ماذا
قالت
دائرة
المعارف
الكتابية
عن
سفري
أخبار
الأيام
؟
فمن ألف
سفري أخبار الأيام، وبماذا تميز هذا المؤلِّف
(المؤرخ) البارع ؟!!
هذا نقل
حرفي (ليس كحرفية زكريا بطرس)، من دائرة المعارف
الكتابية، وأترك التعليق لكم..
" طريقة استخدام المصادر الكتابية:
إن طريقة
استخدام سفري "أخبار الأيام" للمصادر الكتابية لها بعض الخصائص
المعينة، ويمكن دراسة الإصحاح العاشر من أخبار الأيام مع الإصحاح الحادي و الثلاثين من
صموئيل الأول كمثال نموذجي لذلك. فليست الفقرة المذكورة في سفر أخبار الأيام
الأول (1:10-12) سوى نقل - مع تغيرات طفيفة - لنفس الفقرة من سفر صموئيل الأول
(1:31-12). وهكذا يتكون قسم كبير من سفري أخبار الأيام من فقرات منقولة عن أسفار
صموئيل و الملوك. وهناك رأي آخر يقول إن كاتب سفري الأخبار ربما نقل عن مصادر سبق
أن نقل عنها كتبة أسفار صموئيل و الملوك، ولعل هذا هو الرأي الأرجح في بعض الحالات
على الأقل .
وهذه
الظاهرة لها أهميتها لعدة أسباب، إذ لها علاقة بصحة
المعلومات، فنسخة من وثيقة قديمة، لهي - كدليل- أعلى قيمة من مجرد التقرير عن مضمون تلك الوثيقة، كما أن لها دلالتها في
المسائل المتعلقة بالنصوص، فهل تعتبر نصوص أسفار
الملوك وأخبار الأيام تنقيحات وتعديلات؟ فمن الأهمية بمكان إيضاح العمليات الأدبية
التي استخدمها كتبة الأسفار المقدسة. فيقال ـ أحياناً ـ إنهم استخدموا ما لديهم من
مصادر، ليس بإعادة عرض المحتويات ـ وهو ما يفعله أي كاتب عصري ـ بل اكتفوا بمجرد النقل
منها، إلا أنه من الأصوب أن نقول أنهم فعلوا ذلك أحياناً إذ تتوقف عملية النسخ
عند الآية الثانية عشر من الإصحاح العاشر من سفر الأخبار الأول. وفي العددين
13و14 يوجز المؤرخ في جملة واحدة جزءاً كبيراً من مضمون سفر صموئيل الأول. كما تعد
عبارة واحدة - بصفة خاصة - موجزاً للإصحاح الثامن و العشرين من سفر صموئيل الأول.
وهذا ينطبق على أجزاء أخرى. وما جاء في (1أخ 1:1-4) ما هو إلا موجز لما في الإصحاح
الخامس من سفر التكوين، بمعدل اسم لكل فقرة. كما أن ما جاء في (1أخ 24:1-27) هو في
الحقيقة موجز لما جاء في التكوين (10:11-26). وهكذا نجد في الأجزاء المختلفة من
سفري أخبار الأيام، كل ما قد يتبعه أي كاتب من أساليب. ولكن الحقيقة البارزة هي
استخدام طريقة النقل أكثر مما قد يفعل أي كاتب عصري.
ويبدو حدوث
بعض التنقيح في الفقرات المنقولة - بدون استثناء تقريباً - فقد شذّبت الكلمات والعبارات، وخففت خشونة القواعد النحوية. والنص في
سفري أخبار الأيام - دائما - أكثر إيجازاً إلى حد
ما، وأكثر طلاقة عنه في أسفار صموئيل و الملوك.
وإذا
أولينا هذا الموضوع اهتماماً دقيقاً، لاستوثقنا من إجراء عملية التنقيح هذه، ومن أنها السبب في معظم الاختلافات بين النصوص في سفري أخبار
الأيام والكتابات السابقة لهما، وليس السبب هو
فساد حدث في النصوص.
---------------------------------
إضافات
المؤرخ:
لا ريب في
أن معظم التغيرات الهامة التي أحدثها كاتب
سفري الأخبار، تتمثل في الإضافة و الحذف. و الحقيقة الواضحة هي أن أكبر
الفصول المضافة الي سفري الأخبار، هي تلك الفقرات التي تتحدث عن الهيكل والعبادة فيه،
والقائمين بأمره من كهنة ولاويين وموسيقيين ومغنين وبوابين، وكذلك الإضافات
المختصة بارتجاع تابوت العهد الي أورشليم، و التجهيزات للهيكل، و الكهنة الذين انضموا
لرحبعام، والحرب بين أبيا ويربعام، والإصلاحات في أيام آسا ويهوشافاط، والتفاصيل
المختصة بعزيا وموت حزقيا، وما قام به منسي من اصلاحات، و الفحص الذي عمله
يوشيا (1أخ 15-16، 22-29، 2أخ 13:11-17، 13، 14، 15، 17، 19، 20،
16:26-21، 29-31، 10:33- 20، 35).
وقد لوحظ -
ولو بدرجة أقل مما ينبغي - أنه بينما يعطي المؤرخ
- في هذه الفقرات - مساحة واسعة لوصف شرائع موسى الطقسية، الا أنه يعطي مساحة
أكبر لوصف ترتيبات داود.
يلي ذلك من
حيث الحجم، مادة الأنساب و الإحصاءات، كما
في الجزء الكبير من سلاسل الأنساب التمهيدية و التفاصيل المختصة بأصحاب داود،
ومدن رحبعام الحصينة و الشؤون العائلية، وبيانات عن غزوة شيشق، واستعدادات آسيا
العسكرية، وغزوة زارح بالأعداد والتواريخ، وترتيبات يهوشافاط العسكرية، وإخوة
يهورام وبيانات أخرى عنه، وجيش عزيا ومشروعاته (1أخ 2-9، 12، 27، 2أخ 5:11-12و18-23، 3:12-9،
3:14-15، 1:17-5و10-19و21، 6:26-15).
ويقال أحياناً أن المؤرخ اهتم بشؤون الكهنة وليس بشؤون الأنبياء. وهذا غير
صحيح، فهو يولي معظم الأنبياء عناية خاصة (انظر
مثلاً 2أخ 20:20، 12:36و16)، وقد استخدم كلمة "نبي" ثلاثين مرة، كما استخدم الكلمتين العبريتين المعبرتين عن
"الرائي" وهما "حوزة" خمس مرات، و "روه" إحدى
عشرة مرة . ويقدم لنا معلومات إضافية عن كثير من الأنبياء، مثل صموئيل وجاد وناثان وأخيا وشمعيا وحناني وياهو وإيليا وإشعياء
وإرميا. كما بذل الكثير من الجهد ليحتفظ لنا
بتواريخ الكثير من الأنبياء الذين لولاه، لما عرفنا عنهم شيئاً، مثل: آساف وهيمان
ويدوتون ويعدو (2أخ 29:9)، وعدو (2أخ 15:12، 22:13) وعوديد وعزريا بن عوديد في أيام
آسا (2أخ 1:15و8)، ويحزيئيل بن زكريا (2أخ 14:20) وأليعزر بن دودا و اهو (2أخ
37:20)، وزكريا بن يهويا داع (2أخ20:24)، وزكريا الفاهم بمناظر اللـه (2أخ 5:26)،
وأنبياء لم تذكر أسماؤهم في أيام أمصيا (2أخ 5:25-10و15و16)، وعوديد في أيام آحاز
(2أخ 9:28). وهذا نرى أن المؤرخ قد انتهج أسلوباً معيناً ليحتفظ لنا في
تاريخه بأحداث - من كل نوع - لها أهميتها. وعندما وصل الي "يائير" في قائمة
الأنساب وجد نفسه أمام معلومة لم تدرج في الكتابات السابقة، فضمنها قائمته (1أخ 21:2-23). واهتم الكاتب بذكر "عشائر الكتبة
سكان يعبيص" (1أخ 14:4و21و23) كما وجد جزءاً من
ترنيمة ليعبيص فألحقها بقائمة الأسماء كحاشية أو تذييل (1أخ 9:4و10). وهناك أمور
تتعلق بمرض آسا ودفنه، وأمور تتعلق بالسلوك الشرير ليوآش بعد موت يهوياداع، وأخرى
تتعلق بالإنشاءات التي أقامها حزقيا(2 أخ 12:16و13، 15:24-27،
27:32-30)، وهي
أمور بدا لكاتب الأخبار أنها تستحق التسجيل فسجلها رغم أنها لم تسجل في الكتابات
السابقة.
----------------------------------------------
ما حذفه
المؤرخ:
وكما أضاف كاتب "أخبار الأيام" أموراً غير موجودة في الأسفار
السابقة، فإنه أيضاً حذف الكثير مما تضمنته أسفار صموئيل
والملوك. ولكن يجب أن يكون ما أضافه موضع اهتمام أكبر مما حذفه، لأنه يكتب لقراء
يفترض فيهم الإلمام بالأسفار السابقة، ومع ذلك احتفظ بالكثير مما رآه ضرورياً
لتحديد العلاقات بين ما سجله من حقائق وبين ما سجله السابقون. ومن نقطة بداية تاريخ
داود، جرى الكاتب على حذف كل ما ليس له علاقة وثيقة بداود أو سلالته الحاكمة، مثل
تاريخ المملكة الشمالية، والقصص الطويلة المتعلقة بإيليا وأليشع، والأمور المحزنة
عن آمنون وأبشالوم وأدونيا وخيانة سليمان و العديد من التفاصيل قليلة الأهمية. وقد
ذكرنا من قبل اختصاره المنتظم للفقرات التي نقلها.
---------------------------------------------
المصادر
غير الكتابية:
هناك
ظاهرتان ملحوظتان في أجزاء " أخبار الأيام" التي لم تنقل عن الأسفار القانونية، فهي مكتوبة بلغة عبرية أحدث، وذات أسلوب منسق جميل. وكثير
من هذه الأجزاء عبارة عن مقتطفات
موجزة. أما اللغة العبرية التي كتبت بها الأجزاء المنقولة عن أسفار صموئيل و الملوك، فهي بالطبع اللغة الكلاسيكية لتلك
الأسفار، وقد أضحت - بصفة عامة - أكثر بلاغة بسبب ما
تم فيها من تنقيح. أما الأجزاء الأخرى فمن المفترض أنها هي لغة المؤرخ ذاته،
والفرق بين لغة كل جزء منها جلى واضح لا يمكن الخلط فيه. ويمكن التعليل لهذا الاختلاف،
بافتراض أن المؤرخ عالج المصادر الكتابية التي نقل عنها باحترام خاص، أما المصادر
الأخرى غير الكتابية، فبحرية، وسنتناول الآن صحة هذا الافتراض أو التعليل:
هناك
إشارات إلى أن بعض المصادر غير الكتابية كانت إما مشوهة أو ممزقة عندما استخدمها
المؤرخ. فهناك الكثير من الجمل و الفقرات و التركيبات اللغوية المبتورة،
وهي عيوب اختفى معظمها إلى حد كبير عند ترجمتها، حيث استكمل المترجمون المعنى عن
طريق التخمين، وهي أقل ظهوراً في القصص الطويلة، عنها في سلاسل الأنساب والفقرات
الوصفية. وقد يشار إلى هذه العيوب أحياناً كما لو كانت من خصائص اللغة العبرية
المتأخرة إلا أن هذا غير معقول. فمعظم سلاسل الأنساب - مثلاً - غير كاملة. كما أن
سلاسل أنساب الكهنة، لا تذكر أسماء بعض المبرزين في التاريخ مثل يهوياداع الكاهن،
وكاهنين باسم عزريا ( 2مل 4:11و9 2أخ 17:26، 10:31).
وقد تكرر
العديد من سلاسل الأنساب، وبصيغ مختلفة، ولكن بنفس النقص الواضح، فهناك عدة ثغرات أو فجوات في القوائم، فبينما نقرأ أسماء إحدى
المجموعات، إذ بنا نكتشف فجأة أننا أمام أسماء من
مجموعة أخرى، دون أدنى تنبيه إلى هذا الانتقال. ونجد نفس هذه الظواهر في الأقسام من
أخبار الأيام الأول 2:23-34:27، فهي تحوي بيانات متتابعة في نظام منسق من أقسام
وفروع، ولكن الكثير من البيانات المترتبة على هذا النحو، مبتورة حتى لا تكاد
’تفهم. وأقرب تفسير لهذه الظواهر هو افتراض أن الكاتب كان لديه الكثير من الجذاذات
المكتوبة، ربما على ألواح فخارية أو على ورق البردي أو غيرهما، وكانت الكتابة مبتورة
فنقلها كما هي، بقدر ما سمحت له إمكاناته. ولو أن كاتباً حديثاً قام بمثل هذا
العمل، لأشار إلى الثغرات بوضع نقط أو أشراط مكان الفجوات، إلا أن الناسخ القديم
قام بكل بساطة بنقل الجذاذات الواحدة تلو الأخرى دون استخدام مثل هذه العلامات . وقد
يختلف العلماء فيما بينهم بخصوص العديد من الفجوات المفترضة في "أخبار
الأيام"، إلا أنهم يتفقون على الكثير منها. ولو قام شخص ما بطبع سفري أخبار الأيام مع الإشارة إلى هذه الثغرات و الفجوات، لأسهم
مساهمة فعالة في إزالة ما في هذين السفرين من
لبس ".
انتهى
أرسل بواسطة : رحيم