيا، ولكنه أخذٌ بأسباب الحياة في الظاهر، والإعراض عنها بالقلب”.

 

ثم يصمت برهة ليوضح بعدها ما يعنيه فيقول: “إن الرسول محمد (ص) لخص معنى التصوف كله في حديثه الشريف: (كُن في الدُّنيا كأنَّك غَريبٌ أو كعابر سبيل).. أو ما قاله في حديث شريف آخر: (.. إنَّما أنا والدنيا كَراكب استظل تحت شجرة ثمَّ راح وتركها).. هذا هو مفهوم التصوف الذي تعلمته من الشيخ عبد الواحد يحيى”.

 

ولكن إلى أي شيء قَادَك التصوف؟.. سؤال آخر يُطرح عليه ليجيب عنه أيضاً على الفور في تحمس المتيقن بالإيمان:

 

 “إلى العبودية الخالصة لله”.

 

هذا هو المفكر البريطاني المسلم الدكتور “أبو بكر سراج الدين” الذي كان يدين بغير الإسلام، ثم هداه الله للحنيفية السمحاء، فاعتنق الإسلام عن اقتناع تام.. ثم علا بإيمانه فزهد في الدنيا، وأصبح متصوفاً في مجتمعات تموج بالفتن وإغراء الملذات.. وتفرغ للدعوة إلى الله في بلاده، يحدوه الإيمان العميق بأن المستقبل للإسلام الذي هو الدين الحق المرسل لكل بقاع الأرض.

 

35-الكاتب الأمريكي مايكل ولفي سيكتر

 

 

مايكل وُلفي: «أمضيت في مراكش فترة لتعلم مناسك الحج وكان المسلمون هناك كرماء معي».

 

كانت الرحلة الايمانية التي قادت الكاتب الأميركي مايكل وُلفي سيكتر الى اعتناق الإسلام مختلفة عن الرحلات الايمانية التي اصطحبناها في ملف "المسلمون الجدد" اذ ان صاحبنا الذي نتابع رحلته الايمانية اليوم تمثلت فيه الديانات السماوية الثلاث، فأمه مسيحية ووالده يهودي وهو مسلم. فهكذا سنصطحب اليوم سيكتر في رحلته الايمانية لنتأمل تشعباتها وطرقها المختلفة.

 

وكان سيكتر الكاتب الاميركي يعلم انه مهما اوتي من قوة لا يستطيع الوصول الى الكعبة المشرفة بمكة المكرمة اذا لم يعتنق الإسلام لان المسجد الحرام يحرم دخوله لغير المسلمين. فكان قراره بعد اعتناقه الإسلام الذهاب الى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج وهي ركن من اركان الإسلام الخمسة، ومنها ايضا مشاهدة الكعبة المشرفة التي يتوجه اليها اكثر من مليار مسلم خمس مرات في اليوم لأداء فرض صلواتهم المكتوبة. ولما كان يعلم سيكتر باستحالة ذهابه الى زيارة الكعبة بمكة المكرمة قبل اسلامه، فإن اسلامه قد وفر له سانحة تحقيق حلمه القديم. من هنا كتب سيكتر كتابا عن رحلته الايمانية الى الحج سماه "الحج الى مكة" باللغة الانجليزية وصف فيه هذه الرحلة وصفا دقيقا. واستعرض فيه كافة الجوانب المهمة المتعلقة بشعائر الحج.

 

يصف مايكل وُلفي في كتابه "الحج الى مكة" تمثيل عملية دخول ريتشارد بيرتون خلسة داخل الكعبة في وسط المسجد الحرام بمكة المكرمة بأنه يظل عملا بطوليا وشجاعا، لانه عرض نفسه للخطر اذا اكتشف المسلمون خداعه لقتلوه. ولكن مايكل وُلفي ليس في حاجة الى ان يتنكر او يتخفى عند دخول المسجد الحرام والطواف حول الكعبة المشرفة لانه مسلم مخلص لاسلامه كغيره من المسلمين في هذه المدينة المقدسة.

 

التخلي عن المسيحية واليهودية:

وتخلى مايكل وُلفي عن دين امه المسيحي وعن دين والده اليهودي من اجل اعتناق الدين الإسلامي. فقد صده عن المسيحية الغموض والسرية التي يحيطها القساوسة بالمسيح عليه السلام كما صده عن اليهودية خاصية الدين باليهود. فهكذا وجد ان الإسلام اكثر وضوحا وأرحب دين: فهو دين الله لكل الناس. لذا اختار مايكل وُلفي دينا له مرجعية محددة، هي كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وان كتاب الله ليس فيه تعارض مع المنهج العلمي في محاولة توضيح الخلق والكون.

 

الإرث الروحي:

وقال مايكل وُلفي انه عندما اخبر احد اصدقائه العرب بارثه الروحي، حيث انه ورث المسيحية من امه واليهودية من والده، ومن ثم اختار هو اعتناق الإسلام. فقال له صديقه العربي متعجبا "انت جمعت كل شيء، يقصد انه جمع الاديان السماوية الثلاث في شخصه، مما جعله يتظاهر بالاحتشام والتواضع".

 

وأضاف مايكل وُلفي: انني اوضحت لسنوات طويلة بأنني شخص عادي. وانني شخص ورث من امه ووالده ديانتين سماويتين، فوجد ان المشكلة ليست مع موسى او مع عيسى عليهما السلام. وان حياتي ببساطة وصلت الى اقصى مداها مع هاتين الديانتين، وهناك صوت حقيقي ظل يناديني الى تغيير ديني وحريص على هدايتي.

 

رحلة الحج:

ويذهب مايكل وُلفي الى انه بعد اعتناقه الإسلام بدأ يفكر جديا في تأدية الركن الخامس من اركان الإسلام، وهو حج البيت لمن استطاع اليه سبيلا. وهذا الركن يأتي بعد شهادة ان لا إله الا الله وان محمداً رسول الله وايقام الصلاة وايتاء الزكاة وصوم رمضان. لذا قررت الحج الى بيت الله الحرام في مكة المكرمة. وبدأت استعد للسفر الى مكة المكرمة وأغادر منزلي في كاليفورنيا.

 

ولم يسافر مايكل وُلفي مباشرة من كاليفورنيا الى المملكة العربية السعودية، فكان الجزء الاول من كتابه "رحلة الى الحج" وصفا لابتهاجه وتهليله وسط المغاربة قبل الانضمام الى فوج الحج المغربي. وفي مراكش بدأ اجراءات الاستعداد للحج وفقا لتعاليم دينه الجديد.

 

وقال مايكل وُلفي: امضيت في مراكش فترة اتعلم مناسك الحج. وكانت معاملة المسلمين لي طيبة للغاية وعطوفة. كما انهم كانوا كرماء معي.

 

دخول المسجد الحرام:

وعندما دخل مايكل وُلفي المسجد الحرام لأول مرة مع حوالي 300 ألف مسلم حاج في وقت واحد لأداء طواف القدوم لم يشعر بشيء سوى رهبة الموقف. وقال: رغم وجود هذا العدد الكبير فإن هدوءاً ساد المكان ولم اشعر بتدافع او ازدحام. كما انه قدم في كتابه وصفا لهذا المشهد الرائع. وكان منتشيا بهذه الاجواء الروحانية العالية اثناء الحج.

 

كما ان مايكل وُلفي تطرق في كتابه هذا الى وصف العمران والتوسعة التي شهدها المسجد الحرام لاستقبال هذه الاعداد المتزايدة من ضيوف الرحمن.

 

وحرص مايكل وُلفي على تقديم وصف دقيق للكعبة المشرفة والمسجد الحرام والمشاعر المقدسة ليعطي صورة متكاملة عن البيت العتيق لغير المسلمين، فلذلك اكثر من الوصف والرسم لشرح تفصيلي لبيت الله الحرام وبتركيز على الكعبة المشرفة وطواف الاشواط السبعة حولها. ولكنه كان يتمنى لو اتيح له رؤية الكعبة من الداخل.

 

كانت هذه الرحلة الايمانية الى الحج بمثابة امنية لمايكل وُلفي طال انتظارها وتحققت بعد اسلامه، الذي يرى انه جاء بعد دراسة عميقة، خاصة انه لم يكن يعاني من خواء روحي، بل انه كان يعاني من زخم ارث روحي قاده الى التفكير الجدي الذي في نهاية المطاف ادى الى اعتناقه الدين الإسلامي بعد دراسة ومقارنة بين الدين الإسلامي والديانات الاخرى، فاطمأن قلبه للايمان وتحققت تشوقاته لزيارة بيت الله الحرام.

 

إعداد: إمام محمد إمام، بتصرف يسير

 

 

 

 

36-العالم والصحفي والمؤلف الألماني الدكتورحامد ماركوس

 

منذ طفولتي وأنا أشعر بدافع في داخل نفسي لدراسة الإسلام ما وجدت الى ذلك سبيلا ، وعنيت بقراءة نسخة مترجمة للقرآن في مكتبة المدينة التي نشأت فيها ، وكانت هي الطبعة التي حصل منها " جوته" على معلوماته عن الإسلام

 

أخذ مني الاعجاب كل مأخذ لما رأيته في هذا القرآن من أسلوب عقلي رائع في نفس الوقت الذي يفرض فيه التعاليم الإسلامية ، كما أدهشني تلك الروح الثابرة الوثابة العظيمة التي أثارتها وأذكتها هذه التعاليم في قلوب المسلمين الأوائل

 

ثم أتيحت لي في برلين فرصة العمل مع المسلمين والاستمتاع الى الأحاديث الحماسية المثيرة التي كان يقدمها مؤسس أول جمعية اسلامية في برلين ومنشئ مسجد برلين ، عن القرآن الكريم ، وبعد سنوات من التعاون العملي مع هذه الشخصية الفذة لمست فيها ما يبذله من ذات نفسه وروحه ، آمنت بالإسلام ، اذ رأيت في مبادئه السامية والتي تعتبر القمة في تاريخ الفكــر البشري ، مايكمل آرائي شخصيا

 

والايمان بالله عقيدة أصيلة في دين الإسلام ، ولكنه لا يدعوا الى مبادئ أو عقائد تتنافى مع العلم الحديث ، وعلى هذا فليس ثمت تناقض ما بين العقيدة من جانب وبين العلم من الجانب الآخــر ، وهذه ولا شك ميزة عظيمة فريدة في نظر رجل أسهم بكل طاقته في البحث العلمي

 

وميزة أخرى يمتاز بها الدين الإسلامي ، تلك أنه ليس مجرد تعاليم نظرية صماء تسير على غير بصيرة وعلى هامش الحياة ، انما هو يدعو الى نظام تطبيقي يصبغ حياة البشر ، وقوانين الإسلام ليست بالتعاليم الجبرية التي تحتجز الحريات الشخصية ، ولكنها توجيهات وارشادات تؤدي الى حرية فردية منظمة

 

ومع توالي السنين كنت أزداد اقتناعا بما يتبين لي من الأدلة على أن الإسلام يسلك أقوم سبيل في الملائمة بين شخصية الفرد وشخصية الجماعة ويربط بينهما برباط قوي متين

 

انه دين الاستقامة والتسامح ، انه دائم الدعوة الى الخير ، يحض عليه ويرفع من شأنه في جميع الأحوال والمناسبات.

 

37-المؤلف والروائي والشاعرالبريطاني ويليام بيكارد

 

[ويليام بيكارد حاصل على شهادة البكالوريوس في الفنون والآداب (كانتاب)، والدكتوراه في الأدب (لندن)، وهو مؤلِّفٌ واسع الشهرة. من ضمن أعماله: ليلى والمجنون، ومغامرات القاسم، والعالم الجديد، ومؤلَّفاتٌ أخرى.] "قَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ."

 

لم أُدرك حقيقةأنِّي وُلِدت على فطرة الإسلام إلَّا بعد مضيِّ العديد من السنين. ففي المدرسة والجامعة كنت مشغولاً -وربما بقوَّة- بقضايا اللحظة الآنيَّة وشؤونها. لم أكن أعتبر مهنتي في تلك الأيام مهنةً لامعة، ولكنَّها كانت في تطوُّر. ووسط محيطٍ مسيحيٍّ تعلَّمت عن الحياة الطيِّبة، وكان الإيمان بالله تعالى والعبادة والحق من الأمور الَّتي تسرُّني. وإن كنت أُقدِّس أيَّ شيءٍ فإنَّ ذلك كان هو النُبل والشَّجاعة.

 

أنا القادم من كامبريدج، ذهبت إلى أواسط أفريقيا، حيث حصلت على تعيينٍ في إدارة الوصاية على أوغندا. كان وجودي هناك ممتعاً ومثيراً أكثر مما كنت أحلم به في بريطانيا، وكنت مجبراً -تبعاً للظروف المحيطة- أن أعيش وسط الأخوَّة السوداء من الإنسانيَّة، ويمكنني القول بأنِّي تعلَّقت بهم بمحبةٍ بسبب بساطة نظرتهم السعيدة للحياة. لقد شدَّني الشَّرق دائماً. ففي كامبريدج قرأت "الليالي العربيَّة"؛ ووحيداً في أفريقيا قرأت "الليالي العربيَّة"؛ ووجودي في تجوالٍ موحشٍ في أوغندا لم يقلل من عزة الشرق في نفسي.

 

ثم -وبعد تحطُّم حياتي الهادئة في الحرب العالمية الأولى- عدت أدراجي مسرعاً تجاه الوطن في أوروبا؛ وساءت صحَّتي. ومع استعادة صحَّتي تطوَّعت للجيش، لكنَّ طلبي رُفض على أُسسٍ صحيَّة. لذلك عملت على تقليل الخسائر وسجَّلت في "الجندرمة" -بعد أن عملت بطريقةٍ ما على اجتياز الفحص الطبِّي- وشعرت بالرَّاحة حين تسلَّمت بدلتي العسكريَّة كجنديٍّ في فرقةٍ للمشاة. خدمت حينئذٍ في الجبهة الغربيَّة في فرنسا، واشتركت في معركة "السوم" سنة 1917، حيث جُرحت وأُسرت. نُقلت عبر بلجيكا إلى ألمانيا حيث كنت في المشفى. وفي ألمانيا رأيت الكثير من المعاناة الإنسانيَّة، وخاصَّةً الرُّوس المصابين بالديزنطاريا. ووصلت إلى حافَّة الموت جوعاً. جُرحي –وهو كسرٌ في ساعدي الأيمن- لم يُشف بسرعة، فكنت عديم النَّفع للألمان. فأُرسلت إلى سويسرا من أجل عمليَّةٍ جراحيَّة.

 

أذكر جيِّداً كم كان عزيزاً عليَّ حتى في تلك الأيام حين كنت أفكِّر بالقرآن الكريم. في ألمانيا كنت قد كتبت رسالةً للأهل ليرسلوا لي نسخةً من القرآن الكريم. وعلمت في السنوات اللاحقة أنَّهم أرسلوا لي نسخةً ولكنَّها لم تصلني أبداً.

 

في سويسرا -وبعد عمليَّةٍ في ساعدي ورجلي- تحسَّنت صحَّتي، فكان بإمكاني الخروج بين الحين والآخر، فاشتريت نسخةً من الترجمة الفرنسيَّة لمعاني القرآن الكريم -وهي اليوم من أعز ممتلكاتي- وعندئذٍ شعرت بسعادةٍ عظيمة. كان ذلك وكأنَّ شعاعاً من الحقيقة الخالدة قد أشرق عليَّ بالبركة. كانت يدي اليمنى ما تزال غير ذات نفع، فتمرَّنت على كتابة القرآن الكريم بيدي اليسرى. وارتباطي بالقرآن الكريم يظهر بوضوح أكبر عندما أقول بأنَّ واحدةً من أشدِّ الذكريات وضوحاً وعزَّة لديّ من كتاب "الليالي العربية" كانت عن فتىً وُجد وحيداً في المدينة البائدة، جالساً يقرأ القرآن الكريم، غافلاً عمَّا يحيط به.

 

في تلك الأيام في سويسرا، أعدت تسجيل نفسي رسمياًّ كمسلم. وبعد توقيع الهدنة عدت إلى لندن، وذلك في شهر كانون الأول من سنة 1918، وبعد ذلك -في عام 1921- سجَّلت لدراسة الأدب في جامعة لندن. وكان أحد المواضيع الَّتي اخترتها هي اللغة العربيَّة، وكنت أحضر محاضراتها في الكلية الملكيَّة. وكان في يومٍ أن ذكر أستاذي في اللغة العربيَّة -السيِّد بلشا من العراق رحمه الله تعالى- القرآن الكريم وقال: "إن كنت تؤمن به أم لا، فإنَّك ستجد أنَّه أكثر الكتب إثارةً وأنَّه يستحقُّ الدِّراسة." فأجبت: "أُوه، ولكنِّي أُومن به". فاجأ هذا الجواب أستاذي بشدَّة وأثار اهتمامه، وبعد حديثٍ قصيرٍ دعاني لأُرافقه إلى مسجد لندن في "نوتينغ هيل جيت". وبعد ذلك كنت أحضر للصلاة باستمرار في هذا المسجد لكي أتعلَّم أكثرعن تطبيق الإسلام، إلى أن أعلنت ارتباطي بالأمَّة الإسلاميَّة في رأس السنة الجديدة لعام 1922.

 

كان هذا قبل ما يقارب الربع قرن. ومنذئذٍ وأنا أعيش حياةً إسلاميَّةً قولاً وعملاً بكلِّ ما في استطاعتي. فقوَّة الله تعالى وحكمته ورحمته ليس لها حدود. وحقول المعرفة تمتدُّ أمامنا إلى ما وراء الأفق. وفي حجِّنا خلال هذه الحياة أشعر بيقينٍ أقوى بأنَّ اللباس الوحيد المناسب الَّذي نستطيع لبسه هو الخضوع لله تعالى، وأن نعتمر على رؤوسنا عمامةً من الحمد، وأن نملأ قلوبنا حباًّ للخالق الواحد سبحانه وتعالى. والحمد لله ربِّ العالمين.

 

38-الرسام والمفكر الفرنسي المعروف اتييان دينيه

 

نبذة عنه:

الفونس إيتان دينيه ، من كبار الفنانين والرسامين العالميين ، دُوّنت أعماله في معجم (لاروس) ، وتزدان جدران المعارض الفنية في فرنسة بلوحاته الثمينة ، وفيها لوحته الشهيرة (غادة رمضان).. وقد أبدع في رسم الصحراء .

كما ألّف بعد إسلامه العديد من الكتب القيمة ، منها كتابه الفذ :(أشعة خاصة بنور الإسلام) وله كتاب (ربيع القلوب) و(الشرق كما يراه الغرب) و(محمد رسول الله) و(الحج إلى بيت الله الحرام)..

وقد أحدثت كتبه دويّا في دوائر المستشرقين . يقول دينيه :

" لقد أكد الإسلام من الساعة الأولى لظهوره أنه دينٌ صالحٌ لكل زمان ومكان ، إذ هو دين الفطرة ، والفطرة لا تختلف في إنسان عن آخر ، وهو لهذا صالح لكل درجة من درجة الحضارة…- من كتاب (محمد رسول الله) بقلم ناصر الدين دينيه ص (345)-

وبما أن دينيه كان فنانا موهوبا ،فقد لفت نظره الجانب الجمالي والذوق الرفيع للحياة النبوية ، يقول:

لقد كان النبي يُعنى بنفسه عناية تامة ، وقد عُرف له نمط من التأنق على غاية من البساطة ، ولكن على جانب كبير من الذوق والجمال" .

"إن حركات الصلاة منتظمة تفيد الجسم والروح معاً ، وذات بساطة ولطافة وغير مسبوقة في صلاة غيرها".

تعدد الزوجات مابين الإسلام والنصرانية:

"إن تعدد الزوجات عند المسلمين أقل انتشاراً منه عند الغربيين الذين يجدون لذة الثمرة المحرمة عند خروجهم عن مبدأ الزوجة الواحدة !

وهل حقاً إن المسيحية قد منعت تعدد الزوجات ؟!

وهل يستطيع شخص أن يقول ذلك دون أن يأخذ منه الضحك مأخذه ؟!

إن تعدد الزوجات قانون طبيعي ، وسيبقى ما بقي العالم ، إن نظرية الزوجة الواحدة أظهرت ثلاث نتائج خطيرة : العوانس ، والبغايا، والأبناء غير الشرعيين".

 

مقالة عنه من كتاب "الجانب الخفي وراء اسلام هؤلاء" بقلم محمد كامل عبدالصمد:

وُلد في "باريس" عام 1861.. وتوفى وقد بلغ من العمر سبعين عاماً وقد احتشد حوله لتوديعه الوداع الأخير عدد كبير من الناس، ومن كبار المسئولين وعارفي فضله من أهله ومن غير أهله من ممثلي الشعوب.. وقد دفن في مدينة "بوسعادة" بالجزائر بناء على وصيته..

أحب حياة العرب، وهو ذلك الفنان الكبير، الذي يعد واحداً من كبار رجال الفن والتصوير، فهو صاحب اللوحات الكبيرة النفسية التي تحتفظ بها المتاحف الفرنسية الكبيرة، وغيرها من متاحف العالم ومن تلك اللوحات الشهيرة لوحة باسم "غداة رمضان" في متحف باريس كذلك لوحاته الأخرى التي في "لوكسمبرج" و"سدني" وغير ذلك كثير... وجميع صورة تدل على المقدرة الفنية الكبيرة في دقة التعبير عن الحالات النفسية المختلفة كما يذكر النقاد.

كان فناناً يتملكه شعور ديني، فامتزج فيه الفن بالدين، فكان مثالاً واضحاً للإنسان الملْهَم، غير أنه كان يستولي عليه شعور بالقلق والحيرة من الناحية الدينية.

وكما كان "دينيه" يفكر في لوحاته، كان يفكر في مصيره... بحث عن علاج لطبيعته الدينية القلقة في النصوص المقدسة، وفي العقائد التي يدين بها الوسط المحيط به... فكر في المسيحية والكنيسة.. وفي البابا المعصوم.. وفي عقيدة التثليث والصلب، والفداء، والغفران.. أخذ يفكر: هل صحيح أن المسيح ابن الله؟.. وهل صُلب ليطهر بني البشر من اللعنة التي حلت بهم بسبب خطيئة آدم؟.. كيف صُلب ليفتدي البشر وهو ابن الله؟ّ".

أعاد قراءة الأناجيل من جديد محاولاً جهده أن يراها تتسم بسمة الحق، فيؤمن بابن الله، ولكنه رأى فيها ما يتنافى مع الصورة المثلى للإنسان الكامل، فضلاً عن الصورة التي تريد المسيحية أن توحي بها... قرأ أقوالاً غريبة في الأناجيل نُسِبتْ للمسيح، من ذلك:

"في اليوم الثالث كان عرس في قانا الجليل، كانت أم يسوع هناك، ودع يسوع تلاميذه إلى العرس ولما فرغت الخمر قالت أم يسوع له: ليس لهم خمر.. .. قال يسوع: مالي ومالك يا امرأة!" (إنجيل يوحنا ـ الإصحاح الثاني عشر).

ومن أقواله التي توجب كراهية الأقرباء:

"إن كان أحد يأتي إليَّ ولا يبغض أباه وأمه، وامرأته وأولاده، واخوته وأخواته، حتى نفسه أيضاً، فلا يقدر أن يكون تلميذاً لي" (إنجيل لوقا ـ الإصحاح الرابع عشر).

كذلك من الأقوال الغريبة التي نسبت للمسيح وقرأها "دينيه".

"وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بها أحد، ولا الملائكة الذين في السماء، ولا الابن إلا الأب" (إنجيل مرقص ـ الإصحاح الثالث عشر).

وغير ذلك من نصوص بعثت في نفسه شكوكاً في صحة الأناجيل التي اطلع عليها.. الأمر الوحيد الذي لم يشك فيه أن الله قد أنزل الإنجيل على عيسى بلغته ولغة قومه، ولكن هذا الإنجيل ضاع واندثر، ووجد مكانه "توليفات" أربعة مشكوك في أمرها، يكفي أنها مكتوبة باللغة اليونانية، وهي لغة غريبة عن لغة عيسى الأصلية التي هي لغة سامية..

وثار شعوره الديني على أوضاع مبهمة، وألفاظ غامضة لا يستطيع فهمها، وانتهى به المطاف بعد بحث وجدل ومناظرات طويلة إلى رفض المسيحية، بعد أن تيقن أن المسيحية الحالية ليست هي مسيحية عيسى، بل لا تمت إليه بصلة، اللهم إلا اسماً.

ورأى "دينيه" أن يتجه إلى العقل يستمد منه الهداية إلى الطريق المستقيم ولكنه انتهى إلى أن العقل عاجز عن إشباع غريزته الدينية.. والتفت حوله: ماذا فعل أمثاله ممن شكّوا في المسيحية؟!.. لقد رأى أن كثيراً منهم قد اتجه إلى الإسلام، فاتجه إليه يستكشفه، فلم يجد ـ بعد دراسة عميقة ـ سوى القرآن، ذلك الكتاب الوحيد الذي لم ينله التحريف ولا التبديل، وحاول الاستزادة، فعرف عن الكثير عن الإسلام بحكم معايشته للبيئة الإسلامية، وقد تمخضت هذه المعرفة عن اعتناقه للإسلام باقتناع تام.. بل تمخض عنه أكثر، قيامه بالدعوة الإسلامية، ووضعه لعدة مؤلفات قيمة مثل "محمد رسول الله" بالاشتراك مع سليمان الجزائري وقام بترجمته إلى العربية الدكتور عبد الحليم محمود، ومحمد عبد الحليم محمود..، وأشعة خاصة بنور الإسلام" ترجمة راشد رستم إلى العربية.. "والحج إلى بيت الله الحرام".. و"الشرق في نظر الغرب"... وغيرها.

 

 

 

 

39-المفكر السويسري روجيه دوباكييه

 

نشأ في بيئة مسيحية بروتستانتية، غير أنه تأثر بالفلسفة الحديثة، ولا سيما الفلسفة الوجودية، فقد كان يعتقد أن الأديان معتقدات خرافية.

وعندما اشتغل بالصحافة بدأ يسافر إلى أكثر من بلد... فسافر إلى السويد، وعمل بها مراسلاً صحفيّاً في نهاية الحرب العالمية الثانية لأكثر من خمس سنوات، لكنه اكتشف أن الناس تعساء، برغم التقدم والرخاء الذي يعيشون فيه، على حين اكتشف عكس ذلك عندما سافر إلى بعض الدول الإسلامية في الشرق، فقد وجد المسلمين _برغم فقرهم الشديد _ يشعرون بسعادة أكثر، وأن حياتهم لها معنى... هذه الملاحظة جعلته يفكر مليّاً في معنى الحياة ويتأملها من خلال هذين النموذجين... فيقول في ذلك(1):

"كنت أسأل نفسي: لماذا يشعر المسلمون بسعادة تغمر حياتهم برغم فقرهم وتخلفهم؟!.. ولماذا يشعر السويديون بالتعاسة والضيق برغم سعة العيش والرفاهية والتقدم الذي يعيشون فيه؟! حتى بلدي (سويسرا) كنت أشعر فيه بنفس ما شعرت به في السويد، برغم أنه بلد ذو رخاء، ومستوى المعيشة فيه مرتفع!

وأمام هذا كله وجدت نفسي في حاجة لأن أدرس ديانات الشرق... وبدأت بدراسة الديانة الهندوكية فلم أقتنع كثيراً بها، حتى بدأت أدرس الدين الإسلامي فشدني إليه أنه لا يتعارض مع الديانات الأخرى، بل إنه يتسع لها جميعاً... فهو خاتم الأديان... وهذه حقيقة كانت تزداد يقيناً عندي باتساع قراءاتي، حتى رسخت في ذهني تماماً بعد ما اطلعت على مؤلفات الفيلسوف الفرنسي المعاصر "رينيه جينو" الذي اعتنق الإسلام. لقد اكتشفت كما اكتشف الكثيرون ممن تأثروا بكتابات الفيلسوف الفرنسي الذي أسلم وتحولوا إلى الإسلام... اكتشفت أن الإسلام يعطي معنى للحياة، على عكس الحضارة الغربية التي تسيطر عليها المادية، ولا تؤمن بالآخرة، وإنما تؤمن بهذه الدنيا فقط".

وهكذا فقد تأثر "روجيه دوباكييه" بفكر الفيلسوف الفرنسي "رينيه جينو" الذي أسلم، مثلما تأثر سابقاً بزياراته للدول الإسلامية، فبرغم الظروف المادية السيئة في تلك الدول فإن أهلها يتمتعون بقدر كبير من الإيمان الراسخ في نفوسهم، ولا توجد عندهم أزمات أخلاقية كالتي توجد بالغرب، وجعلت كثيراً من الشباب ينتحر أو يهرب من الحياة بتعاطي المخدرات، مما يعني في نظرهم أن الحياة ليس لها معنى أو قيمة... ويصل إلى نتيجة يعبر عنها بقوله:

"لقد تبينت أن الإسلام بمبادئه يَبسُط السكينة في النفس... أما الحضارة المادية فتقود أصحابها إلى اليأس، لأنهم لا يؤمنون بأي شيء... كما تبينت أن الأوربيين لم يدركوا حقيقة الإسلام، لأنهم يحكمون عليه بمقاييسهم المادية".

ولذلك كان من المنطقي والتسلسل الطبيعي أن يجيب على الفور عندما سُئل: ما الذي جذبك نحو الإسلام؟.

"في البداية، إن الذي جذبني إلى الإسلام هو شهادة أن لا إله إلاّ الله، وأن محمداً رسول الله... فقد اكتشفت أن الإسلام دين متكامل، وكل شيء فيه مرتبط بالقرآن والسنة.. وفي اعتقادي أن الإنسان يمكن أن يتأمل في هذه الشهادة طيلة الحياة.

الشهادة تقول لا إله إلا الله.. وهذا يعني أنه ليس هناك حقيقة نهائية ودائمة سوى الله... أما الفلسفة الحديثة فتقول إنه ليس هناك حقيقة سوى هذه الدنيا، ذلك ما تقوله الفلسفة الوجودية وغيرها...

وقد دهشت لأن الإسلام يعبر عن الحقيقة التي تناساها العلم والفلسفة الحديثة".

ثم يستطرد حديثه بعد لحظة تأمل إلى بعيد ليقول:

"لقد تأثرتُ بالقرآن الكريم كثيراً عندما بدأت أدرسه، وتعلمتُ وحفظتُ بعض آياته.. والحمد لله فأنا أستطيع أن أقرأ فيه(2): وتستوقفني كثيراً الآية الكريمة: (وَمَن يبتَغِ غيرَ الإسلام ديناً فَلَن يُقبلَ منهُ وَهُوَ في الآخرةِ مِنَ الخاسرين)(3)... وقوله تعالى: (لا إكراهَ في الدين قَد تبيَّنَ الرُّشد منَ الغيّ)(4).

ثم يضيف في سعادة غامرة قائلاً:

"والسنة النبوية الشريفة قرأتها أيضاً، وتأثرت بما فيها من حِكَم وبيان دقيق".

ولم يجد "روجيه دوباكييه" مناصاً من أن يُعلن إسلامه أمام الملأ، فيقول:

"لمّا عُدتُ إلى سويسرا لم يكن هناك مبرر لأن أخفي إسلامي، لذلك فقد نشرتُ مقالات كثيرة عن الإسلام في "جورنال دى جنيف".. وصحيفة "جازيت دي لوزان"، وهي صحف غير إسلامية.. كما ترجمت بعض الكتب التي تتناول موضوعات إسلامية.. ودافعتُ في كتاباتي كلها عن قضايا الإسلام كمسلم وَجَدَ طريقه في دين الإسلام.

وأنا أحاول _الآن _ أن أكثف كتاباتي عن الإسلام، وأشرح للقراء الغربيين ما يدور في العالم الإسلامي... وأنا أركز على مسألة أن الإسلام يُقدم حُلولاً لمشاكل كثيرة وصلوا معها إلى طريق مسدود، في حين فتح الإسلام لها أبواباً كثيرة".

وعن نظرته للمسلمين كأشخاص يؤمنون بالإسلام باعتباره قومية أو أيديولوجية، يقول في غضب:

"أنا أختلف مع بعض الأشخاص الذين ينظرون إلى الإسلام باعتباره قومية _وهذا اعتقاد خاطىء لدى كثير من المسلمين... إنهم يعتبرون الإسلام أيديولوجية وهو خطأ... إنّما الإسلام طريق إلى الله، وأفضل طريقة للوصول إلى معرفة الله والتصالح والوئام بين الخالق والخلق".

وعن رأيه في النقد الموَجَّه للإسلام بأنه دين تخلّف لا يقود إلى التقدم، قال ساخراً:

"الحمد لله أن الإسلام ليس متقدماً بمعنى التقدم الذي يعيشون فيه ويقودهم إلى الهاوية.. والحمد لله أن الإسلام لم يتجه إلى هذا التقدم المادي الذي يقصدونه... ولو كان كذلك لما أثار انتباهي ولا انتباه هؤلاء المفكرين الذين وجدوا فيه الخير والسعادة للبشرية، أمثال "رجاء غارودى" وغيره..

إن الإسلام يعبر عن شيء خالد، ومن السخف أن نقول إنه متخلف، ولذلك يجب تغييره أو استبداله.. إن التقدم الذي ينادون به قادهم إلى اليأس والضياع... الحضارة والمدنية الحديثة تعبر عن صراع الإنسان مع المادة والحياة... في حين يعبر الإسلام عن الحقيقة، ولذلك فلا داعي لأن يتجه الإسلام نحو التقدم بالمعنى الذي يريدونه، وهو الفوضى والدمار واليأس".

وعن رأيه فيما يُثار من أن هناك فرقاً بين الإسلام كدين، والمسلمين كأشخاص... هزَّ رأسه في ابتسامه مقتضبة قائلاً:

هناك قصة فيها رد على ذلك... فأنا أعرف صديقاً منذ فترة اعتنق الإسلام في السادسة والعشرين من عمره اسمه "محمد أسعد" كان يهوديّاً واعتنق الإسلام عام 1926، وألف كتاباً بعنوان "الطريق إلى مكة" وأصبح من علماء الإسلام، وله مؤلفات أخرى كثيرة... قابلته منذ فترة في باكستان حيث يعيش هناك.. وسألته نفس هذا السؤال: هل هناك فرق بين الإسلام كدين والمسلمين كأشخاص؟

فقال لي: إذا كنا قد اعتنقنا الإسلام فليس هذا بسبب المسلمين.. ولكن السبب أن الإسلام حقيقة لا ينكرها أحد.

صحيح هناك تدهور في حال المسلمين.. ولكني أصارحك القول بأن التدهور في حال أصحاب الأديان الأخرى أكثر مما هو في المسلمين... إن الإسلام آخر تعبير عن الرحمة الإلهية... وما زال قادراً على العطاء.. عطاء كل ما يُخَلّص الإنسان من شقاء الحياة وآلامها ومتاعبها.. إن الإسلام يجدد الصلة بين المرء وربه التي قطعها إنسان اليوم.

حتى إذا كان المسلمون في حالة تدهور أو انهيار، فإن دينهم قادر على منحهم الحياة السعيدة المطمئنة التي تعينهم على التغلب على تلك الأزمات الأخلاقية التي يعيشها الغرب".

وعن تفسيره لظاهرة الإقبال على اعتناق الإسلام من جانب الأوربيين أجاب قائلاً:

"السبب كما قلت الأزمة التي قادتهم إليها الحضارة والمدنية الحديثة.. لقد أصبح الأوربيون يعيشون في حالة يأس لأنهم لا يؤمنون بشيء، ولذلك فهم يبحثون عن معنى لحياتهم، وقد وجدوا هذا المعنى في الإسلام فأقبلوا عليه".

ـــــــــــــــ

1_ اللواء الإسلامي: من حديث أجراه محمد صبره ورضا عكاشه في إحدى أعدادها الأسبوعية.

2_ برغم أن لديه ترجمات بالإنجليزية والفرنسية للقرآن، فإنه يحرص على قراءة القرآن باللغة العربية التي يحرص على تعلمها وحذقها كما يذكر.

3_ سورة آل عمران _ الآية 85.

4_ سورة البقرة _ من الآية 256.

40-الكاتب الأمريكي الكولونيل دونالدس روكويل

 

كانت هناك دوافع قوية وراء اعتناق "الكولونيل دونالدس روكويل" للإسلام يقول عنها:

"إن بساطة الإسلام، ومساجد المسلمين بجاذبيتها، وبما في أجوائها من روعة وجلال ووقار، وما يتميز به المسلمون المؤمنون من ثقة باعثة على اليقين تجعلهم يستجيبون لنداء الصلاة خمس مرات في اليوم، كل هذه الأمور ملكت علىَّ مشاعري منذ البداية.. .. على أنني بعد أن قررت أن أنضم إلى ركب المسلمين، وجدت أن هناك أسباباً كثيرة أخرى أهم وأعمق من هذه الدوافع، قد زادتني يقيناً وتصميماً، وهي:

* هذا الإدراك الناضج للحياة، والذي هو من ثمار السنة المحمدية التي تجمع بين الرأي السديد، والقدوة العملية، في أسلوب من التوجيه الحكيم في أمور كثيرة تدلل على واقعية هذا الدين، وحكمة أخَّاذة سديدة في أقوال محمد (ص)، ... خُذْ مثلاً قوله "إعقلها وتوكل" ... لقد قرر في هاتين الكلمتين نظاماً دينيّاً في أعمالنا المعتادة، فلم يطلب إلينا التصديق الأعمى بوجود قوى غيبية تحفظنا برغم تقصيرنا وإهمالنا، بل يدعونا إلى الثقة في الله، والرضا بإرادته في عاقبة أمرنا، إذا نحن طرقنا الأمور من أبوابها الصحيحة، وبذلنا في ذلك قصارى جهدنا.

*سماحة الإسلام مع الأديان الأخرى ـ والذي هو نابع من اتساع الأفق الفكري ـ تجعله قريباً إلى قلوب أولئك الذين يتعشقون الحرية، فقد دعا محمد (ص) أتباعه إلى أن يحسنوا معاملة المؤمنين بالتوراة والإنجيل، وإلى الإيمان بأن إبراهيم وموسى وعيسى عليهم رُسُلٌ من عند الله الواحد الأحد ... هذه سماحة يمتاز بها الإسلام عن الأديان الأخرى.

* التحرر الكامل من عبادة الأوثان، دليل على سلامة دعائم العقيدة الإسلامية، وعلى نقائها، فالتعاليم الأصلية التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم لم يغيرها المشرعون بتعديلات أو إضافات، فها هو ذا القرآن الكريم على الحالة التي أنزل بها على محمد صلى الله عليه وسلم لهداية المشركين والكفار في بداية دعوته ظل ثابتاً راسخاً حتى الآن.

* الاعتدال والتوسط في كل شئ هما دعامتان أساسيتان في الإسلام، قد استحوذتا على كل إعجابي وتقديري.

لقد أمنت أن الرسول محمد (ص) كان حريصاً على صحة قومه، فأمرهم بالتزام النظافة إلى أبعد الحدود، كما أمرهم بالصوم والسيطرة على الشهوات الجنسية ... وأذكر أنني كنت ـ عندما أقف في مساجد أسطنبول ودمشق وبيت المقدس والقاهرة وغيرها من المدن ـ أحس شعوراً عميقاً بقدرة الإسلام في بساطته، على الارتفاع بروح البشر إلى الآفاق العليا، بدون حاجة إلى زخارف أنيقة، أو تماثيل، أو صور، أو موسيقى، أو طقوس رسمية.. فالمسجد مكان للتأمل الهادئ، ونسيان الذات وفنائها، واندماجها في الحقيقة الكبرى، في ذكر الله الأحد:

* تتجلى ديمقراطية الإسلام التي أثارت إعجابي في تساوي الحقوق بين الملك صاحب السلطان، وبين الفقير المتسول داخل جدران المسجد، فهم يسجدون جميعاً لله، ليست هناك مقاعد تستأجر، ولا أماكن تحجز لفئة دون أخرى.

* لا يؤمن المسلم بوسيط بينه وبين ربه، بل يتجه رأساً إلى الله، خالق الخلق، وواهب الحياة، وهو لا يراه دون التجاء إلى صكوك غفران، أو إلى أحد لمنحه منحة الخلاص.

* الاخوة العالمية الشاملة في الإسلام، بغض النظر عن اختلاف العنصر أو المذهب السياسي أو اللون أو الإقليم فقد ثبت ذلك عندي بكل يقين واقتناع مرات ومرات ... وهذه ظاهرة أخرى كانت ضمن الدوافع التي قادتني إلى الإيمان بالإسلام.

 

 

41- العالم البريطاني آرثر أليسون

 

عندما حضر البروفيسور "آرثر أليسون" رئيس قسم الهندسة الكهربائية والإلكترونية بجامعة لندن إلى القاهرة عام 1985 ليشارك في أعمال المؤتمر الطبي الإسلامي الدولي حول الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، كان يحمل معه بحثه الذي ألقاه، وتناول فيه أساليب العلاج النفسي والروحاني في ضوء القرآن الكريم، بالإضافة الى بحث آخر حول النوم والموت والعلاقة بينهما في ضوء الآية القرآنية الكريمة: (اللهُ يتوفّى الأنفُسَ حينَ مَوتِها والتي لَم تَمُت في مَنامِها فيُمسكُ التي قضى عليها الموتَ ويُرسِلُ الأُخرى إلى أجلٍ مسمى إن في ذلك لأياتٍ لقومٍ يتفكرون).

الغريب في الامر أنه لم يكن _وقتئذ _ قد اعتنق الإسلام، وإنما كانت مشاعره تجاهه لا تتعدى الإعجاب به كدين.

وبعد أن ألقى بحثه جلس يشارك في أعمال المؤتمر، ويستمع إلى باقي البحوث التي تناولت الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، فتملكه الانبهار وقد ازداد يقينه بأن هذا هو الدين الحق.. فكل ما يسمعه عن الإسلام يدلل بأنه دين العلم ودين العقل.

فلقد رأى هذا الحشد الهائل من الحقائق القرآنية والنبوية، والتي تتكلم عن المخلوقات والكائنات، والتي جاء العلم فأيدها، فأدرك أن هذا لا يمكن أن يكون من عند بشر.. وما جاء به رسوله محمد (ص) من أربعة عشر قرناً يؤكد أنه رسول الله حَقّاً..

وأخذ "أليسون" يستفسر ويستوضح من كل مَن جلس معه عن كل ما يهمه أن يعرفه عن الإسلام كعقيدة ومنهج للحياة في الدنيا... حتى لم يجد بُداً من أن يعلن عن إيمانه بالإسلام...

وفي الليلة الختامية للمؤتمر، وأمام مراسلي وكالات الأنباء العالمية، وعلى شاشات التليفزيون، وقف البروفيسور "آرثر أليسون" ليعلن أمام الجميع أن الإسلام هو دين الحق... ودين الفطرة التي فطر الناس عليها... ثم نطق بالشهادتين أمام الجميع بصوت قوي مؤمن:

"أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله".

وفي تلك اللحظات كانت كبيرات المسلمين من حوله ترتفع، ودموع البعض قد انهمرت خشوعاً ورهبة أمام هذا الموقف الجليل.

ثم أعلن البروفيسور البريطاني عن اسمه الجديد "عبد الله أليسون"... وأخذ يحكي قصته مع الإسلام فقال:

إنه من خلال اهتماماتي بعلم النفس، وعلم ما وراء النفس، حيث كنت رئيساً لجمعية الدراسات النفسية والروحية البريطانية لسنوات طويلة... أردت أن أتعرف على الأديان، فدرستها كعقائد، ومن تلك العقائد عقيدة الإسلام، الذي وجدته أكثر العقائد تمشياً مع الفطرة التي ينشأ عليها الإنسان... وأكثر العقائد تمشياً مع العقل، من أن هناك إلهاً واحداً مهيمناً ومسيطراً على هذا الوجود... ثم إن الحقائق العلمية التي جاءت في القرآن الكريم والسنة النبوية من قبل أربعة عشر قرناً قد أثبتها العلم الحديث الآن، وبالتالي نؤكد أن ذلك لم يكن من عند بشر على الإطلاق، وأن النبي محمد (ص) هو رسول الله.

ثم تناول "عبد الله أليسون" جزئية من بحثه الذي شارك به في أعمال المؤتمر، والتي دارت حول حالة النوم والموت من خلال الآية الكريمة (اللهُ يَتَوفّى الأنفسَ حينَ مَوتِها والتي لم تَمُت في مَنامِها فَيُمسِكُ التي قضى عليها المَوتَ وَيُرسِلُ الأخرى إلى أجلٍ مسمىً...). فأثبت "أليسون" أن الآية الكريمة تذكر أن الوفاة تعني الموت، وتعني النوم وأن الموت وفاة غير راجعة في حين أن النوم وفاة راجعة... وقد ثبت ذلك من خلال الدراسات الباراسيكولوجية والفحوص الإكلنيكية من خلال رسم المخ، ورسم القلب، فضلاً عن توقف التنفس الذي يجعل الطبيب يعلن عن موت هذا الشخص، أم عدم موته في حالة غيبوبته أو نومه.

وبذلك أثبت العلم أن النوم والموت عملية متشابهة، تخرج فيها النّفسُ وتعود في حالة النوم ولا تعود في حالة الموت.

ثم قرر العالم البريطاني المسلم البروفيسور "عبد الله أليسون" أن الحقائق العلمية في الإسلام هي أمثل وأفضل أسلوب للدعوة الإسلامية، ولا سيما للذين يحتجون بالعلم والعقل.

ولذلك أعلن البروفيسور "عبد الله"... أنه سيقوم بإنشاء معهد للدراسات النفسية الإسلامية في لندن على ضوء القرآن المجيد والسنة النبوية... والاهتمام بدراسات الإعجاز الطبي في الإسلام، وذلك لكي يوصل تلك الحقائق إلى العالم الغربي الذي لا يعرف شيئاً عن الإسلام.

كما وعد بإنشاء مكتبة إسلامية ضخمة باللغتين العربية والإنجليزية للمساعدة في اجراء البحوث العلمية على ضوء الإسلام.


42-اللورد جلال الدين برانتون

 

[أتمَّ السِّير جلال الدِّين دراسته في جامعة أكسفورد. وقد كان باروناً إنجليزيًّا، ورجلاً ذا شعبيَّةٍ كبيرةٍ وسمعةٍ عريضة.]

 

أشعر بعميق الامتنان على إتاحة هذه الفرصة لي لأُعبِّر فيها ببعض الكلمات عمَّا دفعني لإعلان إسلامي. لقد تربَّيْت تحت تأثير أبويْن مسيحيَّيْن. وأصبحت في سنوات عمري المبكِّرة مهتمًّا بعلم اللاهوت. فشاركت بنفسي في الكنيسة الإنجليزيَّة، واهتممت بالعمل التبشيريِّ دون أن يكون لي فيه مشاركةً فعليَّة.

 

قبل بضع سنواتٍ مضت انصبَّ اهتمامي على عقيدة "العذاب الأبدي" لكلِّ البشريَّة عدا بعض المختارين. وأصبح الأمر بالنِّسبة لي مقيتاً جداًّ بحيث صار يغلب عَلَيَّ الشكُّ. فقد فكَّرت منطقيّاً بأنَّ ذاك الإله الَّذي يمكن أن يستخدم قدرته لخلق الكائنات البشريَّة الَّتي يجب أن تكون -في سابق علمه وتقديره- مُعذَّبةً للأبد، لابدَّ أنَّه ليس حكيماً، أو مُحِبّاً - سبحانه وتعالى عمَّا يصفون علوّاً كبيراً - فمستواه لابدَّ وأن يكون أقلَّ من الكثير من البَشَر. ومع ذلك واصلت الاعتقاد بوجود الله تعالى، ولكنِّي لم أكن راغباً بقبول الفهم السائد للتعاليم الَّتي تقول بالوحي الإلهيِّ للرِّجال. فحوَّلت اهتمامي للتَّحقيق في الأديان الأخرى، ممَّا أشعرني بالحيرة فقط.

 

وكَبُرَت في داخلي رغبةٌ جديَّةٌ للخضوع للإله الحق وعبادته. ومع أنَّ المذاهب المسيحيَّة تدَّعي أنَّها أُسِّسْت على الإنجيل إلَّا أنَّني وجدتها متناقضة. فهل من الممكن أنَّ الإنجيل وتعليم السيِّد المسيح (عليه الصَّلاة والسَّلام) كانا مُحرَّفيْن؟! لذلك صببت اهتمامي –وللمرَّة الثانية- على الإنجيل، وصمَّمت أن تكون الدِّراسة عميقة، وشعرت بأنَّه كان هناك شيئٌ ناقص وصمَّمت على فعل ذلك لنفسي، بغضِّ النظر عن مذاهب البشر. فبدأت أتعلَّم بأنَّ النَّاس يمتلكون "الرُّوح"، و "قوَّةً ما غير مرئيَّةٍ" وهي خالدة، وأنَّ الآثام سيُعاقَب عليها في هذا العالم وفي العالم الآخر، وأنَّ الله تعالى برحمته وإحسانه يمكنه دوماً أن يغفر ذنوبنا إذا ما تبنا إليه حقّاً.

 

ولإدراكي أهميَّة البحث العميق والعيش على مستوى الحق، ولكي أجد "الجوهرة الثمينة"، كرَّست وقتي مرَّهً أخرى لدراسة الإسلام. كان هناك شيئٌ في الإسلام شدَّني في ذلك الوقت. وفي زاويةٍ مغمورةٍ -بالكاد معروفة- من قرية "إتشرا" كنت مكرِّساً وقتي وعبادتي لله العظيم بين أدنى طبقات المجتمع مع رغبةٍ صادقةٍ لرفعهم إلى مستوى معرفة الإله الحقِّ والواحد، ولغرس الشعور بالأخوَّة والطَّهارة.

 

ليس في نيَّتي أن أحدِّثكم كيف عملت بين هؤلاء الناس، ولا ما هي التضحيات الَّتي قدَّمتها، ولا المصاعب الجمَّة الَّتي مررت بها، فقد واصلت العمل ببساطةٍ من أجل هدفٍ واحدٍ، وهو أن أخدم هذه الطبقات ماديّاً ومعنويّاً.

 

وأخيراً بدأت بدراسة حياة النبيِّ محمَّد (صلَّى الله عليه وسلَّم). كنت أعرف القليل عمَّا فعله، ولكنِّي كنت أعرف وأشعر بأنَّ المسيحيِّين -وبصوتٍ واحدٍ- أدانوا مجد النبيِّ العربيِّ (صلَّى الله عليه وسلَّم). وأردت حينها أن أنظر في المسألة دون تعصُّبٍ وحقد. وبعد القليل من الوقت وجدت أنَّه من غير الممكن وجود شكٍّ في جديَّة بحثه (عليه الصَّلاة والسَّلام) عن الحقِّ وعن الله تعالى.

 

فأدركت بأنَّه من الخطأ -في نهاية الأمر- إدانة هذا الرجل المقدَّس بعد قراءتي عن الإنجازات الَّتي حقَّقها للبشريَّة. فالنَّاس الَّذين كانوا في الجاهليَّة يعبدون الأصنام، ويعيشون على الجريمة، وفي القذارة والعُري، علَّمهم (عليه الصَّلاة والسَّلام) كيف يلبسون، واستُبدلت القذارة بالطهارة، واكتسبوا كرامةً شخصيّةً واحتراماً ذاتيّاً، وأصبح كرم الضِّيافة واجباً دينيّاً، وحُطِّمت أصنامهم، وبدأوا يعبدون الله تعالى الإله الحق. وأصبحت الأمَّة الإسلاميَّة هي المجتمع الشَّامل القويُّ والأكثر منعةً في العالم. وأُنجزت الكثير من الأعمال الخيِّرة والَّتي هي من الكثرة بحيث لا يمكننا ذكرها هنا. فكم من المحزن -أمام كلِّ هذا، وأمام صفاء عقله (صلَّى الله عليه وسلَّم)- حين نفكِّر كيف استطاع المسيحيُّون أن يحطُّوا من شخصه الكريم. واستحوذني تفكيرٌ عميق، وخلال لحظات تأمُّلاتي زارني سيِّدٌ هنديٌّ اسمه "معن أمير الدِّين"، وكان من الغريب حقّاً أنَّه هو الَّذي أعطى النار الَّتي في حياتي الهواء لتزداد اشتعالاً. فتأمَّلت في المسألة بشكلٍ عميق؛ وقدَّمت الحجَّة تلو الأخرى مُتحاملاً على الدِّين المسيحيِّ المعاصر، ومستنتجاً كلَّ شيءٍ لصالح الإسلام، وشاعراً بالاقتناع أنَّه دين الحقِّ، واليُسْرِ، والتَّسامحِ، والإخلاص، والأُخوَّة.

 

لم يعد لي الآن سوى القليل من الزَّمن لأعيش على هذه الأرض، وأريد أن أكرِّس كلَّ ما بقي لي في خدمة الإسلام.

 

وهذه قصة اسلامه من كتاب "لجانب الخفي وراء إسلام هؤلاء"بقلم محمد كامل عبدالصمد:

 

ولد ونشأ بين أبوين مسيحيين... وولع بدراسة اللاهوت وهو في سن مبكرة، وارتبط بالكنيسة الإنجليزية وأعطى أعمال التبشير كل اهتمامه.

وحدث ذات يوم أن زاره صديق هندي مسلم تحدث معه في موضوع العقائد المسيحية ومقارنتها بالعقيدة الإسلامية، وانتهت الزيارة، إلا أنها لم تنته في نفسه، فقد أثارت إنفعالاً شديداً في ضميره وعقله، وصار يتدبر كل ما قيل فيها من جدال، مما دفعه إلى إعادة النظر في العقائد المسيحية... ويعبر عن ذلك فيقول:

"عندئذ قررت أن أبحث بنفسي، متجاهلاً عقائد الناس، بعد أن أيقنت بضرورة البحث عن الحقيقة مهما طال المدى في هذا السبيل، ومهما كان الجهد، حتى أصل لمزيد من المعرفة بعد أن قيل إن الإنجيل وتعاليم المسيح قد أصابها التحريف.. فعدت ثانياً إلى الإنجيل أوليه دراسة دقيقة، فشعرت أن هناك نقصاً لم أستطع تحديده.. عندئذ ملك عليّ نفسي رغبة أن أُفرغ كل وقتي لدراسة الإسلام... وبالفعل كرست كل وقتي وجهدي له، ومن ذلك دراسة سيرة النبي محمد (ص)، ولم أكن أعلم إلا القليل النادر عنه، برغم أن المسيحيين أجمعوا على إنكار هذا النبي العظيم الذي ظهر في الجزيرة العربية... ولم يمض بي وقت طويل حتى أدركت أنه من المستحيل أن يتطرق الشك إلى جدية وصدق دعوته إلى الحق وإلى الله".

ثم أخذ يكرر هذا المعنى وهو يقول:

"نعم شعرت أنه لا خطيئة أكبر من إنكار هذا "الرجل الرباني" بعد أن درست ما قدمه للإنسانية، وجعل من المسلمين أقوى مجتمع رفيع يعاف الدنايا... إني غير مستطيع أن أحصي ما قدمه هذا الرسول من جليل الأعمال...".

بعدها تساءل في ألم ووجوم قائلاً:

"أمام كل هذا الفضل وهذا الصفاء.. أليس من المحزن الأليم حقاً أن يقدح في شأنه المسيحيون وغيرهم؟!".

 

43-أستاذ الرياضيات الجامعي الأمريكي جفري لانج

 

حتى الملائكة تسأل... البروفسور جفري لانج

 

 يروي البروفسور جفري لانج ، أستاذ الرياضيات في الجامعات الأميركية كيفية اعتناقه للدين الإسلامي ، وذلك في كتاب صدر له بعنوان «حتى الملائكة تسأل». فالكتاب يسطر قصة إسلام لانج ، ويتراوح بين لحظات روحانية غامرة وبين أفكار فلسفية عميقة.

 

 يقول المؤلف: في اليوم الذي اعتنقت فيه الإسلام ، قدم إليَّ إمام المسجد كتيباً يشرح كيفية أداء الصلاة. غير أني فوجئت بما رأيته من قلق الطلاب المسلمين ، فقد ألحوا عليَّ بعبارات مثل: (خذ راحتك) ( لا تضغط على نفسك كثيراً ) ( من الأفضل أن تأخذ وقتك ) ( ببطء.. شيئاً ، فشيئاً ). وتساءلت في نفسي ( هل الصلاة صعبة إلى هذا الحد؟ ). لكني تجاهلت نصائح الطلاب ، فقررت أن أبدأ فوراً بأداء الصلوات الخمس في أوقاتها. وفي تلك الليلة ، أمضيت وقتاً طويلاً جالساً على الأريكة في غرفتي الصغيرة بإضاءتها الخافتة ، حيث كنت أدرس حركات الصلاة وأكررها ، وكذلك الآيات القرآنية التي سأتلوها ، والأدعية الواجب قراءتها في الصلاة. وبما أن معظم ما كنت سأتلوه كان باللغة العربية ، فقد لزمني حفظ النصوص بلفظها العربي ، وبمعانيها باللغة الإنجليزية. وتفحصت الكتيب ساعات عدة ، قبل أن أجد في نفسي الثقة الكافية لتجربة الصلاة الأولى. وكان الوقت قد قارب منتصف الليل، لذلك قررت أن أصلي صلاة العشاء. ودخلت الحمام ووضعت الكتيب على طرف المغسلة مفتوحاً على الصفحة التي تشرح الوضوء. وتتبعت التعليمات الواردة فيه خطوة خطوة ، بتأن ودقة ، مثل طاهٍ يجرب وصفة لأول مرة في المطبخ. وعندما انتهيت من الوضوء ، أغلقت الصنبور وعدت إلى الغرفة والماء يقطر من أطرافي. إذ تقول تعليمات الكتيب بأنه من المستحب ألا يجفف المتوضئ نفسه بعد الوضوء.(1) ووقفت في منتصف الغرفة ، متوجهاً إلى ما كنت أحسبه اتجاه القبلة. نظرت إلى الخلف لأتأكد من أنني أغلقت باب شقتي ، ثم توجهت إلى الأمام ، واعتدلت في وقفتي ، وأخذت نفساً عميقاً ، ثم رفعت يدي ، وبراحتين مفتوحتين ملامساً شحمتي الأذنين بإبهامي.(2) ثم بعد ذلك ، قلت بصوت خافت (الله أكبر). كنت آمل ألا يسمعني أحد . فقد كنت أشعر بشيء من الانفعال. إذ لم أستطع التخلص من قلقي من كون أحد يتجسس علي. وفجأة أدركت أنني تركت الستائر مفتوحة. وتساءلت: ماذا لو رآني أحد الجيران ؟ تركت ما كنت فيه ، وتوجهت إلى النافذة ، ثم جلت بنظري في الخارج لأتأكد من عدم وجود أحد. وعندما رأيت الباحة الخلفية خالية ، أحسست بالارتياح. فأغلقت الستائر ، وعدت إلى منتصف الغرفة. ومرة أخرى ، توجهت إلى القبلة ، واعتدلت في وقفتي ، ورفعت يدي إلى أن لامس الإبهامان شحمتي أذني ، ثم همست (الله أكبر).... وبصوت خافت لا يكاد يسمع ، قرأت فاتحة الكتاب ببطء وتلعثم ، ثم أتبعتها بسورة قصيرة باللغة العربية ، وإن كنت أظن أن أي عربي لم يكن ليفهم شيئاً لو سمع تلاوتي تلك الليلة. ثم بعد ذلك تلفظت بالتكبير مرة أخرى بصوت خافت وانحنيت راكعاً حتى صار ظهري متعامداً مع ساقي واضعاً كفي على ركبتي وشعرت بالإحراج ، إذ لم أنحن لأحد في حياتي. ولذلك فقد سررت لأنني وحدي في الغرفة. وبينما كنت ما أزال راكعاً ، كررت عبارة (سبحان ربي العظيم) عدة مرات. ثم اعتدلت واقفاً وأنا أقرأ (سمع الله لمن حمده) ثم (ربنا ولك الحمد)...... أحسست بقلبي يخفق بشدة ، وتزايد انفعالي عندما كبرت مرة أخرى بخضوع فقد حان وقت السجود... وتجمدت في مكاني ، بينما كنت أحدق في البقعة التي أمامي ، حيث كان علي أن أهوي إليها على أطرافي الأربعة وأضع وجهي على الأرض. لم أستطع أن أفعل ذلك ، لم أستطع أن أنزل بنفسي إلى الأرض ، لم أستطع أن أذل نفسي بوضع أنفي على الأرض ، شأن العبد الذي يتذلل أمام سيده... لقد خيل لي أن ساقي مقيدتان لا تقدران على الانثناء.... لقد أحسست بكثير من العار والخزي. وتخيلت ضحكات أصدقائي ومعارفي وقهقهاتهم ، وهم يراقبونني وأنا أجعل من نفسي مغفلاً أمامهم ، وتخيلت كم سأكون مثيراً للشفقة والسخرية بينهم ، وكدت أسمعهم يقولون (مسكين جفري فقد أصابه العرب بمس في سان فرانسيسكو ، أليس كذلك؟). وأخذت أدعو ( أرجوك ، أرجوك ، أعني على هذا). أخذت نفساً عميقاً ، وأرغمت نفسي على النزول... الآن صرت على أربعتي ، ثم ترددت لحظات قليلة ، وبعد ذلك ضغط وجهي على السجادة... أفرغت ذهني من كل الأفكار ، وتلفظت ثلاث مرات بعبارة (سبحان ربي الأعلى)، (الله أكبر) قلتها ورفعت من السجود جالساً على عقبي وأبقيت ذهني فارغاً رافضاً السماح لأي شيء أن يصرف انتباهي. (الله أكبر) ووضعت وجهي على الأرض مرة أخرى. وبينما كان أنفي يلامس الأرض ، رحت أكرر عبارة (سبحان ربي الأعلى) بصورة آلية. فقد كنت مصمماً على إنهاء هذا الأمر مهما كلفني ذلك. (الله أكبر) وانتصبت واقفاً ، فيما قلت لنفسي: لا تزال هناك ثلاث جولات أمامي. وصارعت عواطفي وكبريائي في ما تبقى لي من الصلاة. لكن الأمر صار أهون في كل شوط. حتى إنني كنت في سكينة شبه كاملة في آخر سجدة. ثم قرأت التشهد في الجلوس الأخير ، وأخيراً سلمت عن يميني وشمالي.... وبينما بلغ بي الإعياء مبلغه ، بقيت جالسا على الأرض ، وأخذت أراجع المعركة التي مررت بها ، لقد أحسست بالإحراج لأنني عاركت نفسي كل ذلك العراك في سبيل أداء الصلاة إلى آخرها. ودعوت برأس منخفض خجلاً : ( اغفر لي تكبري وغبائي ، فقد أتيت من مكان بعيد ولا يزال أمامي سبيل طويل لأقطعه ) . وفي تلك اللحظة ، شعرت بشيء لم أجربه من قبل ، ولذلك يصعب عليّ وصفه بالكلمات.... فقد اجتاحتني موجة لا أستطيع أن أصفها إلا بأنها كالبرودة ، وبدا لي أنها تشع من نقطة ما في صدري. وكانت موجة عارمة فوجئت بها في البداية حتى إنني أذكر أنني كنت أرتعش. غير أنها كانت أكثر من مجرد شعور جسدي ، فقد أثرت في عواطفي بطريقة غريبة أيضا. لقد بدا كأن الرحمة قد تجسدت في صورة محسوسة وأخذت تغلفني وتتغلغل فيّ... ثم بدأت بالبكاء من غير أن أعرف السبب ، فقد أخذت الدموع تنهمر على وجهي ، ووجدت نفسي أنتحب بشدة.... وكلما ازداد بكائي ، ازداد إحساسي بأن قوة خارقة من اللطف والرحمة تحتضنني. ولم أكن أبكي بدافع من الشعور بالذنب ، رغم أنه يجدر بي ذلك ، ولا بدافع من الخزي أو السرور... لقد بدا كأن سداً قد انفتح مطلقاً عنان مخزون عظيم من الخوف والغضب بداخلي. وبينما أنا أكتب هذه السطور ، لا يسعني إلا أن أتساءل عما لو كانت مغفرة الله عز وجل لا تتضمن مجرد العفو عن الذنوب ، بل وكذلك الشفاء والسكينة أيضا... ظللت لبعض الوقت جالساً على ركبتي ، منحنياً إلى الأرض ، منتحباً ورأسي بين كفي. وعندما توقفت عن البكاء أخيراً ، كنت قد بلغت الغاية في الإرهاق. فقد كانت تلك التجربة جارفة وغير مألوفة إلى حد لم يسمح لي حينئذ أن أبحث عن تفسيرات عقلانية لها... وقد رأيت حينها أن هذه التجربة أغرب من أن أستطيع إخبار أحد بها. أما أهم ما أدركته في ذلك الوقت فهو أنني في حاجة ماسة إلى الله وإلى الصلاة ، وقبل أن أقوم من مكاني ، دعوت بهذا الدعاء الأخير : « اللهم ، إذا تجرأت على الكفر بك مرة أخرى ، فاقتلني قبل ذلك ، خلصني من هذه الحياة... ومن الصعب جداً أن أحيا بكل ما عندي من النواقص والعيوب لكنني لا أستطيع أن أعيش يوماً واحداً آخر وأنا أنكر وجودك ».

 

........................................

(1) الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمسح أثر ماء الوضوء ، تارة ، ويدعه تارة ، وقال بعض العلماء أن تركه محمول على قصد التبرد وليس قصد التقرب ، وبعضهم ذهب إلى أن السنة ترك المسح أحيانا ، وفعله أحيانا والله أعلم ...

 

(2) الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يلمس بإبهاميه شحمة أذنيه ، وإنما كان يرفع يديه عند التكبير حذو منكبيه أو حذو إذنيه مضمومة الأصابع مستقبلا بكفيه القبلة.. والله أعلم..

 

 المصدر : إحدى الصحف السعودية

 


44-الأستاذ الجامعي الأمريكي محمد أكويا

 

كان السبب الأول لإسلامه حجاب طالبة أميركية مسلمة, معتزة بدينها, و معتزة بحجابها, بل لقد اسلم معه ثلاثة دكاترة من أستذة الجامعة و أربعة من الطلبة. لقد كان السبب المباشر لإسلام هؤلاء السبعة, الذين صاروا دعاة إلى الإسلام. هو هذا الحجاب. لن أطيل عليكم في التقديم. وفي التشويق لهذه القصة الرائعة التي سأنقلها لكم على لسان الدكتور الأميركي الذي تسمى باسم النبي محمد صلى الله عليه و سلم و صار اسمه (محمد أكويا). يحكي الدكتور محمد أكويا قصته فيقول: قبل أربع سنوات, ثارت عندنا بالجامعة زوبعة كبيرة, حيث التحقت للدراسة طالبة أميركية مسلمة, و كانت محجبة, و قد كان من بين مدرسيها رجل متعصب يبغض الإسلام و يتصدى لكل من لا يهاجمه. فكيف بمن يعتنقه و يظهر شعائره للعيان؟ كان يحاول استثارتها كلما وجد فرصة سانحة للنيل من الإسلام. وشن حربا شعواء عليها, و لما قابلت هي الموضوع بهدوء ازداد غيظه منها,فبدأ يحاربها عبر طريق آخر,حيث الترصد لها بالدرجات, و إلقاء المهام الصعبة في الأبحاث, و التشديد عليها بالنتائج, و لما عجزت المسكينة أن تجد لها مخرجا تقدمت بشكوى لمدير الجامعة مطالبة فيها النظر إلى موضوعها. و كان قرار الإدارة أن يتم عقد بين الطرفين المذكورين الدكتور و الطالبة لسماع وجهتي نظرهما والبت في الشكوى. و لما جاء الموعد المحدد. حضر أغلب أعضاء هيئة التدريس, و كنا متحمسين جدا لحضور هذه الجولة التي تعتبر الأولى من نوعها عندنا بالجامعة. بدأت الجلسة التي ذكرت فيها الطالبة أن المدرس يبغض ديانتها. و لأجل هذا يهضم حقوقها العلمية, و ذكرت أمثلة عديدة لهذا, و طلبت الاستماع لرأي بعض الطلبة الذين يدرسون معها, وكان من بينهم من تعاطف معها و شهد لها, و لم يمنعهم اختلاف الديانة أن يدلوا بشهادة طيبة بحقها. حاول الدكتور على أثر هذا أن يدافع عن نفسه, و استمر بالحديث فخاض بسب دينها. فقامت تدافع عن الإسلام. أدلت بمعلومات كثيرة عنه, و كان لحديثها قدرة على جذبنا, حتى أننا كنا نقاطعها فنسألها عما يعترضنا من استفسارات. فتجيب فلما رآنا الدكتور المعني مشغولين بالاستماع والنقاش خرج من القاعة.فقد تضايق من اهتمامنا و تفاعلنا. فذهب هو ومن لا يرون أهمية للموضوع. بقينا نحن مجموعة من المهتمين نتجاذب أطراف الحديث, في نهايته قامت الطالبة بتوزيع ورقتين علينا كتب فيها تحت عنوان " ماذا يعني لي الإسلام؟ " الدوافع التي دعتها لاعتناق هذا الدين العظيم, ثم بينت ما للحجاب من أهمية و أثر. وشرحت مشاعرها الفياضة صوب هذا الجلباب و غطاء الرأس الذي ترتديه. الذي تسبب يكل هذه الزوبعة. لقد كان موقفها عظيما, و لأن الجلسة لم تنته بقرار لأي طرف, فقد قالت أنها تدافع عن حقها, و تناضل من أجله, ووعدت أن لم تظفر بنتيجة لصالحها أن تبذل المزيد حتى لو اضطرت لمتابعة القضية و تأخير الدراسة نوعا ما, لقد كان موقفا قويا, و لم نكن أعضاء هيئة التدريس نتوقع أن تكون الطالبة بهذا المستوى من الثبات و من أجل المحافظة على مبدئها. و كم أذهلنا صمودها أمام هذا العدد من المدرسين و الطلبة, و بقيت هذه القضية يدور حولها النقاش داخل أروقة الجامعة. أما أنا فقد بدأ الصراع يدور في نفسي من أحل تغيير الديانة ,فما عرفته عن الإسلام حببني فيه كثيرا, و رغبني في اعتناقه, و بعد عدة أشهر أعلنت إسلامي, و تبعني دكتور ثان و ثالث في نفس العام, كما أن هناك أربعة طلاب أسلموا. و هكذا في غضون فترة بسيطة أصبحنا مجموعة لنا جهود دعوية في التعريف بالإسلام والدعوة إليه, و هناك الآن عدد من الأشخاص في طور التفكير الجاد, و عما قريب إن شاء الله ينشر خبر إسلامهم داخل أروقة الجامعة. و الحمد لله وحده.

 

45-الأديب الفرنسي فانسان مونتييه

 

كان يشغل منصب أستاذ اللغة العربية والتاريخ الإسلامي بجامعة باريس ... والآن يشغل منصب رئيس "مؤسسة الدراسات الإسلامية في "داكار".. .. وله عدة مؤلفات منها: كتاب "الإرهاب الصهيوني".. "والمسلمون في الاتحاد السوفيتي" ... وكتاب "الإسلام في إفريقيا السوداء" ... وكتاب "مفاتيح الفكر العربي".. كما قد قام بترجمة ابن خلدون إلى الفرنسية. اختار الإسلام ديناً بكل اقتناع ورضا، واتخذ من العرب المسلمين اخوة له في الإسلام، بدون أن يتخلى عن جنسيته الفرنسية، إذ كان مؤمناً بأنه لا تناقض بين عقيدته الإسلامية وجنسيته الفرنسية.

وعن اختياره للإسلام ديناً أوضح قائلاً:

"لقد اخترت الإسلام ديناً، ألقى به وجه ربي لأسباب شتى، منها الأسباب الدينية، والأسباب الأخلاقية، والاجتماعية، والثقافية والعاطفية".

ثم استطرد في تفصيل ما أجمله.. فقال:

"لقد اخترتُ دين الفطرة.. وهو الإسلام، وكنت فيما مضى كاثوليكيّاً.. وفي الكاثوليكية أمور كثيرة لم أقتنع بها، ولم أفهمها، "مثل كرسي الاعتراف". والوسيط لدى الإله، فضلاً عن اعتمادها على أسرارٍ، وقربان، وغير ذلك من أمور لم أستطع الإيمان بها.. .. في حين أن دين الإسلام برئ من هذا كله، فيكفي المسلم أن يتوجه إلى ربه مباشرة بدون وسيط، وبدون كرسي اعتراف، فيستجيب الله دعاءه.

لقد كانوا يُعلمونني كما يُعلمون غيري أن عيسى إله ابن إله، وكانوا يزعمون أن محمداً ليس نبيّاً، وبالتالي ينكرون الإسلام(1) ... ثم حدث أن وقع بين يدي ـ لأول مرة في حياتي ـ ترجمة لمعاني القرآن الكريم، واستوقفتني معاني كلماته، مثل:

(قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ)

واسَتَوقَفَه كما يذكر ترجمة قول الله تعالى:

(فِطرتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَليْهَا لاَ تَبْديلَ لِخَلقِ اللهِ ذَلكَ الدِّينُ القَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثرَ النَّاسِ لاَ يَعْلمُونَ)(2).

كما يذكر أيضاً أنه قرأ حديثاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، شعر تجاهه بأن الإسلام دين الفطرة بحق.

"كل مولود يُولَدُ على الفِطْرة، فأبواه يُهَوّدِانه أو يُنَصّرِانه، أو يُمَجّسَانِهِ".

ولذلك يقول "فانسان مونتيه" أو "المنصور بالله الشافعي" كما يعتز باسمه الجديد بعد أن أشهر إسلامه: "لقد آمنت برسالة محمد ومصداقيتها، مثلما آمنتُ تماماً بوحدانية الله.. إن محمداً رسول الله حقاً.. والقرآن الكريم مُوحىً به من عند الله وليس من إنشاء محمد أو صُنعه.. .. ورسالته السماوية السمحاء ليست مقصورة على العرب.. وإنما هي للناس كافة.

وعمَّا استلفت نظره في الإسلام أيضاً يقول:

"رأيت في الإسلام تسامحاً مدهشاً، والأخلاق الرفيعة هدف كل مسلم.. كما رأيت رفضاً للرهبنة التي تجافي طبيعة الإنسان البشرية، فالإسلام يحفظ للإنسان إنسانيته، فيمنع عليه الرهبنة، ويدفعه إلى التمتع بالحياة وطيباتها، ما لم تتعارض المتعة مع تعاليم الله تعالى.. ثم أخذ يُطَأطِئُ رأسه، ووجهه شرق بابتسامة عريضة تالياً قوله تعالى:

(وَمَا جَعَلَ عَليْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)(3).

ثم غابت ابتسامته فجأة وهو يتذكر المتحاملين على الإسلام، وما يرمونه به من تهم باطلة لا صحة لها على الإطلاق، فيستعرضها مفنداً:

أعداء الإسلام يَدَّعُون أن المسلمين لا يرضون من غيرهم إلا أن يكونوا مسلمين، فإذا لم يكونوا مسلمين أشهروا عليهم سيف الجهاد ... في حين أنهم لو عقلوا ذلك جيداً لعلموا أن الجهاد الإسلامي مفروض، ولكن من أجل إحقاق وإزهاق الباطل.

ثم يواصل المفكر الإسلامي "المنصور بالله الشافعي" تفنيده لادعاءات الحاقدين على الإسلام فيقول:

"أنهم يتهمون الإسلام بالقسوة المفرطة، مع أن الإسلام دين السلام، والتسامح، والعفو، والمغفرة.. .. لقد تناسى هؤلاء كل العقوبات النصرانية فيما مضى، والتي أفرطت في القسوة، والتعذيب الذي وصل إلى حد الإحراق، وفصل أجزاء الجسد، فضلاً عن كثرة حالات الإعدام، وهو ما لم يشهده الإسلام في تاريخه.

كما أنهم يتهمون الإسلام بظاهرة الرَقّ التي وُجِدَتْ قبل الإسلام وليس بعده، بل حين انتشر الإسلام وطُبقت تعاليمه كان يسعى لإلغاء الرّق، بل إن كثيراً من الكفَّارات للذنوب التي يقدم عليها المرء هو تحرير الرقاب الذي عَدَّه الإسلام تقرباً وطاعة لله.

ثم يحاولون الإساءة إلى الإسلام من زاوية تعدد الزوجات، ولو عقلوا لوَجَدُوا أنه وأن سمح حقّاً بذلك فإنه في الوقت ذاته وضع شروطاً دقيقة أساسها العدل المطلق، والمعاملة الطيبة، كما نظر إلى النساء التي حالت ظروفهن دون الزواج، أو لمرض الزوجة، أو لأسباب أخرى.

ثم يصمت برهة ليجزم بالقول:

"أن الإسلام بعظمته وعمقه، وبنقائه ورقُيه، وبتسامحه ودعوته لكرامة الإنسان في كل زمان ومكان ـ لن يستطيع أحدٌ أن ينال منه.. لأن الإسلام في ذاته قوي.. وتعاليمه تدعو إلى القوة بعدم ارتكاب المعاصي والذنوب التي تضعف القوة، مثل الزّنَى، وشُرب الخمر، وأكل لحم الخنزير، وغير ذلك مما يحرمه الدين الحنيف".

ويختم كلامه وقد غمرته سعادة إيمانية وهو يقول:

"لهذا اخترت الإسلام.. من أجل أن أشعر بالراحة في رحابه وظلاله ... نعم، اعتنقتُ الإسلام لأشعر وأدرك أنني اعتنقت ديناً لا يفصل بين البدن والروح، بين النفس والجسد ... يكفيني أن الإسلام دين نقي، يدفع إلى الأخلاق والتحلي بها، وإلى الكرامة الإنسانية والتمسك بها، من أجل ذلك شهدت أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله... وعلى ذلك ألقى ربي".

 

-----------

(1) صحيفة الاتحاد التي تصدر في "الإمارات العربية المتحدة"، الصادرة في العاشر من نوفمبر 1989 (بتصرف).

(2) سورة الروم: الآية 30.

(3) سورة الحج: الآية 78.

 

المصدر : "الجانب الخفي وراء إسلام هؤلاء" محمد كامل عبدالصمد

 


46-المفكر النمساوي ليوبولد فايس

 

قصة اسلامه كما كتبها بنفسه في كتابه الطريق إلي مكة:

 

أفغانستان شتاء 1926

كنت فى طريقى راكبا من هرات لكابول بصحبة إبراهيم ، ودليل أفغانى الجنسية ، نسير خلال جبال مدفونة مغطاة بالجليد ، ووديان وطرق فى " هندو- كش " فى وسط أفغانستان . كان الطقس باردا والجليد يتألق ، وتقف على كل الجوانب جبال بيضاء ، وأخرى سوداء .

كنت حزينا ، وفى نفس الوقت بشكل غريب كنت سعيدا هذا اليوم ! أما حزنى ، فقد كان لأن من كنت أعيش معهم فى الشهور السابقة ، كانوا محجوبون ببلادة ، عن حقيقة النور ، والقوة ، والتقدم ، الذى يعطيه لهم إيمانهم ، وفى نفس الوقت كانت سعادتى ، بأن هذه الحقيقة والنور ، والقوة والتقدم ، فى متناول يدى تقريبا الآن ، وأمام عينى ، كهذه الجبال الشامخة البضاء والسوداء التى أمامى .

بدأ حصانى يعرج وكأن شيئا فى حافره ، ووجدت أن الحدوة الحديدية أصبحت معلقة فقط بمسمارين .

 سألت رفيقنا الأفغانى ، هل هناك قرية قريبة نجد فيها حداد ؟

نعم ، قرية " ديهزانجى " تقع على بعد أقل من ثلاثة أميال ، يوجد بها حداد هناك ، وبها قصر حاكم " هزرجات " .

وهكذا اتجهنا إلى هذه القرية ، وتمهلنا فى المسير حتى لا نرهق الحصان .

حاكم المنطقة ، كان قصير القامة ، وكان مرحا الطلعة ، وودود ، وكان سعيدا أن يستضيف أجنبيا عنده فى قصره البعيد عن العمران ، والمتواضع . وقد كان هذا الحاكم قريب للملك " أمان الله " ، ومن المقربين له ... وقد كان من أكثر من قابلت تواضعا فى أفغانستان . وقد أصر على بقائى فى ضيافته ليومين .

وفى مساء اليوم الثانى ، جلسنا كالعادة لعشاء دسم ، وبعد العشاء حضر رجل من القرية ليطربنا بأغانى شعبية ، مصطحبا قيثارة بثلاث أوتار ، وكان يغنى بلغة الباشتو التى لم أفهمها ، ولكن بعض الكلمات الفارسية كانت تخللها بوضوح ، فى الغرفة الدافئة المغطاة بالسجاجيد ، بينما وميض الثلج البارد يظهر من خلال النوافذ . أتذكر أنه كان يغنى عن المعركة بين داوود وجالوت ، وبدأها بنغمة متواضعة ، ثم تدرجت إلى بعض العنف ، وأنتهت بروح الإنتصار .

وبعد أن انتهت ، قال الحاكم أن داوود كان شابا ، ولكن إيمانه كان قويا ....

ولم أتمالك من التعليق ، فقلت " كذلك أنتم كثيرون ولكن إيمانكم ضعيف " .

نظر إلى المضيف بدهشة ، وارتباك لما تطوعت وذكرته ، فأسرعت لأوضح قولى . وأخذ توضيحى شكل سيل من الأسئلة :::

لماذا فقدتم أنتم المسلمون ثقتكم بأنفسكم ، التى فى القديم ساعدت على نشر الإيمان بالإسلام فى أقل من مائة عام ، من الجزيرة العربية غربا إلى المحيط الأطلسى ، وشرقا فى العمق إلى الصين - والآن تستسلمون بضعف ، إلى الأفكار والعادات الغربية ؟ لماذا لا تستطيعون أنتم يا من كان أباؤكم الأوائل أناروا العالم بعلمهم وفنهم ، بينما كانت أوروبا تغض فى بربرية وجهل مدقع ، فلتعملوا من الآن على أن تعودوا لإيمانكم الخلاق ؟ كيف أن هذا الأتاتورك التافه ، الذى ينكر كل قيم الإسلام ، قد أصبح عندكم رمزا لإحياء الإسلام ؟

استمر  مضيفى فى صمته . وبدأ الجليد ينهمر فى الخارج . ومرة ثانية غمرنى الشعور المزدوج ، بالحزن والسعادة ، الذى انتابنى حينما اقتربت من " ديهزانجى " . أحسست بالفخار لما قد كان ، وبالخجل لما عليه أبناء حضارة عظيمة .

هل لك أن تدلنى - كيف أن الإيمان الذى دلكم عليه نبيكم ، وكل هذا الوضوح والبساطة ، قد دفنت تحت أنقاض الثرثرة المتحزلقة ، والشجار بين علمائكم ؟ كيف أن أمراءكم والإقطاعيين يعيشون فى رفاهية ، بينما إخوانهم من المسلمين ، يذوقون الفاقة والفقر المدقع ، فى حين أن نبيكم يقول أنه لا يؤمن من بات شبعان وجاره جائع ؟ هل لك أن تشرح لى كيف نبذتم النساء خلفكم ، بينما نساء الرسول " صلى الله عليه وسلم " ، وصحابته كن يشاركن الرجال فى أمورهم الهامة ؟ كيف وصل الحال بكم أنتم المسلمين إلى الجهل والأمية ، فى حين يقول نبيكم أن طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة ، وفضل العالم على العابد كفضل البدر على سائر النجوم ؟

ظل مضيفى يحملق فى دون كلام ، وابتدأت أشعر أن ملحوظاتى قد أحبطته . أما الرجل ذو القيثارة كان لا يعرف الفارسية بدرجة تجعله يتتبع كلامى ، وأخذ يتعجب من هذا الغريب الذى يتكلم بهذه النغمة مع الحاكم . وفى النهاية ، أخذ الحاكم رداءه المصنوع من جلد الغنم وتدثر به ، كما يكون قد أحس بالبرد ! وهمس لى :::

" لكنك أنت مسلم .... " .

أخذنى الضحك وأجبت : " لا ، أنا لست مسلما ، ولكنى ألممت ببعض القيم فى الإسلام التى تجعلنى أغضب فى بعض الأحيان ،  كيف أنكم أنتم أيها المسلمون تضيعونها ... أعذرنى إذا كنت قد أسأت فى الكلام ، أنا لا أتكلم معك كعدو " .

ولكن مضيفى هز رأسه قائلا " لا فكما قلت لك ، أنت مسلم ، ولكنك لا تعرف نفسك ... لماذا لا تنطق الآن وهنا بالشهادتين " لا إله إلا الله محمد رسول الله " ، وتصبح مسلما فى حقيقة الأمر ، فإنك مسلم قلبيا ! قلها يا أخى ، قلها الآن ، وسأصطحبك غدا لكابول لملاقاة الأمير ، الذى سيستقبلك بذراعين مفتوحتين كشخص مثلنا . سيمنحك منازل وحدائق وأغنام ، وسيحبك ، قلها يا أخى ... " .

" إذا قلت ذلك ، سيكون نتيجة لأن عقلى قد استراح ، وليس نتيجة لأن الأمير منحنى المنازل والحدائق " .

" ولكن " أصر مضيفى " أنت تعرف كثيرا عن الإسلام ربما أكثر من بعض المسلمين ، ما هو الذى ما زلت تريد أن تعرفه ؟ " .

" المسألة ليست مسألة فهم ، إنها مسألة إقتناع ، الإقتناع بأن القرآن الكريم هو فعلا كلمة الله ، وليس مجرد كلمات من شخص نابه ذكى ذو عقلية متفوقة ... " .

ولكن كلمات صديقى الأفغانى أخذت تراودنى ولم تتركنى لشهور عدة !!!

*** أكملت رحلتى عبر أفغانستان عائدا مرة ثانية إلى هرات التى كنت قد ابتدات منها ، وكنا نقترب من الشتاء عام 1926 ، وهكذا تركت هرات فى المرحلة الأولى لطريق العودة للوطن ، مستقلا القطار من الحدود الأفغانية إلى " ماف " فى التركستان الروسية ، ثم إلى سمرقند ، بخارى إلى طشقند ومن ثم مارا بسهول التركمان إلى جبال الأورال ، ثم موسكو .

وهالنى الدعاية والمعلقات التى تهاجم الدين والألوهية أينما أحل أو أرتحل " وسأتوقف عن ذكرها لأنها مقززة " .

وبشعور بالراحة عبرت الحدود البولندية ، بعد أسابيع من أمضيتها فى آسيا ، وروسيا الأوروبية . واتجهت مباشرة لفرانكوفرت حيث الجريدة التى أعمل بها حيث استلمت عملى . ولم يمض وقت طويل حتى اكتشفت أنه أثناء غيابى ، قد أصبح اسمى مشهورا ، وأنى الآن أعتبر من المراسلين المرموقين فى وسط أوروبا . فبعض مقالاتى ... خصوصا تلك التى تناولت النفسية الدينية المعقدة للإيرانيين - والتى قد جاءت نتيجة لملاحظات علماء شرقيين بارزين ، واستقبلت أكثر من أنها معارف عابرة . ونتيجة لأهمية هذا الإنجاز ، فقد دعيت لإلقاء مجموعة من المحاضرات فى أكادمية الجغرافيا السياسية ببرلين - حيث قيل لى أنه لم يسبق أن حدث من قبل أن شخصا فى حداثة السن مثلى " حيث كنت حينئذ فى السادسة والعشرين " ، قد منح هذا الإمتياز . كما قمت بتدبيج مقالات أخرى عامة بتصريح من مجلة " فرانكفورت زيتنج " ، فى صحف أخرى ؛ وقد أعيد طبع إحدى المقالات كما أعلم ثلاثون مرة تقريبا . وبمعنى آخر ، فإن رحلاتى الإيرانية ، قد أثمرت ....

وفى هذا الوقت تزوجت : إلسا " . السنتان اللتان أمضيتهما فى الخارج ، لم يضعفا من حبنا البعض ، بل زادته قوة ، وبسعادة غامرة لم أشعر بها من قبل ، استقبلت تعليقاتها على الفرق الكبير فى السن بيننا .

" ولكن كيف تتزوجنى ؟ " ، بدأت فى النقاش معى . " أنت لم تصل بعد للست والعشرون عاما ، وأنا فوق الأربعين ، ألا تفكر فى ذلك ، حينما تصل للثلاثون ، سأكون أنا فى الخامسة والأربعون ، وحينما تصل أنت للأربعون ، سأكون إمرأة عجوز ... " .

أخذت فى الضحك ! " وما فى ذلك ؟ " ، إننى لا أرى مستقبلا بدونك .

وأخيرا سلمت للأمر .

لم أبالغ حينما قلت لها إننى لا أرى مستقبلا بدونك . جمالها ، ورقتها الفطرية ، جذبتنى إليها بحيث لا أرى أى امرأة أخرى ؛ وحساسيتها فى فهم ماذا أريد من الحياة ، أضاء أمالى ، ورغباتى ، وأصبحت من الصلابة بمكان وأكثر إدراكا ، وطغت على تفكيرى فى ماذا أعمل ؟

فى أحد المناسبات - بعد حوالى أسبوع من زواجنا ، أبدت لى هذه الملاحظة ّ : " كم أنت غريب الأطوار عن كل الناس ؟ يجب عليك أن تخفض من روحانيات فى الدين ... أنت صوفى النزعة ! - حساس فى صوفيتك ، تشير بأصابعك إلى ما حولك فى الحياة ، ولك رؤية متعمقة روحانية فيما يدور حولك يوميا من أشياء - بينما تمر مثل هذه الأشياء على الآخرين بلا إكتراث ... ولكنك حينما تتجه إلى الدين ، فكلك تركيز ... مع الناس الآخرين فالوضع بالعكس تماما ...

ولكن إلسا لم تكن فى حيرة ، فهى تعلم عن ماذا أبحث حينما أتكلم معها عن الإسلام ؛ وبالرغم من أنها لم تكن فى نفس درجتى من الإضطرار ، إلا أن حبها لى جعلها تشاركنى تساؤلاتى .

كثيرا ما كنا نقرأ القرآن سويا ، ونتناقش فى أفكاره ؛ وكانت إلسا كما كنت أنا ، معجبين بالتمساك الداخلى بين تعاليمه الأخلاقية ، وإرشاداته العملية . فاستنادا إلى القرآن " الكريم " ، فالله لم يدع الإنسان إلى أن يتضرع إليه مغصوب العينين ، بل لابد له أن يعمل عقله ؛ لم يتنح الله بعيدا عن الإنسان ، بل هو أقرب إليه من حبل الوريد ؛ لم يخط الله خطا فاصلا بين الإيمان والسلوك الإجتماعى ؛ والشئ الذى يعتبر فى غاية الأهمية ، أن الإسلام لم يبدأ  من بديهية أن الحياة محملة بالصراع بين الروح والجسد ، وأن النجاة هى فى تحرير الإنسان من قيود الجسد . كل مظهر من مظاهر أنكار الحياة ، وتحقير الإنسان لنفسه ، أدانها الإسلام فى أحاديث لرسول الله " صلى الله عليه وسلم " ... مثل " لاحظ " .. " أعتقد أنه أراد أن يشير هنا إلى حديث الثلاثة الذين قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : من رغب عن سنتى فليس منى " . فالإنسان مطالب بأن يعيش حياته كاملة وبشكل إيجابى ، فما منحت غرائزه إلا لتؤدى ثمرتها ، ولكن ليستخدمها بطهر وأخلاق وفى محلها الصحيح . ومن التعاليم للإنسان : أنه ليس لك فقط أن تعيش حياتك ، بل المفروض عليك أن تعيشها بكل أبعادها .

صورة متكاملة للإسلام تنبثق فى ذهنى وبشكلها النهائى وبتحديد ، مما أدهشنى أحيانا ! كانت تتشكل فى عملية من الممكن أن أسميها تفاعلات ذهنية - وبدون وعى منى ، فقد بدأت تتجمع من أجزاء متفرقة ومنتظمة ، فإذا وضعت هذه المتناثرات بعضها إلى بعض ، رأيت نظاما هندسيا دقيقا ، أخذ ذهنى يجمعه فى السنوات الأربع الماضية ، لأرى بناء كل عناصره متناسقة منسجمة ، تتجمع لتتمم وتعاضد بعضها البعض ، لا شئ فيه ينقصه ، ولا شئ يزيد عن متطلباته - متزن وهادئ ، يعطى الإنطباع بأن مسلمات الإسلام كلها فى وضعها الصحيح .

منذ ثلاثة عشر قرنا مضت ، " يلاحظ أن الكتاب قديم " وقف رجل وهو يقول : " ما أنا إلا رجل هالك ، ولكن الذى خلق الكون أوحى إلى أن أحمل رسالته لكم ، حتى تعيشوا منسجمين مع كل خلقه ، وقد أمرنى بأن أذكركم بوجوده إلاها له كل القدرة وكل العلم ، وقد وضع لكم منهاجا للسلوك الصحيح ، إذا قبلتموه فلتتبعونى ... هذا كان هو الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، وهذه كانت رسالته .

النظام الإجتماعى الذى أعلنه ، كان من البساطة التى تربط مفرداته بالعظمة الحقيقية . بدأ بالتسليم بأن الإنسان كائن حى له متطلبات حيوية ، وهذه المتطلبات تخضع للحل والحرمة اللذان يقرهما الله سبحانه وتعالى ، وأن الإنسان اجتماعى بطبعه يجتاج إلى مجتمع يحيط به ، ولكى يحقق إحتياجاته الثقافية والأخلاقية والطبيعية ، فلابد أن يعتمد كل على الآخر . إن ازدهار القوام الروحى للإنسان ( وهو هدف كل الأديان ) ، يعتمد عما إذا كان يتلقى دعما ، وتشجيعا ، وحماية له ممن حوله . هذا التكافل الإجتماعى ، يظهر السبب لماذا يهتم الإسلام بالنواحى العامة الإقتصادية والسياسية ، ولا ينفصل عنها . ولتنظيم علاقات إنسانية بطريقة عملية بحيث لو قابل أى فرد بعض العقبات ، يجد التشجيع اللازم لتنمية شخصيته  :  هذا ، ولا شئ آخر ، يبدو أنه هو مفهوم الإسلام للوظيفة الحقيقة للمجتمع . وهكذا كان من الطبيعى أن التشريع الذى أتى به سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام خلال ثلاثة وعشرون عاما من مبعثه ، لا يرتبط فقط بالنواحى الروحية ، بل يمتد ليشمل الإطار لكل الأفراد وللمجتمع أيضا . يشمل ليس فقط مفهوم النقاء الفردى ، ولكن يتضمن المجتمع العادل الذى يؤدى هذا النقاء إليه . كذلك يتضمن الخطوط العريضة للمجتمع السايسى ... أما التفاصيل فمتروكة للتطورات التى تحدث مع الزمن المتغير ... كما يحدد حقوق الأفراد وواجباتهم نحو المجتمع اذى يعيشون فيه ، آخذا بعين الإعتبار حقيقة ما يجد من أمور . الشريعة الإسلامية تتضمن كل مناحى الحياة ، أخلاقية ، طبيعية ، فردية ، إجتماعية ، العلاقة بين الجسد والروح والعقل ، الجنس ، الإقتصاد ، كل ذلك جنبا إلى جنب ، مع اللاهوت والعبادة ، كل أمر من الأمور له وضعه فى تعليمات النبى عليه السلام ، ولا شئ يخص الحياة ينظر إليه على أنه تافه ليخرج من دائرة التصور الدينى ... ليس حتى مثل هذه القضايا الدنيوية ، كالتجارة ، والميراث ، وحق الملكية ، وإمتلاك الأراضى .

*** كل مفردات الشريعة ، وضعت للإنتفاع المتساوى بين أفراد المجتمع ، بدون تمييز بين مكان المولد ، الأعراق ، الجنس ، أو ولاء إجتماعى سابق . لا منافع خاصة حجزت لمؤسس المجتمع أو أحفاده . " مداخلة  :  لذلك قال الرسول عليه الصلاة والسلام ( نحن معشر الأنبياء لا نورث ، ما تركناه صدقة ) " . لا توجد طبقات عليا وطبقات دنيا فى المفهوم الإجتماعى ، ليست من مفردات القاموس الإسلامى ؛ ولا أثر لها فى الشريعة الغراء . كل الحقوق والواجبات والفرص ، موزعة بين أفراد المجتمع المؤمن بالتساوى .

لا يوجد كهنة بين الله والإنسان ، لأن الله يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم . لا ولاء ، إلا لله ورسوله ، وبأمر من الله للوالدين ، وللمجتمع المسلم المنوط بتحقيق مملكة الله على الأرض ؛ وبذلك فلا يجوز الذى يعلى كلمة " بلادى أو أمتى " ، ولتوضيح هذا المفهوم ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أكثر من مناسبة ، قال بوضوح  :  " ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية " .

كل المنظمات قبل الإسلام ... حتى الدينية أو شبه الدينية ... كانت تنهج المفهوم الضيق ، للعصبية القبلية والعشائرية . فمثلا الملوك المتألهين ، الفراعنة فى مصر ، لا يفكرون إلا فى أضيق الحدود التى يعيش فيها المصريون ؛ وحتى إله بنى إسرائيل فهو إله فقط للشعب المختار . بالعكس فالمفاهيم المستقاة من القرآن الكريم ترفض رفضا باتا التمسك بالعشيرة أو القبيلة . الإسلام افترض مجتمعا سياسيا بعيدا عن الإنقسامات العرقية والقبلية . وفى هذا المجال فإن الإسلام والنصرانية يتفقان فى الدعوة العالمية بعيدا عن القبلية ، وفى حين أن النصرانية قد حددت نفسها فى مفهوم " أعطى ما لقيصر لقيصر ، وما لله لله " ، إلا أن مفهوم الإسلام أوسع من ذلك ، فقد دعى كل الأمم أن يكون الولاء لله فقط . وبذلك ... لتحقيق ما لم تحققه النصرانية ... فقد أضاف الإسلام منظورا آخر فى تطوير الإنسان  :  دعى إلى مجتمع مفتوح عقائديا ، بالمقارنة مع المجتمعات المغلقة التى نشأت فى الماضى  ، عرقيا ، وجغرافيا .

رسالة الإسلام أعطت تصورا ، ومنحت البشرية حضارة لا مكان فيها للقومية ، لا مصالح شخصية ، لا طبقية ، لا كنيسة ، لا كهنة ، لا طبقة نبلاء متوارثة ، فى الحقيقة ، لا شئ متوارث على الإطلاق . ومن أهم الميزات فى هذه الحضارة ... ميزة لم توجد فى أى تحركات للإنسان عبر التاريخ ... أنها نشأت عن قناعة وإتفاق تطوعى بين معتنقيها والله . هنا ، التقدم الإجتماعى ... مخالف عما حدث فى المجتماعات الأخرى ... لم يحدث نتيجة لضغوط ، ومقاومة لهذه الضغوط ، نتيجة للمصالح المتعارضة ، ولكن كجزء لا يتجزأ من تعليمات أصيلة . وبكلمات أخرى ، هناك عقد إجتماعى متأصل فى النفوس ، يسيطر على جذور الأعمال ... ليس نتيجة أوامر صاغها من بيدهم الأمر دفاعا عن مكتسباتهم ... بل حقيقة متأصل جذورها فى الحضارة الإسلامية . فقد ذكر القرآن الكريم  " إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ......... فاستبشروا ببيعكم الذى بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم " .

  عرفت ( من تتبعى لقراءة الحضارة الإسلامية ) ... أن هذا العقد الذى سجله التاريخ ... قد تحقق لفترة وجيزة جدا ، أو بالأحرى فخلال فترة وجيزة جدا كانت هناك محاولات جادة لتحقيقه . فيما أقل من قرن بعد موت النبى صلى الله عليه وسلم ، النظام النقى للإسلام بدأ فى الفساد السياسى ، ودفع فى القرون التالية إلى الخلف . ظهرت التطلعات العشائرية لإمتلاك القوة ، بديلا عن الرأى الحر للرجال والنساء ، الملكية الوراثية بديلا عن المفهوم السياسى فى الإسلام كنوع من الشرك فى المفهوم الإسلامى " مداخلة  :  أعتقد أنه يشير هنا إلى حديث ليس منا من دعى إلى عصبية " - ومع هذا أيضا ظهرت الدسائس والصراعات القبلية والظلم ، وإضمحلال الوازع الدينى ، والمهانة فى خدمة من بيده السلطة  :  باختصار حلت المصالح الشخصية التى عرفت فى التاريخ . ولوقت من الزمن ، حاول علماء ومفكرين عظام ، أن يعيدوا للإسلام رونقه ويذكروا الناس بمفاهيمه النقية ، ولكن جاء من بعدهم أقوام دأبوا على تقليد الأجيل السابقة ، وانتكسوا بعد قرنين أو ثلاثة قرون ، وتوقفوا عن التفكير لأنفسهم ... متانسين أن كل عصر يختلف عن سابقه ، وكل عصر له احتياجاته الخاصة التى تحتاج إلى التجديد . لقد كان الدفع الأصلى للإسلام فى بدايته عظيما ، ورفع الأمة الإسلامية إلى مستويات عالية من الثقافة والحضارة العظيمة ... حتى أن المؤرخين يسمون ذلك العصر الذى تحقق ، بالعصر الذهبى للإسلام ، من الناحية الأدبية ، والفنية ، والعلمية ، والثقافية ، ولكن بعد ذلك العصر بقرون بسيطة خمد الحافز الإيمانى الذى كان يغذى هذا التقدم ، وأصبحت الحضارة الإسلامية راكدة ، ومجردة من قوتها المبدعة .

...................................................

لم أتأثر بالوضع الحالى للعالم الإسلامى . السنوات الأربع التى قضيتها فى البلدان الإسلامية ، أوضحت لى ، بأنه بالرغم من أن الإسلام ما زال حيا ، كما هو فى عيون العالم ، يؤثر من الناحية الأخلاقية فى أتباعه ، غير أنهم قد أصابهم الشلل ، بحيث لم يترجموا مبادئه إلى عمل مثمر . ولكن ما شد انتباهى ، بعيدا عن حالة المسلمين فى عهدنا هذا ، هو القوة الكامنة فى تعاليم الإسلام نفسه . كان كافيا لى أن أعلم أنه فى مدة قصيرة فى بداية التاريخ الإسلامى ، محاولة ناجحة قد تمت لتطبيق هذا النظام إلى عمل ؛ وبالتالى ، ما كان ممكنا فى وقت من الأوقات ، يظل ممكنا فى غيره من الأوقات . ماذا يهم ... قلت لنفسى ... إن كان المسلمين قد انحرفوا عن تعاليم دينهم الأصلية ، وركنوا إلى الكسل والجهل ؟ ... ماذا يهم إذا كانوا لا يأخذون بالتعاليم المثالية النى أمامهم ، والتى جاءت على لسان النبى العربى منذ ثلاثة عشر قرنا مضت ... إذا كانت هذه التعاليم ما زالت متاحة للجميع ولكل من يرغب ليستمع إليها ؟

وربما نكون ... أخذت أفكر ... نحن المتأخرين أشد حاجة لهذه الرسالة من المسلمين فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . لقد عاشوا هم فى مناخ أبسط بكثير من المناخ الذى نعيش نحن فيه ، وكانت مشاكلهم والصعوبات التى يواجهونها أبسط من تلك التى نواجهها ، وتحتاج إلى حلول غير معقدة كما نواجه . العالم الذى أعيش فيه ... كل العالم الآن ... يتململ لعدم وجود أية قواعد روحانية تفصل بين الخير والشر ، وبالتالى ، اقتصاديا واجتماعيا . لا أعتقد أن الإنسان الفرد فى حاجة إلى خلاص ، بل المجتمع هو الذى فى حاجة إلى مخلص ! أكثر من أى وقت مضى ، أخذت أشعر بيقين متزايد ، أن وقتنا هذا فى أشد الحاجة إلى قاعدة أيدلوجية ، وإلى عقد إجتماعى جديد  :  فى حاجة إلى الإيمان بالله ، وتفهم مدى الفراغ الذى يحدثه التقدم المادى فقط ... ومن ثم نعطى الحياة حقها ؛ كيف نوازن بين احتياجات الروح والجسد ، ويكون فى ذلك الإنقاذ من كارثة محققة نسرع إليها متهورون .

 ....................................................

غنى عن القول أن مشكلة الإسلام فى هذه الفترة ... فقد كانت مشكلة بالنسبة لى ... شغلت تفكيرى أكثر من أى شئ آخر . فى هذه اللحظات ، تعدى استيعابى للموضوع مراحله الأولية ، حينما كان الموضوع بالنسبة لى ليس أكثر من أبحاث ثقافية ، وأيدلوجية جذابة  :  أصبح الوضع الآن هو بحث مركز عن الحقيقة . مقارنة هذا البحث ، بسفريات السنتين الماضيتين ، والتى أسفرت عن لا شئ  :  أصبح التركيز على إكمال الكتاب الذى عهدت لى به جريدتى " فرانكفورتر زيتنج " من المستحيل .

فى البداية كانت نظرة دكتور سيمون متساهلة ، لترددى فى الإستمرار فى إنهاء الكتاب . فقد عدت من رحلة طويلة تستحق نوعا من الأجازة ، وزواجى الحديث يعطينى بعض الحق فى التراخى فى الكتابة الروتينة . ولكن حينما تماديت فى التراخى ، ونظرا لأن دكتور سيمون يتحمل المسئولية عن الكتاب ، فقد طلب منى أنه قد حان الوقت لأنزل إلى الأرض .

فى الماضى ، كنت أرى أنه متفهم للوضع ، ولكنى الآن أرى غير ذلك . ملاحظاته المستمرة ، وتساؤلاته اللحوحة عن تقدمى فى تحرير الكتاب ، أدت أثرها المعاكس لما كان ينشده ، فقد شعرت بأن الأمر مفروض على مما جعلنى أمقت فكرة الكتاب نفسها . كنت مهتم أكثر بما كنت ما أزال أريد أن أكتشفه عن ذلك الذى أريد أن أسجله من أحداث مرت بى فى رحلتى .

فى نهاية الأمر أثار دكتور سيمون هذه الملاحظة " أعتقد أنك لن تنتهى من الكتاب البتة ، أنت تعيش فى داخلك فى رعب ما " .

وكالملدوغ رددت عليه  : " ربما المرض الذى أعانيه أكثر من الرعب " .

" إذا فما دمت فى هذا العناء " قال ذلك بحدة " فهل تعتقد أن الصحيفة هى المكان المناسب لك " .

كلمة منه وكلمة منى ، تحول الأمر إلى شجار ، وفى نفس اليوم قدمت استقالتى من الصحيفة ، وبعد أسبوع سافرت أنا وإلسا إلى برلين .

لم أكن بالطبع أنوى ترك الصحافة ، فقد كانت جزءا من راحتى النفسية وسعادتى فيها وفى الكتابة ... بعدت عنهما مؤقتا ننيجة للكتاب ... وكيف لا ؟ وهى التى أعادتنى للعالم الإسلامى ، وهذه العودة كنت حريصا عليها بأى ثمن .  ولكن بالنسبة للشهرة التى اكتسبتها فى الأعوام الأربعة الماضية ، لم يكن من الصعب علىالعودة إلى الصحافة ثانيا . فبسرعة جدا حصلت على عقد مجز ومريح مع ثلاثة صحف بزيورخ ، وبالرغم من أنها لم تكن فى مستوى الصحيفة السابقة إلا أنها كانت من الصحف الشهيرة بأوروبا .

ومنذ ذلك الحين ، بقيت أنا وإلسا فى برلين ، لأكمل محاضراتى عن الإسلام فى أكاديمية الجغرافية السياسية . أصدقائى الأدباء السابقين فرحوا بعودتى لهم ، ولكن لم تكن العلاقة الجديدة فى نفس المتانة التى تركتهم بها قبل سفرى للشرق الأوسط . صارت لغتنا الثقافية مختلفة عما سبق . وبالتحديد ، لم أكن أستطع استخراج أية معلومات من مناقشاتى معهم عن الإسلام . كانوا يهزون رؤوسهم ، بحيرة حينما كنت أقول لهم أن الثقافة الإسلامية يمكنها أن تنافس أيدلوجيات أخرى . وبالرغم أنه فى بعض الحالات ، كانوا يوافقون على رأى من هنا أو هناك من مفاهيم الإسلام ، إلا أنهم فى العموم يقولون أن الأديان الماضية هى جزء من الماضى ، وأننا فى حاجة إلى تجديد فى المفاهيم ، ونظرة " إنسانية " جديدة . وحتى أولئكم الذين لا ينكرون أهمية المؤسسات الدينية ، لم يكونوا مستعدين للتخلى عن النظرة الأوربية للإسلام ، بأنه يفتقد إلى الوضوح الذى يتوقع من الأديان .

وقد أدهشنى أن سمة الإسلام التى اكتشفتها من أول لحظة ... وهى عدم وجود فصل بين الروح والجسد ، وأن التأكيد على أن العقل هو الطريق للإيمان ... لم تكن واضحة عند المثقفين ، الذين ما فتئوا يقولون بأن العقل هو المهيمن على كل شئ فى الحياة  :  " فالعقلانية " و " الواقعية " ، ليس لهما مكان فى مجال الدين عندهم . وفى هذا الخصوص لم أجد فرقا بين هؤلاء المتدينين ، وهؤلاء الذين طرحوا الدين وراءهم .

مع الوقت ، فهمت أين تكمن فيهم هذه الصعوبة . بدأت أدرك أنه فى عيون أولئكم الذين يدورون فى مدار النصرانية ... بضغوطها على عالم " ما وراء الطبيعة " المتأصلة زعما فى كل تجربة دينية حقيقية ... فإنه من الدرجةالأولى فكل نظرة عقلانية ، تكون سببا فى الإنتقاص من القيمة الروحية ، وذلك ليس خاصا بمؤمنى النصارى فقط . وذلك لطول العهد بالأوروبيين فى ظل النصرانية ، فمن حيث لا يدرون وبلا شعور ، تعلموا أن ينظروا للدين من خلا المنظار النصرانى ، ومفاهيم النصرانية ، ويعتبرون فقط أنها " صحيحة " ، إذا كانت مصحوبة بآثار الرهبنة والخشوع ، بعيدا عن الفهم الثقافى . الإسلام لا يحقق هذه الفرضية  :  الإسلام يصر على التعاون بين السمات الروحانية والمادية للحياة ، وذلك على قاعدة متينة طبيعية من المنهاج . فى الحقيقة فنظرته للحياة ، تختلف جذريا من مفاهيم النصرانية ، وهذه المفاهيم هى التى اعتمدها الغرب كأساس للحياة ، وبذلك يقيسيون صلاحية الآخر بهذه المقاييس .

أما بالنسبة لى ، فقد كنت أعرف أننى منجذب إلى الإسلام لا محالة ، ولكن التردد جعلنى أؤجل القرار الأخير ، القرار الذى لا رجعة فيه .  فكرة إعتناق الإسلام ، هى كرحلة على جسر طويل جدا بين عالمين مختلفين  :  جسر إذا وصلت لنهايته ، فلن ترى بدايته .  كنت على بينة ، بأننى لو أسلمت ، فسأفصل نفسى عن العالم الذى نشأت فيه .  لا دخل آخر سأعيش به .  لا يمكن لمن يجيب حقيقة دعوة الرسول " عليه الصلاة والسلام " ، أن يبقى صلة داخلية مع المجتمع الذى يعيش على مفاهيم مغايرة ... هل الإسلام حقيقة رسالة من الله " سبحانه وتعالى " ، أم هو مجرد حكمة من رجل عظيم ، ولكنه غير معصوم ؟؟؟

==== فى أحد الأيام --  كان ذلك فى سبتمبر 1926 -- كنت أنا وإلسا نستقل مترو الأنفاق فى برلين ، كنا فى الدرجة الأولى . وقعت عينى بالصدفة على رجل أنيق ، يظهر أنه من رجال الأعمال ، ويحمل حقيبة جميلة على رجليه ، وبيده خاتم كبير الحجم من الماس !!! ولم يكن هذا المنظر للرجل غريبا فى هذه الأيام ، وهو يعكس الرخاء الذى حل بوسط أوروبا ، بعد سنوات التضخم التى قلبن الموازين رأسا على عقب . معظم الناس الآن يلبسون ثيابا جيدة ، ويأكلون الطيب من الطعام ، ولذلك فالرجل الجالس قبالتى ليسا بدعا فى ذلك . ولكنى عندما تحققت فى وجهه ، وجدت الكآبة عليه ! كان يظهر عليه القلق  :  وليس فقط القلق ، بل التعاسة أيضا ، عيونه تحملق إلى أعلى ، وزوايا فمه تتحرك كأن به ألم ... ليس ألما جسمانى . وحتى لا أتهم بالوقاحة فقد صرفت عينى عنه ، لتقع على سيدة أنيقة . فوجدت أيضا التعاسة على وجهها ، وكأنها عانت من شئ ما ، ولكن الإبتسامة على وجهها كانت ابتسامة متكلفة . وهكذا بلا وعى أصبحت أتلفت حولى فى الوجوه التى بالمقصورة ، لأرى أن الغالبية من الوجوه ، تعكس عن معاناة مخبوءة فى العقل الباطن لهم ، وهم لا يشعرون بذلك .

فى الحقيقة كان شيئا غريبا بالنسبة لى ! لم أر من قبل مثل هذا العدد من التعساء ، وربما لأنه لم يسبق لى أن تفحصت مثل هذه الوجوه ، لأجد هذه الظاهرة تصرخ بأعلى الصوت فى وجوههم . الإنطباع كان قويا داخلى ، حنى أننى ذكرته لإلسا ، والتى بدأت هى الأخرى تجول فى الوجوه التعسة بعناية ، وهى الرسامة المتعودة على كشف تعبيرات الوجوه البشرية . التفتت نحوى مستغربة قائلة " أنت على حق ، كلهم يظهر عليهم كأنهم يعانون من عذاب الجحيم ... أتساءل هل ياترى هل يدرون ما يدور فى أنفسهم ؟

أنا أعرف أنهم بالطبع لا يعلمون شيئا عن ذلك ، وإلا لأنقذوا أنفسهم من تضييع حياتهم فيما يتعسها ، بلا إيمان ، وبعيدا عن الحقيقة ، بلا هدف غير جمع الأموال ، والثروة والجاه ، ورفع مستوى معيشتهم ، بلا أمل غير امتلاك وسائل للراحة أكثر ، وأمور مادية أكثر ، وإمتلاك للقوة أكثر ...

حينما عدنا للمنزل ، ألقيت نظرة على مكتبى ، وعليه نسخة من القرآن الكريم ، فأردت أن أضعها فى المكتبة ، ولكنى بطريقة تلقائية فتحته لأقرأ فيه ، فوقت عيني على سورة التكاثر ، فأخذت أقرأها :::

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ : { أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ }

 

فى لحظة انعقد لسانى عن الكلام . واهتز الكتاب فى يديى ، وناولته لإلسا ، إقرئى هذا ! أليست هذه هى الإجابة على ما شاهدناه فى مترو الأنفاق ؟؟؟

نعم إنها الإجابة ... نعم إنها الإجابة القاطعة والتى أزالت أى شك عندى أن هذا الكتاب الذى بين يدى الآن ، هو وحى من عند الله العليم بالنفوس  :  فمنذ ثلاثة عشر قرنا أنزل على رجل لا يعلم دخائل النفوس ، ولا يتوقع هذه الصورة التى رأيناها اليوم فى مترو الأنفاق ، والوضع المعقد الذى نعيشه الآن .

فى كل الأوقات كان الجشع موجودا ، ولكنه لم يكن فى وقت من الأقات من قبل بمثل هذه البشاعة ... كان مجرد رغبة فى امتلاك الأشياء ... ولكن أن يصبح ذلك هوسا يغطى على كل شئ آخر  :  شهوة لا تقاوم ، لتعمل ولتدبر أكثر فأكثر ، اليوم أكثر من أمس ، والغد أكثر من اليوم ... شيطان يلوى أعناق الرجال ويلهب قلوبهم بالسياط لينفذوا مأربهم التى تبرق أمامهم ، ولكن حين يصلوا إليها لا يجدوها إلا شيئا حقيرا ، وما أن تقع فى أيديهم حتى يتطلعوا إلى مآرب جديدة أخرى براقة ، ذات إغراء أكثر ، سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ... هذا الجوع ، والجوع النهم سيظل دائما موجود ، لن يصلوا إلى الشبع مطلقا  :  كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ {5} لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ {6} ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ {7} ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ {8}

الآن رأيت أن هذه ليست حكمة رجل فى التاريخ الغابر فى الجزيرة العربية . مهما كان من الحكمة ، فهو لن يتنبأ بالجحيم الذى نعايشه فى القرن العشرين . القرآن يتكلم بصوت أكبر من صوت محمد " عليه الصلاة والسلام " .

************

لقد انقشع الظلام ... وها أنا هنا فى ساحة المسجد النبوى ، والمضاء بمصابيح بالغاز المعلقة على الأعمدة بالأروقة . يجلس الشيخ " عبد الله بن بلهيد " ورأسه محنية على صدره ، وعيناه مغمضتين . من لا يعرفه يظن أنه نائم ، ولكنى أعرفه ، وأعلم أنه يستمع إلى بكل حواسه وخبرته فى الرجال ، ويحاول أن يزن كلامى ويضعه موضعه . وبعد فترة طويلة فتح عينيه ورفع رأسه  :  وحينئذ ، ماذا فعلت ؟؟؟

من الواضح ياشيخ بحثت عن صديق لى مسلم ، كان هنديا ، رئيسا لمجموعة مسلمة فى برلين ، وقلت له أننى أريد اعتناق الإسلام . مد يديه فى اتجاهى ، فوضعت يديى فيهما ونطقت بالشهادتين " أشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله " ، وبعد بضعة أسابيع أعلنت زوجتى إسلامها وفعلت ما فعلت .

 

محمد أسد

من كتاب الطريق إلى مكة ... من صفحة 295 إلى 311

 

************

 

وهذا ماكتبه عنه حسن السعيد في كتاب الإسلام والغرب الوجه الآخر:

 

في صيف عام 1900م، ولد "ليوبولد فايس" في مدينة "لوو" البولونيّة، التي كانت تابعة يومئذ للنمسا. كان ثاني ثلاثة أخوة لأبويه. وعن أجواء الطفولة وانعكاساتها يقول "فايس": "لقد كانت طفولة سعيدة مرضية حتّى في ذكراها، لقد كان والداي يعيشان في ظروف مريحة، وكانا يعيشان لأولادهم أكثر من أي شيء آخر. ولعلّه كان لوداعة اُمّي وهدوئها علاقة أو تأثير، بالسهولة التي تمكّنتُ بها، في السنين التالية، من أن اُكيّف نفسي للأحوال والظروف الجديدة، والمشؤومة الى أبعد الحدود. أمّا تبرّم أبي الداخليّ، فلعلّه منعكس فيما أنا عليه اليوم".

ورغم أنّ أباه كان من اُولئك الذين يعتبرون الدّين خرافة عتيقة، يمكن للمرء، في بعض المناسبات، أن يمتثل لها خارجياً، ولكنّه يخجل منها في سرّه.. غير أنّه مراعاة لأبيه (الذي كان حاخاماً) وحميّه _والد زوجته _ ألحّ على "فايس" أن يقضي الساعات الطوّال في درس الكتب المقدّسة. وهكذا لم يبلغ الثالثة عشرة من عمره حتّى أصبح في إمكانه قراءة العبرانيّة بسهولة، والتكلّم بها بطلاقة؛ وذلك بمقتضى متطلّبات تقاليد عائلته اليهوديّة. بيد أنّه سرعان ما اُصيب بخيبة أمل باليهوديّة أودت به الى نبذ كلّ دين نظاميّ دستوريّ، حسب تعبيره.

في أواخر عام 1914م، وبعد اشتعال نيران الحرب العالميّة الأولى، بدا له أنّ الفرصة الكبرى لتحقيق أحلامه الصبيانيّة على قاب قوسين أو أدنى. كان إذ ذاك في الرابعة عشرة من عمره، فهرب من المدرسة والتحق بالجيش النمساويّ، بعد أن اتّخذ له اسماً مزوّراً، وبعد أسبوع أو نحو ذلك نجح والده في أن يتعقّب آثاره بواسطة البوليس، فيعيده مخفوراً الى فينّا، حيث كانت عائلته قد استقرّت قبل ذلك بزمن قليل، وحينما استدعي الى الخدمة العسكرية، بعد أربع سنوات كانت أحلامه حول "المجد العسكريّ" قد تبدّدت، وليتطلّع الى سُبل أخرى لتحقيق ذاتيّته.

انصرف طيلة عامين تقريباً بعد انتهاء الحرب، وبصورة متقطّعة نوعاً ما، الى دراسة تاريخ الفنون والفلسفة في جامعة "فينّا".. لكنّ المسلك العلميّ الهادىء لم يكن يجذبه.. ليقرّر ترك الدراسة نهائيّاً، ومن ثمّ يجرّب حظّه في الصحافة. دشّن حياة المهنة بالتطواف في أنحاء العالم الإسلامي، كمراسل صحافيّ. والوطن الإسلامي آنذاك كان يعيش حالة الانهيار والهزيمة، وإذا كانت المفارقات تنبّه النفوس وتحرّك العقول، فلا شكّ أنّ "فايس" بعقله النيّر قد لاحظ هذه المفارقة التي تزامنت آنذاك بين الأيّام القريبة لصولة الدولة الإسلاميّة، واتّساعها شرقاً وغرباً لتحتلّ حتى جزءاً من وطنه النمساويّ، وبين حالها بعد الحرب العالميّة الأولى..

وهكذا بينما كان صاحبنا منبهراً بالقوّة الكامنة في الإسلام، كان في الوقت نفسه، يحسّ بالاشفاق والعطف على هذه الأمة التي غدت حائرة تنشد طريقاً للخلاص ونهاية للمحنة.. كل ذلك تحوّل الى اهتمام جارف لدى "فايس" بوضع المسلمين ليجد لنفسه، في النهاية، أزاء خيار وحيد، وهو أن يعتنق الإسلام، وليقضي بقيّة حياته الفكرية في خدمة الإسلام والنّصح للأُمة حتّى وفاته في شباط (فبراير) 1992م.

كيف إعتنق الإسلام ولماذا؟

وعن كيفية اعتناقه الإسلام، ولماذا اعتنقه.. يحدِّثنا "محمّد أسد" فيقول:

"في عام 1922م تركتُ النمسا بلادي لأتجوّل في أفريقيا وآسيا بصفتي مراسلاً لبعض اُمّهات الصحف الأوروبيّة. ومنذ ذلك الحين قضيت كلّ أوقاتي تقريباً في الشرق الإسلاميّ.. ولقد كان اهتمامي بالشعوب التي احتككتُ بها في أوّل أمري اهتمام رجل غريب. لقد رأيتُ نظاماً اجتماعيّاً ونظرة الى الحياة تختلف اختلافاً أساسيّاً عما هي الحال في أوروبا. ومنذ البداءة الأولى نشأ في نفسي ميل الى ادراك للحياة أكثر هدوءاً _أو إذا شئت _ أكثر انسانيّة، إذا قيست تلك الحياة بطريقة الحياة الآليّة العجلى في أوروبا، ثمّ قادني هذا الميل الى النظر في أسباب هذا الاختلاف.

وهكذا أصبحتُ شديد الاهتمام بتعاليم الإسلام الدينيّة. إلاّ أنّ هذا الميل لم يكن في الزمن الذي نتكلّم عنه، كافياً لجذبي الى حظيرة الإسلام، ولكنّه كان كافياً لأن يعرض أمامي رأياً جديداً في إمكان تنظيم الحياة الانسانيّة مع أقل قدر ممكن من النزاع الداخليّ وأكبر قدر ممكن من الشعور الأخويّ الحقيقيّ.

.. لقد شجّعني هذا الاكتشاف، لكن الذي حيّرني كان ذلك التباعد البيّن بين الماضي والحاضر، من أجل ذلك حاولتُ الاقتراب من هذه المشكلة البادية أمامي من ناحية أشدّ صلة، لقد تخيّلت نفسي واحداً من الذين يضمّهم الإسلام. على أنّ ذلك كان تجربة عقليّة بحتة، ولكنّه كشف لي في وقت قصير عن الحلّ الصحيح..

وكنتُ كلّما زدتُ فهماً لتعاليم الإسلام من ناحيتها الذاتيّة، وعظم ناحيتها العلميّة ازددتُ رغبة في التساؤل عمّا دفع المسلمين الى هجر تطبيقها تطبيقاً تامّاً على الحياة الحقيقيّة. لقد ناقشتُ هذه المشكلة مع كثير من المسلمين المفكّرين في جميع البلاد ما بين طرابلس الغرب الى هضبة البامير (في الهند)، ومن البوسفور الى بحر العرب، فأصبح ذلك تقريباً شجىً في نفسي طغى في النهاية على سائر أوجه اهتمامي بالعالم الإسلاميّ من الناحية الثقافية. ثمّ زادت رغبتي في ذلك شدّة، حتّى أنّي _وأنا غير المسلم _ أصبحتُ أتكلّم الى المسلمين أنفسهم مشفقاً على الإسلام من إهمال المسلمين وتراخيهم. لم يكن هذا التطوّر بيّناً في نفسي، إلى أن كان يوم _وذلك في خريف عام 1925م _ وأنا يومذاك في جبال الأفغان، فقد تلقّاني حاكم اداري شاب بقوله: "ولكنّك مسلم، غير أنّك لا تعرف ذلك من نفسك". لقد أثّرت فيّ هذه الكلمات، غير أنّي بقيت صامتاً. ولكن لمّا عدتُ الى أوروبا مرّة ثانية في عام 1926م، وجدتُ أنّ النتيجة المنطقيّة الوحيدة لميلي هذا أن أعتنق الإسلام".

وحال اعتناقه الإسلام تسمّى بـ "محمّد أسد". ومنذ ذلك الحين وهذا السؤال يُلقى عليه مرّة بعد مرّة: لماذا اعتنقتُ الإسلام؟ وما الذي جذبك منه خاصّة؟ فيأتي جوابه: "هنا يجب أن أعترف بأنّني لا أعرف جواباً شافياً. لم يكن الذي جذبني تعليماً خاصّاً من التعاليم، بل ذلك البناء المجموع العجيب المتراصّ بما لا نستطيع له تفسيراً من تلك التعاليم الأخلاقيّة بالإضافة الى منهاج الحياة العمليّة. ولا أستطيع اليوم أن أقول أي النواحي قد استهوتني أكثر من غيرها، فانّ الإسلام على ما يبدو لي، بناء تام الصّنعة، وكلّ أجزائه قد صيغت ليتمّم بعضها بعضاً ويشدّ بعضها بعضاً. فليس هناك شيء لا حاجة إليه، وليس هنالك نقص في شيء، فنتج عن ذلك كلّه ائتلاف متّزن مرصوص. ولعلّ هذا الشعور من أنّ جميع ما في الإسلام من تعاليم وفرائص "قد وُضعت مواضعها" هو الذي كان له أقوى الأثر في نفسي، وربّما كانت مع هذا كلّه أيضاً مؤثّرات أخرى يصعب عليَّ الآن أن أحلّلها...".

ومنذ ذلك الحين سعى الى أن يتعلّم من الإسلام كلّ ما يقدر عليه: لقد درس القرآن الكريم وحديث الرسول (ص). لقد درس لغة الإسلام، وتاريخ الإسلام وكثيراً ممّا كُتِبَ عنه أو كُتِبَ في الردّ عليه. وقد قضى أكثر من خمس سنوات في الحجاز، ونجد _وأكثر ذلك في المدينة _ ليطمئنّ قلبه بشيء من البيئة الأصليّة للدّين الذي قام النبيّ العربيّ بالدعوة اليه فيها. وبما أنّ الحجاز ملتقى المسلمين من جميع الأقطار، فقد تمكّن من المقارنة بين أكثر من وجهات النظر الدينيّة والاجتماعيّة التي تسود العالم الإسلاميّ.

بعد سنوات من الانقطاع لدراسة الإسلام، صار علماً من أعلام الإسلام في العصر الحديث. وبعد قيام باكستان اشتغل مديراً لدائرة "إحياء النظم الإسلامية" في البنجاب الغربيّة، ثمّ صار فيما بعد مندوباً مناوباً لباكستان في الأُمم المتّحدة، وفي عام 1953م استقال من منصبه، لينكبّ على الكتابة والتأليف. ومنذ عام 1964 حتّى عام 1980 يكون قد أنجز "مشروع العمر" وهو ترجمة معاني القرآن، باسلوب عصريّ خاطب فيه العقل الأوروبي مباشرة بلغة يفهمها.

أنشأ بمعاونة "وليم بكتول" (الذي أسلم هو الآخر) مجلّة الثقافة الإسلامية في حيدر آباد الدكن (1927)، وكتب فيها دراسات وافرة في تصحيح أخطاء المستشرقين عن الإسلام. كما ترجم صحيح البخاري (1935)، وألّف أصول الفقه الإسلاميّ، والطريق الى مكّة، والإسلام على مفترق الطّرق، ومنهاج الإسلام في الحكم، وشريعتنا هذه ، وعودة القلب الى وطنه (مذكّرات)...

مع ضرورة التذكير بأنّ "محمّد أسد" لم يرجع الى أوروبا منذ أن غادرها بعد اعتناقه الإسلام أواسط العشرينات.. فقد كان عاشقاً للاسلام وحسب.

المصدر : الإسلام والغرب، الوجه الآخر -حسن السعيد

 

*وهذا ماكتبه د.عبدالمعطي الدالاتي عنه في كتاب ربحت محمداً ولم أخسر المسيح:

 

نمساوي ينحدر من سلالة يهودية ، أسلم ووضع كتابيه الشهيرين (الإسلام على مفترق الطرق) و (الطريق إلى مكة) ولقد جاء إسلامه ردا حاسما على اليأس والضياع ، وإعلانا مقنعا على قدرة الإسلام على استقطاب الحائرين الذين يبحثون بجد عن أرواحهم ومصيرهم

 

قصته مع الإسلام:

في حوار مع بعض المسلمين ، كان (ليوبولد فايس) ينافح عن الإسلام ، ويحمل المسلمين تبعة تخلفهم عن الشهود الحضاري ، لأنهم قصروا في تطبيق الإسلام ، ففاجأه أحد المسلمين الطيبين بهذا التعليق: (فأنت مسلم ... ولكن لا تدري).

 

هزت هذه الكلمة أعماقه ، ووضعته أمام نفسه التي يهرب منها ، وظلت تلاحقه من بعد حتى أثبت القدر صدق قائلها الطيب حين نطق (محمد أسد) بالشهادتين.

 

هذه الحادثة تعلمنا ألا نستهين بخيرية وطاقات أي إنسان! فنحن لا ندري من هو الإنسان الذي سيخاطبنا القدر به ، ومن منا لم يحدث انعطافا في حياته كلمة أو موقف أو لقاء؟! من منا يستطيع أن يقاوم في نفسه شجاعة الأخذ من الكرماء؟!

 

يقول محمد أسد:

· في يوم ذهبت مع صديق إلى الجامع الأموي ، في صفوف طويلة مستقيمة كان يقف مئات من الرجال وراء الإمام ، كانوا يركعون ويسجدون فيلمسون الأرض بجباههم ثم ينهضون ثانية ، في وحدة منظمة كالجنود سواء سواء.

 

· في تلك اللحظة أدركت مبلغ قرب هؤلاء القوم من ربهم ، إن صلاتهم لم تكن منفصلة عن يوم عملهم! قلت لصاحبي: (ما أقرب وأدهش أن تشعروا أن الله قريب منكم إلى هذا الحد! آه لو أستطيع أن أشعر نفسي هذا الشعور)

 

· ما أجمل أن ينزل الإنسان ضيفا على العربي! أن تكون ضيفا على عربي إنما يعني نفاذك إلى صميم الحياة.

 

· في دمشق ما أكثر ما رأيت زبونا يقف أمام دكان غاب صاحبه عنه ، فيتقدم التاجر المجاور –مزاحم!- ويبيع الزبون من بضاعة جاره لا بضاعته هو! ويترك له الثمن ، أين في أوربا يستطيع المرء أن يشاهد مثل هذه الصفقة؟!

 

· في الإسلام لا يحق لك فحسب بل يجب عليك أيضا أن تفيد من حياتك إلى أقصى حدود الإفادة.

 

· يهتم الإسلام اهتماما واحدا بالدنيا والآخرة ، وبالنفس والجسد ، وبالفرد والمجتمع ، ويهدينا إلى أن نستفيد أحسن الاستفادة مما فينا من استعداد إنه ليس سبيلا من السبل ، ولكنه السبيل الوحيد ، وإن الرجل الذي جاء بهذه التعاليم ليس هاديا من الهداة ، ولكنه (الهادي).

 

· جاءني الإسلام متسللا كالنور إلى قلب مظلم ، ولكن ليبقى فيه إلى الأبد والذي جذبني إلى الإسلام هو ذلك البناء العظيم المتكامل المتناسق الذي لا يمكن وصفه ولست أدري حتى الآن أي جانب من الإسلام يستميلني أكثر من غيره.

 

· من بين سائر الأديان نرى الإسلام وحده يعلن أن الكمال الفردي ممكن في الحياة الدنيا ولا يؤجل هذا الكمال إلى ما بعد إماتة الشهوات الجسدية ، ومن بين سائر الأديان نجد الإسلام وحده يتيح للإنسان أن يتمتع بحياته إلى أقصى حد من غير أن يضيع اتجاهه الروحي دقيقة واحدة...

 

· يصف (محمد أسد) إفاضته مع الحجيج من عرفات: ها نحن أولاء نمضي عجلين مستسلمين لغبطة لا حد لها والريح تعصف في أذني صيحة الفرح: لن تعود بعد غريبا لن تعود... إخواني عن اليمين وإخواني عن الشمال ليس بينهم من أعرفه وليس فيهم من غريب فنحن في التيار المصطحب جسد واحد يسير إلى غاية واحدة وفي قلوبنا جذوة من النار التي وقدت في قلوب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .. يعلم إخواني أنهم قصروا ولكنهم لا يزالون على العهد سينجزون الوعد.

 

· (لبيك الله لبيك) لم أعد أسمع شيئا سوى صوت لبيك في عقلي ودوي الدم وهديره في أذني.

 

· ويممت وجه الله والقلب ذاكر وكان صدى لبيك يغلي بمسمعي.

 

· إن الكعبة ترمز إلى الوحدانية والوحدة أما الطواف حولها فيرمز إلى جهود الحياة الإنسانية...

 

· وتقدمت أطوف أصبحت جزء من سيل دائري! ... لقد أصبحت جزء من حركة في مدار! .... وتلاشت الدقائق ... وهدأ الزمن نفسه وكان هذا المكان محور العالم ..

 

· إن الإسلام يؤكد في إعلانه أن الإنسان يستطيع بلوغ الكمال في حياته الدنيا بمفرده وذلك بأن يستفيد استفادة تامة من وجوه الإمكان الدنيوي في حياته هو.

 

· لم يكن الذي جذبني إلى الإسلام تعليما خاصا بل ذلك البناء المجموع العجيب فالإسلام بناء تام الصنعة وكل أجزائه قد سيقت ليتم بعضها بعضا... ولا يزال الإسلام من وجهتيه الروحية والاجتماعية بالرغم من جميع العقبات التي خلفها تأخر المسلمين أعظم قوة ناهضة للهمم عرفها البشر لذلك تجمعت

 

· رغباتي كلها حول مسألة بعثه من جديد.

 

· الإسلام ليس فلسفة ، ولكنه منهج الحياة حسب القوانين التي سنها الله لخلقه ، وما عمله الأسمى سوى التوفيق التام بين الوجهتين الروحية والمادية في الحياة الإنسانية.

 

· الخطأ الأساسي في التفكير الأوربي الحديث ، حينما يعتبر التزيد من المعرفة المادية من الرفاهية مرادفا للترقي الإنساني الروحي والأدبي.

 

· إن الإسلام لم يقف يوما ما سدا في وجه التقدم والعلم ، إنه يقدر الجهود الفكرية في الإنسان إلى درجة يرفعه فيها فوق الملائكة.

 

 

*وهذا ماكتبه الشيخ صالح بن عبدالرحمن الحصين في موقع الإسلام اليوم بعنوان الطريق الروحي إلى مكة:

 

كان الصبي (ليوبولدفايس) تحت إصرار والده يواظب على دراسة النصوص الدينية ساعات طويلة كل يوم، وهكذا وجد نفسه وهو في سن الثالثة عشرة يقرأ العبرية ويتحدثها بإتقان، درس التوراة في نصوصها الأصلية وأصبح عالماً بالتلمود وتفسيره، ثم انغمس في دراسة التفسير المعقد للتوراة المسمى (ترجوم) فدرسه وكأنما يهيئ نفسه لمنصب ديني.

 

كان إنجازه المدهش يعد بتحقيق حلم جده الحاخام الأرثوذكسي النمساوي بأن تتصل بحفيده سلسلة من أجداده الحاخامات، ولكن هذا الحلم لم يتحقق، فبالرغم من نبوغه في دراسة الدين أو ربما بسببه نمت لديه مشاعر سلبية تجاه جوانب كثيرة من العقيدة اليهودية، لقد رفض عقله ما بدا من أن الرب في النصوص التوراتية والتلمودية مشغول فوق العادة بمصير أمة معينة ، وهم اليهود بالطبع. لقد أبرزت النصوص الرب لا كخالق وحافظ لكل خلقه من البشر؛ بل كرب قبلي يسخر كل المخلوقات لخدمة الشعب المختار.

 

لم يؤد إحباطه من الديانة اليهودية في ذلك الوقت إلى البحث عن معتقدات روحية أخرى، فتحت تأثير البيئة اللا أدرية التي يعيش فيها وجد نفسه يندفع ككثير من أقرانه إلى رفض الواقع الديني وكل مؤسساته، وما كان يتطلع إليه لم يكن يختلف كثيراً عما يتطلع إليه باقي أبناء جيله، وهو خوض المغامرات المثيرة.

 

في تلك المرحلة من عمر (ليوبولدفايس) اشتعلت الحرب العالميــة الأولى (1914- 1918) وبعد انتهاء الحرب -وعلى مدى عامين- درس بلا نظام تاريخ الفن والفلسفة في (جامعة فينا) ولكن ما كان مشغوفاً بالتوصل إليه هو جوانب محببة إلى نفسه من الحياة، كان مشغوفاً أن يصل بنفسه إلى مثل روحية حقيقية كان يوقن أنها موجودة؛ لكنه لم يصل إليها بعد!.

 

كانت العقود الأولى للقرن العشرين تتسم بالخواء الروحي للأجيال الأوروبية، أصبحت كل القيم الأخلاقية متداعية تحت وطأة التداعيات المرعبة للسنوات التي استغرقتها الحرب العالمية الأولى في الوقت الذي لم تبد فيه أي روحية جديدة في أي أفق، كانت مشاعر عدم الإحساس بالأمن متفشية بين الجميع، إحساس داخلي بالكارثة الاجتماعية والفكرية أصاب الجميع بالشك في استمرارية أفكار البشر وفي كل مساعيهم وأهدافهم، كان القلق الروحي لدى الشباب لا يجد مستقراً لإقدامه الوجلة، ومع غياب أي مقاييس يقينية أخلاقية لم يكن ممكناً لأي فرد إعطاء إجابات مقنعة عن أسئلة كثيرة كانت تؤرق وتحير كل جيل الشباب.

 

كانت علوم التحليل النفسي (وهي جانب من دراسات الشاب ليوبولدفايس) تشكل في ذلك الوقت ثورة فكرية عظمى، وقد أحس فعلاً أن تلك العلوم فتحت مزاليج أبواب معرفة الإنسان بذاته، كان اكتشاف الدوافع الكامنة في اللاوعي قد فتح أبواباً واسعة تتيح فهماً أوسع للذات، وما أكثر الليالي التي قضاها في مقاهي (فينا) يستمع إلى مناقشات ساخنة ومثيرة بين رواد التحليل النفسي المبكرين من أمثال (الفريد ادلر) و (هرمان سيتكل).

 

إلا أن الحيرة والقلق والتشويش حلت عليه من جديد، بسبب عجرفة العلم الجديد وتعاليه ومحاولته أن يحل ألغاز الذات البشرية عن طريق تحويلها إلى سلاسل من ردود الأفعال العصبية.

 

لقد نما قلقه وتزايد وجعل إتمام دراسته الجامعية يبدو مستحيلاً؛ فقرر أن يترك الدراسة، ويجرب نفسه في الصحافة.

 

كان أول طريق النجاح في هذه التجربة تعيينه في وظيفة محرر في وكالة الأنباء (يونايتد تلجرام)، وبفضل تمكنه من عدة لغات لم يكن صعباً عليه أن يصبح بعد وقت قصير نائباً لرئيس تحرير قطاع أخبار الصحافة الاسكندنافية بالرغم من أن سنه كانت دون الثانية والعشرين، فانفتح له الطريق في برلين إلى عالم أرحب (مقهى دين فيستن) و(رومانشية) ملتقى الكتاب والمفكرين البارزين ومشاهير الصحفيين والفنانين، فكانوا يمثلون له (البيت الفكري) وربطته بهم علاقات صداقة توافرت فيها الندية.

 

كان في ذلك الوقت سعيداً بما هو أكثر من النجاح في حياته العملية، ولكنه لم يكن يشعر بالرضا والإشباع ولم يكن يدري بالتحديد ما الذي يسعى إليه وما الذي يتوق إلى تحقيقه.

 

كان مثله مثل كثير من شباب جيله، فمع أن أياً منهم لم يكن تعساً إلا أن قليلاً منهم كان سعيداً بوعي وإدراك.

 

(1)

لو قال له أحد في ذلك الوقت: إن أول معرفة له مباشرة الإسلام ستصبح نقطة تحول عظمى في حياته؛ لعد ذلك القول مزحة، ليس بالطبع لأنه محصن ضد إغراءات الشرق التي تربط ذهن الأوربي برومانتيكية ألف ليلة وليلة، ولكنه كان أبعد ما يكون عن أن يتوقع أن تؤدي تلك الرحلة إلى أي مغامرات روحية.

 

كل ما كان يدور في ذهنه عن تلك الرحلة كان يتعامل معه برؤية غربية، فقد كان رهانه محصوراً في تحقيق أعمق في المشاعر والإدراك من خلال البيئة الثقافية الوحيدة التي نشأ فيها، وهي البيئة الأوروبية، لم يكن إلا شاباً أوربياً نشأ على الاعتقاد بأن الإسلام وكل رموزه ليس إلا محاولة التفافية حول التاريخ الإنساني، محاولة لا تحظى حتى بالاحترام من الناحية الروحية والأخلاقية، ومن ثم لا يستحق الذكر، فضلاً عن أن يوازن بالدينين الوحيدين اللذين يرى الغرب أنهما يستحقان الاهتمام والبحث (اليهودية والمسيحية)، كان يلف تفكيره الفكر الضبابي القاتم والانحياز الغربي ضد كل ما هو إسلامي، أو كما يعبر عن نفسه:"لو تعاملت بعدل مع ذاتي لأقررت أني أيضاً كنت غارقاً حتى أذني في تلك الرؤية الذاتية الأوروبية والعقلية المتعالية التي اتسم بها الغرب على مدى تاريخه". [ 104].

 

ولكن بعد أربع سنوات كان ينطق بشهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله ويتسمى باسم (محمد أسد).

 

بالرغم من أن حياته تفيض بالمغامرات والمفاجاءات والمصادفات فلم يكن إسلامه نتيجة لأي من ذلك بل كان نتيجة لسنوات عدة من التجول في العالم الإسلامي، والاختلاط بشعوبه، والتعمق في ثقافته، وإطلاعه الواسع على تراثه بعد إجادته للغة العربية والفارسية.

 

كان في الأعوام المبكرة من شبابه بعد ما أصابه الإحباط وخيبة الأمل في العقيدة اليهودية التي ينتمي إليها قد اتجه تفكيره إلى المسيحية بعد أن وجد أن المفهوم المسيحي للإله يتميز عن المفهوم التوراتي؛ لأنه لم يقصر اهتمام الإله على مجموعة معينة من البشر ترى أنها وحدها شعب الله المختار، وعلى الرغم من ذلك كان هناك جانب من الفكر المسيحي قلل في رأيه إمكانية تعميمه وصلاحيته لكل البشر، ألا وهو التمييز بين الروح والبدن. أي بين عالم الروح وعالم الشؤون الدنيوية، وبسبب تنائي المسيحية المبكر عن كل المحاولات التي تهدف إلى تأكيد أهمية المقاصد الدنيوية، كفت من قرون طويلة في أن تكون دافعاً أخلاقياً للحضارة الغربية، إن رسوخ الموقف التاريخي العتيق للكنيسة في التفريق بين ما للرب وما لقيصر؛ نتج عنه ترك الجانب الاجتماعي والاقتصادي يعاني فراغاً دينياً، وترتب على ذلك غياب الأخلاق في الممارسات الغربية السياسية والاقتصادية مع باقي دول العالم، ومثل ذلك إخفاقاً لتحقيق ما هدفت إليه رسالة المسيح أو أي دين آخر.

 

فالهدف الجوهري لأي دين هو تعليم البشر كيف يدركون ويشعرون، بل كيف يعيشون معيشة صحيحة وينظمون العلاقات المتبادلة بطريقة سوية عادلة، وإن إحساس الرجل الغربي أن الدين قد خذله جعله يفقد إيمانه الحقيقي بالمسيحية خلال قرون، وبفقدانه لإيمانه فَقَدَ اقتناعه بأن الكون والوجود تعبير عن قوة خلق واحدة، وبفقدان تلك القناعة عاش في خواء روحي وأخلاقي.

 

كان اقتناعه في شبابه المبكر أن الإنسان لا يحيا بالخبز وحده قد تبلور إلى اقتناع فكري بأن عبادة التقدم المادي ليست إلا بديلاً وهمياً للإيمان السابق بالقيم المجردة، وأن الإيمان الزائف بالمادة جعل الغربيين يعتقدون بأنهم سيقهرون المصاعب التي تواجههم حالياً، كانت جميع النظم الاقتصادية التي خرجت من معطف المادة علاجاً مزيفاً وخادعاً ولا تصلح لعلاج البؤس الروحي للغرب، كان التقدم المادي بإمكانه في أفضل الحالات شفاء بعض أعراض المرض إلا أن من المستحيل أن يعالج سبب المرض.

 

كانت أول علاقة له بفكرة الإسلام وهو يقضي أيام رحلته الأولى في القدس عندما رأى مجموعة من الناس يصلون صلاة الجماعة يقول: "أصابتني الحيرة حين شاهدت صلاة تتضمن حركات آلية، فسألت الإمام هل تعتقد حقاً أن الله ينتظر منك أن تظهر له إيمانك بتكرار الركوع والسجود؟ ألا يكون من الأفضل أن تنظر إلى داخلك وتصلي إلى ربك بقلبك وأنت ساكن؟ أجاب: بأي وسيلة أخرى تعتقد أننا يمكن أن نعبد الله؟ ألم يخلق الروح والجسد معاً؟ وبما أنه خلقنا جسداً وروحاً ألا يجب أن نصلي بالجسد والروح؟ ثم مضى يشرح المعنى من حركات الصلاة، أيقنت بعد ذلك بسنوات أن ذلك الشرح البسيط قد فتح لي أول باب للإسلام" [120].

 

بعد هذه الحادثة بشهور كان يدخل الجامع الأموي في دمشق ويرى الناس يصلون، ويصف هذا المشهد "اصطف مئات المصلين في صفوف طويلة منتظمة خلف الإمام، ركعوا وسجدوا كلهم في توحد مثل الجنود، كان المكان يسوده الصمت يسمع المرء صوت الإمام من أعماق المسجد الجامع يتلو آيات القرآن الكريم، وحين يركع أو يسجد يتبعه كل المصلين كرجل واحد، أدركت في تلك اللحظة مدى قرب الله منهم وقربهم منه بدا لي أن صلاتهم لا تنفصل عن حياتهم اليومية بل كانت جزءاً منها، لا تعينهم صلاتهم على نسيان الحياة بل تعمقها أكثر بذكرهم لله، قلت لصديقي ومضيفي ونحن ننصرف من الجامع: ما أغرب ذلك وأعظمه! إنكم تشعرون أن الله قريب منكم، أتمنى أن يملأني أنا أيضاً ذلك الشعور، رد صاحبي: ما الذي يمكن أن نحسه غير ذلك والله يقول في كتابه العزيز: )ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد )" [166].

ويقول بعد ذلك:"تركت تلك الشهور الأولى التي عشتها في بلد عربي قطاراً طويلاً من الانعكاسات والانطباعات، لقد واجهت مغزى الحياة وجهاً لوجه وكان ذلك جديداً تماماً على حياتي، الأنفاس البشرية الدافئة تتدفق من مجرى دم أولئك الناس إلى أفكارهم بلا تمزقات روحية مؤلمة من عدم الاطمئنان والخوف والطمع والإحباط الذي جعل من الحياة الأوروبية حياة قبيحة وسيئة لا تعد بأي شيء " [131].

 

"أحسست بضرورة فهم روح تلك الشعوب المسلمة لأني وجدت لديهم تلاحماً عضوياً بين الفكر والحواس، ذلك التلاحم الذي فقدناه نحن الأوربيين، واعتقدت أنه من خلال فهم أقرب وأفضل لحياتهم يمكن أن أكتشف الحلقة المفقودة التي تسبب معاناة الغربيين وهي تأكل التكامل الداخلي للشخصية الأوروبية، لقد اكتشفت كنه ذلك الشيء الذي جعلنا نحن أهل الغرب ننأى عن الحرية الحقة بشروطها الموضوعية التي يتمتع بها المسلمون حتى في عصور انهيارهم الاجتماعي والسياسي" [132].

 

"ما كنت أشعر به في البداية لا يعدو أكثر من تعاطف مع شكل الحياة العربية والأمان المعنوي الذي أحسبه فيما بينهم تحوّل بطريقة لا أدركها إلى ما يشبه المسألة الذاتية، زاد وعيي برغبة طاغية في معرفة كنه ذلك الشيء الذي يكمن في أسس الأمن المعنوي، والنفسي وجعل حياة العرب تختلف كلياً عن حياة الأوربيين، ارتبطت تلك الرغبة بشكل غامض بمشكلاتي الشخصية الدفينة، بدأت أبحث عن مداخل تتيح لي فهماً أفضل للشخصية العربية والأفكار التي شكلتهم وصاغتهم وجعلتهم يختلفون روحياً عن الأوروبيين، بدأت أقرأ كثيراً بتركيز في تاريخهم وثقافتهم ودينهم، وفي غمرة اهتمامي أحسست بأني قد توصلت إلى اكتشاف ما يحرك قلوبهم ويشغل فكرهم ويحدد لهم اتجاههم، أحسست أيضاً بضرورة اكتشاف القوى الخفية التي تحركني أنا ذاتي وتشكل دوافعي وتشغل فكري وتعدني أن تهديني السبيل" [132]".

 

"قضيت كل وقتي في دمشق أقرأ من الكتب كل ما له علاقة بالإسلام، كانت لغتي العربية تسعفني في تبادل الحديث؛ إلا أنها كانت أضعف من أن تمكنني من قراءة القرآن الكريم، لذا لجأت إلى ترجمة لمعاني القرآن الكريم، أما ما عدا القرآن الكريم فقد اعتمدت فيه على أعمال المستشرقين الأوروبيين.

 

ومهما كانت ضآلة ما عرفت إلا أنه كان أشبه برفع ستار، بدأت في معرفة عالم من الأفكار كنت غافلاً عنه وجاهلاً به حتى ذلك الوقت، لم يبدُ لي الإسلام ديناً بالمعنى المتعارف عليه بين الناس لكلمة دين؛ بل بدا لي أسلوباً للحياة، ليس نظاماً لاهوتياً بقدر ما هو سلوك فرد، ومجتمع يرتكز على الوعي بوجود إله واحد، لم أجد في أي آية من آيات القرآن الكريم أي إشارة إلى احتياج البشر إلى الخلاص الروحي ولا يوجد ذكر لخطيئة أولى موروثة تقف حائلاً بين المرء وقدره الذي قدره الله له، ولا يبقى لابن آدم إلا عمله الذي سعى إليه، ولا يوجد حاجة إلى الترهب والزهد لفتح أبواب خفية لتحقيق الخلاص، الخلاص حق مكفول للبشر بالولادة، والخطيئة لا تعني إلا ابتعاد الناس عن الفطرة التي خلقهم الله عليها، لم أجد أي أثر على الثنائية في الطبيعة البشرية فالبدن والروح يعملان في المنظور الإسلامي كوحدة واحدة لا ينفصل أحدهما عن الآخر.

 

أدهشني في البداية اهتمام القرآن الكريم ليس بالجوانب الروحية فقط بل بجوانب أخرى غير مهمة من الأمور الدنيوية، ولكن مع مرور الوقت بدأت أدرك أن البشر وحدة متكاملة من بدن وروح، وقد أكد الإسلام ذلك، لا يوجد وجه من وجوه الحياة يمكن أن نعده مهمشاً؛ بل إن كل جوانب حياة البشر تأتي في صلب اهتمامات الدين، لم يدع القرآن الكريم المسلمين ينسون أن الحياة الدنيا ليست إلا مرحلة في طريق البشر نحو تحقيق وجود أسمى وأبقى وأن الهدف النهائي ذو سمة روحية، ويرى أن الرخاء المادي لا ضرر منه إلا أنه ليس غاية في حد ذاته، لذلك لا بد أن تُقنن شهية الإنسان وشهواته وتتم السيطرة عليها بوعي أخلاقي من الفرد، هذا الوعي لا يوجه إلى الله فقط؛ بل يوجه أيضاً إلى البشر فيما بينهم، لا من أجل الكمال الديني وحده بل من أجل خلق حالة اجتماعية تؤدي إلى تطور وعي للمجتمع بأكمله حتى يتمكن من أن يحيا حياة كاملة.

 

نظرت إلى كل تلك الجوانب الفكرية والأخلاقية بتقدير وإجلال، كان منهجه في تناول مشكلات الروح أعمق كثيراً من تلك التي وجدتها في التوراة، هذا عدا أنه لم يأت لبشر دون بشر ولا لأمة بذاتها دون غيرها، كما أن منهجه في مسألة البدن بعكس منهج الإنجيل منهج إيجابي لا يتجاهل البدن، البدن والروح معاً يكونان البشر كتوأمين متلازمين، سألت: ألا يمكن أن يكون ذلك المنهج هو السبب الكامن وراء الإحساس بالأمن والتوازن الفكري والنفسي الذي يميز العرب والمسلمين" [166-168].

 

(2)

بعد أن غادر سوريا بقي شهوراً في تركيا في طريق عودته إلى أوربا لتنتهي رحلته الأولى إلى العالم الإسلامي.

 

"بدأت انطباعاتي عن تركيا تفقد حيويتها وأنا في القطار المتوجه إلى فينا وما ظل راسخاً هو الثمانية عشر شهراً التي قضيتها في البلاد العربية، صدمني إدراكي أني أتطلع إلى المشاهد الأوروبية التي اعتدتها بعيني من هو غريب عنها، بدا الناس في نظري في غاية القبح وحركاتهم خالية من الرقة، ولا علاقة مباشرة بين حركاتهم وما يدرونه ويشعرون به، أدركت فجأة أنه على الرغم من المظاهر التي تنبئ بأنهم يعرفون ما يريدون إلا أنهم لا يعرفون أنهم يحيون في عالم الإدعاء والتظاهر، اتضح لي أن حياتي بين العرب غيرت منهجي ورؤيتي لما كنت أعده مهماً وضرورياً للحياة، تذكرت بشيء من الدهشة أن أوربيين آخرين قد مروا بتجارب حياتية مع العرب وعايشوهم أزماناً طويلة فكيف لم تعترهم دهشة الاكتشاف كما اعترتني، أم أن ذلك قد وقع لهم أيضاً؟ هل اهتز أحدهم من أعماقه كما حدث لي " [178-179].

 

"توقفت بضعة أسابيع في فينا واحتفلت بتصالحي مع أبي الذي سامحني على ترك دراستي الجامعية ومغادرتي منـزل الأسرة بتلك الطريقة الفجة، على أي حال كنت مراسلاً لجريدة (فرانكفوتر ذيتونج) وهو اسم يلقى التقدير والتبجيل في وسط أوربا في ذلك الوقت، وهكذا حققت في نظره مصداقية ما زعمت له قبل ذلك من أني سأحقق ما أصبو إليه وأصـل إلى القمة" [179].

 

"رحلت بعد ذلك من فينا مباشرة إلى فرانكفورت لأقدم نفسي شخصياً إلى الصحفية التي كنت أمثلها في الخارج على مدى عام، كنت في طريقي إليها وأنا أشد ثقة بنفسي فالرسائل التي كنت أتلقاها من فرانكفورت أظهرت لي أن مقالاتي كانت تلقى كل التقدير والترحيب" [180].

 

"أن أكون عضواً عاملاً في مثل تلك الصحيفة كان مصدر فخر واعتزاز لشاب في مثل سني، وعلى الرغم من أن مقالاتي عن الشرق الأوسط قوبلت باهتمام شديد من قبل جميع المحررين إلا أن نصري الكامل تحقق في اليوم الذي كلفت فيه أن أكتب مقالاً افتتاحياً بالصحيفة عن مشكلة الشـرق الأوسط" [182].

 

"كان من نتائج عملي في جريدة (فرانكفوتر ذيتونج) النضج المبكر لتفكيري الواعي، كما نتجت عنه رؤية ذهنية أكثر وضوحاً من أي وقت مضى، فبدأت في مزج خبرتي بالشرق بعالم الغرب الذي أصبحت جزءاً منه من جديد، منذ عدة شهور مضت اكتشفت العلاقة بين الاطمئنان النفسي والعاطفي السائد في نفوس العرب وعقيدة الإسلام التي يؤمنون بها، كما بدأ يتبلور في ذهني أن نقص التكامل النفسي الداخلي للأوروبيين وحالة الفوضى اللاأخلاقية التي تسيطر عليهم قد تكون ناتجة من عدم وجود إيمان ديني قد تكونت الحضارة الغربية في غيابه، لم ينكر المجتمع الغربي الإله إلا أنه لم يترك له مكاناً في أنساقه الفكرية" [182].

 

بعد عودته إلى أوروبا من رحلته كان يحس بالملل إحساس من أجبر على التوقف قبل التوصل إلى كشف عظيم سيميط عن نفسه الحجب لو أتيح له مزيد من الوقت.

 

كان يتوق إلى العودة إلى الشرق مرة أخرى، وقد تحقق له ما أراد إذ إن رئيس تحرير الجريدة الدكتور هنري سيمون –الذي كان في ذلك الوقت مشهوراً في أرجاء العالم- قد رأى فيه مراسلاً صحفياً واعداً فوافق بحماس على عودته إلى الشرق الأوسط بسرعة.

 

(3)

عاد إلى الشرق ليقضي عامين آخرين بين مصر وبلاد الشام والعراق وإيران وأفغانستان، عاد من أوروبا وفي ذهنه صورة عن عالم الغرب ظلت تزداد في ذهنه مع الأيام رسوخاً وثباتاً، عبّر عن هذه الصورة فيما يأتي: "لاحقاً إن الإنسان الغربي قد أسلم نفسه لعبادة الدجال، لقد فقد منذ وقت طويل براءته، وفقد كل تماسك داخلي مع الطبيعة، لقد أصبحت الحياة في نظره لغزاً، إنه مرتاب شكوك ولذا فهو منفصل عن أخيه، ينفرد بنفسه، ولكي لا يهلك في وحدته هذه فإن عليه أن يسيطر على الحياة بالوسائل الخارجية، وحقيقة كونه على قيد الحياة لم تعد وحدها قادرة على أن تشعره بالأمن الداخلي، ولذا فإن عليه أن يكافح دائماً وبألم في سبيل هذا الأمن من لحظة إلى أخرى، وبسبب من أنه فقد كل توجيه ديني وقرر الاستغناء عنه فإن عليه أن يخترع لنفسه باستمرار حلفاء ميكانيكيين، من هنا نما عنده الميل المحموم إلى التقنية والتمكن من قوانينها ووسائلها، إنه يخترع كل يوم آلات جديدة ويعطي كلاً منها بعض روحه كيما تنافح في سبيل وجوده، وهي تفعل ذلك حقاً، ولكنها في الوقت نفسه تخلق له حاجات جديدة، ومخاوف جديدة وظمأ لا يُروى إلى حلفاء جدد آخرين أكثر اصطناعية، وتضيع روحه في ضوضاء الآلة الخانقة التي تزداد مع الأيام قوة وغرابة، وتفقد الآلة غرضها الأصلي – أي أن تصون وتغني الحياة الإنسانية- وتتطور إلى صنم بذاته، صنم فولاذ، ويبدو أن كهنة هذا المعبود والمبشرين به غير مدركين أن سرعة التقدم التقني الحديث ليست نتيجة لنمو المعرفة الإيجابي فحسب؛ بل لليأس الروحي أيضاً. وأن الانتصارات المادية العظمى التي يعلن الإنسان الغربي أنه بها يستحق السيادة على الطبيعة هي في صميمها ذات صفة دفاعية؛ فخلف واجهتها البراقة يكمن الخوف من الغيب، إن الحضارة الغربية لم تستطع حتى الآن أن تقيم توازناً بين حاجات الإنسان الجسيمة والاجتماعية وبين أشواقه الروحية، لقد تخلت عن آداب دياناتها السابقة دون أن تتمكن أن تخرج من نفسها أي نظام أخلاقي آخر – مهما كان نظرياً- يخضع نفسه للعقل، بالرغم من كل ما حققته من تقدم ثقافي؛ فإنها لم تستطع حتى الآن التغلب على استعداد الإنسان الأحمق للسقوط فريسة لأي هتاف عدائي أو نداء للحرب مهما كان سخيفاً باطلاً يخترعه الحاذقون من الزعماء.. الأمم الغربية وصلت إلى درجة أصبحت معها الإمكانات العلمية غير المحدودة تصاحب الفوضى العملية، وإذا كان الغربي يفتقر إلى توجيه ديني حاذق فإنه لا يستطيع أن يفيد أخلاقياً من ضياء المعرفة الذي تسكبه علومه وهي لا شك عظيمة، إن الغربيين – في عمى وعجرفة- يعتقدون عن اقتناع أن حضارتهم هي التي ستنير العالم وتحقق السعادة، وأن كل المشاكل البشرية يمكن حلها في المصانع والمعامل وعلى مكاتب المحللين الاقتصاديين والإحصائيين، إنهم بحق يعبدون الدجال" [373].

 

في هذه الرحلة الثانية أمكنة أن يتقن اللغة العربية ولذلك فبدل أن ينظر إلى الإسلام بعين غيره من المستشرقين ومترجمي القرآن غير المسلمين صار في إمكانه أن ينظر إلى الإسلام في تراثه الثقافي كما هو، لم يعد على اعتقاده السابق استحالة أن يتفهم الأوروبي بوعي العقلية الإسلامية، أيقن أنه لو تحرر المرء تماماً من عاداته التي نشأ عليها ومناهجها الفكرية وتقبل مفهوم أنها ليست بالضرورة الأساليب الصحيحة في الحياة لأمكن أن يفهم ما يبدو غريباً في نظرة عن الإسلام، كانت فكرته عن الإسلام تتطور وتنمو طوال هذه الرحلة الثانية التي أمكنه فيها أن يختلط بالشعوب ويناقش العلماء، يتصل بالزعماء.

 

"كان التفكير في الإسلام يشغل ذهني إن الأمر بدا لي في ذلك الوقت رحلة لاستكشاف ما أجهله من تلك المناطق، كان كل يوم يمر يضيف إلى معارف جديدة، ويطرح أسئلة جديدة لأجد إجاباتها تأتي من الخارج جميعها أيقظت شيئاً ما كان نائماً في أعماقي، وكلما نمت معارفي عن الإسلام كنت أشعر مرة بعد أخرى أن الحقائق الجوهرية التي كانت كامنة في أعماقي من دون أن أعي وجودها بدأت تنكشف تدريجياً ويتأكد تطابقها مع الإسلام" [255].

 

كان اليقين ينمو في داخلة بأنه يقترب من إجابة نهائية عن أسئلته، بتفهمه لحياة المسلمين كان يقترب يومياً من فهم أفضل للإسلام؛ وكان الإسلام دائماً مسيطراً على ذهنه " لا يوجد في العالم بأجمعه ما يبعث في نفسي مثل تلك الراحة التي شعرت بها والتي أصبحت غير موجودة في الغرب ومهددة الآن بالضياع والاختفاء من الشرق، تلك الراحة وذلك الرضا اللذان يعبران عن التوافق الساحـر بين الذات الإنسانية والعالم الذي يحيط بها" [238].

 

بهذه الروح من التسامح تجاه الآخر استطاع بسهولة أن يتخلص من انخداع الرجل الغربي وإساءته فهم الإسلام بسبب ما يراه من تخلف وانحطاط في العالم الإسلامي.

 

"الآراء الشائعة في الغرب عن الإسلام [تتلخص] فيما يأتي: (انحطاط المسلمين ناتج عن الإسلام، وأنه بمجرد تحررهم من العقيدة الإسلامية وتبني مفاهيم الغرب وأساليب حياتهم وفكرهم؛ فإن ذلك سيكون أفضل لهم وللعالم)، إلا أن ما وجدته من مفاهيم وما توصلت إلى فهمه من مبادئ الإسلام وقيمه أقنعني أن ما يردده الغرب ليس إلا مفهوماً مشوهاً للإسلام... اتضح لي أن تخلف المسلمين لم يكن ناتجاً عن الإسلام، ولكن لإخفاقهم في أن يحيوا كما أمرهم الإسلام.. لقد كان الإسلام هو ما حمل المسلمين الأوائل إلى ذراً فكرية وثقافية سامية" [243-244].

 

"وفر الإسلام باختصار حافزاً قوياً إلى التقدم المعرفي والثقافي والحضاري الذي أبدع واحدة من أروع صفحات التاريخ الإنساني، وقد وفر ذلك الحافز مواقف إيجابية عندما حدد في وضوح: "نعم للعقل ولا لظلام الجهل، نعم للعمل والسعي ولا للتقاعد والنكوص. نعم للحياة ولا للزهد والرهبنة". ولذلك لم يكن عجباً أن يكتسب الإسلام أتباعاً في طفرات هائلة بمجرد أن جاوز حدود بلاد العرب، فقد وجدت الشعوب التي نشأت في أحضان مسيحية القديس بولس والقديس أوجستين... ديناً لا يقر عقيدة ومفهوم الخطيئة الأولى .. ويؤكد كرامة الحياة البشرية، ولذلك دخلوا في دين الله أفواجاً، جميع ذلك يفسر كيفية انتصار الإسلام وانتشاره الواسع والسريع في بداياته التاريخية ويفند مزاعم من روجوا أنه انتشر بحد السيف[246].

 

وكان ذكاؤه الحاد ونفاذ بصيرته، ونهمه إلى الاطلاع على التراث الفكري للمسلمين، يعمق معرفته بالإسلام فيبصره على حقيقته " كانت صرة نهائية متكاملة عن الإسلام تتبلور في ذهني ، كان يدهشني في أوقات كثيرة أنها تتكون داخلي بما يشبه الارتشاح العقلي والفكري، أي أنها تتم من دون وعي وإرادة مني، كانت الأفكار تتجمع ويضمها ذهني بعضها إلى بعض في عملية تنظيم ومنهجة لكل الشذرات من المعلومات التي عرفتها عن الإسلام . رأيت في ذهني عملاً عمرانياً متكاملاً تتضح معالمه رويداً رويداً بكل ما تحتويه من عناصر الاكتمال، وتناغم الأجزاء والمكونات مع الكل المتكامل في توازن لا يخل جزء من بآخر، توازن مقتصد بلا خلل، ويشعر المرء أن منظور الإسلام ومسلماته كلها في موضعها الملائم الصحيح من الوجود" [381].

 

"كانت أهم صفة بارزة لحضارة الإسلام وهي الصفة التي انفردت بها عن الحضارات البشرية السابقة أو اللاحقة أنها منبثقة من إرادة حرة لشعوبها، لم تكن مثل حضارات سابقة وليدة قهر وضغط وإكراه وتصارع إرادات وصراع مصالح، ولكنها كانت جزءاً وكلاً من رغبة حقيقية أصيلة لدى جميع المسلمين مستمدة من إيمانهم بالله وما حثهم عليه من إعمال فكر وعمل، لقد كانت تعاقداً اجتماعياً أصيلاً لا مجرد كلام أجوف يدافع به جيل تالٍ عن امتيازات خاصة بهم... لقد تحققت أن ذلك العقد الاجتماعي الوحيد المسجل تاريخياً تحقق فقط على مدى زمني قصير جداً، أو على الأصح أنه على مدى زمني قصير تحقق العقد على نطاق واسع، ولكن بعد أقل من مائة سنة من وفاة الرسول – صلى الله عليه وسلم- بدأ الشكل النقي الأصيل للإسلام يدب فيه الفساد، وفي القرون التالية بدأ المنهج القويم يزاح إلى الخلفية .. لقد حاول المفكرون الإسلاميون أن يحفظوا نقاء العقيدة؛ إلا أن من أتوا بعدهم كانوا أقل قدرة من سابقيهم، وتقاعسوا عن الاجتهاد... وتوقفوا عن التفكير المبدع والاجتهاد الخلاق... كانت القوة الدافعة الأولى للإسلام كافية لوضعه في قمة سامية من الرقي الحضاري والفكري.. وهذا ما دفع المؤرخين إلى وصف تلك المرحلة بالعصر الذهبي للإسلام، إلا أن القوة الدافعة قد ماتت لنقص الغذاء الروحي الدافع لها وركدت الحضارة الإسلامية عصراً بعد عصر لافتقاد القوة الخلاقة المبدعة، لم يكن لدي أوهام عن الحالة المعاصرة للعالم الإسلامي، بينتْ الأعوام الأربعة التي قضيتها في مجتمعات إسلامية أن الإسلام مازال حياً وأن الأمة الإسلامية متمسكة به بقبول صامت لمنهجه وتعاليمه؛ إلا أن المسلمين كانوا مشلولين غير قادرين على تحويل إيمانهم إلى أفعال مثمرة، إلا أن ما شغلني أكثر من إخفاق المسلمين المعاصرين في تحقيق منهج الإسلام الإمكانيات المتضمنة في المنهج ذاته، كـان يكفيني أن أعـرف أنه خلال مدى زمني قصير .. كانت هناك محاولة ناجحة لتطبيق هذا المنهج، وما أمكن تحقيقه في وقت ما؛ يمكن تحقيقه لاحقاً، ما كان يهمني- كما فكرت في داخلي- أن المسلمين شردوا عن التعليمات الأصلية للدين... ما الذي حدث وجعلهم يبتعدون عن المثاليات التي علمهم إياها الرسول – صلى الله عليه وسلم- منذ ثلاثة عشر قرناً مضت ما دامت تلك التعليمات لا تزال متاحة لهم إن أرادوا الاستماع إلى ما تحمله من رسالة سامية؟ بدا لي كلما فكرت أننا نحن في عصرنا الحالي نحتاج إلى تعاليم تلك الرسالة أكثر من هؤلاء الذين عاشوا في عصر محمد – صلى الله عليه وسلم-، لقد عاشوا في بيئات وظروف أبسط كثيراً مما نعيش فيه الآن، ولذلك كانت مشكلاتهم أقل بكثير من مشكلاتنا... العالم الذي كنت أحيا فيه – كله- كان يتخبط لغياب أي رؤية عامة لما هو خير وما هو شر... لقد أحسست بيقين تام.. أن مجتمعنا المعاصر يحتاج إلى أسس فكرية عقائدية توفر شكلاً من أشكال التعاقد بين أفراده، وأنه يحتاج إلى إيمان يجعله يدرك خواء التقدم المادي من أجل التقدم ذاته، وفي الوقت نفسه يعطي للحياة نصيبها. إن ذلك سيدلنا ويرشدنا إلى كيفية تحقيق التوازن بين احتياجاتنا الروحية والبدنية، وإن ذلك سينقذنا من كارثة محققة نتجه إليها بأقصى سرعة... في تلك الفترة من حياتي شغلت فكري مشكلة الإسلام كما لم يشغل ذهني شيء آخر من قبل، قد تجاوزت مرحلة الاستغراق الفكري والاهتمام العقلي بدين وثقافة غربيين، لقد تحول اهتمامي إلى بحث محموم عن الحقيقة" [380-386].

 

لقد صار في إمكانه أن يميز بين ما هو الإسلام وما هو غريب عنه في تصورات المسلمين وسلوكهم في رحلته الأولى رأى حلقة ذكر يقيمها الصوفية في أحد مساجد " سكوتاري" في تركيا ويصفها بهذه العبارات " كانوا يقفون في محيط واحد فاستداروا في نصف دورة ليقابل كل واحد منهم الآخر أزواجاً، كانوا يعقدون أذرعهم على صدورهم وينحنون انحناءة شديدة وهم يستديرون بجذوعهم في نصف دائرة .. في اللحظة التالية[كانوا] يقذفون أذرعهم في الاتجاه المعاكس الكف اليمنى ترتفع والكف اليسرى تنزل إلى الجانب، وتخرج من حلوقهم مع كل نصف انحناءه واستدارة أصوات مثل غناء هامس "هو" ثم يطرحون رؤوسهم للخلف مغمضين أعينهم ويجتاح ملامحهم تقلص ناعم، ثم تتصاعد وتتسارع إيقاعات الحركة وترتفع الجلاليب لتكون دائرة متسعة حول كل درويش مثل دوامات البحار... تحولت الدائرة إلى دوامات، اجتاحهم الانهماك، وشفاههم تكرز بلا نهاية(هو، هو)" [251].

 

وفي الرحلة الثانية يتذكر حلقة الذكر هذه ويعلق عليها "اتضحت في ذهني معاني لم تبد لي عندما شاهدت حلقة الذكـر [في سكوتاري]، كان ذلك الطقس الديني لتلك الجماعة- وهي واحدة من جماعات كثيرة شاهدتها في مختلف البلاد الإسلامية – لا يتفق مع صورة الإسلام التي كانت تتبلور في ذهني.. تبين لي أن تلك الممارسات والطقوس دخيلة على الإسلام من جهات ومصادر غير إسلامية، لقد شابت تأملات المتصوفة وأفكارهم أفكار روحية هندية ومسيحية، مما أضفى على بعض ذلك التصوف مفاهيم غربية عن الرسالة التي جاء بها النبي –صلى الله عليه وسلم-، أكدت رسالة النبي – صلى الله عليه وسلم- أن السببية العقلية هي السبيل للإيمان الصحيح بينما تبتعد التأملات الصوفية وما يترتب عليها [من سلوك] عن ذلك المضمون، والإسلام قبل أي شيء مفهوم عقلاني لا عاطفي ولا انفعالي، الانفعالات مهما تكن جياشة معرضة للاختلاف والتباين باختلاف رغبات الأفراد وتباين مخاوفهم بعكس السببية العقلية، كما أن الانفعالية غير معصومة بأي حال" [253].

 

كتب بعد ذلك بسنوات " (لقد بدا لي الإسلام مثل تكوين هندسي محكم البناء) كل أجزائه قد صيغت ليكمل بعضها البعض وليدعم بعضها بعضاً، ليس فيها شيء زائد عن الحاجة وليس فيها ما ينقص عنها، وناتج ذلك كله توازن مطلق وبناء محكم، ربما كان شعوري بأن كل ما في الإسلام من تعاليم وضع موضعه الصحيح هو ما كان له أعظم الأثر علي، لقد سعيت بجد إلى أن أتعلم عن الإسلام كل ما أستطيع أن أتعلمه، درست القرآن وأحاديث النبي، درست لغة الإسلام وتاريخه وقدراً كبيراً مما كتب عن الإسلام، وما كتب ضده، أقمت ست سنوات تقريباً في نجد والحجاز ومعظمها في مكة والمدينة بغرض أن اتصل مباشرة بيئة الإسلام الأصلية، وبما أن المدينتين كانتا مكان اجتماع المسلمين من مختلف الأقطار فقد تمكنت من الاطلاع على مختلف الآراء الدينية والاجتماعية السائدة حالياً في العالم الإسلامي، وكل هذه الدراسات والمقارنات خلقت لدي اعتقاداً راسخاً أن الإسلام كظاهرة روحية واجتماعية لا يزال أقوى قوة دافعة عرفها البشر رغم كل مظاهر التخلف التي خلفها ابتعاد السلمين عن الإسلام.

Islam At The Crossroads ED.1982-12

 

(4)

طوال العامين اللذين قضاهما في رحلته الثانية في العالم الإسلامي كان بعقله ومعلوماته يتقدم بسرعة في الطريق إلى الإسلام، لقد وعى ذلك وهو يعدو بجواده فوق جبال إيرانية مغطاة بالثلج الأبيض"بدا العالم كله مبسوطاً أمامي في رحابية لا تنتهي، بدا شفافاً في عيني كما لم يبد من قبل، رأيت نمطه الداخلي الخفي، وأحسست بنبضه الدفين في تلك الأصقاع البيضاء الخالية، واندهشت من خفاء ذلك عليّ منذ دقيقة مضت، وأيقنت أن كل الأسئلة التي تبدو بلا إجابة ماثلة أمامنا في انتظار أن ندركها، بينما نحن – الحمقى المساكين- نطرح الأسئلة وننتظر أن تفتح الأسرار الإلهية نفسها لنا بينما تنتظر تلك الأسرار أن نفتح نحن أنفسنا لها.

مر أكثر من عام بين انطلاقي المجنون على جوادي فوق الجليد والبرد قبل أن اعتنق الإسلام، ولكن حتى في ذلك الوقت قبل إسلامي كنت أنطلق- دون أن أعي ذلك- في خط مستقيم كمسار السهم المنطلق باتجاه مكة المكرمة" [274-275].

"كنت في طريقي من مدينة هراة إلى مدينة كابل... توجهنا إلى قرية ده زانجي، جلسنا في اليوم التالي حول غداء وافـر كالمعتاد [ في بيت الحاكم] بعد الغداء قام رجل من القرية بالترفيه عنا...

غنى على ما أذكر عن معركة داود وجالوت، عن الإيمان عندما يواجه قوة غاشمة ... علق الحاكم في نهاية الأغنية قائلاً: " كان داود صغيراً إلا أن كان إيمانه كان كبيراً" فلم أتمالك نفسي وقلت باندفاع : " وأنتم كثيرون وإيمانكم قليل"، نظر إليّ مضيفي متعجبًا؛ فخجلت مما قلت من دون أن أتمالك نفسي، وبدأت بسرعة في توضيح ما قلت واتخذ تفسيري شكل أسئلة متعاقبة كسيل جارف، قلت:" كيف حدث أنكم معشر المسلمين فقدتم الثقة بأنفسكم تلك الثقة التي مكنتكم من نشر عقيدتكم في أقل من مئة عام حتى المحيط الأطلسي.. وحتى أعماق الصين، والآن تستسلمون بسهولة وضعف إلى أفكار الغرب وعاداته؟ لماذا لا تستجمعون قوتكم وشجاعتكم لاستعادة إيمانكم الفعلي، كيف يصبح أتاتورك ذلك المتنكر التافه الذي ينكر كل قيمة للإسلام، رمزاً لكم في الإحياء والنهوض والإصلاح؟".

ظل مضيفي صامتاً.. كان الثلج قد بدأ في التساقط خارجاً، وشعرت مرة أخرى بموجة من الأسى مختلطة مع تلك السعادة الداخلية التي شعرت بها ونحن نقترب من ده زانجي أحسست بالعظمة التي كانت عليها تلك الأمة، وبالخزي الذي يغلف ورثتها المعاصرين.

أردفت مكملاً أسئلتي " قل لي كيف دفن علماؤكم الإيمان الذي أتي به نبيكم بصفائه ونقائه؟ كيف حدث أن نبلاءكم وكبار ملاك أراضيكم يغرقون في ملذات بينما يغرق أغلب المسلمين في الفقر.. مع أن نبيكم علمكم أنه لا يؤمن أحدكم أن يشبع وجاره جائع؟.

هل يمكن أن تفسر لي كيف دفعتم النساء إلى هامش الحياة مع أن النساء في حياة الرسول – صلى الله عليه وسلم- والصحابة ساهمن في شؤون حياة أزواجهن؟ كان مضيفي مازال يحملق فيّ دون كلمة، وبدأت أعتقد أن انفجاري ربما سبب له ضيقاً، في النهاية جذب الحاكم ثوبه الأصفر الواسع وأحكمه حول جسمه.. ثم همس " ولكن أنت مسلم" ضحكت وأجبته" كلا لست مسلماً ولكني رأيت الجوانب العظيمة في رسالة الإسلام مما يجعلني أشعر بالغضب وأنا أراكم تضيعونه، سامحني إن تحدثت بحدة، أنا لست عدواً على أي حال " إلا أن مضيفي هز رأسه قائلاً : " كلا أنت كما قلت لك مسلم إلا أنك لا تعلم ذلك، لماذا لا تعلن الآن هنا: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، وتصبح مسلماً بالفعل بدلاً من أن تكون مسلماً بقلبك فقط " قلت له: " لو قلتها في أي وقت فسأقولها عندما يستقر فكري عليها ويستريح لها " استمر إصرار الحاكم: ولكنك تعرف عن الإسلام أكثر مما يعرفه أي واحد منا، ما الذي لم تعرفه أو تفهمه بعد؟ " قلت له: " الأمر ليس مسألة فهم بل أن أكون مقتنعاً، أن أقتنع أن القرآن الكريم هو كلمة الله، وليس ابتداعاً ذكياً لعقلية بشرية عظيمة" ولم تمح كلمات صديقي الأفغاني من ذهني على مدى شهور طويلة" [375-376].

 

(5)

بعد شهور من هذه الحادثة كان ينطق بالشهادة أمام رئيس رابطة المسلمين في برلين كان قد رجع إلى أوروبا من رحلته الثانية التي استغرقت عامين من التجوال في العالم الإسلامي فعرف أن اسمه أصبح من الأسماء المعروفة.. وأنه أصبح واحداً من أشهر مراسلي الصحف وسط أوروبا، بعض مقالاته لقيت ما يفوق الاعتراف بأهميتها، وتلقى دعوة لإلقاء سلسلة من المحاضرات في أكاديمية الجغرافيا السياسية في برلين، ولم يحدث كما قيل أن رجلاً في مثل سنه (السادسة والعشرين) قد حقق ذلك التميز، وأعيد نشر مقالاته الأخرى في صحف كثيرة حتى إن واحدة من تلك المقالات نشرت في ثلاثين مطبوعة مختلفة.

ولكن بعد عودته واتصاله من جديد بأصدقاء الفكر والثقافة في برلين، ومناقشته معهم قضية الإسلام، أحس أنه وإياهم لم يعودوا يتحدثون من المنطلقات الفكرية نفسها، شعر بأن من يرون منهم أن الأديان القديمة أصبحت شيئاً من الماضي وهم الأغلبية ومن كانوا لا يرفضون الأديان رفضاً كلياً، كانوا كلهم يميلون بلا سبب إلى تبني المفهوم الغربي الشائع الذي يرى أن الإسلام يهتم بالشؤون الدينية وتنقصه الروحانيات التي يتوقع المرء أن يجدها في أي دين "ما أدهشني بالفعل أن اكتشف أن ذلك الجانب من الإسلام هو ما جذبني إليه من أول لحظة وهو عدم الفصل بين الوجود المادي والوجود الروحي للبشر، وتأكيد السببية العقلية سبيلاً للإيمان، وهو الجانب ذاته الذي يعترض عليه مفكروا أوروبا الذين يتبنون السببية العقلية منهجاً للحياة، ولا يتخلون عن ذلك المنهج العقلاني إلا عندما يرد ذكر الإسلام، لم أجد أي فرق بين الأقلية المهتمة بالأديان والأغلبية التي ترى أن الدين أصبح من المفاهيم البالية التي عفا عليها الزمن، أدركت مع الوقت مكمن الخطأ في منهج كل منهما ، أدركت أن مفاهيم من تربوا في أحضان الأفكار المسيحية في أوروبا ... تبنوا مفهوماً يسود بينهم جميعاً، فمع طول تعود أوروبا نسق التفكير المسيحي تعلّم حتى اللادينيين أن ينظروا إلى أي دين آخر من خلال عدسات مسيحية فيرون أي فكر ديني صالحاً لأن يكون ديناً إذا غلفته مسحة غامضة خارقة للطبيعة تبدو خافية وفوق قدرة العقل البشري على استيعابها، ومن منظورهم لم يف الإسلام بتلك المتطلبات.. كنت أوقن بأني في طريقي إلى الإسلام وجعلني تردد اللحظة الأخيرة أؤجل الخطوة النهائية التي لا مفر منها، كانت فكرة اعتناق الإسلام تمثل لي عبور قنطرة فوق هاوية تفصل بين عالمين مختلفين تماماً قنطرة طويلة حتى إن المرء عليه أن يصل إلى نقطة اللاعودة أولاً قبل أن يتبين الطرف الآخر للقنطرة، كنت أعي أني لو اعتنقت الإسلام لاضطررت إلى خلع نفسي نهائياً من العالم الذي ولدت ونشأت فيه، لم تكن هناك حلول أخرى، فلم يكن ممكناً لامرئ مثلي أن يتبع دعوة محمد – صلى الله عليه وسلم- ويظل بعدها محتفظاً بروابطه مع مجتمع يتصف بثنائية المفاهيم المتعارضة والمتناقضة، كان سؤالي الأخير الذي كنت متردداً أمامه هو : هل الإسلام رسالة من عند الله أم أنه حصيلة حكمة رجل عظيم؟" [287-289].

ولم يمكث غير بعيد حتى جاءت الإجابة، لقد اتصل من جديد بحياة الغرب مباشرة، ورأى مبلغ التعاسة والشقاء الذي يعانيه الغربيون ولكنهم لا يعونه أو لا يعون سببه، كان في القطار مع زوجته، وشغل نفسه بالتطلع إلى وجوه الناس "بدأت أتطلع حولي إلى الوجوه.. كانت جميعاً وجوهاً تنتمي إلى طبقة تنعم بلبس ومأكل جيدين ولكنها كانت تشي بتعاسة داخلية عميقة ومعاناة واضحة على الملامح تعاسة عميقة حتى إن أصحابها لم يدركوا ذلك.. كنت أوقن بأنهم غير واعين وإلا لما استمروا في إهدار حياتهم على هذا المنوال من دون أي تماسك داخلي ومن دون هدف أسمى من مجرد تحسين معيشتهم ومن دون أمل يزيد على الاستحواذ المادي الذي من الممكن أن يحقق لهم مزيداً من السيطرة" [290].

جاءت الإجابة حين قرأ القرآن فور عودته إلى بيته – وكانت تلك التجربة التي مر بها في القطار لا تزال حية في تفكيره.

"وقفت لحظات مشدوها وأنا أحبس أنفاسي، وأحسست أن يدي ترتجفان، فقد كان القرآن يتضمن الإجابة.. إجابة حاسمة قضت على شكوكي كلها وأطاحت بها بلا رجعة، أيقنت يقيناً تاماً أن القرآن .. من عند الله" [291].

 


(6)

بعد إسلامه بست سنوات كان يقطع الصحراء الكبرى قادماً من " قصر عثيمين" على الحدود السعودية العراقية وقاصداً مكة، كانت رحلة مليئة بالمفاجأة والمغامرة لقد أشرف فيها على الموت.

وكتب كتابه " الطريق إلى مكة " يقص فيه التفاصيل المثيرة لهذه الرحلة، ويقص معها تفاصيل رحلة أخرى رحلة روحه إلى مكة، رحلتها إلى الإسلام.

 

كل ما سبق من معلومات واقتباسات أخذ من هذه القصة الرائعة.

 

المصدر : الإسلام اليوم

 

47-الأستاذة الجامعية الدكتورة الروسية آلا أولينيكوفا

 

أنا روسية ، ولدت في مدينة ( لينين غراد ) – ميناء لينين – ذلك الشيوعي الذي قتل آلاف المسلمين في الجمهوريات المسلمة في الاتحاد السوفييتي السابق .

تعلمت وواصلت الدراسة في أسرة فقيرة لم يكن لها من زاد سوى صيد الأسماك التي عمل بها والدي من قديم .

درست الطب في موسكو وتخرجت ، ثم حصلت على الماجستير فالدكتوراه ، ودرست بعدها في جامعات موسكو وكييف ولينين غراد.

حياتي في ظل الشيوعية كانت سيئة جدا ، لا تتفق وفطرة الإنسان في العيش بحرية وأمان ورفاه .

كنت في داخلي ثائرة على الوضع ، لكنني لم أكن أستطيع الكلام ، مثل سائر الناس ، وإلا كان المصير هو القتل ، أو النفي لسيبيريا ، أو السجن أو التعذيب .

كانت حياتنا جحيما مستعرا ، ظلما واستعبادا وقهرا ، وإجبارا على حياة لا توافق فطرة البشر ، ومنعا من العبادة ، وإجبارا على الكفر والإلحاد .

نحن نعلم عن الإسلام أكثر مما يعرفه الغربيون لأسباب أهمها قربنا من المجتمعات المسلمة ، ولأن الاتحاد السوفييتي كان يضم قرابة 60 مليون مسلم ، وهؤلاء يعملون معنا في مختلف مراكز الدولة .

عرفت الإسلام من بعض المسلمين العاملين معنا ، ولاحظته في تصرفات الطلبة الوافدين من الدول الإسلامية مثل : سورية والكويت وليبيا واليمن والعراق .

تعرفت على الإسلام أكثر من خلال طالب سوري من حمص كان يدرس الطب في جامعة كييف ، إذ لم يكن يشرب الخمر ، ولا يأكل لحم الخنزير ، ولا يقيم علاقات مع النساء ، وكانت أخلاقه عالية جدا ، فقد كان أمينا وصادقا ، وكان يسكن منزلا متواضعا يقول عنه : هذا منزلي ومسجدي .

شدني هذا الطالب المسلم بأخلاقه ، وتعامله المهذب ، ليؤكد أن هذه هي أخلاق الإسلام ، ولقد أهداني كتبا عن الإسلام قرأتها جيدا فزادت معرفتي به .

في عام 1992 م تركت العمل مؤقتا وسافرت إلى سورية حيث التحقت بكلية الدعوة ، ودرست الإسلام فيها ، وتخرجت عام 1995 لأعلن إسلامي .

الإسلام دين عظيم ، وهو في بلادنا من قبل ألف عام ، بينما لم تعش الشيوعية أكثر من سبعين عاما .

لاحظت الأخوة والمحبة بين المسلمين وتبادل النصح .

يزداد تجلي الإسلام في رمضان حيث النظام والصبر والمودة التي تفتقدها المجتمعات غير المسلمة على إطلاقها .

الإسلام يراعي الدنيا والآخرة .. وهذا يلائم الطبيعة البشرية .

بعد ارتدائي الحجاب أحاول عدم الاختلاط بالرجال قدر المستطاع.

أنا الآن بصدد وضع كتاب عن الإسلام بالروسية ، وسوف أحاول تعريف الجميع بهذا الدين العظيم ، الذي رأيت من خلاله النور .

لو عرف مجتمعنا الإسلام جيدا وطبقه لأنقذه من الجريمة والفساد والمافيا والمخدرات والدعارة والبطالة .. لأن الإسلام يحرم ويحارب كل ما يضر بالنفس وبالآخرين .

الإسلام هو الخلاص للبشرية ، والشافي لها من أمراض العصر ، وفيه الحل لمشكلات المجتمعات المختلفة .

لقد سقطت الشيوعية في مزبلة التاريخ على الرغم من كل ما أحاطوها به من دعايات .

بقي الإسلام الذي حاول الشيوعيون طمسه ، بل تعاظم دوره واتسعت رقعته اليوم في روسيا وغير روسيا ، وفي هذا درس وعبرة لمن أراد أن يعتبر .

 

أستاذة جامعية درست الطب في ثلاث جامعات

 

48-الشهيدة المفكرة الأسبانية ماريا ألاسترا

 

ولدت في الأندلس عام 1949م ، حصلت على إجازة في الفلسفة وعلم النفس من جامعة مدريد ، واعتنقت الإسلام عام 1978م ، وكانت تدير مركز التوثيق والنشر في المجلس الإسلامي ، استشهدت في غرناطة عام 1998م على يد حاقد إسباني بعد لحظات من إنجاز مقالها (مسلمة في القرية العالمية) . ومما كتبت في هذا المقال الأخير : "إنني أؤمن بالله الواحد ، وأؤمن بمحمد نبياً ورسولاً ، وبنهجه نهج السلام والخير … وفي الإسلام يولد الإنسان نقياً وحراً دون خطيئة موروثة ليقبل موقعه وقَدره ودوره في العالم" . "إن الأمة العربية ينتمي بعض الناس إليها ، أما اللغة العربية فننتمي إليها جميعاً ، وتحتل لدينا مكاناً خاصاً ، فالقرآن قد نزل بحروفها ، وهي أداة التبليغ التي استخدمها الرسول محمد صلي الله عليه وسلم" . "تُعد التربية اليوم أكثر من أي وقت آخر ، شرطاً ضرورياً ضد الغرق في المحيط الإعلامي ، فصحافتنا موبوئة بأخبار رهيبة ، لأن المواطن المذعور سيكون أسلس قياداً ، وسيعتقد خاشعاً بما يُمليه العَقَديّون ! - عن مقال (مسلمة في القرية العالمية) ترجمة صلاح يحياوي ، مجلة (الفيصل) العدد (291) عام 2000م - رحمها الله وأدخلها في عباده الصالحين .

 

صَبورة أُوريبة (ماريا ألاسترا)


49-الكاتبــة الأمريكية مارجريت ماركوس

 

أمريكية من أصل يهودي ، وضعت كتباً منها (الإسلام في مواجهة الغرب) ، و(رحلتي من الكفر إلى الإيمان) و(الإسلام والتجدد) و(الإسلام في النظرية والتطبيق) . تقول : "لقد وضع الإسلام حلولاً لكل مشكلاتي وتساؤلاتي الحائرة حول الموت والحياة وأعتقد أن الإسلام هو السبيل الوحيد للصدق ، وهو أنجع علاج للنفس الإنسانية". "منذ بدأت أقرأ القرآن عرفت أن الدين ليس ضرورياً للحياة فحسب ، بل هو الحياة بعينها ، وكنت كلما تعمقت في دراسته ازددت يقيناً أن الإسلام وحده هو الذي جعل من العرب أمة عظيمة متحضرة قد سادت العالم". "كيف يمكن الدخول إلى القرآن الكريم إلا من خلال السنة النبوية ؟! فمن يكفر بالسنة لا بد أنه سيكفر بالقرآن" . "على النساء المسلمات أن يعرفن نعمة الله عليهن بهذا الدين الذي جاءت أحكامه صائنة لحرماتهن ، راعية لكرامتهن ، محافظة على عفافهن وحياتهن من الانتهاك ومن ضياع الأسرة"-عن(مقدمات العلوم والمناهج) للعلامة أنور الجندي ( مجلد6/ ص199 )-.

 

مريــم جميلــة (مارجريت ماركوس)

 

50-الكاتبة البريطانية ايفلين كوبلد

 

شاعرة وكاتبة ، من كتبها (البحث عن الله) و(الأخلاق) . تقول : "يصعب عليَّ تحديد الوقت الذي سطعت فيه حقيقة الإسلام أمامي فارتضيته ديناً ، ويغلب على ظني أني مسلمة منذ نشأتي الأولى ، فالإسلام دين الطبيعة الذي يتقبله المرء فيما لو تُرك لنفسه"."لما دخلت المسجد النبوي تولّتني رعدة عظيمة ، وخلعت نعلي ، ثم أخذت لنفسي مكاناً قصّياً صليت فيه صلاة الفجر ، وأنا غارقة في عالم هو أقرب إلى الأحلام … رحمتك اللهم ، أي إنسان بعثت به أمة كاملة ، وأرسلت على يديه ألوان الخير إلى الإنسانية !".

وقــلــــت أســارعُ ألقــى النبــيّ

تعطّرت ، لكن بعطرِ المدينـــهْ

وغامـــت رؤايَ وعــدتُ ســـوايَ

وأطلقتُ روحاً بجسمي سجينهْ

سجدتُ ، سموتُ ، عبرتُ السماء

وغادرتُ جسمي الكثيف وطينهْ

مدينـــةُ حِبّـــي مــراحٌ لقلــبـــي

سـناءٌ ، صفاءٌ ، نقــاءٌ ، ســكينهْ

(ديوان (أحبك ربي) د.عبد المعطي الدالاتي ص (45))

 "لم نُخلق خاطئين ، ولسنا في حاجة إلى أي خلاص من المسيح عليه السلام ، ولسنا بحاجة إلى أحد ليتوسط بيننا وبين الله الذي نستطيع أن نُقبل عليه بأي وقت وحال"

 

*المصدر: "من كتاب " ربحت محمدا ولم أخسر المسيح" د.عبدالمعطي الدالاتي

 

من مقولاتها في كتابها البحث عن الله:

".. وذكرتُ أيضًا ما جاء في القرآن عن خلق العالم وكيف أن الله سبحانه وتعالى قد خلق من كل نوع زوجين، وكيف أن العلم الحديث قد ذهب يؤيد هذه النظرية بعد بحوث مستطيلة ودراسات امتدت أجيالاً عديدة" ( البحث عن الله ، ص 45).

 

"إن أثر القرآن في كل هذا التقدم [الحضاري الإسلامي] لا ينكر، فالقرآن هو الذي دفع العرب إلى فتح العالم، ومكّنهم من إنشاء إمبراطورية فاقت إمبراطورية الإسكندر الكبير، والإمبراطورية الرومانية سعة وقوة وعمرانًا وحضارة.." ( البحث عن الله ، ص 51).

 

"الواقع أن جمل القرآن، وبديع أسلوبه أمر لا يستطيع له القلم وصفًا ولا تعريفًا، ومن المقرر أن تذهب الترجمة بجماله وروعته وما ينعم به من موسيقى لفظية لست تجدها في غيره من الكتب. ولعل ما كتبه المستشرق جوهونسن بهذا الشأن يعبر كل التعبير عن رأي مثقفي الفرنجة وكبار مفكريهم قال: (إذا لم يكن شعرًا، وهو أمر مشكوك به، ومن الصعب أن يقول المرء بأنه من الشعر أو غيره، فإنه في الواقع أعظم من الشعر، وهو إلى ذلك ليس تاريخًا ولا وصفًا، ثم هو ليس موعظة كموعظة الجبل ولا هو يشابه كتاب البوذيين في شيء قليل أو كثير، ولا خطبًا فلسفية كمحاورات أفلاطون، ولكنه صوت النبوة يخرج من القلوب السامية، وإن كان عالميًا في جملته، بعيد المعنى في مختلف سوره وآياته، حتى إنه يردد في كل الأصقاع، ويرتل في كل بلد تشرق عليه الشمس"

( البحث عن الله ، ص 111 – 112).

 

"أشار الدكتور مارديل المستشرق الفرنسي الذي كلفته الحكومة الفرنسية بترجمة بعض سور القرآن، إلى ما للقرآن الكريم من مزايا ليست توجد في كتاب غيره وسواه فقال: (أما أسلوب القرآن فإنه أسلوب الخالق عز وجل وعلا، ذلك أن الأسلوب الذي ينطوي عليه كنه الكائن الذي يصدر عنه هذا الأسلوب لا يكون إلا إلهيًا. والحق والواقع أن أكثر الكتاب ارتيابًا وشكًا قد خضعوا لتأثير سلطانه وسحره، وأن سلطانه على ملايين المسلمين المنتشرين على سطح المعمور لبالغ الحدّ الذي جعل أجانب المبشرين يعترفون بالإجماع بعدم إمكان إثبات حادثة واحدة محققة ارتد فيها أحد المسلمين عن دينه إلى الآن. ذلك أن هذا الأسلوب.. الذي يفيض جزالة في اتساق منسق متجانس. كان له الأثر العميق في نفس كل سامع يفقه اللغة العربية، لذلك كان من الجهد الضائع الذي لا يثمر أن يحاول المرء [نقل] تأثير هذا النثر البديع الذي لم يسمع بمثله بلغة أخرى.." ( البحث عن الله ، ص 112 – 113).

 

"الواقع أن للقرآن أسلوبًا عجيبًا يخالف ما كانت تنهجه العرب من نظم ونثر، فَحُسنُ تأليفه، والتئام كلماته، ووجوه إيجازه، وجودة مقاطعه، وحسن تدليله، وانسجام قصصه، وبديع أمثاله، كل هذا وغيره جعله في أعلى درجات البلاغة، وجعل لأسلوبه من القوة ما يملأ القلب روعة، لا يمل قارئه ولا يخلق بترديده.. قد امتاز بسهولة ألفاظه حتى قلّ أن تجد فيها غريبًا، وهي مع سهولتها جزلة عذبة، وألفاظه بعضها مع بعض متشاكلة منسجمة لا تُحِسُّ فيها لفظًا نابيًا عن أخيه، فإذا أضفت إلى ذلك سموّ معانيه أدركت بلاغته وإعجازه" ( البحث عن الله ، ص 113).

 

51-العالمة الكندية صوفي بوافير

 

ماجستير في تعليم الفرنسية والرياضيات .

تمثل قصة إسلام السيدة (سلمى بوافير) نموذجاً للرحلة الفكرية الشاقة التي مر بها سـائر الذين اعتنقوا الإسلام ، وتمثل نموذجاً للإرادة القوية ، والشـجاعة الفكرية وشجاعة الفكر أعظم شجاعة . تروي السيدة سلمى قصة اهتدائها إلى الإسلام فتقول باعتزاز : "ولدت في مونتريال بكندا عام 1971 في عائلة كاثوليكية متدينة ، فاعتدت الذهاب إلى الكنيسة ، إلى أن بلغت الرابعة عشرة من عمري ، حيث بدأت تراودني تساؤلات كثيرة حول الخالق وحول الأديان ، كانت هذه التساؤلات منطقية ولكنها سهلة ، ومن عجبٍ أن تصعب على الذين كنت أسألهم ! من هذه الأســئلة : إذا كان الله هــو الذي يضــر وينفع ، وهو الذي يعطي ويمنع ، فلماذا لا نسأله مباشرة ؟! ولماذا يتحتم علينا الذهاب إلى الكاهن كي يتوسط بيننا وبين من خلقنا ؟! أليس القادر على كل شيء هو الأولى بالسؤال ؟ أسئلة كثيرة كهذه كانت تُلحُّ علي ، فلمّا لم أتلق الأجوبة المقنعة عنها توقفت عن الذهاب إلى الكنيسة ، ولم أعد للاستماع لقصص الرهبان غير المقنعة ، والتي لا طائل منها . لقد كنت أؤمن بالله وبعظمته وبقدرته ، لذلك رحت أدرس أدياناً أخرى ، دون أن أجد فيها أجوبة تشفي تساؤلاتي في الحياة ، وبقيت أعيش الحيرة الفكرية حتى بدأت دراستي الجامعية، فتعرفت على شاب مسلم تعرفت من خلاله على الإسلام، فأدهشني ما وجدت فيه من أجوبة مقنعة عن تساؤلاتي الكبرى ! وبقيت سنة كاملة وأنا غارقة في دراسة هذا الدين الفذ ، حتى استولى حبه على قلبي ، والمنظر الأجمل الذي جذبني إلى الإسلام هو منظر خشوع المسلم بين يدي الله في الصلاة ، كانت تبهرني تلك الحركات المعبرة عن السكينة والأدب وكمال العبودية لله تعالى . فبدأت أرتاد المسجد ، فوجدت بعض الأخوات الكنديات اللواتي سبقنني إلى الإسلام الأمر الذي شجعني على المضي في الطريق إلى الإسلام ، فارتديت الحجاب أولاً لأختبر إرادتي ، وبقيت أسبوعين حتى كانت لحظة الانعطاف الكبير في حياتي ، حين شهدت أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله . إن الإسلام الذي جمعني مع هذا الصديق المسلم ، هو نفسه الذي جمعنا من بعد لنكون زوجين مسلمين ، لقد شاء الله أن يكون رفيقي في رحلة الإيمان هو رفيقي في رحلة الحياة" .

 

*المصدر: "من كتاب " ربحت محمدا ولم أخسر المسيح" د.عبدالمعطي الدالاتي

 

52-الفيلسوف الفرنسي رينيه جينو

 

عبدالواحد يحيي (رينيه جينو) عالم وفيلسوف وحكيم ، درس الأديان عامة ، ثم اعتنق الإسلام ، فأحدث إسلامه ضجة كبرى في أوربة وأمريكا ، وكان سبباً في دخول الكثيرين إلى الإسلام .

ألف الكثير من الكتب منها (أزمة العالم الحديث) و(الشرق والغرب) و(الثقافة الإسلامية وأثرها في الغرب) ، كما أصدر مجلة سماها (المعرفة).

وقد ترجمت كتبه إلى كثير من اللغات الحية ، وبسبب قدرة أفكاره على الاكتساح فقد حرَّمت الكنيسة قراءة كتبه ! ولكنها كتبه انتشرت في جميع أرجاء العالم .

وممن تأثر بكتاباته الكاتب الفرنسي المشهور أندريه جيد الذي كتب يقول :

" لقد علمتني كتب جينو الكثير ، وإن آراءه لا تُنقَض" .

يقول عبد الواحد يحيى :

"أردت أن أعتصم بنص لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، فلم أجد بعد دراسة عميقة ، سوى القرآن".

"لقد ابتعدت أوربة عن طريق الله فغرقت في الانحلال والدمار الخلقي والإلحاد، ولولا علماء الإسلام لظل الغربيون يتخبطون في دياجير الجهل والظلام" .

 

53-الباحثة الأمريكية بربارا براون

 

كانت الكاتبة الأمريكية "بربارا براون" من بين المنضمين الى رحاب الإسلام، في التسعينات. وبهذا تكون قد توصّلت الى السلام الداخليّ مع نفسها، وطوت صفحة من حياتها دامت مدة سبع وثلاثين سنة كانت تائهة في ضباب الارتياب بخصوص الله والطريقة الصحيحة لعبادته، حتّى استطاعت في عام 1991م أن تكتشف الإسلام، على حسب تعبيرها.

وعن نشأتها كمسيحيّة وخلفيّات تحوّلها الى الإسلام تقول براون: "لقد نشأتُ كمسيحيّة وترعرعتُ في كنف طائفة بروتستانتيّة تُعرف بـ "عقيدة المسيحية الاصلاحية CHRISTIAN REFORMED FAITH، ورغم الخلفية الدينيّة الشاملة:

صلاة في الكنيسة مرتين كلّ يوم أحد وفي العطلات، وتعليم مسيحي خاص يوم الأحد، ومدارس صيفيّة لدراسة الكتاب المقدّس، ومعسكرات دينيّة، ودروس عقائديّة كنسيّة ومجموعات شباب مسيحيّة، فقد وجدتُ نفسي أواجه أسئلة عديدة، بخصوص اُسس عقيدتي، لم يستطيع أي شخص ولا أيّة طريقة من التعليم الدينيّ أن تجيب عليها. ولمدّة سبع وثلاثين سنة، كنتُ تائهة في ضباب هذا الارتياب بخصوص الله والطريقة الصحيحة لعبادته حتّى استطعت في عام 1991م أن أكتشف الإسلام".

وتواصل الكاتبة الأمريكية كلامها:

"لقد كان نزاع (عاصفة الصحراء) في الشرق الأوسط على أشدّه. وبجوار كتب استراتيجيّة الحروب والأسلحة في مكتبة محليّة، كان هناك كتاب صغير عنوانه (فَهمُ الإسلام) (UNDERSTANDING ISLAM)، وتصفّحت الكتاب بنفس فضول البعض، في ذلك الوقت، حول هذا الدّين (الغامض) من الشرق الأوسط، وتحوّل الفضول بسرعة الى اندهاش، عندما عرفتُ من خلال صفحات ذلك الكتاب أنّ الإسلام أعطاني الأجوبة لتلك الأسئلة التي كانت تنتابني طيلة تلك السنين _ولم أضيّع كثيراً في الوقت _ لقد أصبحتُ مسلمة. وأخيراً فلقد توصّلتُ الى ذلك الهدف، وهو أن أكون في سلام داخلي نفسي بخصوص علاقتي مع الله".

بما أنّ الله قد وهبها الامكانيّة لأن تُعبّر عن نفسها وأفكارها ببلاغة على صفحات الورق، فانّها حاولت أن تُخاطب الآخرين الذين يعانون من نفس تلك الشكوك التي تطوف في مخيّلاتهم بخصوص الدِّين؛ وكان الأمل الذي يحدوها هو كما تقول:

"انّني ربّما أستطيع أن أوجّههم نحو بعض الأجوبة. أنّ المادّة التي أقدّمها هنا يمكن أن تفاجىء البعض وربما تصدمهم عندما يقرؤونها، ولكن البحث عن الحقيقة ليس سهلاً، وخصوصاً في مواجهة العقائد والمبادىء التي اعتنقناها لآماد طويلة".

وفي هذا الاتجاه، بدأت عملها بكتابة بعض المقالات، وأبرزها:

1_ ثلاثة في واحد: نظرة الى العقيدة المسيحيّة في التثليث، وقد طُبعت في بداية عام 1993، من قِبَل مدرسة شيكاغو المفتوحة .THE OPEN SCHOOL OF CHIAGO

2_ مقالة عنوانها: نظرة عن قرب نحو الدّيانة المسيحيّة، وهي دراسة عن العقائد المسيحيّة.

3_ مقالة عنوانها: حالة في الفساد، وهي دراسة في تحريف النص في الكتاب المقدّس.

وفـي آذار (مارس) 1993م، أقدمت الكاتبـة "بربارا براون" علـى تجميـع المقالات الآنفة الذكـر مـع بحوث اضافية (لأنّها واظبت على الاكثار من القراءة) وطبعتها في كتاب صـدر بالانجليزيّة عـام 1993م تحت عنوان: (A CLOSER LOOK AT CHRISTLANITY) . وتُرجم الى العربية عام 1995م، بعنوان "نظرة عن قرب في المسيحيّة".

"أن نكون في سلام مع أنفسنا بخصوص الله: هذه ببساطة، هي الفكرة وراء هذا البحث كلّه".

بهذه العبارة صدّرت "بربارا براون" مقدّمة كتابها المذكور، ومضت بالقول: "أنّ الكثير منّا يعيش حياته راضياً بقبول الأشياء (كما هي)، فنضرب صفحاً عن الأسئلة الصغيرة المنكّدة والشكوك التي تتوارد على أذهاننا وخصوصاً في القضايا المتعلّقة بالدّين. نعم انّنا نستطيع أن نمضي هكذا في رحلة الحياة، ولكنّنا لا نستطيع أبداً أن نصل الى تلك الحالة من السّلام داخل نفوسنا.

والبعض منّا، مع ذلك لا يكتفون أن يأخذوا الأشياء بسطحيّة، فيبحثون بجدّ عن أجوبة تلك الأسئلة التي تعترضنا في طريق الحياة. فنحن نضع موضع التساؤل عقائد آبائنا ولسنا مستعدّين لأن نقنع بالقبول الأعمى. وهذا الطريق ليس من السّهل أن نسير عليه بأي حال، ولكن المكافأة هي التي تستأهل منّا هذا الجهد".

وتختتم الكاتبة المهتدية مقدّمة كتابها بالقول:

"انّي لآمل في الصفحات التالية أن تُتاح الفرصة للقرّاء ليُبصروا وجهة النظر حول المسيحيّة كما تيسّر لي أن أفهمها".

وبهذه الثقة الكبيرة والأمل المشرق خاضت "بربارا" العديد من القضايا المهمّة والاثارات الحسّاسة، على صعيد المعتقدات المسيحيّة. ففي البداية تطالعنا بعنوان "ميثاق يصيبه الانحراف" تُسلّط فيه الأضواء السريعة، ولكنّها كاشفة، على مرحلة ارهاصات ظهور المسيح، مؤكّدة:

لأجل أن نفهم الرسالة الحقيقية للمسيح، يجب علينا أن نعود الى التاريخ قبل ظهور المسيح لنجد لماذا اُرسل المسيح أصلاً، لتخلص الى أنّ اليهود قد انحرفوا، مرّة أخرى، عن التوحيد، ولكنّ انحرافهم عن التوحيد في هذه المرّة قد تمّ تحت غطاء كثيف من الطقوس والشعائر المعقّدة. انّ هذا كان هو الموقف السائد في العالم عندما تلقّى عيسى دعوته من الله.

وعن "رسالة المسيح" السماويّة، وكيف طرأ عليها التغيير أو التحريف فجأة عندما ظهر على المسرح واعظ ادّعى بأنّه يتكلّم باسم المسيح، بعد سنوات قليلة فقط من (رحيل) المسيح. ذلك هو الشاب اليهوديّ "شاؤول" المولود في طرطوس، والعضو في طائفة يهوديّة تسمّى الفريسيين التي تتميّز بتمسّكها الأعمى بالمظاهر والطقوس..

وبالرغم من أنّ الديانة المسيحيّة تأخذ اسمها من عيسى المسيح، فانّ شاؤول الذي غيّر اسمه الى بولص يجب أن يُعتبر هو مؤسّسها الحقيقيّ.. والمسيحيّون لا ينكرون ذلك أيضاً.. ولكن هناك مشكلة كبيرة.. وهي أنّ تعاليم بولص _المؤسس الحقيقي للمسيحيّة _ لا يمكن العثور عليها في أيّ مكان من تعاليم عيسى أو في تعاليم الأنبياء الذين سبقوه. ليس هذا فقط ولكنّ بولص لم يكن له إلاّ اتصال قليل مع الحواريين الحقيقيين لعيسى والذين كان من الممكن أن يوجّهوه الى الطريق الصحيح. فهؤلاء لم يكونوا على وفاق مع تعاليم بولص المبتكرة وأخبروه بذلك كلّما كان ذلك ممكناً.

وفي النهاية، على أيّ حال، فانّ نوع المسيحيّة التي نادى بها بولص انّما أحرز فيها النجاح بفضل شخصيّته السّاحرة، إضافة الى حقيقة أنّه وأصحابه غلبوا الحواريين الحقيقيين لعيسى في أمور مهمّة كالوجاهة الاجتماعيّة والثروة والتعليم، ولذلك حصل على أتباع كثيرين من بين السكّان غير اليهود. فالمسيحيّة _ اليهوديّة، أي عقيدة حواريي عيسى لم تكن لها أيّة فرصة للنهوض.

بعد ذلك، تمضي بربارا براون في إلقاء نظرة من قرب على كلّ البدع التي أدخلها بولص في "ديانته" المسيحيّة كالتثليث، والخطيئة، وإلوهيّة عيسى وموته، والخلاص.. الخ لتنتهي الى أنّ الإسلام هو الدين الحق، فهو دين بسيط ليس مدفوناً تحت تعقيدات غامضة وغير منطقيّة من العقائد، وليس في الإسلام كهنوت ولا قدّيسون ولا مراتب دينيّة ولا قرابين مقدّسة. أنّ اللاهوت لا مكان له في الإسلام، لأنّ الإسلام طريقة حياة وليس حفنة من الكلمات.

وهكذا يتضح أن الإسلام هو الحل الناجع الوحيد الذي لا مناص للبشريّة المعذّبة أن تأوي _ذات يوم _ الى كنفه، طال الوقت أم قصر.

 

54-أستاذ الفلسفة الجامعي الفرنسي روبرت بيرجوزيف

 

أستاذ سابق للفلسفة بالجامعات الفرنسية، وله العديد من الكتب في مجال الفلسفة والتوحيد... اعتنق الإسلام بعد دراسة جادة مضنية أوصلته إلى اقتناع كامل به كدين قائم على التوحيد _على عبادة الله الاحد...

وعلى حد تعبيره كان من فضل الله عليه أن مَنَّ الله عليه بالإسلام مكافأة من الله له على ما بذله في سبيل تحصيل العلوم المختلفة، وخاصة اجتهاده في الفلسفة والتوحيد، فضلاً عن إلمامه الكبير في مختلف فروع المعرفة.

ويسترسل الدكتور في حديثه فيقول:

"إنه بلا شك أن الإسلام _وهو دين العلم والمعرفة _ يدعو معتنقيه إلى التزود بالعلم به، ولا غَروَ في ذلك، فإن أول آية من القرآن الكريم هي قوله تعالى لرسوله الكريم: (اقرأ بِاسمِ رَبّكَ الّذي خَلَق). والنبي الكريم يقول: "اطلبوا العِلمَ ولو كان في الصين"، فمن تجاربي الشخصية فإني أؤمن إيماناً لا يتزعزع بأن الفرد الذي يخلص في أبحاثه للحصول على العلم في أي فرع من فروعه لخدمة المجتمع، ولخير البشرية جمعاء، فإن الله سبحانه وتعالى سيجازيه خير الجزاء على كل ما يقدمه من خير لمجتمعه، فالله يقول في سورة الزلزلة:

(فَمن يعمَل مِثقالَ ذَرَّةٍ خيراً يَرَه...).

وبالنسبة لي فإنني لم أكتف بدراستي الخاصة في الفلسفة، بل إنني حاولت في شتى فروع المعرفة، وخاصة في إثبات وحدانية الله خالق كل شيء، ومدبر كل شيء في هذا الكون، الذي تهدده الحضارة المادية الإلحادية التي تكاد تقضي على كل ما توارثته الأجيال الماضية والحاضرة من تقدم وازدهار. فسلاح العلم وحده لا يُستخدم إلا في الخير والبناء، لا في الدمار والخراب، وذلك هو الأمل لأبناء البشرية جمعاء للوصول إلى الحقيقة الكبرى، وإلى خلاص العالم من مشاكله.

فالعلم والبحث كانا سبباً في انبثاق إشراقة الأمل ونور الحق، وإنارة الطريق أمامي.. ويهدني ربي إلى الصراط المستقيم، ويرشدني إلى بر الامان، وينقذني من العذاب الشديد الذي كنت أعانيه نتيجة الصراع العنيف الذي كان يدور في نفسي، ولا ريب في هذا الكلام، فإنني أعتقد بأن الإسلام _وهو شريعة الله والحق _ معناه السلام، بكل ما تحتويه هذه الكلمة من معانٍ كبيرة، وأولها السلام بين الشخص ونفسه.

فالنفس _وهي الأمارة بالسوء _ لا تستطيع أن تسيطر عليها وتوجهها إلى خير الفرد والمجتمع، إلا الشريعة الإسلامية ومبادئها السمحاء.

فالشهادة تعني أن لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.. تعني أن الناس جميعاً متساوون، لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى...

واتصال العبد مباشرة بخالقه خمس مرات يوميّاً _في صلاته _ زادٌ يومي يُذَكّرَهُ بوجود الخالق، ويدعوه إلى إتباع ما دَعَا إليه، واجتناب ما نَهى عنه... (كُنتم خَيرَ أُمَّةٍ أخرجَت للنَّاسِ تأمُرُونَ بالمعروفِ وتَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ...).

والزكاة تُوحدُ بين القلوب، وتقضي على الحقد والبغض والحسد، فتقرب بين المسلمين وتجعلهم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً.

وصيام رمضان يعتبر تدريباً للنفس لكبح جماحها...

وخروج الفرد من زينة الدنيا في الحج يذكره بيوم الحشر والحساب...

فهذه المباديء تستطيع إقامة المجتمع المثالي الذي ظل يبحث عنه منذ نشأته... ولذا فإنني أدعو كل إنسان أن يبحث عن حقيقة الإسلام ومبادئه المختلفة، ولا يتأثر بالادعاءات الكاذبة التي يرددها المغرضون وأصحاب الأغراض الشخصية، فالطريق مفتوح أمام كل إنسان للنظر في كتاب الله وسنة رسوله، وليحكم بعد ذلك بما يمليه عليه ضميره.

ثم يقول الدكتور الجامعي الذي أسلم: إن شيئاً فعلته بعد اعتناقي للإسلام، هو محاولة زيارة الدول الإسلامية لدراسة أحوال معيشتهم، والتعرف عليهم، ولقد سعدت كثيراً بزيارة المملكة العربية السعودية، والكويت، ومصر وغيرها، وكنت دائماً أحس بالبيئة الإسلامية التي أفتقدها ويفتقدها كل مسلم يعيش في بلاد الغرب.

ثم يستطرد قائلاً: إنني الآن أقوم بمحاولة إعداد كتاب باللغة الفرنسية عن الشريعة الإسلامية، وتاريخ الإسلام والمسلمين، ودور علماء المسلمين الاوائل في العلوم والفنون المختلفة.

ثم اختتم حديثه وهو في حالة من النشوة والزهو وهو يقول:

أود أن أطلب من المسلمين أن يفتخروا بأنهم مسلمون، وأن يكونوا خير مثل لهذه الشريعة الخالدة، وأن يكونوا جديرين بأن يحملوا هذه العقيدة.

وأحب أن أذكر هنا مثلاً يبين لهم أهمية تمسكهم بدينهم دون التأثر بما يجري من حولهم، وهو أن أصحاب الأعمال هنا يفضلون المسلمين المتمسكين بدينهم، نظراً لأنهم يكونون على خُلُق طَيّبٍ، وإخلاص تام للأعمال التي يقومون بها، فضلاً عن أن سلوكهم الاجتماعي يجبر الجميع على احترامهم وتقديرهم، واحترام وتقدير عقيدتهم.

كما أطلب من الدول الإسلامية _وخاصة مصر _ أن تتحمل المسئولية الكبرى لخدمة الإسلام والمسلمين في العالم أجمع، كأن تهتم مثلاً بتوزيع المطبوعات الإسلامية التي تتناول الأسس والمبادىء الإسلامية بالأسلوب العلمي المبسط، وباللغات المختلفة... وأن تهتم بالقرآن الكريم وترجمته للشعوب غير الناطقة بالعربية، والاهتمام أيضاً بأسطوانات وتسجيلات تعليم الصلاة للمسلمين في الدول الغربية بصفة عامة، وفي فرنسا بصفة خاصة، حتى يمكننا _نحن الأوربيين دراسة ومعرفة هذا الدين الحنيف.. كما يمكننا نحن الذين أسلمنا أن نُعَرّف إخواننا غير المسلمين به، ولكل طالب علم ومعرفة، والله يهدي من يشاء من عباده.

 

55-عالم النفس الألماني فيلي بوتولو

 

هو أستاذ علم النفس بجامعة "ميونيخ" بألمانيا الغربية... درس القرآن وتعمق في دراسة التصوف الإسلامي بحكم تخصصه كباحث في الظواهر المختلفة في الأديان.. جذبه الإسلام الذي شعر تجاهه براحة نفسية، ويعبر عن ذلك بقوله:

"إنني وجدتُ في الإسلام راحة نفسية، لم تفتقدها ألمانيا الغربية فحسب، وإنما تفتقدها أوربا كلها".

ثم يسرد قصة إسلامه فيقول:

"إن شعوري بانجذاب للإسلام كان منذ فترة طويلة.. ولكن أراد الله تعالى أن يكون عملي كأستاذ لعلم النفس بجامعة "ميونيخ" مدخلاً لاعتناقي دين الإسلام... فمن خلال عملي بدأت مرحلة البحث والدراسة حول الأديان كافة لمختلف دول العالم، والظواهر الغربية في كل الأديان.

وعند دراسة الإسلام شد انتباهي ما وجدته في القرآن أولاً، وفي التصوف ثانياً، من شرح لأصول العقيدة ومناهج الإسلام، فعكفت على دراسة التصوف فترة غير قصيرة، حتى انتهيت إلى حقيقة مهمة وهي أن الإسلام يهتم بعلاج الإنسان ظاهراً وباطناً.. فهو دين يدعو إلى نظافة الظاهر وطهارة الباطن، ويربي في الإنسان حب الأخوة والترابط والتآلف، بعكس ما نجده في المجتمعات الغربية، حيث يعيش كل إنسان في عالمه الخاص، لا تربطه بالمجتمع روابط روحية أو علاقات دينية، كما يحدث عند المسلمين.

وعرفت من خلال دراستي للتصوف أن المتصوفة يجتمعون لذكر الله، ويلتقون على حُبّه، ويسيرون في طريق النقاء الروحي والوجداني، ويتلون أوراداً معينة بعد كل صلاة، مما يجعلهم مشدودين دائماً إلى تعاليم السماء.

ثم يصمت برهة ليتأمل ما حوله ليقول بعدها:

"من الصعب أن تجد في أوربا مجتمعاً يتسم بهذه الصفات، ولهذا وجدتُ نفسي مدفوعاً الى اعتناق الإسلام... ولكنني رأيت من الضروري والضروري جداً _أن أظل مسلماً في السر لمدة عام كامل، لأنك إن أردت أن تدخل الإسلام في بلد كل وسائل الإعلام فيه موجهة ضد هذا الدين الحنيف، لكان ذلك صعباً جداً ولكن بعد أن رسخت العقيدة في نفسي أعلنت إسلامي بصراحة، ولم أخش الذين يُحاربون الإسلام.

ثم اختتم قوله بحماس _وهو يشير بأصبعه إلى بعيد:

"إنني أؤكد أنه بدون القرآن، وبدون التصوف(1) الذي يُعَدُّ فرعاً من علم النفس الذي أدرسه في الجامعة لم يكن بمستطاعي أن أُغيرَ ديني ولذا فلقد غيرت ديني عن ثقة واقتناع تام..".

ثم إبتسم ابتسامة عريضة وهو يقول:

"لقد تغيرت حياتي اليومية بعد الإسلام تماماً، وانتظمت انتظاماً عجيباً، فقد كانت في الماضي بلا هدف، أما الآن فقد أصبح لها معنى، ولها هدف ولها حلاوة... لقد أصبحتُ أخاف الله في كل تصرفاتي، وأعرف أن لي ربّاً سوف يحاسبني فيما أفعله في أي وقت".

____

1_ يلاحظ أن اختياره لاسم "أبي الحسن" بالذات لأنه أحبَّ القطب الصوفي الكبير أبا الحسن الشاذلي، كما أوضح في ثنايا حديثه.

 

56-أستاذ الصحافة الأمريكي مارك شليفر

 

هو أستاذ علم الصحافة بجامعة "نيويورك"... لم يكن ملتزماً بدين معين، مع أنه ينتمي إلى أسرة مسيحية كاثوليكية... كان يعمل بالمغرب مراسلاً للإذاعة الأمريكية، ولعدد من المجلات في "نيويورك"... وعن إقامته بالمغرب يقول:

".. كانت فترة إقامتي بالمغرب مفتاح السعادة لي ولأسرتي، فقد رأيتُ عالماً جديداً يختلف كليةً عن العالم الذي تركته خلفي في الولايات المتحدة الأمريكية، وما لمسته عن كثب من جمال وروعة السلوك الإسلامي شدني إلى شريعة الحق...".

ويستطرد في حديثه ليذكر موقفاً قد تعرض له فيقول:

"تعثرت قدمي في حفرة ذات يوم حينما خرجت لأول مرة إلى سُوق شعبي بمدينة الرباط، وعلى الفور وجدتُ عدداً من المغاربة يسارعون إليَّ لمساعدتي على النهوض، ويسألونني في لهفة عمّا إذا كنت قد أُصبت بسوء!!".

ثم أردف هذا الموقف بما حدث له أثناء فترة مرضه قائلاً:

"ومرضتُ ذات مرة فوجدت عشرات من جيراني ومعارفي يأتون لزيارتي، ويحاول كل منهم أن يصنع لي شيئاً، فدهشت لهذا السلوك الإنساني الذي لم أجد له نظيراً في بلدي أمريكا، حيث الكل لا يهتم إلا بنفسه، وطابع الحياة المادية البحتة هناك يصبغهم جميعاً بالأنانية، ولهذا لايكترثون بما يصب الآخرين، فالمرء عندنا يكون محظوظاً إذا ساعده أحدٌ أو زاره أهله في أثناء مرضه، أو حتى سألوا عنه... ولذا فإنني حين سألتهم عن الدافع الذي يحملهم على صنع كل هذا من أجلي بدون مقابل؟!... أجابوا جميعاً: إن هذا هو ما يفرضه عليهم دينهم الإسلامي، ويأمرهم به رسولهم العظيم محمد (ص).

ثم يستطرد قائلاً:

"إنه بعد مناقشات طويلة واسعة مع عشرات من علماء الإسلام تعلمت خلالها الكثير من أمور الإسلام، فازداد إعجابي به أكثر، ومع مرور الوقت وجدت عقيدة التوحيد تملأ عقلي وقلبي... ومن ثم انكببت أدرس ترجمة لمعاني القرآن الكريم، وأستوعب ما بها حتى وجدت نفسي تتوجه إلى الله أن يهديني إلى الطريق المستقيم".

ويمتد نظره إلى بعيد سارحاً في أعماق نفسه وكأنه يسير أغوارها ليقول وهو يهز رأسه:

".. وبينما أقلب صفحات القرآن الكريم إذا بي أطالع تفسير الآيتين الكريمتين:

(لا تُدركُهُ الأبصارُ وهُوَ يُدرِكُ الأبصارَ وهوَ اللَّطيفُ الخبيرُ* قد جاءَكُم بصائر من ربّكُم فَمَن أبصرَ فلِنفسهِ ومن عَمىَ فعليها وما أنا عليكُم بحفيظٍ) (الأنعام/ 103_104).

عندئذ لم اتمالك نفسي، ووجدت الدموع تنهمر من عيني، ومن ثم أيقنت أن هذه إشارة صريحة من الله عز وجل ترشدني إلى الإسراع في اعتناق الدين الإسلامي الحنيف، واللحاق بركب الموحدين، وعلى الفور حزمت حقائبي، وسافرت إلى أمريكا حيث أشهرتُ إسلامي أنا وزوجتي وولدي بالمسجد الكبير في "نيويورك".

 

57-أستاذ الأدب البريطاني جان مونرو

 

أستاذ الأدب الإنجليزي في الجامعة الامريكية ببيروت... درس في جامعات "نورث كارولينا" و "لندن" و "تورنتو"... ووضع خمسة عشر كتاباً معظمها يدور حول المواضع التي يدرسها، فضلاً عن أنه كتب حول موضوعات متنوعة تتعلق بالحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط... وآخر كتبه هو "التجارة والإسلام في منطقة الشرق الأوسط".

|عاش بين المسلمين في لبنان عشرين عاماً بحكم عمله رئيساً لقسم الأدب الإنجليزي في الجامعة الأمريكية في بيروت... عرف في أثنائها طبيعة وسلوك المسلمين، وتبين له خطأ التصوّر الذي كان يحمله معه عند ذهابه إلى لبنان، فقد كان يسيطر على مخيلته بعض الأضاليل والافتراءات على الإسلام والمسلمين، والتي كانت منتشرة بصورة كبيرة في الغرب، مثال ذلك أن الحرب المقدسة عند المسلمين هي العدوان على كل من لا يؤمن بعقيدتهم الإسلامية... ولكنه بعد أن قرأ بإمعان التاريخ الإسلامي، اتضح له بجلاء أن الإسلام عقيدة متسامحة، ودين لا يُفرض على الآخرين بالإكراه.

ولقد تأكد من ذلك بالمعايشة الفعلية التي يعبّر عنها قائلاً:

"أريد القول: إن حظّي كان كبيراً، لأن الفرصة قد أتاحت لي الدراسة، ولكن ليس بطريقة أكاديمية، وإنما عن طريق اتصالات الصداقة مع مجموعة من الناس الذين كانت مهمتهم تنوير الناطقين بالإنجليزية بحقيقة طبيعة العقيدة الإسلامية، فضلاً عن ذلك أنني قرأت كل ما وصلت إليه يداي، كما أنني ناقشتُ مع الذين أعمل معهم بعض القضايا التي يُثار الجدل حولها... وبهذه الطريقة توصلت إلى طبيعة وحقيقة الإسلام، ليس على أنه نظام يجب دراسته _وهي الطريقة التي يتبعها معظم الغربيين في معرفة الإسلام، ولكن كعقيدة فعالة، ومنهج وطريق للحياة، وكنت في بداية الأمر مهتماً بهذه الأمور... أمّا الآن فإنني أُكنُّ كل احترام وتقدير للإسلام وأتعاطف معه.

وعن تأثير الإسلام على حياته يقول:

"إنني أعتقد أن تجربتي المشتركة مع المسلمين قد جعلتني أكثر تسامحاً من قبل... كما أن تلك التجربة قد جعلتني مدركاً لبعض الأمور التي تحيط بي أكثر من الماضي.

بالإضافة إلى هذا، أصبحتُ متفهماً لوضع المرأة في الإسلام، على عكس ما يعتقد الغربيون _بصورة خاطئة _ أن المسلمين يعتبرون النساء كائنات دنيا ووضيعة، في حين أن الحقيقة أن النساء في ظل الإسلام يتمتعن بتلك الحقوق والامتيازات التي يجب أن يتمتعن بها، يكفي أن هناك سُوَراً عديدة في القرآن الكريم تثبت وجهة نظري هذه.

وأخيراً _فإن أهم درس تعلمته من الإسلام هو عدم الجدوى من التذمر من أمور هي فوق طاقتنا لتغييرها أو تبديلها، فالإنسان ليس قادراً على كل شيء، مع أنه يتمتع بصفات خارقة تميزه عن بقية المخلوقات، ولكن عليه إدراك ضرورة الإذعان إلى قوة خارج طاقته، وأن التذمر من ذلك يؤدي إلى الفشل والإخفاق والحزن، في حين أن الإنسان الذي يدرك مكانه الحقيقي في هذا الكون يكون هادئاً مطمئناً يشعر بالراحة مع نفسه وعالمه المحيط به".

ثم عاد يكرر: إنَّ فَهمَ الإسلام لا يكون إلا بمعايشته. ويأخذ على الأوربيين أنهم لا يُعايشونه، لذلك فعندما يصلون إلى مرحلة التقييم الفكري للإسلام فإنهم يصلون إلى ذلك بواسطة طريقة أكاديمية، ولذلك فإن العديد من علماء الغرب الذين يعتنقون الإسلام يعتبرهم زملاؤهم شواذاً، لأن الأوربي العادي يعتبر الإسلام ديناً دخيلاً وغريباً أكثر من اعتباره عقيدة حيوية.

ويرى "مونرو" أنه عندما يتم استيعاب وفهم مبادىء الإسلام النبيلة يكون التعاطف معه وانتشاره.

 

58-الأستاذ الجامعي الأسباني ميجيل بيرو

 

قرأ "ميجيل بيرو" عن الإسلام الذي وضع ضوابط للسلوك ومعايير أخلاقية في المعاملات، في الوقت الذي كره الحرية المنفلتة في أوربا، والانحلال، وعدم الترابط الأسري، وكثرة الجرائم والانحرافات التي سادت المجتمعات الغربية.

ثم حدث أن إلتقى بمجموعة من الأسبانيين المسلمين، وعن طريقهم أتيح له إمكانية قراءة ترجمة معاني القرآن بالأسبانية، فاستشعر بميل قوي ودبيب حُبّ تجاه هذا الدين، فواصل قراءاته المكثفة عنه حتى اقتنع تماماً بتعاليمه ومنهاجه، بعدها قرر أن يشهر إسلامه، ويختار لنفسه اسم "نصر الدين".

يقول في مجمل حديثه عن إسلامه:

"لقد التقيت بمجموعة من الأسبانيين المسلمين، وعن طريقهم اُتيحت لي إمكانية قراءة ترجمة معاني القرآن، كما قرأت عن التراث العربي القديم فأُعجبت به، بعدها قررت أن يكون الإسلام ديني.

وقد قام أحد أصدقائي بترجمة كتاب "المحظورات" للشيخ "ياسين رشدي" واستفدت فيه كثيراً، وسمعت صوت الشيخ "عبد الباسط عبد الصمد" في قراءة القرآن وأحببته كثيراً".

ويضيف:

"وبالرغم من القليل الذي عرفته عن الإسلام فإنني أتمنى من كل قلبي أن يهتدي إليه الناسُ أجمعون، وسأعمل على الدعوة إلى الإسلام، وسوف ابتدىء بعائلتي والمقربين إليَّ إن شاء الله.

ثم يستطرد قائلاً:

"إنني أحافظ على أداء الفروض في مواقيتها، وعلى صلاة الجمعة التي أشعر براحة نفسية كبيرة عند أدائها.. وأنني أعرف أهمية خطيب المسجد، والدور الكبير الذي يقوم به تجاه المسلمين، مثل مساعدتهم على فهم القرآن الكريم، وشرح الأحاديث النبوية، بجانب إرشادهم وتجميعهم على طريق الخير والصلاح".

وعن تصوراته المستقبلية كمسلم يسعى للمزيد من العلم بدينه قال:

"إنني حريص على تعلم اللغة العربية وإتقانها حتى يتسنى لي قراءة القرآن بلغته الأصلية، وبالتالي محاولة فهم معانيه، لأن ترجمته إلى اللغات المختلفة تؤدي إلى تضارب المعنى وعدم الوضوح".

ثم يصمت فجأة ليسترجع شيئاً دفيناً في نفسه:

"إنني أنبه إلى أن الكتب التي تُرجمت إلى الأسبانية عن الإسلام ليست دقيقة في مضمونها، خصوصاً بعد ما ترجم أحد الأسبان _وهو مسيحي يدعى "جان فونت" _ معاني القرآن إلى الأسبانية بطريقة بعيدة كل البعد عن النص القرآني أو معناه.. مما جعل الذين اطلعوا على هذه الترجمة من الأسبان يقولون: إن الإسلام دين غريب، ومما يدعو للأسف والأسى ما جاء في تلك الترجمة الأسبانية على يد ذلك المترجم، وعلى الاخص سورة "الناس" التي ترجمها إلى سورة "الرجال" وأخلَّ بمعناها وبمضمونها".

وعن المسلمين في أسبانيا يقول الدكتور "نصر الدين" الذي يعمل أستاذاً بجامعة القاهرة:

"وبالرغم من أن المسيحية هي الديانة المنتشرة في أسبانيا، فإن حرية الأديان متاحة للجميع، ولكن الإسلام _كما في كثير من الدول الأوربية _ يظل محدود الانتشار، ممّا يتطلب تنشيط حركة الدعوة الإسلامية ودعم أنشطتها ووضع كافة الإمكانيات في سبيلها".

 


59- رئيس المعهد الدولي التكنولوجي بالرياض الدكتوراسبرابراهيم شاهين

 

رئيس المعهد الدولي التكنولوجي لـ«الشرق الأوسط»:

 

*عملية سرطانية في البنكرياس حولت مجرى حياتي * اتساع المد الإسلامي وراء الحملة عليه

 

الشرق الاوسط-أجرى الحوار في الرياض: بدر الخريف

 

الدكتور اسبر ابراهيم شاهين اسم معروف في الولايات المتحدة الاميركية التي يحمل جنسيتها وتربطه علاقة صداقة حميمة مع رؤسائها ويعتبر احد الشخصيات ذوي الانجازات في دول الغرب، ولكونه من اصل عربي ويحمل الجنسية الاميركية فقد تابع باهتمام بالغ التطورات الجارية في المنطقة العربية. وقد ساهمت رحلاته الى الشرق الاوسط على مدار سنوات كثيرة في الحصول على فهم افضل واعمق للمنطقة، وعرف شاهين بمؤلفاته ومقالاته التي تناول فيها عدة موضوعات وحققت رواجاً بين اوساط القراء بل ان بعضها ادرج ضمن الكتب الاكثر رواجاً وخصوصاً تلك التي لها علاقة بالتكنولوجيا. والدكتور شاهين خطيب بارع، ومتحدث لبق يجيد فن الحديث. وقد نال جائزة قيمة في مجال تطوير المهارات المتخصصة، وهو مصنف ضمن رجال العلم الأميركان، وضمن أحد الشخصيات ذوي الإنجازات في دول الغرب. كما أنه مواطن فخري لمدينة تكساس وأحد الأساتذة البارزين في أميركا. وقد نال جائزة رواد الخطابة العالمية للباقته في الحديث. كما حصل على شهادة تقدير وسجل أسمه في سجل الشرف التذكاري الرئاسي. ومنح وسام الاستحقاق من الرئيس رونالد ريجان، والرئيس بوش الأب ووسام الاستحقاق من الأمير محمد بن فهد بن عبد العزيز أمير المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية.

وقبل ايام اعلن شاهين في العاصمة السعودية اسلامه وتحوله من المسيحية الى الإسلام. «الشرق الاوسط» حاورت الدكتور شاهين الذي يعمل حالياً استشارياً دولياً ورئيساً للمعهد الدولي التكنولوجي/آي آي تي آي/بالولايات المتحدة الاميركية عن موضوعات عدة بدءاً بقصة اسلامه والاحداث التي شهدتها الولايات المتحدة ونشاطه في شرح القضايا العربية والدفاع عنها، وتطرق الحوار الى ابرز مؤلفاته فكانت هذه الحصيلة.

* نبدأ بقصة هجرتك الى اميركا، التي تحمل حالياً جنسيتها وانت الذي ولدت في لبنان قبل 65 عاماً؟ ـ نعم ولدت في لبنان عام 1937 وانا مسيحي ارثوذكسي، درست في لبنان واكملت دراسة الثانوية فيها، ومن خلال حبي لروح المغامرة كشاب في مقتبل العمر وطموحي وتعطشي للمعرفة هاجرت الى الولايات المتحدة الاميركية عام 1957 طلباً للعمل والبحث عن فرص وظيفية، وكنت اعمل اثناء الدراسة لانفق على نفسي، وقد درست بجامعة تكساس في اوستن لمدة سنتين، وحصلت على درجة البكالوريوس في العلوم من قسم الهندسة الكيميائية من جامعة ولاية اوكلاهوما ثم درست بعد ذلك بجامعة اريزونا في توسون وحصلت على درجة الماجستير في العلوم، كما حصلت على شهادة الدكتوراة من جامعة تينيسي في نوكسفيل. اثناء دراستي هناك كنت ناشطاً في شرح القضايا العربية والدفاع عنها ففي جامعة اوكلاهوما انتخبت رئيساً لمنظمة الطلبة العرب.

* ما هي قصة اسلامك؟ ـ اصارحك بالقول انه ومنذ صغري وانا اشعر بحب وميل الى الإسلام، وفي مراحل التعليم المختلفة ومن خلال ما اطلعت عليه في صغري عن الحضارة العربية والإسلامية والتاريخ العربي اتضح لي ان الإسلام دين عظيم وقد انبعث من الجزيرة العربية لينتشر في جميع انحاء المعمورة. ومن خلال صداقاتي مع كثير من المسلمين التي امتدت الى عدة عقود لمست فيهم سلوكيات في غاية الكمال وممارسات تجبرك على احترامهم، فمثلاً انا مسيحي لم اجد من اصدقائي المسلمين اي شيء يشعرني بالبعد عنهم بل ان الاحترام هو ديدن هذه الصداقة.

ان المعاملة والوعي لب روح الإسلام تجبرك على احترام هذا الدين كما ان صداقاتي للدكتور ناصر بن ابراهيم الرشيد التي امتدت لأكثر من 33 عاماً كان لها تأثير ايجابي على حياتي، فالإسلام دين واقعي ودين يدعو للعدالة والرحمة وتقدير الانسان وتكريمه.

* ما هي الاسباب العميقة والمباشرة التي جعلتك تختار الإسلام ديناً لك بعد هذه السنوات؟ ـ قلت «العمر يمشي ونحن نمشي، ولم يبق من الزمن مثل ما مضى» واضافة الى ما كانت ذاكرتي تختزنه من حب للاسلام فقد مررت بظروف صعبة جداً، منذ سنتين ونصف حيث خضعت لعملية استئصال ورم سرطاني حول البنكرياس وذلك في احدى المستشفيات الاميركية واتضح لي ان العملية ونتائجها خطرة وان نسبة نجاحها تعد من النوادر. وفي ليلة العملية تلقيت اتصالات من اصدقاء ومحبين كلهم يدعون لي بنجاح العملية بل ان البعض منهم اشار الى انهم دعوا لي في الحرم بخروجي سالماً معافى من هذا الظرف، ولأنني مولع بالقرآن الكريم بصوت المقرئ الراحل عبد الباسط عبد الصمد الذي كنت اتلذذ بالاستماع اليه وينتابني عند سماعه شعور غريب اشعر بعده بالطمأنينة، فقد استمعت ليلة اجراء العملية الى آيات من القرآن الكريم وبعد العملية شعرت بطمأنينة عميقة وروح هادئة، وحينها قررت ان اعلن اسلامي وبالفعل لكن ذلك لم يتم رسمياً الاّ في العاشر من شهر يونيو (حزيران) من هذا العام في مدينة الرياض، فقد حرصت على أن أعلن اسلامي في عاصمة مهد الإسلام.

* تزامن اسلامك مع ظروف واحداث صعبة وانت ضمن الشخصيات الاميركية البارزة وتربطك علاقة بصناع القرار السياسي في اميركا، اضافة الى انك استشاري دولي ورئيس لمعهد تكنولوجي دولي، هل ترى ان توقيت اسلامك فيه نوع من التحدي ..؟ ـ نعم، اعلان اسلامي في ظل هذه الظروف هو نوع من التحدي، ولكنني لا اخشى احداً فقد اتخذت قرار الدخول في الدين الإسلامي عن قناعة تامة.

* وهل تتوقع ان تواجه انتقادات بسبب اسلامك؟ ـ بالتأكيد ساواجه انتقادات ولكن كما قلت لا أعبأ بذلك.

* وهل ستعرض الإسلام على اسرتك؟ ـ نعم ولكن باسلوب الاقناع، ودخول افراد اسرتي للإسلام وخصوصاً زوجتي الاميركية يعتمد على القناعة، وانا ارى انني قدوة لأسرتي سابقاً والآن ساكون افضل بعد اسلامي.

* ما هو تفسيركم للتشهير بالإسلام والمسلمين والعرب في الغرب؟ ـ مثل هذا الهجوم ليس له ما يبرره، وقد تابعت ذلك ووجدت ان ما طرح لا يعدو ان يكون حقداً وكراهية ولا يصور الواقع، واقع الدين الإسلامي المشهور بالعدل والحق وواقع المسلمين والعرب، والغريب ان هذه الحملة تأتي من اشخاص في مراكز قوى تؤثر على الملايين من المواطنين. والاعلام الاميركي وخصوصاً بعد احداث 11 سبتمبر اصبح طوفانا من الدعاية السيئة ومن المستحيل ان يقف امامه من يسعون الى ايضاح الحقيقة بسبب سيطرة الصهاينة عليه وهذا يتطلب آلية من العرب والمسلمين لايضاح الصورة وتصحيح المفاهيم الخاطئة عن دينهم وعن واقعهم.

* هل لمست ان صراعاً ظهر بين الإسلام والمسيحية؟ ـ يا اخي المسيحية لا تعادي الإسلام والعكس كذلك، لكن ظهرت مؤخراً اصوات من مبشرين تتناول إعلان الحرب على الإسلام مثل ما ذهب اليه فرانك جراهام (وهو نجل المبشر الكبير بل جراهام) حيث قال يجب ان يعلن الحرب على الإسلام فإله الإسلام ليس بإلهنا، والإسلام هو دين عنف وكراهية لأقصى درجات.

تصور، هل مثل هذا الكلام يطرح وتتناقله بعض وسائل الاعلام، وهل مثل هذا الشخص يمكن ان يقال انه يدين بالمسيحية، لا اعتقد ذلك، فالمسيحية تقول: «من ضربك على خدك الايمن فأدر له خدك الايسر».. انه بذلك يحرض العالم على الحرب وهذا شيء مؤلم. فكيف تنتقد ديناً او تبدي رأياً فيه دون ان تعرف حقيقته أو ان تقرأ عنه. المشكلة ان البعض في الغرب يقارن الإسلام النبيل بالمتطرفين من المسلمين كابن لادن مثلاً ومن قبل متطرفين مسيحيين، رغم ان الإسلام والمسيحية براء من هذه النماذج.

* وما هي الآلية التي تراها مناسبة لتصحيح المفاهيم الخاطئة عن الإسلام؟ ـ من خلال ايضاح حقيقة الإسلام، من خلال الحوار مع الاخر، من خلال المراكز الاعلامية .. باساليب نبيلة ومحترمة توضح الحقيقه وتراعي شعور الاخرين .  

 


60- الباحث الكندي موري ديفيد كيل

 

ـ لم يفلح ترددي علي الكنيسة في معالجة حالة الفراغ النفسي داخلي .
ـ في الإسلام وحده وجدت العلاج لمشاكل الروح .

- لقد أعطاني الإسلام التوازن في الحياة ،
- فماذا يخسر من يربح الإسلام ؟! وماذا يربح من يخسر الإسلام ؟!
-لقد وجدت في الإسلام ما يطابق العقل ، وما يعطي الإنسان العقل الإيماني ، والإيمان العقلي.

موري ديفيد كيل باحث كندي شاب ولد عام 1964 لأسرة بروتستانتية مسيحية ، ومنذ أن بلغ عمره الرابعه عشر بدأ يعرف شيئا قليلاً عن الإسلام من خلال ما تبثه وسائل الإعلام الغربي من أحداث تتعلق بالعالم العربي .. ولم تمض سوي سنوات قليلة حتي أشهر إسلامه بعد فترة من الدراسة وصلت به الي الإقتناع بأن الإسلام هو دين الفطرة .
يقول كيل: كنت أنتمي الي عائلة مسيحية وأتردد علي الكنيسة حتي الثانية عشر من عمري وكنت أغني مزامير وتراتيل الكنيسة ولكن ترددي علي الكنيسة بدأ يقل كثيرا أو شعرت بأن وجودي هناك لا يعالج حالة الفراغ الروحي التي أشعر بها ، وكانت مشكلة الدين تثير إهتمامي بشكل كبير في ذلك الوقت .
ورغم أن كيل كان يعرف نتفاً عن الإسلام من خلال ما يعلمه من وسائل الإعلام ، إلا أنه يؤكد أنه لم يكن يعلم أن الإسلام دين توحيدي بل لم يكن يعلم أن الإسلام تربطه أي علاقة بدين ابراهيم أو غيره من الاديان .. ولكنه بدأ يلتفت الي الإسلام بقوة عندما علم أن احد علماء الإسلام في سويسرا وصف الإسلام بانه نقطه تلاقي بين الله كما هو وبين الانسان كما هو .
يقول كيل: بعدها بدأت رحلة البحث والدراسة والتفكير ، وبدأ يتكشف أمامي الكثير من تعاليم الدين الإسلامي وكانت كل مشكلتي تتمثل في عدم وجود من يشجعني علي دخول الإسلام خاصة وأن المجتمع الغربي ككل يتخذ موقفاً معادياً للإسلام .
ولكن كيل ما كان ليتراجع عن الإسلام الذي أعطاه التوازن الذي ينشده وهداه الي الغاية الحقيقية من الحياه ووجد فيه علاجاً وحلاً لمشكلة الروح في هذا الزمان والتي بحث كثيراً عنها في مختلف الأديان لكنه لم يجد ديناً يعالج هذه القضية بشكل شامل وواسع سوي الإسلام.. فأعلن إسلامه رغم علمه بالصعوبات التي سوف تواجهه، وسمي نفسه عبد الصمد .
معارضة.. لكن !!
ويقول عبد الصمد أو كيل عندما أعلنت إسلامي لم ألق معارضة من قبل اصدقائي ولكن بمرور الوقت اكتشفت أنني فقدتهم جميعاً أما بالنسبة لعائلتي فقد أخفيت إسلامي عنهم طويلا وعندما اكتشفوا ذلك توترت علاقتي بهم واصيبوا بحالة من خيبة الأمل والحزن ولمدة عام كامل وهم يتعاملون معي بحساسية شديدة ورغم أن موقفهم من إسلامي كان يعذبني إلا أنني إقتديت بالصحابي الجليل مصعب بن عمير والذي فضل الإيمان علي أمه والتي كان باراً بها.. ولكن بمرور الوقت تحسنت علاقتي بالأسرة، ولكنهم ما يزالوا حتي اليوم يحرصون علي إخفاء نبأ اسلامي ويعتبرون ذلك فضيحة ويؤكد عبد الصمد أنه إختار هذا الاسم بعد إسلامه لأنه إكتشف في لحظة تفكير هل باستطاعته إدارك المطلق حتي ولو بشكل جزئي.. وإنتهي الي أنه مجرد عبد لهذا المطلق الذي يفكر فيه فإختار طواعية أن يكون عبداً للصمد اسماً.. ويتمني أن يكون بعمله قريباً الي الله وعبداً مطيعاً له.

 

61-أستاذ القانون اليهودي

 

وهذا أستاذ مصري للقانون يعمل بإحدي الجامعات الأمريكية..يقول :كنا في حوار قانوني, وكان معنا أحد أساتذة القانون من اليهود, فبدأ يتكلم ثم بدأ يخوض في الإسلام والمسلمين, فأردت أن أسكته فسألته:هل تعلم حجم قانون المواريث في الدستور الأمريكي؟.قال: نعم,أكثر من ثمانية مجلدات.فقلت له:إذا جئتك بقانون للمواريث فيما لا يزيد علي عشرة سطور,فهل تصدق أن الإسلام دين صحيح؟.قال:لا يمكن أن يكون هذا. فأتيت له بأيات المواريث من القرآن الكريم وقدمتها له فجاءني بعد عدة أيام يقول لي: لا يمكن لعقل بشري أن يحصي كل علاقات القربي بهذا الشمول الذي لا ينسي أحداّ ثم يوزع عليهم الميراث بهذا العدل  الذي لايظلم أحداً.ثم أسلم هذا الرجل.

 

فكانت آيات المواريث وحدها سبيلاً إلي اقتناع هذا الرجل اليهودي بالإسلام.

 

الذين هدي الله للدكتور زغلول النجار

 

 

62- الدكتور العراقي اليهودي سابقاً أحمد نسيم سوسه

 

باحث مهندس من العراق، وعضو في المجمع العلمي العراقي، وواحد من أبرز المختصين بتاريخ الري في العراق، كان يهوديًا فاعتنق الإسلام متأثرًا بالقرآن الكريم، توفي قبل سنوات قلائل. ترك الكثير من الدراسات في مختلف المجالات وخاصة في تاريخ الريّ، وفنّد في عدد منها ادعاءات الصهيونية العالمية من الناحية التاريخية، ومن مؤلفاته الشهيرة: (مفصل العرب واليهود في التاريخ)، و(في طريقي إلى الإسلام) الذي تحدث فيه عن سيرة حياته.

 

"يرجع ميلي إلى الإسلام.. حينما شرعت في مطالعة القرآن الكريم للمرة الأولى.. فولعت به ولعًا شديدًا.. وكنت أطرب لتلاوة آياته.."

( في طريقي إلى الإسلام 1 / 51).

 

".. الواقع أن تحوير وتبديل مصاحف اليهود أثر أجمع عليه العلماء في عصرنا الحالي نتيجة الدرس والتنقيب وقد جاء ذلك تأييدًا علميًا للأقوال الربانية التي أوحيت قبل نيف وثلاثة عشر قرنًا على لسان النبي العربي الكريم صلى الله عليه وسلم. أما الفرقان المجيد.. فقد حافظ المسلمون عليه بحرص شديد وأمانة صادقة فهو حقًا الكتاب المقدس الفريد الذي أجمع الكل على سلامته وطهارته من التلاعب والتحوير، وما على القارئ إلا أن يطالع ما كتبه المستشرقون في هذا الباب.. الذين وصفوا كيفية جمعه وتدوينه، وهؤلاء أجانب غرباء كثيرًا ما يصوّبون أسهمهم الناقدة السامة نحو الإسلام. والواقع أن الدلائل التاريخية واضحة بأجلى وضوح مما لا يترك أي شك في أن الفرقان الكريم لم يطرأ عليه أي تحريف أو تحوير وقد جاء كلام الله بكامله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم دون أن يتغير فيه حرف واحد" ( في طريقي إلى الإسلام ، ص 1 / 86).

 

"ورد في القرآن أنه جاء مهيمنًا على ما بين يديه من الكتاب، ويستدل من ذلك أن التعاليم الإلهية المقدسة الأصلية قد ضمن القرآن المحافظة عليها بما أوضحه من الحقيقة بإظهار الصحيح والدخيل في الكتب الرائجة في زمان نزوله، وعليه فيكون بهذا البيان والإيضاح قد جاء خير مهيمن على كتب الله الحقيقية وخير حافظ إياها من التلاعب" ( في طريقي إلى الإسلام ، 1 / 87 في طريقي إلى الإسلام ، 1 / 87).

 

"الواقع أنه يتعذر على المرء الذي لم يتقن اللغة العربية ولم يضطلع بآدابها أن يدرك مكانة هذا الفرقان الإلهي وسموه وما يتضمنه من المعجزات المبهرة، ولما كان القرآن الكريم قد تناول كل أنواع التفكير والتشريع فقد يكون من العسير على إنسان واحد أن يحكم في هذه المواضع كلها. وهل من مناص للمرء من الانجذاب إلى معجزة القرآن بعد تمعنه في أميّة نبي الإسلام ووقوفه على أسرار حياة الرسول صلى الله عليه وسلم.. فقد جعل الله تعالى معجزة القرآن وأمّيّة محمد صلى الله عليه وسلم برهانًا على صدق النبوة وصحة انتساب القرآن له.." ( في طريقي إلى الإسلام ، 1 / 182 – 183).

 

"إن معجزة القرآن الكريم هي أكثر بروزًا في عصرنا الحالي، عصر النور والعلم، مما كانت عليه في الأزمنة التي سادها الجهل والخمول.." ( في طريقي إلى الإسلام ، 1 / 185).

 


63- المفكر الانجليزي عبدالله كويليام

 

مفكر إنكليزي،ولد سنة 1856، وأسلم سنة 1887، وتلقب باسم: (الشيخ عبد الله كويليام). من آثاره: (العقيدة الإسلامية) (1988)، و(أحسن الأجوبة).

 

من مقولاته في كتبه:

 

"من الوجه العلمي، بصرف النظر عن أنه كتاب موحى به، فالقرآن أبلغ كتاب في الشرق.. (وهو حافل بالمنجزات السامية مليء بالاستعارات الباهرة).." ( العقيدة الإسلامية، ص 119 – 120).

 

"أحكام القرآن ليست مقتصرة على الفرائض الأدبية والدينية.. إنه القانون العام للعالم الإسلامي، وهو قانون شامل للقوانين المدنية والتجارية والحربية والقضائية والجنائية والجزائية. ثم هو قانون ديني يدار على محوره كل أمر من الأمور الدينية إلى أمور الحياة الدنيوية، ومن حفظ النفس إلى صحة الأبدان، ومن حقوق الرعية إلى حقوق كل فرد، ومن منفعة الإنسان الذاتية إلى منفعة الهيئة الاجتماعية، ومن الفضيلة إلى الخطيئة، ومن القصاص في هذه الدنيا إلى القصاص في الآخرة.. وعلى ذلك فالقرآن يختلف ماديًا عن الكتب المسيحية المقدسة التي ليس فيها شيء من الأصول الدينية بل هي في الغالب مركبة من قصص وخرافات واختباط عظيم في الأمور التعبدية.. وهي غير معقولة وعديمة التأثير" ( العقيدة الإسلامية ، ص 122 – 123).

 

"لقد عثرت في دائرة المعارف العامة popular Encyclopedia على نبذة نصها كما يأتي (أن لغة القرآن معتبرة بأنها من أفصح ما جاء في اللغة العربية فإن ما فيه من محاسن الإنشاء وجمال البراعة جعله باقيًا بلا تقليد ودون مثيل. أما أحكامه العقلية فإنها نقية زكية إذا تأملها الإنسان بعين البصيرة لعاش عيشة هنية).." ( العقيدة الإسلامية ، ص 138).

 

"هذا القرآن الذي هو كتاب حكمة فمن أجال طرف اعتباره فيه وأمعن النظر في بدائع أساليبه وما فيها من الإعجاز رآه وقد مر عليه من الزمان ألف وثلاثمائة وعشرون سنة كأنه مقول في هذا العصر إذ هو مع سهولته بليغ ممتنع ومع إيجازه مفيد للمرام بالتمام. وكما أنه كان يرى مطابقًا للكلام في زمن ظهوره لهجة وأسلوبًا كذلك يرى موافقًا لأسلوب الكلام في كل زمن ولهجة، وكلما ترقّت صناعة الكتابة قدرت بلاغته وظهرت للعقول مزاياه. وبالجملة فإن فصاحته وبلاغته قد أعجزت مصاقع البلغاء وحيرت فصحاء الأولين والآخرين. وإذا عطفنا النظر إلى ما فيه من الأحكام وما اشتمل عليه من الحكم الجليلة نجده جامعًا لجميع ما يحتاجه البشر في حياته وكماله وتهذيب أخلاقه.. وكذا نراه ناهيًا عما ثبت بالتجارب العديدة خسرانه وقبحه من الأفعال ومساوئ الأخلاق.. وكم فيه ما عدا ذلك أيضًا ما يتعلق بسياسة المدن وعمارة الملك، وما يضمن للرعية الأمن والدعة من الأحكام الجليلة التي ظهرت منافعها العظيمة بالفعل والتجربة فضلاً عن القول.." ( العقيدة الإسلامية، ص ، ص 139 – 140).

 

"أن من ضمن محاسن القرآن العديدة أمرين واضحين جدًا أحدهما علامة الخشوع والوقار التي تشاهد دائمًا على المسلمين عندما يتكلمون عن المولى ويشيرون إليه.. والثاني خلوّه من القصص والخرافات وذكر العيوب والسيئات وإلى آخره، الأمر الذي يؤسف عليه كثيرًا لوقوعه بكثرة فيما يسميه المسيحيون (العهد القديم).." ( أحسن الأجوبة عن سؤال أحد علماء أوروبة، ص 23 – 26).

 

 

 

64- الداعية الأمريكي حمزة يوسف

 

 

 

حمزة يوسف.. الداعية الأمريكي المزدوج! بقلم أحمد زين

 

سيدندن لك أغنية غربية تدعو للحب والأمل.. أو يشرح لك نظرية فلسفية.. سيداعبك بطرفة.. أو يحكي لك عن أصل كلمة في اللغة..

ستدمع عيناه وهو يتحدث عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم أو يحلل لك قضية فقهية بمنتهى الجدية..

 

لكنني أتصور أنه ككل الكبار سيترك فيك أثرا..

 

سُئل ما الذي يدفع شابا أمريكيا أبيض في السابعة عشرة إلى اعتناق الإسلام. فقال: "أنا لا أدري، سئلت هذا السؤال كثيرا، وكانت إجاباتي ليست هي الواقع دائما.. وهذا يحيرني، كل ما...". أستطيع قوله إنني سمعت عن الإسلام فانشرح صدري، وبدأت الطريق

 

وحين اتهمه بعض المسلمين بانحيازه للغرب أجاب: "أنا منحاز لما أعتقد أنه صائب وعادل، إذا كان ذلك على جانب المسلمين، فأنا مع المسلمين، وإذا كان مع الغرب فأنا مع الغرب.. أنا مسلم ولست قبليا"..

 

أثارني بثنائيته التي يحلو للبعض أن يسميها ازدواجية..

 

ثنائية كاليفورنيا موريتانيا

 

اسمه حمزة يوسف هانسن.. أمريكي الأصل.. مالكي المذهب.. من عائلة مثقفة؛ فوالده أستاذ لمادة الإنسانيات في جامعة هارفارد.. وأمه خريجة جامعة بيركلي العريقة.. أما جده فكان عمدة لإحدى مدن كاليفورنيا.

 

قرر في السابعة عشرة من عمره أن يسلم فترك دراسته الجامعية التي كان قد أوشك على الانتهاء منها ليذهب في جولة لعشر سنوات في المنطقة العربية.. تعلم الفقه في الإمارات.. وحفظ القرآن الكريم في المدينة المنورة.. ودرس اللغة والشعر العربي في المغرب والجزائر، وعاش التصوف مع مرابطي موريتانيا..

 

10 سنوات كاملة أمضاها في التعلم والمعرفة قبل أن يعود لوطنه الحبيب.. أمريكا!!! فيحصل على البكالوريوس في التمريض من Imperial Valley College ودرجة علمية أخرى في الدراسات الدينية من جامعة San Jose State.

 

في بدايات 1990 بدأ التدريس لبعض التجمعات الإسلامية في سان فرانسيسكو. وفي 1996 أسس معهد الزيتونة الذي يقول عنه إن من رسالته إحياء العلوم الإسلامية وكذلك طريقة التعليم القديمة (الشيخ والتلميذ).. يصدر معهد الزيتونة الكتب والمواد الصوتية التي تتحدث في القضايا المعاصرة التي تواجه الأمريكيين.

 

حديثه عن سبب اختياره لاسم الزيتونة ينبئك عن طريقته في التفكير التي ترتكز على تأمله الدائب.. يقول: "إنها شجرة غريبة جدا، فليس لها سحر معين في مظهرها ليست سامقة ولا وارفة الظلال ولا تتميز بوفرة الخشب، ولها مظهر ذابل مما يعطي إحساسا بالشيخوخة.. لكن على الرغم من كل ذلك.. تمتد جذورها تمتد عشرين قدما تحت الأرض، وفي الوقت الذي تموت فيه الأشجار الأخرى تبقى الزيتونة حية نابضة، أما الثمار فإنها مفيدة جدا للإنسان، كما أن هذه الشجرة بتفرد تظل تثمر مئات السنين".

 

ألف طالب، وفروع في 6 مدن أمريكية، منها نيويورك وفيلادلفيا هي مجموعة ثمار زيتونة يوسف.. كما أن لدروسه ومواعظه الدينية تأثيرا كبيرا على مستمعيه؛ فقد وزع آلاف النسخ من دروسه التي ألقاها حول سيرة الرسول التي شرحها في 24 ساعة، بالإضافة لذلك فهو يسافر إلى عواصم كثيرة في دول مختلفة في أمريكا الشمالية وأوربا ليخاطب المسلمين وغير المسلمين معا.

 

بريتني سبيرز والفلسفة اليونانية!!

 

ربما يتعجب البعض من شيخ يتحدث عن بريتني سبيرز، لكن حمزة لا يخشى ذلك العجب المراهق فيقول: "إن العالم يهتم بقميص بريتني سبيرز ورفعها له بضع بوصات أكثر من اهتمامه بأشخاص يموتون في كل مكان في العالم وهم ليسوا من المسلمين فقط".

 

وفي نفس الوقت تكثر استشهادات حمزة بالفلاسفة والمفكرين الغربيين فيتحدث عن أرسطوطاليس وتعريفه للسعادة، وأفلاطون وآرائه في المدينة الفاضلة وبرنارد شو وآرائه في الإسلام، وآرنولد توينبي حين يتحدث عن فرضيته بأن أزمة حادة ستقع في العالم بين نصفه الشمالي ونصفه الجنوبي.

 

 

 

 

ثنائية أمريكا والمسلمين

 

هو يهاجم المسلمين بقدر ما يهاجم أمريكا.. أو لنقل إنه أمريكي ثائر على مساوئ مواطنيه، ومسلم ثائر على مساوئ أهل دينه.

 

فيقول: "إذا كان الناس في أمريكا يعتقدون أن أمريكا هي المجتمع المثالي، فلا أعتقد أنهم يطالعون نفس المصادر التي أطالعها، معدلات الاكتئاب والانتحار والاغتصاب والجريمة ووضع المدارس والإجهاض والتفسخ الأسري والطلاق".

 

عمل مستشارا للبيت الأبيض لكنه يهاجم بوش: "الناس يظنون أننا في أمريكا نعيش في ديمقراطية، هذه كلها أكاذيب.. من الذي أوصل بوش لكرسي الرئاسة.. الشركات الاحتكارية الكبرى!".

 

فرانك جاردنر مراسل البي بي سي طرح على حمزة سؤالا: برأيك هل كان بوش صائبا حين حارب الإرهاب؟.. فيجيب حمزة: "أعتقد أنه إرهاب دولة مقارنة بإرهاب الأفراد".

 

وبشجاعة يعيد حمزة تعريف الحرب على الإرهاب فيقول: "الحرب على الإرهاب ينبغي أن تكون حربا على الحرب".. ويهز رأسه قائلا: "هذا كل شيء".

 

لكنه في ذات الوقت لا ينافق المسلمين ولا يجاملهم تخديرا لمشاعرهم، فهو يرى بوضوح أن "العقبة الأساسية أمام الدعوة الإسلامية في هذه الأراضي هم المسلمون أنفسهم بسلوكياتهم".

 

ويشخص مرضهم فيقول: "صراحة إن الذين هاجروا هاجروا بمشاكلهم، وعمروا مساجدهم بها، والمسلم الجديد يتعب جدا من هذه التناقضات".

 

ثنائية العمامة والكرافتة

 

تشاهد صوره القديمة بالزي التقليدي الباكستاني والعمامة الأفريقية فتجده رجلا تاريخي الهيئة على الرغم من قصر قامته وضعف بنيانه، لكنه في الـ new look يرتدي "الكاجوال" و"البدلة الأسبور".

 

ولما سُئل عن ذلك أرجع الأمر لأحداث 11 سبتمبر التي صدمته تماما، وكان أقرب إلى المفجوع حتى إنه أخذ قرارا بإغلاق معهد "الزيتونة" مؤقتا ليتفرغ لمخاطبة صناع القرار والمسئولين المحليين والظهور في القنوات التلفزيونية لمحاولة توضيح الحقائق عن الإسلام.. ويضيف: "بل إنني نزعت العمامة ولبست بدلة وكرافتة".

 

ثنائية التقليد والتجديد

 

يحب التجديد ويجيد مخاطبة الجمهور، ولا يعرف الكثيرون أنه صاحب فكرة برنامج "يللا شباب" الذي يذاع على mbc، وهو البرنامج الذي نجح في مخاطبة جماهير الشباب من خلال محتوى ديني جذاب.. وهو ما أكده خالد طاش أحد معدي البرنامج لجريدة الوطن السعودية، حيث أشار إلى أن فكرة البرنامج نبعت من نصيحة قدمها الشيخ حمزة يوسف أشار فيها إلى ضرورة البحث عن وسيلة إعلامية جادة تتصل بالشباب المسلم، وتقدم له جرعات ثقافية ومعرفية، بعيدا عن الإعلام الاستهلاكي.. ومن المعروف أن الشيخ حمزة يقدم برنامجا اسمه "رحلة مع حمزة يوسف"، واشترك في بعض حلقات يللا شباب، حيث تجول مع فريق البرنامج في عدد من المدن الأسبانية للحديث عن حضارة المسلمين ومعالمها.. وكذلك التقى مع عدد من الشخصيات المؤثرة في مسلمي الغرب، مثل يوسف إسلام الفنان البريطاني الذي أسلم في سبعينيات القرن الماضي.

 

ورغم هذا التجديد في الخطاب فإنه يرى أهمية التقيد بالمذاهب الأربعة فيقول: "لا بد لكل مسلم أن يلتزم بأحدها.."، وهو يحمل على من يتجاهل تلك المذاهب فيقول: "يدعون إلى تجاهل المذاهب الأربعة وأخذ الأحكام من القرآن والسنة.. كيف يرجع كل واحد إلى القرآن وهو حتى لا يتقن العربية؟!".

 

ويضيف: "ليس من حق الجاهل أن يتكلم في الدين، لا بد أن يتعلم المسلم على يد الشيوخ، الآن كل واحد يفتح كتابا ويفتي.. أنا لا يمكن أن أذهب إلى الطبيب وأسأله أين تعلمت الطب فيقول من الكتب.. هذا لا يمكن أن أسلمه بدني. لا بد أن يتعلم على يد أطباء حتى يتعلم كيف يجري العملية.. كل علم لا بد أن يؤخذ عن الشيوخ.. الآن الإسلام يؤخذ من الكتب فقط!".

 

ويدافع عن رأيه: "هذا ليس احتكارا وإنما بحكم {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}، بين الصحابة قليل جدا من كان يفتي مع أنهم تربوا عند رسول الله، هذا لم يكن احتكارا..".

 

ثنائية السلفية والصوفية

 

هو سني العقيدة مالكي الفقه إلا أن تأثير التصوف عليه كبير، يظهر ذلك في استشهاداته بكثير من آراء أهل التصوف، كما أن أحد مشروعاته المهمة التي أنجزها بعد سنوات من العمل المتحمس ترجمة بردة البوصيري إلى الإنجليزية يونيو 2002.

 

وهو يرد على من ينكر التصوف فيقول: "التصوف كعلم.. علم السلوك والأخلاقيات من لب الإسلام، أما الطرق والشيوخ فهذا شيء آخر".

 

ويرد على الشبهات التي تثار: "يقولون ما من أحد من الصحابة كانوا يعرفون كلمة تصوف، وهل كان منهم من يعرف "النحو"، أو "التجويد"، أو "أصول الدين" أو "أصول الفقه"؟ كلها مصطلحات ومسميات استجدت لتقنين العلوم".

 

في الأخير

 

رغم كل هذه الثنائيات فإنه لا يحب المساحات الرمادية.. سأله أحد الصحفيين سؤالا وعقب عليه بقوله: "أنا أتكلم بشكل محايد".. فما كان من حمزة إلا أن قال مبتسما: "أنت محايد!!- أنت لا يمكن أن تكون محايدا، في الأزمات الأخلاقية الحياد نوع من التواطؤ".

 

65- الدكتور المصري عبده ابراهيم والد الدكتور عيسي عبده رائد الأقتصاد الإسلامي


إن الأزهر على طول عمره كان منارة علم ومرتعاً للعلماء خرج منه أسماء لا تحصى ممن أثروا المكتبة الإسلامية بعلوم وفنون شتى ..وإن للأزهر علماء قل من سمع عنهم وقل من أحبهم
ربما لأنهم لم يحصلوا على الدعاية المطلوبة وربما لأن الناس فى غفلة من أمرهم.

سأحدثكم هنا عن أحد هؤلاء.
بذرة طيبة نبتت فى أرض طيبة فأنبتت لنا شجرة طيبة سنظل نقطف ثمارها إلى يوم الدين
إنه رائد الإقتصاد الإسلامى الشيخ الدكتور عيسى عبده رحمه الله
وقبل أن أحكى عن هذا الطود الشامخ يلزمنا وقفه مع الأرض التى نبت فيها مع الدكتور عبده إبراهيم رحمه الله

كان والده الدكتور عبده إبراهيم رحمه الله نصرانياً هو ابن إبراهيم عبد الملك ولد بحى الظاهر بالقاهرة سنة 1883 من الميلاد

كانت حياة الدكتور عبده إبراهيم تمر كحياة أى نصراني حتى وصل إلى المرحلة الثانوية التى قضى فيها أربع سنوات من 1896 إلى 1900 كان يدرس وهو في المرحلة الثانوية مع زميلين له في بيوتهم، وكان هذين الزميلين مسلمين، فكان يراهما عند حلول وقت الصلاة يستأذنان فيتوضآن ويصليان العصر ثم يعودان .. وتكررت هذه العملية طيلة فترة الدراسة المشتركة .. وكان عبده طالب الثانوية العامة يراقبهما فى الصلاة وفى الحركات والأصوات وهذا كان أول خيط فى النسيج الطيب .. وهنا بدأت عبده يفكر من على حق فيهم ومن على باطل وظن عبده إن صديقيه لديهما نفس الأسئلة فبادئهما بالسؤال .. وأول شىء فعله هو الوضوء فقط ليجرب .. ثم سألهما على حكمة الوضوء والصلاة وماكان لدى الشباب الصغير العمر رداً سديداً على هذه الأسئلة .. وكانت بداية النهاية فقد قال لهما "إننا جميعاً مقلدين ولاخير فينا مالم ندرك حقيقة مانختار فهلا تعاهدنا جميعاً على البحث فى حقائق الدين وأسباب ما نحن عليه من خلاف فيه بالرغم مما نحسه جميعاً من حب وود يجمعنا" وإستغرق عبده وصدقى فى دراسة الأديان أما ثالثهما قد زهد فى هذه الدراسة لحالته المادية الغير مناسبة فإنكب على دراسته ونجح فى الثانوية وأما الباحثين عن الحق فرسبا لإنهماكهما فى البحث عن حقائق الدين وظن الأهل أن الشابين إنحرفا .. أما الباحثين فقد إستكملا طريق البحث عن الحق وتابعا الندوات العلمية والكتب البحثية مما أدى إلى تعرفهما على الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله فلازماه .. ثم مرت سنه الإعادة ونجح الصديقان الباحثان عن الحقيقة ودخلا كلية الطب .. فما إن دخل الطالب عبده إبراهيم كلية الطب وبَعُدَ عن مؤثرات أهله، حتى تفتقت التربة الصالحة عن شجرة الإيمان وبدأت تنمو وتكبر .. وحينما وصل إلى دراسة التشريح أصابته خشية الله نتيجة رؤية الموتى .. ففاتح صديقية فى رغبته فى إعتناق الإسلام .. فنصحاه بإكمال دراسته مخفياً دينه حتى التخرج فيستطيع أن يوفر الكسب الحلال لنفسه .. فرضخ الدكتور الشاب لطلبات صديقيه .. ولكن نور الله لا يستطيع إحد أن يخفيه .. فلما تخرج وأصبح طبيب إمتياز، لم يعد يطيق كتمان ما في داخله، وكان شهر رمضان وتخلف عبده عن حضور الغداء فى يوم الأحد مع الأسرة .. ثم فى الأحد التالى إمتنع أباه عن الأكل بإنتظار إبنه الطبيب .. ثم كان الأحد الثالث فى هذا الرمضان .. وكانت العاصفة حيث صارحه أباه بما راوده من شكوك .. هنا آن أن يلقى حموله وينهى حياته القلقة .. فأعلم أباه بإسلامه .. فعرض عليه المال والزواج .. فعرض عبده عليه الإسلام .. فتوعده أباه بالويل والثبور وعظائم الأمور .. فإندفع الإبن المسلم إلى خارج لدار فخرجوا ورائه يسبونه ويقذفونه بالطوب .. فخرج إلى الشوارع وراجع نفسه فوجد أنه ليس لديه شىء لا كتبه ولا أدواته ولا ملابسه ولا يملك المال بالطبع فإستضافه صديقه فى طريق البحث الدكتور صدقى وأنفق عليه صديقهم الثالث .. ثم وجد أهل الدكتور عبده إبنهم .. فدعوه إلى مناقشة رجال الدين النصراني .. فوافقهم وكانت المناظرة فى بيت أبيه .. وفى يوم المناظرة فى الصباح ذهب الدكتور إلى الشيخ محمد رشيد رضا فأرشده إلى الأسئلة المضادة والأدلة من الكتب السابقة وغير ذلك مما خفى عليه من فنون المناظرة .. وكانت المناظرة وكانت الردود المفحمة من الطبيب الشاب وألجم رجال الدين النصارى .. وإنتهت الجلسة بأنهم يلتقون مرة أخرى مع رجال أقوى أما الحضور فقد تشككوا فى دينهم وأصبحت المسلمات عندهم معلقات واعلن القساوسة صب اللعنات على الطبيب عبده .. ثم كان اليوم الموعود مع أعلم علماء النصارى وجاء الناس منتظرين الهزيمة النكراء للطبيب الشاب .. وكان رد عبده رداً قوياً لا يخرج سوى من باحث قضى عمره فى البحث عن الحق .. فحاربه أهله ولكنه لم يرضخ لهم، وتزوج فتاة مسلمة من بيت علم ودين .. وكانت قصة الزواج أحد العذابات التى تعرض لها هذا الرجل المهاجر بدينه .. وأنجب منها عام 1907 ابنه البكر عيسى الذي أصبح فيما بعد الدكتور/ عيسى عبده المفكر والباحث والمستشار في الاقتصاد الإسلامي، عليه رحمة الله ثم فى عام 1910 أنجب إبنه الثانى هو الدكتور محمد عبده رحمه الله أستاذ الهندسة فى جامعات سويسرا

وكان السبب فى إختيار الإسم عيسى مارواه د.عيسى عبده ابراهيم على لسان أبيه بشأن تسميته "عيسى" حيث قال : (إن بيني وبين ربي عهدا لا يعلمه إلا هو، وإني أسير على الدرب لا أحيد، إنني حين تمسكت بالاسم الذي اختاره أبي وهو "عبده" تعلق رجائي بأن يمتد بي الأجل حتى أتزوج وأن أرزق مولودا أدعوه "عيسى"، وعاهدت ربي على تنشئته تنشئةً صالحة، ولأدعون له بطول العمر والتوفيق إلى مافيه رضا الله وبأن يكون له في حياته ومن بعد حياته أحسن الذكر على ألسنة العباد، ولذا جعلت من وجود هذا الولد شهادة تنبض بالحياء بأن "عيسى " "عبده" وما هو بولده، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.....فكلما ذكره الذاكرون غائبا أو حاضرا .. حيا أو ميتا .. كان ذكرهم هذا شهادة مني بين يدي الله عز وجل بأن عيسى عبده..(

هو أستاذ الإقتصاد الإسلامى بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، وأستاذ الحضارة الإسلامية بكلية الإقتصاد والتجارة بالجامعة الليبية، أستاذ إدارة الأعمال بكليات الإقتصاد والتجارة بجامعة عين شمس وبالجامعة الليبية، أستاذ منتدب بكليات الهندسة بجامعة القاهرة والإسكندرية، أستاذ منتدب بالمعهد العالى لشئون القطن وبالمعهد العالى للدراسات الإسلامية، ومحاسب قانونى .

هو رائد البنوك الإسلامية والذى عمل على تحقيق حلم البنك الإسلامى فكان بنك دبى الإسلامي أول بنك إسلامى ثم كان بنك فيصل.

إن من الوفاء لهذا الرجل أن يعرف هذا الجيل بعض هذه الجهود التي بذلها الدكتور عيسى عبده، وإخوانه، كي ينطلق شباب الصحوة الإسلامية لإكمال المسيرة في كل الميادين، فكل ميسر لما خُلق له. وفاته كانت وفاة أستاذنا في مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية يوم 9/1/1980مـ، وقد تم نقل جثمانه إلى مدينة الرسول عليه الصلاة والسلام "المدينة المنورة" حيث دفن بالبقيع حسب أمنيته. رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

من أقوال الكتور عيسى عبده : (إن الإسلام لا يفرض على القوة العاقلة في الإنسان حالة من الجمود والتعطيل.. بل على العكس من ذلك، إنه يدعو إلى إعمال العقل حيث ينبغي له أن يعمل، ومجاله واسع في هذا الوجود المشهود، في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار، وفيما خلق الله من شيء.. أما أن يتطاول العقل ليحكم على القواعد الآمرة والناهية التي تحكم السلوك، أو يحاول أن يجيء من عنده بأسس نظرية يقيم عليها الحكم المعين، فإذا انهارت هذه الأسس بقي الحكم معلقاً حتى يصل العقل إلى غيرها.. نقول: أما هذا الذي يطيب لبعض الباحثين، فهو عندنا إثم كبير)

ترجمة رائد البنوك الإسلامية الدكتور عيسى عبده
لسماع قصة حياة الدكتور عبده إبراهيم إضغط هنا
للوصول إلى تسجيلات للدكتور عيسى عبده إضغط هنا

من كتب الدكتور :

-
العقود الشرعية الحاكمة للمعاملات الإسلامية
-
دراسات في الاقتصاد الإسلامي
-
وضع الربا في بناء الاقتصاد القومي
-
الإقتصاد الإسلامى مدخل ومنهاج
-
التأمين بين الحل والتحريم
-
النظم المالية فى الإسلام
-
حقيقة الإنسان
-
الإقتصاد الإسلامى، مدخل و منهاج
-
البنوك الإسلامية... فى مراحل الدراسة والإنشاء والإدارة
-
بحوث فى الربا
-
بترول المسلمين
-
الزكاة أداةٌ اقتصادية
-
التأمين بين المؤيدين والمعارضين
-
التأمين بين الأصيل والبديل
-
نحو إقتصاد إسلامى سليم ... لماذا حرم الله الربا؟
-
الربا ودوره فى ا ستغلال موارد الشعوب
-
وضع الربا فى البناء الإقتصادى
-
بنوك بلا فوائد
-
حاجة المسلمين إلى خطة العمل
-
القرآن والدراسات الإقتصادية
-
النظم المالية فى الإسلام
-
حديث الفجر
-
دراسات فى الإقتصاد السياسى
-
مذكرة فى التنظيمات الإتحادية
-
النقود والمصارف – بالإشتراك مع الدكتور/ عبد العزيز مرعى
-
اقتصاديات النقود والمصارف – بالإشتراك مع الدكتور/ عبد العزيز مرعى
-
شركات الأموال
-
تمويل المشروعات - بالإشتراك مع الأستاذ/ محمد حمزة عليش
-
إدارة المشروعات فى مراحل الإنتاج والتوزيع
-
التصنيع ومشكلاته - جزئين
-
المشكلات الإقتصادية المعاصرة فى الإقليم المصرى - بالإشتراك مع الدكتور/ عبد العزيز مرعى

كما أن له العديد من المقالات فى المجلات الإقتصادية المتخصصة كالأهرام الإقتصادى ... وبحوث فى المجلات التى تصدر عن الجمعيات الإسلامية كمجلة المسلمون ... والعديد من المحاضرات النافعة.

رحم الله الدكتور إبراهيم عبده وولديه عيسى ومحمد ورحم الله رفاق طريق الهداية ورحم الله الشيخ محمد رشيد رضا.

 

66-المستشار الدكتور المصري محمد مجدي مرجان رئيس محكمة الاستئناف العليا

 

ولد فى أسرة متدينة مسيحية ، وكان شماساً فى الكنيسة ، ثم اعتنق الإسلام ، وكتب أربعة كتب فى إظهار الحق : الله واحد أم ثالوث ، المسيح إنسان أم إله ، محمد صلى الله عليه وسلم نبى الحب ، لماذا أسلمت ؟

 

يشغل الآن منصب رئيس محكمة الجنايات والاستئناف العليا ، ورئيس منظمة الكتاب الأفريقيين والآسيويين ؛ و تنشر جريدة الأهرام المصرية مقالاته.

 

كم هى ممتعة كتابات النصارى الذين أسلموا !

لكن الأكثر إمتاعاً عندما يتصدون لعلماء دينهم السابق ، يبينون تهافتهم ، ويفندون باطلهم ، دافعين عن الإسلام كل باطل وسوء .

 

اخترت لكم فصلاً ممتعاً من كتابه القيم ، أسوقه إليكم إن شاء الله ، بعد ملاحظة جانبية ..

 

يرد فى كتاب الدكتور مرجان اسم الكاتب النصراني " يس منصور " كثيراً ، وأغلب ظنى أنه خطأ مطبعى ، أقصد " يس " ، مع أنها تتكرر فى كثير من الكتابات بهذا اللفظ .. والذى أميل إليه ، وقد قرأته فى كتاب من قبل ، أن تصحيحها هو " يسى " ، وهذا أقرب من " يس " للتصديق ، لأنه اسم أبى داود فى الكتاب المقدس عند النصاري.

 

أترككم الآن مع هذا الفصل الممتع من كتابه " الله واحد أم ثالوث "

 

الفصل الرابع : القرآن والثالوث

 

رغم عدم اقتناع أصحاب الثالوث به ، ورغم اختلافهم حوله فى جملته وتفصيله ، وفى عناصره وأقانيمه ، فقد دفع الغى والمكابرة بالبعض منهم إلى الادعاء بأن الإسلام وكتابه المنزل على رسوله " القرآن الكريم " لا يعترف بوحدانية الله ، بل يؤمن بثالوثهم الإلهى !

 

يقول القمص باسيليوس إسحق : " إن البسملة الإسلامية ، وهى بسم الله الرحمن الرحيم ، تؤيد التثليث ، فالله هو الآب ، والرحمن هو الابن ، والرحيم هو الروح القدس " [كتاب الحق ص 122]

 

ونعتقد أن القمص الفاضل قد نسى أن كلا من صفتى الرحمن والرحيم هما بعضاً من الصفات التى لا تحصى لله الواحد الأوحد ، وليست جزءاً أو عنصراً أو أقنوماً من أقانيم الله ، فالله سبحانه وتعالى ذو صفات وأسماء عديدة لا يمكن حصرها ، وهى إن دلت على شىء فإنما تدل على قدرته وعظمته جل وعلا ، وعلى تفرده وحده بالربوبية والتعظيم .

 

ونحن إذا تابعنا هذا الرأى فإنه يمكن الاستدلال من القرآن ليس فقط على التثليث بل على التسبيع ووجود سبعة آلهة وليس ثلاثة ، وذلك بما ورد فى أول سورة غافر : " حم . تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم . غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذى الطول " .

 

بل يمكن أيضاً أن يجرفنا الزيغ والضلال ، فنقرر أن القرآن يثبت وجود سبعة عشر إلهاً ! .. وذلك بما ورد فى آخر سورة الحشر التى ورد بها سبعة عشر اسماً وصفة من الصفات التى يتصف بها الرحمن والتى لا يحصيها بيان .

 

ومع ذلك فإن قسيسنا "الفاضل" القمص باسيليوس إسحق يتمادى فى ادعائه ، ويقوم باستجلاب بعض الألفاظ الدارجة التى يتلفظ بها العامة أحياناً ، ثم يقوم بتحميل تلك الألفاظ فوق ما تحتمل أوتطيق ، رغبة منه فى إلصاق تهمة التثليث بها وهى بريئة منها براءة الحملان ..

 

يقول القمص باسيليوس : " إن القسم المغلظ الذى يقسمه المسلم قائلاً : والله العظيم ثلاثة .. فإنما يقسم بالآب والابن والروح القدس ، وإذا طلق المسلم زوجته طلقة بائنة ، فإنه يطلقها ثلاثاً ، أى أنه يطلقها باسم الآب والابن والروح القدس ".

 

ويستطرد القمص قائلاً : " إن المسلم يفتتح صلاته بالتكبير قائلاً : ( الله أكبر ) والمقصود بذلك مقارنة الله بآخر من ذات جنسه ونوعه ، وأن المسلمين بذلك يعتنقون المذهب المسيحى القائل بأن أقنوم الآب أعظم من أقنوم الابن ".

 

ويقول القمص باسيليوس إن هذه الأقوال وردت فى القرآن وأنها تدل على إيمان المسلمين بالثالوث .

 

وبعد هذا الشرح المستفيض لعقيدة الثالوث ، وادعاء اعتناق الإسلام لها ، يعود القمص فيقرر عدم فهمه وإدراكه لحقيقة الثالوث فيقول : " أجل ، إن هذا التعليم عن التثليث فوق إدراكنا ، ولكن عدم إدراكه لا يبطله " .

 

والإنسان منا ليعجب فى هذا الأمر ! .. كيف يؤمن المرء بعقيدة لا يفهمها ؟! .. وكيف يحاول أن يقصر غيره على الاعتقاد بما لا يفهمون ولا يفهم ؟ .. بل كيف يصل به التمادى إلى ادعاء اعتناق دين التوحيد الأسمى لعقيدة الثالوث ، التى ما جاء هذا الدين إلا لتحرير العقول والقلوب من أدرانها وترهاتها ؟

 

وإذا تركنا جانباً عواطف الدهشة والاستنكار ، ثم حاولنا أن نناقش أقوال القمص باسيليوس من الناحية الموضوعية ، طالعنا منذ البداية أنها قد بنيت فى جملتها على المغالطة والبعد عن الصواب ، فلا مراء ولا جل فى أنه لا علاقة للقرآن الكريم الذى نزل من عند الله بألفاظه ومعانيه بتلك الكلمات الدارجة التى أتى بها القمص لتأييد ثالوثه ، فهذه الكلمات لم ترد فى القرآن ، ولم تنزل على رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم .

 

ومع تسليمنا بأن هذه الألفاظ قد يستعملها الناس مسلمين وغير مسلمين فى أحاديثهم ، فإنه لا علاقة لتلك الألفاظ مطلقاً بأحلام القمص الثالوثية ، فالمسلم حين يقسم بالله العظيم مرة واحدة ، وحين يكرر قسمه أحياناً مرتين أو ثلاثة ، أو أكثر من ذلك أو أقل ليؤكد عزمه على الوفاء بقسمه ، أو حين يعزم على طلاق زوجته فينطق بصيغة الطلاق قائلاً لها : أنت طالق ، وأحياناً يردد تلك الصيغة مرة أو مرات ليؤكد تصميمه على إيقاع الطلاق .. هذه الألفاظ التى تخضع فى صيغتها وفى عدد مرات تكرارها للبيئة والعرف والعادات الاجتماعية ، والتى تختلف صيغتها وتكرار ترديدها من مجتمع إلى آخر ومن بيئة إلى أخرى ، على اختلاف دياناتها ومعتقداتها ، مثلها فى ذلك مثل الأمثال العامية التى تقول إن المرة الثالثة ثابتة ، أو العدد عشرة يجلب الحظ والعدد 13 يجلب النحس .. هذه الأقوال والأمثال فى جملتها مستخرجة من ظروف وتاريخ الشعب الذى يستعملها ويسير عليها ، بصرف النظر عن معتقداته وأديانه ، فليس ثمة علاقة بين هذه الألفاظ وبين أى دين من الأديان .

 

كما أنه من الغرابة بمكان أن نحاول إثبات أو أنفى عقيدة دينية تتعلق بذات الله باستجلاب الألفاظ والأمثال العامية التى وضعها الناس لحكم معاملاتهم المادية واحتكاكاتهم السوقية !

 

أما القول بأنه إذا نطق المسلم بلفظ الطلاق ثلاث مرات ، أو ألقى يمين الطلاق على زوجته ثلاثاً ، فإن هذا يعتبر طلاقاً بائناً ، فلا شك أنه قول مرجوح لا يستند إلى دليل ولا يجرى عليه علم ، ذلك أن العبرة دائماً ليست بتكرار الألفاظ أو بترديد الكلمات ، وإنما العبرة أولاً وأخيراً هى بتعدد المرات التى يقوم فيها المسلم من حيث الواقع بتطليق زوجته وإعادتها إلى عصمته ، فمهما عد المسلم أيمان الطلاق ، ومهما كرر التلفظ بصيغة الطلاق مرة أو مرات ، ثلاثاً أو عشراً ، فما دام أنه يطلق زوجته ـ من حيث الواقع ـ للمرة الأولى ، فإن طلاقه هذا لا يعتبر بحال من الأحوال طلاقاً بائناً ، هذا هو حكم الشرع والقانون ، وهذا هو ما يسير عليه العمل .

 

أما التكبير والتعظيم لله الكبير العظيم الذى يفتتح به المسلم صلاته بقوله " الله أكبر " و " الله أعظم " ، فهو لفظ يعنى أن الله أكبر وأعظم من كل ما فى الوجود .. إنها تعنى أن الله أكبر وأعظم من كل شىء ، وأنه سبحانه ليس كمثله شىء ، إنها تعنى تفرد الله وحده بالإكبار والإعظام والإجلال ، فالله وحده هو الأكبر والأعظم والأغنى والأعلى من كل ما فى الوجود ، ولم يدر بخلد إنسان ما بقولة القمص باسيليوس من أن هذا الإكبار والإعظام لله يعنى مقارنة بين إلهين أحدهما أكبر أو أعظم من الآخر .. حاشا لمؤمن أن يتردى فى هذا الضلال !

 

ويشرع كاتب ثالوثى آخر فى محاولة إثبات الثالوث والبرهنة عليه من القرآن ، ولكن بطريقة أخرى مغايرة لطريقة القمص باسيليوس ، ذلك هو الأستاذ يس منصور يقول سيادته : " إن الإسلام يذكر حوالى تسعاً وتسعين اسماً لله ، أى أن صفات الله الحسنى نحو 99 صفة ، وهذه الصفات متباينة ومختلفة ، تناقض إحداها الأخرى ، بحيث لا يمكن التوفيق بينها فى الذات الواحدة ، إلا إذا آمنا بالتثليث ، فمن أسماء الله الحسنى : الضار المنتقم ، ومنها : العفو الرءوف ، ومنها : القدوس البار " [التثليث والتوحيد ص 105]

 

ويستطرد الكاتب قائلاً : " كيف يكون الله منتقماً وغافراً معاً ؟ .. فالمنتقم يدل على انتقامه من المذنب انتقاماً بلا تساهل ، أما الغفور فيدل على تبريره للمذنب تبريراً شاملاً "

 

ويضيف قائلاً : إنه لا يمكن التوفيق بين هذه الصفات المتناقضة إلا بالقول بالتثليث .

 

ويعنى كاتبنا "الألمعى" أن نقوم بتوزيع أسماء وصفات الله الحسنى على أفراد الثالوث الإلهى ، بحيث يكون لكل أقنوم أو إله من آلهة الثالوث عدة أسماء وصفات متوافقة مع بعضها وإن اختلفت مع أسماء وصفات الإله الآخر ، فيكون الله الآب مثلاً هو الضار المنتقم ، ويكون الله الابن هو العفو الرءوف الغفور ، ويكون الله الروح القدس البار .

 

وقد يبدون هذا الرأى فى البداية -لبعض الناس - أنه متوافق مع المنطق ، ولكن هؤلاء إذا ما تمهلوا قليلاً ، لتبينوا أن هذا الرأى قد وصل إلى حال من البساطة والسذاجة فاقت كل تصور!

 

إن الأستاذ يس منصور فى رأيه هنا يعتنق مذهب الثنوية الذى كان منتشراً فى بلاد الفرس القديمة إبان الوثنية ، والذى كان يقسم الآلهة إلى قسمين متعارضين ، كل إله منها يحمل صفة مناقضة لصفة الإله الآخر ، وكل إله منها يقوم بعمل لا يقوم به الإله الآخر ، فهذا إله الخير ، وذاك إله الشر ، وهذا إله النور ، وذاك إله الظلام ، وهذا إله الحرب ، وذاك إله السلام .. وهكذا ..

 

والأستاذ يس فى انسياقه وراء المذاهب الوثنية قد هدم الأساس الأول الذى بنيت عليه عقيدة الثالوث من حيث أراد تبريرها وتدعيمها ، ذلك أن عقيدة الثالوث مؤسسة على الاعتقاد بمشابهة المخلوقات للخالق، وبأن البشر والحيوانات والنباتات الراقية مكونة من ثلاثة أجزاء كالله الثالوث تماماً ، فالمماثلة والمشابهة بين الخالق والمخلوق هى الدعامة الأولى لعقيدة الثالوث.

 

ونحن إذا أخذنا الإنسان ، صورة الله ومثاله كما تقرر نظرية الثالوث ، لوجدناه يتصف بعدة صفات متباينة مختلفة ، وبعدة خصائص متغايرة متعارضة ، تظهر أى منها وقت الحاجة إليها ، وتبعاً للظروف التى اقتضتها .

 

فمن صفات الإنسان مثلاً : العطف والحنان والقسوة والانتقام ، والإنسان نفسه قد تدعوه الظروف تارة إلى القسوة ، وتارة أخرى إلى الرحمة .

 

فالجندى الذى يكون رحيماً عطوفاً مع ابنه الصغير هو نفسه الجندى الصلب القاسى مع أعداء وطنه ومستعمريه ، والمدرس الذى يقسو على الطلاب الخاملين هو نفس المدرس الذى ينبض عطفاً على الطلاب النابغين ، والعاشق الذى يذوب رقة فى معاملة محبوبته قد يكون قاسياً فى معاملة موظفيه وعماله ، وهكذا بالنسبة لبقية الصفات والخصائص التى يتحلى بها الإنسان ، والتى تظهر أى منها تبعاً للظروف والملابسات التى فرضتها وحتمتها . ولم يقل أحد إن من يقسو لظرف لا يرحم لآخر ، أو من يحب شخصاً لا يكره آخر .

 

بل إنه حتى الوحوش المفترسة قد أودعت فيها مع القوة والقسوة العطف والحنان ، بحيث يمكن أن تتحول فى لحظة من التوحش إلى الوداعة ومن العنف إلى اللطف ، فالأسد الذى ينقض فى شراسة على فريسته لينهش لحمها ويفتت عظامها ، هو الأسد نفسه الذى ينساب ليونة فى تدليل زوجته ، وهو الأسد نفسه الذى يعتصره الحزن والألم عند موت وليده ، والأسد كما هو فى كافة حالاته ، وبجميع صفاته وخصائصه المختلفة المتباينة .

 

وعقيدة الثالوث ترى أن هذه المخلوقات المتعددة الصفات ، ما هى إلا صورة للخالق الذى خلقها على صورته وشبهه ، ولكن يبدو أن الأستاذ يس منصور يميل إلى حرمان الخالق من الصفات والملكات المتعددة التى تملكها المخلوقات ، بحيث إنه يلزم لخلق إنسان مثلاً متعدد الصفات والملكات أن يشترك فى صنعه عدة آلهة يمنحه كل منها صفته الخاصة وقدرته الذاتية ، وبهذا تتجمع الصفات فى المخلوق وتتفرق فى الخالق .. إذا لم يكن هذا هو الغى ، فماذا عساه يكون ؟!

 

خبرونا أيها العقلاء !!

 

لقد أخفق ( يس منصور ) من حيث أراد النجاح ، وهوى من حيث أراد الارتقاء .

 

ومن حيث المبدأ فالإسلام يبطل التثليث – كما قدمنا – بحجج كثيرة ، ويكفر النصارى باعتقادهم إياه وأعتقادهم ان المسيح هو الله ، فكيف يقال : إن التثليث يمكن أخذه من القرآن ، بينما أن معظم آيات القرآن الكريم إنما جاءت لتأصيل التوحيد في مواجهة الوثنية والثنوية والتثليث ، وغيرها من العقائد الباطـلة ؟

 

ولا أدرى كيف يدل تعدد أسماء الله الحسنى على التثليث ، وهي ليست ثلاثة أسماء ، بل يبلغ مجموعها عشرات الأسماء ، كما هو معروف ؟ .

 

والواقع أن عقيدة الإسلام فيما يتعلق بأفعال الله : أنه سبحانه وتعالى فاعل مختار ، أي أنه مريد لأفعاله ، لا تصدر عنه بالإيجاب . ولهذا تعددت أفعاله تبعا لإرادته ، فلم يكن ذا فعل واحد ، أو ذا أفعال لها وجه واحد – كما هي العقيدة الثنوية في أنها تقصر الخير على إله ، والشر على إله آخر – فهو خالق كل شئ في هذا الوجود ، وهو الفعال لما يريد ، يعطي ويمنع ، ويخفض ويرفع ، ويقبض ويبسط ، ويعاقب ويغفر ، ويعز .. وكل ذلك منه سبحانه وتعالى خير وحكمة .

 

وهكذا تتعدد أفعاله ، وتتعدد صفاته ، وتتعدد أسماؤه . ولا محالة في أن تجمع الذات الإلهية بينهما جميعاً مهما كان بينها من تناقض ، ما دام فعله سبحانه وتعالى لا يجمع بين النقيضين في موضوع واحد ، تتم فيه شروط التناقض .

 

فأي محال في أن يغفر لهذا ، ويعاقب هذا ؟ بل وأي محال في أن يعاقب إنسانا ، ثم يغفر له بعد ذلك ، ويدخله الجنة ؟

 

وهكذا يمكننا أن نفهم تعدد أسماء الله الحسنى على اختلاف ما بينها وأن نفهم تعدد أفعاله على اختلاف ما بينها ، ما دام الفعلان المتناقضان لا يتحدان موضوعا ، أو محمولا ، أو زمانا ، أو مكانا .. الخ أي لا يتحدان في النسبة الحكمية بين موضوع الفعل ومحموله .

 

فالله الفاعل المختار واحد ، يفعل بإرادته كل فعل تقتضيه حكمته ، وليس ذاتا موجبة لأفعال معينة ، وكمالات الفاعل المختار على هذا النحو تبدو في تعدد أسمائه وأفعاله ، وليس في هذا التعدد ما يوجب توزيعها على آلهة متعددة أو على آلهة مختلفة ، لا إلهين اثنين ، ولا آلهة ثلاثة ، ولا أكثر من ذلك . وقيامها بالذات الواحدة أمر مفهوم على نحو ما قدمناه . وهذا هو مقتضى الكمال الإلهي ومقتضى التوحيد .

 

والقرآن يقرر أن كافة الصفات والقدرات والأسماء التى لا تحصى ولا تعد والتى أورد منها 99 اسماً هى لإله واحد لا شريك له ولا مثيل ، وأن هذه الصفات والأسماء إنما تدل على قدرة الله وتفرده بالقوة والعظمة .. يقول سبحانه : " هو الله لا إله إلا هو ، له الحمد فى الأولى والآخرة ، وله الحكم ، وإليه ترجعون " [القصص 70]

 

ويقول عز من قائل : " الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى " [طه 8]

 

أما دعوة الثالوث ، وعباد الثالوث ، فيورد القرآن فيها حكمه القاطع ! .. " لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة ، وما من إله إلا إله واحد ، وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم " [المائدة 73]

مشاهير أسلموا

 

67- المغني السابق البريطاني يوسف إسلام

 

يوسف إسلام أو المغني الإنجليزي المعروف كات ستيفنس سابقاً يعرض قصة إسلامه:

 

أود أن أبدأ قصتي بما تعرفونه جميعًاً وهو أن الله قد أستخلفنا في الأرض وأرسل لنا الرسل وأخرهم رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم ليهدينا إلى الطريق القويم. وعلى الإنسان أن يلاحظ واجبه نحو هذا الإستخلاف وأن يسعى لتحضير نفسه للحياة الخالدة القادمة فمن تفوته الفرصة الآن لن تأتيه أخرى فلن نعود ثانية حيث يقول القران الكريم: "

{وَلَوْ تَرَى إِذْ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُوا رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ * وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } (السجدة: 12: 14)

{وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ } (فاطر: 37)

 

نشأتي:

نشأت في بيئة مرفهة تملؤها أضواء العمل الفني الإستعراضي المبهرة وكانت أسرتي تدين بالمسيحية وكانت تلك الديانة التي تعلمتها فكما نعلم أن المولود يولد على الفطرة وأهله يمجسانه أو يهودانه أو ينصرانه لذلك فقد تم تنصيري بمعنى أن النصرانية هي الديانة التي أنشأني والدي عليها. وتعلمت أن الله موجود ولكن لا يمكننا الإتصال المباشر به فلا يمكن الوصول إليه إلا عن طريق عيسى فهو الباب للوصول إلى الله. وبالرغم من إقتناعي الجزئي بهذه الفكرة إلا أن عقلي لم يتقبلها بالكلية.

وكنت أنظر إلى تماثيل النبي عيسى فأراها حجارة لا تعرف الحياة وكانت فكرة التثليث أو ثلاثية الإله تقلقني وتحيرني ولكني لم أكن أناقش أو أجادل إحتراماّ لمعتقدات والدي الدينية.

 

مغني البوب المشهور:

وبدأت أبتعد عن نشأتي الدينية بمعتقداتها المختلفة شيئاًَ فشيئاً وإنخرطت في مجال الموسيقى والغناء وكنت أرغب في أن أكون مغني مشهور. وأخذتني تلك الحياة البراقة بمباهجها ومفاتنها فأصبحت هي إلهي. وأصبح الثراء المطلق هو هدفي تأسياً بأحد أخوالي الذي كان واسع الثراء، وبالطبع كان للمجتمع من حولي تأثير بالغ في ترسيخ هذه الفكرة داخلي حيث أن الدنيا كانت تعني لهم كل شيء وكانت هي إلههم.

ومن ثم إخترت طريقي وعزمت أن يكون المال هو هدفي الأوحد وأن تكون هذه الحياة هي مبلغ المنى ونهاية المطاف بالنسبة لي. وكان قدوتي في هذه المرحلة كبار مطربي البوب العالميين وإنغمست في هذه الحياة الدنيوية بكل طاقتي. وقدمت الكثير من الأغاني ولكن داخلي وفي أعماق نفسي كان هناك نداء إنساني ورغبة في مساعدة الفقراء عند تحقيقي للثراء المنشود. ولكن النفس البشرية كما يخبرنا القرأن الكريم لا تفي بكل ما تعد به ! وتزداد طمعاً كلما منحت المزيد.

وقد حققت نجاحاً واسعاً وأنا لم أتعدى سنواتي التسعة عشرة بعد وإجتاحت صوري وأخباري وسائل الإعلام المختلفة فجعلوا مني أسطورة أكبر من الزمن وأكبرمن الحياة نفسها وكانت وسيلتي لتعدي حدود الزمن والوصول إلى القدرات الفائقة هي الإنغماس في عالم الخمور والمخدرات.

 

 

 

الدخول إلى المستشفى:

بعد مضي عام تقريباً من النجاح المادي و"الحياة الراقية" وتحقيق الشهرة أصبت بالسل ودخلت المستشفى. أثناء وجودي بالمستشفى أخذت أفكر في حالي وفي حياتي هل أنا جسد فقط وكل ما عليَ فعله هو أن أسعد هذا الجسد؟ ومن ثم فقد كانت هذه الأزمة نعمة من الله حتى أتفكر في حالي, وكانت فرصة من الله حتى أفتح عيني على الحقيقة وأعود إلى صوابي. " لماذا أنا هنا راقداً في هذا الفراش؟" وأسئلة أخرى كثيرة بدأت أبحث لها عن إجابة. وكان إعتناق عقائد شرق أسيا سائداً في ذلك الوقت فبدأت أقرأ في هذه المعتقدات وبدأت لأول مرة أفكر في الموت وأدركت أن الأرواح ستنتقل لحياة أخرى ولن تقتصر على هذه الحياة‍‍‍‍‍. وشعرت أنذاك أني على بداية طريق الهداية فبدأت أكتسب عادات روحانية مثل التفكر والتأمل وأصبحت نباتياً كي تسمو نفسي وأساعدها على الصفاء الروحي. وأصبحت أؤمن بقوة السلام النفسي وأتأمل الزهور. ولكن أهم ماتوصلت إليه في هذه المرحلة هو إدراكي أني لست جسد فقط.

وفي أحد الأيام بينما كنت ماشياً إذا بالمطر يهطل وأجدني أجري لأحتمي من المطر فتذكرت مقولة كنت قد سمعتها قبل ذلك وهي أن الجسد مثل الحمار الذي يجب تدريبه حتى يأخذ صاحبه أينما يريد وإلا فإن الحمار سيأخذ صاحبه إلى المكان الذي يريده هو. إذاً فأنا إنسان ذو إرادة ولست مجرد جسد كما بدأت أفهم من خلال قرأتي للمعتقدات الشرقية ولكني سئمت المسيحية بالكلية. وبعد شفائي عدت لعالم الغناء والموسيقى ثانية ولكن موسيقاي بدأت تعكس أفكاري الجديدة. وأتذكر إحدى أغنياتي التي قلت فيها

" ليتني أعلم

ليتني أعلم من خلق الجنة والنار

ترى هل سأعرف هذه الحقيقة وأنا في فراشي

أم في حجرة متربة

بينما يكون الأخرين في حجرات الفنادق الفاخرة."

وعندها عرفت أني على الطريق السليم.

وفي ذلك الوقت كتبت أيضاً أغنية أخرى " الطريق إلى معرفة الله"

وقد إزدادت شهرتي في عالم الموسيقى وعانيت من أوقات عصيبة لأن شهرتي وغناي كانتا تزدادان بينما كنت من داخلي أبحث عن الحقيقة. وفي تلك المرحلة أصبحت مقتنعاً أن البوذية قد تكون عقيدة نبيلة وراقية ولكني لم أكن مستعداً لترك العالم والتفرغ للعبادة فقد كنت ملتصقاً بالدنيا ومتعلقاً بها ولم أكن مستعداً لأن أكون راهباً في محراب البوذية وأعزل نفسي عن العالم.

وبعدها حاولت أن أجد ضالتي التي أبحث عنها في علم الأبراج أو الأرقام ومعتقدات أخرى لكني لم أكن مقتنعاً بأي منها. ولم أكن أعرف أي شيء عن الإسلام في ذلك الوقت وتعرفت عليه بطريقة أعتبرها من المعجزات. فقد سافر أخي إلى القدس وعاد مبهوراً بالمسجد الأقصى وبالحركة والحيوية التي تعج بين جنباته على خلاف الكنائس والمعابد اليهودية التي دائماً ما تكون خاوية.

 

حكايتي مع القرآن:

أحضر لي أخي من القدس نسخة مترجمة من القرآن وعلى الرغم من عدم إعتناقه الإسلام إلا أنه أحس بشيئ غريب تجاه هذا الكتاب وتوقع أن يعجبني وأن أجد فيه ضالتي.

وعندما قرأت الكتاب وجدت فيه الهداية فقد أخبرني عن حقيقة وجودي والهدف من الحياة وحقيقة خلقي ومن أين أتيت. وعندها أيقنت أن هذا هو الدين الحق وأن حقيقة هذا الدين تختلف عن فكرة الغرب عنه وأنها ديانة عملية وليست معتقدات تستعملها عندما يكبر سنك وتقل رغبتك في الحياة مثل المعتقدات الأخرى.

ويصم المجتمع الغربي كل من يرغب في تطبيق الدين على حياته والإلتزام به بالتطرف ولكني لم أكن متطرفاً فقد كنت حائراً في العلاقة بين الروح والجسد فعرفت أنهما لا ينفصلان وأنه بالإمكان أن تكون متديناً دون أن تهجر الحياة وتسكن الجبال, وعرفت أيضاً أن علينا أن نخضع لإرادة الله وأن ذلك هو سبيلنا الوحيد للسمو والرقي الذي قد يرفعنا إلى مرتبة الملائكة. وعندها قويت رغبتي في إعتناق الإسلام.

وبدأت أدرك أن كل شئ من خلق الله ومن صنعه وأنه لاتأخذه سنة ولا نوم وعندها بدأت أتنازل عن تكبري لأني عرفت خالقي وعرفت أيضاً السبب الحقيقي وراء وجودي وهو الخضوع التام لتعاليم الله والإنقياد له وهو ما يعرف بالإسلام. وعندها إكتشفت أني مسلم في أعماقي. وعند قرائتي للقرآن علمت أن الله قد أرسل بكافة الرسل برسالة واحدة، إذاً فلماذا يختلف المسيحيين واليهود؟ نعم، لم يتقبل اليهود المسيح لأنهم غيروا كلامه, وحتى المسيحيون أنفسهم لم يفهموا رسالة المسيح وقالوا أنه إبن الله, كل ما قرأته في القرأن من الأسباب والمبررات بدا معقولاً ومنطقياً. وهنا يكمن جمال القرآن فهو يدعوك أن تتأمل وأن تتفكر وأن لا تعبد الشمس أو القمر بل تعبد الخالق الذي خلق كل شيء. فالقرآن أمر الإنسان أن يتأمل في الشمس والقمر وفي كافة مخلوقات الله. فهل لاحظت إلى أي مدى تختلف الشمس عن القمر؟ فبالرغم من إختلاف بعدهما عن الأرض إلا أن كل منهما يبدو وكأنه على نفس البعد من الأرض! وفي بعض الأحيان يبدو وكأن أحدهما يغطي الأخر! سبحان الله.

وعندما صعد رواد الفضاء إلى الفضاء الخارجي ولاحظوا صغر حجم الأرض مقارنة بالفضاء الخارجي أصبحوا مؤمنين بالله لأنهم شاهدوا أيات قدرته.

وكلما قرات المزيد من القرآن عرفت الكثير عن الصلاة والزكاة وحسن المعاملة ولم أكن قد إعتنقت الإسلام بعد ولكني أدركت أن القرآن هو ضالتي المنشودة وأن الله قد أرسله إلىّ ولكني أبقيت ما بداخلي سرأً لم أبح به إلى أحد. وبما أن فهمي يزداد لمعانيه عندما قرأت أنه لا يحل للمؤمنين أن يتخذوا أولياء من الكفار تمنيت أن ألقى إخواني في الإيمان.

 

إعتناق الإسلام:

وفي ذلك الوقت فكرت في الذهاب إلى القدس مثلما فعل أخي, وهناك بينما أنا جالس في المسجد سألني رجل ماذا تريد؟ فأخبرته بأني مسلم وبعدها سألني عن أسمي فقلت له :" ستيفنس" فتحير الرجل. وأنضممت إلى صفوف المصلين وحاولت أن أقوم بالحركات قدر المستطاع. بعد عودتي إلى لندن قابلت أخت مسلمة أسمها نفيسة وأخبرتها برغبتي في إعتناق الإسلام فدلتني على مسجد نيو ريجنت. وكان ذلك في عام 1977 بعد عام ونصف تقريباً من قرأتي للقرآن. وكنت قد إيقنت عند ذلك الوقت أنه عليّ أن أتخلص من كبريائي وأتخلص من الشيطان وأتجه إلى إتجاه واحد. وفي يوم الجمعة بعد الصلاة إقتربت من الإمام وأعلنت الشهادة بين يديه.  رغم تحقيقي للثراء والشهرة إلا أني لم أصل إلى الهداية إلا عن طريق القرآن. والأن أصبح بإمكاني تحقيق الإتصال المباشر مع الله بخلاف الحال في المسيحية والديانات الأخرى. فقد أخبرتني سيدة هندوسية ذات مرة: " أنت لا تفهم الهندوسية فنحن نؤمن بإله واحد ولكننا نستخدم هذه التماثيل للتركيز." ومعنى كلامها أنه يجب أن تكون هناك وسائط لتصلك بالله. ولكن الإسلام أزال كل هذه الحواجز, والشيء الوحيد الذي يفصل بين المؤمنين وغيرهم هو الصلاة. فهي السبيل إلى الطهارة الروحية.

 

وأخيراً أود أن أقول أن كل أعمالي أبتغي بها وجه الله وأدعو الله أن يكون في قصتي عبرة لمن يقرؤها. وأود أن أقرر أني لم أقابل أي مسلم قبل إقتناعي بالإسلام ولم أتأثر بأي شخص. فقد قرأت القرآن ولاحظت أنه لا يوجد إنسان كامل ولكن الإسلام كامل وإذا قمنا بتطبيق القرآن وتعاليم الرسول عليه الصلاة والسلام فسوف ننجح في هذه الحياة. أدعو الله أن يوفقنا في إتباع سبيل الرسول عليه الصلاة والسلام. آمين

 

يوسف إسلام (كات ستيفنس سابقاً)

من مقولات يوسف إسلام:

-" لم أكـــن أعرف السعــــادة قبل دخولي إلى الإسلام".

- " منذ أن بدأت قراءة القرآن .. وكل ما ازددت قراءة كلما تعجبت!! لماذا يسير الناس على غير هدىً في هذه الدنيا والدليــل أمامهم والضوء أمامهم؟! ,لما قرأت القرآن أيقنت أنه ليس من صنع البشر , ووجدت التوحيد فيه يتماشى مع الفطرة التي فطر الله الناس عليها.· هزني تعريف القرآن بخالق الكون ، فقد اكتشفت الإسلام عبر القرآن وليس من أعمال المسلمين ، أيها المسلمون كونوا مسلمين حقا حتى يتمكن الإسلام من الانتشار في العالم كله ، فالإسلام هو السلام لكل العالم."

- " أردت أن أعيــــــش للإسلام .. كـــــــــل يومي .. بدقائقه ولحظاته .. وكفــى الإسلام .. لي.. ولا أريــــــــد شيئا آخر من هـذه الدنيـا".

 

للمزيد يمكنكم الدخول علي الوصلة التالية كتاب "كات ستيفنـس من مغنٍّ إلى داعية "

http://www.saaid.net/Anshatah/dawah/46.htm   

 

يوسف قبل الإسلام: ولد يوسف إسلام تحت اسم ستيفن ديمتري جورجيو في شهر يوليو/ تموز 1947 لأم سويدية وأب من القبارصة اليونانيين. وتربى ستيفن في حي ويست إند بلندن في شقة تقع فوق المطعم المملوك لوالديه.

ونظراً لأن والده كان من القبارصة اليونانيين، فإنه كان يعتنق مذهب الأورثوذكس اليونان لكنه تلقى تعليمه في مدرسة كاثوليكية. وحصل ستيفنز على 8 ألبومات ذهبية متتالية وحازت أغانيه على شهرة واسعة في بريطانيا والولايات المتحدة.

 

وليوسف إسلام موقع علي الإنترنت عنوانه http://www.yusufislam.org.uk

 


68-الدكتور روبرت كرين مستشار الرئيس الأمريكي نيكسون

 

نبذة عنه: دكتوراه في القانون الدولي والمقارن ، رئيس جمعية هارفارد للقانون الدولي ، ومستشار الرئيس الأمريكي نيكسون للشؤون الخارجية ، ونائب مدير مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض سابقاً ، ومؤسس جمعية المحامين المسلمين الأمريكيين .

اعتنق الإسلام عام 1980م .

يقول د.فاروق عبد الحق ناعياً على العدوان الصحفي على الإسلام في أمريكا:

"لو قرأ الناس الصحف في أمريـكا ، فإنهم بلا شــك سـينتابهم الخوف من الإسلام" .

ويقول واثقا من مستقبل الإسلام :

"الإسلام هو الحل الوحيد ، فهو الذي يحمل العدالة في مقاصد الشريعة وفي الكليات والجزيئات والضروريات".

 

د. فاروق عبد الحق (روبرت گرين )مستشار الرئيس الامريكي نيكسون ونائب مدير الأمن القومي الامريكي هو أحد مستشاري الرئيس السابق نيكسون, رجل معه دكتوراة في دراسة الحضارات و هو من الشخصيات البارزة هناك, عمل في الخارجية الأمريكية والبيت الأبيض ثلاثين عاماً وحين أراد نيكسون أن يكتب كتابه طلب من المخابرات الأمريكية ملفاً عن الأصولية الإسلامية فوافوه بملف كامل عن الأصولية الإسلامية ولم يكن عنده من الوقت ما يسمح له بقراءته فأحاله إلي روبرت كرين فقرأه فأسلم علي الفور.

 

مع العلم بأن الملف الذي قرأه والذي كان سبباً في إسلامه قد كتب بأيدي المخابرات الأمريكية وليس بأبد إسلامية ومع ذلك فقد أسلم كونتين وهو الآن يكتب سلسلة من المقالات في دورية من أهم الدوريات الغربية.

 

إنه الإيمان الذي يقرع القلوب.

 

الدكتور "گرين" هو أحد كبار الخبراء السياسيين في أمريكا. وهو المؤسس والمنشىء لمركز الحضارة والتجديد في أمريكا. وبعد حصوله على شهادة الماجستير في الأنظمة القانونيّة المقارنة من جامعة هارفارد. وبعد تأسيسه لصحيفة "هارفارد" للقانون الدوليّ وتسلّمه منصب الرئيس الأوّل لجمعيّة هارفارد للقانون الدوليّ. عمل لمدّة عقد من الزمن فيما يسمّى بـ "المراكز الاستشاريّة لصنّاع السياسة في واشنطن".

وفي عام 1962م شارك في تأسيس مركز الدراسات الاستراتيجيّة الدوليّة. وفي عام 1963م وحتّى عام 1968م كان أكبر مستشاري الرئيس السابق ريتشارد نيكسون في السياسة الخارجيّة. وفي عام 1969م عيّنه نيكسون نائباً لمدير مجلس الأمن القوميّ في البيت الأبيض. وفي عام 1981م عيّنه رونالد ريغان سفيراً للولايات المتّحدة في الامارات العربيّة.

بعد إسلامه، عمل الدكتور "گرين" كمدير للقسم القانوني للمجلس الإسلامي الأمريكي وهو الرئيس المؤسس لرابطة المحامين الأمريكيين المسلمين، وهو حاصل على دكتوراه في القانون عام 1959م، ويتقن ست لغات حيّة. وهو متزوّج وأب لخمسة أولاد. نشر عشرة كتب وخمسين مقالة اختصاصيّة حول الأنظمة القانونيّة المقارنة والاستراتيجيّة العالميّة وإدارة المعلومات.

وعن كيفيّة اهتدائه الى الإسلام، يقول:

"في عام 1980م، وعلى أثر انتصار الثورة الإسلاميّة في ايران، ازداد اهتمام الناس في الغرب بالإسلام، ولم يكن اهتمامهم اعجاباً به وانّما اعتبروه تهديداً لهم، لذلك تنادى العديد من صنّاع الفكر الى عقد الندوات والمؤتمرات، حول هذا الموضوع. وقد حضرت أحد المؤتمرات كي أرى ماهيّة هذه الدراسات والاطروحات المقدّمة، (في خريف 1980م)، وكان مشاركاً في المؤتمر الكثير من قادة الفكر الإسلاميّ، ومنهم الدكتور حسن الترابيّ الذي تكلّم عدّة مرّات وشرح الإسلام تماماً، كما كنتُ أبحث عنه، فادركتُ أنّه متقدّم في أفكاره، ثمّ رأيته وهو يصلّي ويسجد، وكنتُ ضدّ مسألة السجود، لأنّ الانسان في نظري لا يجب أن يسجد لأحد، ففي هذا اهانة له ولانسانيّته. ولكنني أدركتُ أنّ الشيخ حسن الترابي ينحني لله ويسجد له، فالأولى أن أنحني وأسجد أيضاً، وهكذا فعلتُ ودخلتُ الإسلام، من يومها، على يد الدكتور حسن الترابيّ".

وعما كان يسكنه من هاجس ثم وجد في الإسلام اجابة له، يقول "گرين": "كان والدي يعمل استاذاً في جامعة هارفارد. وقد علّمني أن أهتم وادافع عمّا هو صواب، وأن احاول تجنّب الخطأ. وقد قضيتُ معظم وقتي في التحرّي عن العدل والعدالة قبل أن أصبح مسلماً.

وفي الندوة التي جمعتني مع البروفسور (روجيه غارودي) في دمشق سمعته يتحدث ويهاجم الرأسمالية منذ كان شيوعياً، وكلانا كان لديه نفس الهدف، وهو أن يدعم العدالة. وكلانا كان ضدّ التركيز على الثروة، لأنّ الاهتمام بجمع الثروة ليس بعدل. لقد اتّبع غارودي المبدأ الماركسي الذي يسعى لتحطيم الملكيّة، في حين أنّي كنتُ أعتبر الملكيّة مفتاحاً للحريّة. لكن كلانا كان يرى أن الملكيّة تؤدّي في النهاية الى الظلم وعدم انتشار العدل، وكلانا كان يدعو الى نظام يدعو الى انتاج واعطاء العدالة للجميع.. لذلك وجدنا أنّ الإسلام هو الحلّ الوحيد، فهو الذي يحمل العدالة في مقاصد الشريعة وفي الكليّات والجزئيّات والضروريّات، وأنا كمحام كنتُ أسعى الى مبادىء ليست من وضع البشر..".

ويواصل د. گرين حديثه متطرّقاً الى أنّ الغرب أخذ هذه الفضيلة من الشرق أي المقاصد والغايات ثمّ وسّعها وحوّلها سعياً وراء القوّة الى مدنيّة كبيرة، وقد أدّت هذه القوّة الى التحكّم بالعالم. وقد فقد الغرب هنا الدّوافع لحضارته ومدنيّته. وفي الواقع أنّ تحرّي العدالة ليس هدفاً في الغرب "لذلك بدأتُ أسعى واُفتش عن العدالة. والمفارقة انّني عندما ذهبتُ الى جامعة هارفارد وحصلتُ على شهادتي في القانون، مكثتُ هناك ثلاث سنوات لم أسمع خلالها كلمة العدل ولا مرّة واحدة".

أمّا كيف تمّ اختياره مستشاراً للشؤون الخارجيّة الأميركيّة فيقول عن ذلك:

"في عام 1963م كتبتُ مقالة طويلة عن الصّراع بين روسيا وأميركا، وقد قرأ الرئيس نيكسون هذه المقالة وهو في الطائرة. واستدعاني بعدها وكلّفني بوضع كتاب حول السياسة الخارجيّة الأمريكية وحول الشيوعيّة. ثمّ عملت مستشاراً للشؤون الخارجيّة منذ عام 1968م، وكنتيجة لهذا الكتاب عُينتُ نائباً للرئيس نيكسون للأمن القوميّ في البيت الأبيض، وكان هناك أربعة نوّاب للرئيس كنتُ أحدهم. وفي عام 1969م عندما استلم هنري كيسنجر وزارة الخارجية أنهى عملي بسبب 25 ورقة كانت في كتابي تضمّنت موضوع فلسطين، وقد اقترحتُ يومها تشكيل دولتين: يهوديّة وفلسطينية، وقد بُحِثَ هذا الموضوع لسنوات عديدة على أعلى المستويات في دوائر الولايات المتحدة وفي البيت الأبيض. ولكنّ كيسنجر كان ضدّ كل انسان يبحث في هذا الموضوع.. ووقف كيسنجر ضدّي في كلّ مجال دخلتُ أو عملتُ فيه، ثمّ عينني نيكسون نائباً لإدارة شؤون احدى الولايات في البيت الأبيض، كما عملتُ في مسألة (ووترغيت).

بعد فضيحة (ووتر غيت) وجدتُ أنّني لا أستطيع أن اؤثّر على سياسة الولايات المتحدة بشكل فعّال من داخل الدولة. ورأيتُ أنّ الحلّ الوحيد لإزالة الظلم هو انشاء حركة فكريّة تعود للمثاليّات في أمريكا، وتنادي باستعادة التراث الأمريكي الذي كاد أن يضيع.. هذا التراث الذي ضاع. هذه المثل العُليا لم تعد موجودة في أمريكا. ولكنّي وجدتها في الإسلام. لذلك أرى أنّ الطريق الى انعاش التراث الأمريكي سيكون عن طريق الإسلام وهذا ما أقوم بالعمل عليه منذ اسلامي عام 1980م".

"وعن هذه النقطة، وبشيء من التفصيل عاود صاحبنا، وفي المؤتمر الرابع والعشرين للاتحاد الإسلامي في أمريكا الشماليّة (المعروف اختصاراً بـ ISAN) والذي عُقِدَ في الفترة ما بين 29/8 الى 1/9/1986م بمدينة انديانا بوليس، والذي خُصّص لمناقشة مستقبل الإسلام في أمريكا الشماليّة، إذ عرض د. فاروق عبد الحق (گرين) مقارنة للمقدّمات التي تحدّد توجّهات السياسة الخارجيّة الأمريكية والصورة المثلى التي قامت على أساسها، ولهذا ظلّت السياسة الأمريكية ثابتة لثبات هذه المقدّمات.. وبالنسبة للإسلام فانّ السياسة تتركّز على العدل، ويمكن تعريف العدل بأنّه إرادة الله".

ومن هنا فانّه يرى أنّ الحاجة قائمة الى صناع فكر اسلامي لكي يشرحوا للأمريكيين كيف يجب على أمريكا أن تدير سياستها الخارجيّة، وأن يبيّنوا أنّ العدل هو الطريق الطويل الذي يجب أن تسلكه أمريكا.

وفي الوقت الذي لا يبدي فيه د. فاروق قلقاً على بقاء الإسلام في أمريكا.. غير أنّه يجب التركيز على بناء فكر عال للمفهوم الإسلامي بين الشباب بشكل خاص. "يجب أن يفهموا العالم الحديث، ويجدوا ردوداً اسلاميّة لكل المشاكل المطروحة في المجتمع. ومن جانب آخر يجب أن ننمّي ونطوّر قيادة فكريّة بين المسلمين وفي كلّ حقول المعرفة. ويكون الهدف من كلا الأمرين هو تدعيم العدل والعدالة في العالم.. وهذا يجعل الإسلام قوّة ايجابيّة من أجل الخير في العالم. وهذه الأولويّات تنطبق على الغرب كما تنطبق على العالم الإسلاميّ.

وللدكتور فاروق عبد الحقّ آراء وتصوّرات عميقة في اُمّهات القضايا والتحدّيات التي تواجه المسلمين في عالم اليوم.. وهو حين يوجّه النقد الى الغرب لنظرته المنحازة والقاصرة تجاه الإسلام، فانّه لا ينسى توجيه اللّوم الى بعض المسلمين في الشّرق أو الغرب ممّن لا يفهمون التعاليم الإسلامية. ومن الصّعب _كما يقول _ أن تفهم الغربيين حقيقة الإسلام لأنّ الكثير من المسلمين الذين يعيشون في الغرب لا يمارسون ولا يعيشون حسب تعاليم الإسلام.

 

69- لاعب السلة الأمريكي محمود عبدالرؤوف

 

«لاعب كرة سلة أميركي مشهور يعلن إسلامه ويغير اسمه من كريس جاكسون إلى محمود عبد الرؤوف».

 

لجأ عشرات الآلاف من الاميركيين السود سواء كانوا من الشخصيات البارزة او من الشخصيات العادية خلال العقود الثلاثة الماضية الى الإسلام، باعتباره دين المساواة والعدل، وبحكم انه دين تسود فيه العدالة الاجتماعية، ويرفض الظلم والاضطهاد والتمييز بين بني البشر بحجة الجنس او اللون.

 

ولما كان هؤلاء الاميركيون السود في رحلتهم الايمانية التي افضت الى اعتناقهم الإسلام، لا يبحثون عن الخلاص الروحي فحسب بل كانوا يجاهدون في سبيل الايمان بدين يحفظ لهم كرامتهم الانسانية ولا يحط من قدرهم لونهم الاسود او استعباد البيض لاجدادهم، فلم يتحقق لهم ذلك سوى تحت مظلة الإسلام الوارفة بالعدل والمساواة.

 

وقد بث الإسلام فيهم الامل وجدد فيهم الحلم في المستقبل. ولما تتبعوا سيرته استوقفتهم معاني المساواة الانسانية التي جمعت بين بلال الحبشي وصهيب الرومي وسلمان الفارسي وغيرهم من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبروزهم في الإسلام يأتي من سابقيتهم في الايمان بدين الله تعالى وتصديقهم برسالة محمد صلى الله عليه وسلم.

 

نتابع في حلقة اليوم من ملف "المسلمون الجدد" الرحلة الايمانية للاعب كرة السلة الاميركي الشهير كريس جاكسون التي قادته الى اعتناق الدين الإسلامي وتغيير اسمه الى محمود عبد الرؤوف الذي جاهد من اجل الالتزام بتعاليم دينه الجديد، وضرب بمغريات الحياة الدنيا عرض الحائط.

 

كان كريس جاكسون قبل اعتناقه الإسلام يشعر بأن الاميركيين السود مهما حصلوا على شهرة واعتراف من المجتمع الاميركي لبروزهم في المجالات الرياضية والفنية تنقصهم حركة منظمة تحقق مطالبهم من اجل العيش في كرامة وانسانية، وتحثهم على استشراف آفاق المستقبل بالجد والاجتهاد والتزام مكارم الاخلاق والبعد عن مواطن الجريمة والمخدرات. فهكذا بدأت الرحلة الايمانية بحثا عن دين يحقق له ولبني جلدته قدرا من الكرامة الانسانية والعدالة الاجتماعية.

 

وتداعى هؤلاء المسلمون الاميركيون السود الى العمل الدؤوب وفقا لتعاليم دينهم الجديد، مخلصين مجتهدين لتحقيق طموحاتهم في غد مشرق وآمالهم واحلامهم في مستقبل ينعمون هم وابناؤهم بالعيش في سلام وأمن ورفاهية.

 

تحسين الأوضاع وتفجير الطاقات:

وكان جاكسون يرى ضرورة تغيير الاميركيين السود ما بأنفسهم جاهدين للارتقاء بأنفسهم واسرهم، ومن ثم الارتقاء بمجتمعهم الى الاحسن. كما كان يرى ايضا ضرورة ان يتنادى قادتهم الى بث الامل فيهم وتحريضهم على العمل ودعوتهم الى الالتزام بمكارم الاخلاق والنأي بأنفسهم عن مواطن الشبهات، ليكون لهم دور فاعل في تحسين اوضاعهم الاجتماعية، ومن ثم أوضاع مجتمعاتهم في الولايات المتحدة الاميركية عن طريق التعليم والعمل. لذا رأى جاكسون انه من الضروري بالنسبة له ان يبحث عن دين يهديه الى الصراط المستقيم ويجيب عن اسئلته الحائرة حول المساواة والعدالة الاجتماعية، ومن ثم يشعره بانسانيته ويفجر الطاقات الكامنة فيه خيرا ونفعا ليحقق ما يصبو اليه في هذه الحياة.

 

الرحلة الإيمانية:

من هنا بدأت جولة جاكسون الايمانية في الاديان، فاستوقفته معاني الحرية والكرامة والمساواة والعدالة الاجتماعية في الدين الإسلامي. وشعر بأنه وجد فيه ضالته، فبدأ يدرسه دراسة عميقة، فامتلأ قلبه بالايمان وقذف الله في قلبه نور الهداية والحق. وتيقن جاكسون من ان الإسلام هو الدين الذي يبحث عنه، فأعلن اسلامه رسميا في عام 1991، وحرص على تغيير اسمه الى محمود عبد الرؤوف.

 

الوقوف للنشيد الوطني:

وكان لاعب كرة السلة الاميركي محمود عبد الرؤوف قد اثار جدلا في وسائل الاعلام الاميركية المختلفة في مارس (آذار) عام 1996 حينما تعرض لعقوبة الايقاف من اتحاد كرة السلة الوطني الاميركي بسبب رفضه الوقوف تحية للنشيد الوطني الاميركي والعلم الاميركي اثناء اداء احدى المباريات المهمة في كرة السلة. وان اصطدام عبد الرؤوف مع اتحاد كرة السلة الوطني اخذ منحى ابعد من كونه اصطداما او خلافا رياضيا. فقد برهن هذا الصدام على اتساع الهوة بين الإسلام والوطنية الاميركية، حسب اعتقاد اللاعب عبد الرؤوف، مما دعاه الى الاصرار على الرفض. وهكذا اصبح هذا الخلاف مادة مثيرة لوسائل الاعلام الاميركية المختلفة.

 

رمز الاضطهاد:

وكان محمود عبد الرؤوف يبرر رفضه للوقوف تحية للنشيد الوطني الاميركي والعلم الاميركي، بأن العلم الاميركي هو رمز للاضطهاد والطغيان، لذلك رفض ان يقف تحية واجلالا له قبل احدى المباريات التي نظمها اتحاد كرة السلة الوطني. فمنذ تلك الحادثة ظل عبد الرؤوف إما ينتظر في غرفة الملابس الى حين الانتهاء من رفع العلم الاميركي واداء النشيد الوطني او يجلس خارج الملعب بينما زملاؤه في الداخل، متظاهرا بانشغاله بربط حذائه استعدادا لدخول الملعب خلال عزف موسيقى النشيد الوطني الاميركي.

وقال عبد الرؤوف الذي يقدر دخله من كرة السلة حوالي 2.6 مليون دولار سنويا، ان ديني اهم من اي شيء آخر، ولذلك احرص على ان يكون ولائي لله تعالى قبل ان يكون لأي شيء آخر.

 

وكان عبد الرؤوف يخسر 31707 دولارا في كل مباراة اثناء فترة ايقافه بسبب تلك الحادثة.

 

وقال عبد الرؤوف ان واجبي تجاه خالقي اعظم وأجل من الفكر الوطني او الوطنية.

 

الإخلاص الديني:

ولقد انقسم زملاؤه لاعبو كرة السلة الاميركية بين مؤيد لقراره الرافض للوقوف تحية للعلم الاميركي والنشيد الوطني الاميركي قبل اداء المباريات المهمة وبين معارض لهذا الرفض بحجة انه لا يتعارض مع دينه والتزامه بتعاليم الإسلام. وقال شوكيل اونيل، اغلى لاعب كرة سلة في الولايات المتحدة الاميركية "ان للناس معتقداتهم المختلفة التي يجب ان تحترم". بينما ذكر لافونسو اليس زميل عبد الرؤوف في فريق نيجتس لكرة السلة الاميركي: "نحن الذين ندين بالمسيحية اتمنى لو نكون مخلصين لديننا مثل اخلاص عبد الرؤوف لدينه"

 

 

70-لاعب كرة القدم الفرنسي نيكولاس أنيلكا

 

هذا الخبر نشرته جريدة الأسبوع المصرية .. السنة الثامنة .. العدد 380 .. ص 10 ... الصادرة يوم الاثنين الموافق الثالث من جمادى الأولى 1425هـ ــ الحادي والعشرون من يونيو 2004م :

 

رغم أنه لا يشارك مع فريق فرنسا في عرس بطولة كاس الأمم الأوربية ، إلا أن النجم الشهير الأسمر " نيكولاس أنيلكا " المحترف في صفوف نادي مانشستر سيتي الإنجليزي ولاعب ريال مدريد الأسباني السابق, خطف الأضواء العالمية من البرتغال بعد أن أعلن النجم العالمي اعتناقه للدين الإسلامي ، وغير اسمه من " نيكولاس أنيلكا " الى " بلال أنيلكا " . وقام بلال مؤخراً بزيارة الى السعودية يرافقه اثنا عشر لاعباً بالدوري الفرنسي ، معظمهم اعتنقوا الإسلام مؤخراً . ورافقهم في نفس الرحلة الشيخ " محمد بن يونس " الداعية الإسلامي وإمام وخطيب مسجد الرحمة في باريس . وأثناء زيارتهم لنادي الإتحاد السعودي قدم عضو شرف النادي ابراهيم البلوي لبلال وزملائه هدايا قيمة ، وهي عبارة عن شرائط CD لشرح معاني القرآن باللغة الفرنسية .. وحضر اللاعبون محاضرة دينية في قاعة المحاضرات الكبرى بالنادي ، تحدثوا فيها عن قصة ورحلة اعتناق كل منهم للدين الإسلامي . وقال بلال أنيلكا أنه اعتنق الإسلام من سبع سنوات عن طريق صديق تونسي يدعى " اسماعيل " كان يلعب معه في نادي "باريس سان جيرمان " الذي كان يحدثني دائما عن الدين الإسلامي وتعاليمه ومبادئه ، والحمد لله على دخولي في زمرة المسلمين ، وسعيد جداً بزيارتي لأرض الله المقدسة ، أرض الكعبة المشرفة وأرض رسول الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم . ومن بين اللاعبين الفرنسيين الذين اعتنقوا الإسلام " دومي " لاعب ليدز يونايتد الإنجليزي و" فيليب " لاعب بوردو الفرنسي وزميله في النادي " إريك " ولاعب مارسيليا " دودو " ولاعب أوكسير الفرنسي " مندي " الذي غير اسمه الى عبدالرشيد ، و " صموئيل " حارس مرمى فريق كان الفرنسي أيضا والذي غير اسمه الى اسماعيل .

 

وهذا خبر نشر عنه كتبه من دبي - ظفر الله المؤذن:

الزيارة التي قام بها النجم الفرنسي نيكولا انيلكا ورفيقه ديدية دوميه المحترف في نادي ليدز يونايتد الى الامارات قبل نحو أسبوعين كانت ستمر بسلام ودون أن تسبب صداعا للنجم الفرنسي ورفيقه لولا ان الصور التي نشرت على شبكة الانترنت في مواقع بعض الاندية الاماراتية تسربت الى الصحف الفرنسية والبريطانية .

وشكلت الصور التي ظهر فيها نيكولا انيلكا وهو يزور المساجد ويجتمع بالشبان المسلمين ويحضر الدروس الدينية مادة دسمة في الصحافة الفرنسية وصحافة الاثارة في بريطانيا .

فرانس فوتبول كانت السباقة في نشر هذه الصور وقالت ان انيلكا اشهر اسلامه في الامارات ونسبت له تصريحات يقول فيها بانه "وجد توازنه في الدين الإسلامي وانه يتمنى ان يستقر في بلد اسلامي ليمارس شعائره الدينية بكل حرية ويهدي اخوانه الى الإسلام" .

صحيفة EVENING STANDARD اللندنية نقلت الموضوع ونشرت صورة انيلكا برفقة مجموعة من الشبان داخل احد المساجد . وقالت الصحيفة ان انيلكا اصبح يحمل اسم "بلال "وانه بصدد دعوة الكثير من زملائه اللاعبين الذين يحترفون في الاندية الانجليزية الى اعتناق الدين الإسلامي .

انيلكا ثارت ثائرته واتصل بوكالة "فرانس بريس " بالعاصمة الفرنسية ليتفي جملة وتفصيلا ما ورد في الصحف الفرنسية والبريطانية ، وعندما قيل له بان الصور الموجودة تدعم التصريحات التي ادلى بها قال انيلكا بانه تم تصويره بدون اذن منه وهذه الصور تتعلق بحياته الخاصة ، وسارع انيلكا بالاتصال بنادي مانشستر الذي يحترف في صفوفه لينفي انه اعلن بانه يريد اللعب في احدى البلاد الإسلامية .

وبعد انتهاء زيارته للامارات توجه انيلكا الى السعودية حيث نزل ضيفا على نادي اتحاد جدة والمركز العالمي للالماس قبل ان يزور بعض المراكز الإسلامية والمتاحف ويستمع الى محاضرات دينية وهو يرتدي الزي التقليدي الخليجي .

ثم انهى انيلكا زيارته بالقيام بمناسك العمرة في مكة المكرمة رفقة اصدقائه الفرنسيين وفي مقدمتهم ديدية دومي لاعب ليدز وتوري اليونا لاعب باريس سان جرمان .

وتلقى انيلكا دعوة من نادي الوحدة بمكة ، لكن مفاجاة كانت في انتظاره ولم تكن في الحسبان عندما فوجىء بكاميرات التلفزيون تنتصب في مدخل النادي استعداد لتصويره مع رفاقه ، وكان رد فعل اللاعب شديدا حيث طلب عدم التصوير ورفض الدخول الى داخل المبنى خشية من وجود كاميرات اخرى وعدسات المصورين ..واعتذر انيلكا رغم تطمينات مسؤولي النادي عن الدخول واكتفى بالسلام عليهم وقبل ان يغادر طلب من المسؤولين اخراج الاشرطة للتثبت من الصور .

انيلكا قال انني ارتبط بعقد مع مانشستر سيتي الذي يحتكر حقوق الصور وفي حال اي مخالفة فان ذلك سيترتب عليه غرامات مالية ومشاكل لا حصر لها ..

انيلكا ايضا طارد احد المصورين خلال زيارته الى نادي الوحدة في ابو ظبي التقط له صورة وهو بالزي التقليدي وطالب بفسخ الصورة الرقمية من الة التصوير الرقمية !!

لكنه لم يكن ينتظر ان الصور التي التقطها له بعض المصورين الهواة والتي نشرت على مواقع النصر والوصل ومواقع اخرى ستسقط في ايدي الصحف الفرنسية والبريطانية !!

"لماذا اعتنق انيلكا الإسلام؟ ولماذا يقوم بدعوة زملائه الى الدين الإسلامي؟ و لماذا يخفي انيلكا قضية اعتناقه الإسلام منذ سبع سنوات في اوروبا" .. هذا الموضوع كان محور نقاش الاذاعات الفرنسية خلال الاسبوع الماضي ...

 


71-الممثل الأمريكي ويل سميث

 

بعد رحلة طويلة من البحث والتمحيص قرر الممثل الأمريكي ويل سميث اعتناق الإسلام وحسب موقع 'نويبوس موسولمانيس' ببالينثيا، كان مما أثار فضول الممثل العالمي للبحث في الدين الإسلامي هو تمثيله لفيلم 'علي'، الذي يحكي قصة حياة لاعب الملاكمة الأمريكي المسلم 'محمد علي كلاي '، فعندما قرأ قصة حياة محمد علي، بدأ يتساءل حول ماهية هذه الديانة العظيمة وبدأ يبحث في أسرارها وكيف تزداد قوة يوما بعد يوم وكيف يزداد كذلك عدد معتنقيها يوما بعد يوم، وخاصة في الولايات المتحدة أكثر منها في أي بلد آخر .

 

واكتشف ويل سميث، بعد قراءة الكثير عن الإسلام، الحقيقة، التي تؤكد أن الإسلام هو الطريق الصواب الذي يجب اتباعه في هذه الحياة. وكان قد اتصل ببعض الإتحادات والمراكز الإسلامية بالولايات المتحدة وقرر اعتناق الإسلام .

وقال الممثل العالمي انه سوف يواصل الدراسة والبحث حول الإسلام لكي يستطيع أن يطبقه كما ينبغي أن يكون .

وقال السيد سفيان زاكوت مدير رابطة مسلمي أمريكا الشمالية أن محمد علي هو مثل جيد للمسلمين، وكذلك هو متحدث جيد عن الإسلام في الولايات المتحدة في كافة المجالات، وإذا استطاع ويل سميث أن يقوم بنفس الدور فسوف يكون ذلك مفيد جدًا للمسلمين في أمريكا. وكان ويل سميث قد ظهر في برنامج في التليفزيون الأمريكي لجمع التبرعات لحادث سبتمبر إلى جوار محمد علي، وقد دافعا عن الإسلام وقالوا عنه أنه دين السلام والمحبة.

 

يذكر أن أعدادا كبيرة من الغربيين خاصة الأمريكيين قد أقبلوا على دراسة الإسلام والتعرف عليه عن قرب بعد أحداث 11 سبتمبر، وشهدت الكتب الإسلامية رواجا وإقبالا غير معهود من قبل القراء الغربيين، وقد أظهرت استطلاعات الرأي والدراسات الأكاديمية تزايد معتنقي الإسلام نتيجة لذلك رغم الحملة الضارية التي يتعرض لها الإسلام في الإعلام الغربي بعد الأحداث واتهامه بالإرهاب والعنف.


72-الممثل الإيطالي جينو لو كابوتو

 

أعلن الفنان المسرحي الإيطالي جينو لو كابوتو في العاصمة الأردنية عمان إسلامه علي يد صديقه الدكتور سلطان العويضة الملحق الثقافي السعودي بعمان.

وعرف الفنان الإيطالي جينو لو كابوتو معروف بحبه الكبير للعرب ولا سيما المسلمين منهم واهتمامه الشديد بعاداتهم وتقاليدهم المشابهة جداً لعادات وتقاليد مدينة كونفر سانو الإيطالية وهي نفسها مدينة الفنان الواقعة جنوب إيطاليا وخاصة النساء فيها من تشابه للأشكال والتحفظ والاهتمام والملامح والمعاملة الإنسانية.

وكما تقول صحيفة الزمان زار جينو عدداً من العواصم العربية تعبيراً عن المحبة الكامنة في قلبه تجاه العرب مثل بغداد وتونس ودمشق ومراكش والقاهرة. ويرأس الفنان الايطالي مهرجان البحر الأبيض المتوسط في مدينة بيشيله الإيطالية منذ عام 1996 وله اهتمامات عدة في المسرح والسينما والشعر وكذلك في ثقافة الأطفال وفنونهم بالإضافة الي كونه رائد المهرجان الدولي شعر ـ موسيقي ـ مسرح الذي يقام في مدينة كونفر سانو بجنوب إيطاليا.

وعند سؤالنا له عن كيفية اعتناقه الإسلام؟ أجاب: بسم الله الرحمن الرحيم منذ أكثر من عشرين سنة وأنا أطوف في بلدان عربية وإسلامية وأعيد مخزوني الثقافي متوغلاً في تفاصيل الإسلام حيث تعلمت أركانه والآذان والصلاة فضلاً عن اقترابه الشديد من الدين المسيحي وعرفت ان الإسلام هو الي الأبد، مدعوماً بنصائح ودروس كنت أتلقاها من صديقي الدكتور سلطان العويضة الملحق الثقافي السعودي إذ تفرغ لي كثيراً وأعطاني الكثير من المعلومات والقصص وسير المسلمين وأهمية القرآن الكريم وأحاديث خاتم الأنبياء محمد صلي الله عليه وسلم لدرجة أني شعرت بانتصار روحي فور دخولي الدين الإسلامي، هذا وقررت تعلم اللغة العربية وحفظ القرآن الكريم والمواظبة علي حفظ حدود الله والرسول صلي الله عليه وسلم بالإضافة الي دراسة تاريخ الصحابة من المسلمين الأوائل.

وأضاف الفنان الإيطالي: لقد وجدت أن كل الحضارات الإنسانية تستلهم قيمها من الدين الإسلامي نفسه وأن ابن خلدون وابن رشد هما عربيان وللأسف ان الغرب ينظر الي الإسلام نظرة خاطئة.

وقال أري أن الإسلام يحمل المعاني السامية والنبيلة ويهذب الذات ويعطي للإنسان أملاً وحياة تنبض بالخير والعطاء والإيمان والسلام وأدركت ان الإنسان لا يمكن أن يعيش لوحده من دون الله ورسوله محمد صلي الله عليه وسلم.

 

 

73-المغني الأمريكي جيرمان جاكسون شقيق مايكل جاكسون

 

يقول عن سبب اسلامه:

" قمت في عام 1989 برحلة في دول الشرق الأوسط ، وفي البحرين وقفت أحاور عدداً من الأطفال ، فسألوني عن ديني فأجبتهم "شهود يَهْوه".

ولما سألتهم عن دينهم أجابوا بصوت شبه جماعي (الإسلام)..

أدهشتني هذه الإجابة ، فهؤلاء الأطفال كانوا فخورين جداً بدينهم ، ولما استرسلت معهم بالأسئلة كان كل واحد منهم يحدثني عن الإسلام باعتزاز ..

في تلك اللحظة علمت بكل كياني أني سأصبح مسلماً ، فسافرت إلى (مكة) وأعلنت هناك إسلامي ، وأديت العمرة" .

 

 

 

من مقولاته:

"لما أسلمت أحسست بحق أني قد ولدت من جديد ، فقد وجدت في الإسلام كل الأسئلة التي حيرتني سابقاً ، لقد قدّم لي الإسلام حلاً لكل مشكلاتي"

"المرأة في العالم الإسلامي كالوردة المحفوظة التي لا ينالها كل عابر سبيل..".

"مجتمعنا الأمريكي يشجع العنف والخمر والمخدرات ، لأن التلفزيون يُقدم كل هذه الأمور على طبق من فضة"

 

اشتهرت عائلة جاكسون الاميركية بالغناء والموسيقى. فقد كون جاكسون الأب فرقة غنائية موسيقية ناجحة من ابنائه. وكانت فرقة "جاكسون فايف" في بادئ الامر من انجح الفرق الغنائية الموسيقية في الولايات المتحدة الاميركية، وذاع صيتها في السبعينات وحصلت على شهرة عالمية واسعة. وسارت هذه الفرقة الغنائية الموسيقية من نجاح الى نجاح وتربعت على قمة الغناء الموسيقي الشعبي في اميركا. كما ان اسطواناتها واشرطتها حصلت على اعلى الايرادات. وتصدرت اغنياتها قائمة الاغنيات الاكثر مبيعا على نطاق العالم في ذلك الوقت. ومن ثم كبر هؤلاء الفنانون الموهوبون، وتفرقت بهم سبل الحياة الغنائية الموسيقية، فكون كل واحد منهم فرقته الخاصة. ولكن ظلت الاسرة ككل مرتبطة ارتباطا وثيقا بالغناء والموسيقى. ففي وسط هذا الجو الغنائي الموسيقي نشأ جيرمين جاكسون شقيق المغني الاميركي المعروف مايكل جاكسون. فجيرمين ينتمي لاسرة فنية لا يجهل احد شهرتها واثرها في خارطة الاغنية الشعبية الاميركية. وكانت تنشئته وتربيته في هذه الاجواء الفنية التي تركت اثرا واضحا في مسار حياته الى يومنا هذا. لقد بدأ جيرمين جاكسون رحلته الايمانية التي قادته الى اعتناق الإسلام من رحلة فنية الى عدد من دول منطقة الشرق الاوسط، حيث كان مرافقا لاخته الكبرى. فهناك عرف حقيقة الإسلام من افواه الاطفال. قال جيرمين جاكسون: عند زيارتي الى عدد من دول منطقة الشرق الاوسط في عام 1989 بصحبة اختي الكبرى، حيث زرنا خلال هذه المرحلة البحرين ورحب بنا الكثيرون. وكنت مرة اتبادل الحديث مع الاطفال في المنامة خلال تلك الرحلة. فمن جملة اسئلتهم البريئة سؤال كان عن ديني، فأجبتهم بأنني مسيحي، وسألتهم بدوري عن دينهم، فأجابوني بصوت واحد ان دينهم الإسلام. وكانوا فخورين جدا بالانتماء لهذا الدين، وانطلقوا في الحديث عنه. وسألتهم اكثر عنه وصار كل واحد منهم يحدثني عن الإسلام بطريقة ادهشتني، فهؤلاء الاطفال الذين احببتهم كانوا فخورين جدا بدينهم ويتحدثون عنه بسعادة غامرة. اعتناق الإسلام ويروي جيرمين قصة اسلامه وتفاصيلها في حوار اجرته معه مجلة "المجلة" في العدد 966 قائلا: انني بعد عودتي من البحرين والحديث مع اولئك الاطفال عن الإسلام تيقنت من انني سأصبح مسلماً. وتحدثت مع صديق لي اسمه علي قنبر عن هذا الشعور الذي بدأ ينتابني منذ فترة وافصحت له عن رغبتي في تعلم المزيد عن الإسلام. وسافرت معه الى المملكة العربية السعودية لأتعرف على الإسلام اكثر فأكثر، وهناك اعلنت اسلامي. ولما كان جيرمين جاكسون محبا لاسرته وعاشقا للغناء والموسيقى منذ نعومة اظفاره، رأى انه لن يتخلى عن الغناء والموسيقى، بل اصبحت له رسالة من نوع جديد، فبدلا من ان يعتزل الفن، بدأ يشعر من خلال اسلامه بدفعة جديدة لتقديم المزيد ضمن مشواره الفني راغبا في الاستفادة من الاضواء وآلاف المشجعين المحبين له، وذلك بتقديم رسالة من نوع جديد. إجابات على أسئلة حائرة ويواصل جيرمين جاكسون الحديث عن بداية مشواره في رحلته الايمانية التي قادته الى اعتناق الإسلام، حيث يقول: سافرت مع صديقي علي قنبر الى مدينة الرياض لمعرفة المزيد عن الدين الإسلامي، ومن هناك سافرت الى جدة واصطحبتني اسرة سعودية كريمة بعد اعتناقي للاسلام الى مكة المكرمة لاداء العمرة. ويصف جاكسون انه بعد اسلامه شعر بأنه ولد من جديد بحق وحقيقة. ويقول: كانت لدي العديد من الاسئلة الحائرة التي ابحث لها عن اجابات، خاصة الاسئلة المتعلقة بالمسيحية وعيسى عليه السلام، فوجدت اجابات جاهزة ومقنعة لكل هذه الاسئلة لحظة اعتناقي الإسلام. وقد كنت في حيرة من امري كمسيحي نشأ في اسرة متدينة، اذ كان يحيرني دائما ان الانجيل مكتوب على ايدي اشخاص عاديين. وكان دائما يخطر ببالي ان هؤلاء بشر فكل واحد منهم سيراعي نفسه ومجموعته في ما يكتب، بينما القرآن كتاب الله حفظه الله على مر السنين والاجيال "انا نزلنا الذكر وانا له لحافظون". وفي السعودية وجدت اشرطة جميلة جدا للمغني البريطاني السابق والداعية الإسلامي يوسف اسلام، وفيها مناظرة حول الإسلام والمسيحية ومنها تعلمت الشيء الكثير. حملة إعلامية جائرة ويتطرق جاكسون الى ان هناك حملة اعلامية سيئة ضد الإسلام والمسلمين في الولايات المتحدة الاميركية، ومما اعجب له ان الناس العاديين في اميركا يصدقون هذه الحملة الاعلامية الجائرة لجهلهم بحقيقة الإسلام وسماحة هذا الدين. ومن العجيب ايضا انه رغم التشابه الكبير بين الإسلام والمسيحية في كثير من الطروحات الا ان التشويه الموجه ضد الإسلام اكبر بكثير. وقال جاكسون: ان الحملة الاعلامية الجائرة في اميركا ضد الإسلام والمسلمين لم تقتصر على اجهزة الاعلام المختلفة، بل ان هوليوود عاصمة صناعة السينما الاميركية تحاول في ما تنتجه من افلام ان تصور للناس ان المسلمين ارهابيون وقتلة واشرار. ولقد عرفت من خلال تجربتي قبل اعتناقي الإسلام وبعده ان الناس عليهم الا يصدقوا ما تنتجه هوليوود من افلام تسيء الى الإسلام والمسلمين. وان هذا التشويه يؤلم كل مسلم ويجعله يتمنى لو انه يستطيع تغيير هذه الصورة بصورة الإسلام الحقيقية اسلام الحضارة والنور، اسلام التسامح والاخاء. الإسلام.. والحل وقال جاكسون: لقد قدم لي الإسلام حلا لكل مشكلاتي، فأصبحت انسانا بلا اي مشاكل. وكنت من داخلي اتغير بشكل رائع، حيث امتنعت عن شرب الخمر تماما وغيرها من الاشياء المحرمة امتثالا لاوامر ديني الجديد. وخشية من تأثيري على بقية افراد اسرة جاكسون واقناعهم باعتناق الإسلام، نظمت ضدي حملة واتهموني باني عدو للسامية، وانه بحكم اسلامي لا يمكن لي التعايش مع الاخرين، وهذا هراء، فان الدين الإسلامي دين تعايش في سلام وامان مع الاخرين. الحكمة من تعدد الزوجات اما عن صدى اسلامه وسط افراد اسرته، يقول جيرمين جاكسون: ان والدته علمت بخبر اسلامه من وسائل الاعلام قبل وصوله الى الولايات المتحدة الاميركية من المملكة العربية السعودية، حيث اشهرت اسلامي وقمت بأداء عمرة في مكة المكرمة. فوالدتي انسانة متدينة وملتزمة بدينها، فلذلك كان سؤالها لما جئت الى المنزل، اذا ما كنت متأكدا تماماً من هذا الخيار الذي اريده فعلا، وكان جوابي ان الإسلام هو الخيار الذي اريده فعلا. اما عن صدى اسلامه وسط اخوته واخوانه، يقول جيرمين: كان قراري باعتناق الإسلام قرارا مفاجئا لكل افراد اسرتي، ولذلك اندهشوا لقراري، ولما يسمعونه عن الإسلام والمسلمين من وسائل الاعلام المختلفة، منها مثلا ما يسمعونه عن تعدد الزوجات، فالاميركيون لا يفهمون ابدا الحكمة من اباحة تعدد الزوجات بالرغم من ان الخيانة الزوجية منتشرة في المجتمع الاميركي، بينما يبيح لك الإسلام ما دمت قادرا على الانفاق على الزواج باكثر من زوجة واحدة بدلا من مشاكل الطلاق والخيانة الزوجية. واضاف جيرمين: ان المسلمين في العالم العربي محبون لزوجاتهم واطفالهم، والمرأة عندهم معززة مكرمة ولكن كثيرا من الاميركيين لا يفهمون هذا، ولقد اعجبت كثيرا باسلوب التربية في المجتمعات الإسلامية. وقال جيرمين جاكسون انه عادة لا يقرأ الا القرآن الكريم، على الرغم من انه يمتلك الكثير من الكتب الإسلامية، لكنه يشعر بان هذه الكتب تصدر جميعها من القرآن الكريم، فلذلك يحرص دائما على قراءة كتاب الله.

 

 المسلمون الجدد- إعداد: إمام محمد إمام

 

 

74-الموسيقي البريطاني براين هوايت

 

ابراهيم: «مساجد بريطانيا أصبحت أحياء آسيوية ترتاب في المسلمين البيض والسود على حد سواء».

 

كان الموسيقي البريطاني براين هويت يعيش حياة عادية ليس فيها ما يثير فضول الصحافة والصحافيين الى ان تصدر اسمه صحيفة محلية في المنطقة التي يعيش فيها، حيث نشرت تلك الصحيفة خبرا عن براين بعنوان "براين يلجأ الى الله"، معلنة بذلك اعتناقه للدين الإسلامي. فهكذا بدأت تغييرات كبيرة تحدث في حياة براين وتجعلها حياة غير عادية.

 

وفي هذه الحلقة نتابع الرحلة الايمانية التي قادت هويت الى اعتناق الإسلام، وتغيير اسمه من براين هويت الى ابراهيم هويت. ومن ثم هجر الموسيقى والخمر والليالي الماجنة الى العمل جاهدا على اتباع اوامر الله تعالى واجتناب نواهيه.

 

وقرر براين هويت في عام 1981 ان يصبح مسلما باعتناقه للدين الإسلامي، ليدخل ضمن عشرات الآلاف من البريطانيين الذين اعتنقوا الإسلام خلال العقدين الاخيرين. وترك وراءه حياة الموسيقى الصاخبة. وكان هويت عازفا موسيقيا في فرقة موسيقية عسكرية. كما استقال من وظيفته في شركة للتأمين، وذلك للتفرغ للدعوة الى الله وتعلم المزيد من تعاليم الإسلام ومبادئه.

 

ولد هويت في ثورث شيلدز، ولكنه لا يعرف شيئا عن الجالية اليمنية في ساوث شيلدز، وهي من اقدم الجاليات المسلمة في بريطانيا. وان هذه الجالية اليمنية استقرت في بادئ هجرتها في شمال شرق بريطانيا قبل قرن من الزمان.

 

وقال هويت واصفا نفسه: انه من المحتمل ان اكون عنصريا متطرفا في عنصريتي قبل اعتناقي للدين الإسلامي، الدين الذي علمني معنى التسامح والتراحم بين الناس ونزع عني شرور التطرف والكراهية والقسوة.

 

وأضاف هويت: اعتقد انه من فرط عنصريتي وتطرفي انني لم اتحدث مع شخص غير ابيض لمدة 21 عاما من حياتي. فكنت شخصا معتدا بنفسه وبلون بشرته اكثر من اللازم، واعيش حياة نظيفة وراقية، واجتهد في عملي كسائر ابناء الشمال البريطاني. وكنت احسب ان العالم ينتهي عند مدينة ميدلسبره البريطانية، حيث تنشئتي وتربيتي هناك.

 

رحلة جنوب أفريقيا:

وأوضح هويت انه كعازف موسيقي متمرس مع فرقة موسيقية عسكرية، كان يشارك في الاداء الموسيقي مع فرق غنائية معروفة. ويتذكر انه كان يعزف مع فرقة ستينج الموسيقية في احدى الحفلات الغنائية في قاعة ألبرت هول بلندن، وذلك في عام 1975. وأقيمت هذه الحفلة الغنائية ضمن مسابقة لاختيار افضل الفرق الغنائية الموسيقية على المستوى الوطني.

 

وبعد المشاركة في تلك الحفلة الغنائية الموسيقية سافر هويت الى جوهانسبرج في جنوب افريقيا لزيارة عبدة، زوجته في ما بعد، وهناك بدأت معالم رحلته الايمانية، اذ انه ذهب الى احد المساجد في مدينة جوهانسبرج وشاهد مصلين من مختلف الاجناس والألوان يصلون مع بعضهم بعضا.

وقال هويت: عندما رأيت ذلك المشهد الرهيب قلت لنفسي: ما هي حقيقة الإسلام؟ هذا الدين الذي يستطيع ان يجمع الناس في جنوب افريقيا من كل الاماكن ومن مختلف الاجناس والألوان؟ وعندما عدت الى بريطانيا حرصت على البدء في القراءة عن الدين الإسلامي.

 

اعتناق الإسلام:

وقال هويت بعد تأثير مشهد ما شاهدته في احد مساجد جوهانسبرج، حيث اجتمع المصلون على اختلاف اجناسهم وألوانهم في مكان واحد يعبدون الله سبحانه وتعالى، قلت لنفسي لا بد ان هناك سرا عظيما في هذا الدين الذي استطاع ان يجمع هؤلاء على محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ويتناسوا خلافاتهم وفروقاتهم، فقررت اشهار اسلامي بعد دراسة عميقة للدين الإسلامي. وشعرت بارتياح وسعادة بالغتين لان الله سبحانه وتعالى هداني الى هذا القرار الخاص باعتناقي للاسلام. وسارعت الى تعليق آلاتي الموسيقية وهجرت شرب الخمر والذهاب الى الحانات والليالي الصاخبة، ولكن حياتي الجديدة بعد اسلامي لم تكن سهلة. فقد كان والدي منزعجا ومتضايقا من هذا القرار.

 

الإسلام دين الله للجميع:

وقال هويت: ان والدي عندما عرف قرار اعتناقي للدين الإسلامي لم يرحب به، بل كان قلقا ومنزعجا منه، اذ انه كان يعتقد انني اصبحت باكستانيا وليس مسلما بريطانيا، فهو يظن ان من يعتنق الإسلام من البريطانيين يريد ان يصبح باكستانيا، ولم يكن يعلم ان الإسلام دين الله للجميع ففيه الباكستاني والبريطاني. وكلهم عند الله سواسية لا يُفضل بعضهم على بعض الا بالتقوى. وفي النهاية قررنا انا ووالدي ان نتفق على ألا نتفق حول مسألة اعتناقي الإسلام.

 

واضاف هويت: لا استطيع ان اقول انه كان لدي اصدقاء من الباكستانيين قبل ان اصبح مسلما في عام 1981.

 

ومن نافلة القول ان نذكر ان هويت يعيش في شمال لندن. كما عمل لمدة عامين المساعد الشخصي للداعية الإسلامي يوسف اسلام، الذي كان قبل اسلامه، يعرف بكات ستيفنس، وكان مغنيا شعبيا معروفا، ولكن هويت يعمل حاليا في مجلس التعليم الإسلامي في بريطانيا. كما انه حج الى بيت الله الحرام اكثر من مرة، ولكن تغيير ثقافته من الثقافة الغربية الى الثقافة الإسلامية لم يكن بالامر السهل.

 

المسلمون الجدد -إعداد: إمام محمد إمام

 

75-جوناثان بيرت ابن رئيس الـ"بي بي سي" يعتنق الإسلام

حرص جونثان بيرت ابن جون بيرت مدير عام هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" على العمل في فترة العطلة الدراسية خلال فصل الصيف في مكتبة إسلامية متخصصة في بيع الكتب والنشرات الإسلامية. كما أنه كان يدخل في مناقشات مع الزبائن حول الإسلام، ويشرح لهم رؤية الإسلام في معالجة العديد من القضايا التي تواجهها المجتمعات الإنسانية. وكان بيرت الصغير خلال رحلته الإيمانية قد درس الإسلام دراسة عميقة. وبعد تفكير طويل قادته هذه الرحلة الإيمانية إلى اعتناق الإسلام.

 

وكان جونثان بيرت عند اعتناقه الإسلام ما زال يعيش في منزل الأسرة في نوربري بجنوب لندن مع والديه وشقيقته إليزا. وغيّر جونثان بيرت بعد إسلامه اسمه إلى يحيى، وهو الاسم العربي المقابل لاسم جونثان. وكان جونثان فرحًا باسمه الجديد.

 

ولم يكن جونثان حريصًا على الاستفادة من شهرة والده إعلاميًّا، بل كان يحب أن ينزوي بعيدًا عن الأضواء الإعلامية ويتحمس للعمل الدعوي. وكان يعتبر أن عمله في المكتبة يسهل له مهمة الدعوة إلى الإسلام مع الزبائن الذين يترددون إلى المكتبة. وهنا نتابع مسار الرحلة الإيمانية لبيرت الصغير التي قادته إلى اعتناق الإسلام قبل تسع سنوات.

 

اعترف جون بيرت الأب بأنه لم تكن هناك أشياء كثيرة مشتركة بينه وبين ابنه سوى أمور قليلة، على الرغم من أنهما يعيشان معًا تحت سقف واحد في معظم أيام الأسبوع. وكان بيرت الأب يتخوف من أن حياتيهما ستتباعدان أكثر فأكثر.

 

وكانت مهمة جون بيرت أن يقود فريق عمل مكوّنًا من آلاف الأشخاص مهمته تقديم المعلومات لعشرات الملايين من البشر في جميع أنحاء العالم. بينما مهمة ابنه أن يمضي يومه في محاولة نشر دعوة الله في نطاق أضيق.

 

الإسلام والتلفزيون:

وبينما كان بيرت الأب يستقل سيارة لوموزين بسائق إلى مقر رئاسة الـ"بي بي سي" في وسط لندن، كان بيرت الابن يستقل القطار من محطة وندوارث كومون إلى المكتبة الإسلامية في جنوب لندن التي يعمل فيها خلال عطلة الصيف الدراسية. وفي هذه المكتبة تباع كتب إسلامية وهي تعرف بمكتبة أكاديمية الأزهر التي افتتحت في مطلع أغسطس (آب) عام 1997.

 

وكان الذين يعملون مع بيرت الابن في هذه المكتبة الإسلامية يقومون ببيع الكتب والنشرات الإسلامية، والغريب أن من بينها كتابًا بعنوان "الإسلام والتلفزيون". وكان جوناثان الشخص غير الآسيوي الوحيد الذي يعمل في هذه المكتبة الإسلامية. كما أنه الوحيد الذي يعمل في المركز الذي تتبع له هذه المكتبة، ويقوم بتعريف الزوار عن الدورات التي تدرس كاللغة العربية والعادات الإسلامية.

 

وإن عمل جونثان في المكتبة خلال عطلة الصيف ناجم عن اهتمامه بالإسلام الذي ربط به مصير حياته طوال تسع سنوات. وعلى الرغم من نشأته الغربية فإنه كان فخورًا باسم يحيى، وهو الاسم العربي المقابل لاسم جونثان. وكانت أحاديثه تتضمن اقتباسات باللغة العربية من القرآن الكريم.

 

شهر العسل:

وفي يوليو (تموز) عام 1997 تزوج بيرت الابن من فتاة هندية مسلمة اسمها فوزية بورا. وفي شهر العسل زارا سوريا والأردن والقدس الشرقية، وذلك حبًّا في التعرف على الآثار الإسلامية في تلك المناطق.

 

وعندما نشأ بيرت الابن في منزل أسرته مع والده بيرت الكاثوليكي وأمه الفنانة المولودة في أمريكا جين ليك وشقيقته الصغرى إليزا، لم يظهر جونثان في صغره ميولاً تنبئ بمستقبله الديني.

 

إن والده بيرت الكاثوليكي المذهب، اعترف بأنه لم يكن يكترث كثيرًا بمسألة إيمانه، حيث يقول: "لم أكن رجل دين ولكن كنت أحترم الدين".

 

وعندما كان بيرت الابن في جامعة مانشستر البريطانية يدرس التاريخ الحديث والعلوم السياسية التقى بطالب مسلم غيّر تفكيره نحو الدين إلى الأبد. وبدأت تتغير نظرته تجاه الدين، وكان لزميل مسلم له في الحجرة أثر كبير في حدوث هذا التغيير. كما أن هذا الزميل المسلم أثر فيه بسلوكه وطريقته في الحياة. وينفي جونثان أن صاحبه هذا كان السبب في تحوله إلى الإسلام، ولكن يعتبره صاحب نفوذ كبير على قراره.

 

مقارنة الأديان:

وفي منتصف سنته الدراسية الأخيرة ترك جونثان الدراسة. ويقول البروفيسور فرانك أوجورمان أستاذ التاريخ الحديث والعلوم السياسية في جامعة مانشستر البريطانية: ترك جونثان الدراسة؛ لأنه لم يستطع الاستقرار هنا. وكانت له مشاكل خاصة، ولم يكن سعيدًا مع المقرر الدراسي.

وسجّل جونثان اسمه في درجة البكالوريوس في مادة مقارنة الأديان في معهد الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن. وفي هذه المرة أظهر حماسة في هذه المادة، مؤكدًا أنه لن تكون هناك مشاكل تعيق دراسته. وبالفعل لم يواجه أي مشكلة في هذه الدراسة، بل إنه حصل على مرتبة الشرف من الدرجة الأولى في هذه المادة الدراسية.

 

وفي العام الماضي التحق بدورة في الدراسات العليا خاصة بتدريب المعلمين في جامعة واريك. وبعد بضعة أسابيع من انتهاء الدورة، اختار جونثان العمل في مركز إسلامي. ويقول أصدقاؤه: إن جونثان يعتقد أن أفكاره ووجهات نظره يمكن أن تتوهج عبر الإسلام. وكان في تلك الفترة يمضي أيام الأسبوع من الإثنين إلى الجمعة مع أسرته في جنوب لندن، بينما يقضي عطلة نهاية الأسبوع يومي السبت والأحد مع زوجته في أكسفورد.

 

اللقاء الأول:

التقى جونثان وفوزية لأول مرة في محاضرة في عام 1996. وقال صديق لهما: كانت فوزية تعمل كصحافية في ذلك الوقت. وكان حبهما حبًّا من أول نظرة بالنسبة لكليهما. فهو مخلص في حبه لها. وكانت فوزية وقتذاك تحضر الماجستير في تاريخ مصر الوسيط في جامعة أكسفورد البريطانية. وكانت قد حصلت على مرتبة الشرف من الدرجة الأولى في اللغة الإنجليزية من كلية سانت هيلدا في جامعة أكسفورد، وهي كلية خاصة بالبنات.

 

الرحلة المباركة:

وقال صديق لجونثان: إن رحلة شهر العسل لجونثان وفوزية كانت رحلة مباركة؛ إذ حرصا على زيارة بعض المواقع الإسلامية. فقد أمضيا بعض الوقت في القدس وتجولا حول المواقع الإسلامية في هذه المدينة برفقة فلسطينيين التقيا بهم هناك، ويتعاطف جونثان وفوزية مع القضية الفلسطينية. ويحرص الزوجان على الذهاب إلى المساجد والمراكز الإسلامية في لندن وأكسفورد وبعض المدن البريطانية الأخرى. وأنهما زوجان سعيدان في حياتهما الزوجية.

 

ومنذ أن بلغ جونثان سن الرشد أحدث تغييرات كثيرة في حياته، أدهشت أسرته وبعض معارفه. وربما كان جون بيرت إداريًّا حازمًا يسيطر على مجريات الأمور في هيئة الإذاعة البريطانية، إلا أن هناك مناطق خارجة عن سيطرته ومنها حياة ابنه جونثان.

 

ويرفض جونثان الحديث لوسائل الإعلام البريطانية المختلفة عن حياته الخاصة. كما يرفض مناقشة قضايا تتعلق بإيمانه وإسلامه؛ إذ يرى أن هذه المسائل ليست للمناقشة العامة. ولكنه في الوقت نفسه ليس بشخص انطوائي أو يتهيب الملتقيات العامة، بل في سبيل الدعوة إلى الله لن يتردد في الحديث إلى الناس ومجادلتهم بالتي هي أحسن. ويقول: إن الإسلام يأمرنا بالدعوة إلى الله وبالموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، حيث يقول الله تعالى في كتابه العزيز "ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن". وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "بلغوا عني ولو آية".

 

أما رفضه الحديث لوسائل الإعلام البريطانية عن حياته الخاصة وعن إسلامه "فلأن ذلك أمر يخصني ولا يهم أحدًا سواي".

 

وقال بيرت الابن: إن والدي شخصية عامة ورجل إعلام معروف ولكن أنا ليس كذلك. وهذا أيضًا دليل على الاختلاف الحقيقي بينه وبين والده.

 

وقال بيرت الأب: إنني سعيد للغاية بحياة ابني الشخصية. كما أنني سعيد بزواجه من فوزية بورا الصحافية الهندية المسلمة.

 

76-بطل السنوكر العالمي السابق روني أوسوليفان

 

نشرت جريدة البيان الإماراتية في عددها الصادر في يوم الأثنين(( 7-10-2003 )) قصة إسلام بطل الستوكر العالمي السابق روني اوسوليفان، وأعجبني في السرد التالي كلام والدته عنه بعد إسلامه كما أعجبني دور الملاكم العالمي نسيم حميد في دعوته إلى الإسلام، أترككم مع القصة:

روني اوسوليفان بطل لعبة السنوكر العالمي السابق والمعروف بتعاطيه المخدرات ومعاقرته الخمور واصابته بنوبات الاكتئاب في الماضي اصبح اخر نجم رياضي يتحول الى الإسلام.واوسوليفان الذي يعد اهم لاعب سنوكر بعد اليكس هيجنز الشهير بلقب الاعصار اكتشف الدين الإسلامي من خلال صداقته مع الملاكم المسلم يمني الاصل نسيم حميد. وقد نطق اللاعب البالغ من عمره 27 عاما والذي نشأ في لندن على الدين الكاثوليكي المسيحي بالشهادتين في المركز الثقافي الإسلامي الواقع بمنطقة ريجنت بارك في لندن في الشهر الماضي.

 

ويعد هذا التحول تغييرا جذريا في طريق طفل السنوكر المرعب كما يلقب والذي أذهل الاوساط الرياضية بسرعته ودقته في اللعب.ويعتقد ان روني تمكن بفضل الإسلام من اكتساب القوة الداخلية التي ساعدته على التغلب على مشاكله الشخصية والعائلية بما في ذلك سجن والده عقب ارتكابه جريمة قتل.

 

وروني اوسوليفان الملقب بالصاروخ يتبع مجموعة من الرياضيين الذين اعتنقوا الإسلام للتغلب على مشاكلهم الشخصية بما فيهم الملاكمون محمد علي كلاي ومايك تايسون وداني ويليامز الذي احتفظ في الاسبوع الماضي بلقب بطل الوزن الثقيل في بريطانيا ودول الكومنويلث.

ومن العوامل الرئيسية في اعتناق روني الإسلام «البرنس» نسيم حميد بطل العالم السابق في الملاكمة لوزن الريشة والذي قام بتعريفه بالواعظ الإسلامي الشهير خالد ياسين. وقد اصبح «روني» اسيرا لرسالة ياسين بعد مشاهدته شريط فيديو يلقى رواجا شديدا بين الجالية الإسلامية في بريطانيا عنوانه «الهدف من الحياة» وفي الشريط يقوم الداعية اميركي الاصل والذي يزور بريطانيا بصفة متكررة باثبات وجود الله من خلال اثارة عدد من الاسئلة حول خلق العالم والبشرية.

 

وياسين الذي يلعب دورا رئيسيا في مشروع يهدف لتأسيس محطة تلفزيون اسلامية فضائية في بريطانيا يتساءل في خطبته بالقول: «ماذا عن الجسم البشري وانظمة التحكم المعقدة والمتشابكة فيه. فكرو ا بالمخ وكيفية عمله ووظائفه. فخالق هذا الجسم البشري هو الوحيد الذي يستحق الشكر والحمد لله على ذلك».

ووالدة روني اوسوليفان «ماريا» قالت ان ابنها ليس مستعدا بعد للتحدث عن اعتناقه الإسلام وانه يركز في الوقت الحالي على السنوكر. وأضافت ان نسيم حميد صديق جيد لروني وانه كان العامل الرئيسي في تحوله للاسلام كما اشارت والدته ايضا الى ان روني اصبح الان شخصا افضل منذ اهتدائه وانها تأمل ان يساعده ذلك على الاستقرار النفسي.

ورغم عبقريته الرياضية الفذة كان روني يعاني من الكثير من المشاكل النفسية. فحينما كان طفلا في التاسعة من عمره قطع اول مرحلة في اللعبة بتحقيقه الهدف المئة وفي سن الخامسة عشرة اصبح روني اصغر لاعب يحقق 147 هدفا وهو ما يعد اقصى رقم يمكن للاعب سنوكر ان يحققه وأثناء تقدمه نحو القمة في لعبة السنوكر واجه روني الكثير من المشاكل العائلية فقد حكم على والده بالسجن مدى الحياة لارتكابه جريمة قتل في العام 1991.

وعندما كان روني في السابعة عشرة من عمره سجنت والدته بتهمة التهرب الضريبي وما جعله المسئول الوحيد عن رعاية شقيقته الصغرى. وبعدما كبر فان حياة الصخب والسهر والافراط في استهلاك الكحوليات بلغت ذروتها وكان هناك قلق من ان يؤثر ذلك على مستقبله الرياضي.

واكب ضربة موفقة وغير متوقعة في حياته حدثت في العام 2001 حينما فاز ببطولة العالم بالرغم من تعاطيه لعقار البروزاك المضاد للاكتئاب والذي كان يعاني منه وهي الفترة ذاتها التي كان مخطوباً فيها من بيانكا ويستوود. لكن العلاقة بعد ذلك انهارت.

 

احمد فيرسي رئيس تحرير مجلة «اخبار المسلمين» علق بالقول بأن اعتناق روني للاسلام يمكن تفسيره بتوقه لملء الخواء الروحي المنتشر بين الناس في الغرب. واضاف بأنه مع التركيز في العالم الغربي على الجوانب المادية فان الإسلام يوفر الروحانية الغائبة عن هذه المجتمعات.

 

ويشير فيرسي الى انه في الوقت الذي يبدو فيه الزعماء المسيحيون مستعدين للتنازل عن القيم الروحانية وتبني الدنيوية يبقى الإسلام ثابتاً ومخلصا لذلك.

 

77-المغنية الألمانية كريستيان باكر

 

المغنية كريستيان باكر من قناة إم تي في  (MTV) الأوروبية تجد المعنى الحقيقي للحياة في الإسلام "كنت في القمة ولكن كانت تجربة محطمة للروح...لم أستطع أن أستمر" ولدت كريستيان في عائلة بروستانتية وعاشت في هامبورج، ألمانيا، عندما كانت في سن الواحدة والعشرين اشتركت في راديو هامبورج كمذيعة في الراديو، بعد سنتين اختيرت من بين آلاف المتقدمين لأن تصبح مذيعة أخبار لقناة إم تي في الأوروبية، ثم بعد ذلك توجهت إلى لندن. "لقد كانت ذكية كنت في العشرينات، عشت في نوتينج هيل، كنت البنت الجديدة في المدينة، لقد دعيت إلى كل مكان، وصورني المصورون وتابعتني الصحافة، والعاملين، التقيت بالكثير من المشاهير، واستمتعت بوقتي. لقد أنفقت معظم مالي في الملابس وسافرت إلى كل أوروبا، إلى أفضل الأماكن.

 

لقد كنت الفتاة الآولى في قناة إم تي في وظهرت في شاشة التلفاز طوال الوقت، عرفني الناس في أوروبا كلها، في وقت من الأوقات وقفت على المنصة أمام سبعين ألف شخص.. لسبع سنوات قدمت برامج كثيرة، وقابلت الكثيرين من نجوم الغناء. ورغم تلك الحياة في عالم الشهرة، كانت في حاجة إلى الحياة الروحية، قالت: "لقد كنت دائما منجذبة نحو الحياة الروحية، ولكن لم أفعل أي خطوات عملية نحو تلك الحياة...." في عام 1992م التقت بعمران خان، من فريق لعبة الكريكت الباكستاني، كانت تلك أول مرة تلتقي فيها بمسلم، هي وعمران – الذي كان في ذلك الوقت يبحث عن حقيقة الإيمان كذلك- دارت بينهما الكثير من النقاشات عن الإسلام. أعطاها عمران بعض الكتب عن الإسلام وبدأت تقرأ عن دين الله. تقول: "لقد بدأت في تحدي انحيازاتي وبدأت أنظر بين السطور. قرأت القرآن وبدأ كل شيئ يكون له معنى" أثناء دراستها للإسلام بدأت تنظر إلى بعض القضايا بتمعن..مثل قضية المرأة في الإسلام، قالت: "كامرأة غربية عصرية وذات درجة علمية، بالطبع احتجت لأن أنظر إلى رؤية الإسلام للمرأة، لا يمكن أن أقبل بأن أظلم، فاكتشفت أن رسالة الإسلام مؤيدة للمرأة ومؤيدة للرجل، في الإسلام كان للمرأة حق التصويت في عام 600، الرجال يلبسون ملابس محتشمة، والنساء يلبسون ملابس محتشمة، لا أحد من الجنسين يطلق العنان لنظره....بل كلا الجنسين يغض بصره. لا أظن أنها ظاهرة صحية بأن يطلق الناس العنان لشهواتهم الجنسية...إن ذلك يثير الشهوة الخاطئة مرة أخرى...." وأخيراً...أسلمت...هي الآن من الذين يصلون الصلوات الخمس، وتصوم شهر رمضان، تقول: "كنت أشرب الخمر في باريس...ولكن الآن لا ألمسها" في عام 2001 ذهبت إلى مكة، قالت: "كانت تجربة رائعة...عدت بالسعادة والطمأنينة" عندما عادت بدأت بالدراسة الجامعية في جامعة ويست مينيستر، درست الطب الطبيعي، والأعشاب، والطب الصيني..قالت: "هذه الكورسات فتحت أمامي أبواباً أخرى لعالم عجيب، النظرة الأخرى للإنسان والطبيعة، والصحة والمرض، كل شيئ متصل" تقول: "الإسلام هو أكبر هدية حصلت عليها" ثبتنا الله وإياها على الحق والدين وتاب علينا وعلى والدينا، وهدى الضالين إلى الصراط المستقيم.



78-رئيس جمهورية جامبيا

 

هذه قصة من قصص الإيمان ، بطلها ليس فرداً عادياً ، إنه يمثل أعلى سلطة في بلاده ، أدرك الحقيقة فخر ساجداً ، ثم نهض قائلاً الله أكبر الله أكبر مني ومن كل شئ في الأرض والسماء .. إنه رئيس جمهورية ( جامبيا ) ولا تكمن غرابة القصة في كونه رئيساً لجمهورية ، وإنما لأن هذا الرئيس ولد مسلماً ثم أبحر للغرب ، وتشرب من فكره وقيمه وعقيدته ، ودخل عالم السياسة ، فدانت له ، واستهوته لعبة وشهوة المناصب التي وصل إلى أقصاها ، ولكن حين اقترب من القصر السياسي أكتشف أنه قد نسي شيئاً مهماً .. نسي فطرته ، فعاد إليها مسرعاً ، يعبر عن ذلك بقوله :

 

( كنت أشعر دائماً أن لي قلبين في جوفي .. قلب لي وقلب علي .. أما القلب الذي لي فكان يدفعني إلى الدراسة والسياسة وخوض معركة الحياة .. وأما القلب الذي علي فكان ما يفتأ يلقي على عقلي وقلبي سؤالاً لم يبرحه قط ، هو : من أنت ؟… وما بين القلبين مضت بي الرحلة الطويلة استطعت معها ومن خلالها أن أحقق كل ما أصبو إليه ، تحرير وطن أفريقي أسود ، ووضعه على خريطة الدنيا كدولة ذات سيادة ) .

 

 

واستطرد قائلاً :

 ( وكان هذا نصراً منتزعاً من فم الأسد ، يكفي لأن يدير الرؤوس ، ويصيب الشبان الحالمين من أمثالنا في هذا الوقت بدوار السلطة .. كانت تلك معركة كبرى سلخت من أعمارنا نصف قرن من الزمان مع الحرب والنضال ، والمفاوضات وتكوين الأحزاب ، وخسارة المعارك والفوز بها أيضاً ، وما كان أسعدنا حينئذ ونحن ننشل وطننا من وهده الاحتلال والتخلف والضياع الفكري والاقتصادي .. ولم يكن هذا الفوز سوى لإرضاء النفس وغرورها ، أما فطرة النفس فأخذت تحضني على خوض المعركة الكبرى .. لقد كسبت معركتك مع الحياة فاكسب معركتك مع نفسك ، عد إلى ذاتك ، اكتشف المعدن الثمين الذي بداخلك .. أزح ما عليه من هذا الركام من التغريب والعلمانية والدراسة في مدارس اللاهوت .

 

كان الصوت يخرج من داخلي يقول لي عد إلى الطفل البريء الذي كان يجلس بين أيدي شيوخه ومعلميه يتلو القرآن ويسعى للصلاة . هنا أحسست أن قلبي يصدقني وأن لا شيء في الدنيا يعادل أن يخسر الإنسان نفسه ، أن أعود لإسلامي الذي ضاع مني وأنا في خضم في الحياة ومشاغلها ومباهجها ، أستشعر الآن أني قد كسبت نفسي وتعلمت درساً لا يتعلمه إلا من كان في قلبه حس نابض ، وعقل واع ) .

 

وعاد الرئيس إلى فطرته الصحيحة وأعاد اسمه إلى ( داود جاوارا ) بعد أن كان اسمه ( ديفد كيربا ) . وهكذا نجد أنفسنا أمام شخصية إسلامية سياسية وداعية إلى الله سبحانه وتعالى بعد أن كان على مذاهب البروستانتينية وغيرها .

 

79- مدير دريم بارك الأمريكي في مصر

 

لفت نظري إلى الإسلام كلمة قالها لي سائق سيارتي [أيمن] [أنت قلبك طيب زي قلوب المسلمين بالضبط] ففكرت من هنا في معنى هذا الإسلام وقرأت عنه حتى أشهرت إسلامي، ولم تواجهني ضغوط وأعجبت بشخصية سيدنا يوسف فتسميت باسمه ولم أندم على ما سبقني، ولكن لم أكن أعيش بنفس الروح فالإسلام منحني شيئًا جديدًا فآمنت بالقضاء والقدر وصمت رمضان وسعدت بأعياد جديدة وأنوي الحج إلى يبت الله الحرام وسأدعو غيري للإسلام.

 

هكذا يروي مستر وليم أو [يوسف] كما أطلق على نفسه قصة إسلامه فكان لنا معه هذا الحوار.

 

بداية نريد أن نتعرف عليك ؟

اسمي وليم فرنسيس يوسف كيلي أمريكي الجنسية ولدت في ولاية نيوجرسي في 13 أغسطس سنة 1946م وتربيت فيها وتخرجت في جامعة [ليلاتوفا] بولاية بنسلفانيا وحصلت على ليسانس في الاقتصاد وعملت مديرًا لشركة تأمين على الحياة لمدة 10 سنوات في الولايات المتحدة وبعد ذلك دخلت في مجال صناعة الترفيه لمدة 20 سنة وأنا الآن مدير لمدينة دريم بارك أحد مشروعات [دريم لاند] وسبق لي الزواج ولكن انفصلت عن زوجتي وليس عندي أولاد وجئت إلى مصر لأول مرة في أول يونيو سنة 1999م.

 

ما هي نقطة التحول في حياتكم ؟

عندما جئت إلى مصر لم أكن متعودًا كما هو الحال في الغرب أن أرى الناس عندما يسمعون الآذان يتجمعون ويصلون فكان هذا غريبًا عليّ في بداية الأمر كما أن هناك مهندسين وزملاء آخرين مصريين بدأوا يكلمونني عن الإسلام وبدأت أحس أن بداخلهم طمأنينة وراحة نفسية معينة لم أحسها من قبل هي سبب تمسكهم بهذا الدين، مما جعلني أبدأ في التفكير في الإسلام وأقرأ عنه وأقارنه بالمسيحية، ومن خلال قراءاتي والخبرة الواقعية حولي عن طريق زملائي المسلمين اعتنقت هذا الدين، ومن أهم الكتب التي قرأتها عن الإسلام [تفسير معاني القرآن الكريم] واللغة الإنجليزية .. وكتاب دين الحق، الزواج في القانون الإسلامي وكتب أخرى كثيرة تشرح ما يحويه الإسلام، كما أنني أحمل مصحفًا معي دائمًا وأحاول تعلم اللغة العربية حتى أستطيع قراءة القرآن الكريم .

 

كيف كان اعتناقكم للإسلام ؟

سمعت عن الإسلام قبل أن أعتنقه لكن ليس بالقدر الكافي، وبدأت بالفعل في القراءة عنه، وأخبرني زملائي المسلمون أن أهم شيء في معرفة الإسلام معناه البسيط بداية، وليس شرطًا أن أعرف قواعده وقوانينه في بداية الأمر، فقد تكون صعبة ومعقدة بعض الشيء بالنسبة إلى وسأستطيع معرفتها بعد ذلك، وقد أشهرت إسلامي قبل رمضان من العام قبل الماضي وذهبت في اليوم الثالث منه إلى الأزهر وشهدت لأصبح في عداد المسلمين لي ما لهم وعليّ ما عليهم ولم أغير اسمي ولكن أضفت إليه اسم [يوسف] فأنا معجب بشخصية سيدنا يوسف عليه السلام فقد قرأت عنه قبل وبعد اعتناق الإسلام فاحترمته وأحببت اسمه ولكن في نفس الوقت لم أغير اسمي لأنه لقب والدي وعمومًا فأنا أعتز بالإسمين معًا.

 

كيف كان موقف أسرتك من تحولك عن دينها ؟

والدي ووالدتي متمسكان بدينهما وملتزمان بتعاليم النصرانية وكانا يحبانني ولذلك عندما أخبرتهما أنني سأعتنق الإسلام سألا عن هذا الدين وذهبا إلى القسيس في الكنيسة وطرحا عليه عددًا من الأسئلة حول الإسلام فهما لم يكونا يعرفان عنه شيئًا وقالا لي طالما ستظل كما أنت أبيض القلب وطيب النفس وأن هذا الدين لن يغير فيك ذلك فليس هناك مانع أما عن أصحابي فربما لم يفهموا موقفي ولكنهم يعرفونني جيدًا وهم متأكدون أنني لن أتحول عن ديني إلى دين آخر إلا إذا كان هذا الدين سيحسن من نفسي وسيزيد إيماني وسيجعلني أحس بشعور أفضل ولذلك تقبلوا الموقف ولكن لم يفهموه بالضبط.

 

هل واجهتكم ضغوط للحيلولة دون اعتناقكم للإسلام ؟

لم تواجهني أي ضغوط عندما قررت اعتناق الإسلام، ومن حولي تقبلوا الأمر ولكن لم يكونوا قد تفهموه بعد، خاصة أن الغرب لا يرانا مثلاً ونحن نصلي بل يرون جانب التعصب في المسلمين فوسائل الإعلام تنقل إليهم صورة غير حقيقية ولا تنقل إليهم صورة الإسلام الحقيقية، فالتعصب ليس من الإسلام في شيء ولكن الغرب للأسف لا يرى سوى ذلك ، وبالنسبة إلي لم أجد مشاكل في أمريكا بسبب إسلامي ولكن أقابل أناسًا لا يفهمون موقفي.

 

كيف تعلمت إقامة شعائر الدين الجديد ؟

للأسف لم أتعلم اللغة العربية بعد ولكن قالوا لي ليس هناك مشكلة الآن طالما أنك تصلي وتقف أمام الله بقلب سليم وتعرف كيف تصح صلاتك وعندما أقول الله أكبر أحس أنني قريب من الله وصلاتي ستقبل كما أخبرني بذلك علماء من الأزهر وأن الأمر يأتي خطوة خطوة، وزملائي المسلمون يصلون بي دائمًا والفرصة المتاحة لي هي أن أتعلم العربية ممن حولي، فليس عندي وقت كثير فأنا أعمل من 12 إلى 16 ساعة يوميًا، وبالنسبة لصيام شهر رمضان فلم تكن عندي مشكلة في الامتناع عن الطعام فأنا متعود على ذلك في العمل، ولكن عانيت بعض الشيء أولاً ثم والحمد لله اعتدت على ذلك، فأنا أنوي الحج إلى بيت الله برفقة زوجتي [منى] التي ارتبطت بها بعد اعتناقي الإسلام وأنا سعيد جدًا في زواجي الحالي .

 

ما الجديد في حياتكم إثر تحولكم إلى الإسلام ؟

منحني الإسلام شيئًا جديدًا وقوة وجعلني لا أخشى أحدًا إلا الله ولا أهتم بأي مشكلة مهما كانت طالما أنها مشكلة دنيوية ولا تتعلق بالآخرة ولا تمس حياتنا بعد الموت، وهذا ما لاحظته في تعاملي مع بعض الزملاء، فمثلاً توفيت أختي الصغيرة بعد إسلامي بفترة فتقبلت الأمر لأنه من الله وعليّ أن أؤمن بالقضاء والقدر، ولو حدث ذلك قبل إسلامي لكان من الممكن أن أعترض وأتساءل لماذا يحدث ذلك؟!

 

هل ترى أي فروق بين الإسلام والنصرانية ؟

الإسلام منحني الأمان والسلام وهو دين لم يتغير ولم يتبدل ولم يطرأ عليه أي تغيير، أما النصرانية فقد حدث فيها تغيير وتحريف من قبل القساوسة والكهنة، فمنهم من يؤمن بأن عيسى عليه السلام هو الله وهذا خطأ فعيسى هو عبد الله ورسوله ونحن المسلمون نؤمن بجميع الرسالات وأن المسيح هو رسول من رسل الله، ونؤمن بالدين الذي جاء به وهنا يقف المسيحيون عند الإيمان بالمسيحية فقط فلم يؤمنوا بأي شيء بعدها أما نحن فقد آمنا بمحمد صلى الله عليه وسلم ودينه. وهذا هو الفرق.

 

كيف كان يعاملك المحيطون بك قبل وبعد اعتناقك الإسلام؟

إن زملائي المسلمين سعدوا جدًا بإسلامي لدرجة الانبهار وقالوا لي مبارك، وهم يعاملونني جيدًا حتى قبل أن أسلم أو أخبرهم أنني أفكر في الإسلام، ومعاملتهم لي لم تجعلني أشهر إسلامي، ولكن جعلتني أفكر بإيجابية في اعتناق هذا الدين وأعتقد أنه لو كانت سيئة ربما لم أعتنق الإسلام لأنه طالما أن هؤلاء المسلمين معاملتهم سيئة وتصرفاتهم خاطئة فلماذا أكون على دينهم؟

 

هل حاولت أن تدعو أحدًا من الشعب الأمريكي إلى الإسلام ؟

لم أدع أحدًا، ولكن تحدثت مع أصدقائي عن الدين الإسلام والجديد فيه ولكن أعتقد أن المهم هو تصرفاتي وأفعالي فهي افضل دعوة صريحة للتأثير في الآخرين وحثهم على تقليدي واعتناقهم الإسلام، وللأسف هناك كثير من الناس، لا يعرفون أي شيء عن الإسلام ومعلوماتهم بشأنه تكاد تكن منعدمة حتى أن أصدقائي لم يستطيعوا أن يسألوني سؤالاً محددًا فكانت استفساراتهم ما هو الإسلام؟ فهم لا يعرفون أن الإسلام دين يدعو للتسامح مع كل الأديان وأن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء والمرسلين والمشكلة تكمن هنا أن الغرب لا يعرف الكثير عن الإسلام فالصلة التي تربطه بالشرق تتركز في النواحي السياسية.

 

من وجهة نظرك ما هي رؤية الأمريكيين للإسلام ؟

الناس في الولايات المتحدة يتقبلون الأديان ، ولذلك تجد مزيجًا من الأديان في دول الغرب وليس هناك مشكلة أن تكون مسلمًا ولكن للأسف هناك من يسيئون لصورة الإسلام.

 

ما رأيك في أوضاع المسلمين في الولايات المتحدة ؟

ليس عندي فكرة عن هذا الأمر فأنا لم أمر بأي تجربة في حياتي توضح لي معاملة الأمريكان للمسلمين بل إنني لم أقابل أحدًا من مسلمي أمريكا فأنا حديث عهد بالإسلام أما بشأن ما يحدث للمسلمين في الشيشان وفلسطين فأنا مستاء جدًا لقتل أبرياء ليس لهم أي ذنب ويحزنني أن أجد طفلاً أو أسرة فلسطينية تتعرض للإيذاء، ويتفق موقفي مع أي شخص من أي بلد يتعرض للظلم والقتل من دون أن يكون له يد في ذلك، ولكن للأسف هذه أمور تتعلق بالسياسة ومشاكلها.

 

كيف ندعو الغرب إلى الإسلام ؟

أفضل طريقة أن نكون مؤمنين بالإسلام بالفعل وبالتالي سنكون مرآة حقيقية له، وهذه أفضل طريقة لنشر الإسلام خاصة أن فاقد الشيء لا يعطيه ولابد من مسلم حقيقي حتى ينجح في هذه المهمة والإسلام ينتشر بالفعل في الغرب بقوة كبيرة ولابد من استخدام وسائل الاتصالات والتكنولوجيا الحديثة للتخاطب مع الغرب، فمثلاً فريضة الحج تمثل حدثًا إسلاميًا يضم تجمعات كبيرة من المسلمين من جميع أنحاء العالم يحجون إلى بيت الله، وهذا أمر هام يجب تسليط الأضواء عليه وعرضه على الغرب وأيضًا هناك مواقع إسلامية على الإنترنت تتحدث عن الإسلام وتشرح أركانه وفرائضه، وهناك نسخ مترجمه للعديد من الكتب الخاصة بالإسلام ويجب أن يتم تفعيل حركة النشر لهذه الكتب مع توفير ترجمة لها بكل لغات العالم حتى تصل إلى البشر جميعًا.

 

من موقع مفكرة الإسلام

 

 

80-يوسف خطاب المتزمت اليهودي سابقاً

 

من اليهودية إلى الإسلام، قصة يوسف كوهين

 

القدس - نشرت صحيفة يديعوت أحرنوت العبرية تحقيقا مثيرا حول كيفية تحول احد اليهود القادمين من الولايات المتحدة إلى الإسلام بعد ان كان عضوا في حركة يهودية متزمتة.

 

ووفقا ليديعوت أحرونوت فإن يوسف كوهين كان من أتباع تيار يهودي متزمت يدعى"ساطمر" قبل ان ينضم إلى حركة "شاس" المتدينة، وقد قدم كوهين البالغ من العمر 34 عاما من الولايات المتحدة الأمريكية، وتأثر سريعا بأفكار حركة "شاس" المتدينة.

 

بدأت طريق يوسف كوهين في حي بروكلين،حيث انضم هناك إلى أتباع "ساطمر" وتعرف على زوجته لونا كوهين عن طريق وسيط وانجبا اربعة ابناء هما ثمرة زواج مستمر منذ 12 عاما.

 

وقرر كوهين القدوم إلى إسرائيل عام 1998، حيث وصل وعائلته مباشرة إلى قطاع غزة، إلى مستوطنة "غادير" في مستوطنة "غوش قطيف"، إلا أنه ضاق ذرعا بالحياة في قطاع غزة التي لم تلائم ظروف عائلته حديثة العهد.

 

وعليه قرر الانتقال للسكن في "نتيفوت" الواقعة في جنوب إسرائيل، وبدأ كوهين من هناك بإجراء أول اتصالاته مع مسلمين، وفي مرحلة معينة قام كوهين بمراسلة رجال دين مسلمين عبر الانترنت، وبدأ في قراءة القرآن باللغة الانجليزية.

 

وفاجأ كوهين الجميع قبل بضعة شهور عندما أعلن إسلامه وغير اسمه ليصبح يوسف خطاب، وغيرت زوجته اسمها، وغيرت أسماء أولاده الذين يتعلمون اليوم في مدرسة إسلامية ويتحدثون اللغة العربية بطلاقة، وهو في مراحل متقدمة من تعلم اللغة العربية.

 

وبعد اعلان اسلامه انتقلت العائلة للسكن في حي جبل الطور في القدس الشرقية، وبدأ خطاب يعمل في جمعية اسلامية خيرية في المدينة.

 

ويرى يوسف خطاب ان حماس تمثل نهج الدين الإسلامي بالصورة الصحيحة ويقول "انها حركة سياسية أكثر منها دينية، لكنه يعارض العمليات الاستشهادية التي تقوم بها الحركة.

 

ويتهم خطاب السلطات الإسرائيلية بتضييق الخناق عليه بعد اعلانه لاسلامه ويقول" لدي مشاكل مع وزارة الداخلية ومع وزارة الأديان حيث لا تريد هذه الوزارة الاعتراف بإسلامي، وذلك على الرغم من أنني اسلمت في المحكمة الشرعية الخاضعة لقوانين دولة إسرائيل".

 

وبعد ان كان من مؤيديها اصبح خطاب ينتقد بشدة رجال حركة "شاس"ويقول أنه جاء إلى اسرائيل بسبب الحاخام عوفاديا يوسيف (الزعيم الروحي لشاس)، ويضيف أنه كان يكن التقدير للحاخام يوسيف، وقررت أن أسمي ابني على اسمه، إلا أنه غيره لعبد الله بعد اسلامه.

 

ويرى خطاب ان المسلمين يعانون من الظلم في كل مكان، وأن شارون يزيد بسياساته هذا الظلم الواقع عليهم، ويقول أن عرفات لا يمثل المسلمين، وهو حاكم مؤقت سيتغير مع الوقت.

 

ولا يخفي خطاب تضامنه كمسلم مع تنظيم القاعدة بزعامة اسامة بن لادن، ويقول أنه يكفي أن نرى الوضع الذي يعيشه المسلمين من أجل أن أتفهمهم.

 

وبالنسبة لرؤيته حول للشرق الأوسط يقول خطاب ان الهدف الأول هو إقامة دولة فلسطينية على أكبر مساحة ممكنة.

 

وهذا مقال عنه نشرته جريدة هآرتس الإسرائيلية:- روني شافير - هارتس

 

يوسف خطاب ... من شاس إلى حماس

 

يوسف خطاب هو شاب مسلم متدين يبلغ من العمر 36 عاماً كان اسمه حتى قبل عام واحد يوسف كوهين وكان يهودياً متشدداًوعضو في حركة شاس اليهودية المتعصبة وكان شديد الإعجاب بزعيم تلك الحركة يوسف عوفاديا.

 

يوسف خطاب من مواليد الولايات المتحدة الأميركية وقد هاجر قبل أربعة أعوام إلى إسرائيل وكان يحلم كغيره من الذين يعيشون خارج إسرائيل بالهجرة إليها والعيش في ظلال دولة الديمقراطية والقانون التي يروج لها حكام إسرائيل وعاش في منطقة نتيفوت وأطلق على ابنه الأصغر اسم عوفاديا إعجاباً بالحاخام المتطرف عوفاديا يوسف زعيم حركة شاس اليهودية المتطرفة وألحق أبناءه بشبكة التعليم التوراتي والتحق بالعمل في إدارة تابعة للقطاع الديني اليهودي.

 

بعد أن استقر يوسف خطاب في إسرائيل ورأى أن ما يروجه الإعلام الغربي واليهودي عن إسرائيل ما هو إلا أكذوبة ورأى بنفسه ما ترتكبه إسرائيل من مجازر ضد الشعب الفلسطيني بدأ يشعر بالكراهية لليهود والإسرائيليين وقرر هو وزوجته وأبنائه اعتناق الإسلام وتغيير أسماء أبنائه بأسماء إسلامية.

 

ترجع أسباب إسلام يوسف خطاب إلى دردشة عن طريق الإنترنت مع أحد علماء الدين الإسلامي حيث فتحا أبواباً للنقاش وتبادل الآراء وكلما ازدادا تعمقاً في نقاشاتهما ازداد يوسف خطاب تعلقاً بالرجل ورغبة في معرفة المزيد عن الإسلام والدين الإسلامي ، وعرف خطاب في ما بعد أن صديقه إمام مسجد في إحدى الدول الخليجية ، وأهداه نسخة من المصحف الشريف لكنه أخفاها عن زوجته.

 

استمرت علاقة يوسف خطاب بصديقه المسلم وازدادا قرباً وصداقة وزاد تعمق يوسف خطاب في الدين الإسلامي وفي نهاية المطاف أرسله صديقه المسلم إلى بعض علماء الدين الإسلامي في القدس الشرقية الذين عاونوه على فهم المزيد عن الإسلام وكان لهم دور كبير في اقتناعه بضرورة اعتناق الدين الإسلامي.

 

بعد ذلك صارح يوسف خطاب زوجته باعتناقه الإسلام وترك لها حرية الاختيار وإن كان يتمنى أن تعتنقه هي بدورها وأوضح لهاعظمة الإسلام ومزاياه ، ومن جانبها طلبت هي فترة من الوقت حتى تتعرف هي بدورها على الإسلام وبدأت في دراسة الدين الإسلامي وفي نهاية المطاف اقتنعت بضرورة اعتناق الإسلام وأكدت أن ذلك قد تم بكامل إرادتها ودون أية ضغوط من جانب زوجها.

صورة يوسف خطاب وأسرته بعد اعتناق الإسلام

 

بعد ذلك أخذ يوسف خطاب زوجته وأبناءه الأربعة إلى المحكمة الشرعية بالقدس الشرقية وهناك أعلنوا إسلامهم وانتقلوا للعيش في قرية الطور العربية الواقعة بالضفة الشرقية وغيَّر اسمه من يوسف كوهين إلى يوسف خطاب وغير اسم ابنه الأكبر من عزرا إلى عبد العزيز وابنته من حيدة إلى حسيبة وابنه الأوسط من رحمايم إلى عبد المجيد وابنه الأصغر من عوفاديا إلى عبد الله وكان ذلك حدثاً غير عادي إذ أنها المرة الأولى التي تعتنق فيها أسرة يهودية بأكملها الدين الإسلامي.

 

بعد إسلامه صار يوسف خطاب يرتدي الزي العربي التقليدي والتحق بالعمل في إحدى الجمعيات الخيرية الإسلامية وارتدت زوجته الحجاب وصارت بدورها تحرص على أداء الصلوات وسائر العبادات الإسلامية وألحق أولاده بالمدارس الإسلامية وصار أبناؤه يتحدثون اللغة العربية بطلاقة.

بمرور الأيام تحول كوهين إلى خطاب وصار يعرب بصراحة عن كراهيته لليهود واستنكاره لما يلحق بالفلسطينيين من ظلمٍ واضطهاد على يد اليهود وصار يؤيد العمليات الفدائية التي يقوم بها الفلسطينيون ويرى أن ممارسات إسرائيل الوحشية هي التي تدفع الفلسطينيين إلى القيام بتلك العمليات.

 

وهذا مقال من الجزيرة كتبته من القدس مني جبران:-

 

اعتناق يهودي الإسلام يثير ضجة كبيرة بإسرائيل

 

كان كوهن الإسرائيلي يهوديا من مجموعة الأشكيناز أي اليهود القادمين من الغرب وكان يعرف الدين اليهودي بشكل جيد لكن القدر قاده إلى خوض تجربة مثيرة للتعرف على الإسلام من خلال محادثة على "غرف الشات" بالإنترنت التي كانت تشرف عليها منظمة شاس اليهودية الدينية المتطرفة.

 

وهكذا بقي كوهن على مدى عامين على اتصال مع "أخ" مسلم يدعى محمد من السعودية كان يحدثه عن التوحيد والربوبية وغير ذلك. ومن ثمة قام بإجراء مقارنة بين العقيدتين اليهودية والإسلامية كما اطلع على ترجمات لمعاني القرآن الكريم باللغة الإنجليزية وهنا قرر اعتناق الإسلام واختار اسم يوسف بدل كوهن.

 

وقد أثار قرار يوسف خطاب وزوجته وأطفاله اعتناق الإسلام زوبعة في المحافل الدينية اليهودية خاصة في أوساط حركة شاس التي كان ينتمي إليها. واعتبر أحد الإسرائيليين من حركة شاس الدينية أن ما قام به يوسف ضرب من الجنون ويجب معالجته وذلك بوضع هذا الشخص في مستشفى الأمراض العقلية.

 

معاناة :

فبعد معاناة طويلة وصعبة دامت زهاء عامين ونصف تمكن يوسف من تغيير ديانته وتسجيلها رسميا في بطاقة هويته. وخلال هذه المدة حرم من دخول دور العبادة الإسلامية لأنه كان مازال يعتبر يهودي الديانة رسميا وكذلك الحال بالنسبة لزوجته وأولاده الذين شجعوه على اختياره واعتنقوا الإسلام مثله.

 

كما واجه يوسف مشكلة أخرى تمثلت في انتقاله من بيئة يهودية إلى أخرى إسلامية ومن يهودي متطرف إلى إسلامي فلسطيني حيث ساوره تخوف كبير من أن المجتمع الإسلامي الفلسطيني لن يرحب به أو لن يستقبله بشكل حسن.

 

أما المشكلة الأخرى فقد تمثلت في بني دينه الذين لم يتفهموا قراره وقاموا بين الحين والآخر بمضايقته عن قراره. كما تقوم الشرطة الإسرائيلية بإزعاجه في بيته الجديد.

 

 

تمسك بالإسلام :

ويؤكد يوسف -المسلم الجديد- أن أولاده وزوجته متمسكون بشكل جيد بشعائر الإسلام. أما والداه فما زالا على الديانة اليهودية وهما -حسب قوله- سبب تحريض الشرطة واليهود المتدينين الآخرين عليه وعلى زوجته وأولاده.

 

وقد اضطر يوسف -الأميركي الأصل الذي وصل إلى إسرائيل مع المهاجرين الجدد- للانتقال إلى السكن في القدس الشرقية بعد أن كان يسكن في مستوطنة غوش قطيف بقطاع غزة.

 

وبات أفراد عائلة يوسف خطاب يحملون أسماء عربية هي الأم قمر محمد خطاب بدل (لونا) وعبد الرحمن الابن الأكبر بدل (شالوم رحاميم), حسيبة (احتفظت بنفس الاسم) وعبد العزيز بدل (عزرا) وعبد الله بدل (عوفاديا).

 

ورغم أن القانون الإسرائيلي يسمح بحرية الأديان ويعطي للمواطن حق اعتناق الدين الذي يرغب فيه إلا أن إسلام يوسف قوبل من قبل الإسرائيليين بالرفض والتساؤل والشتم والتعجب والسخرية والخوف من اعتناق إسرائيليين آخرين للدين الإسلامي.

 

وقالت المحامية دينا شبلي التي رافعت عن قضية يوسف إنها توجهت إلى المسؤولين في وزارتي الداخلية والأديان بكتاب خطي يشرح تفاصيل القضية ويعرض حقيقة اعتناق عائلة خطاب للإسلام.

 

وأمام تماطل وزارة الأديان في الرد توجهت شبلي لوزارة العدل مما أدى إلى تراجع وزارة الأديان عن موقفها وأصدرت شهادات تغير ديانة يوسف وأفراد عائلته جميعا وأقدمت بعدها وزارة الداخلية على تغيير ديانة خطاب وعائلته في سجل السكان وتغيير أسمائهم العبرية إلى عربية.

 

ليوسف خطاب موقع علي الإنترنت عنوانه http://www.jewstoislam.com  

 

81- مالكولـــم إكــــس زعيم من الملوّنين الأمريكيين

 

 

كان يُلقَّب قبل إسلامه بالشيطان و "أحمر دويترويت" إذ كان زعيما عنصريا متطرفا في عداوته للبيض .ولكنه عدل عن هذا النهج بعد إسلامه .

 

وبعد رحلته للحج خاصة إذ غمرته أخوّة المسلمين البيض تحت مظلة الإسلام ، فأرسل إلى أتباعه من مكة رسالة يبين فيها انعطاف مساره ، يقول فيها:

"ما رأيت قط كرماً أصيلاً ، ولا روحاً غامرة من الأخوة كهذه التي تسود هنا بين الناس من كل لون وجنس ، في هذه الأرض المقدسة ، وطن إبراهيم ومحمد …

فها هنا عشرات الألوف من الحجاج قدموا من كل أنحاء العالم ، ليؤدّوا المناسك نفسها بروح من الوحدة والأخوة ، ما كنت أظن – بحكم خبراتي في أمريكا – أنها يمكن أن تنشأ بين البيض والسود …

وإن أمريكا في حاجة إلى أن تفهم الإسلام ، لأنه هو الدين الوحيد الذي يمكن أن يمحو المشكلة العنصرية في مجتمعها … لقد تقابلت مع مسلمين بيض وتحدثت معهم ، بل تناولت الطعام معهم ! ولكن النزعة العنصرية محاها من أذهانهم دين الإسلام ..

إننا هنا نصلي لإله واحد ، مع أخوة مسلمين لهم أعين زرقاء كأصفى ما تكون الزرقة ، ولهم بشرة بيضاء كأنصع ما يكون البياض .." .

فيا عجباً لأمر الإسلام ! كيف حوّل الحقد الأسود في قلب هذا الزعيم إلى حب أبيض فياض .. لم يستطع أن يعبر عنه إلا بهذه التداعيات التي ختم بها رسالته ؟! … لقد غدت نيته بالإسلام بيضاء ، وأشد بياضاً من لون بشرة أعدائه السابقين ، إنه الإسلام دين الإنسان .

"في مجتمع الإسلام لا يشعر أي إنسان بأي تمييز ، فلا توجد في الإسلام عقدة الاستعلاء ، ولا عقدة النقص"

 

 

 

 

82- اللورد هدلي سليل الأسرة المالكة في بريطانيا

 

من أغنى البريطانيين ، ومن أرفعهم حسبا ، درس الهندسة في كامبردج ، أسلم وأصدر مجلة (The Islamic Renew )..

وأصدر كتاب (إيقاظ العرب للإسلام) و كتاب (رجل غربي يصحو فيعتنق الإسلام) ، وقد كان لإسلامه صدى كبير في إنكلترا .

 

من مقولات هيدلي:

يقول هيدلي معبرا عن ساعة اعتناقه الإسلام:

"لا ريب إن أسعد أيام حياتي هو اليوم الذي جاهرت فيه على رؤوس الأشهاد بأنني اتخذت الإسلام ديناً"..

فإذا كنت قد ولدت مسيحياً ، فهذا لا يحتم عليّ أن أبقى كذلك طوال حياتي ، فقد كنت لا أعرف كيف أستطيع أن أؤمن بالمبدأ القائل : إذا لم تأكل جسد المسيح ، وتشرب دمه ، فلن تنجو من عذاب جهنم الأبدي !

"إنني بإسلامي أعتبر نفسي أقرب إلى النصرانية الحقة مما كنت من قبل ، ومن يعادي النصرانية الحقة فلا أمل فيه …"

"لم أولد في الخطيئة ، ولست مولود سخط وغضب ، ولا أحب أن أكون مع الخاطئين"..

"لقد تملك الإسلام لبي حقا ، وأقنعني نقاؤه ، فأصبح حقيقة راسخة في عقلي وفؤادي ، اذ التقيت بسعادة وطمأنينة ما رأيتهما قط من قبل" .

السنة النبوية هي القدوة لنا:

"بما أننا نحتاج إلى نموذج كامل ليفي بحاجاتنا في خطوات الحياة ، فحياة النبي تسد تلك الحاجة ، فهي كمرآة نقية تعكس علينا الأخلاق التي تكون الإنسانية، ونرى ذلك فيها بألوان وضاءة..

خذ أي وجه من وجوه الآداب ، تتأكد بأنك تجده موضحاً في إحدى حوادث حياة الرسول صلى الله عليه وسلم".

 

ويعبر عن مفهوم العبادة الشامل للحياة:

"الإسلام هو الدين الذي يجعل الإنسان يعبد الله حقيقة مدى الحياة ! لا في أيام الآحاد فقط …

أصبحت كرجل فر من سرداب مظلم إلى فسيح من الأرض تنيره شمس النهار ، وأخذ يستنشق هواء البحر النقي الخالص"(10).

 

برغم مولد اللورد هدلي في بيت نصراني عريق، فإنه لم يشعر يوماً في قرارة نفسه بإيمان صادق نحو النصرانية، بل طالما راودته الشكوك في صحة التعاليم التي تروج لها الكنيسة، والطقوس التي يمارسها آباء الكنيسة في صلواتهم وأقداسهم، وطالما توقف بفكره عن أسرار الكنيسة السبعة.

 

إذ لم يستطع ـ وهو الإنسان المثقف الواعي ـ أن يهضم فكرة أكل جسد المسيح عليه السلام أو شرب دمه كما يتوهم النصارى وهم يأكلون خبز الكنيسة ويشربون نبيذها، كذلك لم يقتنع بفكرة فداء البشرية التي هي من أسس عقيدة الكنيسة… وشاء قَدَرُ الله أن يسافر إلى منطقة "كشمير" التي يدين أهلها بالإسلام، وذلك من أجل مشروعات هندسية، حيث كان يعمل ضابطاً في الجيش البريطاني ومهندساً… وهناك أهدى إليه صديق ضابط بالجيش نسخة من المصحف الشريف حين لمس انبهاره بسلوكيات المسلمين، وكان هذا الإهداء بداية تعرفه الحقيقي على الإسلام، إذْ وجد في كتاب الله ما يوافق طبيعة نفسه ويلائم روحه… وجد أن مفهوم الألوهية ـ كما جاء في القرآن الكريم ـ يتوافق مع المنطق والفطرة، ويتميز ببساطة شديدة، كما لمس في الدين الإسلامي سمة التسامح، تلك السمة التي لم يشعر لها وجوداً بين أهله من النصارى الذين عُرِفُوا بتعصبهم ضد الديانات الأخرى، بل ضد بعضهم بعضاً، فالكاثوليك يتعصبون ضد البروتستانت، وهؤلاء بدورهم يتعصبون ضد الأرثوذكس، الذين لا يقلون عن الطائفتين السابقتين تعصباً ضدهما، فكل فريق يزعم أن مذهبه هو الحق وما عداه باطل، ويسوق في سبيل ذلك من الحجج أسفاراً يناقض بعضُها بعضاً.

 

ولم يكن بوسع اللورد هدلي إلا أن يميل للإسلام بعد اطلاعه على ترجمة معاني القرآن الكريم، وما قرأه عن العقيدة الإسلامية، وأبطال الإسلام الأوائل الذين استطاعوا أن يصيروا أعظم قواد العالم، وبقوة عقيدتهم أسسوا حضارة عظيمة ازدهرت لقرون طويلة، في وقت كانت أوربُا ترزح تحت وطأة الجهل وطُغيان البابوات والكرادلة. كما وجد اللورد هدلي في الشريعة الإسلامية وسيرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته ومن تلاهم من التابعين القدوة الحسنة التي تروّى روحه العطشى للحق، ولم يصعب عليه أن يدرك أن الإسلام عقيدة وسلوك.

 

وبرغم اقتناع اللورد هدلي بالإسلام فإنه ظل قرابة عشرين عاماً يكتم إسلامه لأسباب عائلية، حتى كتب له الله أن يعلنه على الملأ في حفل للجمعية الإسلامية في لندن.. وكان مما قاله:

 

"إنني بإعلاني إسلامي الآن لم أَحِدْ مطلقاً عمَّا اعتقدته منذ عشرين سنة، ولمّا دعتني الجمعية الإسلامية لوليمتها سُرِرْتُ جداً، لأتمكن من الذهاب إليهم وإخبارهم بالتصاقي الشديد بدينهم، وأنا لم أهتم بعمل أي شيء لإظهار نبذي لعلاقتي بالكنيسة الإنجليزية التي نشأت في حجرها، كما أني لم أحفل بالرسميات في إعلان إسلامي، وإن كان هو الدين الذي أتمسك به الآن".

 

ومضى اللورد هدلي قائلاً:

"إن عدم تسامح المتمسكين بالنصرانية كان أكبر سبب في خروجي عن جامعتهم، فإنك لا تسمع أحداً من المسلمين يذم أحداً من أتباع الأديان الأخرى، كما نسمع ذلك من النصارى بعضهم في بعض". واستطرد متحدثاً عن الجوانب العديدة التي شدته إلى الإسلام فقال:

 

"إن طهارة الإسلام وسهولته وبُعده عن الأهواء والمذاهب الكهنوتية ووضوح حجته ـ كانت كل هذه الأمور أكبر من أثَّرَ في نفسي، وقد رأيت في المسلمين من الاهتمام بدينهم والإخلاص له ما لم أَرَ مثله بين النصارى، فإن النصراني يحترم دينه ـ عادة ـ يوم الأحد، حتى إذا ما مضى يوم الأحد نسي دينه طول الأسبوع… وأما المسلم فبعكس ذلك، يحب دينه دائماً، سواء عنده أكان هو الجمعة أو غيره، ولا يفتر لحظة عن التفكير في كل عمل يكون فيه عبادة الله".

 

وبعد أن اعتنق اللورد هدلي الإسلام تسمى باسم "رحمة الله فاروق"… وكان لإشهار إسلامه صَدىً واسع في بريطانيا نظرياً للَّقَبِ الكبير الذي يحمله، ولكونه سياسياً بارزاً، وعضواً قيادياً في مجَلسٍ اللوردات، حيث انتقدته الصحف البريطانية، واتهمته في صدق دينه مُحاوِلةً تفسير موضوع إشهار إسلامه بأنه لتحقيق مكسب رخيص، وهو أن يصبح ممثل المسلمين في مجالس اللوردات وزعيماً لهم.. هذا ما دفع المهتدي دفع المهتدي الجديد "رحمة الله فاروق" إلى الرد على منتقديه بمقال عنوانه "لماذا أسلمت؟". ومما جاء فيه قوله:

 

"نحن ـ البريطانيين ـ تعودنا أن نفخر بحبنا للإنصاف والعدل، ولكن أي ظلم أعظم من أن نحكم ـ كما يفعل أكثرنا ـ بفساد الإسلام قبل أن نلم بشيء من عقائده، بل قبل أن نفهم معنى كلمة إسلام؟!.

 

ثم استرسل يقول:

"من المحتمل أن بعض أصدقائي يتوهم أن المسلمين هم الذين أثروا فيَّ، ولكن هذا الوهم لا حقيقة له، فإن اعتقاداتي الحاضرة ليست إلا نتيجة تفكير قضيتُ فيه عدة سنين… ولا حاجة بي إلى القول بأني مُلِئْتُ سروراً حينما وجدتُ نظرياتي ونتائجي متفقة تمام الاتفاق مع الدين الإسلامي".

 

ومن الجدير بالذكر أنه قد كان الإسلام "رحمة الله فاروق" أو اللورد هدلي أكبر الأثر في تقوية الحركة الإسلامية في بريطانيا، إذْ لم تكد تمر أشهر قليلة على إعلان إسلامه حتى اقتفى أثره أكثر من أربعمائة بريطاني وبريطانية، بعد ما استرعى انتباههم ما تَحَدَّثَ به عن محاسن الإسلام، فأقبلوا على قراءة الكتب الإسلامية، ودخلوا في دين الله أفواجاً.

 

ومن الطريف أن يترأس "رحمة الله فاروق" الجمعية البريطانية الإسلامية، ويتصدى لهجمات الحاقدين على الإسلام، وينبري بقلمه مدافعاً عن دين الله، راداً الكيد إلى نحور الكائدين الذين يحاولون تصوير الإسلام بأنه دين الشهوات.

 

ومن ردوده على هؤلاء ما نشرته مجلة "إسلاميك رفيو" حيث قال:

"إن كل هذه المحاولات العقيمة والوسائل الدنيئة التي يقوم بها المُنَصَّرُونَ لتحقير شريعة النبي العظيم صلى الله عليه وسلم، بالبذاءة وبالسفاسف لا تمسه بأذىً، ولا تغيّر عقيدة تابعيه قَيْدَ أنملة".

 

ومضى يرد المنصرين قائلاً:

"لا عَجَبَ أن يكذب المنصرون وقد افتروا على الله كذباً، فكم تظاهر اللص بالأمانة والداعر بالاستقامة والزنديق بالتدين، ولكن لا عجَبَ، فقد غاض من وجههم ماء الحياء، وقد قال نبي الإسلام (ص): "إذَا لَمْ تَسْتَحِ فاصنع ما شِئْتَ": فلو كانوا يستحيون من أنفسهم ـ أو على الأقل من الناس ـ لما أقدموا على هذا الادعاء الباطل، والافتراء الواضح".

 

ولسنوات عديدة ظل "رحمة الله فاروق" يدافع من خلال كتاباته وخطبه عن الإسلام، ووضع عدة مؤلفات لعل اشهرها وأهمها كتابه "يقظة غربية على الإسلام".

 

ونال شهرة بين المسلمين داخل بريطانيا وخارجها فكان يُلقى بالترحاب في بلاد المسلمين أينما حل، ومن ذلك استقباله في مصر بهتافات الترحاب والمودة.

 

 

83-عارضة الأزياء الفرنسية فابيان

 

" فابيان " عارضة الأزياء الفرنسية ، فتاة في الثامنة والعشرين من عمرها ، جاءتها لحظة الهداية وهي غارقة في عالم الشـهرة والإغراء والضوضاء . . انسحبت في صمت . . تركت هذا العالم بما فيه ، وذهبت إلى أفغانستان ! لتعمل في تمريض جرحى المجاهدين الأفغان ! وسط ظروف قاسية وحياة صعبة !

 

تقول فابيان :

" لولا فضل الله عليَّ ورحمته بي لضاعت حياتي في عالم ينحدر فيه الإنسان ليصبح مجرد حيوان كل همه إشباع رغباته وغرائزه بلا قيم ولا مبادئ " .

 

ثم تروي قصتها فتقول :

" منذ طفولتي كنت أحلم دائماً بأن أكون ممرضة متطوعة ، أعمل على تخفيف الآلام للأطفال المرضى ، ومع الأيام كبرت ، ولَفَتُّ الأنظار بجمالي ورشاقتي ، وحرَّضني الجميع - بما فيهم أهلي - على التخلي عن حلم طفولتي ، واستغلال جمالي في عمل يدرُّ عليَّ الربح المادي الكثير ، والشهرة والأضواء ، وكل ما يمكن أن تحلم به أية مراهقة ، وتفعل المستحيل من أجل الوصول إليه .

 

وكان الطريق أمامي سهلاً - أو هكذا بدا لي - ، فسرعان ما عرفت طعم الشهرة ، وغمرتني الهدايا الثمينة التي لم أكن أحلم باقتنائها

 

ولكن كان الثمن غالياً . . فكان يجب عليَّ أولاً أن أتجرد من إنسانيتي ، وكان شرط النجاح والتألّق أن أفقد حساسيتي ، وشعوري ، وأتخلى عن حيائي الذي تربيت عليه ، وأفقد ذكائي ، ولا أحاول فهم أي شيء غير حركات جسدي ، وإيقاعات الموسيقى ، كما كان عليَّ أن أُحرم من جميع المأكولات اللذيذة ، وأعيش على الفيتامينات الكيميائية والمقويات والمنشطات ، وقبل كل ذلك أن أفقد مشاعري تجاه البشر . . لا أكره . . لا أحب . . لا أرفض أي شيء .

 

إن بيوت الأزياء جعلت مني صنم متحرك مهمته العبث بالقلوب والعقول . . فقد تعلمت كيف أكون باردة قاسية مغرورة فارغة من الداخل ، لا أكون سوى إطار يرتدي الملابس ، فكنت جماداً يتحرك ويبتسم ولكنه لا يشعر ، ولم أكن وحدي المطالبة بذلك ، بل كلما تألقت العارضة في تجردها من بشريتها وآدميتها زاد قدرها في هذا العالم البارد . . أما إذا خالفت أياً من تعاليم الأزياء فتُعرَّض نفسها لألوان العقوبات التي يدخل فيها الأذى النفسي ، والجسماني أيضاً !

 

وعشت أتجول في العالم عارضة لأحدث خطوط الموضة بكل ما فيها من تبرج وغرور ومجاراة لرغبات الشيطان في إبراز مفاتن المرأة دون خجل أو حياء " .

 

وتواصل " فابيان " حديثها فتقول :

" لم أكن أشعر بجمال الأزياء فوق جسدي المفرغ - إلا من الهواء والقسوة - بينما كنت اشعر بمهانة النظرات واحتقارهم لي شخصياً واحترامهم لما أرتديه .

 

كما كنت أسير وأتحرك . . وفي كل إيقاعاتي كانت تصاحبني كلمة (لو) . . وقد علمت بعد إسلامي أن لو تفتح عمل الشيطان . . وقد كان ذلك صحيحاً ، فكنا نحيا في عالم الرذيلة بكل أبعادها ، والويل لمن تعرض عليها وتحاول الاكتفاء بعملها فقط " .

 

وعن تحولها المفاجئ من حياة لاهية عابثة إلى أخرى تقول :

" كان ذلك أثناء رحلة لنا في بيروت المحطمة ، حيث رأيت كيف يبني الناس هناك الفنادق والمنازل تحت قسوة المدافع ، وشاهدت بعيني مستشفى للأطفال في بيروت ، ولم أكن وحدي ، بل كان معي زميلاتي من أصنام البشر ، وقد اكتفين بالنظر بلا مبالاة كعادتهن .

 

ولم أتمكن من مجاراتهن في ذلك . . فقد انقشعت عن عيني في تلك اللحظة غُلالة الشهرة والمجد والحياة الزائفة التي كنت أعيشها ، واندفعت نحو أشلاء الأطفال في محاولة لإنقاذ من بقي منهم على قيد الحياة .

 

ولم أعد إلى رفاقي في الفندق حيث تنتظرني الأضــواء ، وبدأت رحلتي نحو الإنسانية حتى وصلت إلى طريق النور وهو الإسلام .

 

وتركت بيروت وذهبت إلى باكستان ، وعند الحدود الأفغانية عشت الحياة الحقيقية ، وتعلمت كيف أكون إنسانية .

 

وقد مضى على وجودي هنا ثمانية أشهر قمت بالمعاونة في رعاية الأسر التي تعاني من دمار الحروب ، وأحببت الحياة معهم ، فأحسنوا معاملتي .

 

وزاد قناعتي في الإسلام ديناً ودستوراً للحياة من خلال معايشتي له ، وحياتي مع الأسر الأفغانية والباكستانية ، وأسلوبهم الملتزم في حياتهم اليومية ، ثم بدأت في تعلم اللغة العربية ، فهي لغة القرآن ، وقد أحرزت في ذلك تقدماً ملموساً .

 

وبعد أن كنت أستمد نظام حياتي من صانعي الموضة في العلم أصبحت حياتي تسير تبعاً لمبادئ الإسلام وروحانياته

 

وتصل " فابيان " إلى موقف بيوت الأزياء العالمية منها بعد هدايتها ، وتؤكد أنها تتعرض لضغوط دنيوية مكثفة ، فقد أرسلوا عروضاً بمضاعفة دخلها الشهري إلى ثلاثة أضعافه ، فرفضت بإصرار . . فما كان منهم إلا أن أرسلوا إليها هدايا ثمينة لعلها تعود عن موقفها وترتد عن الإسلام .

 

وتمضي قائلة :

" ثم توقفوا عن إغرائي بالرجوع . .ولجأوا إلى محاولة تشويه صورتي أمام الأسر الأفغانية ، فقاموا بنشر أغلفة المجلات التي كانت تتصدرها صوري السابقة عملي كعارضة أزياء ، وعلقوها في الطرقات وكأنهم ينتقمون من توبتي ، وحالوا بذلك الوقيعة بيني وبين أهلي الجدد ، ولكن خاب ظنهم والحمد لله " .

 

وتنظر فابيان إلى يدها وتقول :

" لم أكن أتوقع أن يدي المرفهة التي كنت أقضي وقتاً طويلاً في المحافظة على نعومتها سأقوم بتعريضها لهذه الأعمال الشاقة وسط الجبال ، ولكن هذه المشقة زادت من نصاعة وطهارة يدي ، وسيكون لها حسن الجزاء عند الله سبحانه وتعالى إن شاء الله " .

جريدة المسلمون العدد 238 .

84-عارضة الأزياء اليونانية ماكلين سيكاروس

 

كانت من عارضات الأزياء الشهيرات لدور الأزياء العالمية، لم تكن تعرف شيئاُ عن الإسلام، إلى أن أجرت معها صحفية جزائرية، حواراُ عن عروض الأزياء والشهرة التي تمتعت بها خلال هذا العمل.

 

وكان سؤال الصحفية لـ "ماكلين" هو لحظة التنوير التي جعلتها تتعرف على الإسلام.

 

وكان السؤال: لم لا تفكرين في عروض الأزياء الإسلامية؟

تقول "ماكلين": لم أكن أعرف شيئاُ عن الإسلام ولا عن أزيائه، وطلبت في شوق من الصحفية الجزائرية أن تتولى تعريفي بالإسلام، وكانت سعادتها لا توصف، وهي تحدثني عن الإسلام ورسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم-، وعن المرأة في الإسلام، وعن الأزياء التي ترتديها المرأة، لتحميها من عيون الفضوليين.

 

وتقول اليونانية: اكتشفت الإسلام، إنه كنز كبير، لقد كنت غائبة عن الوعي سنوات عمري التي سبقت تعرفي على هذا الدين العظيم.

لقد نهلت من هذا الكنز بحب لم أتذوقه من قبل، وببساطة لم أجدها إلا في تعاليم هذا الدين الذي يحمل البساطة في كل مناحي الحياة، ليرسم الطريق السوي للإنسان في هذا العالم.

لقد بكيت كثيراُ، وأنا أنهل من فيض الحب الإلهي والميسرة القرآنية التي لا تنقطع، لقد ندمت على سنوات عمري الفائتة دون أن أتعرف على هذا الكنز الإلهي.

 

لقد استطاع علماء الإسلام الأفاضل، أن يطمئنوني بأن الإسلام بتعاليمه إذا ما اعتنقه الإنسان يحاسبه الله الواحد من يوم إسلامه، وبكيت كثيراُ وأنا أنطق بالشهادتين، وبكى معي قلبي الذي أزاح من فوقه هموم سنوات ندمت عليها، وشهدت أن الله واحد لا شريك له، لم يلد ولم يولد، وأنه سبحانه خالق السموات والأرض.

 

وتقول: تيمنا باسم أم المؤمنين خديجة -رضي الله عنها- أول زوجات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسميت نفس خديجة ودرست الإسلام وتعلمت اللغة العربية لأتمتع بالكنز الإلهي -القرآن باللغة التي نزل بها على رسول الله- وتقول اليونانية خديجة: تأكدت أن هذا الدين العظيم، الذي ختم الله به الرسالات، إنما أرسله الخالق ليكون رحمة للعالمين، وليكون وطناُ للناس جميعاُ.

 

وتقول خديجة اليونانية: تزوجت مسلماُ تونسياُ، وأنجبت ثلاثة من الأبناء، ونعيش في ظل الإسلام العظيم، حياة سعيدة، ما كنت أشعر بها، وما كنت أشعر باستقرار إلا بعد تعرفي على هذا الدين العظيم.

 

أولادي يأخذون من أبيهم ومني كل ما هو طيب من أجل حياة إسلامية لا يشوبها ما يعكر صفو حياتهم حالياُ ومستقبلاُ.

لابد من أن ينتشر الإسلام في ربوع العالم فالناس متعطشون لبر آمن يحميهم من أمواج الإلحاد والمادية، والتردي في قاع الرذيلة.

 

وأخيراُ تقول خديجة إن أمنياتي الإسلامية كثيرة، وأتمنى أن يكتب الله سبحانه وتعالى للإسلام انتشاراُ غير عادي، ليعرف الناس أن الإسلام جاء لهم جميعاُ، مهما اختلفت ألوانهم وتعددت أجناسهم ولغاتهم.

 

المصدر: إبراهيم بن عبدالله الحازمي التائبون إلى الله/ الجزء الثاني

 

 

85-رئيس الحزب الإسلامي البريطاني داود موسي بيتكوك

 

قال كفار مكة للرسول صلى الله عليه وسلم : إن كنت صادقاً فشق لنا القمر فرقتين ، ووعدوه بالإيمان إن فعل ، وكانت ليلة بدر ، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه أن يعطيه ما طلبوا ، فانشق القمر نصف على جبل الصفا ، ونصف على جبل قيقعان المقابل له ، حتى رأوا حراء بينهما ،فقالوا : سحرنا محمد ، ثم قالوا : إن كان سحرنا فإنه لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم!! فقال أبو جهل:اصبروا حتى تأتينا أهل البوادي فإن أخبروا بانشقاقه فهو صحيح ، وإلا فقد سحر محمد أعيننا ، فجاؤوا فأخبروا بإنشقاق القمر فقال أبو جهل والمشركون :هذا سحر مستمر أي دائم فأنزل الله : (اقتربت الساعة وانشق القمر* وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر* وكذبوا واتبعوا أهواءهم وكل أمر مستقر* ولقد جاءهم من الأنباء مافيه مزدجر* حكمة بالغة فما تغني النذر* فتول عنهم..)-سورة القمر- انتهت القصة التي كانت في عهدالرسول صلى الله عليه وسلم.

 

 فى أحد ندوات الدكتور زغلول النجار باحدى جامعات بريطانيا "جامعة (كارديف) (Cardif) في غرب بريطانيا"، وكان الحضور خليطا من المسلمين وغيرالمسلمين, قال أن معجزة انشقاق القمر على يد الرسول صلى الله عليه وسلم تم اثباتها حديثاً ثم حكى قصة أثبتت ذلك:

 

 قال أحد الاخوة الانجليز المهتمين بالإسلام اسمه داود موسى بيتكوك وهو الآن رئيس الحزب الإسلامى البريطانى وينوى أن يخوض الانتخابات القادمة باسم الإسلام الذى ينتشر فى الغرب بمعدلات كبيرة أنه أثناء بحثه عن ديانة أهداه صديق ترجمة لمعانى القرآن بالانجليزية فتحها فاذا بسورة القمر فقرأ (اقتربت الساعة وانشق القمر) فقال هل ينشق القمر؟ ثم انصد عن قراءة باقى المصحف ولم يفتحه ثانية . وفي يوم وهوا جالس أمام التلفاز البريطانى ليشاهد برنامجا على ال بى بى سى يحاور فيه المذيع ثلاثة من العلماء الأمريكان وكان يعتب عليهم أن أمريكا تنفق الملايين بل المليارات فى مشاريع غزو الفضاء فى الوقت الذى يتضور فيه الملايين من الفقر فظل العلماء يبررون ذلك أنه أفاد كثيرا فى جميع المجالات الزراعية والصناعية...الخ ثم جاء ذكر أحد أكبر الرحلات تكلفة فقد كانت على سطح القمر وكلفت حوالى 100 مليار دولار فسألهم المذيع ألكى تضعون علم أمريكا على سطح القمر تنفقون هذا المبلغ؟؟ رد العلماء أنهم كانوايدرسون التركيب الداخلى لهذا التابع لكى يروا مدى تشابهه مع الأرض ثم قال أحدهم : فوجئنا بأمر عجيب هو حزام من الصخور المتحولة يقطع القمر من سطحه الى جوفه الى سطحه فأعطينا هذه المعلومات الى الجيولوجيين فتعجبوا وقرروا أنه لايمكن أن يحدث ذلك الا أن يكون القمر قد انشق فى يوم من الأيام ثم التحم وأن تكون هذه الصخور المتحولة ناتجة من الاصطدام لحظة الالتحام ثم يستطرد داود موسى بيتكوك:قفزت من على المقعد وهتفت معجزة حدثت لمحمد عليه الصلاة والسلام من أكثر من 1400 سنة فى قلب البادية يسخر الله الأمريكان لكى ينفقوا عليها مليارات الدولارات حتى يثبتوها للمسلمين أكيد أن هذا الدين حق ..وكانت سورة القمر سببا لاسلامه بعد أن كانت سببا فى اعراضه عن الإسلام.

 

86-السفير الألماني في المغرب وفي مصر سابقاً د.مراد هوفمان

 

 

ألماني نال شهادة دكتور في القانون من جامعة هارفرد ، وشغل منصب سفير ألمانيا في المغرب.

في مقتبل عمره تعرض هوفمان لحادث مرور مروّع ، فقال له الجرّاح بعد أن أنهى إسعافه : "إن مثل هذا الحادث لا ينجو منه في الواقع أحد، وإن الله يدّخر لك يا عزيزي شيئاً خاصاً جداً"(1).

 

وصدّق القدر حدس هذا الطبيب إذ اعتنق د.هوفمان الإسلام بعد دراسة عميقة له ، وبعد معاشرته لأخلاق المسلمين الطيبة في المغرب..

ولما أشهر إسلامه حاربته الصحافة الألمانية محاربة ضارية، وحتى أمه لما أرسل إليها رسالة أشاحت عنها وقالت:"ليبق عند العرب!(2).

 

قال لي صاحـبي أراك غريبـــاً ** بيــن هــذا الأنام دون خليلِ

قلت : كلا ، بــل الأنـامُ غريبٌ ** أنا في عالمي وهذي سـبيلي (3)

 

ولكن هوفمان لم يكترث بكل هذا، يقول: "عندما تعرضت لحملة طعن وتجريح شرسة في وسائل الإعلام بسبب إسلامي ، لم يستطع بعض أصدقائي أن يفهموا عدم اكتراثي بهذه الحملة، وكان يمكن لهم العثور على التفسير في هذه الآية(إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ )(4) .

 

وبعد إسلامه ابتدأ د.هوفمان مسيرة التأليف و من مؤلفاته، كتاب (يوميات مسلم ألماني) ، و(الإسلام عام ألفين) و(الطريق إلى مكة) وكتاب (الإسلام كبديل) الذي أحدث ضجة كبيرة في ألمانيا .

 

يتحدث د.هوفمان عن التوازن الكامل والدقيق بين المادة والروح في الإسلام فيقول : "ما الآخرة إلا جزاء العمل في الدنيا ، ومن هنا جاء الاهتمام في الدنيا ، فالقرآن يلهم المسلم الدعاء للدنيا ، وليس الآخرة فقط (( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً )) وحتى آداب الطعام والزيارة تجد لها نصيباً في الشرع الإسلامي"(5).

 

ويعلل د.مراد ظاهرة سرعة انتشار الإسلام في العالم، رغم ضعف الجهود المبذولة في الدعوة إليه بقوله :"إن الانتشار العفوي للإسلام هو سمة من سماته على مر التاريخ ، وذلك لأنه دين الفطرة المنزّل على قلب المصطفى "(6).

 

"الإسلام دين شامل وقادر على المواجهة ، وله تميزه في جعل التعليم فريضة ، والعلم عبادة … وإن صمود الإسلام ورفضه الانسحاب من مسرح الأحداث ، عُدَّ في جانب كثير من الغربيين خروجاً عن سياق الزمن والتاريخ ، بل عدّوه إهانة بالغة للغرب !!(7) ".

 

ويتعجب هوفمان من إنسانية الغربيين المنافقة فيكتب:

" في عيد الأضحى ينظر العالم الغربي إلى تضحية المسلمين بحيوان على أنه عمل وحشي ، وذلك على الرغم من أن الغربي ما يزال حتى الآن يسمي صلاته (قرباناً) ! وما يزال يتأمل في يوم الجمعة الحزينة لأن الرب (ضَحَّى) بابنه من أجلنا!!"(8).

 

موعد الإسلام الانتصار:

"لا تستبعد أن يعاود الشرق قيادة العالم حضارياً ، فما زالت مقولة "يأتي النور من الشرق " صالحة(9) …

 

إن الله سيعيننا إذا غيرنا ما بأنفسنا ، ليس بإصلاح الإسلام ، ولكن بإصلاح موقفنا وأفعالنا تجاه الإسلام(10)…

 

وكما نصحنا المفكر محمد أسد ، يزجي د.هوفمان نصيحة للمسلمين ليعاودوا الإمساك بمقود الحضارة بثقة واعتزاز بهذا الدين ، يقول :

"إذا ما أراد المسلمون حواراً حقيقياً مع الغرب ، عليهم أن يثبتوا وجودهم وتأثيرهم ، وأن يُحيوا فريضة الاجتهاد ، وأن يكفوا عن الأسلوب الاعتذاري والتبريري عند مخاطبة الغرب ، فالإسلام هو الحل الوحيد للخروج من الهاوية التي تردّى الغرب فيها ، وهو الخيار الوحيد للمجتمعات الغربية في القرن الحادي والعشرين"(11).

 

"الإسلام هو الحياة البديلة بمشروع أبدي لا يبلى ولا تنقضي صلاحيته ، وإذا رآه البعض قديماً فهو أيضاً حديث ومستقبليّ لا يحدّه زمان ولا مكان ، فالإسلام ليس موجة فكرية ولا موضة، ويمكنه الانتظار " .

 

--------------------

(1) (الطريق إلى مكة) مراد هوفمان (55) .

(2) مجلة (المجلة) العدد 366 ، مقال (هل حان الوقت لكي نشهد إسلاماً أوربياً ؟) للمفكر فهمي هويدي .

(3) البيتان للشاعر الدكتور عبد الوهاب عزام (ديوان المثاني) ص(34) .

(4) (الطريق إلى مكة) مراد هوفمان ص (49) .

(5) (الإسلام كبديل) مراد هوفمان ص (55-115) .

(6) (يوميات مسلم ألماني) مراد هوفمان .

(7) (الطريق إلى مكة) ص (148) .

(8) (الطريق إلى مكة) ص (92) .

(9) (الإسلام كبديل) ص (136) .

(10) (الإسلام عام 2000) ص (12) .

(11) مجلة ( الكويت ) العدد (174) .

 

كاتب المقال: د . عبد المعطي الدالاتي

 

ومعاً نقرأ قصة اسلام مراد هوفمان كما يحكيها من البداية:

يقول هوفمان: لم تمر سوى ايام معدودات قبل ان اشهر اسلامي بنطق الشهادتين يوم 25 سبتمبر 1980، وليس من الامور الهينة ان يقدم المرء كشف حساب وتقييما لتطوره الفكري. لقد كتب هيرمان هسه في احدى رواياته القصيرة "نوفاله" Klein und Wagner عام 1919: "التحدث هو اضمن السبل لإساءة فهم كل شيء وجعله ضحلا ومجدبا". وكتب ايضا في روايته "لعبة الكرات البللورية" محذرا من صياغة معنى داخلي في كلمات، اذ يقول على لسان قائد الاوركسترا: "اظهر المهابة للمعنى، ولكن لا تظنه قابلا للتعلم". لقد فشل عظماء كثيرون في هذه المحاولة. فعمر القوي، ثاني الخلفاء، كان يضطهد المسلمين الى ان اعتنق الاسلام، ولا يمكن حقا فهم كيفية اقتناعه بالاسلام على نحو مفاجئ بعد ان قرأ سورة طه إثر مشاجرة مع اخته. ويستشهد هوفمان في هذا الصدد بقول ابي حامد الغزالي (القرنين الحادي عشر والثاني عشر الميلادي) في اعترافاته: "ان العقيدة لم تتغلغل في نفسه من خلال دليل واحد واضح بعينه، وانما من خلال عدد لا يحصى من اسباب الايمان، وخبرات ومواقف مصاحبة يمكن تعديد تفصيلاتها". ويقول اخيرا: ان عودته الى الاسلام كانت بفعل "نور القاه الله في صدره".

وفي كتابه الرائع "الطريق الى مكة"، يعرض لأمر هدايته الى الاسلام، اذ يصفه بما لو كانت "ضربة من السماء" قد اصابته. اما انا، فكنت لسنوات، بل لعقود، منجذبا الى الاسلام كالمغناطيس، لانني ألفت افكاره، كما لو كنت قد عايشته من قبل. لقد وجهتني على هذا الدرب ثلاثة احداث اساسية، ذات طبيعة انسانية، وجمالية فنية، وفلسفية، ويرتبط اول هذه الاحداث ارتباطا عجيبا بالجزائر. ففي عام 1960، امضيت شهرين في Chateau Neuf sur Loire لأتمكن من اجادة اللغة الفرنسية، استعدادا لامتحانات القبول بوزارة الخارجية، وهناك، كنت اقرأ يومياً تقارير الصحافة الفرنسية عن حرب الجزائر.

المسألة الجزائرية

وقال هوفمان: في اختبار القبول بوزارة الخارجية الألمانية، كان على كل متقدم ان يلقي محاضرة لمدة لا تتجاوز خمس دقائق في موضوع يحدد عشوائيا، ويكلف به قبلها بعشر دقائق. ولكم كانت دهشتي عندما تبين لي ان موضوع محاضرتي هو "المسألة الجزائرية". وكان مصدر دهشتي هو مدى علمي بهذا الموضوع، وليس جهلي به. وبعد شهور قليلة من الاختبار، وقبل ان اتوجه الى جنيف بوقت قصير، اخبرني رئيس التدريب، عندما التقينا مصادفة اثناء تناولنا للطعام، ان وجهتي قد تغيرت الى الجزائر. في اثناء عملي بالجزائر في عامي 61/1962، عايشت فترة من حرب استمرت ثماني سنوات بين قوات الاحتلال الفرنسي وجبهة التحرير الوطني الجزائرية، وانضم اثناء فترة وجودي هناك طرف ثالث هو "منظمة الجيش السري"، وهي منظمة ارهابية فرنسية، تضم مستوطنين وجنودا متمردين. ولم يكن يوم يمر دون ان يسقط عدد غير قليل من القتلى في شوارع الجزائر. وغالبا ما كانوا يقتلون رميا بالرصاص على مؤخرة الرأس من مسافة قريبة. ولم يكن لذلك من سبب، الا كونهم عربا، او لأنهم مع استقلال الجزائر. وكنت عند سماعي صوت سلاح آلي، اتصل تليفونيا بزوجتي الاميركية لتسرع الى شراء ما تحتاج اليه، لان الهجوم التالي في المنطقة نفسها لا يتوقع حدوثه قبل عشرين دقيقة.

وكانت انبل مهماتي هي اعادة افراد الفرقة الاجنبية من الالمان الفارين الى الوطن بمعاونة من السلطات الفرنسية. وكان عدد هؤلاء الرومانسيين المساكين غير قليل، منذ فر قائد قوات المظلات في العام السابق. وكم كان الموت يجذبهم! وكانت منظمة الجيش السري قد جندت عددا منهم ضمن قوات خاصة (كوماندوز). ومن ثم وجدوا انفسهم بين نارين. كما أن فرص نجاتهم من الموت كانت ضئيلة جدا. وكنت، بصفتي ممثلا للقنصلية العامة الالمانية، اضع الزهور على قبور الكثير منهم. كنت، وأنا ابحث عن ألمان بين الجرحى في المستشفيات، احمل سلاحي معدا للاستخدام. وكنت ادقق النظر في وجه من يقابلني، بل وفي يديه. وعندما كانت القامات تتقابل، كان كل شخص يبتعد عن الآخر عائدا الى الخلف، طلبا للامان، وفي بعض الاحيان كانت زوجتي المذعورة تصر على حماية ظهري، فكانت تسير خلفي على مسافة عدة خطوات حاملة في كم ثوبها سكينا حادة.

ويسترجع هوفمان بعض الذكريات قائلا: "وما يزال بعض ذكريات تلك الايام يثير كآبة في نفسي حتى الآن. فعندما كنت في طريقي الى مقر اذاعة فرنسا 5، حيث كان من المقرر ان القي، تنفيذا لتكليف من القنصل العام، محاضرة عن "وضع الرقص المسرحي" في المانيا، تعطلت مضخة البنزين في سيارتي الفولكس فاجن من طراز "الخنفسة" في شارع ايزلي الضيق، كثير المنحنيات. وسرعان ما اصطفت السيارات خلف سيارتي، مطلقة اصوات النفير، وفي تلك الاثناء، كان امامي رجل يعبر الشارع، واطلق عليه شخص الرصاص من الرصيف المقابل، فسقط جريحا امام رفرف سيارتي الايسر، واذا بالمهاجم يشير لي بسلاحه آمرا ان اواصل سيري، كي اخلي ساحة اطلاق الرصاص. ولم اكن ارغب في ذلك، بل ولم اكن استطيعه ايضا، واخيرا، تقدم الشخص الذي يحمل السلاح من الرجل المصاب واطلق عليه رصاصة اخرى اردته قتيلا، ثم اختفى في زحام البشر في تؤدة وعلى مهل. ولقد استأت كثيرا ايضا، عندما رأيت مضطرا اعضاء منظمة الجيش السري، وهم يشعلون النار في سيارات شحنوها سلفا ببراميل من الوقود، ويدفعونها من فوق منحدر الى حي يسكنه العرب. ولا بد للمرء من ان يتوقع ان يكون على قائمة القتلى، اذا ما اصبح شاهدا غير مرغوب فيه. وكان حلاقي في الابيار يدرك ذلك جيدا، فحين هاجمت قوات "منظمة الجيش السري" مكتب التلغراف المقابل لمحله في شارع جاليني، ادار مقعده حتى لا يكون شاهدا على ما يجري. ولم يكن تصرفه اقل غرابة من تصرف احد افراد الشرطة الذي عرض عليّ في مايو (ايار) عام 1962 ان يحرس سيارتي، بينما كانت النيران مشتعلة خلف ظهره في مكتبه بالابيار.

عندما توصل الرئيس الفرنسي شارل ديجول، في ايفيان في مارس (اذار) عام 1962، الى اتفاق مع الحكومة المؤقتة لجبهة التحرير الوطني الجزائري على وقف اطلاق النار في يوليو (تموز) التالي، صعدت منظمة الجيش السري من اعمالها الارهابية، بهدف استفزاز الجزائريين لخرق الاتفاق، فبدأ افرادها في تصفية النشء الاكاديمي الجزائري، وراحوا يقتلون، رميا بالرصاص، النساء اللاتي يرتدين الحجاب. وقبل تحقيق الاستقلال بأيام قلائل، اطلقوا الرصاص على آخر بائع جزائري جائل في الابيار، فأردوه قتيلا امام مكتبي مباشرة. وكان هذا البائع قد عاش ينادي على اسماكه منذ عقود طويلة، دون ان يلحق اذى بأي انسان كائنا من كان. وفي الشارع الذي كنت اقطنه، كان جيراني من الفرنسيين يلقون من النوافذ على المنتصرين بكل ما لا يبخلون به. وكانت الثلاجات التي يلقون بها تسقط على اكوام من القمامة التي لم تزل منذ اسابيع، وهو ما كان من حسن حظ الفئران.

الاحتكاك عن قرب بالإسلام

شكلت هذه الوقائع الحزينة خلفية اول احتكاك لي عن قرب بالاسلام المعيش. ولقد لاحظت مدى تحمل الجزائريين لآلامهم، والتزامهم الشديد في رمضان، ويقينهم بأنهم سينتصرون، وسلوكهم الانساني، وسط ما يعانون من آلام. وكنت ادرك ان لدينهم دورا في كل هذا. ولقد ادركت انسانيتهم في اصدق صورها، حينما تعرضت زوجتي للاجهاض تحت تأثير "الاحداث" الجارية آنذاك. فلقد بدأت تنزف عند منتصف الليل، ولم يكن باستطاعة سيارة الاسعاف ان تحضر الينا قبل الساعة السادسة صباحا، بسبب فرض حظر التجول، وبسبب شعار "القتل دون سابق انذار" المرفوع آنذاك. وحينما حانت الساعة السادسة، ادركت وانا اطل من نافذة مسكني في الطابق الرابع، ان سيارة الاسعاف لا تستطيع العثور علينا، لان منظمة الجيش السري كانت قد غيرت في تلك الليلة اسماء كل شوارع الحي الذي اقطنه، بحيث اصبحت كلها تحمل اسماء مثل شارع "سالان" وشارع "يهود" وشارع "منظمة الجيش السري".

بعد تأخير طال كثيرا، كنا في طريقنا متجهين الى عيادة الدكتور شمعون (قبل ان تنسفها منظمة الجيش السري بوقت قصير)، حيث صادفنا حاجزا اقامته الجمعية الجمهورية للامن، وعلى الرغم من صفير البوق الذي كان السائق يطلقه، فانه لم يكن باستطاعته ان يشق طريقه الا ببطء شديد، وكانت زوجتي تعتقد، في تلك الاثناء، انها ستفقد وعيها. ولذا، وتحسبا للطوارئ، راحت تخبرني ان فصيلة دمها هي O ذات RH سالب. وكان السائق الجزائري يسمع حديثها، فعرض ان يتبرع لها ببعض من دمه الذي هو من نفس فصيلة دمها. ها هو ذا العربي المسلم يتبرع بدمه، في اتون الحرب، لينقذ اجنبية على غير دينه. لكي اعرف كيف يفكر ويتصرف هؤلاء السكان الاصليون المثيرون للدهشة، بدأت اقرأ "كتابهم".. القرآن في ترجمته الفرنسية لـPesle/Tidjani. ولم اتوقف عن قراءته منذ ذلك الحين، حتى الآن، وحتى تلك اللحظة، لم اكن قد تعرفت على القرآن الا من خلال النوافذ المفتوحة لكتاتيب تحفيظ القرآن في ميزاب جنوب الجزائر، حيث يحفظه اطفال البربر، ويتلونه في لغة غريبة عنهم، وهو ما دهشت له كثيرا. وفي ما بعد ادركت ان حفظ وتلاوة القرآن، باعتباره رسالة الله المباشرة، فرض تحت الظروف كافة. ولقد ازعجني رد الفعل الغاضب من جانب احد الجزائريين، عندما حدثته في بار فندق ترانس ميدترانيان في غرداية، عن قراءتي للقرآن، اذ استنكر في صراحة لا ينقصها الوضوح، وجود ترجمات له. واعتبر محاولة ترجمة كلام الله الى لغة اخرى بمثابة تجديف. ولم استغرق وقتا طويلا قبل ان استوعب رد فعله. فاللغة العربية تشتمل على مفردات لا تدل على وقت محدد بعينه. فالمفردات التي تشير الى مستقبل مؤكد يمكن ان تدل على امر حدث في الماضي ايضا. ناهيك عن ان اللغة العربية تتضمن بعض ما يمكن للعربي ان يفهمه تلميحا. وبغض النظر عن ذلك، فهناك المشكلة المعتادة التي تكمن في ان الكلمات التي تعبر عن ذات المعنى في لغتين لا تتطابق في ما يختص بتداعي الخواطر الا نادرا. ومن ثم، فان كل ترجمة للقرآن ان هي الا تفسير يفقر المعنى ويجرده من مضمونه. وهكذا كان الرجل في البار على حق.

لم تشأ هذه الجزائر، التي ادين لها بالكثير، ان تتركني لحالي، وانما تبعتني كالقدر. فعندما اصبحت سويسرا ترعى مصالحنا في الجزائر، في عام 1966، كان عليّ ان اعمل من السفارة الالمانية في برن على استمرار الاتصال مع من تبقى من بعثتنا الدبلوماسية في الجزائر، من خلال القسم السياسي في السفارة السويسرية. وكان البريد المرسل من بون الى الجزائر، يمر من خلالي اسبوعيا. وبعد 25 عاما من عملي بالجزائر لأول مرة، عدت اليها سفيرا في عام 1987. ومنذ اعتمدت سفيرا في المغرب، المجاور للجزائر، في عام 1990، يندر ان تفارق مخيلتي صورة الجزائر التي ما تزال تعاني آلاما مأساوية، فهل يمكن ان يكون ذلك كله محض مصادفة؟!

الفن الإسلامي

وقال هوفمان: هدتني الى الاسلام ايضا، تجربة مهمة، ذات طبيعة جمالية متصلة بالفن الاسلامي، ولهذه التجربة، قصة تتلخص في انني "مولع بالجمال"، وكنت منذ صباي معجبا بالجانب الشكلي للجمال، وارغب الغوص في اعماقه حتى عندما كانت حماتي الاميركية تقول ـ استنادا الى المنهج البيوريتاني ـ ان الجمال مجرد امر سطحي، وانه ليس الا خداعا على السطح. عندما تلقيت في عام 1951 الدفعة الاولى من منحة التفوق، التي تمنحها وزارة الثقافة في بافاريا "للموهبين جدا"، دفعتها بأكملها ثمنا لشراء نسخة مطبوعة على قطعة من الجوت من لوحة بول جوجان: "الفتاة وثمار المانجو". وبما انني لم اكن ممن يقطنون حي Maximilianeum الواقع على اليمين من نهر ايزار Isar، وانما كنت اقيم في المستوطنات السكنية للثوريين الديمقراطيين، عند ميدان ماسمان، حيث يتقاسم العمال والطلبة غرفها، فقد نقلت لوحة جوجان التي اشتريتها الى مسكني هناك، ورحت احللها، ولم ألبث ان اقتنعت بأن الفن الساكن (غير المتحرك)

ـ الرسم والنحت والعمارة والخط والاعمال الفنية الصغيرة ـ مدين بالفضل في تأثيره الجمالي للحركة المجمدة، ومن ثم، فانه مشتق من الرقص. ولذلك، يزداد احساسنا بجمال الفن التشكيلي كلما ازدادت قدرته على الايحاء بالحركة. وهذا هو ما يفسر انبهاري الشديد بالرقص الذي دفعني الى مشاهدة عروض الباليه كافة في مسرح برينزرجنتن في ميونخ. ومنذ ذلك الحين ازداد اهتمامي بالرقص، واتسع ليشمل كل ما يتصل به. وكنت اقضي كل ساعة فراغ بين مواعيد المحكمة في صالات عروض الباليه، بالقرب من قصر العدل. وحصلت على تمارين للباليه، لكي اتعلم ـ ولو على نحو متخلف ـ رقص الباليه الكلاسيكي، حتى اعرف ماهية ما اكتب عنه. ويعتمد هذا الفن اللطيف، في نهاية الامر، على جهد بدني خارق، وهكذا تعلمت ان اميز، على سبيل المثال، بين الحركات المختلفة واساليب ادائها.

كان اكثر ما يروق لي هو مدرسة لونافون زاخنوفسكي الروسية، التي تعيش في المنفى، ولقد تربت في هذه المدرسة تلميذات نجيبات مثل انجيلا البريشت، ومنها تكونت في منتصف الخمسينات فرقة "باليه زاخنوفسكي"، التي قدمنا بواسطتها عروضا راقية في ميونخ وفي مدن اخرى في بافاريا. وكنت مسؤولا عن التعاقدات، والدعاية والاضاءة، ووحدة الماكياج. وفي عام 1955، أسست في ميونخ بالاشتراك مع كارل فيكتور برينتس تسوفيد، جماعة اصدقاء الباليه، وتوليت معه باب نقد الرقص في صحيفة ميونخ المسائية.

كانت المراحل التالية في حياتي هي بايجاز: العمل في ما بين عامي 1954 و1980 ناقدا متخصصا للباليه في صحف في المانيا وبريطانيا واميركا، والعمل محاضرا لمادتي تاريخ وعلم جمال الباليه بمعهد كولونيا للباليه في ما بين عامي 1971 و1973، وتقدمت بمذكرات الى وزير الثقافة الألماني حول تأسيس باليه قومي الماني. ولم يكن بعض معارفي يعلم ان القانون والدبلوماسية هما مهنتي الاساسية، وليس الباليه. وكان الكتاب الاثير حقا عندي، هو كتاب جيلبرت وكونز عن تاريخ علم الجمال كعلم فلسفي. وكعاشق للباليه، ذلك الفن المجرد الذي يجسد الموسيقى، كنت في الواقع ابحث عن الاسباب التي ترغمنا على الاحساس بجمال اشياء او حركات بعينها. ولهذا السبب، كنت اقبع لأسابيع طويلة في احدى الغابات البافارية باحثا في اسس علم جمال الحركة. وهناك تبين لي اننا كبشر لا نملك الا ان نحس جمال الجسد البشري الصحيح وما يتطابق مع مقاييسه. وهو ما ينطبق ايضا علينا كمحللين بصريين لما تفرزه الطبيعة من صور وانواع. يضاف الى ذلك اننا نقرأ الصور في ذات الاتجاه الذي نكتب فيه. وتبين لي اخيرا ان الحركات تستحوذ على انتباهنا بسبب ما يمكن ان تنطوي عليه من مخاطر. وتبين لي آخرا اننا نعجب بحركات الطرد المركزي، لاننا نستطيع ان نتخيلها ممتدة في ما لا نهاية. عبر هذا الطريق، صار الفن الاسلامي بالنسبة لي تجربة مهمة ذات قيمة عالية ومثيرة، ألا يماثل في سكونه تماما ما اسعدني في حركات الباليه، التجريدية: القدرة الانسانية، والحركة الداخلية، والامتداد في ما لا نهاية؟ وذلك كله في اطار الروحانية التي يتسم بها الاسلام.

وألهمتني اعمال معمارية، مثل الحمراء في غرناطة والمسجد الكبير في قرطبة، اليقين بأنها افراز حضارة راقية رفيعة. واستوعبت جيدا ما كتبه راينر ماريا ريلكا بعد زيارته لكاتدرائية قرطبة، اذ كتب: "... تملكني منذ زيارة قرطبة عداء وحشي للمسيحية، انني اقرأ القرآن وهو يتجسد لي صوتا يستوعبني بقوة طاغية، واندفع بداخله كما تندفع الريح في الارغن". وصار الفن الاسلامي لي وطنا جماليا، مثلما كان الباليه الكلاسيكي من قبل، واصبحت ارى الاعمال الفنية للعصور: الاغريقي والروماني والقوطي، ولعصر النهضة والروكوكو مثيرة، وعريقة، واصيلة، بل وعبقرية، ولكنها لا تنفذ الى داخلي، ولا تحرك عواطفي ولا مشاعري.

 

هوفمان يدعو المسلمين إلى إدراك قوة جاذبية الفن الإسلامي

المفكر الألماني: وضعت الديانة الكاثوليكية لدرايتي التامة بها محل تساؤلات وشكوك

أدرك المفكر الالماني الدكتور مراد هوفمان ان للدين الاسلامي جاذبية خاصة ما ان يبدأ الشخص في دراسة الاسلام حتى يندفع الى الايمان بمبادئه وقيمه التي تعمل على اصلاح المجتمعات الانسانية. ويدرك تماما ان هذا الدين الرباني مصلح لكل زمان ومكان.

وروى لي الدكتور هوفمان عندما التقيته في مدينة شيكاغو الاميركية في اغسطس (آب) الماضي جوانب مهمة في قصة اسلامه، مشيرا الى ضرورة الرجوع الى كتابه "الطريق الى مكة" الذي لخص فيه مسيرة رحلته الايمانية الى الاسلام.

وقال لي هوفمان انه يحرص حرصا شديدا على حضور الملتقيات الاسلامية باعتبارها مدخلا مهما في تقارب المسلمين ومن ثم تفاعلهم وانفعالهم بهذا الدين. وكذلك ضرورة مشاركة المفكرين الاسلاميين في الملتقيات الفكرية الغربية لتصحيح صورة الاسلام المشوه عند هؤلاء الغربيين وابراز الاسلام بصورته السمحة التي تؤكد دوره الاصلاحي للمجتمعات الانسانية كافة.

يتابع هوفمان حديثه عن جاذبية الاسلام: "انني ادرك قوة جاذبية فن هذا الدين الآن افضل من ذي قبل، حيث انني محاط في المنزل الآن بفن تجريدي، ومن ثم بفن اسلامي فقط. وادركها ايضا عندما يستمر تاريخ الفن الغربي عاجزا عن مجرد تعريف الفن الاسلامي. ويبدو ان سره يكمن في حضور الاسلام في حميمية شديدة في كل مظاهر هذا الفن، كما في الخط، والارابيسك، ونقوش السجاد، وعمارة المساجد والمنازل والمدن. انني افكر كثيرا في اسرار اضاءة المساجد وفي بنائها الديمقراطي، وفي بناء القصور الاسلامية، الذي يوحي بحركة متجهة الى الداخل، بحدائقها الموحية بالجنة بظلالها الوارفة وينابيعها ومجاريها المائية، وفي الهيكل الاجتماعي ـ الوظيفي المبهر للمدن الاسلامية القديمة (المدينة) الذي يهتم بالمعيشة المتجاورة تماما كما يهتم بابراز موقع السوق وبالمواءمة او التكيف لدرجات الحرارة وللرياح، وبدمج المسجد والتكية والمدرسة والسبيل في منطقة السوق ومنطقة السكن. وان من يعرف واحدا من هذه الاسواق ـ وليكن في دمشق، او اسطنبول او القاهرة او تونس او فاس ـ يعرف الجميع، فهي جميعا، كبرت ام صغرت، منظمات اسلامية من ذات الطراز الوظيفي. فما اكثر ما تجولت في سوق مدينة سالي المؤاخية للرباط لكي استعيد حيويتي. انه ذروة مجتمعية حيوية يجد فيها كل انسان مكانا له، شيخا كان ام شابا، صحيحا كان ام مريضاً، فقيرا ام غنيا، ابيض ام اسود، ولا يوجد به عجلة، ولا ازمة ضيق وقت، ولا مبالغة في تقييم الذات، ولا خمور ولا وسائل نقل ثقيل، ولا سياج ولا ابتزاز، وحيث الجميع سواسية، وكل عملية شراء ترتبط بـ"دردشة"، وحيث تغلق الحوانيت ابوابها وقت الصلاة.

كان ما احسست منذ البداية انه اسلامي وباعث على السعادة هو في واقع الامر التأثير الناضج للتناغم الاسلامي، وللاحساس بالحياة والمكان الاسلاميين على العقل والروح. وهذا ما احسست به في متحف جولبينكيان الاسلامي في لشبونة، مثلما احسست به في المسجد الاموي بدمشق، وفي مسجد ابن طولون بالقاهرة، وفي مسجد القيروان القديم او المسجد السليمي في درنة. وقبل ان يقودني الدرب الفلسفي الى الاسلام، الذي قادني بدوره الى تجربة اساسية ثالثة في حياتي، كنت قد حصلت، وانا بعد في سن المراهقة في مدينة اشفنبرج، على قسط وافر من التعليم الجيزويتي، من خلال عضويتي لجمعية Congregatio Mariana وهي المقابل لحركة "المانيا الجديدة" المتمركزة في الشمال.

ويعود ارتباطنا، بل تعلقنا الرومانسي، بهذه المنظمة الى فترة حكم النازي، وذلك لان الجستابو لم يتمكن من الكشف عنها عندما كانت تقاوم هذا الحكم سرا. ولم يكن حتى ابي المشتت الفكر يعلم بعضويتي لهذه المنظمة. وكنا نجتمع اسبوعيا مع احد القساوسة الجيزويت في احدى المقابر، في ظل اجراءات امنية مشددة. فكان كل فرد منا لا يعرف سوى افراد مجموعته فحسب. ولكننا تمكنا بمرور الوقت من استقطاب افضل عناصر تلاميذ المدارس الثانوية. وقطعنا بذلك الطريق على منظمة "شبيبة هتلر"، اي اننا منعنا هذه العناصر الجيدة من ان تنضم الى منظمات الشباب التابعة للحكم النازي، ولقد ادهشنا ان عدد افراد المنظمة بلغ عند انتهاء الحرب 80 فردا. بعد ان انقضت الحرب، عدنا الى الاستمتاع بحياة واساليب منظمات الشباب التي كانت سائدة في عشرينات هذا القرن.

ونظرا لما سبق ذكره، فقد كنت على دراية تامة بالديانة الكاثوليكية، وبأدق شؤونها من الداخل، ولكنني في الوقت ذاته، كنت قد بدأت اضع هذه الديانة محل تساؤلات وشكوك. كنت انا وCarl Jacob Burckherdt نتساءل دوما عما اذا كان من الصواب ان يكون عالم اللاهوت ودارس الاديان مسيحيي الديانة. وبالرغم من اعجابي بفلسفة Ludwig Wittgenstein فاني كنت على يقين تام من عدم وجود دليل ينفي وجود الله. وكنت شديد التمسك بالرأي القائل بأن عدم وجود الله غير مؤكد بشكل قاطع، وان الاعتقاد بوجود الله او نفي وجوده يظل مسألة تحسمها العقيدة ويقين الفرد. ولقد حسمت هذا باعتقادي في وجود الله. وبعد ذلك، ثار سؤال عن ماهية الاتصال بين الله الانسان. ولقد كنت شديد الاقتناع بامكانية، بل قل بضرورة، تدخل الله وتسييره لمجريات الامور. ويرتكز اقتناعي هذا على دراستي ودرايتي بتاريخ الانسانية والعلوم والحق، التي استنتجت من خلالها ان مجرد مراقبة الطبيعة وتتبعها فقط لن يقودنا الى ادراك حقيقة علاقتنا ببيئتنا وبالله. الا يشهد تاريخ العلوم على حقيقة مفادها ان الحقائق العلمية يغير بعضها بعضا بسرعة شديدة؟! كنت بهذه الخطوة قد حسمت يقيني بامكانية، بل بضرورة، الوحي والدين، ولكن اي دين؟ واي عقيدة؟ هل هي اليهودية، او المسيحية او الاسلام.

وجاءتني الاجابة من خلال تجربتي الثالثة التي تتلخص في قراءتي المتكررة للآية 38 من سورة النجم: "لا تزر وازرة وزر اخرى"، ولا بد من ان تصيب هذه الآية بصدمة شديدة كل من يأخذ مبدأ حب الآخر الوارد في المسيحية مأخذ الجد، لانه يدعو في ظاهر الامر الى النقيض. ولكن هذه الآية لا تعبر عن مبدأ اخلاقي، وانما تتضمن مقولتين دينيتين تمثلان اساسا وجوهرا لفكر ديني، هما:

1 ـ انها تنفي وتنكر وراثة الخطيئة.

2 ـ انها تستبعد، بل وتلغي تماما، امكانية تدخل فرد بين الانسان وربه، وتحمل الوزر عنه.

3 ـ والمقولة الثانية هذه تهدد، بل وتنسف مكانة القساوسة وتحرمهم من نفوذهم وسلطانهم الذي يرتكز على وساطتهم بين الانسان وربه وتطهيرهم الناس من ذنوبهم. والمسلم بذلك هو المؤمن المتحرر من جميع قيود واشكال السلطة الدينية.

اما نفي وراثة الخطيئة وذنوب البشر، فقد شكل لي اهمية قصوى، لانه يفرغ التعاليم المسيحية من عدة عناصر جوهرية، مثل: ضرورة الخلاص، التجسيد، الثالوث، والموت على سبيل التضحية. وبدا لي ان تصور فشل الله في خلقه، وعدم قدرته على تغيير ذلك الا بانجاب ابن والتضحية به ـ اي ان الله يتعذب من اجل الانسانية ـ امر فظيع ومروع، بل وتجديف واهانة بالغة. وبدت لي المسيحية وكأنها تعود لترتكز في اصولها على اساطير متنوعة ومتعددة. وتبين لي جليا الدور الخطير والشرير الذي لعبه بولس الرسول. لقد قام بولس، والذي لم يعرف المسيح ابدا ولم يصاحبه في حياته، بتغيير بل وبتزوير التعاليم اليهودية ـ المسيحية التي صاغها برنابه وترى في المسيح احد رسل الله وانبيائه. وتيقنت ان المجلس الملي، الذي انعقد في نيقيا (عام 325)، قد ضل طريقه تماما، وحاد عن الصواب وتعليمات المسيحية الاصلية، عندما اعلن ان المسيح هو الله، واليوم، اي بعد مرور ما يزيد على ستة عشر قرنا، يحاول تصحيح هذا الخطأ بعض علماء اللاهوت الذين يتمتعون بجرأة شديدة.

ومجمل القول انني بدأت انظر الى الاسلام كما هو، بوصفه العقيدة الاساسية الحقة التي لم تتعرض لأي تشويه او تزوير.. عقيدة تؤمن بالله الواحد الاحد الذي "لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد" (سورة الاخلاص). رأيت فيه عقيدة التوحيد الاولى، التي لم تتعرض لما في اليهودية والمسيحية من انحراف، بل ومن اختلاف عن هذه العقيدة الاولى، عقيدة لا ترى ان معتنقيها هم شعب الله المختار، كما انها لا تؤله احد انبياء اليهود. لقد وجدت في الاسلام اصفى وأبسط تصور لله، تصور تقدمي، ولقد بدت لي مقولات القرآن الجوهرية ومبادئه ودعوته الاخلاقية منطقية جدا حتى انه لم تعد تساورني ادنى شكوك في نبوة محمد. ولقد سمعت مرارا قبل اعتناقي الاسلام مقولة ان التحول من دين الى دين آخر ليس له اي اهمية، حيث ان الاديان كلها تؤمن في آخر الامر بإله واحد، وتدعو الى الاخلاقيات والقيم ذاتها، وان السلوكيات والاخلاق الحميدة، بالاضافة الى الايمان بالله في قلب الانسان، وان يتوجه الانسان الى الله سرا، لأهم من الصلاة خمسا، ومن صوم رمضان وأداء فريضة الحج، كم من مرة اضطررت الى الاستماع الى هذه المقولات من مسلمين اتراك تخلوا عن عقيدتهم دون ان يدركوا ذلك.

ان إلها خاصا سريا ليس بإله، وكل هذه الحجج والمقولات تبدو واهية، اذا ما تيقنت ان الله يتحدث الينا في قرآنه. ومن يدرك هذه الحقيقة لا يجد مفرا من ان يكون مسلما بأعمق معاني هذه الكلمة.

الصلاة المفروضة

ويذهب هوفمان الى انه ربما يمكن القول: انني كنت قريبا من الاسلام بأفكاري قبل ان اشهر اسلامي في عام 1980، بنطق الشهادتين متطهرا كم ينبغي، وان لم اكن مهتما حتى ذلك الحين بواجباته ونواهيه فيما يختص بالحياة العملية. لقد كنت مسلما من الناحية الفكرية او الذهنية، ولكني لم اكن كذلك بعد من الناحية العملية. وهذا على وجه اليقين ما يتحتم ان يتغير الآن جذريا. فلا ينبغي ان اكون مسلما في تفكيري فقط، وانما لا بد ان اصير مسلما ايضا في سلوكياتي.

اذا كان الدين يعني رباطا يربط الانسان بربه، واذا كان الاسلام يعني ان يهب المسلم نفسه لله، فقد كانت اهم واجباتي، كمسلم حديث عهد بالاسلام، في الخمسينات من العمر، ان اتعلم صلاة الاسلام. وليس من الضروري ان يكون المرء خبيرا في الحاسب الآلي ليدرك ان الامر هنا يتعلق بمسألة اتصال.. ما اصلح فنون الاتصال للاتصال به؟

ومن المؤكد، على اي حال، انه لا شيء يعرض اسلام المرء للخطر اكثر من انقطاع صلته بربه. من ثم يصبح التسبيح بحمد الله هو العنصر المحوري في حياة كل من يعي ويدرك معنى ما يقوله، عندما يقول انه يؤمن بالله. وبناء على ذلك، فان من لا يصلي ليس بمؤمن من وجهة نظري. فمن يؤكد لامرأة غائبة حبه لها، دون ان تكون لديه رغبة في التحدث اليها تليفونيا او في الكتابة اليها، ودون ان يلقي نظرة واحدة على صورتها طوال اليوم، ليس محبا لها في حقيقة الامر. وهذا ما ينطبق تماما على الصلاة. فمن يعي ويدرك حقا المعنى الحقيقي لوجود الله، ستكون لديه بالضرورة رغبة في التأمل وفي التوجه الى الله كثيرا. وبذلك فقط، يصير ما يردده المسلم كثيرا وهو يقرأ سورة الفاتحة "إياك نعبد وإياك نستعين" حقيقة واقعة. وكنت حتى تلك اللحظات اجهل ما يجب فعله واتباعه في الصلاة. ناهيك عن قدرتي على الحفظ والتلاوة باللغة العربية، ومن ثم كانت اولى اولوياتي آنذاك هي التغلب على هذا النقص. وقبل ان امعن في دراسة مقدمة مصورة باللغة الالمانية للصلاة الاسلامية، تحظى بأكبر قدر من الثقة، طلبت من صديق تركي ان يعلمني الوضوء وكيفية الوقوف في الصلاة، والركوع والسجود، والجلوس على الارض مستنداعلى القدم اليسرى، ورفع الذراعين، واتجاه النظر، ومتى يقرأ المرء جهرا، ومتى يقرأ سرا مع تحريك الشفتين في القراءة، وكيف يقف المرء موقفا صحيحا خلف الامام، وكيف يتصرف المرء عندما يأتي متأخرا الى المسجد، وكيف يتحرك داخل المسجد، انه علم كامل! وفي الحقيقة، فانه من الخطر ان يتصرف المسلم كمسلم دون ان يكون كذلك.

وتبدأ الصلاة الاسلامية، وان بدا ذلك امرا غريبا، في الحمام او عند مصدر المياه في الفناء الامامي للمسجد بالوضوء. وينبغي تعلم ذلك بحسب تتابعه وتسلسله، وكيف يغسل المرء اليدين، وكيف يمسح الرأس، وكيف يتأكد من غسل الكعبين، كل شيء وضع وحدد على نحو دقيق تماما. وحينما ينوي المرء الصلاة ويرفع اليدين الى الرأس مكبرا مفتتحا الصلاة، فانه ينفصل تماما عن مشاغل حياته اليومية، مما يؤكد قدسية الصلاة بالنسبة له.

لا يمثل الوضوء مشكلة في البلدان الحارة، حيث تؤدي الحرارة المرتفعة الى سرعة الجفاف. وفي حالة عدم توفر الماء فانه يكفي تنظيف اليدين بالرمل على سبيل الرمز (التيمم)، ولقد تعرضت لمثل هذا الموقف، حينما غاصت السيارة التي يقودها سائقنا الخبير بالصحارى في السابع من شهر ديسمبر عام 1993، اثناء رحلة في منطقة ليوا الغنية بالنفط في الامارات العربية المتحدة، حيث تبدو الرمال صالحة تماما للتيمم. اما في مناطقنا الباردة، فليس من المريح حقا، في حالة عدم وجود مناشف، ان يضطر المرء الى ارتداء جواربه وقدماه مبتلتان. وتبين لي ان تعلم كيفية اداء الصلاة ايسر كثيرا مما كنت اتوقع، لان الصلاة تتكون من وحدات ثابتة تسمى "ركعة" فالركعات هي وحدات الصلاة.

وينبغي ان يتعلم المرء ايضا عدد الركعات في كل من الصلوات الخمس: الصبح، والظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، وان يعرف مواقيتها، وما ينبغي على المسافر ان يراعيه من احكام الصلاة.

وتعلمت اخيرا كيفية الوقوف في صلاة الجماعة، حيث ينبغي ان يصطف المسلمون في صف مستقيم تتلاصق فيه الاقدام وتسد الفرج. وهذا التلاصق يرمز بالنسبة لي اكثر من مجرد ضم صفوف. انه يرمز الى التضامن على نحو يؤثر فيّ مجددا كل مرة. ويتجدد هذا التضامن في نهاية كل صلاة مع تحية "السلام عليكم" التي ينطقها المصلي وهو يلتفت يمينا ثم يسارا، وبعد ذلك يمسح وجهه بكلتا يديه اعلانا عن انتهاء الصلاة، وبعدها يمد يديه الى جاره في الصلاة مصافحا ومتمنيا ان يتقبل الله صلاته "تقبل الله صلاتك".

وروى لي عبد الوهاب عبادة، السكرتير العام لوزارة الخارجية الجزائرية، انه غير هذه التحية مرة عندما كان طفلا. فلقد بدا له انه من الاقرب الى المنطق ان يقول "السلام عليك". وكانت نتيجة ذلك انه تلقى على وجهه صفعة من والده الذي علمه ان المسلم يقول دائما: "السلام عليكم" لان تحيته تشمل جميع المخلوقات المرئية وغير المرئية، تشمل الملائكة وتشمل الصراصير.

من الاهمية بمكان ان يعرف كيف يحدد موضع صلاته، بحيث يضع نظارته وحافظة اوراقه على مسافة نحو 90 سنتيمترا امامه. فلن ينتهك احد موضع صلاة احد آخر، ولن يمر احد من امام احد المصلين مباشرة، وانني لأتذكر انني هممت بمغادرة مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة، بعد ان انتهيت من الصلاة، يوم 26 من ديسمبر (كانون الاول) عام 1982، وعندما بلغت الباب الرئيسي، كانت حركة السير بطيئة، وكان السبب ان احد القادمين الى الصلاة متأخراً، لحق بها فور وصوله الى الباب، وما يزال يكمل صلاته على الدرج في هدوء تام، بينما انقسمت جموع المصلين المنصرفين من المسجد حوله كما تنقسم حول صخرة. ولم يجرؤ احد على ان يزعجه، او يشوش عليه في صلاته، او ان يقتحم موضع صلاته. اما ما هو اشد غرابة واثارة للدهشة، فذلك الذي رأيته اثناء الطواف حول الكعبة في عام 1992.. فلقد راحت امرأة ضعيفة البنية تؤدي الصلاة دون اكتراث، في قلب الزحام على مسافة بضعة امتار من الكعبة، محاطة بأربعة رجال اشداء يصنعون حولها سياجا بسواعدهم. ومرة اخرى، يتكرر نفس رد الفعل الهادئ من جانب الناس، فلا لوم، ولا تأنيب، ولا كلمة غاضبة، وانما احترام للصلاة. ربما يكون من العسير او حتى من المستحيل، بسبب هذه القواعد الصارمة، ان يغادر المسجد احد من المصلين في الصفوف الامامية قبل ان يغادر الجميع. ولقد اضطررت في عام 1993 الى ان اترك مضيفي في ابو ظبي ينتظرني، لانني لم اجد وسيلة لمغادرة المسجد تتفق مع القواعد. فلكي اغادر المسجد عبر طريق جانبي، كان لا بد من ان امر افقيا من امام المصلين، وهذا هو "الحرام" بعينه.

 

هوفمان: خطب الجمعة في العالم الإسلامي تخاطب المشاعر أكثر من مخاطبتها للعقل.

المفكر الألماني: أحب أن أؤدي الصلاة بمفردي للتحكم في سرعة ايقاعها واكتشفت أنها تفيد في علاج أعراض التوتر المعاصر.

يواصل المفكر الإسلامي الدكتور مراد هوفمان السفير الألماني السابق حديثه عن مسيرة رحلته الإيمانية إلى الإسلام. وفي هذه الحلقة يتوقف في محطات مهمة ليروي تفاصيل هذه الرحلة الإيمانية، مشيراً إلى حبه لأداء الصلاة بمفرده ليتسنى له التحكم في سرعة إيقاعها مع إقراره بفضل الجماعة والحرص عليها.

كما يروي لنا هنا قصة أدائها في جماعة إمامته للصلاة في مدينة سان فرانسيسكو الأميركية، عندما كان مشاركاً في الاحتفال السنوي لتجمع شمال الأطلسي الذي أقيم في تلك المدينة في أكتوبر (تشرين الأول) عام 1985، والمشاعر المضطربة التي انتابته في أول إمامة له لجماعة صغيرة من الأميركيين السود.

كما يتطرق هوفمان إلى خطب صلاة الجمعة في العالم العربي من خلال خبرته لسنوات طويلة، مشيراً إلى أنها للأسف لا تحقق ما كان يمكن أن تحققه، لأنها تخاطب المشاعر أكثر من مخاطبتها العقل.

فلنواصل معاً متابعة هذه الرحلة الإيمانية التي قادت هوفمان إلى الإسلام، دين الله رب العالمين.

استهل الدكتور مراد هوفمان حديثه عن حبه لأداء الصلاة بمفرده، حيث يقول: احب كثيرا ان اؤدي الصلاة بمفردي، حتى استطيع ان اتحكم في سرعة ايقاعها الذي يتسم عادة بالسرعة الى حد ما عند الصلاة في المسجد، بسبب مراعاة ظروف المرضى ومن يكونون على عجلة من امرهم، ومع ذلك، فان لصلاة الجماعة فضلا على الصلاة منفردا.

بعيدا عن المساجد التي لها امام محدد، يؤم الصلاة فيها، ينبغي قبل كل صلاة جماعة ان يختار في لحظتها من يومها، ويتمتع المضيف بالحق في ان يؤم الصلاة، ومع ذلك فاني احب بشدة ان افوض في امامتها واحدا من ضيوفي (مثل السفير السعودي، او رئيس حزب الاستقلال المحامي محمد بوستة، عندما نلتقي معا على مائدة الافطار في رمضان بمقر اقامتي في الرباط).

وذات مرة، اقتضت ظروف غريبة ان اصلي انا نفسي إماما، فعند وصولي الى سان فرانسيسكو في العاشر من اكتوبر (تشرين الاول) عام 1985، للمشاركة في الاحتفال السنوي لتجمع شمال الاطلسي، رحت ابحث في دفتر الهاتف وفي سجل الكنائس عن مسجد. وكنت موقنا انني سأجد في عاصمة المذاهب الاميركية جماعة اسلامية. وشد ما كانت دهشتي حينما قرأت: "المركز الاسلامي، 850 شارع ديفيزاديرو، تقام شعائر الصلاة يوميا في الساعة الثانية عشرة، وايام الأحد في الساعة الثالثة عشرة"، تماما كما هو معتاد في الكنائس التي لا تحدد مواعيد الصلاة بها تبعا لوضع الشمس كما هو الحال عند المسلمين. وعندما وصلت الى هناك، وجدت جماعة تتألف من ثلاثة اعضاء من السود. وانتظارا لارتفاع الاذان مناديا للصلاة راح شيخ اشيب الشعر، يضع على عينيه نظارة واسعة مائلة الى اسفل، يقرأ في نسخة عربية من القرآن واضعا الاصبع على السطور. وينضم الى الحاضرين عضو آخر من اعضاء الجماعة، انه يوسف سيمون.. شاب شيعي اسود يدرس العلوم السياسية، ولقد قابل دهشتي بالصمت، اذ لا بد من انه اعتاد ان يعاني التفرقة كأسود بين بيض، وكمسلم بين مسيحيين، وكشيعي بين سنة.

لم تفارقني الدهشة على الاطلاق، فها هو ذا المؤذن يؤذن للصلاة، ولكنه يبدأ بالاقامة قبل الاذان، ولأن بلالا اول مؤذن للاسلام بالمدينة المنورة كان اسود، فقد شعرت بحرج شديد في ان اصحح خليفته في سان فرانسيسكو. ولكني ما كنت لأستطيع الصمت ازاء كل هذه التطورات المتناقضة، فرحت اروي بحرص شديد انه سبق لي ان كنت في مكة، وانهم هناك يبدأون بالاذان ثم الاقامة.

ولم يدهشني رد الفعل لما قلت، بل اعتبرته رد فعل طبيعيا، اذ دعتني الجماعة الصغيرة على الفور للصلاة بها إماما، لانني "الاكثر علما" بين المسلمين الموجودين. ولم يؤثر في ذلك بأي حال كوني المانيا ابيض وانني جئتهم لاول مرة. وهكذا وجدت نفسي على غير انتظار في مواجهة القبلة. وتمنيت لو انها كانت، على الاقل، موجهة توجيها صحيحا نحو مكة، وصففت جماعتي الصغيرة جدا في صف مستقيم، ورفعت يدي مكبرا "الله اكبر". وان للمعرفة وحدها وزنا يعتد به. وهذا ما تؤكده ايضا واقعة اخرى، ففي ديسمبر (كانون الاول) عام 1982، أمّ صبي عربي في الخامسة عشرة من العمر، بفندق شيراتون المدينة، صلاة مجموعة من المعتمرين الباكستانيين الاميين. فيما يختص بصلاة الجمعة، التي تتألف بصفة اساسية من خطبتين قصيرتين ثم صلاة ركعتين، فانه لا بد لأدائها من الذهاب الى المسجد، وينهي الخطيب خطبته في العادة برفع يديه بالدعاء الى الله.

مخاطبة المشاعر لا العقل

وبناء على خبرتي لسنوات طويلة، لا تحقق هذه الخطب، للاسف، في العالم العربي ما كان يمكن ان تحققه، لانها تخاطب المشاعر اكثر من مخاطبتها للعقل. فهي تردد ما يؤمن به المؤمنون اكثر مما تعمقه. ويظهر ذلك في نبرة صوت الخطباء. فبعضهم يصرخ كما لو كان يستثير حماسة جيش لخوض معركة، وينبغي مع ذلك ان اقر، على الجانب الآخر، انه لا مجال في العالم الاسلامي للوعظ بأسلوب حديث، لانه لا يكاد يوجد به من يدعي الالحاد، فلماذا ينبغي على المرء اذن ان يدعم اسس ومبادئ العقيدة بحجج وبراهين عقلية ومعقدة، بدلا من ان يوظف تربويا ما يسود العالم الاسلامي من إيمان؟ (وهناك ايضا استثناءات ايجابية، فكما يتحمل بعض المسيحيين في ميونيخ مشقة الوصول عبر طرق اطول الى خطيب بعينه، كنت في فترة وجودي بالرباط اذهب حتى مشارف المدينة لأستمع الى إمام مسجد لالا "السيدة" سكينة، المثقف في خطبة صلاة الجمعة).

اثناء عملي الوظيفي، كان عليّ، تنفيذا لقاعدة بروتوكولية، ان اصلي صلاتيّ عيديّ الفطر والاضحى خلف قادة دول، مثل الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد، والملك الراحل الحسن الثاني ملك المغرب. وكان ذلك يجري امام عدسات كاميرات التلفزيون، وكنت في كل مرة المس الروح الديمقراطية التي تضفيها الصلاة الاسلامية حتى على مثل هذه الاجواء. فسجود ملك على الارض مرتديا جواربه امر جد مختلف عن خطو رئيس فرنسا في كاتدرائية ريمس نحو موضع جلوسه المميز.

يتسم حفظ النصوص العربية، التي تتلى اثناء الصلاة، ومن بينها مقاطع قصيرة او طويلة من سور القرآن، بالنسبة للبعض، بقدر من الصعوبة، يفوق ذلك الذي يتسم به تعلم كيفية اداء حركات الصلاة. ولقد ساءني الا استطيع ان احفظ جيدا النصوص العربية، مما جعلني اشبه بمساعد قس يفتقر الى المعرفة اللاتينية. ولذلك، قررت مثل المسلمين كافة، منذ الازل الى الابد، ان اتعلم من اللغة العربية ما يكفي على الاقل لفهم الصيغ النحوية واصول المتون. (ولقد استفدت كثيرا من هذه المعرفة الاولية، عندما عملت في ما بعد سفيرا في الجزائر). وكان اول ما تعلمته بطبيعة الحال هو سورة "الفاتحة"، اول سور القرآن وفاتحة الكتاب، وهي مكون رئيسي لكل ركعة، ومن ثم، فانها تتلى يوميا 17 مرة على اقل تقدير. وبعد الفاتحة تعلمت السور رقم 112، اي سورة الاخلاص، التي تعادل من حيث مضمونها، وفقا لما يروى عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ثلث القرآن بأكمله، على الرغم من قصر آياتها الاربع: بسم الله الرحمن الرحيم "قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد".

وتلا ذلك المعوذتان، وهما: سورة الفلق (رقم 113)، وسورة الناس (رقم 114)، ثم سور مكية اخرى قصيرة مثل سورة الفيل (رقم 105)، وسورة قريش (رقم 106)، وسورة الكافرون (رقم 109)، وسورة النصر (رقم 110)، وكذا الآيات من 1 الى 5 من اول سورة نزل بها الوحي، وهي سورة العلق رقم (96): بسم الله الرحمن الرحيم "إقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، إقرأ وربك الأكرم، الذي علّم بالقلم، علّم الإنسان ما لم يعلم". ولم اغامر بعد ذلك بمحاولة تعلم (حفظ) مقاطع اطول من القرآن مثل آية الكرسي (سورة 2 ـ آية 255)، وآية النور (سورة 24 ـ آية 35)، وكذا المقاطع الخاصة بأسماء الله الحسنى، اي صفات الله، (سورة 59 ـ الآيات 22 ـ 24 ـ 35)، الا بعد تقدمي المتنامي في المعارف العربية.

جوهر سلوك المسلمين

ان من يحلل نصوص الصلاة، يصل الى اليقين بأن جوهر الصلاة هو ذكر الله ودعاؤه. وهذا يتفق مع ارشاد القرآن الى ان اسمى واجبات الانسان: ان يهتدي بفضل قدراته الذهنية الى معرفة الله والتسبيح بحمده. وهذا هو جوهر سلوك المسلمين. فاذا سألت احدهم عن احواله، فلن يجيب: جيدة او سيئة، وانما سيقول: الحمد لله.

بعد الصلاة، يقوم المرء بشغف شديد بالتسبيح بحمد الله، مستخدما إما مسبحة مكونة من ثلاث وثلاثين او من تسع وتسعين حبة، واما اصابع يده مرددا في همس: "سبحان الله وبحمده" او "الشكر لله" و"الحمد لله"، و"الله اكبر"، ولعلنا نلاحظ انه ـ خلافا للمسيحية ـ تتعدد اشكال التسبيح والدعاء في الاسلام.

واذ كانت للدعاء مكانته الرئيسية، فان الانصراف عن الدعاء الى الله يصير نوعا من نقص الايمان، لان "الله قريب يجيب دعوة الداعي اذا دعاه". (انظر: سورة 2 آية: 186).

وكما انه ليس للدعاء صورة او قالب محدد، فليس له ايضا موقع او زمن محدد، ولا يشترط ان يكون باللغة العربية، وهو في حالته المثلى ذكر دائم لله. وهذا الذكر الدائم لله هو ما يجتهد فيه متصوفة المسلمين. ولقد قمت انا ماري شيميل بجمع قدر كبير من هذه الاذكار والادعية الاسلامية الجميلة.

ويرجع الى التصوف الاسلامي الفضل في تماسك وعدم تفكك الاذكار والادعية الاسلامية شكلا ومضمونا، بدءا من المتصوف الاندلسي ابن عربي في القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلادي وحتى فريثجوف شؤون في عصرنا الراهن. فلم يتحلل الصوفيون الاسلاميون الحقيقيون على الاطلاق من الشكليات المفروضة، وانما قاموا بعقلنتها. فها هو ذا شوؤن يقول في موضع آخر: "ان المسلم ـ وبصفة خاصة من يتبع السنة حتى في ادق واصغر تفريعاتها ـ يعيش في شبكة من الرموز..."، ومن يحمل هذا في قلبه لا يترك صلاته تتحول الى روتين. وسواء اديت الصلاة في مسجد في هامبورج، او في مسجد مبني بالطوب اللبن (الطوب الاخضر) وجذوع النخيل في واحة فيجيج شرق المغرب، او في المسجد الاموي في دمشق بفسيفسائه المبهرة، فان الصلاة واحدة، فقد تعلموها على يد معلم واحد (وهو ما حدث بالفعل). وهذا التوحد الشكلي يوفر الهدوء والطمأنينة اللازمين للتركيز التام.

علاج أعراض التوتر المعاصر

تنطوي الصلاة في الاسلام، بالاضافة الى جانبها الروحي، على بعد مادي ملموس، فضلا عن بعد سياسي محتمل. فالمرء يحتاج الى وقت طويل حتى يتعلم كيف يجلس على قدميه مسترخيا على ارض صلبة، دون ان يتعرض لتقلصات عضلية، مدركا ان وضع القدمين عاريتين في الوضع المناسب أيسر منه وهما داخل الجوارب. ولكن الجلوس على الارض دون حراك لساعات طويلة على نحو ما يفعله اخوتنا في الشرق امر لم يعد بمقدورنا ان نتعلمه في سن متقدمة.

ومن المؤكد، ان الصلاة في الاسلام تفيد في علاج اعراض التوتر المعاصر، الذي لا يحتاج الى وقت طويل لتحليل ومعرفة اسبابه. فالانسان المعاصر لا يعمل من حيث الكم، فيما يختص بالعمل العضلي بصفة خاصة، اكثر مما كان يعمل في ما مضى من الزمن، بل ان العكس هو الصحيح. اما الجديد، فهو السرعة التي تجري بها كل الاحداث وتجري بها كل الاعمال، بواسطة التلكس والفاكس والبريد الالكتروني والانترنت والبريد السريع ـ والتي ترهق المرء. فالناس يساورهم القلق من احتمال فقدان السيطرة على الامور ومداهمة المواعيد لهم، والخوف من الفشل، ويزيد تعاطي الخمور والتدخين والاقراص المخدرة والاقراص المنشطة الامر سوءا. ولقد ارتفعت تكاليف علاج انسداد الشرايين عند من يشغلون وظائف الادارة العليا، الى درجة انهم اصبحوا يرغمون على القيام باجازات اجبارية. وكذلك تتناول البرامج التدريبية لمديري شؤون العاملين التغذية الحيوية المرتدة، والتأمل الاستشرافي، وضرورة اكتشاف الفرد بنفسه لطقوس الشاي اليابانية كوسائل للتخلص من التوتر والقلق.

التحرر الداخلي

ومقولتي في المقابل، هي ان الصلاة الاسلامية تحقق كل هذا واكثر منه، اذ انها لا تساعد المؤمن على التوقف عن التفكير والاسترخاء فحسب، وانما تساعده ايضا على تحقيق تحرره الداخلي من سحر المال والجاه والمنصب. فبينما يجد الاميركي الذي يعيش تحت ضغوط مختلفة انه امام خيارين لا ثالث لهما: اما الحرب واما الهروب بالانتحار، يختار المسلم اختيارا ثالثا هو ان يفيض مع الاشياء، أي يتوكل المسلم على الله. فبفضل الصلاة الاسلامية لا يستطيع مسلم حقيقي ان يكون متوترا مؤرقا، ولا ان يكون مصدرا للتوتر والارق.

انني اعرف تماما عما اتحدث. فلقد كان بمقدوري ان اعرف كل العوامل التي تسبب الضغط والتوتر والارق من خلال عملي مديرا لقسم حلف شمال الأطلسي والدفاع في وزارة الخارجية الألمانية في الفترة من عام 1979 إلى عام 1983، ومن خلال عملي مديرا لادارة المعلومات الخاصة بخطر التهديدات بالعدوان في حلف شمال الاطلسي ببروكسل في الفترة من عامي 1983 ـ 1987.

ابتداء من عام 1980، لم اعد احمل معي في رحلات العمل سوى سجادة للصلاة وبوصلة (صنع تايوان)، لتحديد اتجاه القبلة، وان كنت على يقين بأن منشفة نظيفة تفي بالغرض، وان الله ليس غربيا ولا شرقيا، اذ (فأينما تولوا فثم وجه الله) (سورة البقرة: الآية 115). وراحت ايامي تتشكل اكثر فأكثر تبعا لمواقيت الصلاة، وليس تبعا للساعة التي تسبب القلق والتوتر. فعندما يتواعد المرء مع مسلمين، فانه لا يواعدهم "الساعة الثالثة والربع"، وانما يواعدهم لوقت غير محدد الى حد ما "بعد صلاة الظهر"، او "بعد صلاة المغرب".

ومجمل القول انني وجدت عين الصلاة تلك الطمأنينة والتحرر الداخلي الذي ينتزع المسلم من الضغوط كافة، لانه يستطيع ان ينتزعه من عالم يقاس الوقت فيه بالمال، والمال فيه هو كل شيء.

عندما تعرضت في عام 1992 لحملة طعن وتجريح شرسة في وسائل الاعلام بسبب ايماني، لم يستطع بعض من زملائي ان يفهم عدم اكتراثي بهذه الحملة (او انهم اعتبروه نوعا من الكبرياء والغطرسة)، وكان من الممكن العثور على تفسير لهذا السلوك من جانبي في الآية الخامسة من سورة الفاتحة (إياك نعبد وإياك نستعين).

في تلك الاثناء، صارت الصلاة بالنسبة لي عنصر تنظيم لحياتي على جانب كبير من الاهمية، حتى انني لم اعد ارغب العيش في بلد لا استطيع ان اسمع فيه نداء المؤذن الجميل للصلاة كما هو الحال في فاس، وفي اسطنبول مرة اخرى اخيرا.

لاحظت مرارا ان الصلاة المنزهة عن الغرض يمكن، بحكم طبيعتها، ان تصير عنصرا سياسيا. فإلى ما قبل اقدام الجبهة الاسلامية في الجزائر على العمل العلني في عام 1988، كان اتباعها قد بدأوا يتجنبون المساجد الخاضعة لاشراف الحكومة (كما يتجنب كثيرون من الاتراك العاملين في المانيا المؤسسات التابعة لوزارة الاديان التركية)، فاسلامهم الموازي ينعكس في صلاة موازية ايضا. ففي البليدة، على سبيل المثال، ادينا الصلاة في عام 1987 في مسكن خاص مجاور للمسجد مباشرة، بدلا من ان نصلي في المسجد. وبالمثل، كان من المظاهر المميزة ان تدخل المسجد مجموعات من الشباب، قبل او بعد صلاة الظهر بوقت قصير، لتصلي في احد الاركان كمجموعة مغلقة، وخلف امام خاص، وهذه هي ذات الظاهرة التي لاحظتها في سبتمبر (ايلول) عام 1994 في مسجد سنان باشا بحيى بارباروس في اسطنبول.

كانت النتائج السياسية باهرة، عندما ارادت حكومة جبهة التحرير الوطني الجزائري ان تدلل، في احد المساجد بالقرب من ميناء الجزائر يوم عيد الاضحى عام 1988، على مدى ما صارت اليه من تدين وورع. فلقد غضب الشعب بأكمله (او سخر)، عندما تبين له على شاشات التلفزيون ان عناصر قيادية من حزب الوحدة الاشتراكي تجهل بشكل واضح كيفية اداء الصلاة، ولم تمض سوى شهور قلائل حتى اصيبت جبهة التحرير الوطني في شهر اكتوبر (تشرين الأول) عام 1988 بهزيمة قاسية، في انتفاضة شعبية، بينما اكتسبت الجبهة الاسلامية للانقاذ وضع حزب شرعي.

الإنسان بفضل قدرته على التفكير وإعمال عقله يفاخر بأنه أعظم المخلوقات

يحكي المفكر الاسلامي الدكتور مراد هوفمان السفير الألماني السابق في رحلته الايمانية في هذه الحلقة عن أبرز مظاهر تحوله الى الاسلام، هو رفضه لاحتساء الخمر واختفاء زجاجة النبيذ الأحمر من فوق مائدة طعامه، اهتداء بتعاليم دينه الجديد الذي يحرم الخمر. ويقول هوفمان: "لقد ظننت في بادئ الأمر انني لن استطيع النوم جيدا دون جرعة من الخمر في دمي، بل ان النوم سيجافيني من البداية. ولكن ما حدث بالفعل كان عكس ما ظننت تماما. فنظرا لأن جسمي لم يعد بحاجة الى التخلص من الكحول، أصبح نبضي أثناء نومي اهدأ من ذي قبل. صحيح ان الخمر مريح في هضم الشحوم والدهون، لكننا كنا قد نحينا لحم الخنزير عن مائدتنا الى الأبد، بل ان رائحة هذا اللحم الضار (المحرم) أصبحت تسبب لي شعورا بالغثيان".

وهكذا جعل الاسلام هوفمان يفيق من سكره لعبادة ربه، التزاما بما حرمه الله عليه، وطاعة يلتمس بها مرضاة الله تعالى. وهنا نواصل معه هذه الرحلة الايمانية التي قادته الى النجاة من الهلاك في الآخرة.

د. هوفمان: الخمر ولحم الخنزير أكبر عائقين في طريق انتشار الإسلام بألمانيا

يعترف الدكتور مراد هوفمان انه كان خبيرا بالخمور قبل اعتناقه الاسلام، حيث يقول: كنت في جاهليتي الشخصية (زمن الظلام) قبل اعتناقي الاسلام خبيرا بالخمور حتى انني كنت أحدد أنواع الأنبذة الحمراء المدهشة بمجرد تذوقها بطرف لساني، وكان التمييز بين أنواع الخمور "الذكورية" و"الأنثوية" أيسر منه بين الانواع المختلفة داخل كل مجموعة منهما، حيث يتطلب الأمر بالنسبة لكل حالة تحديد الزيت الأثيري الخاص بها عن طريق التذوق. ولقد اتاحت لي الحياة الدبلوماسية، وبصفة خاصة حفلات العشاء الرسمية في ختام مؤتمرات وزراء حلف شمال الأطلسي، فرصة هائلة لاكتساب هذه الخبرة. ولقد تدربت بنشاط وجد لأنمي وأدرب ملكة التفرقة والتمييز بين أنواع النبيذ. واثناء عملي بباريس في عام 1967، كنت في عطلة نهاية الاسبوع أحجز عن طريق دليل ميشلان منضدة في أحد المطاعم ذات النجمة الواحدة، وكنت اختار النبيذ بواسطة الهاتف، وأطلب فتح الزجاجة على الفور، حتى يتأكسد النبيذ بدرجة كافية، ويصل الى كامل نضجه ومذاقه عند وصولي الى المطعم. وكنت في المساء اختار قائمة طعامي بما يناسب النبيذ وليس العكس.

التحريم القرآني للخمر

عندما كنت اشغل منصب المستشار الاول بالسفارة في بلغراد، في عامي 1977ـ 1978، كنت اقيم حفلات اختبار وتذوق للنبيذ، ادعو اليها الاصدقاء. وكنت اعرض على ضيوفي كيف يمكن عن طريق سقف الحلق تحديد انواع الكروم والتربة وطرق القطف وطرق التخمير والسنة، مستخدما انواعا من النبيذ الابيض عديم اللون، كنت قد جلبتها من متاجر متخصصة، ومن مناطق مختلفة، وكنت "كتربوي" اعرض انواع النبيذ على نحو تتابع فيه انواع تجمع بينها صفات مشتركة، وتميز بعضها بصفات اخرى. ولقد تطورت قدرات بعض ضيوفي، في واقع الامر، بحيث استطاعوا بعد سابع محاولة للتذوق ان يميزوا بين انواع النبيذ المختلفة تبعا لمعايير مختلفة.

لقد وجدت مع ذلك ان التحريم القرآني للخمر والمخدرات ليس ضرورة اجتماعية فحسب، وانما هو ايضا منفعة شخصية للفرد، اذ يمكنه ان يكون متيقظا صافي الذهن دائما. ومن ثم، انهيت هذه المرحلة من حياتي مرة واحدة، وإلى الابد، فان الانسان، بفضل قدرته على التفكير وإعمال عقله، يفاخر بأنه اعظم المخلوقات. فنحن البشر نستطيع ان نمعن التفكير في العالم من حولنا وفي احوالنا، وان نتصرف بحكمة، وهذه الصفات التي ترقى بنا، هي ذات الصفات التي ندمرها على نحو منتظم بتعاطي الخمور والمخدرات، ونحن بذلك نمتهن انفسنا ونحط من قدرتنا داخل المنظومة الكونية، وننحدر بالتالي الى مكانة ادنى من مكانة الحيوانات، التي لا يغيب عنها وعيها ابدا. فادمان تعاطي الخمور والمخدرات نوع من التشويه الذهني الذاتي. وكانت مديرة منزلي الصربية في بلغراد مثالا منذرا لي، اذ كانت تعود دائما الى ادمان الخمر، حتى بعد علاج لفترات طويلة.

ان مشهد مدمني تعاطي الخمر مشهد مهين، يبعث على الاكتئاب، ويثير الشفقة، وكثيرا ما يقدم هؤلاء على الانتحار، وهم يعلمون حقيقة حالهم، ولكنهم لا يستطيعون الرجوع عما هم فيه، لان الخمر سلبتهم العزيمة والارادة والقدرة على اتخاذ القرار. من النادر ان تجد عدد مدمني الخمر في المجتمع الاحدث في المدن التركية الكبيرة اقل من عددهم في المانيا. فهم يمسكون ـ من وقت الظهيرة ـ بكأس الراكيا في يد، وبالسيجارة في اليد الاخرى، مبرهنين بذلك على انهم لم يعودوا سادة انفسهم، وهم من الناحية الدينية، يمارسون بذلك نوعا من الشرك بالله، لأن الخمر ونيكوتين الدخان اهم عندهم من كل ما عداهما في العالم بمن في ذلك ربهم الذي خلقهم. فهم يستطيعون ـ في ظنهم ـ ان يعيشوا بدونه، ولكن ليس بدون الراكيا.

يهدف القرآن من وراء التحريم المطلق للخمر الى منع البدء في تعاطيها، حيث لا يبدو ضارا في حالة احتساء كأس واحدة. فالكأس الواحدة لا تبدو خطيرة في الظاهر يمكن في يوم ما ان تصبح كؤوسا عديدة، ومن المعتاد الا يرى المدمن انه معرض للخطر، وان يقدم ما لا حصر له من الاعذار والحجج لتبرير اعتياده التدخين او احتساء الخمر، في هذا الوقت بصفة خاصة، ومن ذلك كون المدمنين سعداء او تعساء، يعانون من ضغط العمل او في اجازة منه، جماعة او فرادى، مرضى او اصحاء، جوعى او شبعى.

لقد واجهت كرئيس مسؤول هذه المشكلة، فكنت، عندما انبه احد العاملين معي حتى قبل احتسائه الخمر بيوم واحد، كنت اعد معتديا على حقه في ان يعبر عن شخصيته بحرية (واواجه بذلك مشكلة مع مستشار شؤون العاملين). ومع ذلك، كان مستشار شؤون العاملين نفسه يستطيع ان يتأكد في اليوم التالي ان الموظف المعني صار في واقع الامر مدمنا للخمر. ومن ثم، فانه يعد رسميا من هذه اللحظة مريضا بادمان الخمر.

ان من لا يتعاطى الخمر، اذا وجد بين سكارى، سرعان ما يكتشف انه في مكان خطأ، اذ يرى هؤلاء انفسهم ظرفاء ومبدعين وقادرين على التخيل. ولقد استطعت ان اثبت لنفسي عكس ذلك تماما، عندما قمت بعزف مقطوعات موسيقية بذاتها على احدى الآلات النحاسية وتسجيلها ثلاث مرات. وكنت بين المرة والاخرى احتسي كأسين من ويسكي البربون من النوعية المفضلة لدي قبل اسلامي. وكان توقعي: ان عزفي سيكون افضل في كل مرة احتسي قبلها الويسكي، لكن جهاز التسجيل كشف الحقيقة الصاعقة!

شعرت بخجل شديد من سلوك بعض مواطنيّ ونحن على متن احدى طائرات شركة لوفتهانزا، في طريقنا الى جدة. فكنا كلما اقتربنا من السعودية بمناخها الشديد الجفاف، ازداد طلبهم وبالحاح شديد للخمر حتى انهم طلبوا من المضيف اربع زجاجات في وقت واحد ـ كما لو ان المرء يستطيع ان يجتر الخمر بعد ذلك كالجمل، ولقد كان مشهدهم مخزيا، وهم يغادرون الطائرة حاملين في ايديهم شجرة عيد الميلاد مغلفة بالبلاستيك ويترنحون من السكر.

واثبت في هذه الوقائع انه قد لا يكون هناك عائق في طريق انتشار الاسلام في المانيا اقوى من التحريم القرآني للخمر ولحم الخنزير. فلن يتنازل الألماني في بافاريا ولا في كولونيا عن طعامه المفضل من لحم الخنزير، ولا عن خمره المفضل.

وتجد الألماني يتغنى بجمال الفتيات التركيات، وبحق المرء في تعدد الزوجات اذا اراد، ورغبته بالتالي في ان يكون تركيا. ولكنه سرعان ما يعدل عن هذه الرغبة، ويصرخ بأنه لا يريد ان يكون تركيا لان الاتراك لا يشربون الخمر. وما كان يمكن ان يكون مجديا على الاطلاق ان يصير تركيا، وان كان الاتراك يتعاطون الخمر الآن، اذ يعاقب القانون في تركيا حاليا على تعدد الزوجات ولا يعاقب على تعاطي الخمر.

ان المسلم، بتناوله كوبا من الماء او العصير بين اناس يحتسون الخمر، يفسد عليهم بهجتهم، لان ما يفعله ينطوي على عقاب معنوي لهم. لذلك، اصبح من النادر بعد اعتناقي الاسلام ان ندعى، زوجتي وانا، الى حفلات خاصة او الى حفلات رقص، وكأن المرء لا يسعد الا بالخمر، وهكذا، اصبحنا معزولين "منبوذين".

اختلاف البيئة المناخية

كثيرا ما يساق اختلاف البيئة المناخية كحجة ضد التحريم الاسلامي للخمر ولحم الخنزير في مجتمعنا (المجتمع الالماني) بدعوى ان هذا التحريم لا يناسبه مناخيا. وهذه حجة تفتقر الى المنطق، فالحقيقة ان اضرار الخمر في العصر التكنولوجي اكبر بكثير منها في القرن السابع، حيث كان اقصى ما يمكن ان يحدث للمخمور هو ان يسقط من فوق صهوة جواده، او ان يعتدي بالضرب على زوجته واطفاله، او ان يقطع اوتار سيقان الجمل، (كان وقوع حدث شرير من هذا القبيل مناسبة لنزول احدى آيات تحريم الخمر في القرآن).

وما يزال النساء والاطفال يتعرضون اليوم للضرب تحت تأثير الخمر. وكذلك تسقط الطائرات اليوم تحت تأثيره. ولقد تسبب قائد احدى الناقلات البحرية تحت تأثير الخمر في وقوع اسوأ كارثة بيئية حتى الآن. وعلى الرغم من توفر احصاءات عن حوادث الطرق وحوادث المصانع، فانه لا يمكن تقدير الخسائر البشرية والمادية التي تصيب المجتمع الغربي بسبب ادمان الخمر والمخدرات. وفي بعض المستشفيات التركية، تتجاور اقسام علاج الادمان واقسام علاج الامراض العقلية، لما ينطوي عليه ذلك من انذار، ان عاجلا او آجلا، هذا اذا ما دمر العقل قبل ان يتوقف الكبد عن أداء وظائفه.

لقد كنت واحدا من ضحايا حوادث المرور التي تقع تحت تأثير الخمر، ففي نهاية عام دراسي في كلية الاتحاد بشينيكتادي بولاية نيويورك، قمت بجولة في الولايات المتحدة الاميركية "بطريقة الاوتوستوب". (اي ايقاف السيارات والانتقال بها مجانا من موقع الى آخر). وفي اثناء هذه الجولة، تعرضت يوم 28 من يوليو (تموز) عام 1951 لحادث سيئ بالقرب من هول سبرنجز بولاية مسيسيبي، فبينما كنا في طريقنا على الطريق السريع من اتلانتا بولاية جورجيا الى ممفيس في ولاية مسيسيبي، ظهر امامنا ونحن على مقربة من غايتنا شبح. ولا اتذكر شيئا عما حدث بعد ذلك. ولكني علمت في ما بعد ان هذا الشبح لم يكن سوى سيارة اصطدمت بنا، كان سائقها ومرافقه قد احتسيا كميات كبيرة من الخمر في تنيسي، التي تسمح باحتسائه اثناء القيادة، قبل ان يتوجها الى مسيسيبي التي تمنع احتساءه اثناءها.

وكانت خسائرنا اقل فداحة من خسائرهم، لاننا كنا نركب سيارة شيفروليه مصنوعة في عام 1941، اي قبل الحرب، وكانت اشد متانة من السيارة التي كانوا يركبونها وهي شيفروليه من انتاج عام 1943 اي اثناء الحرب.

ولقد تبين لي بوضوح ان ذراعي المصابة الآن، والتي كنت اضعها على وسادة المقعد الخلفية، قد وقتني مما هو اكثر، وكان من الواضح ايضا انني ما كنت لأنجو لو ان قامتي كانت اقصر بمقدار ثمانية سنتيمترات فقط، لانني كنت سأنكفئ في هذه الحالة على انفي وعيني بسرعة حوالي 160 كيلومترا في الساعة. ومع ذلك، كانت خسارتي في هذا الحادث تسع عشرة من اسناني. وبعد انتهاء الجراح من خياطة ذقني وشفتي السفلى، سألني قائلا: انه من الممكن اصلاح وجهي بعد سنوات عن طريق اجراء عملية تجميل، واضاف قائلا: "ان مثل هذا الحادث لا ينجو منه في الواقع احد، وان الله يدخر لك يا عزيزي شيئا خاصا جدا".

ولقد كنت افكر في هذا الامر، وانا اتجول في هول سبرنجز بذراع مربوطة وضمادة تحيط بالذقن وفم مخيط. وكنت افكر في ما أرفه به عن نفسي في يوم عيد ميلادي العشرين. ولكن كل شيء كان يؤلمني.. تناول الطعام او الشراب، او التنزه، او الاجابة عن الاسئلة، واخيرا ذهبت لأقص شعري، فهذا على الاقل لا يؤلم. ولم ادرك المغزى الحقيقي لنجاتي وبقائي على قيد الحياة الا بعد ثلاثين سنة، عندما اشهرت اعتناقي للاسلام.

 

رمضان اختبار صعب لجلد المسلم وقوة احتماله

ما زلنا في رحاب الرحلة الإيمانية التي قادت الدكتور مراد هوفمان السفير الألماني السابق الى اعتناق الإسلام حيث يقول: بعد بضعة أشهر من اعتناقي الاسلام، حل شهر الصيام، شهر رمضان، وهو الشهر التاسع بين أشهر السنة الهجرية. وكنت انتظر حلوله بشيء من القلق والخوف، لأنه اختبار صعب لجلد المسلم وقوة احتماله، يجسد قمة وعيه وصحوته. ففيه ينبغي علي ان امتنع لمدة 29 أو 30 يوما من الفجر الى غروب الشمس عن الطعام والشراب والتدخين ومعاشرة الزوجة، ولكن مع ممارسة عملي كالمعتاد.

عرفت الصيام لأول مرة في عام 1977، على متن احدى طائرات شركة الخطوط الجوية اليوغسلافية JAT المتجهة من بلغراد الى اسطنبول، فلقد لاحظت ان يد جاري في الدرجة الاقتصادية لم تمتد الى الطعام إلا بعد رفع آنية طعام بقية الركاب، وعندما حان موعد الافطار الذي كان يتابعه بالنظر الى ساعته من حين الى آخر. وأثناء اقامتنا في بلغراد، كنا كثيرا ما ندعو رمضاني رمضان، البستاني الذي يرعى حديقتنا، الى طعام الافطار، اذ كان يثير شفقتنا باصراره الشديد على الصيام. فلقد كان يمتنع تماما عن تناول اي طعام عندما يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر. ولقد قمت بصيام اسبوع من قبيل التعاطف معه. ومع ذلك، فان المرء لا يتعلم صيام 30 يوما الا بصومها فعلا.

د. هوفمان: الصوم فرصة لاختبار المرء لنفسه وإذكاء الإحساس الاجتماعي

في بون، كان من بين المهام الموكولة إلي اقامة حفلات عشاء لضيوف اجانب. وكان عدم مشاركتي لهم الطعام يثير حرجا شديدا: فهل اعاني توعكا في معدتي؟ ام ان الطعام الذي طلبته لهم بنفسي لا يرقى الى مستواي؟ وفي مثل هذه المناسبات، كنت اتذكر السهولة التي كان يمكن بها الاعتذار عن عدم تناول العصير او القهوة التركية التي كانت تقدم لي في وزارة الخارجية اليوغسلافية في شهر رمضان. وفي واقع الأمر، فان صيام رمضان لا يصبح مناسبة تسعد المرء على مدار العام كله الا عندما يكون في محيط مسلم، حيث يكون شهرا مشبعا تماما بالروحانيات.. شهر سلام داخلي واخاء.

المكونات المادية والمعنوية لرمضان

يشتمل الصوم في الإسلام، مثل كل العبادات، على مكونات مادية واخرى معنوية، لا ينفصل بعضها عن بعض. ويبدأ الحرمان البدني بامتناع المرء عن تناول قهوة أو شاي الصباح. وينخفض السكر في الدم اثناء النهار، حتى ليكاد المرء يصاب بالإغماء. ويسهل على المرء، من ناحية اخرى، ان يعرف كيف يعمل نظامه البيولوجي. فبالنسبة لي، هناك على سبيل المثال فترتان للنشاط الوفير في النهار، هما الساعة الحادية عشرة والساعة السادسة عشرة بعد الظهر. ولقد استفدت من ذلك على نحو نظامي، حيث وزعت عملي اليومي تبعا له الى: ما ينبغي، وما يجوز، وما يمكن عمله.

وكانت المجموعة الأولى من الأعمال هي ما أقوم بأدائه بقدر الامكان عندما يستفيد ضغط دمي من الذروة البيولوجية المخططة. فكنت احاول ان اقود سيارتي لمسافة 13 كيلومترا في طريقي من مقر قيادة حلف شمال الأطلسي الى مسكننا في أكسيل، وأنا في أوج نشاطي. وكنت أزيد من حذري حتى لا أعرض نفسي أو غيري للخطر. ففي شهر رمضان، تزداد بالفعل حوادث المرور، وبصفة خاصة عندما يحاول أرباب الأسر اللحاق بالافطار في منازلهم. ولقد لقي خمسة من مواطنينا من ألمانيا الشرقية سابقا حتفهم بالقرب من القنيطرة يوم 25 من فبراير (شباط) عام 1993، ثالث أيام شهر الصوم، عندما حاول سائق سيارة نقل ان يتجاوز الحافلة التي يستقلونها، فصدمها، فانقلبت بهم. وارجع الحادث الى ضعف تركيز قائد السيارة بسبب الصيام.

واليوم الثالث من أيام الصوم يوم عصيب، يكون فيه المرء في أسوأ حالاته، ويصاب بصداع شديد تزداد حدته اذا ما استلقى ليسترخي. ومع ذلك، يبدأ الجسد بقدرته الهائلة على التكيف في التأقلم منذ هذه اللحظة مع المعطيات الجديدة، فتخف حدة الصداع والاحساس بالجوع، ويستطيع المرء ان يرى من يتناول الطعام دون ان يحسده. ومع انني كثيرا ما اشعر في المساء بانني نقصت، ولا استطيع القراءة، واجلس امام شاشة التلفزيون بلا ارادة، فانني لا اشعر برغبة في الطعام وبخاصة اللحوم.

مدفع الإفطار

ويستطرد هوفمان حديثه عن صيام شهر رمضان المبارك قائلا: يعلن عن نهاية يوم الصوم في العالم الإسلامي باطلاق مدفع، وعندئذ يتناول المرء بعضا من الماء أو من العصير. وعددا فرديا من ثمرات التمر او الزيتون، ثم يؤدي صلاة المغرب شاكرا لله أن اعانه على صيام اليوم. ويبدأ تناول وجبة الافطار في كل من الجزائر والمغرب بتناول شاي بالنعناع الأخضر، وحساء داكن اللون هو شوربة الفريك الجزائرية، والحريرة المغربية التي يختلف مذاقها الى حد ما من منزل الى آخر، الى جانب بيضة مسلوقة وتمر وتمر بالعسل، الذي كان طعام الرسول صلى الله عليه وسلم المفضل. وسرعان ما ينتعش الجسد مرة أخرى. وبعد فترة توقف قصيرة، يتناول المرء وجبة كاملة من اللحوم، وفي المغرب من الدجاج، ولحم الضأن المشوي، والكسكسي باللحم البقري، وحلوى وفواكه. وكان كل ذلك يتم للأسف بسرعة حتى انني اعود الى منزلي في الساعة التاسعة مساءً من دعوات للافطار في الساعة السابعة والنصف مساءً.

يختلف مفهومي عن رمضان، المبني على اتباعي للسنة، عن الكيفية التي يمارس بها في بعض البلدان الإسلامية، ومن بينها المغرب. فالناس هناك يميلون الى ان يعوضوا في الليل ما فاتهم في النهار، فيشاهدون التلفزيون، ويلعبون الورق (الكوتشينة) حتى منتصف الليل، حيث يتناولون وجبة ثالثة (السحور). ومن ثم، لا يأخذ كثيرون من الجزائريين والمغاربة قسطا كافيا من النوم، بل انهم لا يتمتعون في الساعات القليلة التي يخلدون فيها الى النوم بنوم مريح من فرط اتخام معداتهم بالطعام. ويترتب على ذلك، انهم لا يلحقون بصلاة الفجر، وبصفة خاصة في رمضان. ولا يفيدون بشيء في ضحى اليوم التالي. ومن شأن هذا أن ينمي الاتجاه الغريب نحو استبدال الليل بالنهار في رمضان.

وفي واقع الأمر، يرتفع كثيرا استهلاك الأغذية في هذه البلدان في رمضان، بدلا من ان ينخفض. أما ما ينخفض بالتأكيد، فهو انتاجية العمل. ويؤثر رمضان على الانتاج القومي في هذه البلدان، كما لو كان فترة اجازة ثانية. أما ما أراه عبثا، فكان دعوتي من قبل شخصيات رفيعة المستوى الى تناول طعام الافطار باستخدام أدوات مائدة مصنوعة من الذهب، وكذا أن يبدأ المسلم تناول الطعام بقول: "Bon Appetit"، أي "شهية طيبة"، بدلا من قول "بسم الله" على طبق طعامه المليء بخيرات البحر، وقبل ان يؤدي صلاة المغرب. ولقد بدا لي دائما انه من غير المنطقي ان يصوم من لا يصلي. ولكن هذا السلوك يكشف عن حقيقة ان صوم رمضان اصبح يمارس في اقسام من عالم المسلمين على نحو يجرده من مغزاه الديني، ويجعله جزءا متحررا من المدنية. وهذا يفسر ايضا السلوك الغريب من جانب بعض المسلمين اذ يمتنعون عن تناول الخمور في شهر رمضان، باعتباره شهر اسلام مقابل احد عشر شهرا للراحة من الإسلام!

السحور وقرآن الفجر

يمضي يومي في رمضان في الفترة بين عاميّ 1987 الى 1994 على نحو مختلف تماما. فأنا آوي الى فراشي بعد صلاة العشاء، أي حوالي الساعة الحادية عشرة، وأضبط المنبه على الساعة الثالثة والنصف او الرابعة صباحا، لاستيقظ قبل بداية الصوم بنحو 40 دقيقة كي اتناول، قبل انطلاق مدفع الامساك، طعام السحور واشرب كثيرا من الماء. وبعد ذلك، اقضي ما تبقى من وقت حتى الفجر في قراءة القرآن. وبعد صلاة الفجر، أنام ساعتين. وكان العمل في سفارتي يبدأ متأخرا ساعة عن المعتاد. وكنت أنجز بالفعل أكثر مما أنجز في الأيام العادية، خاصة أن العمل يشغل عن الاحساس بالمعدة الخالية. وكنت في رمضان أجلس في مآدب غداء العمل الدورية التي يقيمها زملائي من البلدان أعضاء الاتحاد الأوروبي وأمامي طبق خال. وكان زميلي الفرنسي في الرباط مسيو دي كونياك يشاركني سلوكي "تضامناً" منه مع ابناء البلد المضيف، كما كان يقول، وهذا مما يعد تصرفاً سياسياً بارعاً.

الدروس الحسنية

ويقول هوفمان: كان يوم عملي في رمضان ينتهي عادة بحضور دروس دينية "درس الحسنية" في القصر الملكي بالرباط. وكانت الحكومة المغربية باكملها، وهيئة الأركان العامة، وعلماء المسلمين، وسفراء الدول الاسلامية، يجتمعون يوميا، ابتداء من الساعة الخامسة بعد الظهر في القصر الملكي المغربي. وكنا نستمع الى تلاوة قرآنية الى ان يصل العاهل المغربي الملك الراحل الحسن الثاني والأمراء. وكان من يلقون الدروس محاضرين مدعوين من جميع أنحاء العالم الاسلامي، من بينهم مسلمون اميركيون، واعلام كالشيخ محمد سيد طنطاوي من القاهرة شيخ الأزهر الحالي، وكانوا يجلسون على المنبر التقليدي، بينما يجلس الملك الحسن الثاني مثلنا جميعا عند أقدامهم في مربع حولهم.

كنت أنا وزملائي المسلمون نتناوب الدعوة الى طعام الافطار حوالي الساعة السابعة مساء. وعندما كان دوري يحين، كان بهو مقر اقامتي في سويسي الواقع بين غرفة الاستقبال (الصالون) وغرفة الطعام يتحول الى مسجد، حيث كانت ارضه تغطي بسجاجيد صلاة. ولقد صارت العلاقات والصلات التي اقمتها في هذه المناسبات مع بعض من اعضاء الحكومة ومن مستشاري الملك الراحل الحسن الثاني ذات طبيعة دائمة وقوية بمرور الوقت. ومن المعتاد، ان أفقد بانقضاء شهر الصوم ما يتراوح بين 8 ـ 5 كيلوجرامات من وزني. وبتعبير أدق: فانني اقترب من وزني المثالي.

حركات تجويع بهلوانية

ينطوي الصوم، الى جانب بعده المادي، على بعد روحاني يصير بدونه مجرد حركات تجويع بهلوانية. وشهر رمضان شهر معظم، لما له من أهمية في تاريخ العالم. فلم يشهد رمضان موقعة بدر (عام 622م) ذات الأثر الحاسم في بقاء وتثبيت المسلمين الأوائل فحسب، وانما الأكثر أهمية من ذلك أن به ليلة القدر التي بدأ فيها نزول الوحي بالقرآن. وعن هذه الليلة أحادية الرقم التي تقع بين الليالي الأخيرة من رمضان، يقول الله في السورة 97: بسم الله الرحمن الرحيم "إنَّا أنزلناه في ليلة القَدْر @ وما أدراك ما ليلةُ القدْر @ ليلةُ القدْر خير من ألف شهر @ تنزَّل الملائكةُ والرُّوح فيها بإذن ربهم من كل أمر @ سلام هي حتى مطلع الفجر". هذا نص يصلح للتأويل والتفكر.

لقد جرت العادة على اعتبار ليلة السابع والعشرين من رمضان ليلة القدر. وتشترك ليلة القدر مع ليلة عيد الميلاد، وان يكن عن بعد، في ان المرء يهدي فيها (إخراج زكاة الفطر). كما تقام فيها ـ كغيرها من ليالي رمضان ـ صلاة التراويح، وتكثر تلاوة القرآن والتواشيح والأدعية. ومن ثم، فما لم يدرك المرء في هذه الليلة مغزى الرسالة والوحي، فمتى عساه يدركه؟!

وصوم رمضان، فرض على المسلمين. وهم يعتبرونه عبادة، باعتباره احد أركان الاسلام الخمسة التي لا تحتاج الى تبرير مقنع. فالمسلم، بوصفه عبدا لربه، يصوم لأنه أمره بالصوم. فالطاعة هنا واجبة. ويستطيع المرء ان يكتشف بسهولة ان هذا الفرض لم يفرض لله، وانما فرض من الله للناس.

منذ ان عادت رشاقة القوام لتصبح زيا سائدا (موضة)، راح النساء يتبعن نظما للتغذية تذكر بالصوم، كما يمكن ان تؤدي الى نحافة مرضية. ومع كثرة الحديث في الآونة الأخيرة عن اضرار الكوليسترول والوزن الزائد، ظهرت عروض مختلفة لبرامج التخسيس او انقاص الوزن.

إذكاء الإحساس الاجتماعي

ومن ناحية الصوم الاسلامي، فانه يفي بهذا الغرض وزيادة. فهو يؤدي، على سبيل المثال، الى اذكاء الاحساس الاجتماعي حيث يشعر الصائم مرة واحدة على الأقل في السنة بما يشعر به من يرغم على الصوم في العام كله، بسبب ما يعانيه من شح في الغذاء او المال.

وبالنسبة لي، لعل اهم اثر جانبي لصوم رمضان فيّ، انني استطيع ـ في رمضان ـ ان اختبر ما اذا كنت ما أزال سيد نفسي أم انني صرت عبدا لعادات تافهة، وما اذا كنت ما ازال قادرا على التحكم في نفسي ام لا. واتمنى ان يكون فرحا وليس غرورا ذلك الذي اشعر به بعد انتهاء آخر أيام رمضان، اي عند صلاة المغرب، من أنني استطعت بعون الله ان اصومه.

 

اختلاف رؤية هلال رمضان يعرض المسلمين لسخرية البعض

استوقفت المفكر الاسلامي الدكتور مراد هوفمان السفير الالماني السابق في رحلته الايمانية التي قادته الى اعتناق الاسلام في مطلع الثمانينات، ظاهرة اختلاف رؤية هلال رمضان التي تتجدد كل عام في العالم الاسلامي، على الرغم من المؤتمرات والندوات التي تشير بياناتها الختامية الى ضرورة توحيد رؤية هلال رمضان في البلاد الاسلامية.

ويقول هوفمان متسائلاً: من ذا الذي يستطيع ان يقول لي بثقة متى يبدأ رمضان؟ ومتى ينتهي؟ وقد يقول المرء ان تحديد متى واين يظهر الهلال الجديد امر فلكي يقين في ايامنا هذه. وهو بالفعل كذلك. ومع ذلك، فمن المخزي ان يظل مسلمو هذا الارض مختلفين في ايام بدء وانتهاء صومهم، تبعاً لكونهم اتراكاً او مغاربة او مصريين. وهذا امر من شأنه ان يضر بالصوم كحدث اجتماعي، وان يعرض المسلمين لسخرية البعض.

 

د. هوفمان: اليس من الممكن توحيد مواعيد شهر الصوم في العالم الاسلامي بناء على الحسابات الفلكية بالقياس الى مكة؟

يرجع الدكتور مراد هوفمان اختلاف رؤية هلال رمضان في البلاد الاسلامية الى سببين: أولهما، ان الأمة مجزأة الى دول قومية، ولا يكفي التركي او المغربي ان يعرف ان رؤية الهلال ثبت في مكة، اذ لا بد بالنسبة لكل منهما ان تثبت رؤيته في قونية او فاس. ويترتب على ذلك اختلاف في تحديد يوم بداية ونهاية شهر رمضان، لأن الترتيب الوضعي بين الشمس والأرض والقمر يختلف في كل بقعة من الأرض عنه في غيرها. ويتباين الاختلاف في موعد ظهور القمر في يومين متتاليين عن الاختلاف فيهما في موعد شروق الشمس، فيبلغ دقيقتين في شروق الشمس، بينما يبلغ خمس عشرة دقيقة في ظهور القمر.

أما السبب الثاني، فيدركه المرء على نحو أفضل. فلقد جرت العادة في عصور الاسلام الأولى على ان تثبت رؤية الهلال بالعين المجردة، وليس بالحسابات الفلكية او بالتنبؤات، وهو ما لم يمثل في ما مضى ولا يمثل اليوم أي مشكلة، بفضل الظروف المناخية في شبه الجزيرة العربية. واستنادا الى ذلك، يرى بعض الفقهاء المتشددين أن رؤية هلال رمضان بالعين المجردة من شخص موثوق به تقليد ضروري لا غنى عنه، وان الحسابات الفلكية غير كافية في هذا الشأن. ويعادل رفض التواريخ الفلكية عدم الأخذ في قانون العقوبات بدليل مبني على اساس غير قانوني.

الإجراءات الموروثة

ويتمسك المتشددون بالاجراءات الموروثة لتحديد بداية الشهر القمري، حتى وان حالت الظروف المناخية دون رؤية الهلال الذي يكون موجودا بالفعل. ويمكن ان يترتب على ذلك، كما حدث في عام 1994، ان يفطر المرء في المغرب متأخرا يومين عنه في السعودية. وعندما نقلت الاحتفالات بعيد الفطر في مكة، عبر وسائل الاعلام، في ثاني ايام الصوم الزائدة في المغرب عنها في السعودية، رأى بعض البسطاء في المغرب ان هذا الاختلاف أمر مخز ومشين! أليس من الممكن حقا ان توحد مواعيد شهر الصوم في انحاء العالم الاسلامي كافة بناء على الحسابات الفلكية بالقياس الى مكة، أسوة بما هو متبع في حالة تحديد مواقيت الحج، ومن ثم أيضا عيد الأضحى؟!

وعندما يتناول المرء يوم عيد الفطر أول قدح من القهوة في أول افطار منذ 29 أو 30 يوما، يشعر بألذ مذاق. وعند صلاة العيد في المسجد لا يلتقي المرء الا بأناس تشع منهم اشراقة داخلية. ولعل مما يبدو غريبا وان كان حقيقة ان يشعر المرء بالجوع عند الظهر لأنه تناول طعام الافطار، بينما ينسى طعام الغذاء في رمضان على الرغم من انه لم يتناول طعام الافطار. وهكذا تعود الأيام سيرتها الأولى.

زر رمضان

انني احتفظ لنفسي بما أسميه "زر رمضان". فعندما تكون هناك ضرورة بين الحين والآخر على مدار العام لترك وجبة او وجبتي طعام، اضغط ذهنيا على هذا الزر الذي يعيدني نفسيا الى رمضان بنفس الوضع ونفس الشعور. وسرعان ما احتمل جوعي، ولا اعيره اهتماما. وانني اترقب رمضان المقبل بسعادة غامرة، حتى وان لم يصدقني في ذلك احد.

مع مسلمين حول مائدة الطعام

ويذهب هوفمان الى انه اذا كنا قد تحدثنا في ما سبق عن الصوم أو الامتناع عن تناول الطعام، فلقد آن لنا ان نؤكد ان المسلمين لا يأكلون فقط، وانما يحق لهم ان يأكلوا باستمتاع وتلذذ كل ما هو صحي، وهذا يعني كل شيء ما عدا لحم الخنزير (والخنزيرالبري أيضا)، والميتة ومنتجات الدم مثل السجق المصنوع من الدم، ومشتقات الخنزير كالحلوى التي يدخل شحم الخنزير في صناعتها، وكذا الحلوى التي تحتوي على خمور.

ومن الخطأ تصور ان تحريم القرآن لتناول لحم الخنزير انما يعود الى اسباب مناخية فقط، او الى عدم القدرة على التعامل مع الدودة الشريطية في القرن السابع الميلادي. فنحن نعلم اليوم ان تناول لحم الخنزير يؤدي الى الاصابة بسرطان الامعاء وبالتهاب المفاصل، وبالاكزيما والدمامل والى ارتفاع نسبة الكوليسترول في الدم والى الاصابة بحمى القراص بسبب ارتفاع نسبة الهستامين.

ان تناول الطعام جلوسا على الأرض حول قطعة من الجلد دائرية او مربعة او بيضاوية الشكل، وليس على منضدة لا يقتصر فقط على البدو المرتحلين في الصحراء، وانما يمارسه ايضا بعض اخوتي المؤمنين في ألمانيا. فنحن عندما نتناول طعامنا على سبيل المثال في دار الاسلام في ليتسيل باخ في أودن فالد، نعد قطعة مماثلة من الجلد في قاعة الاجتماعات والصلاة، ونجلس او نستلقي عليها مثلما كان الاغريق الأقدمون يفعلون، وان يكن بدون نبيذهم. وهكذا يفعل بعض المسلمين في الغرب تقليدا، ولو في بعض الشكليات غير المهمة، للرجل الذي يدينون له بالكثير من الفضل... محمد صلى الله عليه وسلم. وتنطوي قطعة الجلد المشار اليها على معنى رمزي. فهي تذكرنا باننا جميعا بدو مرتحلون دائما على طريق عودتنا الى الله.

سلوك عملي

هذا السلوك في واقع الأمر سلوك عملي، اذ ان حمل ونقل هذه القطعة من الجلد أيسر كثيرا من تحريك منضدة في مسكن، او من شحنها في سيارة. وهكذا يمكن استغلال المكان الذي يتناول فيه المرء الطعام على رقعة (قطعة) الجلد في اغراض متعددة. ولكن ينبغي ملاحظة انه قليلا ما يتناول المرء الطعام واقفا أو جالسا القرفصاء او مستلقيا بما يضغط على المعدة. فالجلسة الصحية تكون بمد الساقين ناحية اليمين، مع الاتكاء على الذراع الأيسر. ومن ثم تبقى اليد اليمنى طليقة لتناول الطعام بها.

هناك، مع ذلك، في العالم العربي أيضا من يتناول الطعام واقفا كما هو الحال في تناول الطعام في محلات الوجبات السريعة في اوروبا واميركا. وفي الجزائر، جرت العادة على ان يتناول الناس شاة مشوية وهم وقوف حول منضدة الطعام، حيث يمكن ان تلتهب اصابع يد من يبدأ بقطع اللحم، الذي يؤكل معه خبز وبصل وملح وكمون. أما في بقية البلدان العربية من المغرب الى السعودية، فيأكل الناس الشياة المشوية وهم جلوس.

تعد التغذية السليمة، من اجل الحفاظ على سلامة الجسم، لصالح المرء نفسه ولصالح اهله، في المنظور الاسلامي فرضا، ومن ثم عبادة. لذلك يبدأ المسلم تناول طعامه بالبسملة، اي: بسم الله الرحمن الرحيم، وينهيه بالحمد، أي الحمد لله. وبما ان تناول الطعام عبادة، فان المسلم لا يقطع تناوله للطعام عندما ينادي المؤذن لعبادة اخرى، هي الصلاة، طالما كان هناك متسع من الوقت لادائها.

ولأن تناول الطعام عبادة، يحرص المرء على الا يسرف فيه، وعلى ألا يتناول منه ما يزيد على حاجته، وعلى ان يتوقف عنه على الرغم من شعوره بأنه يستطيع ان يستمر فيه، وعلى ألا يشبع حتى الامتلاء. وقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى: "وكلوا واشربوا ولا تسرفوا" (الاعراف: 31).

ومن المفروض ان يتوقع المرء ان يأتيه ضيوف فجأة، ولذلك ينبغي اعداد طعام يكفي لعدد اكبر من عدد الموجودين بالفعل. وتقضي التقاليد الاسلامية في مثل هذه الحالات، بان طعاما لفردين يكفي لثلاثة أفراد، وان طعاما لثلاثة أفراد يكفي أيضا لخمسة. لذلك لا يجد المرء في بلاد المسلمين حرجا في ان يزور احدا في وقت تناول الطعام، أي كما يقول الاميركيون جرب "حظك مع القدر".

الضيف المفاجئ

من كان مثلي وزوجتي، مضيفا رسميا في العالم الاسلامي يعرف ان المرء لا يستطيع ان يتوقع بدقة عدد من سيأتيه من ضيوف على مائدة العشاء فمن المحتمل ان يتخلف عدد غير قليل من المدعوين عن الحضور، بعد ان يكونوا قد اكدوا انهم سيحضرون. ومن المحتمل ايضا ان يحضر عدد من الضيوف يزيد كثيرا عن عدد الذين وجهت اليهم الدعوة مما قد يسبب حرجا للمضيف وللضيوف على السواء.

بسبب مثل هذه المواقف التي تساهم في اظهار العربي في صورة المهمل، كنا نتجنب بقدر المستطاع توجيه دعوة الى تناول طعام العشاء جلوسا حول منضدة، وفق ترتيب معين الى نحو 24 شخصا. وبدلا من ذلك، كنا نفضل ان ندعو الى تناول طعام العشاء في بوفيه مفتوح يصل الى 85 مدعوا ينتشرون على كثير من المناضد صغيرة الحجم موزعة بدون ترتيب تقريبا.

لذلك، يعزى تخلف ضيف عربي عن تلبية دعوة الى تناول طعام العشاء، على الرغم من التأكيد المسبق بالحضور، الى اسباب كثيرة غير العقبات المرتبطة بالعمل. ومن ذلك على سبيل المثال ان يكون قد استقبل ضيوفا على نحو مفاجئ، او ان تصر زوجته على ان ليس لديها ما ترتديه من الثياب. الا ان ما اصابني بدهشة الجمت لساني، كان اعتذار ضيف شرف مغربي عن عدم حضور حفل عشاء اقمته على شرفه، لأنه لم يكن يشعر بجوع. وكان هذا فيما اعتقد اصدق أسباب الاعتذار.

التفاخر والمباهاة

ولقد كنت انا وزوجتي نلبي جميع الدعوات التي توجه الينا، سواء أكانت دعوة من وزير أم من سائق سيارتي، أم دعوة من اميرة أم من خادمتنا. وهكذا أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم الذي كان يلبي حتى دعوات العبيد، ولم يجز رفض الدعوة إلا لسببين، وهما ان تؤدي الدعوة الى استدانة الداعي، او ان تكون لغرض التفاخر والمباهاة. ولذلك، لم اشعر بحرج لرفض دعوات كثيرة وجهت لي لحضور حفلات زفاف، لعلمي ان والد العروس يبغي المباهاة بحضوري كسفير.

 

"الإتيكيت" الاسلامي في الطعام يختلف تماما عن "الإتيكيت" الغربي.

يختتم المفكر الاسلامي الدكتور مراد هوفمان السفير الالماني السابق حديثه عن رحلته الايمانية التي اوصلته الى بر الامان باعتناقه الاسلام. وبعد ان توقفنا معه طويلا في محطة من المحطات المهمة في هذه الرحلة في حلقة الامس، حيث تحدث عن الاجواء الروحانية التي يعيشها المسلم في مشارق الارض ومغاربها خلال شهر رمضان المبارك، الذي هو شهر التوبة والغفران بمعنى انه شهر خلاص المسلم من الآثام والذنوب وأمل المسلم في المغفرة والرحمة. ينقلنا اليوم بحديثه عن آداب الطعام عند المسلمين الى جو آخر وعالم مختلف.

ويتحدث الدكتور هوفمان في هذه الحلقة عن كيفية تنظيم الاسلام لنواحي الحياة كافة، مستعرضا الملامح العامة التي تشكل آداب الطعام عند المسلمين اي "الاتيكيت" الاسلامي في الطعام الذي يختلف اختلافا كليا عن "الاتيكيت" الغربي في الطعام، مشيرا الى آداب وتقاليد كل منهما في مقارنة سريعة.

د. هوفمان: آداب الطعام في المغرب لها تقاليد راسخة وطقوس جميلة.

< يقول الدكتور هوفمان مثلما ينظم الاسلام نواحي الحياة كافة، فانه كذلك ينظم آداب الطعام، وهي ما نسميه "إتيكيت". والكثير من هذه الآداب مألوف لنا، لأنها آداب معروفة على نطاق العالم كله، بينما بعضها الآخر خاص بالمسلمين وحدهم، اهتداء بسلوكيات أتاها الرسول صلى الله عليه وسلم فعلا، او تنفيذا لتوصيات أوصى بها.

ففي بعض البيوت العربية، يستقبل الضيف بالتمور، ويساعده المضيف على خلع معطفه، ولا يتخذ مكانه في صدارة المجلس ما لم يصر المضيف على ذلك. وقبل تقديم الطعام، يتيح المضيف لضيوفه ان يغسلوا أيديهم، لأن المرء في نهاية الأمر يأكل بيده. ويحول بعض المضيفين، وبصفة خاصة في المغرب، الأمر الى طقوس جميلة وتقاليد راسخة، حيث يلتف الجميع حول حوض عليه صابون، بينما يصب الماء للضيوف شخص غالبا ما يكون هو المضيف نفسه. ويتكرر ذلك مرة اخرى بعد ان ينتهي الضيوف من تناول الطعام. ويقوم المضيف بتعطير يدي الضيف عند انصرافه بماء الورد او ماء البرتقال.

وينظف بعض المسلمين اسنانهم بالسواك، بعد الانتهاء من تناول الطعام. والسواك غصن صغير (سمكه حوالي 15 مم) من خشب لين تماما. ولدي أنا أيضا سواك حصلت عليه من المدينة المنورة، وميزته ان استخدامه لا يحتاج الى ماء ولا الى معجون أسنان.

لكي يستطيع المرء ان يتناول طعامه بيده، يجري تجزئة الطعام الى قطع صغيرة تغني عن الحاجة الى السكين. ومع ذلك، تقدم اليوم أدوات المائدة كاملة، ولا يقتصر الأمر على تقديم ملعقة الحساء فقط. ولا تسمح التقاليد باستخدام أدوات مائدة مصنوعة من الفضة، لا لكونها من مادة صنع النقود فحسب، وانما لأن ادوات المائدة الفضية ترف غير اسلامي بالنسبة لهم (وهو ما ينبغي ان يذكر به المرء بصفة دورية في مقار السفارات الاسلامية).

آداب الطعام

ويضيف السفير هوفمان قائلا: عندما يقدم الطعام، يأكل المرء مما يليه مباشرة من لحم او حلوى او فاكهة. ويهتم المضيف والجالسون بجوار المرء عادة بان يجد بطبقه كل ما لذ وطاب. وكثيرا ما يملأ لي البعض طبقي بما لذ وطاب دون اكتراث بمعارضتي الشديدة. ويخدم المرء نفسه ويأكل بثلاثة من اصابع يده اليمنى، هي الابهام والسبابة والوسطى، لأن الأكل باصبعين أمر عسير جدا، والأكل بكل اصابع اليد نهم مستهجن. واذا لم يستسغ المرء نوعا من الطعام فله ان يتركه جانبا ولا يأكل منه، وكان محمد صلى الله عليه وسلم نفسه يفعل ذلك، اذ كان لا يستسيغ الطعام الذي يحتوي على كثير من الثوم. ومن ناحيتي، فانني للأسف لا استسيغ طعم الكمون. ومرد الأسف هنا ان لهذا الصنف من التوابل دورا كبيرا في الشرق كله.

من اليسير على المرء ان يترك صنفا من الطعام دون ان يتناوله، عندما تقدم الوجبة باكملها ـ من المشهيات الى الحلوى ـ دفعة واحدة. ولقد خبرت ذلك، عندما دعاني الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الامارات العربية المتحدة الى تناول طعام الغداء معه، حيث كانت المائدة تبدو وكأنها تقوست تحت تأثير ثقل ما تحمل من طعام. وهو نفس ما حدث عندما كنت ضيفا على طعام الغداء يوم عيد الأضحى، على مائدة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود بمنى. ومن طبيعتي ان افقد شهيتي للطعام تماما عندما أرى أمامي ثمار الموز او الحلوى (تورتة بالكريمة) بجوار كبد مشوي او دجاجة محشوة بالنقل (المكسرات) وريش ضأن مشوي. لذلك، لم اتناول في منى سوى بضع ثمرات وقطعة خبز وثمرة موز، وانحنيت نحو الملك المضيف وانصرفت.

وتبعا لآداب الطعام عندنا في الغرب، يعد الانصراف فور الانتهاء من تناول الطعام اهانة بالغة، حيث اننا نشأنا منذ الطفولة على ألا ننصرف من حول مائدة الطعام قبل ان يأذن لنا الأم والأب. ولكن الأمر يختلف تماما حسب "الاتيكيت" الإسلامي، حيث يبدأ المضيف المسلم تناول الطعام (قبل ضيوفه ليثبت لهم سلامة الطعام وعدم خطورته) وآخر من يتوقف عن تناوله. وهكذا يبقى المضيف، حتى وان كان ملكا، آخر من يجلس بمفرده الى مائدته. ومن ثم، فقد كان سلوكي سليما.

وربما يستطيع المرء ان يعترض بأنني كنت استطيع على الأقل ان اجري في منى حوارا طيبا حول مائدة الغداء دون ان اتناول كثيرا من الطعام. حسنا! ولكن هذا ليس من الاسلام في شيء. فالمرء كضيف في بيت مسلم يستفيض في تجاذب اطراف الحديث قبل تناول الطعام، ويتحدث قليلا جدا اثناء تناوله، وينصرف بعد الانتهاء منه بقليل. ومن شأن هذا النظام ان يعطي للمضيف فرصة لتحديد طول الفترة التي يبقى فيها ضيوفه عنده.

اذا كنت قد تحدثت عن موائد عامرة باصناف وكميات الطعام، حتى لتكاد تتقوس من ثقله، فانني لم اقصد بذلك ان الاسراف، وفي المقام الأول القاء الطعام في اناء الفضلات، يمكن ان يكون سلوكا إسلاميا. بل انه على العكس من ذلك تماما. فالمضيفون المسلمون من دبي حتى مراكش يعتبرون ان من واجبهم اكرام الضيف وتدليله. وعلى أي حال، فهناك، خلف الكواليس، جيش كامل من العاملين ومن الفقراء مستعد لتلقي ما يتبقى من الطعام.

تمثل الحفاوة البالغة بالضيف في الشرق مشكلة لمن يزوره من الرسميين الألمان، لأن اللوائح المالية لجمهورية ألمانيا الاتحادية الغنية لا تسمح لممثليها ـ سواء كان رئيسا اتحاديا أو وزيرا أو مندوبا ـ ان يرد المعاملة بالمثل. ولا يعود ذلك فقط الى رقابة ديوان المحاسبات الاتحادي علينا، وانما هو ايضا نتاج لعملية وئيدة الخطى للتحول الى اقاليم، ولاشاعة البيروقراطية، وللفرز البروليتاري على نحو افقدنا القدرة على ان نحتفل وان نستضيف بكرم وحفاوة واناقة.

ولقد قدم المغرب، باستضافته مندوبي عالم المال بأكمله في مؤتمر الجات بمراكش في ابريل (نيسان) عام 1994، المثل على مدى اهمية كرم الضيافة في التقاليد الاسلامية. ولقد انصرف بعض المندوبين الغربيين، يسيطر عليهم شعور بالخزي، من ضيافة الأمير محمد ولي العهد المغربي الذي استضافهم استضافة ملوك في خيمة تغطي أرضيتها بسط فاخرة، قدمت لهم أثناءها ألعاب نارية.

المطبخ الإسلامي

بعد وصف الكيفية التي يجري بها تناول الطعام في العالم الاسلامي، يأتي الآن عرض للأطعمة التي يتناولها الناس هناك. والمطبخ الاسلامي، مثله مثل الفن الإسلامي، يتعرف عليه المرء للوهلة الأولى على الرغم من تنوعه الشديد. ويرجع هذا التنوع الشديد الى ان كل مجموعة قومية، من موريتانيا حتى بلوخستان، لها وجباتها القومية الخاصة بها، والتي تساهم بها في هذا المطبخ. وفي موسم الحج، تتحول مكة الى بوتقة يتحقق فيها انصهار مثالي لمطبخ إسلامي. ويتمثل القاسم المشترك في هذا المطبخ في سيطرة المطبخ التركي الذي يعد، الى جانب المطبخين الصيني والفرنسي، أحد أشهر وأشهى ثلاثة مطابخ في العالم. ويمكن للمرء في الواقع ان يحدد درجة تأثر المطابخ القومية المختلفة، كالمطبخ المصري والسوري واللبناني، بالمطبخ التركي.

وتشترك كل هذه المطابخ في كونها مثالا جيدا للعادة التركية المتمثلة في بدء تناول الطعام بتناول عدد لا حصر له من "المشهيات" (المزة) سهلة الهضم، الباردة او الدافئة، كالخضراوات والسلاطة والفواكه والبطيخ والكبد، المخ، والزبادي، وورق العنب المحشو وفاصوليا حمراء وسلاطة خيار... الخ. ولقد تبينت زوجتي اثناء جمعها وصفات (الاطعمة كثيفة العمل اليدوي) ان المشهيات تزيد على الوجبات الرئيسية في العالم الاسلامي بصفة عامة.

لقد جرت العادة في بلاد الخلفاء والسلاطين والأمراء ان يقدم الطعام في تتابع يأتي الحساء في نهايته، ويجري تناول قدح من شربات الفواكه بين الوجبات الرئيسية المكونة من السمك واللحم. ولكن الأمر يختلف عن ذلك في العالم العربي اليوم، اذ يهاجم المرء الضيف بأطباق متوالية من اللحم ظنا من المضيف ان طعامه يخلو عادة من اللحم.

يعلم الجميع ان الاسلام ليس دينا نباتيا. ولكن ربما لا يعلم الا القليلون من غير المسلمين انه محرم على المسلمين ان يأكلوا لحم الحيوانات التي لم تذبح وفق الشريعة الإسلامية. فوفقا للشريعة الاسلامية يذبح الحيوان راقدا وبسكين حادة جدا. ولتجنيب الحيوان الاحساس بآلام نفسية، لا بد من ان يغذى تغذية جيدة الى ان يحين موعد ذبحه، وألا يتعرض لمشاهدة حيوان آخر وهو يذبح، وألا يشاهد حتى السكين وهو يشحذ. بل ان من آداب الذبح في الاسلام، ان يخفي الجزار السكين خلف ظهره، وهو مقبل على الحيوان لذبحه. والجزار المدرب يقطع الحلق والمريء وشرايين الرقبة بضربة سكين واحدة، حتى يغيب الحيوان عن الوعي مرة واحدة، فينزف دمه تماما، ويسلم الروح بدون ألم.

أمر يدعو إلى السخرية

وبالنظر الى كل ذلك، يسمح للجماعة اليهودية في ألمانيا ان تذبح ذبائحها وفق الشريعة اليهودية، بينما يمنع المسلمون من هذا الحق، وهو امر يدعو الى السخرية. وفي شأن ذلك، يقول القرآن: "... فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم" (سورة الانعام: الآية 145). وتستنتج السلطات الألمانية من ذلك نتيجة "منطقية"، مؤداها انها اذا منعت المسلمين من ان يذبحوا ذبائحهم وفق شريعتهم، فسوف يضطرون الى اكل لحوم حيوانات لم تذبح وفقا لها. ولكن هذا التصور ينطوي على خطأ فادح في الحساب، لان اضطرار المسلم الذي ورد ذكره في القرآن ينطوي على محاولته درء خطر موت يتهدده جوعا. ومن ثم، فالمسلم في ألمانيا مضطر إما الى الاستغناء عن اللحوم بالأطعمة النباتية، وإما الى شراء اللحم من الجزارين اليهود.

يحذر القرآن من تحريم ما احله الله للناس من طعام: "قل من حرَّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نُفصِّل الآيات لقوم يعلمون" (سورة الأعراف ـ الآية 32). ومن ثم فانه يحث على تناول مواد غذائية بعينها، كاللبن والتمر والزيوت النباتية والأعناب والعسل الذي وصفه بأنه دواء "فيه شفاء للناس" (سورة النحل ـ الآية 69). ولذلك يضعه المرء في جميع الحلويات تقريبا في العالم الاسلامي، كالبقلاوة على سبيل المثال.

يمكنني ان اذكر على وجه السرعة وجباتي المفضلة في العالم الاسلامي. ففي المناطق الحارة، يحتاج المرء الى تناول الكثير من المشروبات التي تصل كمياتها الى 7 لترات يوميا، وبصفة خاصة اذا كان المرء يعيش منذ عشرين عاما باحدى كليتيه فقط. لذلك، فان اول ما يخطر ببالي من المشروبات هو اللبن باللوز، والقرفة والزنجبيل والقهوة التركي والشاي بالنعناع والقهوة التي تقدم في أبهاء فنادق المشرق العربي كافة والتي يشعر المرء بانه استعاد حيويته من جديد بعد ان يحتسي ثلاثة اقداح منها.

في أول زيارة لنا الى مكة في عام 1982، طلبنا في احد المطاعم ابريقا من القهوة، كما هي العادة في ألمانيا عندما يتناول مجموعة من الاصدقاء القهوة معا. وكلما كرر النادل السؤال اكثر من مرة عن طلبنا بهدف التأكد، أرجعنا ذلك الى مشكلات وصعوبات تتعلق باللغة.. واخيرا، احضر لنا طائعا ابريقا يمنيا تقليديا مملوءا بالقهوة العربية. لكننا لم نتمكن، بطبيعة الحال، من احتساء كل ما به كاملا، اذ شعرنا ان ضربات القلب راحت تتسارع بعد احتساء ما يعادل نصف قدح من الحجم الألماني.

طقوس إعداد الشاي الأخضر

كنا على موعد مع القدر، عندما أتيح لنا ان نشهد طقوس اعداد الشاي الأخضر بأوراق النعناع في ضاحية النخيل بواحة العطوف في جنوب الجزائر. وكنت قد القيت عام 1989 محاضرة في واحة بني عزجون المجاورة، حول عشر نقاط في العالم الاسلامي لا تروق لي، وبعدها قضيت ليلتي وحيدا في كوخ وسط عدد من اشجار النخيل. وفي الصباح، حضر مضيفي حاملا معه طعام الافطار وعددا من الاقداح والعلب. وغسل الابريق بماء ساخن، ثم غسل الشاي بماء ساخن داخل الابريق، وتخلص بعد ذلك من الماء ثم اضاف اوراق النعناع والكثير من السكر والماء المغلي الى الشاي. وراح بعد ذلك يصب الشاي في الاقداح من ارتفاع قدره حوالي نصف متر، دون ان تهدر نقطة واحدة منه ولا اعتقد ان هناك طريقة امتع من ذلك ليبدأ بها المرء صباح يوم جديد.

من بين اطعمة المسلمين التي افضلها: الباذنجان المحشو والمقلي، وسلاطة الجبن الفرنسي، والدجاج المحشو بالمكسرات، وريش الضأن، والحمص، والكباب، والأرز الشرقي وبخاصة الباكستاني (الذي يحتوي على كثير من القرفة والزبيب)، والتبولة والكسكسي الحلو، والعاشوراء، والمهلبية، وأم علي.

 

وهذا جزء من كتابه "الإسلام كبديل" بعنوان "الدين الكامل":

 

يعزو المبشرون المسيحيون انتشار الإسلام السريع في غرب إفريقيا والسنغال والكاميرون وساحل العاج إلى أسباب، منها بساطة تعاليمه وخلوها من التصورات الغيبية الغامضة المعقدة. وإذا كان هذا صحيحاً، فلا محالة إذن أيضاً أن يكفي فصل واحد من هذا الكتاب لتصوير هذا الدين.
ولكي يكون المرء مسلماً، فلا بد من توافر شرطين اثنين فيه: الأول: الإيمان بإله واحد، مع تنزيهه عن الجنس، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، آثاره الملموسة في العالم تدل على وجوده. الشرط الثاني: الإيمان بما أنزله الله من الوحي، كما هو متجلّ في الحنيفية البيضاء من ابراهيم إلى محمد(ص).
إن المسلمين يؤمنون بوجود الله، لأن وجوده ثابت لهم بثبوت وجود الوجود أو العالم، إذ لكل معلول علة ولكل وجود مُوجِد أوجده، وهذه حقيقة أولية جلية حادثة فعلاً، رغم إدراك المسلمين أن النظر العلمي لا يطمئن إلى البرهنة بواسطة المحسوس الماديّ، على الغيبي غير المادي المحجوب، خاصة لمعرفتهم أن المنطق البشري ليست لديه الصلاحية المطلقة للتحقق والتثبت وإصدار القول الفصل في مسائل الغيب هذه.
في الشطر الأول من الشهادة التي ينطق بها المسلم عن اعتقادٍ يؤكد إيمانه بالله بقوله: "أشهد أن لا إله إلا الله"، وننبه تنبيهاً إلى أن المسلم لا يَشهدُ اللهَ... وإنما يشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، فينزّه الله تعالى عن الصاحبة والولد والشريك والتثليت وكل شكل من أشكال الشرك بالله، وفقاً لسورة الإخلاص (قل هو الله أحد. الله الصمد. لم يَلد ولم يُولد. ولم يكن له كُفواً أحد). (سورة الإخلاص).
مع هذا يعتبر المسلمون الموحدون، من وجهة النظر الفلسفية لنظرية المعرفة "لا أدريين" إذا تناول البحث ذات الله وطبيعته وكنهه سبحانه وأفعاله وما هو فيه من شأن، فهذه مسائلُ لا يخوض فيها المسلم، أي إنه فيها "لا أدريّ" وقصارى الجهد أن يجب لاجئاً الى تعريفات سالبة أي تقوم على النفي، فتنفي عن الله كذا وكذا، مثلاً: الله ليس محدوداً ببداية أو نهاية، أو مثل: يستحيل كونه غير موجود.
كذلك يعتقد المسلم أنه لا يمكنه أن يهتدي لولا هدايةُ الله، إذا تُرِكَ للطبيعة وحدها يستهديها لذا يؤمن بضرورة الوحي لمعرفة الهُدى من الضلال، والحقُ في جانب المسلم استناداً إلى دراستنا لقوانين الطبيعة.
ثم إن المسلمين يؤمنون أن الله بَيّن لعبيده حقّاً طريق الهدى، وذلك عن طريق أنبياء التوحيد المرسلين، مثل إبراهيم وموسى وعيسى، وختم الله هذه الرسالات بالقرآن (هُدىً للناس) والذي نَزّلَهُ على محمد خاتم النبيين والمرسلين، كما يشير إلى ذلك القرآن الكريم في سورة الأحزاب، الآية 40: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم، ولكن رسول الله، وخاتم النبيين، وكان الله بكل شيء عليماً)، لهذا يؤكد الشطر الثاني من الشهادة أن محمداً رسول الله، وهذا الشطر لازم كل اللزوم لإتمام الشهادة أما ختم شيء أو أمرٍ فمعناه، عند الحديث عن الوحي، أنه تم واكتمل.
هذا الكمال والإتمام لم يكن متوافراً قبل محمد، بالرغم من إبلاغ موسى لرسالة الله، وبالرغم من إبلاغ عيسى كذلك، فبقيت الحاجة بعد عهدهما ماسة إلى الإكمال، وكانت هناك إمكانية _في عهد الرسول _ لتحقيق ذلك الإكمال.
أما الحاجة إلى الإكمال والتقويم، فلزمت لخروج اليهود والنصارى على الطريق المستقيم، في اعتقاد المسلمين، فاليهود زعموا أن بينهم وبين الله عهداً، فهم شعبه المختار، (الذي لن تمسه النار إلا أياماً معدودة)، والنصارى فقد زعموا أن عيسى ابنُ الله المماثلُ له في طبيعته الإلهية.
أما اليوم، فتصف كلمة مسلم الإنسانَ الذي يلتمس سلامته بإسلامه أموره لله ويجد هذه السلامة في هدي القرآن الذي يبين له حدود الله، والذي يحوي غير المنسوخ من الكتب السماوية السابقة على الإسلام. هكذا يلتزم المسلم الحق بالوصايا العشر الواردة في التوراة، وبالإيثار وحب الآخرين الذي ألحّ عليه وأوصى به الإنجيل (في العهد الجديد)، وهو بعد ذلك يؤمن بالاصول الست التي يؤمن بها اليهودي والمسيحي الملتزمان، وذلك كما بيّنها القرآن لنا في سورتي البقرة، الآية 285، والنساء الآية 136: (1) وجود الله، (2) وجود مخلوقات غير مرئية لنا (الملائكة)، (3) نزول كتب سماوية على بعض الأنبياء، (4) إرسال الله رسله وأنبياءه إلى الأمم، (5) القيامة والبعث يوم الحساب، (6) القضاء والقدر.
بعد ذلك ينفرد الإسلام بأنماط سلوكية تتمثل في الفرائض والعبادات، وقواعد الإسلام الخمس إلى جانب الشهادة:
1) شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
2) إقامة الصلاة (الصلوات المفروضة).
3) إيتاء الزكاة.
4) صوم رمضان.
5) حج البيت من استطاع إليه سبيلا.
الإسلام يلحّ على الإيمان والعمل معاً، كما في سورة العصر المكية: (والعصر، إن الإنسان لَفي خُسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصّوا بالحقّ وتواصَوا بالصّبر). (سورة العصر)
فقد يخطىء المسلم فيذنب، دون أن يطعن هذا في كونه مسلماً، أما تارك الصلاة، الذي يقطع صلته بالله، فليس من اليسير اعتباره مسلماً، فالصلاة المفروضة لا بد من أدائها، أما الأدعية والصلوات غير المفروضة (السنّة) فليست بفرض يحاسب المسلم على تركه، إنها تَقَرُّب إلى الله بذكره كثيراً وتسبيحه بكرة وأصيلاً، (ونحن نعلم كيف كان الرسول يتهجد ويقوم الليل، نصفه أو ثلثه..).
والمسلم يؤمن أن القرآن كلمة الله، وأنه ليس مخلوقاً من المخلوقات، وأن الله أوحاه إلى محمد بلسان عربي مبين في تلك الفترة الزمنية المحددة، وهو معجزة الإسلام الوحيدة، والدليل القاطع والبرهان الساطع على نبوة محمد.
ليس القرآن إذن كالعهد القديم أو الجديد، حيث يَقُصُّ فيهما شخص ما حديثاً غير مباشر عن شخص أو شيء أو عن الله... أما القرآن، فإن القاصّ الذي يقص أحسَنَ القَصَص هو الله مباشرةً سبحانه، يُخبر الله فيه عمّن يشاء أو عمّا يشاء، كما يُعلّمنا أن ننزّهه عن الجنس والنظير والشبيه... فيخبر عن نفسه بضمير المفرد المتكلم، وضمير المتكلم الجمع، وضمير الغائب المفرد، لكي نظل واعين بمسألة تَنزُّهه سبحانه عن التجسيد أو التشخيص.
ومع أن القرآن لا يمكن ترجمته دون فقد جانب مهم من المعنى، يكفي سبباً لذلك طبيعة اللغة العربية ذاتها، والقادرة على صياغة جمله خبرية غير مرتبطة بالتقسيم الزمني الذي نعرفه وغير خاضعة له، وبسبب ثراء نظمه المتساوق المترابط المحكم، فقد أصبح الكتاب الوحيد الذي تعددت ترجماته في لغة واحدة، أكثر من أي كتاب مترجم في العالم، وجاوزت طبعاته أعلى رقم لأي كتاب مترجم في تاريخ الطباعة، فضلاً عن أنه الكتاب الوحيد الذي يحفظه عن ظهر قلب مئات الآلاف من مختلف الأجناس (حتى من غير الناطقين بالعربية)، بل إن لغته العربية أصبحت حبلاً يعتصم به أكثر من مليار مسلم في العالم الإسلامي وحده: فتجد أن نحوه وتراكيبه اللغوية وألفاظه ومشتقاتِها أسدت للّغة العربية الكثير، فأصبحت اللغة الوحيدة، التي يستطيع الناطقون بها، المتوسطو الثقافة، أن يقرؤوا نصوصها التي يزيد عمرها عن ألف وأربعمئة عام، دون الحاجة إلى ترجمتها إلى "لغة عربية حديثة".
إن فهم القرآن فهماً سليماً يتطلب الإحاطة بأشياء، منها: قراءة تفاسيره لمعرفة أسباب النزول، أو مناسبة السياق والملابسات المتعلقة بالنص مباشرة، والإطار العام غير المنفصل عن الآيات المراد فهمها.
مع ذلك يلزم الانتباه الشديد إلى طبيعة التفسير والمفسر، ووجهات النظر الذي يحتفل بها، فهناك اختلافات تمليها المذاهب والمشارب والثقافة والغاية، فتفاسير الشيعة قد تخالف تفاسير السنّة، كذلك تفاسير الفقهاء المنصرفة إلى المعاني الحرفية، والظاهر، وتفاسير أهل الباطن، وتفاسير الصوفية، غير تفاسير العقلانيين، ولا بد كذلك من الالتفات إلى عصر التفسير، فالطبري الذي عاش في القرن التاسع يختلف عن محمد أسد المولود في القرن العشرين.
ثم إن البَصَرَ بالسُنّة والحديث لازمٌ أشدّ اللزوم، فما كان النبي (ص) ينطق عن الهوى، فأقواله وأفعاله وإثباته لقولٍ أو فعلٍ أو إنكاره لهما، على درجة كبيرة من الأهمية لفهم الإسلام والقرآن. لقد كان محمد الإنسانُ الرجلُ بشراً، بلغ من استواء الشخصية والشفافية والصفاء والأمانة، والوعي والفطنة أعلى مقام، ثم إنه كان موهوباً آتاه الله الحكمة والنبوة وجوامع الكلم، ولا أدل على استواء شخصيته، وتوافر تلك الصفات في شخصه الكريم، من شكّه شخصياً أن يكون الإنسانَ المختارَ المكلفَ بأداء الأمانة وإبلاغ الرسالة على أكمل وجه، كما أمره الله... ولقد عَلِمنا أن القرآن يراه المثل الأعلى البشري أو القدوة الحسنة، أو كما وصفه ربه (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر، وذكر الله كثيرا) (الأحزاب، الآية 21)، فأمر بطاعته، والسير على سنّته.
لا ضير إذن أن نرى المقتدين بسنّته (ص) يسعون جاهدين إلى التزام هذه السنّة حتى في المظاهر الخارجية (فيقصّون الشوارب ويَعفُون اللحى، ويستعملون السّواك، ويفضّلون العسل... وغير ذلك من المعروف عن طباع الرسول في سيرته)، كذلك حرصهم على الختان الذي لم يذكره القرآن، فقد عرفه إبراهيم وذكره العهد القديم، والمسلمون، مهما كان مذهبهم، متبعون لهذه السنّة الحميدة.


الفروق بين المسلم والمسيحي كما أراها:
1_ يعيش المسلم في عالمه الذي لا يوجد فيه نظام القساوسة الكاثوليك الإكليريكي (الإكليروس) ولا نظام التدرج الوظيفي في مراتب القساوسة الصارم، ولا يتخذ وسيطاً أو شفيعاً مهما علا قدره عند الصلاة أو الدعاء، بينما يتوسل المسيحي بعيسى ومريم أو الروح القدس أو غير ذلك من القديسين عندما يتضرع أو يبتهل أو يصلي... هذه البيئة أقرب إلى طبيعة الإنسان الراشد العاقل من المناخ المألوف في الكنيستين البيزنطية والكاثوليكية، والذي يقوم على شعائر دينية وأسرار "كهنوتية" يباشرها رجل الدين المسيحي، لينال الماثل أمامه المسيحي بركاتِ الرب...
2_ يحرص الإسلام على السلامة العامة لكافة أفراد المجتمع، وذلك بتحريمه المطلق للحم الخنزير، والخمور والمسكرات، والمخدرات أيّا كان نوعها، ويلح في الوقت نفسه على المسؤولية التامة لمن يسيء تعاطي العقاقير السامة أو نحوها من مواد الإدمان بدلاً من استخدامها في التداوي من الأمراض وشؤون الطب المشروعة. كذلك، فإن الانتظام في أداء الصلوات المفروضة، في مواقيتها المشروعة، في خشوع وتأمل، يتيح تخفيف حدة التوتر والإجهاد اليومي، فيعود ذلك بالخير على الفرد والمجتمع، وهذا لا يتأتّى بأداء قدّاس الأحد أو بابتهال الصباح القصير سواء كان المبتهل وحده أو مع جماعة من المبتهلين المسيحيين.
3_ يبيح الإسلام العلاقة الجنسية المشروعة بين الرجل والمرأة، ويوصي بها ليتمتع الإنسان، الذكر والأنثى بممارسة هذا الحق الطبيعي، وبدون تحفظ على العكس من التصوير "الشيطاني" للعلاقة الجنسية المشروعة بين الرجل والمرأة في كتابات "بولس الرسول" الواردة بالإنجيل الحالي، والتي تشين الزواج افتراءً وتمدحُ العزوبية، داعيةً إلى الرهبانية، والتي تسبب للكاثوليك في كثير من الآلام والمعاناة، والعقد الجنسية، والشعور بالذنب وغير ذلك من المشكلات... هذا الحظر وتشويه النظرة إلى الجنس تسبباً كذلك في رد الفعل الرافض لرسالة بولس الرسول بشأن الجنس، والذي يبدو واضحاً في الانحلال الخلقي والإباحية الجنسية التي لا ترعوي مكتسحةً العالم الغربي، ولا ينساق الإسلام خلف الغرب في التردي في هذه الوهدة الوخيمة العواقب.
4_ إن وصية المسيحية أن يحب الإنسانُ الغير كحبه لنفسه عسيرٌ التزامها، بل إن المسيحي العادي لا يستطيع أن يلتزم بها، بل إنها عبء ثقيل عليه ينوء ضميره بِحًمله، تماماً كالعبء الذي يرزح تحته المسيحي المؤمن الذي عليه أن يلتزم بنظرة بولس الرسول للجنس.
تحت هذه الأعباء النفسية تقوى لدى المسيحي الناحية السلبية بما لها من عواقب نفسية وخيمة للتعاليم المعروفة مثل الخطيئة الأصلية الموروثة، ويمكن استغلال هذه الناحية استغلالاً سيئاً يتلاعب بأحاسيس الجماهير بإشعارها بالذنب واستحقاقها تحمل العقاب أو التكفير.
على العكس من هذا نجد الإسلام يتبع الصراط المستقيم، الصراط الوسط، الذي ليس من اليسير أداء بعض فرائضه (مثل صلاة الفجر والصوم) لكن أداء هذه الفرائض وأمثالها، في حدود الإمكان البشري المعتاد. فضلاً عن ذلك لا يكتب الإسلام على المسلم أو حتى يعلمه أن عليه أن يعتبر نفسه مذنباً يتحمل الخطيئة الأصلية، وأن عليه التماس الخلاص الذي ينجيه. إن علم النفس الجمعي يَعرِفُ العواقب التي يمكن أن تنشأ عن الأعراض المتزامنة المتلازمة المركّبة "للخلاص".
5_ إن نظرة المسلمين للوضع الاقتصادي وبالتالي للعمل نظرةٌ اجتماعية سليمة، وليست في المقام الأول نظرةً نابعةً من الاقتصادية المستهدفة أعلى منفعية وأعلى ربحاً، بذا يمكن أن تصبح تصويباً للمسارات الخاطئة أو غير المستقيمة في المجتمعات الصناعية.
6_ أخيراً، يتعين أو ينبغي على المسلمين أن يكونوا قدوة حسنة في التسامح في علاقاتهم مع غير المسلمين والحكم أو النظام غير الإسلامي، القائم على الفصل بين الدين والدنيا أو العلماني _كما في المجتمع المتعدد الأجناس والثقافات والحضارات والمَنازع الفلسفية التي ترى التعددية الممكنة في رؤية كل منها للحقيقة _ حتى ولو اقتصر مفهوم السعادة لدى هذا المجتمع (التعددي) على النعيم والتنعيم في هذه الحياة الدنيا، أي على الأرض فقط على الأقل انطلاقاً من السورة رقم 109، والتي نرى أن على كل إنسان _مهما كان مذهبه _ سواء اليهودي والمسيحي والمسلم والملحد والفيلسوف (اللاأدري) أن يعلقها على الحائط فوق مكتبه ويَعيَها قبل دراسته المقارنة لأي نظام، وهي: (قل يا أيها الكافرون. لا أعبد ما تعبدون. ولا أنتم عابدون ما أعبد. ولا أنا عابد ما عبدتم. ولا أنتم عابدون ما أعبد. لكم دينكم، ولي دين) صدق الله العظيم.

 

وهذا جزء آخر من كتابه "الإسلام كبديل" بعنوان "القانون الجنائي أو رجم الزانية":

 

إن الدولة في الإسلام لها الحق، بادىء ذي بدء كغيرها من الدول، أن تصدر عن روح الإسلام في إصدارها للقوانين التي تراها عادلة لتعاقب الجاني الخارج على القانون، سواء أجرم المرء بتعدّيه على حدود الله، أو أجرم في حق الأمة أو الجماعة، أو أجرم في حق الدولة ذاتها.

هذا القانون الجنائي الوضعي، إنما هو من وضع البشر، قابل للتغيير والتعديل، في كل وقت، ومن الممكن أن يذهب بذهاب عصر ما، وهذا شيءٌ واتفاقُهُ مع روح العصر شيء آخر مختلف تماماً.

هذه الحرية في التشريع غير مطلقة، فهي محدودة بالقانون الجنائي القرآني، إذ إنّ له الصدارة التي لا تُدانى أو تنافس. ولا بد في هذا من الأنطلاق من أن المادة القضائية التي ينظمها القرآن، لايجوز للقانون الوضعي أن يبدل أو يعدل فيها، أو يضاعف في تغليظها أو نحو ذلك، لأن ذلك يعد تحسيناً أو تهذيباً أو تنقيحاً من البشر في قانون إلهي، وهذا لا يجوز بحال.

ويعاقب القرآنُ عقاباً رادعاً على ست جرائم فحسب، وإن كان يستنكر ويذم جرائم أخرى عديدة، مبيناً سوء عاقبتها الوخيمة، وما ينتظر مرتكبيها من جزاء في الدار الآخرة، ابتداءً من الميسر والقمار، وأكل الخنزير، والارتداد عن الإسلام. أما تلك الجرائم الموبقة الست التي يعاقب عليها في الدنيا، فهي:

أولاً: القتل العمد.

ثانيا: قطع الطريق والسلب والنهب علناً.

ثالثاً: الخيانة العظمى.

رابعاً: قذف المحصنات.

خامساً: الزّنى (بين العفيفات والمتزوجين: المؤلف).

سادساً: السرقة لشيء ذي شأن.

وقد نص القرآن على أن القتل عقوبة الجرائم الثلاث الأولى، أما الجريمة الخامسة فقد دأب الفقهاء التقليديون المتزمتون على تبرير قتل مرتكبها وذلك بالرجم إذا توافرت ظروف وملابسات معينة تُحَتّمُ عندهم ذلك.

أما جزاء السرقة ذات الشأن فهو قطع اليد اليمنى ثم اليسرى إذا لم يرتدع السارق، وكرّرَ السرقة. من هذا ترى أن القرآن لا يحوي في هذا الصدد سوى موادّ قليلةٍ جداً في الحدود أو العقوبات الجنائية، وأقل من ذلك بكثير ما يتعلق بالمحاكمات الجنائية. هذا الوضع يكفل الحرية اللازمة للشريعة الإسلامية لتكون إنسانية تراعي الواقع الفعلي للبشر، بواسطة تطبيق أحكام القانون الجنائي الشديدة الصرامة مع سقوط تلك الأحكام في مدة شديدة القِصَر، مما يوفر المجال الفسيح الكافي للشريعة لتخفيف قسوة العقوبات التي يفرضها القرآن.

هذا ولا شك سبب من أسباب التباين أو عمق الهوة بين الجانبين النظري والعملي في الواقع الفعلي للقضاء في حياة المسلمين اليومية.

إن القانون الجنائي في القرآن غير واف أو هو قاصر على الاستناد إلى الدليل المادي الثابت للحكم في قضية جنائية، لهذا نصّ على ضرورة شهادة شاهدين عدلين أو رجل وامرأتين، وفي حالة التهمة الجنسية (الزنى) نص على ضرورة شهادة أربعة شهود عدول.

ولا شك أن القرآن يطلب ما يستحيل تحقيقه لتوقيع العقوبة الخطيرة في حالة الزنى، إذ أنّى للمتهم أن يأتي بأربعة شهود ممن ترضى شهادتهم من العدول الرجال ليؤيدوا دعواه، مع مخاطرة أولئك الشهود بتعرضهم للجلد، بل وأحياناً للقتل، لدى بعض الفقهاء الذين يقيسون عقوبة الشاهد الكاذب (الذي يرمي المحصنات دون دليل) بعظم جُرم الزنى ذاته وما يرونه من عقوبة ذلك بالموت، ويكفي لذلك أن يثبت كذب واحد من الشهود الأربعة.

أضف إلى ذلك أن إقرار الزاني أو الزانية لا يكفي لتوقيع العقاب، بل على القاضي أن يرشد ذلك الشخص إلى حقه في سحب اعترافه بارتكابه لجريمة الزنى.

_ إن عقوبة الخيانة الزوجية بالزنى، وعقوبة قذف المحصنات كما نص القرآن ليس الرجم ولا الشنق أو القتل، وإنما هي الجلد فحسب، يقول تعالى في سور النور، الآيات رقم 2 إلى رقم 10 (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحدٍ منهما مائة جلدة... والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهدا فاجلدوهم ثمانين جلدة، ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً، وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم ... ولولا فضلُ الله عليكم ورحمته، وأن الله توابٌ حكيم).

ولئن كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد انتهج التسامح الكريم، وأكد ذلك وأقره الخليفةُ عمرُ بنُ الخطاب، فإن المؤسف حقاً أن الإسراف في عقاب الزاني والزانية عقاباً مسرفاً أغلظَ مما نص عليه القرآن بدأ يستقر في الحياة في العصور الأولى للإسلام، حتى صار هذا العقاب تقليداً وسنّة، مع مخالفة ذلك للقرآن، ومع أن الآية الثانية من سورة النور نسخت نسخاً لا شبهة فيه ولا تأويل حكم التوراة القاسي الذي ينص على الرجم حتى القتل، فتجد في سفر التثنية أن الفتاة التي فقدت عذرتها قبل الزواج (يرجمها رجال مدينتها بالحجارة حتى تموت لأنها عملت قباحة في إسرائيل بزناها في بيت أبيها)، الإصحاح الثاني والعشرون الآية رقم 20.

أما بالنسبة لقطع يد السارق والسارقة، فإن الآية الثامنة والثلاثين من سورة المائدة تنص على ما يلي: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا، نكالاً من الله، والله عزيز حكيم).

قبل كل شيء لابد أن نبين أن السرقة التي يعنيها القرآن إنما هي سرقة شيء ذي شأن محفوظ حفظاً جيداً عن الأيدي، وإلا فإن السارق ليس بالملوم إذا تُركَ لإغراء الشيء الذي يُحبُّ أن يحصل عليه، دون حفظ ذلك الشيء في مكان حصين أمين. ولا ننسى أن الخليفة عمر بن الخطاب أمر بعدم قطع يد السارق في أيام الشدة والمجاعات أو نحوها، وأسقط دعاوى من طالب بعقاب السارق بسبب ذلك، ولقد نتج عن ذلك المبدأ القضائي الشائعُ، بعدم عقاب السارق واعتباره سارقاً إذا ألجأته الضرورة لذلك مثل عجز الدولة اقتصادياً واجتماعياً عن توفيرها له سبل المعيشة الشريفة..

وحتى يمكن فهم القانون الجنائي في القرآن لا بد من الأخذ في الاعتبار أنه مكمل او متمم لنظام المواريث وشؤون الأسرة في الإسلام. بناءً على هذا القانون، ليس للرجال أن يمس أموال زوجته أو ثروتها الخاصة، ويدخل في ذلك المهر، وعادة ما يكون حلياً ذهبية أو نحو ذلك مما تحتفظ به المرأة وتدخره لأيام الشدة مثلاً بعد الطلاق أو في حالة الكبر، خاصة أن الرجل غير ملزم بدفع نفقة شهرية أو سنوية لمطلقته، حسب الشريعة الإسلامية... من هنا يتبين خطر السرقة على المرأة التي لا مصدر لها غير مدخراتها، خاصة في الريف والمجتمعات البدوية.

ولا بد هنا من التنبيه إلى أن الإسلام لا يرى في كثير من العقوبات التي يعرفها المجتمع الأوروبي غيرُ المسلم، قسوة أقل من عقوبة قطع اليد، فهي ليست بحال أكثر إنسانية، مثل ذلك: السجن المؤبد ونفي المجرمين مرتكبي الجنايات عن المجتمع والأسرة.

ثم إن المسلم يرى في العقوبات التي نص عليها القرآن حدوداً حدها الله سبحانه بحكمته الإلهية، وإن لم يستطع العقل البشري دائماً أن يفقه الحكمة منها، وأن تلك الحدود ليست نوعاً من الوصايا لمن شاء أن يعمل بها، أو أن لا يعمل بها.

 

 


نماذج متنوعة لإعتناق الإسلام

 

 

87-عماد الشاب المصري النصراني سابقاً

 

قصة الفتى النصراني عماد الذي هداه الله إلى الإسلام من أعجب القصص وأغرب الحكايات .. تنطق بالنعمة التي تطوق رقبة كل مسلم .. في الزمن الذي تخلى فيه كثير من المسلمين عن تقدير تلك النعمة .. وعن توقير حق هذه المكرمة .. عسى الله أن يجعل في هذا يقظة لقلوب غافلة .. إنها نعمة الإيمان...

 

يقول عماد:

الحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى جميع إخوانه من الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه وسلم وبعد،

بتوفيق الله وبمشيئته سأتحدث عن أسرتي قبل الإسلام وبعد الإسلام وأحب التأكيد على القيمة الكبرى لنعمة الإسلام، فالمسلم الذي يعيش في ظل عقيدة التوحيد يتمتع بنعمة عظيمة منّ الله بها عليه ألا وهي نعمة الإسلام. كان لزاما علي أن أبدأ حديثي بهذا التأكيد قبل أن أقص قصتي.

 

أسرتي قبل الإسلام:

كانت أسرتي تتكون مني وأختي وأمي وأبي .. أربعة أفراد فقط وكانت أسرة نصرانية متدينة تواظب على دروس الكنيسة وتؤدي العبادات النصرانية بانتظام، وكنت أختلف إلى دروس الكنيسة مع أسرتي وكنت أواظب على أداء الصلوات وكان والدي يعمل في تجارة الحبوب، وكنت منذ صباي ألازمه في متجر الحبوب الذي كان ملكًا للعائلة الكبيرة التي تتكون من الجد والجدة والأعمام والعمات، وكانت لي مكانة مميزة لدى الجد والجدة برغم وجود أبناء العائلة وأولاد الأعمام، وكنت الأثير لديهم ، وكنت سعيدًا بهذه المكانة التي ميزتني عن أفراد العائلة وأبناء العم حتى إن الجد كان يفاخر دائما أبناء العم بذكائي ومهارتي في التجارة برغم حداثة سني حينذاك مما كان يغيظ أبناء أعمامي جدًا، وحتى عمي الذي لم يرزق أولادًا كان يبدي إعجابه بي ويقول : ( إنني أعتبرك مثل ابني، وأنا على يقين بأن والدك لا يعرف قيمتك مثلي ) والحمد لله رب العالمين كنت ماهرًا في التجارة ماهرًا في التعامل مع الناس حتى اشتهرت بالدقة في الميزان وحسن التعامل مع المشترين، الأمر الذي حببهم في متجرنا وكان لي أسلوبي اللطيف الطيب في المعاملة مما فطرت به ونشأت عليه، والحمد لله كنت بأسلوبي ذلك متمشيًا مع أدب الإسلام الذي جعل الدين المعاملة والكلمة الطيبة صدقة والابتسامة في وجوه الناس صدقة وكنت سعيدًا بهذا التقدير أيما سعادة ...

 

وقد شعر الفتى بتوجه أمه نحو الإسلام وميلها إليه، ونفورها من النصرانية وكان ذلك في شهر رمضان منذ نحو أحد عشر عامًا، فقد وافق صيام شهر رمضان الصيام عند النصارى حيث يفطر المسلمون عند أذان المغرب ويفطر النصارى بالليل عند ظهور نجم معين في السماء ، ولاحظ الفتى أن أمه تفطر عند سماع أذان صلاة المغرب فيدهش لذلك من أمه، ويتساءل في نفسه كيف تفطر أمه مع المسلمين، ويستمهلها حتى يظهر النجم - كما هو الحال في صيام النصارى - فتجيبه بأنها ترى النجم في السماء وقد ظهر ! ويرد الصبي - في براءة - أين هو ؟ إنني لا أراه ! فتجيبه بأنها تراه. وتقول له: ولكنك لا تراه وتشير إلى السماء! وأدرك فتانا بعد ذلك أن أمه كانت بسلوكها تتجه نحو الإسلام، وأنها كانت تصوم صوم المسلمين.

 

موقف آخر يقصه الفتى عن تعلق أمه بدرس التفسير الأسبوعي للشيخ: محمد متولي الشعراوي - رحمه الله - فيقول: ( لاحظت أن لحديث الشيخ الشعراوي الأسبوعي أثرًا أشبه بالرعد في آذان المتعصبين من النصارى، وساعة الحديث الأسبوعي ساعة نحس عندهم وتمثل عبئًا نفسيًا ومعاناة لهم ، بيد أن الأمر كان مختلفًا مع أمي كل الاختلاف حيث كنت أراها تفتح التلفاز وتشاهد درس الشيخ الشعراوي الأسبوعي يوم الجمعة فأسألها دهشا ! ماذا تصنعين ؟! فتجيب قائلة: أتابع هذا الشيخ لأنظر ماذا يقول ؟ وأسمعه ربما يخرف ! ولم أكن أدري أن ردها عليّ وقتها كان من باب التمويه حتى لا أخبر أبي!

 

وهناك برنامج آخر كانت تتابعه أمي وهو برنامج (ندوة للرأي) أراها تشاهده فلما أنكر عليها ذلك مستفسرًا ترد قائلة: أشاهد وأسمع لأرى ما يقوله هؤلاء العلماء عن النصرانية والنصارى ! فأسمع جوابها دون تعليق ... وأواصل مراقبتها، وكانت أمي سمحة المعاملة لطيفة المعشر، وكادت في معاملتها تبدو أقرب للإسلام والمسلمين، حتى أن أحد القساوسة سبّها ذات مرة لأنها حلفت أمامه قائلة: والنبي - على طريقة العامة من المسلمين في مصر وكما هو معلوم بأن ذلك لا يجوز شرعًا - فسبّها القس ونهرها قائلاً لها: أي نبي ذلك الذي تقصدين ؟! وعنفها حتى سالت الدموع من عينها.

 

يقول الفتى: (ولما فكرت أمي في الإسلام، استدعتني ذات مرة وقالت لي: تعال يا عماد أنت ابني الوحيد ولن أجد أحدًا يسترني غيرك! فقلت لها خيرًا يا أمي، فقالت: أنت ابني الكبير وأنا مهما كانت الأمور وفي كل الأحوال أمك .. ومن المستحيل أن تتخلى عني أو ترميني في التهلكة ، فقلت لها: نعم يا أمي. فقالت: ماذا تفعل لو أن أهلك قالوا عني كلامًا سيئًا ورموني بتهم باطلة ؟! فقلت لها: ولم يفعلون ذلك وهم جميعا يحبونك. قالت: ماذا تفعل لو حاولوا قتلي والتخلص مني ؟ فقلت لها: كيف ذلك ؟ ولم يحاولون قتلك وهم يحبونك ؟! قالت: ماذا تفعل لو صرت مسلمة ؟ هل ستحاربني مثلما الحال مع أبيك وأعمامك وأخوالك وأقاربك ؟! فكانت إجابتي لها: الأم هي الأم وأنت أمي في كل الأحوال).

 

ولكن الفتى دهش لحديث أمه إليه وأوجس في نفسه خيفة، وقوّى ذلك الإحساس لديه كثرة مشاجرة أبيه مع أمه في شأن رغبتها في اعتناق الإسلام وكانت تصارح أباه في هذا، وكان أبوه يغضب من تهديدها بترك النصرانية ويتحداها أن تعتنق الإسلام.

 

وذات يوم عاد الفتى إلى المنزل قادمًا من مدرسته فلم يجد أمه التي كانت تنتظر مجيئه كل يوم، فأسرع إلى أبيه في متجره يسأله فزعًا عن أمه فيجيبه الوالد بأنها في البيت ، ويتساءل الأب - في هدوء - : أين تراها قد ذهبت ؟! لعلها ذهبت إلى إحدى صديقاتها ! فيقول الفتى: إن خزانة ملابسها خالية تمامًا ! فصمت الوالد قليلاً وتعجب للأمر وأقسم أنه لم يغضبها ، ولم يقع بينهما ما يوجب الخلاف أو الغضب، فجعل يسأل عنها في كل مكان يمكن أن تذهب إليه … وكانت الصدمة .. أنها أسلمت ! أسلمت وأعلنت إسلامها أمام الجهات المسؤولة ولن تعود إلى البيت أبدًا .. فجن جنون العائلة كلها وفقدت توازنها وصارت تقول في الإسلام والمسلمين كل ما يمكن أن يقال من ألفاظ السباب واللعن والتهديد والوعيد وصار الجميع من أخوال وأعمام فضلاً عن الأب في حالة عصبية انفعالية في الكلام والسلوك إنهم غاضبون من كل شئ ومن أي شئ … إنها الكارثة قد نزلت بهم ، وإنه الشؤم قد حل بساحتهم ، ويقول الفتى: وكنت أستمع إلى الشتائم توجه إلى أمي من الأقارب والأخوال والأعمام ، فمن قائل: إنها كانت تشبه المسلمين في كذا وكذا ، وهذا الخال يوجه كلامه إلي قائلاً : " انظر كيف تركتكم، وتخلت عنك وعن أختك ؟! انظروا من سوف يرعاكم ويقوم على تربيتكم ؟! " أما العم فقد كان يقول كلامًا مشابهاً ويقول موجهاً كلامه لي ولأختي: " ترى لو ذهبت أنت وأختك إليها وتوسلتما إليها وبكيتما بين يديها .. هل ترجع إليكم ؟! " ويواصل العم حديثه إلي قائلا: " اذهب يا عماد : اذهب إليها وابك بين يديها لعلها ترجع إليكم ! وكنت أسمع ذلك وأشاهد ما حولي ولا أحير جوابًا فقد كنت أنا أيضًا ضائقًا مما حدث وغير راضٍ وكان العم يذهب إليها في الجهات المختصة ليوقع الإقرار تلو الإقرار بعدم التعرض لها ... وأحيانًا كان يلقاها ويستعطفها كي تعود إلى ولديها لشدة حاجتهما إليها، ولكن أمي رفضت بشدة بعدما ذاقت حلاوة الإسلام والإيمان وأسلمت لله رب العالمين وتركتنا وديعة عند من لا تضيع عنده الودائع سبحانه هو خير حافظٍ وهو أرحم الراحمين، وأيقنت أن الله سوف يحرسنا بعينه ويرعانا برعايته.

 

ولم يزل الفتى يتردد على الكنيسة ودروسها ولا سيما درس الثلاثاء - وهو درس أسبوعي يهتم بالشباب والمراهقين بخاصة ، وبجمهور رواد الكنيسة بعامة - وكان درسًا مشهودًا يعرض فيه القس لكل ما يهم المجتمع والدين والسياسة ويقول ما يشاء دون خوفٍ من حسيب أو رقيب خلافًا للحال مع غير النصارى ، وخلال درس الثلاثاء ذات مرة تعرض القس لأم الفتى ! ويقول الفتى:( وكنت موجودًا ومعروفًا لجمهور الحاضرين، فقد كنت من عائلة معروفة بارتباطها القوي بالكنيسة ) ، وخلال المحاضرة نظر القس إلى الفتى وابتسم ابتسامةً خبيثة وصرح معرضًا بأمه موجهًا كلامه لجمهور الحاضرين قائلاً : " تذكرون فلانة الفلانية ( وذكر اسمها ) - ودون أن يذكر كنيتها (أم عماد)- التي أسلمت أراد المسيح أن يفضحها بعد أن خانت الكنيسة وهي الآن ملقاة في السجن في قضية من قضايا الآداب ! " وأسقط في يد الفتى وأصبح في حيرة شديدة .. هل هذا معقول ؟! - ويقول في نفسه : أبعد أن تسلم وجهها إلى الله وتجازف بترك دينها ولا تخشى العواقب - مهما كانت - تدخل السجن ؟! واتجهت الأنظار إلى شخصي وصوبت سهامها نحوي وكأنني ارتكبت جرمًا عظيمًا وخرجت من درس ذلك اليوم كاسف البال ولم أعقِّب !!.

 

وبينما كنت في تلك الحال الكئيبة وأنا أسير في الطريق إذا صوت ينادي: ( يا عماد يا عماد ). إنه صوت أمي تسير قرب منزلنا لترانا على حذر وقد أرسلتْ من يستدعينا في غفلة من الأهل واقتربت فإذا أمي ... وتنتابني جملة من المشاعر المتضاربة في مزيد من الرغبة في الانتقام ممن ساعدوها على التعرف على الإسلام واعتناقه وبخاصة زميلاتها اللائى يعملن معها في حقل التمريض وشعور بالشوق والحنين إليها والتقدير لها ... إنها أمي ... مهما كانت وحبها كامن في قلبي فأقبلت إليها وسلمت عليها وكانت مع أناس مسلمين لا أعرفهم ... وكانت أمي ترتدي الحجاب ورأيتني أنظر إليها في دهشة وأسألها - في براءة - ألست مسجونة ؟! فأجابت في دهشة: ماذا تقول ياحبيبي ؟! ومامعنى: مسجونة ؟ هاك العنوان وأرجو أن تزورني ، وأعطتني العنوان وانصرفت.

 

وبرغم حبي لأمي إلا أنني لم أكن مستريحًا لتلك المقابلة وكان قلبي قلقًا ولم يكن اللقاء مفعمًا بالحب وبالعواطف الجياشة نحوها...

 

وأخذت العنوان وقفلت راجعًا إلى منزلنا أفكر في الأمر وبعد يومين أو ثلاثة عزمتُ على زيارة أمي على عنوانها الجديد في موعد يسبق يوم الثلاثاء اللاحق لموقف القس السابق في درس الكنيسة، وبلغت مسكن الوالدة وشاء الله أن يكون ذلك مع أذان المغرب ... يا سبحان الله .. وأستمع إلى أذان المغرب وكأني أسمعه لأول مرة برغم سماعي له آلاف المرات ولكن الأذان هذه المرة وقع مغاير تمامًا لما ألفته من قبل .

 

وتستقبلني أمي أثناء الأذان مرحبةً بي، وأراها وأسمعها تردد الأذان وهي لا تكاد تنتبه لحديثي إليها وبعد الأذان ذهبت فتطهرت وتوضأت ثم دخلت في صلاتها وجعلت تتلو القرآن في الصلاة بصوت مسموع فكنت لأول مرة أسمع القرآن من أمي، إنها تتلو سورة الإخلاص ، وكان لذلك وقع لا يوصف في قلبي وأثر ساحر في نفسي إن مشاعري في تلك اللحظة لا أقوى على وصفها ، فلقد شملني نورٌ ربانيٌ وتملكني شعور غريب تمنيت معه في تلك اللحظة لو جثوت على ركبي وقبلت قدم أمي وهي تصلي، شعرت بشيء ما يغسل قلبي، وداخلني صفاءٌ ونقاءٌ لم أشعر بهما من قبل، أجل إن شعوري في ذلك اليوم لا يمكن وصفه أو التعبير عنه ... إنه روح جديدة تسري في جسدي وعروقي، أحسست بمدى الظلم الذي وقع على أمي من ذلك القس في درس الثلاثاء الماضي، تمنيت لو خنقته لافترائه على أمي دون وجه حق، لماذا يشوه سيرتها ؟! أهذا عدل؟ وهل المسيح أمر بذلك ؟!

 

ولكن الأمر كان عند القوم مختلفًا إن لديهم قاعدة تقول: ( ابحث عن الخروف الضال قبل أن تبحث عن أحد الغرباء ليدخل الكنيسة ) والمعنى أنه يجب أن تبحث عن النصراني الذي ابتعد عن عبادة المسيح قبل أن تبحث عن أحد تغريه بعبادة المسيح، ويواصل الفتى تساؤله : لماذا يفتري ذلك القس على أمي ؟ ويشنع عليها ؟ ودخلت في صراع مع نفسي، وبعد الصلاة جاءت أمي بالطعام وعرضت علي أن أتناول الطعام معها، وقالت: هيا لتأكل معي أم أنك تخشى أن تأكل معي ؟! وأنظر بعينين تفيضان بالشوق إليها والإكبار لها، وأطالع في وجهها نوراً ونضارةً لم أعهدهما من قبل ، إنها أم جديدة غير التي ألفتها من قبل، إنها مختلفةٌ تمامًا .. ماهذه الوضاءة التي تنور وجهها ؟!! مالذي حدث ؟!

 

وتمضي تساؤلات الفتى تموج في أعماقه فيما كان يطالع وجه أمه فيقول: ماذا حدث لأمي ... لقد عشت معها عمري ... ما الذي جد عليها ؟! ما هذا النور الذي يفيض به وجهها ؟! يقول الفتى:  وبرغم مشاعري المتناقضة وقتذاك من مشاعر حب الأم وكراهيتها لأنها خانت المسيح بتركها المسيحية ( حسب رأيهم ) ..... إلا أني أرى أمي مختلفةً تمامًا أرى في وجهها نورًا وبياضًا وجمالاً لم أعهده في وجهها من قبل... هل هي نضارة الإسلام ؟ أم هو نور الإسلام ؟ .... وتناولت معها الطعام وكنا وحدنا لم يشهد هذا اللقاء أحد من أهلي ... ثم ودعت أمي متوجها إلى البيت أعود لأستلقي على سريري وأسترجع أحداث زيارتي لأمي كأنها حلم جميل ... لا أكاد أصدق أن هذا حدث ... ويقترب موعد درس الثلاثاء التالي وأذهب إلى الكنيسة للاستماع إلى محاضرة القس الأسبوعية في يوم الثلاثاء التالي للثلاثاء الذي تعرض فيه لأمي بالتشهير والشتم.

وأعود إلى الكنيسة للاستماع إلى المحاضرة الأسبوعية وفي هذه المرة وخلال المحاضرة تجاوز القس كل الحدود في الإساءة لأمي والتعريض بها وسبها وإهانتها بأقذر الأساليب وبأشنع الافتراءات للدرجة التي زعم فيها أنه تحدث معها في السجن وقد زارها فيه ، فأعجبُ لمستوى الكذب والزور والبهتان الذي بلغه القس، وأدهش لمستوى التدني الذي انحدر إليه ، وبرغم ما يتمتع به ذلك القس وأمثاله من مكانة روحية كبيرة في نفوس أتباع الكنيسة إلا أني وجدت نفسي لا أحتمل السكوت عليه وعلى وقاحته فاندفعت أصيح في وجهه قائلاً : كفى إلى هذا الحد من فضلك ، وهذا أمر جلل أن يوقف فتى في سن المراهقة مثلي القس المحاضر في الجمهور وهو الأب الروحي للكنيسة وروادها، ويقاطعه فتى بهذه الجرأة وبهذا الأسلوب الغاضب المهين، ويواصل الفتى كلامه الغاضب للقس قائلاً : انتظر من فضلك .. كفى إلى هذا الحد، توقف ! أنت كذاب.

 

وهنا يتدخل جمهور الكنيسة في محاولة للحد من ثورة الفتى وإسكات غضبه يذكرونه بمكانة الرجل ويناشدونه الهدوء والسكوت ، ولكن دون جدوى ؛ لأن الفتى لم تهدأ ثورته و لم يملك غضبه وواصل إنكاره على القس الذي التفت إليه في محاولة لتهدئته قائلاً : مالك يا عماد؟! .. اسكت يا بني. .. ماذا بك ؟ .. ماذا في الأمر ؟ .. ويجيبه الفتى: لا. أنت كذاب ، ويتوجه إلى جمهور الحاضرين قائلاً : يا جماعة ، أنا كنت عند أمي (وأقسمت لهم بقسم المسيح عندهم) أني كنت عندها وعندما سمعت أمي الأذان قامت فتطهرت وتوضأت وصلت ، منتهى النقاء، والله رأيت في وجهها نضارة - ويصف الفتى وقع كلماته على الحاضرين - فيقول: ( لاحظت وجوههم اسودت وكشروا عن أنيابهم عندما سمعوني أتحدث عن أمي بهذه الطريقة وواصلت الحديث قائلاً لهم : والله إن القس لكذاب وأمي ليست في السجن كما يزعم القس، وهاكم العنوان لمن يرغب بزيارتها ... أمي بفضل الله رب العالمين حين سمعتها تقرأ القرآن أمامي كانت تغسلني وتطهرني ، فقاطعني القس قائلاً : اسكت يا ولد وإلا سأطردك خارج الكنيسة )، ولكن الفتى لا يسكت ، ويواصل هجومه على القس المفتري قائلاً له : دعني أسألك أيها القس، هل تتطهر قبل الصلاة كما يتطهر المسلمون ؟! حينئذ جن جنون الحاضرين وتتابعت تهديداتهم وكادوا يفتكون بي فمن قائل: اسكت لقد جاوزت كل حدود الأدب، ومن قائل : أنت تهذي وتخرف. أما القس فقد تغير لونه وارتعشت يداه وظهر على وجهه الاضطراب والهزيمة والفضيحة، فيما يصيح ثالث : هل أجرت لك أمك غسيلاً للمخ ؟ وكانت ردودي كأنها الطلقات النارية في وجه القس والمتعاطفين معه، وانفض الموقف وخرجت من الكنيسة باكيًا أكفكف دمعي المنهمر من عيني المحمرتين لطول البكاء والغضب ، ولم أجد ما يخفف من وقع محنتي إلا التوجه إلا بيت أحد أصدقائي الأعزاء الذين قويت صداقتي معهم مع مر الأيام فلم أجده في البيت ورأفتْ أمه لحالي التي كنت عليها فرقتْ لحالي، وحزنتْ من أجلي وقالت: منها لله أمك ... هي السبب ... فيما أنت عليه من حزن وأسى ... فلينتقم الله منها ! ولم أكد أسمع كلام هذه المرأة حتى رغبت في الهجوم عليها وخنقها هي وكذلك القس الكذاب ورميتها بعيني كأنهما جذوتان تبعثان بالشرر الحارق وانصرفتُ قافلا إلى بيتنا حزينًا كئيبًا تنتابني مشاعر شتى أريد أن أذهب إلى أمي وأعتذر لها عما أصابها من افتراء هذا القس الكذاب وأريد أن أعود إلى القس لأشفي غليلي منه أريد أن أهينه ... أشعر بالضيق ... إن روحي تكاد تزهق ... ولكن غالبتُ نفسي وقلت: لعل هذا الغضب في مواجهة القس وذلك التجرؤ عليه وسوسة من الشيطان فلأرجع إلى الإنجيل لعلي أجد فيه السكينة والهداية والهدوء.

ويعاود الفتى قراءة الإنجيل -ويوقن بفطرته كما يقول- أنه محرف وأن القرآن الكريم هو كتاب الله حقًا ، هو الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فالإنجيل عندما طالعته وجدته كتابًا كأي كتاب يؤلف في سيرة شخص أو عظيم حيث تطالعك أخبار عن المسيح الذي يأكل والمسيح الذي يشرب والمسيح الذي يموت والمسيح الذي يقوم من الذي يتحدث بهذه الأخبار ؟ هل هو الله ؟ أم هو المسيح ؟! .

 

إن الإنجيل كتاب كأي كتاب يحكي قصة شخص أكل وشرب ونام ، وفعل كذا من المعجزات أو له كذا من المعجزات والخوارق، من المتحدث في كل هذا ؟ أو من الذي كتب هذه الأخبار بعد وفاة المسيح؟ ولماذا تتعدد الروايات وتختلف وتتناقض أحياناً بتعدد الأناجيل واختلافها، حتى والمسيح على الصليب - كما يزعمون - ينادي : ( إيلي إيلي لماذا؟ شبقتني ! ).

 

أي: إلهي إلهي لماذا تركتني وخذلتني ؟! لماذا ؟ ينادي مَنْ ؟ وهو من ؟ وكيف يتخلى الأب عن ابنه وهو يستصرخه ويستنصره ويستنجد بـه ؟! أهذا منطق؟! أسئلة كثيرة رَسمتْ أمامي علامات استفهام كبيرة، وفي هذا أنشأتُ في خطابي للنصارى والنصارى أقول : ( ياعُبَّادَ المسيح ... لي عندكم سؤال ... لا يجيب عنه إلا من وعاه ... كيف مات الإله بصنع قوم ؟ ... فهل هذا إله ؟ ... وعجبًا لقبر يحوي هذا الإله ... والأعجب منه بطن حواه ... ثم يخرج من بين الفرج فاتحًا للثرى فاه ... فهل هذا إله ؟! )- وهذه القصيدة مقتبسة من أخري لابن القيم رحمه الله تعالي-.

 

وقد أصاب الفتى الملل من قراءة الإنجيل - كما يحكي- لأن قراءته في الإنجيل ضاعفت من حيرته ولم تجب عن أسئلته، ويمضي الفتى قائلاً: ولكن حرصي على الوصول للحقيقة دفعني لمزيد من المراجعة ومعاودة قراءة الإنجيل مرة أخرى حتى انتهيتُ من قراءته لأصل إلى الاطمئنان النفسي والعقلي والروحي فما وجدت إلا المزيد من الإبهام والغموض، فاشتدت حيرتي حتى طالعت في الإنجيل قول السيد المسيح:

 

 ( الحق الحق أقول لكم: إن من يتبع كلامي ويؤمن بالذي أرسلني فله حياة أبدية )

 

الله أكبر. الله أكبر إذاً جاءت صريحة وعلى لسان المسيح عبارته تلك التي تؤكد أنه رسول من عند الله ، فقوله: ( الحق . الحق ) قسم وقوله : (إن من يتبع كلامي ويؤمن بالذي أرسلني) تأكيد على أنه رسول من عند الله وقوله: (فله حياة أبدية) أي له الجنة والحياة الخالدة في الجنة.

 

وتكثر تساؤلات الفتى ، فيذهب إلى القس في الكنيسة، ويعرض عليه تساؤلاته واستنتاجاته، ويحار القس ولا يرد عليه جوابًا ، فينصرف الفتى عنه وبعد عدة أيام يرسل إلى الفتى بهدية غالية القيمة ( من حيث قيمتها المادية ) وكانت صليبًا من الذهب الخالص يثبت في سلسلة تعلق في العنق .. يقول الفتى: (ولاحظت أنه قد غير من معاملته معي فصار يعاملني برقة ولطف ويشملني بنظرات عطفه وإشفاقه وقربني إليه، وذات مرة فاجأني بقوله - في لغة حانية - : (أنا آسف إذ ذكرت أمك بما ذكرتها على تلك الصورة التي ضايقتك، فأنت ابن المسيح، ونحن نحبك، والمسيح يحبك...) ولم أكن أدري أنه يدبر لي بليل ويحفر لي حفرة عميقة ، وقال لي في لهجة ودودة : أتمنى لو أرسلت والدك وأرجو أن يأتي في صحبته عمك ويواصل الفتى قائلا: ( وكانت لأبي وعمي مكانة عالية عند القس في الكنيسة حيث كان يستعين بهما في حل مشاكل عائلتنا). ومضى القس يقول للفتى: "أريد أن تبلغ أباك وعمك أني أريدك في أمر سيسعدك كثيرا وسيريحك للغاية ، ولا تنس أباك الروحي فلانـًا الذي يحبك كثيرا وأنا أحبك وأعتز بك كثيرًا وأرجو أن تقبل أسفي لأني ذكرت أمك بالسوء وسببت لك كل هذا الإزعاج وكل تلك المضايقة، ويصدق الفتى -بطيبة وبراءة - مقولة القس ولم يكن يدري - كما يحكي- بأنه كان يدبر له مكيدة وأنه يريد والده وعمه من أجل هذا !

 

ويعود الفتى إلى والده ويخبره أن الأب فلانا (القس) يريده ومعه عمه بعد قدّاس يوم الجمعة القادم، فأجابه الوالد موافقًا، وفي اليوم المذكور اصطحب الرجلان الوالد والعم الفتى قاصدين الكنيسة والتقيا بالقس في الموعد المحدد، وهناك استقبلهما القس. يقول الفتى: ( ولما هممت بالدخول في صحبتهما، استوقفني القس وسألني أن أنتظر خارج الغرفة، لأن الحديث مع الوالد والعم في شأن خاص بك وسيسعدك كثيرًا ويحمل لك مفاجأة سارة ).

 

هكذا خاطب القس الفتى كما حكى - ومكثوا في اجتماعهم قرابة الساعة بعدها خرج الوالد والعم ناكسي الرؤوس - وسألتهما: ماذا حدث ؟ فيجيب الوالد: لاشيء … كل ما هناك أن الأنبا (فلانا) أرسل في طلبك لتمكث معه وفي صحبتك أختك يومين أو ثلاثة ، فقلت: خيرًا ولم أعقب، واستبشرت بتلك الزيارة ؛ لما لذلك الأنبا من مكانة عالية في النفوس ( عند النصارى ) ولما له من كرامات - كما يزعمون في النصرانية - الأمر الذي يتمناه كل نصراني وأخبرني الوالد أن الأنبا يريد أن يقدم لك هدية قيمة ويريد أن يسلمها لك بنفسه ، وأن تمكث معه وأختك يومين أو ثلاثة داخل الدير في مكان سيعجبك جدًا وستستريح فيه كثيرًا ، فأجبته من فوري بالموافقة السعيدة وسألني أن أتأهب للسفر يوم الاثنين التالي للقاء، فصرت متلهفًا للسفر تواقًا لذاك اللقاء ؛ لما كنت أسمع من معجزات ذلك الأنبا وكراماته - كما يزعمون - وكنت أريد أن أرى بعيني ما يزيد يقيني في هذا الرجل ( فما راءٍ كمن سمعا ).

 

وفي يوم الاثنين الموعود يلاحظ الفتى أن والده يساعده في إعداد حقيبة السفر ويضع فيها كل الملابس ويعجب من أمر أبيه كيف يضع كل تلك الملابس ! ولما سأل والده أجاب عنه بقوله: بعد حين ستعرف كل شئ وصمتَ الفتى ولم يلق بالاً ، وانطلقا إلى المطرانية في القاهرة ، ويراقب الفتى الموقف عن كثب، فهاهو الوالد منهمك في إنهاء بعض الإجراءات ولم يشأ الابن أن يسأل الوالد عن أي شئ مما يرى ... ومن القاهرة انتقل الركب إلى بني سويف حيث ( بيت الشمامسة ) وهناك تسلمني قس - والكلام للفتى - وتركني والدي وأوصاني بأختي الصغيرة خيرًا وانصرف.

 

وفي بيت الشمامسة - حيث المقر الجديد للفتى - لم تلبث المعاملة أن تغيرت وتتابعت الأوامر الصارمة والتعليمات المشددة أين ملابسك ؟ اجلس أقبل … هذا سريرك الذي ستنام عليه وهذا مكان حفظ ملابسك، ويسأل الفتى عن أخته فيجيبه المسؤول قائلاً: لا دخل لك بها ... ستكون في مكان وهي في مكان آخر.

 

كان الموقف صعبًا على الفتى ... فالمكان غير مريح - كما يقول-: إن نظرة واحدة لنظام غرفة النوم تذكرك بعنبر السجن حيث الأسرة ذات الطابقين وكثرة عدد المقيمين في البيت ... ومرت الثلاثة أيام والسبعة والعشرة أيام، والفتى يتساءل في حيرة متى سفري إلى أهلي ؟ ومتى أعود لمدينتي ؟ وسرعان ما تأتيه الإجابة: انسَ كل شئ ولا تفكر في مدينتك ولا أهلك ولا في العودة إلى بيتك ... أنت هنا لن تغادر ... نحن نحبك ! ألست تحبنا كما نحبك ؟! وهل نقصر في خدمتك أو في حقك ؟! الطعام يقدم لك في مواعيد والنوم في مواعيد والدروس في مواعيد وحياتك منظمة ، ونحن نحبك ونريدك ، فشعرت بالأسى والحزن يعتصرني وكأني في سجن لا إرادة لي فيه ولا حرية ولا اختيار ، وجعلوا يعدونني إعدادًا لأصبح شماسًا ... الدروس المتتابعة والتلقين المستمر ولم يكن لي من همٍّ إلا أن أحفظ تعاليم النصرانية ودروس اللاهوت، وأن أردد كل ما يلقى إلي كالببغاء إلى أن بلغت الفترة التي أهلتني لأصبح شماسًا وقد تُوجْتُ في تلك الفترة برشم الصليب في شعر رأسي بقص مقدمته على هيئة الصليب، وقام بذلك الأنبا وأجازني شماسًا ... وصرتُ منذ تلك اللحظة حائزًا على درجة شماس داخل الهيكل ولم تزل الحياة هنالك تبعث على الملل والسأم ... كنا مجموعة كبيرة من الفتيان في الحجرة نحيا حياة لا جدة فيها ولا طرافة وإنما حياة رتيبة ... دروس مملة تفرض علينا فرضًا وتعاليم المسيحية تصب في رؤوسنا على غير شرح أو إقناع ، وليس أمامنا إلا أن نستظهر تلك الدروس وإلا فالعقاب الأليم ينتظرنا فضلاً عن صحبة غير طيبة من الشباب المستهتر وحياة لم آلفها ولم أعتدها، الأمر الذي يناقض تكويني ونفسي وتربيتي مما دعاني للكتابة إلى أبي أستعطفه وأرجوه أن يأتي ليخرجنا من هذا المكان وأقول له في خطابي: يا والدي، إني أحبك ... حرام عليك ! أهكذا تتركنا وتخدعنا وتلقي بنا في هذا المصير ... وأيًا كانت الأحوال فأنا ابنك وأحبك . ويتابع الابن إرسال خطاباته إلى أبيه مستغيثًا مستعطفًا إياه ولكن دون جدوى !

 

وتزداد معاناة الفتى فيفاجأ بعد معاناته السابقة طيلة ستة أشهر بتقرير من مطرانية بني سويف بترحيله إلى بني مزار في محافظة المنيا إلى مكان يعرف ببيت النعمة وشهرته عند المسلمين ( مدرسة الأقباط الإعدادية المشتركة ) كما يقول صاحبنا.

 

ويواصل حديثه عن بيت النعمة فيقول:  وهناك في (بيت النعمة) الذي كان في الحقيقة (بيت النقمة) شربت المر ألوانا وعشت الصبر أشجانًا، وصرت أذكر أيام المعاناة في بني سويف بكل خير ، فقد كانت أيامي فيها نعيمًا قياسًا على أيامي التي قضيتها في (بيت النعمة) ... والله الذي لا إله غيره كلما ذكرت أيامي في بني مزار في (بيت النعمة) شعرت بآثار السياط تلهب ظهري وترهق كاهلي ! لشدة ما كانت عليه العجوز الحيزبون من قسوة في معاملتنا . إذ حرمها الله من كل مسحة جمال ونعتّها بكل ما هو قاسٍ وقبيح ... إنها مخيفة مرعبة ، فهي تتعامل مع الشباب بالسياط الحامية، لقد كانت تطاردنا في أرجاء البيت بعصاها الغليظة حتى كان شباب هذا البيت يختبئون تحت الأسرة وخلف الأبواب خوفًا من عقابها ولم يكن غريبًا أن تراقبنا ساعة تناول الطعام وتلاحقنا بأوامرها ولم يكن غريبًا أن تأمر الفرد منا أن ينهض ويترك الطعام دون أن يشبع إذلالاً له وإهانة لكرامته ، أما أختي فقد قصوا لها شعرها وأخبروها أنها ستتزوج قسًا رغما عنها عندما تبلغ الخامسة عشرة ، وأتساءل في حيرة وضجر إلى متى سأظل على هذا العذاب ؟ فتكون الإجابة: إلى أن تموت ! … لن ترى والدك ولا أحد أفراد أسرتك ولا أحبابك إلا أن تموت !

 

ومضت الشهور - كما يقول الفتى- شهرًا تلو شهر ، وعاودت الكتابة إلى أبي مستجيرًا به أستعطفه لينقذني من هذا الكرب الذي كنت أعيش فيه ولكن دون جدوى مما جعلني أكتب إليه ذات مرة داعيًا عليه ، وقلت في رسالتي إليه ذات مرة فلينتقم الله منك ! وأصابني المرض والهزال، وبلغ التعب والأرق بي مبلغه وغايته، وكان الوقت يمر ثقيلاً في صحبة فتية مما ساءت أحوالهم واستحقوا التأديب والعقاب من الكنيسة ، فمنهم من أسلم أبوه ومنهم من أسلمت أمه ومنهم من هو مطلوب لثأر في الصعيد ويتوافد الزوار على هذا البيت الذي نسكن فيه ، ويشاهدون ما نحن عليه من شقاء وعنت، وكأننا مخلوقات عجيبة في حديقة الحيوان، يتسلى الناس بمشاهدتها، ومرت ستة شهور، وأنا في هذا العذاب، وعاودت الكتابة إلى أبي أتوسل إليه أن يأتي ليشاهدني ولو مرة واحدة، ولم يكن من الممكن أن نفر من هذا البيت ولا سبيل للنجاة من هذا العذاب؛ لأن حراسته كانت شديدة ، ولم يكن من الممكن أن ينجح أحد في اقتحام الصعوبات المفروضة للحراسة حتى لو نجح أحد في اختراق الحراسة فإن محاولة غير مأمونة العواقب ويمكن الإمساك به وإعادته مرة أخرى، ليلقى مزيدًا من العذاب ولكن إلحاحي في الكتابة إلى والدي دفعه لزيارتنا وما أن جاء لزيارتنا ورأى الصورة التي كنت عليها من الهزال والضعف وسوء حالي ، حتى احتضنني باكيًا الأمر الذي شجعني على الارتماء في حضنيه وتقبيل يديه وقدميه والاستغاثة به ، لينقذني من المعاناة التي كنت فيها، حتى إن أختي كانت معي في نفس البيت في الطابق الأعلى ولم أتمكن من رؤيتها طوال مدة وجودي فيه ، مما رقق قلب أبي فذهب إلى رئيس البيت، وقال له: لو سمحت ، أريد أن أعود بالولدين: عماد وأخته - إن شاء الله - وحسبهما هذه المدة التي مكثوها عندكم ، فرد المسؤول: لا إن شاء الله لن تأخذهم أبدًا أبدًا أبدًا، فقال له أبي: ما معنى هذا ؟ فأجاب رئيس البيت: لو أخذت الولدين معك إلى مدينتكم سوف يتعلقون بأمهم، وسيسبب هذا لك وللكنيسة إزعاجًا لا داعي له، فأجابه الوالد بنبرة قاطعة : أريد أولادي وإليكم الأوراق المتعلقة بذلك، وأصر والدي على موقفه ، فرد المسؤول في نبرة تحدٍ: لا. لن نسلمك أولادك ( واخبط راسك في الجدار ) واصنع ما بدا لك، فرد الوالد قائلاً: إذاً سأخرج من هنا إلى المحافظ وأشكو إليه أمركم وأفضح أمركم على الملأ، فلما وجد المسؤول ذلك الإصرار من والد الفتى رد عليه في غلظة وسلم الفتى وأخته مضطرًا ، يقول الفتى: وفيما نحن في الطريق إلى مدينتنا، سألت والدي عن حال أمي، فقال لي: يا بني. إن أمك قد ماتت إثر حادث صدام بالسيارة ، وصدمها خالك وقضت نحبها، ويسقط في يد الفتى ويصدم صدمة نفسية عميقة يعاف معها الحياة، إذا ضاق بالحياة ذرعًا بعد فراقها ويقول لأبيه في تساؤل حزين: إذن لماذا نذهب إلى مدينتنا، عد بنا من حيث أتينا ، فما قيمة العودة دون أمل في لقاء أمي والأنس بها ؟! وواصلنا المسير حتى بلغنا مدينتنا.

 

وتمضي الأيام ويعود الفتى وأخته إلى بيت الوالد، ويستأنف الفتى عمله في متجر العائلة مع أبيه، وبعد مضي أربعين يومًا، وبينما كان الفتى في متجر أبيه إذا بصوت سيدة تنادي من جانب قريب: يا عماد يا عماد ويدرك الفتى على الفور بأنه صوت أمه ، فيسرع نحوها ويرتمي في أحضانها، ويوقن وقتها بأن أبيه قد أخفى الحقيقة عنه حتى لا يفكر فيها، ولا يعاود الاتصال بها، وتعطيه الأم الحنون عنوانها، ويعود الأمل من جديد، يقول الفتى: وصرتُ أسير حثيثًا نحو النور ، وبعد أيام قليلة قمت بزيارتها فرحبت بي وغمرتني بعطفها وحبها وحنانها ورأيت النضارة تعود إلى وجهها من جديد، بعد أن عانت أشد المعاناة في بعدنا عنها، ولما عدت إلى بيت والدي استدعاني أبي وفاتحني في موضوع زواجه من جديد أملاً ألا يسبب هذا الموضوع أي إزعاج لي فوافقته من فوري، ولم أعارضه، وقلت له : إنها حياتك، وأنت ولك التصرف وسعى أبي لاستخراج التصريح اللازم لهذا الزواج حسب ما يقضي به المذهب الأرثوذكسي ، فذهب إلى مطرانية القاهرة لهذا الغرض وهناك رأى عجبًا فمن قائل له: لا بد أن تدفع 200 جنيه وآخر يطلب 150 جنيه لعمل تصريح الزواج وثالث يطلب 70 جنيها لاستخراج التصريح، ولما حصل الأب على التصريح له بالزواج تعهدته امرأة العم - وكانت امرأة متعصبة للنصرانية تعصبًا أعمى تكره الإسلام والمسلمين كراهية شديدة - فاختارت له زوجة نصرانية متعصبة للنصرانية أيضًا، ودخل بها - وكان فارق السن بينها وبين أبي كبيرًا- وصارت معاملتها لنا تسوء يومًا بعد يومٍ، حتى إنها شكتني إلى أبي ذات يوم قائلة له - زورًا وبهتانًا-: هل تتخيل أن ابنك يرفع يده عليّ ؟ فغضب أبي أشد الغضب واشتعلت ثورته فانهال عليّ ضربًا لا رحمة فيه؛ من أجل إرضاء زوجته الصغيرة المدللة مما دفعني للعودة إلى أمي ؛ لاستعير منها بعض الكتب التي تساعدني على التعرف على الإسلام، ونصحتني أمي أن أقرأ بعمقٍ وقالت لي: يا بني، إنك ملم بتعاليم النصرانية، فأنت شماس داخل الهيكل أرجو أن تقرأ القرآن الكريم بعمق وتعاود قراءة الإنجيل وتطالع كتب السيرة ثم تقارن بينها .... ولكنها حذرتني أن يطلع أبي على هذا الأمر .. أو تلك الكتب ؛ وإلا فسيكون مصيري هو الموت ! فلما علم أبي بترددي على أمي وزيارتها استدعاني ذات مرة وجرى بيني وبينه الحوار التالي قائلاً لي: ما الخبر ؟ هل عاودت زيارة أمك ؟ فأجبته: نعم عاودت زيارتها ؛ لأنتقم منها لأنها خانت المسيح .... فقال لي: كيف ذلك ؟ فقلت له: اصبر وسترى - إن الله مع الصابرين - سوف أنتقم منها انتقامًا شديدًا .... ولما تحدثت مع عمي في هذا الأمر وقلت له ما قلت لأبي أعجب بي كثيرًا ورأيته متهللاً وقال لي: أحسنت ومضى يقول: لقد أخبرني القس في الكنيسة بأنه يتوقع لك مستقبلاً باهرًا . وأنك ستصبح مع الترقي قسيسًا في الكنيسة بعد عدة سنوات ، وانتقم يا بني من أمك بالطريقة التي تحلو لك ، فسررت كثيرًا لقناعة أبي وعمي بما قلت لهم تبريرًا لزيارة أمي وكان ذلك تمويهًا وبعثًا للأمان في نفسي ؛ حتى أجد الأمان في البحث عن الحقيقة ومعرفة حقيقة الإسلام وبعد معاناة في البحث والاطلاع والمقارنة بين مصادر الإسلام والنصرانية غمرني نور الإسلام وذقت مع مطالعة مصادره حلاوة وطمأنينة، لم أكن أجدها قبل الإسلام. فعدت إلى أمي وفاتحتها في أمر اعتناق الإسلام.

 

وقد ساعد الفتى في الوصول إلى القناعة التامة بقبول الإسلام دينًا وجود مسجد قريب من منزل أمه الصالحة فكان بتشجيع من والدته يمارس فيه الشعائر الدينية من إقامة الصلاة وقراءة القرآن ومتابعة الأذان . يقول الفتى: (وصدق الله العظيم إذ يقول (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) وكنت أقضي نهاري عن والدتي وأعود للمبيت في بيت أبي) ولما وصل الفتى إلى هذه الدرجة العالية من اليقين بالحق في دين الإسلام وفي شريعته الغراء .. قال: ( فاتحت أمي في رغبتي في اعتناق الإسلام وترك النصرانية، فوافقتني وهي فرحة، فأعلنت إسلامي على يد أمي أولا قبل الشروع في اتخاذ الإجراءات الرسمية في إشهار إسلامي، وسمحت لي بأن أتردد على المسجد، لأداء الصلاة، وقد عرف إمام المسجد بقصتي فكان يساعدني في فهم قواعد الإسلام وفقه العبادات ولا سيما فقه الصلاة ، وكان وشم الصليب لا يزال واضحا وجليا في معظم اليد مما كان يسبب لي حرجًا وعنتًا شديدين لمن لا يعرف قصتي.

 

ومن المواقف التي تعرض لها عماد للحرج الشديد خلال تردده على المسجد المذكور في حالته التي كان عليها - كما يحكي- فيقول: هممت بالوضوء من مياه المسجد ذات مرة وكشفت عن ذراعي وفيما أرفعهما أثناء الوضوء إذا جاري المسلم -أثناء الوضوء- يلمح وشم الصليب في يدي. فقال لي: ماذا تصنع ؟ فأجبته ملمحًا: نسأل الله الهداية. فسكت ولم يغضب، وترك مكان الوضوء بجانبي ونأى عني واستكمل وضوءه، وفي موقف آخر تعرضت لإحراج شديد، حيث أقيمتْ الصلاة وكبر الإمام تكبيرة الإحرام كنت خلف الإمام في الصف الأول وبينما أرفع يدي مع تكبيرة الإحرام إذا بأحد المصلين من العامة يلمح وشم الصليب في يدي فيلتفت نحوي في غضب ويجذبني من ملابسي في قسوة يجرجرني بعيدًا عن صفوف المصلين ويصب عليّ جام غضبه ، وتنصبُّ عليَّ شتائمه وتهديداته ويقول لي: (يادسيسة) جئت تتجسس على المسلمين، وقال ألفاظًا أخرى لا أذكرها مما أحزنني كثيرًا ، ولولا يقيني في الإسلام وقد شرح الله صدري إليه لفتنت في ديني ، وكان شيخ المسجد يعرف قصتي فلما فرغ من الصلاة عنف الرجل وإن كان الرجل الجاهل قد اعتذر إلي بعد أن أشهرت إسلامي وقال لي: (أنت الآن من أهل الجنة) وكان هدفي من ترددي على المسجد أن أتزود من فقه الإسلام ولأزداد يقينًا على يد الشيخ: حسين أحمد عامر حتى أتمكن من مواجهة شدائد ما بعد إشهار إسلامي رسميًا ، وصارحت والدتي برغبتي في إعلان إسلامي رسميًا فقالت: أختك من قبلك؛ لأنها ستضيع ... وقد تلاقي عندهم ما تلاقيه من شقاء وعنت إذا أسلمت وتركتها عندهم ، مما أشعرني بالخوف على أختي ودفعني لمساعدتها على معرفة الإسلام وفهمه عسى الله أن يشرح صدرها إليه وإن يهديها إلى الدين الحق دين الإسلام ملة إبراهيم ودين رسل الله وجميع أنبيائه.

 

وذات يوم تعود الفتاة من الكنيسة وهي تحمل صورة لميلاد المسيح (حسب زعمهم) ، وكان عمرها حينذاك لا يجاوز الاثني عشر ربيعًا فيسألها الفتى الأخ: ماذا تحملين ؟ فأجابت هذه صورة للمسيح في مذود البقر، ويعاود الفتى سؤال أخته:وما هذا الذي حول الصورة ؟ ومن هذا الذي في الصورة ؟ فقالت: ربنا ! ، ويدهش الفتى ، ويواصل السؤال: ومن هذا الذي حوله ؟ فقالت: بقر وحمار وحيوانات أخرى. ويسأل سؤالاً أخر: وأين ولد الرب ؟ فأجابت: في مذود البقر، فقال: وما معنى مذود البقر ؟ فقالت: حظيرة حيوانات، فيرد الفتى: وهل يليق بالرب والإله أن يولد في حظيرة البهائم ؟ فقالت: لا. هذا تواضع منه كما علمتني المعلمة في الكنيسة، فيعلق الفتى: هل التواضع من إله - ولله المثل الأعلى- أن يولد في بيت متواضع أم في حظيرة حيوانات قذرة ؟ فإذا الأخت تقول: أنا أيضًا غير مقتنعة بهذا المنطق النصراني وراغبة في الإسلام، وما لبثت الفتاة أن أعلنت إسلامها على يد أخيها ونطقت بالشهادتين ( أشهد لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله) أمامه ثم اتجها إلى الجهات المسؤولة ليعلنا إسلامهما معًا وهناك وجدا أشد المعاناة وتعرضا لاختبارات كثيرة وبلاء شديد حتى سمح لهما باعتناق الإسلام - كماي قول- : ( مناقشات طويلة وضغوط من النصارى وتهديدات وأسئلة في فقه الإسلام وعقيدته ، وتمكنا بفضل الله وتوفيقه أن نجتاز الاختبارات بنجاح) ، وإن كانت المناقشة قد طالت وأرهقته؛ لأنها كانت شاقة وحادة وطويلة، وقد امتدت فترة المعاناة العقلية والنفسية في رحلة فتانا من الشك إلى اليقين خمس سنوات كانت أصعب سنين عمره وقد صارت حياته بعد إسلامه تفيض بمحبة الإسلام .

 

يقول الفتى: (ذات يوم وبعد إسلامي ، تقابلت أنا وأحد القساوسة، وكان معه شابان فقال لي القس في سخرية: بعت دينك يا عماد مثل فلان، ويقصد بفلان هذا الرجل الذي باع دمه من أجل الحصول على لقمة العيش فرددت عليه قائلاً: هل تعلم أن البابا تزوج ؟ فقال على الفور: البابا لا يتزوج، فقلت: سبحان الله البابا لا يتزوج والإله يتزوج، عجبًا لك تحرم هذا الأمر على البابا وترضاه للإله)

 

ويمضي الفتى قائلاً: (تحدثت مع أحد أفراد الكنيسة قلت له: لماذا قدم المسيح نفسه قرباناً لمغفرة خطيئة آدم ولم يقدم آدم نفسه بدلاً عنها ؟! ولماذا كان عيسى عليه السلام مسؤولا دون غيره عن خطيئة آدم ، ومطالبًا بالتكفير عنها، وأين المسؤولية الفردية ؟ أليس ضياعها في المجتمع دليلاً على أنه يحكم بشريعة الغاب ؟ ثم أليس من الأعدل أن يحي الله آدم ويأمره بتقديم نفسه قرباناً ؟ ولماذا يقدم عيسى نفسه قربانًا بلا سبب وجيه ؟ ثم من الذي أحيا المسيح بعد موته ؟ هل أحيا نفسه ؟ أم أحياه غيره ؟ وإن كان هذا عن طيب خاطر فمن ذا الذي كان يصيح ويستغيث على الصليب ويقول: (إيلي إيلي لماذا شبقتني) أي: إلهي إلهي لماذا تركتني؟ سمع محاوري هذا وبعدها فرَّ هاربًا ولم يعقِّبْ).

 

ويحكي الفتى قائلاً : ( تحدثت مع أحد رجال الدين النصراني. قلت له: أين أولادك حتى أسلم عليهم ( وهذا دون قصد مني ) فقال: أنا ليس عندي أطفال ولم أنجب، وبنظرة سريعة إلى عينيه المملوءتين بالدموع، استطرد فبدأ حديثه معي قائلاً : الفرد منا يريد أن ينجب طفلاً ليحمل اسمه ويكمل رسالته بعد موته ... نظرت في وجهه وقلت: سبحان الله هل الله في حاجة إلى من يحمل اسمه أو يكمل رسالته وقرأت عليه قول الله تعالى: (وقالوا اتخذ الرحمن ولدًا (*) لقد جئتم شيئًا إدّا (*) تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدًا (*) أن دعوا للرحمن ولدًا (*) وما ينبغي للرحمن إن يتخذ ولدًا (*) إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا (*) لقد أحصاهم وعدهم عدًا (*) وكلهم آتيه يوم القيامة فردًا ).

 

نقلا عن كتاب: قصة الفتى النصراني الذي اهتدى .. (بتصرف يسير)

 


89- سناء الفتاة المصرية النصرانية سابقاً

 

تقول سناء المصرية تحكي قصة اسلامها:

"نشأت كأي فتاة نصرانية مصرية على التعصب للدين النصراني، وحرص والداي على اصطحابي معهما إلى الكنيسة صباح كل يوم أحد لأقبل يد القس، وأتلو خلفه التراتيل الكنسية، وأستمع إليه وهو يخاطب الجمع ملقنا إياهم عقيدة التثليث، ومؤكدا عليهم بأغلظ الأيمان أن غير المسيحيين مهما فعلوا من خير فهم مغضوب عليهم من الرب، لأنهم – حسب زعمه - كفرة ملاحدة.

 

كنت أستمع إلى أقوال القس دون أن أستوعبها، شأني شأن غيره من الأطفال، وحينما أخرج من الكنيسة أهرع إلى صديقتي المسلمة لألعب معها، فالطفولة لا تعرف الحقد الذي يزرعه القسيس في قلوب الناس.

 

كبرت قليلا، ودخلت المدرسة، وبدأت بتكوين صداقات مع زميلاتي في مدرستي الكائنة بمحافظة السويس.. وفي المدرسة بدأت عيناي تتفتحان على الخصال الطيبة التي تتحلى بها زميلاتي المسلمات، فهن يعاملنني معاملة الأخت، ولا ينظرن إلى اختلاف ديني عن دينهن، وقد فهمت فيما بعد أن القرآن الكريم حث على معاملة الكفار – غير المحاربين – معاملة طيبة طمعا في إسلامهم وإنقاذهم من الكفر، قال تعالى : { لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين}.

 

إحدى زميلاتي المسلمات ربطتني بها على وجه الخصوص صداقة متينة، فكنت لا أفارقها إلا في حصص التربية الدينية، إذ كنت – كما جرى النظام أدرس مع طالبات المدرسة النصرانيات مبادئ الدين النصراني على يد معلمة نصرانية. كنت أريد أن أسأل معلمتي كيف يمكن أن يكون المسلمون – حسب افتراضات المسيحيين – غير مؤمنين وهم على مثل هذا الخلق الكريم وطيب المعشر؟ لكني لم أجرؤ على السؤال خشية إغضاب المعلمة حتى تجرأت يوما وسألت، فجاء سؤالي مفاجأة للمعلمة التي حاولت كظم غيظها، وافتعلت ابتسامة صفراء رسمتها على شفتيها وخاطبتني قائلة: " إنك ما زلت صغيرة ولم تفهمي الدنيا بعد، فلا تجعلي هذه المظاهر البسيطة تخدعك عن حقيقة المسلمين كما نعرفها نحن الكبار..". صمت على مضض على الرغم من رفضي لإجابتها غير الموضوعية، وغير المنطقية.

 

وتنتقل أسرة أعز صديقاتي إلى القاهرة، ويومها بكينا لألم الفراق، وتبادلنا الهدايا والتذكارات ، ولم تجد صديقتي المسلمة هدية تعبر بها عن عمق وقوة صداقتها لي سوى مصحف شريف في علبة قطيفة أنيقة صغيرة، قدمتها لي قائلة:" لقد فكرت في هدية غالية لأعطيك إياها ذكرى صداقة وعمر عشناه سويا فلم أجد إلاهذا المصحف الشريف الذي يحتوي على كلام الله". تقبلت هدية صديقتي المسلمة شاكرة فرحة، وحرصت على إخفائها عن أعين أسرتي التي ما كانت لتقبل أن تحمل ابنتهم المصحف الشريف.

 

وبعد أن رحلت صديقتي المسلمة، كنت كلما تناهى إلي صوت المؤذن، مناديا للصلاة، وداعيا المسلمين إلى المساجد، أعمد إلى إخراج هدية صديقتي وأقبلها وأنا أنظر حولي متوجسة أن يفاجأني أحد أفراد الأسرة، فيحدث لي مالا تحمد عقباه. ومرت الأيام وتزوجت من "شماس" كنيسة العذارء مريم، ومع متعلقاتي الشخصية، حملت هدية صديقتي المسلمة "المصحف الشريف" وأخفيته بعيدا عن عيني زوجي، الذي عشت معه كأي امرأة شرقية وفية ومخلصة وأنجبت منه ثلاثة أطفال. وتوظفت في ديوان عام المحافظة، وهناك التقيت بزميلات مسلمات متحجبات، ذكرنني بصديقتي الأثيرة، وكنت كلما علا صوت الأذان من المسجد المجاور، يتملكني إحساس خفي يخفق له قلبي، دون أن أدري لذلك سببا محددا، إذ كنت لا أزال غير مسلمة، ومتزوجة من شخص ينتمي إلى الكنيسة بوظيفة يقتات منها، ومن مالها يطعم أسرته.

 

وبمرور الوقت، وبمحاورة زميلات وجارات مسلمات على دين وخلق بدأت أفكر في حقيقة الإسلام والمسيحية، وأوازن بين ما أسمعه في الكنيسة عن الإسلام والمسلمين، وبين ما أراه وألمسه بنفسي، وهو ما يتناقض مع أقوال القسس والمتعصبين النصارى. بدأت أحاول التعرف على حقيقة الإسلام، وأنتهز فرصة غياب زوجي لأستمع إلى أحاديث المشايخ عبر الإذاعة والتلفاز، علي أجد الجواب الشافي لما يعتمل في صدري من تساؤلات حيرى، وجذبتني تلاوة الشيخ محمد رفعت، والشيخ عبد الباسط عبد الصمد للقرآن الكريم، وأحسست وأنا أستمع إلى تسجيلاتهم عبر المذياع أن ما يرتلانه لا يمكن أن يكون كلام بشر، بل هو وحي إلهي. وعمدت يوما أثناء وجود زوجي في الكنيسة إلى دولابي، وبيد مرتعشة أخرجت كنزي الغالي "المصحف الشريف" فتحته وأنا مرتبكة، فوقعت عيناي على قوله تعالى: { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون } . ارتعشت يدي أكثر وصببت وجهي عرقا، وسرت في جسمي قشعريرة، وتعجبت لأني سبق أن استمعت إلى القرآن كثير في الشارع والتلفاز والإذاعة، وعند صديقات المسلمات، لكني لم أشعر بمثل هذه القشعريرة التي شعرت بها وأنا أقرأ من المصحف الشريف مباشرة بنفسي. هممت أن أواصل القراءة إلا أن صوت أزيز مفاتح زوجي وهو يفتح باب الشقة حال دون ذلك، فأسرعت وأخفيت المصحف الشريف في مكانه الأمين، وهرعت لأستقبل زوجي.

 

وفي اليوم التالي لهذه الحادثة ذهبت إلى عملي، وفي رأسي ألف سؤال حائر، إذ كانت الآية الكريمة التي قرأتها قد وضعت الحد الفاصل لما كان يؤرقني حول طبيعة عيسى عليه السلام، أهو ابن الله كما يزعم القسيس – تعالى الله عما يقولون - أم أنه نبي كريم كما يقول القرآن؟ فجاءت الآية لتقطع الشك باليقين، معلنة أن عيسى، عليه السلام، من صلب آدم، فهو إذن ليس ابن الله، فالله تعالى { لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد } . تساءلت في نفسي عن الحل وقد عرفت الحقيقة الخالدة، حقيقة أن "لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله". أيمكن أن أشهر إسلامي؟ وما موقف أهلي مني، بل ما موقف زوجي ومصير أبنائي؟ طافت بي كل هذه التساؤلات وغيرها وأنا جالسة على مكتبي أحاول أن أؤدي عملي لكني لم أستطع، فالتفكير كاد يقتلني، واتخاذ الخطوة الأولى أرى أنها ستعرضني لأخطار جمة أقلها قتلي بواسطة الأهل أو الزوج والكنيسة. ولأسابيع ظللت مع نفسي بين دهشة زميلاتي اللاتي لم يصارحنني بشيء، إذ تعودنني عاملة نشيطة، لكنني من ذلك اليوم لم أعد أستطيع أن أنجز عملا إلا بشق الأنفس. وجاء اليوم الموعود، اليوم الذي تخلصت فيه من كل شك وخوف وانتقلت فيه من ظلام الكفر إلى نور الإيمان، فبينما كنت جالسة ساهمة الفكر، شاردة الذهن، أفكر فيما عقدت العزم عليه، تناهي إلى سمعي صوت الأذان من المسجد القريب داعيا المسلمين إلى لقاء ربهم وأداء صلاة الظهر، تغلغل صوت الأذان داخل نفسي، فشعرت بالراحة النفسية التي أبحث عنها، وأحسست بضخامة ذنبي لبقائي على الكفر على الرغم من عظمة نداء الإيمان الذي كان يسري في كل جوانحي، فوقفت بلا مقدمات لأهتف بصوت عال بين ذهول زميلاتي: "أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله"، فاقبل علي زميلاتي وقد تحيرن من ذهولهن، مهنئات باكيات بكاء الفرح، وانخرطت أنا أيضا معهن في البكاء، سائلة الله أن يغفر لي ما مضى من حياتي، وأن يرضى عني في حياتي الجديدة.

 

كان طبيعيا أن ينتشر خبر إسلامي في ديوان المحافظة، وأن يصل إلى أسماع زملائي وزميلاتي النصارى، اللواتي تكفلن- بين مشاعر سخطهن - بسرعة إيصاله إلى أسرتي وزوجي، وبدأن يرددن عني مدعين أن وراء القرار أسباب لا تخفى. لم آبه لأقوالهن الحاقدة، فالأمر الأكثر أهمية عندي من تلك التخرصات: أن أشهر إسلامي بصورة رسمية، كي يصبح إسلامي علنا، وبالفعل توجهت إلى مديرية الأمن حيث أنهيت الإجراءات اللازمة لإشهار إسلامي. وعدت إلى بيتي لأكتشف أن زوجي ما إن علم بالخبر حتى جاء بأقاربه وأحرق جميع ملابسي، واستولى على ما كان لدي من مجوهرات ومال وأثاث، فلم يؤلمني ذلك، وإنما تألمت لخطف أطفالي من قبل زوجي ليتخذ منهم وسيلة للضغط علي للعودة إلى ظلام الكفر.. آلمني مصير أولادي، وخفت عليهم أن يتربوا بين جدران الكنائس على عقيدة التثليث، ويكون مصيرهم كأبيهم في سقر.. رفعت ما اعتمل في نفسي بالدعاء إلى الله أن يعيد إلي أبنائي لتربيتهم تربية إسلامية، فاستجاب الله دعائي، إذ تطوع عدد من المسلمين بإرشادي للحصول على حكم قضائي بحضانة الأطفال باعتبارهم مسلمين، فذهبت إلى المحكمة ومعي شهادة إشهار إسلامي، فوقفت المحكمة مع الحق، فخيرت زوجي بين الدخول في الإسلام أو التفريق بينه وبيني، فقد أصبحت بدخولي في الإسلام لا أحل لغير مسلم، فأبى واستكبر أن يدخل في دين الحق، فحكمت المحكمة بالتفريق بيني وبينه، وقضت بحقي في حضانة أطفالي باعتبارهم مسلمين، لكونهم لم يبلغوا الحلم، ومن ثم يلحقون بالمسلم من الوالدين.

 

حسبتُ أن مشكلاتي قد انتهت عند هذا الحد، لكني فوجئت بمطاردة زوجي وأهلي أيضا، بالإشاعات والأقاويل بهدف تحطيم معنويات ونفسيتي، وقاطعتني الأسر النصرانية التي كنت أعرفها، وزادت على ذلك بأن سعت هذه الأسر إلى بث الإشاعات حولي بهدف تلويث سمعتي، وتخويف الأسر المسلمة من مساعدتي لقطع صلتهن بي. وبالرغم من كل المضايقات ظللت قوية متماسكة، مستمسكة بإيماني، رافضة كل المحاولات الرامية إلى ردتي عن دين الحق، ورفعت يدي بالدعاء إلى مالك الأرض والسماء، أن يمنحني القوة لأصمد في وجه كل ما يشاع حولي، وأن يفرج كربي. فاستجاب الله دعائي وهو القريب المجيب، وجاءني الفرج من خلال أرملة مسلمة، فقيرة المال، غنية النفس، لها أربع بنات يتامى وابن وحيد بعد وفاة زوجها، تأثرت هذه الأرملة المسلمة للظروف النفسية التي أحياها، وتملكها الإعجاب والإكبار لصمودي، فعرضت علي أن تزوجني بابنها الوحيد "محمد" لأعيش وأطفالي معها ومع بناتها الأربع، وبعد تفكير لم يدم طويلا وافقت، وتزوجت محمدا ابن الأرملة المسلمة الطيبة. وأنا الآن أعيش مع زوجي المسلم "محمد" وأولادي ، وأهل الزوج في سعادة ورضا وراحة بال، على الرغم مما نعانيه من شظف العيش، وما نلاقيه من حقد زوجي السابق، ومعاملة أسرتي المسيحية. ولا أزال بالرغم مما فعلته عائلتي معي أدعو الله أن يهديهم إلى دين الحق ويشملهم برحمته مثلما هداني وشملني برحمته، وما ذلك علي الله – سبحانه وتعالى – بعزيز.

 

سناء - مصر حرسها الله بالإسلام

المصدر: كتاب (العائدون إلى الله) للشيخ محمد بن عبد العزيز المسند


90-سوسن هندي الفتاة المصرية النصرانية سابقاً

 

قصتي مع الإيمان قصة طويلة هي مشوار العمر كله ، فمنذ كنت طفلة صغيرة لا أعي شيئاً من حولي ، وبدأت أتعرف على الأشياء ، وجدتني مدفوعة بنهم للاطلاع والقراءة في كل أنواع المعرفة ، وكانت البداية قراءات وحوارات ولقاءات متعددة انتهت بي إلى إشهار إسلامي. هذا ما أكدته سوسن هندي التي كانت إلى وقت قريب فتاة نصرانية شديدة التعصب لعقيدتها قبل أن تعلن إسلامها. قالت : إنني نشأت في أسرة مسيحية وكنت الابنة الوحيدة بين أربعة أشقاء من الذكور ولذا كنت مدللة للغاية وتعلقت بالإسلام منذ الصغر قبل أن أصل لمرحلة التفكير ، ففي المرحلة الابتدائية كنت المسيحية الوحيدة في الفصل إلى جانب مسيحي آخر ، وكنت أحرص على حضور درس الدين الإسلامي مع زميلاتي وكان مدرس اللغة العربية بأسلوبه المحبب إلينا وشرحه المبسط يأسرني بما يرويه عن الإسلام ، وفي المرحلة الإعدادية كنت أحرص على استعارة كتاب الدين الإسلامي المقرر وبي شغف شديد لاستيعاب كل ما فيه ، كذلك كان حالي في المرحلة الثانوية ، وكان كتاب ( عبقرية عمر ) للأستاذ محمود العقاد الذي كان مقرراً علينا في المرحلة الثانوية ، نقطة تحول في تفكيري. وتضيف سوسن : إنه رغم تشبث أبي بمسيحيته وتردده على الكنيسة إلا أن مكتبته الخاصة بمنزلنا بها عدد كبير من الكتب الإسلامية وكنت أتسلل إلى المكتبة في غيبته لأشبع نهمي للاطلاع المجرد بلا هدف ، وبالتدريج تكونت لدي الرغبة في المزيد من البحث عن المجهول بالنسبة لي من أجل العلم والمعرفة. في هذه المرحلة كنت مسيحية شديدة التعصب مواظبة على التردد على الكنيسة ، وكنت أشعر بالغيرة على عقيدتي وهي تتضاءل أمام الإسلام ، وكنت أتمنى أن أرى ـ وقتها ـ في عقيدتي المسيحية من القيم والمبادئ القويمة في العقيدة والشريعة والسلوك ما هو موجود في الإسلام ، وكان كل همي أن أستوعب " عبقرية عمر " المقرر علينا رغبة في الحصول على درجة كبيرة في اللغة العربية التي أعشقها وحتى يتسنى لي الالتحاق بقسم اللغة العربية بكلية الآداب ، ولم أكن أدري أن هذا القسم لا يلتحق به إلا المسلم أو المسلمة وشخصية عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أذهلتني ، وقد كان عليًّ ـ رضي الله عنه ـ محقاً عندما قال : [ عقمت الأمهات أن يلدن مثل عمر ] ، لقد أرسى أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه الدولة المسلمة سياسياً لكن عمر أرساها سياسياً وفكرياً معاً. وتمضي سوسن هندي قائلة : ولم تكن أسرتي تشعر بشيء بل كان والدي لا يرى مانعاً من مطالعتي للكتب الإسلامية لزيادة المعلومات لا أكثر ، كان هناك إنسان واحد يحس بي وبحيرتي ، قس شاب متفتح حر التفكير ، كان يقول لي : ( أنت ملزمة بما ترين ولست بملزمة بنصوص الإنجيل التي تقلقك ، إني أراك باحثة عن الحقيقة ). وعندما علم بحزني لعدم التحاقي بقسم اللغة العربية ، أشار علي بقسم التاريخ ، وقال لي : ( ستجدين في التاريخ ما تبحثين عنه ) كان هذا القس يحمل ليسانس آداب قسم تاريخ. توفي القس ، وكم حزنت على وفاته ، فلم أشك لحظة واحدة في أنه مؤمن يكتم إيمانه ، وزاد حزني أن القس الذي حل محله ، كان على عكسه تماماً ، وكان يضيق بمحاورتي له ، وما أكثر ما قال لي : إنك تفسدين زميلاتك الشابات في الكنيسة. فقدت الثقة في الإنجيل وعندما التحقت بالجامعة .. حملت معي فكراً قلقاً بالنسبة لمسيحيتي وفقدت الثقة في الأناجيل وشروحها الكثيرة ولكنها على طرفي نقيض ، ولكن لا أكتمكم سراً حين أقول : إن الإنجيل كان عاملاً مساعداً لي على إشهار إسلامي وطالما وضعته أمام القرآن الكريم في إطار المقارنة فأحسست بأن لا وجه للمقارنة. وتضيف : كان الحوار بيني وبين الشباب المسلم داخل الجامعة على أشده ولكن بروح سمحة ، وما أن ينتهي الحوار حتى نعود أصدقاء . وفي السنة الأخيرة قررت أن يكون حواري مع أستاذ بالكلية ، هذا الأستاذ كان على بينة من دينه في غير تعصب . وقبل امتحان السنة النهائية ، فاجأت الأستاذ بعزمي على الدخول في الإسلام عن اقتناع تام ، ودهشت عندما طلب مني أن أتريث حتى أنتهي من الامتحان ، لكني أصررت على موقفي. وغادرت منزلي لأعيش في ضيافة أسرة إحدى زميلاتي حتى استطعت إشهار إسلامي ، جن جنون أسرتي التي فقدت كل أمل في أن أعود إليها ، وأبلغوا عني أنني مخطوفة ، ولكنني ذهبت إلى الأجهزة المختصة وكتبت إقراراً بأنني لست مختطفة. تزوجت مسلماً وتقول سوسن هندي : تزوجت شاباً مسلماً ملتزماً من الذين كنت أحاورهم في الجامعة ولم تتعد أو تتجاوز علاقتي به حدود الحوار ، ولكن ما إن علم بإعلان إسلامي حتى بادر بالتقدم لخطبتي وقبلت على الفور ، وكنت أعرف فيه دماثة الخلق وهدوء الطبع بالإضافة إلى استقامته والتزامه بدينه ، قد رحبت أسرته بي ترحيباً شديداً وأحسست بأنني في أمان بين هذه الأسرة المؤمنة ، وحاولت وكنت أود أن تكون هناك صلة بيني وبين أسرتي .. فالله سبحانه وتعالـى يقول في محكم التنزيل : { وإن جاهداك على أن تشرك بـي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتّبع سبيل من أناب إليّ .. } حاولت أن أكون على هذا المثال ولكن بلا جدوى. و قد رأى زوجي أن أبدأهما بالزيارة ، وبالفعل قمت بزيارة أبي إلا أنه رفض هذه الزيارة ، ونصحني بعدم زيارة أمي وأخوتي. وأخيراً تقول : الحمد لله أنا الآن ربة بيت أبحث عن عمل يليق بي حيث أعيش مع زوجي وابنتيّ أسماء وإسراء وأكتب في بعض المجلات والصحف الدينية وشغلي الشاغل حالياً أن يظهر أول كتاب لي وهو " قصتي مع الإسلام".

 

90-الطفل الأمريكي ألكساندرفريتز

 

أحضرت له أمه كتباً عن كل الأديان وبعد قراءة متفحصة, قرر أن يكون مسلماً قبل أن يلتقي بمسلم واحد.

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:" كل مولود يولد على الفطرة, فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه". وقصة اليوم ما هي إلا مصداق لهذا الحديث الشريف.

فقد ولد ألكساندر فرتز لأبوين مسيحيين في عام 1990م. وقررت أمه منذ البداية أن تتركه ليختار دينه بعيداً عن أي تأثيرات عائلية أو اجتماعية. وما أن تعلم القراءة والكتابة حتى أحضرت له كتباً عن كل الأديان السماوية و غير السماوية. وبعد قراءة متفحصة, قرر ألكساندر أن يكون مسلماً! وقد شغف حباً بهذا الدين لدرجة أنه تعلم الصلاة, وتعرف على كثير من الأحكام الشرعية, وقرأ التاريخ الإسلامي, وتعلم الكثير من الكلمات العربية, وحفظ بعض السور, وتعلم الأذان. كل هذا بدون أن يلتقي بمسلم واحد!

وبناء على قراءاته قرر أن يكون اسمه الجديد "محمد عبد الله تيمناً بالرسول الذي أحبه منذ نعومة أظفاره. "ابتدأني هو بالسؤال هل أنت حافظ؟" قالها بالعربية! - قلت له لا, وأحسست بخيبة أمله.

تابع يقول "ولكنك مسلم وتعرف العربية أليس كذلك"؟.

وأمطرني بأسئلة عديدة "هل حججت؟" "هل قمت بأداء العمرة؟" "كيف تحصل على ملابس الإحرام؟"هل هي مكلفة؟" هل بإمكاني شراؤها هنا أم يبيعونها في السعودية فقط؟". ما هي الصعوبات التي تعاني منها كونك مسلماً في جو غير إسلامي؟ ".

لقد توقعت أن يذكر أشياء تتعلق بزملائه أو مدرسيه, أشياء تتعلق بأكله أو شربه، أو بالطاقية البيضاء التي يرتديها، أشياء تتعلق بالغترة التي يلفها على رأسه على الطريقة اليمنية, أو بوقوفه مؤذناً في الحديقة العامة قبل أن يصلي, ولكن جوابه كان غير متوقع وكان هادئاً وممزوجاً بالحسرة "تفوتني بعض الصلوات في بعض الأحيان بسبب عدم معرفتي بالأوقات

ما هو الشيء الذي جذبك للإسلام؟ لماذا اخترت الإسلام دون غيره؟

-سكت لحظة ثم أجاب "لا أدري, كل ما أعرفه أنني قرأت عنه وكلما زادت قراءتي أحببته أكثر".

هل صمت رمضان؟.

- ابتسم وقال نعم لقد صمت رمضان الماضي كاملاً والحمد لله, وهي المرة الأولى التي أصوم فيها, لقد كان صعباً وخاصة في الأيام الأولى". ثم أردف "لقد تحداني والدي أنني لن أستطيع الصيام, ولكني صمت ولم يصدق ذلك".

ما هي أمنيتك؟. - فأجاب بسرعة "عندي العديد من الأمنيات, أتمنى أن أذهب إلى مكة المكرمة وأقبل الحجر الأسود" .

"لقد لاحظت اهتمامك الكبير بالحج, هل هناك سبب لذلك؟".

_ تدخلت أمه و لأول مرة لتقول "إن صور الكعبة تملأ غرفته, بعض الناس يظن أن ما يمر به الآن هو نوع من الخيال, نوع من المغامرة التي ستنتهي يوماً ما, ولكنهم لا يعرفون أنه ليس جاداً فقط, بل إن إيمانه عميق لدرجة لا يحسها الآخرون. علت الابتسامة وجه محمد عبد الله و هو يرى أمه تدافع عنه, ثم أخذ يشرح لها الطواف حول الكعبة وكيف أن الحج هو مظهر من مظاهر التساوي بين الناس كما خلقهم ربهم بغض النظر عن اللون والجنس والغنى والفقر. ثم استطرد قائلاً: إنني أحاول جمع ما يتبقى من مصروفي الأسبوعي لكي أتمكن من الذهاب إلى مكة المكرمة يوما ما, لقد سمعت أن الرحلة ستكلف قريباً من 4 آلاف دولار, ولدي الآن 300 دولار"..علقت أمه قائلة في محاولة لنفي أي تقصير من طرفها :ليس عندي أي مانع من ذهابه إلى مكة ولكن ليس لدينا المال الكافي لإرساله في الوقت الحالي

. ما هي أمنياتك الأخرى؟.

- أتمنى أن تعود فلسطين للمسلمين, فهذه أرضهم وقد اغتصبها الإسرائيليون منهم. نظرت إليه أمه مستغربة فأردف موحياً أن هناك نقاشاً سابقاً بينه وبين أمه حول هذا الموضوع: أمي, أنت لم تقرئي التاريخ, إقرئي التاريخ, لقد تم اغتصاب فلسطين.

و هل لديك أمنيات أخرى؟.

أمنيتي أن أتعلم اللغة العربية و أحفظ القرآن الكريم.

ماذا تريد أن تصبح في المستقبل؟.

- أريد أن أصبح مصوراً لأنقل الصورة الصحيحة عن المسلمين. لقد شاهدت الكثير من الأفلام التي تشوه صورة المسلمين, كما شاهدت العديد من الأفلام الجيدة عن الإسلام والتي أصدرها أشخاص أعتبرهم مثلي الأعلى وقد اعتنقوا الإسلام في الستينيات. وسأقوم بدراسة الإسلام في جامعة أكسفورد, لقد قرأت أن لديهم برنامجاً جيداً في الدراسات الإسلامية.

 

هل تود أن تدرس في العالم الإسلامي؟. فأجاب بالتأكيد, خاصة في الأزهر.

تدخلت أمه لتقول "هل شاهدتم فيلم الملوك الثلاثة؟" إنه فيلم عن حرب الخليج, إنه فيلم رائع. و هنا أعرب محمد عن امتعاضه قائلاً " إنه فيلم سيئ, لم أحبه على الإطلاق" و هنا أردفت أمه قائلة : إنه لا يحبه لأن الجنود الأمريكيين قاموا بقتل بعض المسلمين بدون سبب, ولكنه فيلم جيد بشكل عام!.

هل تجد صعوبة في مجال الأكل؟ و كيف تتفادى لحم الخنزير؟.

"الخنزير حيوان وسخ جداً, أنا استغرب كيف يأكلون لحمه, أهلي يعلمون أني لا آكل لحم الخنزير لذلك لا يقدمونه لي, وإذا ذهبنا إلى مطعم فإنني أخبرهم أني لا آكل لحم الخنزير. هل تصلي في المدرسة؟. نعم, وقد اكتشفت مكاناً سرياً في المكتبة أصلي فيه كل يوم. وحان وقت صلاة المغرب, فنظر إلى قائلاً: هل تسمح لي بالأذان؟، ثم قام وأذن في الوقت الذي اغرورقت فيه عيناي بالدموع!

 

نقلاً عن جريدة الوطن عدد رقم 134 .

 

91-السيدة الألمانية إيفا ماريا

 

تبدأ السيدة إيفا قصتها بقولها: عندما عرفت الإسلام لأول مرة كنت بعيدة كل البعد عن أى نوع من المعتقدات الدينية، وقد يكون السبب أيضاً هو أن ديانتى المسيحية قد بدت لى غير واقعية على الإطلاق، وليس بمقدورها حل أى من المشكلات التى كنت أواجهها.

 

تحريفات البشر فى الدين:

بعد ذلك تتحدث السيدة إيفا ماريا بمزيد من التفصيل عن هذه الناحية فتقول :

لقد وجدت بادىء ذى بدء أن صورة المعبود عند النصارى قريبة جداً منا معشر البشر وقد أضيفت عليها صفات الإنسان لدرجة لا تجعلها تنطبق على خالق كل شىء، كما أن صورة السيد المسيح عليه السلام التى يجمع فيها بين الإنسان وصفة الخالق، هذه الصورة لا يمكن تصديقها أبداً.

ثم تضيف قائلة: وإلى جانب ذلك فقد ورد بخاطرى أن الديانة المسيحية ليست إلا علاقة بين الإنسان وربه، ولاشأن لها بأى حال من الأحوال بشئون الناس الاعتيادية كالشئون المالية مثلا أو العمالة أو أى نوع من أنواع التقنين لحياة الناس، أضف إلى ذلك التوجيهات العامة، التى وجدت أنها عسيرة التطبيق. ومن ذلك مبدأ المحبة، محبة الإنسان لأخيه الإنسان، هذا المبدأ لا يمكن أن تطبقه جماهير الناس فى ظل العقيدة النصرانية.

 

الإسلام دين الحق الشامل:

وهنا تتحدث عن نقطة التحول فى حياتها فتقول:

هذه الأفكار التى كانت بخاطرى وقعت إبان الفترة التى تسمى فترة تمرد الطلاب على الرأسمالية، فعندما بحثت هذه القضايا مع زميل مسلم أصبح فيما بعد زوجاً لى وجدت أن الإسلام قد وضع فى اعتباره كل هذه المشكلات، واهتم بها أعظم الاهتمام كمشكلة الاستغلال أو القوانين العامة الديقراطية وغير الديمقراطية ومشكلة المال والإقتصاد.. إلخ. فقد أوجد الإسلام الحلول المناسبة لكافة هذه المشكلات الدنيوية.وكم كان تأثرى عظيماً حينما علمت أن الإسلام يعترف بالإنسان باعتباره مخلوقاً له روح وجسد فى آن واحد، كما أحببت مبدأ الاتصال المباشر بين الإنسان وخالقه دون أية وساطة من أى نوع بينهما، فقد شعرت أن من اللائق جداً للإنسان أن يخضع لخالقه فقط لا لأى أحد من خلقه!!

 

وتمضى السيد إيفا ماريا فى قصتها:

كذلك شرح لى زميلى المسلم بأنه فى الإسلام لا يوجد أى فصل بين الدين والدولة، فاقتنعت بذلك تماماً، حيث وجدت من الضرورى أن لا يقتصر الإيمان والاعتقاد الدينى على الشئون الشخصية فحسب، بل لابد أن يشمل كافة جوانب الحياة الإنسانية. وهذه صفة مميزة وخاصية فريدة للدين الإسلامى الحنيف. فهو لا يرفع شعار دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله، بل على العكس من ذلك تماماً إذ أن العبادة فى الإسلام لا تقتصر على المساجد بل تمتد لتشمل الحياة البشرية بأسرها.

 

ضغوط الواقع وحياة المرأة :

بعد هذا البيان النير والفهم الصحيح لطبيعة هذا الدين تضيف السيدة إيفا قائلة:

عندما كنت أمر فى هذه المرحلة من تجميع المعلومات والقيام بدراسات دينية فقد صادفت بعض المصاعب والعقبات، وكان عسيراً على نفسى أن أتقبل القيود التى يفرضها الإسلام على المرأة، والتى ظننت خطأ حينذاك أنها تحد من حريتها الشخصية، وهذه على كل حال هى نفس الحرية والتسيب الذى أعتدت أن انتقده فى ديانتى السابقة، وهى حرية يساء فهمها واستخدامها فقد اكتشفت أن الفهم النظرى شىء والتطبيق العلمى شىء آخر تماماً، وأذكر هنا اللباس الإسلامى للمرأة كان فى البداية مشكلة كبرى بالنسبة لى، وأظن أن هذا ينطبق على معظم السيدات الألمانيات المسلمات. فإلى جانب الإحساس بعدم الارتياح والشعور بالحر الشديد والمرأة فى لباس كامل فى الصيف، فقد كان من العسير على أن أصمد أمام اسئلة التهكم والاحتقار التى كانت توجه لى، وقد استمر ذلك حتى وفقنى الله إلى الرد بإجابات كريمة وردت لى اعتبارى أمام نفسى وأمام الناس، دون أن أحس بأننى قد أوذيت أو أخدش حيائى.

 

يد الله مع الجماعة :

وهنا تقول السيدة إيفا: ثم تعرفت على مجموعة من الشابات المسلمات، فكم كان تأثرى عظيماً لما لمسته بين أفرادها من حب وجو أخوى يسود بين الجميع، وهو جو يختلف تماماً عما هو سائد بين أى جماعة عرفتها من قبل، فقد منحنى الانضمام إلى هذه الجماعة الإسلامية إحساساً بالسعادة واليقظة، وهكذا اقتنعت أننى اتخذت القرار الصحيح حين أصبحت مسلمة، وقد كان ذلك الإحساس بمثابة تعويض مناسب لكل ما لقيته من عقبات نتيجة لهذا القرار.

ولدينا الآن اجتماع أسبوعى للمرأة المسلمة مع أطفالنا حيث نتعلم المزيد عن ديننا الإسلامى الجديد.

 

ثم تختم السيدة إيفا ماريا قصتها بقولها:

لقد وقع اختيارى على كتاب باللغة الإنجليزية بقلم الإمام وهبى إسماعيل إمام المسلمين الألبان فى أمريكا، وهو عن سيرة النبى محمد صلى الله عليه وسلم ترجمته إلى اللغة العربية الألمانية. وهو مؤلف خصيصا للطفل الألمانى المسلم.

وبعد. فإن جالية إسلامية جديدة قد بدأت بالظهور فى ألمانيا مكونة من الألمان أنفسهم إلى جانب الأتراك المسلمين المهاجرين إلى ألمانيا، هذه الجالية تحرص على تطبيق الإسلام والعيش فى ظلاله، والسيدة إييفا ماريا عضو فى هذه الجالية. سائلين الله أن يبارك فى هذا الجمع الطيب.

 

92- الأمريكية كايسي ستاربك

 

إدراكي الأوَّليِّ حول فكرة الخلاص المسيحيَّة جاء بعد تعميدي وأنا في سنٍّ مبكِّرٍ في إحدى الكنائس المعمدانيَّة الجنوبيَّة. فقد عُلِّمْتُ في مدرسة الأحد: "إذا لم تكوني مُعمَّدة، فإنَّك ستذهبين إلى جهنَّم".

 

حصل تعميدي لأنِّي كنت أُريد إرضاء النَّاس. فقد سألتُ أمِّي عن التعميد -حين جاءت إلى غرفتي في إحدى الأُمسيات- فشجَّعتني لكي أفعل ذلك. وهكذا قرَّرت في يوم الأحد التالي أن أذهب إلى مُقدِّمة القاعة الكنسيَّة. وخلال التراتيل النِّهائيَّة للموعظة، توجَّهتُ سائرةً إلى الأمام لأُقابل الرَّاهب الشاب. كانت هناك ابتسامةٌ على وجهة، فحيَّاني، وقعد بجانبي على المقعد الطويل. سألني: "لماذا تريدين أن تفعلي هذا؟" ... انتظرت بُرهةً ثمَّ قلت: "لأنِّي أُحبُّ المسيح (عليه الصَّلاة والسَّلام)، وأنا أعرف أنَّه يحبُّني". وبعد انتهاء هذا التصريح، جاء إليَّ أعضاء الكنيسة وعانقوني... على أن تكون مراسم الغمر في الماء بعد بضعة أسابيع.

 

خلال سنيِّ عمري المبكِّرة في الكنيسة -وحتى في صفِّ الرَّوضة- أذكر أنَّني كنت مُشاركةً في الإيقاع الصَّوتيِّ أثناء دروس مدرسة الأحد. فيما بعد -أثناء سنيِّ مراهقتي الأولى- كنت عضواً في مجموعة البنات الفتيَّات، والَّتي التقت في الكنيسة من أجل النَّشاطات الأسبوعيَّة، وقامت بالتَّخييم سنويَّاً من أجل الرياضة الروحيَّة. وفي صباي حضرت مخيَّماً مع أعضاءٍ أكبر منِّي سنَّاً من المجموعة الشبابيَّة. وعلى الرغم من أنِّي لم أقض الكثير من الوقت معهم في السابق، إلَّا أنَّهم كانوا يعرفونني "كإبنة المنسِّق للشبيبة"، أو "الفتاة الَّتي تعزف البيانو في المناسبات الكنسيَّة الخاصَّة". في إحدى أُمسيات هذا المخيَّم كان هناك رجلٌ يتحدَّث عن زواجه. تحدَّث عن قصَّة لقائه بزوجه. لقد ترعرع في الولايات المتحدَّة الأمريكيَّة حيث تُعتبر المُواعدة أمراً طبيعيَّاً، ولكن –في تقاليد تلك الفتاة- كان بإمكانه فقط أن يلتقي بها برفقة حارسٍ معهما. وبما أنَّه كان مُعجباً بها فقد قرَّر أن يستمرَّ في لقاءها. وكان هناك شرطٌ آخر، وهو أنَّهما لم يكن بإمكانهما أن يلمس أحدهما الآخر حتى يعقدا الخطبة. و بعد أن تقدَّم لطلب يدها، سُمح لهما بإمساك الأيدي. كان هذا ممَّا حيَّرني، وما زال يُشعرني بالرَّهبة. فقد كان من الجميل أن أُفكِّر بأنَّ مثل هذا الاكتشاف عن شخصٍ آخرٍ كان يمكن أن يظلَّ سرَّاً حتى تمَّ هذا الاعتراف. ومع أنَّ القصَّة أمتعتني، إلَّا أنَّني لم أكن أظنُّ أبداً أنَّها يمكن أن تتكرَّر.

 

بعد بضع سنوات، تطلَّق والداي، وتغيَّر دور الدِّين في حياتي. فقد كنت دائماً أنظر إلى عائلتي من خلال عيون طفلة، فكانوا بذلك مِثاليِّيْن. فقد كان والدي شمَّاسا في الكنيسة وذو إحترامٍ كبير، وكان معروفاً من الجميع. وكانت والدتي نشطةً في مجموعات الشبيبة.

 

عندما غادرت أُمِّي البيت، أخذت دور العناية بأبي وأخويَّ الاثنين. واستمرَّ ذهابنا إلى الكنيسة، ولكن بسبب زيارتنا لأُمِّي في عُطَلِ نهاية الأسبوع، أصبحت زياراتنا للكنيسة أقل. عندما كنَّا في بيت والدي، كنَّا نتجمَّع ليلاً –وفي كلِّ ليلةٍ- لقراءة "الرسالة الأولى إلى مؤمني كورونثوس (1-13)" والَّتي تتحدَّث عن المحبَّة والإحسان. وقد كرَّرت القراءة معهم مرَّاتٍ كثيرةٍ جدَّاً حتى حفظتها عن ظهر قلب. فقد كانت تمثِّل نوعاً من الدَّعم المعنويِّ لأبي، على الرغم من أنِّي لم أكن أفهم لماذا.

 

وفي فترة ثلاث سنواتٍ متتاليةٍ انتقل أخي الأكبر، ثمَّ أخي الأصغر، ثمَّ أنا إلى بيت والدتي. وفي ذلك الوقت لم تعد أُمِّي تذهب إلى الكنيسة، وهكذا وجد أخواي أنَّ الذِّهاب إلى الكنيسة ليس ضروريَّاً. وبانتقالي إلى بيت أُمِّي -خلال السَّنة قبل الأخيرة من مرحلة الدِّراسة الثانويَّة- أنشأت صداقاتٍ جديدةٍ، واكتشفت طريقةً مختلفةً في الحياة. ففي يومي الدِّراسيِّ الأوَّل تعرَّفت إلى فتاةٍ كانت غايةً في اللطف. وفي اليوم الدِّراسيِّ التالي دعتني لزيارتها في بيتها خلال عطلة نهاية الأسبوع، لأقابل عائلتها وأزور كنيستها. تقبَّلتني عائلتها على الفور "كفتاةٍ طيِّبةٍ" و "قُدوةٍ حسنةٍ" لها. وأيضاً صدمتني المفاجأة من جماعة المصلِّين الَّذين حضروا إلى كنيستها، فعلى الرغم من أنِّي كنت غريبةً عنهم إلَّا أنَّ كلَّ النِّساء والرِّجال حيُّوني بالعناق والقُبَل وجعلوني أشعر بأنِّي في موضع ترحيب.

 

بعد قضائي المستمرِّ للوقت مع هذه العائلة، وذهابي إلى كنيستهم في عُطَل نهاية الأسبوع، بدأوا يحدِّثونني عن معتقداتهم الخاصَّة في كنيستهم -"كنيسة المسيح" (عليه الصَّلاة والسَّلام). فهذه الطَّائفة تسير على العهد الجديد (أو التطبيق الحرفيِّ لكتابات بولس). فلم يكن لديهم آلاتٌ موسيقيَّةٌ في الكنيسة أثناء الصَّلاة، بل الغناء الصَّوتيُّ فقط؛ ولم يكن هناك وُعَّاظٌ مدفوعي الأجر، بل كان بعض كبار السنِّ يقودون الصَّلاة. ولم يكن يُسمح للنِّساء بالحديث في الكنيسة. ولا يحتفلون بعيد الميلاد، والفصح، وباقي الأعياد. وكان النبيذ والخبز غير المخمَّر يُقدَّمان بالمشاركة كلَّ يوم أحد. وكان التعميد يتمُّ فوراً، وفي اللحظة الَّتي يقرِّر فيها الآثم بأن يصبح مؤمناً. وعلى الرغم من أنِّي كنت أُعتبر مسيحيَّة، إلَّا أنَّ أعضاء "كنيسة المسيح" كانوا يعتقدون بأنِّي سأذهب إلى جهنَّم إذا لم أتعمَّد مُجدَّداً في كنيستهم وعلى طريقتهم. فكان هذا أوَّل انفجارٍ رئيسيٍّ في نظامي العقائديّ. فهل أنا ترعرت في كنيسةٍ كان كلُّ ما فيها يُعمل بطريقةٍ خاطئة؟! وهل كان يتوجَّب عليَّ حقَّاً أن أتعمَّد مرَّةً أخرى؟!

 

عند هذه النقطة كان لي نقاشٌ مع أُمِّي حول العقيدة. حدَّثتها عن ارتباكي، وأنَّني فقط أحتاج إلى من يوضح لي الأمور. وأصبحت ناقدةً للطُّقوس الدِّينيَّة في كلِّ الكنائس، لأنَّ الوعَّاظ يحكون لنا القصص فقط، ولا يُركِّزون على الإنجيل. ولم يكن باستطاعتي أن أفهم: "إذا كان الإنجيل مهمَّاً جدَّاً، فلماذا لا يُقرأ لوحده في الصَّلاة الكنسيَّة؟"

 

ومع أنِّي فكَّرت بالتعميد كلَّ يوم أحد، ولفترةٍ تُقارب السنتين، إلَّا أنَّني لم أستطع أن أتقدَّم للتعميد. كنت أُصلِّي لله تعالى ليدفعني للأمام إن كان فعل ذلك صائباً، ولكنَّ هذا لم يحدث أبداً.

 

في السَّنة التالية، ذهبت إلى الكليَّة وأصبحت منفصلةً عن كلِّ الكنائس، كإنسانٍ يبدأ من جديد. في بعض أيَّام الآحاد كنت أزور بعض الكنائس مع الأصدقاء، فقط لأشعر بلحظات نقدٍ للطُّقوس الدينيَّة. حاولت الانضمام إلى الجمعيَّة الطلَّابيَّة المعمدانيَّة، ولكنِّي شعرت بأنَّ الأشياء خاطئةٌ هناك أيضاً. فقد جئت إلى الكليَّة مُعتقدةً بأنِّي سأجد شيئاً يشبه كنيسة المسيح (عليه الصَّلاة والسَّلام)، ولكنَّ مثل ذلك لم يوجد. وعندما كان يصادف وأعود إلى منزل والدتي أيَّام العُطَل الأسبوعيَّة، كنت أزور الكنيسة لكي أحصل على شعورٍ فوريٍّ بالمشاركة الاجتماعيَّة والترحيب.

 

في سنتي الثانية في الكليَّة أمضيت أيَّام الآحاد بالغناء في الجَوْقة الموسيقيَّة لكنيسة "ويك فوريست"، لأنِّي كنت أكسب مبلغاً جيِّداً من المال. ومع أنِّي لم أكن أُومن بمعتقدات الكنيسة، إلَّا أنِّي كنت أحتمل الطُّقوس الدينيَّة لأجني المال. وفي شهر تشرين الأول من هذه السَّنة قابلت مسلماً كان يسكن في سكن الطلَّاب الَّذي كنت أسكن فيه. كان شخصاً لطيفاً، وكان دائماً يبدو مُتأمِّلاً أو غارقاً في تفكيرٍ عميق. وفي إحدى الأمسيات قضيت كلَّ الأمسية سائلةً إيَّاه بعض الأسئلة الفسلفيَّة حول الإيمان والدِّين. فتحدَّث عن إيمانه كمسلمٍ شيعيٍّ إماميٍّ إسماعيليّ. وعلى الرغم من أنَّ أفكاره لم تمثِّل تماماً طائفته الإسلاميَّة (حيث أنَّه كان أيضاً مُرتبكاً وباحثاً عن بعض الإجابات)، إلَّا أنَّ تصريحاته الأساسيَّة جعلتني أتساءل عن معتقداتي الخاصَّة: فهل نحن لأنَّنا وُلدنا في هذا الدِّين، فإنَّ ذلك يتضمَّن بأنَّه هو الدِّين الصَّحيح؟ ويوماً بعد يوم كنت ألقاه وأسأله الكثير من الأسئلة -راغبةً في نفس المستوى من التعامل معه، كما حصل حين التقينا لأوَّل مرَّة- ولكنَّه لم يعد يجيب على أسئلتي، أو يوافق الاحتياجات الروحيَّة الَّتي كانت لديّ.

 

في الصَّيف التالي، عملت في إحدى المكتبات، وكنت ألتهم أيَّ كتابٍ استطعت إيجاده عن الإسلام. ثم قدَّمت نفسي لمسلمٍ آخر في الحرم الجامعيِّ، وبدأت أسأله عن الإسلام. وبدل أن يجيبني على أسئلتي وجَّهني لقراءة القرآن الكريم. وفي أيِّ وقتٍ كان لديَّ أسئلةٌ عامَّةٌ عن الإسلام، كان يجيبني عليها. ذهبت إلى المسجد المحليِّ مرَّتين خلال تلك السَّنة، وكنت سعيدةً لشعوري بنوعٍ من المشاركة الاجتماعيَّة مُجدَّداً.

 

وبعد قراءتي عن الإسلام خلال الصَّيف، أصبحت أكثر حساسيةً تجاه التصريحات الَّتي تُدلى عن المسلمين. وعندما كنت آخذ مادَّةً تمهيديَّةً عن الإسلام في منتصف الفصل الدِّراسيّ، كنت أشعر بالإحباط حين يقوم الأستاذ بإلقاء تعليقاتٍ خاطئة، ولكنِّي لم أكُن أعرف كيف أُصحِّحه. وفي نشاطٍ خارجٍ عن دراستي الجامعيَّة، أصبحت عاملةً نشطةً وداعمةً لمنظَّمةٍ حديثة النشأة في حرمنا الجامعيِّ هي "منظَّمة الوعي الإسلاميّ Islam Awareness Organization ". وحيث إنَّني كنت العضو الأنثوي الوحيد، كنت أُقدَّم للآخرين على أنِّي "مسيحيَّة المجموعة". وفي كلِّ مرَّةٍ كان فيها أحد المسلمين يقول ذلك كنت أنظر إليه بحيرة، لأنِّي كنت أظنُّ بأنِّي كنت أفعل كلَّ ما كانوا يفعلون، وأنِّي بذلك كنت مسلمةً أيضاً. فقد امتنعت عن أكل لحم الخنزير واصبحت نباتيَّة، ولم أكن أبداً أُحبُّ الخمر، وبدأت الصَّوم في شهر رمضان المبارك، ولكن كان لا يزال هناك اختلافٌ ما...

 

في نهاية تلك السَّنة قبل النهائيَّة حصلت بعض التغييرات، فقد قرَّرت أن أُغطِّي شعري، لأُخفيه عن أعين النَّاس. ومرَّةً أخرى فكَّرت بذلك كشيءٍ جميل، وكانت لديَّ فكرةٌ بأنَّ زوجي فقط سيكون بإمكانه أن يرى شعري. حتى أنَّه لم يحدِّثني أحدٌ عن الحجاب... حيث إنَّ الكثير من الأخوات في المسجد لم يكنَّ يلبسنه.

 

في ذلك الصَّيف، كنت أجلس في المدرسة أتصفَّح الإنترنت، باحثةً عن مواقع عن الإسلام. كنت أريد العثور على عناوين إلكترونيَّةٍ لأُناسٍ مسلمين، ولكنِّي لم أُوفَّق. وأخيراً غامرت بالدُّخول إلى صفحةٍ كانت رابطةً للزَّواج. قرأت بعض الإعلانات، وحاولت أن أجد أُناساً في مثل سنِّي لأكتب لهم عن الإسلام. وقدَّمت لرسائلي بعبارة: "إنَّني لا أبحث عن الزَّواج، أنا فقط أريد أن أتعلَّم عن الإسلام". بعد بضعة أيَّامٍ وصلني ثلاثة ردود من ثلاثةٍ من المسلمين: رسالةٌ من باكستانيٍّ كان يدرس في الولايات المتحدة، وأخرى من مسلمٍ هنديٍّ كان يدرس في انجلترا، والأخيرة من مسلمٍ يعيش في دولة الإمارات العربيَّة. قدَّم لي كلُّ أخٍ منهم المساعدة بطريقةٍ فريدة، ولكنِّي بدأت المراسلة مع المسلم الباكستانيِّ الَّذي يعيش في الولايات المتحدة، لتواجده في نفس النطاق الزمنيِّ لمنطقتي. كنت أُرسل إليه الأسئلة، وكان هو بدوره يقوم بإرسال إجاباتٍ شاملةٍ ومنطقيَّة. وعند هذه النقطة عرفت بأنَّ الإسلام هو دين الحقّ، فكلُّ النَّاس سواسيةً بغضِّ النَّظر عن اللون أو العمر أو الجنس أو العرق، إلخ؛ وبالرُّجوع إلى القرآن الكريم تلقَّيت إجاباتٍ على أسئلةٍ مُعقَّدةٍ. فأصبحت أشعر بالرِّباط الاجتماعيِّ النوعيِّ مع المسلمين، فأصبحت لديَّ حاجةٌ قويةٌ غامرةٌ  لإعلاني الشهادتين في المسجد. ولم يعد لديَّ "الخوف المسيحيُّ" من إنكار المسيح (عليه الصَّلاة والسَّلام) كإله، فقد آمنت بأنَّ هناك إلهاً واحداً فقط، وأنَّه لا يمكن أن يكون له شريك. وفي مساء أحد أيَّام الخميس من شهر تموز لعام 1997 تحدَّثت هاتفيَّاً مع الأخ الباكستانيِّ، وسألت المزيد من الأسئلة، وتلقَّيت المزيد من الإجابات الموثوقة والمنطقيَّة. فقرَّرت الذِّهاب إلى المسجد في اليوم التالي.

 

ذهبت إلى المسجد مع أخٍ مسلمٍ من "ويك فوريست" وأخته غير المسلمة، ولكنِّي لم أُخبره بِنِيَّتي. ذكرت فقط بأنِّي أريد أن أتحدَّث مع الإمام بعد خطبة الجمعة. وبعد أن أنهى الإمام خطبته، وصلَّى بالمسلمين، جاء للحديث معي. فسألته عمَّا هو ضروريٌّ لكي أصبح مسلمة. فأجابني بأنَّ هناك أركاناً رئيسيَّةً للإسلام بالإضافة إلى الشَّهادتين. فقلت له بأنِّي درست الإسلام لأكثر من عام، وأنِّي جاهزةٌ لأصبح مسلمة. فردَّدت أمامه بأنِّي "أشهد أنَّ لا إله إلَّا الله، وأنَّ محمَّداً رسول الله". وهكذا أصبحت مسلمةً في الثاني عشر من شهر تموز لعام 1997 ، والحمد لله.

 

كانت هذه هي الخطوة الأولى والكبرى. ثمَّ فُتحت بعد ذلك أمامي الكثير من الأبواب، وما زالت تُفتح بنعمةٍ من الله سبحانه وتعالى. بدأت أوَّلاً بتعلُّم الصَّلاة، ثمَّ زرت مسجداً آخراً في "وينستون-سالم"، وبدأت بلبس الحجاب بعد ذلك بأسبوعين....

 

أثناء عملي في الصَّيف تكون لديَّ مشكلةٌ بخصوص الحجاب. فمدراء العمل لا يحبونه، و "يدعونني أذهب" مبكِّراً. فهم يعتقدون بأنِّي لا يمكنني أن "أقوم" بعملي في بيع الحقائب المدرسيَّة بطريقةٍ حسنة، لأنَّ ملابسي تُعيق حركتي. ولكنِّي وجدت أنَّ في لبس الحجاب عمليَّة تحرُّرٍ كبيرة. وأنا أقابل المسلمين وهم يتسوَّقون... كلَّ يوم ألتقي بأُناسٍ جُدُد، والحمد لله.

 

في السَّنة الدِّراسيَّة النِّهائيَّة، أخذت زمام القيادة في منظَّمة الوعي الإسلاميِّ الجامعيَّة، لأنِّي وجدت بأنَّ إخواني لم يكونوا نشطاء كما ينبغي. وحيث إنِّي كنت دوماً أدفعهم للقيام ببعض الأمور، وأقوم بتذكيرهم ببعض الأحداث، أطلقوا عليَّ لقب "الأُم كايسي".

 

وخلال الفصل الثاني من السَّنة النِّهائيَّة أخذت مباحثَ دراسيَّة اختياريَّة عن الإسلام والمسيحيَّة واليهوديَّة. وكانت كلُّها جيَّدةً، لأنِّي كنت أُمثِّل الأقليَّة (المسلمة) في كلٍّ منها. ما شاء الله، كم كان جميلاً أن أُمثِّل الإسلام، وأن أقول للنَّاس الحقيقة عن المسلمين، وعن الله سبحانه وتعالى.

 

93-السيدة الألمانية ايريس صفوت

 

ايريس صفوت ـ ألمانية ـ احدى الغربيات اللاتي دخل الايمان الى قلوبهن تعيش الآن في صفاء وسعادة لم تشعر بها من قبل، تعرفت على الإسلام في سن العاشرة عندما وجدت ان شيئا ما بداخلها يشدها نحو الإسلام وفي عام 1967 سافرت في رحلة الى لندن واشهرت اسلامها بالمركز الإسلامي هناك.

التقت «الشرق الاوسط» هذه السيدة الالمانية على هامش المؤتمر الإسلامي الدولي الرابع عشر الذي انهى اعماله اخيرا بالقاهرة وفي الحوار التالي نتعرف على قصة اسلامها ورحلتها الايمانية.

* متى تعرفت على الإسلام وماذا كان شعورك وقت ذلك؟

ـ نشأت في اسرة مسيحية علمانية ابتعدت عن الكنيسة وعندما كنت في سن العاشرة شعرت بأن شيئا ينقصني في حياتي، وفطرتي دائما تشتد نحو الدين واخذت ابحث لي عن دين وكنت في ذلك الوقت اقرأ في الكتب عن الإسلام ووقتها شعرت بشيء يشدني بقوة الى الإسلام كدين سماوي يرفع من كيان الانسان ويحمل جميع الفضائل والاخلاق الفاضلة واخذت اهتم بهذا الدين وتحدثت الى زميلاتي في المدرسة وعن الإسلام وانني احب هذا الدين وحينئذ كنت بلغت الثانية عشرة من عمري وبالفعل اسلمت وكتمت اسلامي لان زميلاتي وصفنني بالجنون.

 

* ولكن ماذا كان موقف اسرتك وهل عرفوا بقصة اسلامك؟

ـ في البداية اعتبرت اسرتي انني امر بمرحلة اضطراب وتقلب في المزاج لكن عندنا في الغرب حرية واذا بلغ الابناء سن الثالثة عشرة فمن حقهم ان يتصرفوا كيفما شاءوا ومن حقهم ايضا ان يتركوا اهلهم وبالتالي فتركوا لي حرية الديانة وعندما وصلت للثانوية العامة وكان عمري حيئذ ثلاثة عشرة سنة وذلك عام 1967 وكنت في رحلة الى لندن وذهبت الى المركز الإسلامي هناك والتقيت بالشيخ محمد الجيوشي (عميد كلية الدعوة الاسبق بجامعة الازهر) وكان اماما للمركز وقلت له انني اريد ان اعلن اسلامي واذهب الى الازهر وادرس الدين الإسلامي واللغة العربية. كما التقيت بالشيح احمد حسن الباقوري (وزير الاوقاف المصري الاسبق) في ذلك الحين ووعدني بالدراسة في الازهر واعلنت اسلامي امام الشيخين ونطقت بكلمة التوحيد وفي عام 1969 سافرت الى مصر وتعلمت اللغة العربية ثم عدت الى المانيا لدراسة الماجستير في جامعة كيسين وفي اثناء دراستي للماجستير تعرفت على شاب مصري كان يدرس في مرحلة الدكتوراه وتزوجنا وسافرنا عام 1975 الى مصر وواصلت دراستي للغة العربية وزادت معرفتي بالإسلام.

* اكثر من ثلاثين عاما منذ ان اعتنقت الإسلام.. هذه الفترة بلا شك كفيلة بأن تجعل منك داعية لاهلك في المانيا فهل قمت بنوع من العمل الدعوي هناك؟

ـ نعم منذ اللحظة الاولى لاسلامي وانا انتمي لهذا الدين وادعو اليه والحمد لله استطعت ان اقنع اثنين من اقاربي بأن يسلما هم جدتي ورجل آخر من اقاربي والذين لم يسلموا كنت اعطي لهم فكرة عن الإسلام وهم عندما يسمعونني كانوا يحترمون الإسلام.

* ماذا عن علاقتك بأسرتك الان؟

ـ علاقتي بأسرتي في ألمانيا جيدة منذ ان اعلنت اسلامي لانه في المانيا يوجد تسامح واحترام لحرية العقيدة ويعتبرون ان الدين مسألة شخصية.

* أريد التعرف على حياتك قبل الإسلام وهل كان فيها نوع من الالتزام الديني أم غير ذلك؟

ـ الذي لم يعرفه العالم الإسلامي والعربي ان الدين في الغرب شيء هامشي الى اقصى درجة وليس هناك التزام ديني فالمسيحية ما هي الا اسم فقط فأنا على سبيل المثال نشأت في اسرة علمانية مسيحية ليس لها علاقة بالكنيسة ونشأت على الفطرة.

* ما هو اكثر شيء جذبك للاسلام؟

ـ قبل ان أعلن اسلامي كنت اقرأ عن شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرته فأحببت هذه الشخصية كثيرا لما تتميز به من خصال لا توجد في بشر على وجه الارض.

* أرى ان الزي الذي ترتدينه فيه حشمة ووقار بخلاف الاخريات المتبرجات فهل هذا التزام داخلي؟

ـ شريعة الإسلام كما تعلمت امرت المسلمة بالاحتشام وهذا الزي اجد فيه نفسي وراحتي ولا ابالغ اذا قلت اجد فيه الاناقة بكل ابعادها ونحن في الغرب لا نقبل الاكراه على شيء بل نفعل ما نعتقده ونقتنع به وانا مقتنعة بهذا الزي.

* هل تعلمين ان الإسلام لم يكره احدا على اعتناقه لكنه يمنع من يدخله ان يرتد عنه؟

ـ انا دخلت الإسلام بقناعة شخصية ودون تدخل أو تأثير من أي مسلم لانه لم يكن في الريف الذي نشأت فيه مسلمون اطلاقا وكون ان الإسلام لم يجبر احدا على اعتناقه ويعاقب من يسلم ثم يرتد فهذا قمة العدل لان المرتد يكون ضد الإسلام ويعطي صورة سيئة عن الدين وهو من قبيل التلاعب بالاديان.

* ما هي امنيتك بعد اسلامك؟

ـ في البداية كانت امنيتي ان يكرمني الله بالحج وزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقد اديت هذه الفريضة عام 1990 وبعدما اديت الحج كانت امنيتي وما زالت ان اكون داعية للاسلام وبعض الاصدقاء اقترحوا علي ان اقوم بالقاء دروس للسيدات في المساجد في مصر والبلاد العربية ولكن فضلت ان اخاطب الغرب واشرح للغربيين المفاهيم المغلوطة والمشوهة عن الإسلام لأنني أفهم ثقافة الغرب وأستطيع اقناعهم.

* لماذا يقف العالم الغربي موقف العداء من الإسلام؟

ـ الغرب لم يكره الإسلام كما هو متصور لكنه لديه فكرة خطأ عنه لانه عندهم الإسلام هو ارهاب وعنف. ومثلاً في ألمانيا نجد أن العنصرية أو الاضطهاد الذي يلقاه الأجانب سواء مسلمون أو غيرهم هو بسبب العوامل الاقتصادية لأن الألمان ينظرون الى أن هؤلاء الأجانب سيأخذون منهم فرص العمل وبالتالي يرفضون وجود الأجانب بينهم.

المصدر : صحيفة الشرق الأوسط 4-10-2002

 

 

94-السنغافوري احسان جيم تشوا

 

"..الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِينًا.." (المائدة/ 3)

 

 (إحسان تشوا جيم سام -23 سنة، والمولود في عائلةٍ تتبع الدِّيانة الطاويَّة- آمن بالمسيحيَّة بسبب التهديد حين كان في التاسعة من عمره، وبعد ذلك، وفي سنيِّ مراهقته المبكِّرة اتَّبع تعاليم بوذا، ثم وجد طريقه لدخول الإسلام. نُشرت قصَّة إحسان في مجلة "القارئ المسلم" عدد تشرين أول-كانون أول ، والَّتي تصدر عن جمعيَّة مُعتنقي الإسلام في سنغافورة.)

 

بالرجوع إلى معنى الحديث، فإنَّ المولود يولد وكأنَّه قطعة قماشٍ بيضاء، فأبواه هما الَّذيْن يلوِّنانها بالأحمر، أو الأخضر، أو الأصفر. إنَّ والديَّ طاويِّان، وهكذا أُنشئت على الدِّيانة الطاويِّة منذ ولادتي. خلال سنيِّ طفولتي، آمنت وقبلت الطاويَّة، حتى ولو لم أكن أعرف شيئاً عنها. فقط وفي سنيِّ مراهقتي كان أن اكتشفت بأنَّ الطاويَّة هي دين عبادة السَّلَف. حتى أنَّ والديّ -كغيرهما من الكثير من الطاويِّين- لم يكلِّفا نفسيهما معرفة تاريخ هذه الدِّيانة، فأنا لم أُعلَّم تاريخ التعاليم الطاويَّة. تقبَّلت ومارست هذه الدِّيانة فقط تبعاً لما قُدِّم لي دون أدنى شك.

 

حين كنت في التاسعة من عمري، حدَّثني وبعض زملائي معلِّم المدرسة بأنَّنا كلُّنا يجب أن نصبح مسيحيِّين. وأخبرنا بأنَّنا إن لم نصبح مسيحيِّين، فإنَّه بالضَّرورة سيصيبنا الموت كعقوبةٍ لنا على عدم كوننا كذلك. بتُّ خائفاً جدًّا من هذا التهديد. ومنذئذٍ أصبحت مؤمناً بديانتين، الطاويَّة (بسبب عائلتي) والمسيحيَّة (بسبب التهديد). وحين كبرت، لم أستطع أن أقرِّر بأيِّ دينٍ عليَّ الالتزام.

 

خلال سنتيَّ الثالثة والرابعة في المدرسة الثانويَّة، اخترت دراسة البوذيَّة كموضوعٍ في العلوم الدينيَّة، لأنَّها كانت معروفةً على أنَّها الموضوع الأسهل للدراسة. تأثَّرت بالعقيدة البوذيَّة لأنَّها منطقيَّة جدّاً وعمليَّة. ومفهوم الصدقة في البوذيَّة أصاب وتراً في قلبي، فاتَّبعت التعاليم البوذيَّة قدر ما استطعت، لكنِّي لم أُصبح بوذيّاً. فقد وجدت أنَّ البوذيَّة وعلى الرغم من أنَّها تقوم على مبادئ وتطبيقاتٍ جيِّدة إلَّا أنَّها مع ذلك ينقصها وجود القوَّة العليا (الله سبحانه وتعالى).

 

حين انضممت إلى كليَّة سانت أندروز يونيور، وهي مدرسةٌ تبشيريَّة، كان إلزاميّاً على كلِّ الطلاب -عدا المسلمين منهم- حضور صلاة الأحد المدرسيَّة. خلال الصلاة كنَّا ننشد ونستمع إلى الطقوس. في نهاية بعض الصلوات، كنَّا نُسأل إن كان أحدٌ منَّا يرغب في دخول المسيحيَّة. وقد كنت متأثِّرا بأحد الرُّهبان على وجه الخصوص، لأنِّي اعتبرته "قويّاً" في وعظه. فقد كان يستخدم النبوءات من الإنجيل ليثبت بشكلٍ فعَّال "الحقيقة" الموجودة في العهد القديم وعلاقتها مع تلك الموجودة في العهد الجديد. وتأثَّرت بشكلٍ خاصٍّ حين كان يتكلَّم عن النبوءات الَّتي كانت في العهد القديم وتحقَّقت في العهد الجديد. وزاد اهتمامي حين تكلَّم عن اليوم الآخر. وقد قام أيضاً بربط تجارب متنوِّعةٍ مرَّ خلالها بعض المسيحيِّين. أحد الأمثلة كان عن سيِّدةٍ مسيحيَّةٍ كانت قد أُعلن موتها. وفي "موتها" مرَّت خلال محنة جرٍّ لها من رِجلَيْها إلى جهنَّم؛ وبطريقةٍ ما تحرَّرت وعادت إلى الحياة. وبعد عودتها من "الموت" أكَّدت على وجود الله، والحياة بعد الموت، ووجود جهنَّم كما هو مذكورٌ في الإنجيل. هكذا بدأ انجذابي نحو الدِّيانة الأرثوذكسيَّة الأنجليكانيَّة. حينئذ كنت في السابعة عشرة من عمري.

 

لكنِّي مع ذلك لم أستطع أن أستقرَّ في طائفةٍ واحدةٍ من الطوائف المسيحيَّة. فقد كنت دائم التنقُّل من كنيسةٍ إلى أُخرى. كنت ما أزال أبحث عن السَّكينة الداخليَّة، ولم أستطع اتِّخاذ قراري إلى أيِّ كنيسةٍ كان عليَّ الذِّهاب. حين كنت في السَّنة الأخيرة في الجيش، قابلت صديقاً قادني إلى كنيسته (سانت جون سانت مارغريت)، فشعرت أخيراً بأنِّي "في بيتي" في هذه الكنيسة. وأصبحت فاعلاً في النَّشاطات الكنسيَّة. كنت المسؤول في مُهمّتين تبشيريَّتين، إحداهما كانت تتعلَّق بالعمل مع الأولاد، في حين كانت الأخرى تتعلَّق بنشاطٍ رياضيّ. وكنت مُشاركاً في التخطيط التعليميِّ للأولاد. قُدِّم من خلال هذا النشاط التعليم المجانيُّ لأولاد المدارس، في نفس الوقت الَّذي كانت فيه رسالة المسيحيَّة تُنشر ببطءٍ وبشكلٍ مهذَّب. كان الأولاد من مستوىً ابتدائيٍّ، وأُوكل إليَّ الاهتمام باثنين منهم، وقبل أيِّ تعليمٍ كانت هناك جلسةٌ للعبادة؛ كنَّا ننشد الأناشيد، وكانت لدينا جلسات سردٍ للقصص، حيث كنت أحكي للأولاد قصصاً من الإنجيل.

 

وعملت أيضاً باجتهادٍ مع المجموعة الرياضيَّة للكنيسة، فكنَّا نقوم بالعمل التبشيريِّ بسؤال الناس الانضمام إلينا في اللعب. وكنت المسؤول عن فريق كرَة السلَّة. في كلِّ أُسبوعٍ كنَّا نستأجر قاعةً نمارس فيها اللعبة. وكنا ندعو " الدُّخلاء " ونحاول قيادتهم للمسيحيَّة بأن نكون مثلاً لهم، فكنَّا نقوم بالتركيز على روح التعاون والاهتمام، فحاولنا التعبير عن هذه الفضائل قدر ما استطعنا. وخلال ذلك، وبعد التمارين، كنَّا نحاول تلقين المسيحيَّة لأولئك الشباب، والَّذين كانت غالبيتهم من المراهقين اليافعين.

 

مفهوم النشاط الرياضيِّ عمليٌّ إلى درجةٍ كبيرة، ليس فقط في سنغافورة بل وفي بلدانٍ أُخرى أيضاً. كانت كنيستي هي الأولى في سنغافورة الَّتي تُقدِّم مفهوم الرعاية والاهتمام.

 

عندما كنت لا أزال نشيطاً في الكنيسة، تعرَّفت إلى مسلمةٍ فحاولت أن أُحدِّثها عن المسيحيَّة. ولكنَّها كانت على درجةٍ عاليةٍ من اليقين حول الحقِّ في دينها، مع أنَّها لم تكن تعرف كيف تشرح لي هذه الحقيقة. ولم تكن هناك أيُّ وسيلةٍ أستطيع بها إقناعها بالمسيحيَّة. والَّذي كان يدهشني دوماً هو أنَّ الكثير من المسلمين، حتى أُولئك الَّذين يُدمنون المخدِّرات، كلُّهم "مُتأَكِّدون حتى الموت" بأنَّ الإسلام هو الدِّين الحق. فقرَّرت سؤال صديقتي المسلمة عمَّا هو حقٌّ جدّاً بخصوص دينها ممَّا يدفع مُعتنقيه إلى التمسُّك به وعدم تركه. لكنَّها لم تكن تعرف كيف تشرح لي هذا الأمر، وبدلاً من ذلك أخبرتني بأن أحصل على ما أُريد من المعلومات عن الإسلام من دار الأرقم، وهي جمعيَّة مُعتنقي الإسلام في سنغافورة. وافقت على اقتراحها على الرغم من أنِّي كنت أعتبر الإسلام دين الإرهاب، وعلى أنَّه دينٌ لا منطقيَّة فيه. فقد كان فهمي يملي عليَّ بأنَّه إذا كان الدِّين صالحاً فإنَّ مُعتنقيه سيكونوا صالحين. وفي حالة المسلمين، الَّذين كنت أعرف القليل منهم، كان أُولئك الَّذين كنت أعرفهم "مسلمين غير صالحين". أذكر أنِّي كنت أعرف مسلمةً واحدةً صالحةً فقط، وذلك خلال سنيِّ دراستي في الكليَّة ولكنَّها لم تقم ولا بأيِّ مُحاولةٍ لنقل رسالة الإسلام لي. في ذلك الوقت، كان هناك بعض المسلمين الَّذين كانوا يحاولون نشر الرسالة الإسلاميَّة لي. وكانت عائلتي ضدَّ الإسلام بسبب ما كان دائم الحدوث في الشرق الأوسط؛ كما حدث أيضاً أن كان كلُّ العمَّال الملاويّين الَّذين وظَّفهم والدي من الكُسالى وسيِّئي السُّلوك.

 

وحيث إنِّي وافقت على زيارة دار الأرقم، ذهبت من فوري إلى تلك الجمعيَّة. في زيارتي الأولى حضرت درس التوجيه، وقُدِّمْت إلى الأخ ريماي. وقد صُدِمْت وأُثير اهتمامي بأمريْن حدَّثني بهما، أوَّلهما: أنَّه أشار لي بأنَّ الإسلام لا يقوم على الهوى، عكس المسيحيَّة. تأمَّلت في هذه الكلمات وكنت مندهشاً من ردَّة فعلي عليها. وثانيهما: أنَّه قال: "لا تتحوَّل إلى الإسلام بطريقةٍ عاجلة، حتى تسأل قدر ما تستطيع من الأسئلة، وعندما لا يتبقّى لديك ما تسأل، فقط عندها تحوَّل إلى الإسلام."

 

ففي المسيحيَّة أنت لا تستطيع طرح الأسئلة، لأنَّك إن سألت أكثر أصبحت مُشوَّشاً أكثر. وبعد أن أوضح هاتين النقطتين، أوصى الأخ ريماي الصفَّ التوجيهيَّ بقراءة كتاب "الإسلام في بؤرة التركيز".

 

صُدمت بما وجدته في هذا الكتاب، فبعض المواضيع الَّتي كنت أعتقدها غير منطقيَّة في المسيحيَّة، ولم تكن هناك طريقةٌ لفهمها، وجدت الإجابة عليها في هذا الكتاب. وصُدمت أيضاً بأنِّي وجدت في الكتاب ما كنت أُومن به، وكما وجدت أنَّ بعض المعتقدات البوذيَّة هي في الحقيقة مفاهيم إسلاميَّة، فهناك العديد من المبادئ البوذيَّة المشابهة لبعض المفاهيم الإسلاميَّة.

 

في الأسبوع التالي عدت إلى دار الأرقم لحضور صف المبتدئين، وكان الصفُّ قد قطع نصف الطريق خلال أركان الإسلام. فوجدت الدرس مملاًّ، فحضرت حصَّة أو حصَّتين فقط ثم تركت الصف. بعدئذٍ اشتريت كتابيْن آخريْن عن الإسلام - "الخيار، الإسلام والمسيحيَّة" للشيخ أحمد ديدات و" أساس عقيدة المسلم " لجاري ميللر. وقد تأثَّرت بهما حقّاً.

 

قابلت الأخ ريماي مرَّةً أخرى فقدَّمني للأستاذ "ذو الكفل"، والَّذي ناقش معي الإسلام لبضعة أسابيع. أيُّ أسئلةٍ كانت تُشكِّل مُعضلةً بالنسبة لي عن المسيحيَّة، والَّتي لم يكن باستطاعتي التعامل معها، كنت أضعها في قائمةٍ وأعرضها على كنيستي وعلى الكليَّة الإنجيليَّة في سنغافورة. وقد جعلني ذلك في وضعٍ صعبٍ للغاية، لأنِّي لم أستطع قبول ردودهم على تلك الأسئلة، لا من الكنيسة ولا من الكليَّة الإنجيليَّة. فقد كنت أعتبر بأنَّ قبولي منطق ردودهم وكأنَّه تلويثٌ لله (سبحانه وتعالى). فعلى سبيل المثال، عندما حاولت نقاش التناقضات في الإنجيل كان كلّ ما استطاعوا قوله لي بأنَّ هذه تناقضات صغيرة، أو أخطاء صغيرة، أو خطأ طباعيّ، فكان عليَّ أن أقوم ببحثي الخاص للردِّ على تلك الأسئلة الَّتي وُجِّهت إليَّ في دار الأرقم.

 

الجزء الأكثر تدميراً في بحثي كان تاريخ الكنيسة، فتاريخ الكنيسة نفسه يُلقي الضَّوْء على حقيقة أنَّ مفهوم الثالوث قُدِّم في سنة 325 بعد الميلاد، أي بعد 325 من "موت" المسيح (عليه الصَّلاة والسَّلام). وقبل ذلك كانت هناك تعاليمٌ كلُّها مختلفة عن بعضها بعضاً.

 

وحيث إنِّي حصلت على الكثير من المعلومات عن المسيحيَّة من مصادر إسلاميَّة، فلم أكن مقتنعاً، فما وجدته حول المسيحيَّة من المصادر الإسلاميَّة حاولت التثبُّت منه من موسوعاتٍ متنوِّعةٍ ومن مصادر أخرى، فوجدت بأنَّ كلَّ المعلومات الَّتي حصلت عليها من المصادر الإسلاميَّة كانت حقائق دامغة. وحين نظرت عن قُرب - أقرب من أيِّ وقتٍ مضى- إلى النبوءة الَّتي تقول: "سيأتي روح الحقِّ وسيقود الناس إلى كلِّ الحقّ" استطعت أن أرى بوضوح بأنَّ تلك النبوءة كانت تشير إلى النبيِّ محمَّدٍ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وإلى رسالته. فهذه النبوءة لم تُشر إلى عيسى عليه الصَّلاة والسَّلام، لأنَّ المسيحيِّين الأوائل لم يستطيعوا التقرير بخصوص شخصيَّته. وحتى هذا اليوم ما يزالون يتجادلون بخصوص ذلك.

 

خلال دراستي للإسلام، حاولت أيضاً أن أتعلَّم شيئاً عنه من الكتب المسيحيَّة فوجدتها خبيثة. فمع المعرفة الَّتي كانت لديَّ عن الإسلام كنت أستطيع دحض كلَّ الادِّعاءات الزائفة الَّتي لفَّقها المسيحيُّون. أحد الأمثلة هو الادِّعاء الَّذي لفَّقوه عن الله (سبحانه وتعالى) في الإسلام - " بأنَّه يبدو بعيداً جدّاً، وأنَّه لا يمكنه التواصل مع مخلوقاته. " (سبحانه وتعالى عمَّا يصفون). كنت أعرف أنَّ هذا ليس صحيحاً لأنَّ الله تعالى في الإسلام أقرب إلى مخلوقاته من حبل الوريد.

 

"وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ" (سورة ق/ 16).

 

وادَّعى المسيحيُّون أيضاً بأنَّ الله تعالى تنقصه معاني الحب. لا أدري كيف يمكن للمسيحيِّين ادِّعاء مثل ذلك في حين أنَّ قول "بسم الله الرَّحمن الرَّحيم" هو روتينٌ يوميٌّ عند المسلم. بالإضافة إلى ذلك فإنَّ هناك 99 اسماً لله تعالى تُلْقي الضَّوء على أسمى معاني الحب والرعاية الإلهيَّة في الإسلام. فكان يتوجَّب عليَّ رفض كلِّ الادِّعاءات الَّتي صنعها المسيحيُّون عن الإسلام، لأنَّه كان يتوجَّب عليَّ أن أكون عادلاً مع نفسي. فكلُّها كانت من وجهة النظر الكنسيَّة، وكان يتوجَّب عليَّ أن أعتبرها كذباً.

 

بعدئذٍ قرأت كتاب "محمَّدٌ في الإنجيل" و كتاب "إنجيل توما". حتى الآن كنت قد تلقَّيْت الكثير من الصَّدمات. أمَّا "مخطوطات البحر الميِّت" فقد كانت هي الصدمة الأخيرة الَّتي حطَّمت عقيدتي المسيحيَّة. لقد حاولت ولكنِّي لم أجد سبباً للبقاء على المسيحيَّة. فقد رأيت كلَّ الزَّيف الَّذي لم أكن أتوقع رؤيته فيها. لقد تفحَّصت بعنايةٍ وبكلِّ الطُّرق لأتأكَّد، فلعلِّي كنت مخطئاً، حتى لم يتبقّ لي ما أتأكَّد منه.

 

واصلت تعلُّمي عن الإسلام، من القرآن الكريم ومن كتبٍ أُخرى، ومن معلِّمين مسلمين كافحوا لإرشادي إلى طريق الحق.

 

وفي أحد الأيَّام سألني الأستاذ ذو الكفل: "أما آن لك أن تدخل الإسلام؟" فلم أستطع أن أتفوَّه ببنت شفة. فكَّرت في ذلك مراراً وتكراراً، لكنِّي لم أجد سبباً واحداً يمنعني من دخول الإسلام، وعندها قرَّرت إعلان الإسلام، دين الحق.

 

في البداية لم تأخذ عائلتي تحوُّلي هذا على محملٍ من الجِدّ، فقد ظنُّوا أنِّي أعلنت إسلامي اسميّاً فقط وأنِّي سأُواصل حياتي كغير مسلم وآكل لحم الخنزير. فيما بعد، عندما وجَدَت عائلتي أنِّي أصبحت مسلماً ملتزماً حدثت فوضى عارمة. وأصبحت الأمور أكثر فوضويَّة حين بدأتُ صيام شهر رمضان. لقد كنت على وشك أن أُطرد من البيت. واستمرَّت هذه الحال من التوتر لبضعة شهورٍ تلت. لم أكن خلالها أتناول طعامي في بيتي. واتُّهمت بأنِّي لم أعد أُحبُّ عائلتي. وكانت هناك مشاحناتٌ مستمرَّةٌ بيني وبين أفراد عائلتي. حاولت أن أشرح لهم الإسلام ولكنَّهم لم يفهموه.

 

وتشكَّل لديَّ خوفٌ من العودة إلى البيت، فكنت أبقى حتى وقت متأخِّرٍ من الليل خارجه. وفي أحد الأيَّام جاءت إليَّ أُمِّي وأخبرتني بألَّا أتأخَّر ليلاً. وقالت بأنَّ أبي قد عبَّر عن قلقه حيال ذلك. واقْتَرَحَتْ بأن أشتري طعامي الخاص وأنَّها ستُعِدُّه لي بشكل مستقلّ. أمَّا الآن فإنَّ معظم أفراد عائلتي يأكلون الطعام الحلال في البيت، لأنَّ من المناسب أكثر لأُمِّي أن تُعِدَّ الأطباق الَّتي يمكن أن يأكلها ليس فقط معظم أفراد العائلة بل وابنها المسلم كذلك. تحسَّنت الأوضاع في بيتي، إلَّا من بعض الإزعاج العرضي وغير المؤذي من عائلتي. الحمد لله.

 

 

تم بعون الله وتوفيقه

 

 

وفي النهاية لك يا من تبحث عن الحقيقة القدوة في صحابة الرسول صلي الله عليه وسلم الذين كانوا من أهل الكتاب ثم اعتنقوا الإسلام..وسنورد هنا قصص لهم أعدها الدكتور محمد المسير أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر.

نبدأ بقصة الصحابي الجليل سلمان الفارسي رضي الله عنه.الذي ظل يبحث عن الحقيقة سنوات حتي وصل اليها.أتركك مع قصته العظيمة..

 

قصة اسلامه مجموعة مواقف للبحث عن الحق،تترفع عن المال والجاه بل تصل إلي موقف لا نعلم له مثيلاً حيث يفقد حريته ويباع عبداً ويعمل خادماً..كل ذلك كي يحقق هدفاً إيمانياً يرضي الله به، ويحظي فيه بلقاء خاتم الأنبياء والمرسلين.

 

نشأته:

ففي صحيح البخاري عن سلمان الفارسي: أنه تداوله بضعة عشر من رب إلي رب..وتفيض كتب السيرة بقصة إسلام ذلك الصحابي الباحث عن الحق (راجع الروض الأنف -1-247 والسيرة الحلبية -1-303-والسيرة النبوية لإبن كثير -1-296)وفي صحيح البخاري أنه من رامهرمز وفي رواية: ولدت برامهرمز وبها نشأت وأما أبي فمن أصبهان..

 

وكان أبوه مجوسياً له في المجوسية قدم حتي صار دهقان قريته أي كبير أهل القرية.وجعل ابنه يجتهد في المجوسية حتي كان قطن النار أي الخادم الذي يقودها(بفتح القاف وكسر الطاء)..

وذات يوم أرسله والده إلي ضيعة له يتولي شؤؤنها فمر بكنيسة وسمع أصوات المصلين بها فأعجبته صلاتهم وقال: هذا والله خير من الدين الذي نحن عليه. ثم عاد إلي أبيه عشاء دون أن يعمل شيئاً في الضيعة وقص عليه ماحدث، فخاف الرجل علي ولده أن يترك دين أبائه فجعل في رجله قيداً وحبسه في بيته.

 

صلته بالنصرانية:

 

لكن العقل الباحث عن الحقيقة يرفض القيد حسياً كان أو معنوياً ويتحين الفرص ويذهب مع وفد من أهل الشام يسل عن أفضل أهل هذا الدين علماً..فدلوه علي أسقف في كنيسة،فجاءه يتعلم منه ويصلي معه، ويشاء الله أن يكون هذا الأسقف ممن أشار إليهم القرآن الكريم في قوله: }إن كثيراً من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله{

]التوبة: 34[. يقول سلمان (فدخلت معه,فكان رجل سوء يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها،فإذا جمعوا له شيئاً كنزه لنفسه ولم يعطه المساكين، حتي جمع سبع قلا ذهب وورق،وأبغضته بغضاً شديداً لما رأيته يصنع)..ويموت هذا الراهب ويخلفه آخر علي النقيض منه، زاهداًَ في الدنيا، راغباً في الآخرة ، دائباً في العبادة، ويظل معه سلمان ويحبه حباً شديداً، ويقيم معه زماناً حتي تحضره الوفاة، فاستشاره سلمان بمن يلحق بعده، فأوصي به إلي رجل من "نصيبين". ذهب سلمان إلي "نصيبين" فوجد صاحبه خير رجل، وما لبث أن نزل به الموت فأوصي به إلي رجل ب"عمورية" من أرض الروم ، وأقام عنده سلمان، واستقر به المقام، واكتسب بقرات وغنماً يرعي بها..ومرة أخري نزل بالرجل أمر الله، فسأله سلمان :إلي من توصي بي؟ وبم تأمرني؟..قال صاحب "عمورية" : أي بني، والله ما أعلم أصبح أحد علي مثل ما كنا عليه من الناس آمرك ن تأتيه، ولكنه قد أظل زمان نبي مبعوث بدين إبراهيم، يخرج بأرض العرب، مهاجره إلي أرض بين حرتين، بينهما نخل ، به علامات لا تخفي، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة ،بين كتفيه خاتم النبوة..فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل..!!

 

وصوله إلي يثرب:

 

ومات الرجل، ومكث سلمان بعمورية ما شاء الله أن يمكث، ثم مر به نفر من تجار العرب فقال لهم: احملوني إلي أرض العرب وأعطيكم بقراتي هذه وغنمي هذه..وحمله التجار حتي إذا بلغوا وادي القري (مكان قريب من المدينة) طلموه فباعوه عبداً لرجل يهودي، ويشاء الله أن يأتي ابن عم لهذا اليهودي من بني قريظة فيبتاع سلمان منه ويحمله إلي يثرب..

يقول سلمان: "فوالله ما هو إلا أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبي لها، فأقمت بها، وبُعث رسول الله صلي الله عليه وسلم، فأقام بمكة ما أقام ولا أسمع له بذكر مما أنا فيه من شغل الرق، ثم هاجر إلي المدينة. فوالله إني لفي رأس عذق (النخلة) لسيدي أعمل فيه بعض العمل ،وسيدي جالس تحتي،إذ أقبل ابن عم له حتي وقف عليه وقال: يا فلان،قاتل الله بني قيلة (الأنصار نسبة ِإلي أمهم قيلة بنت كاهل)، والله إنهم لمجتمعون الآن بقباء علي رجل قدم من مكة اليوم يزعمون أنه نبي..!!

فلما سمعتها أخذتني الرعدة حتي ظننت أني ساقط علي سيدي، فنزلت عن النخلة، فجعلت أقول لإبن عمه: ماذا تقول؟ ماذا تقول؟

فغضب سيدي فلكمني لكمة شديدة ثم قال:مالك ولهذا؟! أقبل علي عملك."

البحث عن البشارات:

 

هنا تبدأ مرحلة تحقيق وتثبت في حياة سلمان الدينية، ويراوده الأمل في قرب الوصول ويحاول أن يستكشف الوصايا الثلاث التي حملها عن أسقف عمورية..

يقول سلمان:

"وقد كان عندي شئ قد جمعته،فلما أمسيت أخذته ثم ذهبت به إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو بقباء، فدخلت عليه فقلت له: إنه قد بلغني أنك رجل صالح،ومعك أصحاب غرباء ذوو حاجة، وهذا شئ كان عندي للصدقة، فرأئتكم أحق به من غيركم..

فقربته إليه..فقل رسول الله صلي الله عليه وسلم لأصحابه : كلوا، وأمسك يده فلم يأكل.

فقلت في نفسي هذه واحدة..!!

ثم انصرفتُ عنه فجمعت شيئاً، وتحول رسول الله صلي الله عليه وسلم إلي المدينة ،ثم جئته فقلت له، إني قد رأيتك لا تأكل الصدقة، وهذه هدية أكرمتك بها.

فأكل رسول الله صلي الله عليه وسلم منها وأمر أصحابه فأكلوا معه.

فقلت في نفسي : هاتان ثنتان..!!

ثم جئت رسول الله صلي الله عليه وسلم ببقيع الغرقد، وقد تبع جنازة رجل من أصحابه، وعليه شملتان، وهو جالس في أصحابه، فسلمت عليه ثم استدبرته انظر إلي ظهره، هل  أري الخاتم الذي وصف لي صاحبي؟!..

 (ذكر الإمام السهيلي مجموعة روايات في خاتم النبوة منها أنه كان كأثر المحجمة يعني أثر المحجم القابضة علي اللحم حتي يكون ناتئاً وفي الخبر أنه كان حوله خيلان فيها شعرات سود، وقيل كالتفاحة أو بيضة الحمامة أو ركبة العنزة.ويقع الخاتم بين كتفي النبي صلي الله عليه وسلم عند أعلي منقظع الغضروف في الكتف –الروض الأنف 1-206)

فلما رآني رسول الله صلي االله عليه وسلم استدبرته عرف أن استثبت في شئ وُصف لي فألقي رداءه عن ظهره فنظرت إلي الخاتم فعرفته، فأكببت عليه أقبله وأبكي..

فقال لي رسول الله صلي الله عليه وسلم: تحول.فتحولت بين يديه فقصصت عليه حديثي.."

 

من أهل البيت:

 

شغل سلمان الرق حتي فاته مع الرسول الكريم بدر وأحد.

ما الحل إذن؟

كيف يتخلص من الرق، ويخلص للإسلام، ويصفو قلبه من هموم الحياة المادية.

أشار عليه النبي صلي الله عليه وسلم أن يكاتب سيده،فكاتبه علي ثلاثمائة نخلة يغرسها له وأربعين أوقية من ذهب.

وشارك المسلمون في أداء هذا الدين عن سلمان، فأحضروا له النخل وحفروا معه أماكنها وقدم رسول الله صلي الله عليه وسلم ووضعه بيده الشريفة وعُتق سلمان.وكانت أول مشاهده غزوة الأحزاب وأشار علي المسلمين بحفر الخندق حول المدينة وحين قسم الرسول حفر الخندق بين الصحابة والأنصار قال الأنصار:سلمان منا وقال المهاجرون: سلمان منا.

 

فقال عليه الصلاة والسلام: سلمان منا أهل البيت.!!

 

كذلك هناك قصة زيد بن سعنة رضي الله عنه أحد أحبار اليهود الذي أعتنق الإسلام:

 

يحكي زيد فيقول: لم يبق من علامات النبوة شئ إلا وقد عرفته في وجه محمد حين نظرت إليه إلا اثنين لم أخبرهما منه:

-يسبق حلمه غضبه

-ولايزيده شدة الجهل عليه إلا حلماً.

فكنت أتلطف له لأن أخالطه وأعرف حلمه وجهله، فخرج رسول الله صلي الله عليه وسلم يوماً من الأيام من الحجرات ومعه علي بن أبي طالب، فأتاه رجل علي راحلته كالبدوي فقال: يارسول الله،إن قرية بني فلان قد أسلموا وقد أصابتهم سنة وشدة، فإن رأيت أنه ترسل إليهم بشئ تصيبهم به فعلت.

فلم يكن معه شئ..!!

قال زيد فدنوت منه فقلت يا محمد، إن رأيت تبيعني تمراً معلوماً من حائط بني فلان إلي أجل كذا وكذا.

فقال:لا يا أخا اليهود، ولكن أبيعك تمراً معلوماً إلي أجل كذا وكذا ولا أسمي حائط بني فلان.

فقلت :نعم.

فبايعني وأعطيته ثمانين ديناراً، فأعطاها الرجل.

قال زيد:فلما كان قبل محل الأجل بيومين أو ثلاث خرج الرسول صلي الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصاري ومعه أبو بكر وعمر وعثمان في نفر من أصحابه رضي الله عنهم أجمعين، فلما صلي علي الجنازة أتيته فأخذت بمجامع قميصه وردائه ونظرت إليه بوجه غليظ ثم قلت: ألا تعطيني يا محمد حقي؟! فوالله ما علمتكم يابني عبدالمطلب لسئ القضاء مطل..!!

فنظرت إلي عمر وعيناه تدوران في وجهه ثم قال: أي عدو الله، أتقول لرسول الله ما أسمع، فوالذي بعثه بالحق لولا ما أحاذر فوته لضربت سيفي برأسك..!!

ورسول الله ينظر إلي عمر في سكوت وتبسم ثم قال: يا عمر،أنا وهو إلي غير هذا منك أحوج، أن تأمره بحسن الأقتضاء وتأمرني بحسن القضاء..!!

اذهب يا عمر فاقضه حقه و زده عشرين صاعاً مكان ما روعته..!!

قال زيد: فذهب بي عمر فقضاني وزادني..فأسلمت.

لقد أسلم زيد تصديقاً بالخلق العظيم للنبي الأمي فقد مر بتجربة عملية واستقراء لملامح الشخصية واحتكاك مباشر بصاحب الدعوة حتي تتجلي الصورة وواضحة بلا خفاء، فإن المعاملة هي محك الخلق.

 

إذاً لا بد من وقفة تأمل لحال هؤلاء الأعلام الذين أعلنوا إسلامهم.. أتعتقد بأنهم يبحثون عن زيادة في الشهرة والمنصب بعد ما وصل المسلمون لما وصلوا إليه أم أنهم فضلوا إتباع دين الحق من حيث أتى ؟ وكان شعارهم الحق  أحق أن يتبع وآثروا علي مكانتهم الاجتماعية وشهرتهم العلمية ما سيواجهونه من تأثيرات مقابل إسلامهم ، هؤلاء  العلماء والأعلام قد مهدوا لك الطريق للدخول في الإسلام بعد الدراسة المستفيضة والتعمق في المقارنة والتأكد الذي لا يقبل الشك كلٌّ في مجاله ، فلا تتردد إذا كانت الشهرة أو المنصب أو الوضع الاجتماعي تمنعك من إعلان إسلامك لأنك راحل من هذه الدنيا مهما بلغت من العلو وإنك ستُنسى كما نُسِي من هم مثلك أو أفضل منك ولو دامت هذه الدنيا لغيرك ما وصلت إليك  وعندها لا تساوي الدنيا كلها لحظة عذاب في الآخرة.

 

أخوكم قذيفة الحق-أبريل 2005

 

****