إنجيل برنابا

 

برنابا رسول يسوع الناصري المسمى المسيح يتمنى لجميع سكان الأرض سلاماً وعزاء .

 

أيها الأعزاء إن الله العظيم العجيب قد افتقدنا في هذه الأيام الأخيرة بنبيه يسوع المسيح برحمة عظيمة للتعليم والآيات التي اتخذها الشيطان ذريعة لتضليل كثيرين بدعوى التقوى ، مبشرين بتعليم شديد الكفر ، داعين المسيح ابن الله ، ورافضين الختان الذي أمر به الله دائما ، مجوزين كل لحم نجس ، الذين ضل في عدادهم أيضا بولس الذي لا أتكلم عنه إلا مع الأسى ، وهو السبب الذي لأجله أسطر ذلك الحق الذي رأيته وسمعته أثناء معاشرتي ليسوع لكي تخلصوا ولا يضلكم الشيطان فتهلكوا في دينونة الله ، وعليه فاحذروا كل أحد يبشركم بتعليم جديد مضاد لما أكتبه لتخلصوا خلاصا أبديا .

 

 وليكن الله العظيم معكم وليحرسكـم من الشيطان ومن كل شـر آمين .

 

 

الفصل الأول

 

لقد بعث الله في هذه الأيام الأخيرة بالملاك جبريل إلى عذراء تدعى مريم من نسل داود من سبط يهوذا ، بينما كانت هذه العذراء العائشة بكل طهر بدون أدنى ذنب المنزهة عن اللوم المثابرة على الصلاة مع الصوم يوما ما وحدها وإذا بالملاك جبريل قد دخل مخدعها وسلم عليها قائلا : ليكن الله معك يا مريم . فارتاعت العذراء من ظهور الملاك ، ولكن الملاك سكن روعها قائلا : لا تخافي يا مريم لأنك قد نلت نعمة من لدن الله الذي اختارك لتكوني أم نبي يبعثه إلى شعب إسرائيل ليسلكوا في شرائعه بإخلاص . فأجـابت العذراء : وكيف ألد بنين وأنا لا أعرف رجلا . فأجاب الملاك : يا مريم إن الله الذي صنع الإنسان من غير إنسان لقادر أن يخلق فيه إنسانا من غير إنسان لأنه لا محال عنده . فأجابت مريم : إني لعالمة أن الله قدير فلتكن مشيئته . فقال الملاك : كوني حاملاً بالنبي الذي ستدعينه يسوع ، فامنعيه الخمر والمسكر وكل لحم نجس لأن الطفل قدوس الله . فانحنت مريم بِضَعَة قائلة : ها أنا ذا أمة الله فليكن بحسب كلمتك . فانصرف الملاك ، أما العذراء فمجدت الله قائلة : اعرفي يا نفس عظمة الله ، وافخري يا روحي بالله مخلصي ، لأنه رمق ضعة أمته ، وستدعوني سائر الأمم مباركة ، لأني القدير صيّرني عظيمة ، فليتبارك اسمه القدوس لأني رحمته تمتد من جيل إلى جيل للذين يتقونه ، ولقد جعل يده قوية فبدد المتكبر المعجب بنفسه ، ولقد أنزل الأعِزاء من عن كراسيهم ورفع المتضعين ، أشبع الجائع بالطيبات وصرف الغني صفر اليدين ، لأنه يذكر الوعود التي وعد بها إبراهيم وابنه إلى الأبد .

 

 

الفصل الثاني

 

أما مريم فإذ كانت عالمة مشيئة الله وموجسة خيفة أن يغضب الشعب عليها لأنه حبلى ليرجمها كأنها ارتكبت الزنا اتخذت لها عشيرا من عشيرتها قويم السيرة يدعى يوسف ، لأنه كان بارا متقيا لله يتقرب إليه بالصيام والصلوات ويرتزق بعمل يديه لأنه كان نجارا ، هذا هو الرجل الذي كانت تعرفه العذراء واتخذته عشيرا وكاشفته بالإلهام الإلهي ، ولما كان يوسف بارا عزم إذ رأى مريم حبلى على إبعادها لأنه كان يتقي الله ، وبينا هو نائم إذا بملاك الله يوبخه قائلا : لماذا عزمت على إبعاد امرأتك ، فاعلم أن ما كون فيها إنما كوّن بمشيئة الله فستلد العذراء ابنا ، وستدعونه يسوع ، وتمنع عنه الخمر والمسكر وكل لحم نجس ، لأنه قدوس الله من رحم أمه فإنه نبي من الله أرسل إلى شعب إسرائيل ليحول يهوذا إلى قلبه ، ويسلك إسرائيل في شريعة الرب كما هو مكتوب في ناموس موسى ، وسيجيء بقوة عظيمة يمنحها له الله ، وسيأتي بآيات عظيمة تفضي إلى خلاص كثيرين . فلما استيقظ يوسف من النوم شكر الله وأقام مع مريم كل حياته خادما لله بكل إخلاص .

 

 

 

الفصل الثالث

 

كان هيرودس في ذلك الوقت ملكا على اليهودية بأمـر قيصر أوغسطس ، وكان بيلاطس حاكما في زمن الرياسة الكهنوتية لحنان وقيافا ، فعملا بأمر قيصر اكتتب جميع العالم ، فذهب إذ ذاك كل إلى وطنه وقدموا نفوسهم بحسب أسباطهم لكي يكتتبوا ، فسافر يوسف من الناصرة إحدى مدن الجليل مع امرأته وهي حبلى ذاهبا إلى بيت لحم ( لأنه كانت مدينته وهو من عشيرة داود ) ليكتتب عملا بأمر قيصر ، ولما بلغ بيت لحم لم يجد فيها مأوى إذ كانت المدينة صغيرة وحشد جماهير الغرباء كثيرا ، فنزل خارج المدينة في نزل جعل مأوى للرعاة ، وبينما كان يوسف مقيما هناك تمت أيام مريم لتلد ، فأحاط بالعذراء نور شديد التألق ، وولدت ابنها بدون ألم ، وأخذته على ذراعيها ، وبعد أن ربطته بأقمطة وضعته في المذود ، إذ لم يوجد موضع في النزل ، فجاء جوق غفير من الملائكة إلى النزل بطرب يسبحون الله ويذيعون بشرى السلام لخائفي الله ، وحمدت مريم ويوسف الله على ولادة يسوع وقاما على تربيته بأعظم سرور .

 

 

الفصل الرابع

 

كان الرعاة في ذلك الوقت يحرسون قطيعهم على عادتهم ، وإذا بنور متألق قد أحاط بهم وخرج من خلاله ملاك سبح الله ، فارتاع الرعاة بسبب النور الفجائي وظهور الملاك ، فسكن روعهم ملاك الرب قائلا : ها آنذا أبشركم بفرح عظيم ، لأنه قد ولد في مدينة داود طفل نبي للرب الذي سيحرز لبيت إسرائيل خلاصا عظيما ، وتجدون الطفل في المذود مع أمه التي تسبح الله ، وإذ قال هذا حضر جوق عظيم من الملائكة يسبحون الله ، ويبشرون الأخيار بسلام ، ولمـا انصرفت الملائكة تكلم الرعاة فيما بينهم قائلين : لنذهب إلى بيت لحم وننظر الكلمة التي كلمنا بها الله بواسطة ملاكه ، وجاء رعاة كثيرون إلى بيت لحم يطلبون الطفل المولود حديثا ، فوجدوا الطفل المولود مضطجعا في المذود خارج المدينة حسب كلمة الملاك ، فسجدوا له وقدموا للأم ما كان معهم وأخبروها بما سمعوا وأبصروا ، فأسرّت مريم هذه الأمور في قلبها ويوسف أيضا شاكرين لله ، فعاد الرعاة إلى قطيعهم يقولون لكل أحد ما أعظم ما رأوا ، فارتاعت جبال اليهودية كلها ، ووضع كل رجل الكلمة في قلبه قائلا : ما سيكون هذا الطفل يا ترى .

 

 

الفصل الخامس

 

فلما تمت الأيام الثمانية حسب شريعة الرب كما هو مكتوب في كتاب موسى أخذا الطفل واحتملاه إلى الهيكل ليختناه ، فختنا الطفل وسمياه يسوع كما قال الملاك قبل أن حبل به في الرحم ، فعلمت مريم ويوسف أن الطفل سيكون لخلاص وهلاك كثيرين ، لذلك اتقيا الله وحفظا الطفل وربياه على خوف الله .

 

 

الفصل السادس

 

لما ولد يسوع في زمن هيرودس ملك اليهودية كان ثلاثة من المجوس في أنحاء المشرق يرقبون نجوم السماء ، فتبدى لهم نجم شديد التألق فتشاوروا من ثم فيما بينهم وجاءوا إلى اليهودية يهديهم النجم الذي يتقدمهم ، فلما بلغوا أورشليم سألوا : أين ولد ملك اليهود . فلما سمع هيرودس ذلك ارتاع واضطربت المدينة كلها فجمع من ثم هيرودس الكهنة والكتبة قائلا : أين يولد المسيح . فأجابوا : إنه يولد في بيت لحم لأنه مكتوب في النبي هكذا ( وأنت يا بيت لحم ست صغيرة بين رؤساء يهوذا لأنه سيخرج منك مدبر يرعى شعبي إسرائيل ) ، فاستحضر هيرودس إذ ذاك المجوس وسألهم عن مجيئهم ، فأجابوا : أنهم رأوا نجما في المشرق هداهم إلى هناك ، فلذلك أحبوا أن يقدموا هدايا ويسجدوا لهذا الملك الجديد الذي تبدى لهم نجمه . فقال حينئذ هيرودس : اذهبوا إلى بيت لحم وابحثوا بتدقيق عن الصبي ، ومتى وجدتموه تعالوا وأخبروني لأني أنا أيضا أريد أن أسجد له ، وهو إنما قال ذلك مكرا .

 

 

الفصل السابع

 

 وانصرف المجوس من أورشليم ، وإذا بالنجم الذي ظهر لهم في المشرق يتقدمهم ، فلما رأوا النجم امتلأوا سرورا ، ولما بلغوا بيت لحم وهم خارج المدينة وجدوا النجم واقفا فوق النزل حيث ولد يسوع ، فذهب المجوس إلى هناك ، ولما دخلوا المنزل وجدوا الطفل مع أمه ، فانحنوا وسجدوا له ، وقدموا له المجوس طيوبا مع فضة وذهب ، وقصوا على العذراء كل ما رأوا ، وبينما كانوا نياما حذرهم الطفل من الذهاب إلى هيرودس ، فانصرفوا في طريق أخرى وعادوا إلى وطنهم وأخبروا بما رأوا في اليهودية .

 

 

الفصل الثامن

 

فلما رأى هيرودس أن المجوس لم يعودوا إليه ظن أنهم سخروا منه ، فعقد النية على قتل الطفل الذي ولد ، ولكن بينما كان يوسف نائما ظهر له ملاك الرب قائلا : انهض عاجلا وخذ الطفل وأمه واذهب إلى مصر لأني هيرودس يريد أن يقتله . فنهض يوسف بخوف عظيم وأخذ مريم والطفل وذهبوا إلى مصر ، ولبثوا هناك حتى موت هيرودس الذي حسب أن المجوس قد سخروا منه ، فأرسل جنوده ليقتلوا كل الأطفال المولودين حديثا في بيت لحـم ، فجاء الجنود وقتلوا كل الأطفال الذين كانوا هناك كما أمرهم هيرودس ، حينئذ تمَّت كلمات النبي القائل ( نواح وبكاء في الرامة ، راحيل تندب أبناءها وليس لها تعزية لأنهم ليسوا بموجودين ) .

 

 

الفصل التاسع

 

ولما مات هيرودس ظهر ملاك الرب في حلم ليوسف قائلا : عد إلى اليهودية لأنه قد مات الذين كانوا يريدون موت الصبي ، فأخذ يوسف الطفل ومريم ( وكان الطفل بالغا سبع سنين من العمر ) وجاء إلى اليهودية حيث سمع أن أرخيلاوس بن هيرودس كان حاكما في اليهودية ، فذهب إلى الجليل لأنه خاف أن يبقى في اليهودية ، فذهبوا ليسكنوا في الناصرة ، فنما الصبي في النعمة والحكمة أمام الله والناس ، ولما بلغ يسوع اثنتي عشرة سنة من العمر صعد مع مريم ويوسف إلى أورشليم ليسجد هناك حسب شريعة الرب المكتوبة في كتاب موسى ، ولما تمت صلواتهم انصرفوا بعد أن فقدوا يسوع ، لأنهم ظنوا أنه عاد إلى الوطن مع أقربائهم ، ولذلك عادت مريم مع يوسف إلى أورشليم ينشدان يسوع بين الأقرباء والجيران ، وفي اليوم الثالث وجدوا الصبي في الهيكل وسط العلماء يحاجهم في أمر الناموس ، وأعجب كل أحد بأسئلته وأجوبته قائلا : كيف أوتي مثل هذا العلم وهو حدث ولم يتعلم القراءة .

 

فعنفته مريم قائلة : يا بني ماذا فعلت بنا فقد نشدتك وأبوك ثلاثة أيام ونحن حزينان . فأجاب يسوع : ألا تعلمين أن خدمة الله يجب أن تقدم على الأب وألام . ثم نزل يسوع مع أمه ويوسف إلى الناصرة ، وكان مطيعا لهما بتواضع واحترام .

 

 

 

الفصل العاشر

 

ولما بلغ يسوع ثلاثين سنة من العمر كما أخبرني بذلك نفسه صعد إلى جبل الزيتون مع أمه ليجني زيتونا ، وبينما كان يصلي في الظهيرة وبلغ هذه الكلمات ( يارب برحمه .. ) وإذا بنور باهر قد أحاط به وجوق لا يحصى من الملائكة كانوا يقولون ( ليتمجد الله ) ، فقدم له الملاك جبريل كتابا كأنه مرآة براقة ، فنزل إلى قلب يسوع الذي عرف به ما فعل الله وما قال الله وما يريد الله حتى أن كل شيء كان عريانا ومكشوفا له ، ولقد قال لي : ( صدق يا برنابا أني أعرف كل نبي وكل نبوة وكل مـا أقوله إنما قد جاء من ذلك الكتاب ) . ولما تجلت هذه الرؤيا ليسوع وعلم أنه نبي مرسل إلى بيت إسرائيل كاشف مريم أمه بكل ذلك قائلا لها : أنه يترتب عليه احتمال اضطهاد عظيم لمجد الله وأنه لا يقدر فيما بعد أن يقيم معها ويخدمها . فلما سمعت مريم هذا أجابت : ( يا بني إني نبئت بكل ذلك قبل أن تولد فليتمجد اسم الله القدوس ) . ومن ذلك اليوم انصرف يسوع عن أمه ليمارس وظيفته النبوية .

 

الفصل الحادي عشر

 

 ولما نزل يسوع من الجبل ليذهب إلى أورشليم التقى بأبرص علم بإلهام إلهي أن يسوع نبي ، فتضرع إليه باكيا قائلا : يا يسوع بن داود ارحمني ، فأجاب يسوع : ماذا تريد أيها الأخ أن أفعل لك ، فأجاب الأبرص : يا سيدي أعطني صحة ، فوبخه يسوع قائلا : إنك لغبي اضرع إلى الله الذي خلقك وهو يعطيك صحة لأني رجل نظيرك ، فأجاب الأبرص أعلم يا سيدي أنك إنسان ولكنك قدوس الرب فاضرع إذا إلى الله وهو يعطيني صحة ، فتنهد يسوع وقال : أيها الرب الإله القدير لأجل محبة أنبيائك الأطهار أبرئ هذا العليل ، ولما قال ذلك لمس العليل بيديه وقال : باسم الله أيها الأخ ابرأ ، ولما قال ذلك برئ من برصه حتى أن جسده الأبرص أصبح كجسد طفل ، فلما رأى الأبرص ذلك وعلم أنه قد برئ صرخ بصوت عال : تعال إلى هنا يا إسرائيل وتقبل النبي الذي بعثه الله إليك ، فرجاه يسوع قائلا : أيها ألاخ أصمت ولا تقل شيئا ، فلم يزده الرجاء إلا صراخا قائلا : هاهو ذا النبي هاهو ذا قدوس الله ، فلما سمع هذه الكلمات كثيرون من الذين كانوا ذاهبين إلى أورشليم رجعوا مسرعين ، ودخلوا أورشليم مع يسوع وقصوا ما صنع الله للأبرص بواسطة يسوع .

 

 

الفصل الثاني عشر

 

 فاضطربت المدينة كلها لهذه الكلمات ، وأسرع الجميع إلى الهيكل ليروا يسوع الذي دخل إليه ليصلي حتى ضاق بهم المكان ، فتقدم الكهنة إلى يسوع قائلين : أن هذا الشعب يحب أن يراك ويسمعك فارتقي إذا الدكة وإذا أعطاك الله كلمة فتكلم بها باسم الرب ، فارتقى يسوع الموضع الذي إعتاد الكتبة التكلم فيه ، وإذ أشار بيده إيماءا للصمت فتح فاه قائلا : تبارك اسم الله القدوس الذي من بسرّه ورحمته أراد فخلق خلائقه ليمجدوه ، تبارك اسم الله القدوس الذي خلق نور جميع القديسين والأنبياء قبل كل الأشياء ليرسله لخلاص العالم كما تكلم بواسطة عبده داود قائلا : ( قبل كوكب الصبح في ضياء القديسين خلقتك ) ، تبارك اسم الله القدوس الذي خلق الملائكة ليخدموه ، وتبارك الله الذي قاص وخذل الشيطان وأتباعه الذين لم يسجدوا لمن أحب الله يسجد له ، تبارك اسم الله القدوس الذي خلق الإنسان من طين الأرض وجعله قيما على أعماله ، تبارك اسم الله القدوس الذي طرد الإنسان من الفردوس لأنه عصا أوامره الطاهرة ، تبارك اسم الله القدوس الذي برحمته نظر بإشفاق إلى دموع آدم وحواء أبوي الجنس البشري ، تبارك اسم الله القدوس الذي قاص بعدل قايين قاتل أخيه وأرسل الطوفان على الأرض وأحرق ثلاث مدن شريرة وضرب مصر وأغرق فرعون في البحر الأحمر وبدد شمل أعداء شعبه وأدب الكفرة وقاص غير التائبين ، تبارك اسم الله القدوس الذي برحمته أشفق على خلائقه فأرسل إليهم أنبياءه ليسيروا في الحق والبر أمامه ، الذي أنقذ عبيده من كل شر وأعطاهم هذه الأرض كما وعد أبانا إبراهيم وابنه إلى الأبد ، ثم أعطانا ناموسه الطاهر على يد عبده موسى لكي لا يغشنا الشيطان ورفعنا فوق جميع الشعوب ، ولكن أيها الإخوة ماذا نفعل اليوم لكي لا نجازى على خطايانا ؟ وحينئذ وبخ يسوع الشعب بأشد عنف لأنهم نسوا كلمة الله وأسلموا أنفسهم للغرور فقط ، ووبخ الكهنة لإهمالهم خدمة الله ولجشعهم ، ووبخ الكتبه لأنهم علَّموا تعاليم فاسدة وتركوا شريعة الله ، ووبخ العلماء لأنهم ابطلوا شريعة الله بواسطة تقاليدهم ، وأثر كلام يسوع في الشعب حتى أنهم بكوا جميعهم من صغيرهم إلى كبيرهم يستصرخون رحمته ويضرعون إلى يسوع لكي يصلي لأجلهم ، ما خلا كهنتهم ورؤساءهم الذين أضمروا في ذلك اليوم العداء ليسوع لأنه تكلم هكذا ضد الكهنة والكتبة والعلماء فصمموا على قتله ، ولكنهم لم ينبسوا بكلمة خوفا من الشعب الذي قبله نبيا من الله ، ورفع يسوع يديه إلى الرب الإله وصلى ، فبكى الشعب وقالوا ( ليكن كذلك يارب ليكن كذلك ) ، ولما انتهت الصلاة نزل يسوع من الهيكل وسافر ذلك اليوم من أورشليم مع كثيرين من الذين تبعوه ، وتكلم الكهنة فيما بينهم بالسوء في يسوع .

 

 

الفصل الثالث عشر

 

 ولما مضت بعض أيام وكان يسوع عالما بالروح رغبة الكهنة صعد إلى جبل الزيتون ليصلي ، وبعد أن صرف الليل كله في الصلاة صلى يسوع في الصباح قائلا : يارب إني عالم أن الكتبة يبغضونني ، والكهنة مصممون على قتلي أنا عبدك ، لذلك أيها الرب الإله القدير الرحيم اسمع برحمه صلوات عبدك ، وأنقذني من حبائلهم لأنك أنت خلاصي ، وأنت تعلم يارب أني أنا عبدك إياك أطلب يارب وكلمتك أتكلم ، لأني كلمتك حق هي تدوم إلى الأبد ، ولما أتم يسوع هذه الكلمات إذا بالملاك جبريل قد جاء إليه قائلا : لا تخف يا يسوع لأني ألف ألف من الذين يسكنون فـوق السماء يحرسون ثيابك ، ولا تموت حتى يكمل كل شيء ويمسي العالم على وشك النهاية ، فخر يسوع على وجهه إلى الأرض قائلا : أيها الإله الرب العظيم ما أعظم رحمتك لي ، وماذا أعطيك يارب مقابل ما أحسنت به إليّ ، فأجاب الملاك جبريل أنهض يا يسوع واذكر إبراهيم الذي كان يريد أن يقدم ابنه الوحيد إسماعيل ذبيحة لله ليتم كلمات الله ، فلما لم تقو المدية على ذبح ابنه قدم عملا بكلمتي كبشا ، فعليك أن تفعل ذلك يا يسوع خادم الله ، فأجابه يسوع سمعا وطاعة ، ولكن أين أجد الحمل وليس معي نقود ولا تجوز سرقته ، فدله إذ ذاك الملاك جبريل على كبش فقدمه يسوع ذبيحة حامدا ومسبحا لله الممجد إلى الأبد .

 

الفصل الرابع عشر

 

 ونزل يسوع من الجبل وعبر وحده ليلا إلى الجانب الأقصى من عبر الأردن ، وصام أربعين يوما وأربعين ليلة لم يأكل شيئا ليلا ولا نهارا ضارعا دوما إلى الرب لخلاص شعبه الذي أرسله الله إليه ، فلما انقضت الأربعون يوما جاع ، فظهر له حينئذ الشيطان وجربه بكلمات كثيرة ،ولكن يسوع طرده بقوة كلمات الله ، فلما انصرف الشيطان جاءت الملائكة وقدمت ليسوع كل ما يحتاج ، أما يسوع فعاد إلى نواحي أورشليم ووجده الشعب مرة أخرى بفرح عظيم ، ورجاه أن يمكث معهم لأني كلماته لم تكن ككلمات الكتبة بل كانت قويه لأنه أثرت في القلب ، فلما رأى يسوع أن الجمهور الذي عاد إلى نفسه ليسلك في شريعة الله جمهور غفير صعد الجبل ومكث كل الليل بالصلاة ، فلما طلع النهار نزل من الجبل وأنتخب اثني عشر سماهم رسلا منهم يهوذا الذي صلب ، أما أسماؤهم فهي ، اندراوس واخوه بطرس الصياد ، وبرنابا الذي كتب هذا مع متى العشار الذي كان يجلس للجباية ، يوحنا ويعقوب ابنا زبدى ، تداوس ويهوذا ، برتولوماوس وفيلبس ، يعقوب ويهوذا الاسخريوطي الخائن ، فهؤلاء كاشفهم على الدوام بالاسرار الإلهية ، أما يهوذا الاسخريوطي فأقامه وكيلا على ما كان يعطى للصدقات فكان يختلس العشر من كل شيء .

 

الفصل الخامس عشر

 

 ولما اقترب عيد المظال دعا غني يسوع وتلاميذه وأمه إلى العروس ، فذهب يسوع ، وبينما هم في الوليمة فرغت الخمر ، فكلمت أم يسوع إياه قائلة : ليس لهم خمر ، فأجاب يسوع : ما شأني في ذلك يا أماه ؟ فأوصت امه الخدمة أن يطيعوا يسوع المسيح في كل ما يأمرهم به ، وكانت هناك ستة أجران للماء حسب عادة إسرائيل ليطهروا أنفسهم للصلاة ، فقال يسوع : املأوا هذه الاجران ماءا ، ففعل الخدمة هكذا ، فقال لهم يسوع : باسم الله اسقوا المدعوين ، فقدم الخدمة إلى مدبر الحفلة الذي وبخ الاتباع قائلا : أيها الخدمة الاخساء لماذا ابقيتم الخمر الجيدة حتى الآن ؟ لأنه لم يعرف شيئا مما فعل يسوع ، فأجاب الخدمة : يوجد هنا رجل قدوس الله لأنه جعل من الماء خمرا ، غير ان مدبر الحفلة ظن ان الخدمة سكارى ، أما الذين كانوا جالسين بجانب يسوع فلما رأوا الحقيقة نهضوا عن المائدة واحتفوا به قائلين : حقا انك قدوس الله ونبي صادق مرسل الينا من الله ، حينئذ آمن به تلاميذه ، وعاد كثيرون إلى أنفسهم قائلين : الحمد لله الذي أظهر رحمة لإسرائيل وافتقد بيت يهوذا بمحبته تبارك اسمه الاقدس .

 

الفصل السادس عشر

 

وجمع يسوع ذات يوم تلاميذه وصعد إلى الجبل ، فلما جلس هناك دنا منه التلاميذ ففتح فاه وعلمهم قائلا : عظيمة هي النعم التي أنعم بها الله علينا فترتب علينا من ثم أن نعبده بإخلاص قلب ، وكما ان الخمر الجديدة توضع في أوعية جديدة هكذا يترتب عليكم أن تكونوا رجالا جددا إذا إرادة أن تعوا التعاليم الجديدة التي ستخرج من فمي ، الحق أقول لكم كما أنه لا يتأتى للإنسان أن ينظر بعينه السماء والأرض معا في وقت واحد فكذلك يستحيل عليه أن يحب الله والعالم . لا يقدر رجل أبدا أن يخدم سيدين أحدهما عدو للآخرين لأنه إذا أحبك أحدهما أبغضك الآخر ، فكذلك أقول لكم حقا أنكم لا تقدرون أن تخدموا الله والعالم ، لأني العالم موضوع في النفاق والجشع والخبث ، لذلك لا تجدون راحة في العالم بل تجدون بدلا منها اضطهادا أو خسارة ، إذا فاعبدوا الله واحتقروا العالم ، إذ مني تجدون راحة لنفوسكم ، أصيخوا السمع لكلامي لأني أكلمكم بالحق ، طوبى للذين ينوحون في هذه الحياة لأنهم يتعزون ، طوبى للمساكين الذين يعرضون حقا عن ملاذ العالم لأنهم سيتنعمون بملاذ ملكوت الله ، طوبى للذين يأكلون على مائدة الله لأني الملائكة ستقوم على خدمتهم ، أنتم مسافرون كسياح ، أيتخذ السائح لنفسه على الطريق قصورا وحقولا وغيرها من حطام العالم ، كلا ثم كلا ولكنه يحمل أشياء خفيفة ذات فائدة وجدوى في الطريق ، فليكن هذا مثلا لكم ، وإذا أحببتم مثلا آخر فاني أضربه لكم لكي تفعلوا كل ما أقوله لكم ، لا تثقلوا قلوبكم بالرغائب العالمية قائلين من يكسونا او من يطعمنا ، بل انظروا الزهور والأشجار مع الطيور التي كساها وغذاها الله ربنا بمجد أعظم من كل مجد سليمان ، والله الذي خلقكم ودعاكم إلى خدمته هو قادر أن يغذيكم ، الذي أنزل المن من السماء على شعبه إسرائيل في البرية أربعين سنة وحفظ أثوابهم من أن تعتق أو تبلى ، أولئك الذين كانوا ستمائة وأربعين ألف رجل خلا النساء والأطفال ، الحق أقول لكم أن السماء والأرض تهنان بيد أن رحمته لاتهن للذين يتقونه ، أغنياء العالم هم على رخائهم جياع وسيهلكون ، كان غني ازدادت ثروته فقال : ماذا أفعل يا نفسي ، اني أهدم اهرائي لأنه صغيرة وابني أخرى جديدة أكبر منها فتظفرين بمناك يا نفسي ، انه لخاسر لأنه في تلك الليلة توفى ، ولقد كان يجب عليه العطف على المسكين وأن يجعل لنفسه أصدقاء من صدقات أموال الظلم في هذا العالم لأنهـا تأتي بكنوز في عالم السماء ، وقولوا لي من فضلكم إذا وضعتم دراهمكم في مصرف عشار فأعطاكم عشرة أضعاف وعشرين ضعفا أفلا تعطون رجلا كهذا كل مالكم ، ولكن الحق أقول لكم أنكم مهما أعطيتم وتركتم لاجل محبة الله فستستردونه مئة ضعف مع الحياة الأبدية ، فانظروا إذا كم يجب عليكم ان تكونوا مسرورين في خدمة الله .

 

الفصل السابع عشر

 

 ولما قال يسوع ذلك أجاب فيلبس : إننا لراغبون في خدمة الله ولكننا نرغب أيضا أن نعرف الله ، لأني أشعيا النبي قال ( حقا إنك لإله محتجب ) ، وقال الله لموسى عبده ( أنا الذي هو أنا ) أجاب يسوع : يا فيلبس إن الله صلاح بدونه لا صلاح ، إن الله موجود بدونه لاوجود ، إن الله حياة بدونها لا أحياء ، هو عظيم حتى أنه يملأ الجميع وهو في كل مكان ، هو وحده لا ند له ، لا بداية ولا نهاية له ولكنه جعل لكل شيء بداية وسيجعل لكل شيء نهاية ، لا أب و لا أم له ، لا أبناء ولا أخوة ولا عشراء له ، ولما كان ليس لله جسم فهو لا يأكل ولا ينام ولا يموت ولا يمشي ولا يتحرك ، ولكنه يدوم إلى الأبد بدون شبيه بشري ، لأنه غير ذي جسد وغير مركب وغير مادي وأبسط البسائط ، وهو جواد لا يحب إلا الجود ، وهو مقسط حتى إذا هو قاص أو صفح فلا مرد له ، وبالاختصار أقول لك يا فيلبس أنه لا يمكنك أن تراه وتعرفه على الأرض تمام المعرفة ، ولكنك ستراه في مملكته إلى الأبد حيث يكون قوام سعادتنا ومجدنا ، أجاب فيلبس : ماذا تقول يا سيد حقا لقد كتب في أشعيا أن الله أبونا فكيف لا يكون له بنون ؟ ، أجاب يسوع: إنه في الأنبياء مكتوب أمثال كثيرة لا يجب أن تأخذها بالحرف بل بالمعنى ، لأني كل الأنبياء البالغين مئة وأربعة وأربعين ألفا الذين أرسلهم الله إلى العالم قد تكلموا بالمعميات بظلام ، ولكن سيأتي بعد بهاء كل الأنبياء الأطهار فيشرق نورا على ظلمات سائر ما قال الأنبياء ، لأنه رسـول الله ولما قال هذا تنهد يسوع وقال : أرأف بإسرائيل أيها الرب الإله وانظر بشفقة على إبراهيم وعلى ذريته لكي يخدموك بإخلاص قلب فأجاب تلاميذه : ليكن كذلك أيها الرب الإله ، وقال يسوع : الحق أقول لكم أن الكتبة والعلماء قد أبطلوا شريعة الله بنبواتهم الكاذبة المخالفة لنبوات أنبياء الله الصادقين ، لذلك غضب الله على بيت إسرائيل وعلى هذا الجيل القليل الإيمان ، فبكى تلاميذه لهـذه الكلمات وقالوا : ارحمنا يا الله ترأف على الهيكل والمدينة المقدسة ولا تدفعها إلى احتقار الأمم لكي لا يحتقروا عهدك ، فأجاب يسوع : وليكن كذلك أيها الرب إله آبائنا .

 

الفصل الثامن عشر

 

 وبعد أن قال يسوع هذا قال : لستم أنتم الذين اخترتموني بل أنا اخترتكم لتكونوا تلاميذي ، فإذا أبغضكم العالم تكونون حقا تلاميذي ، لأني العالم كان دائما عدو عبيد خدمة الله ، تذكروا الأنبياء والأطهار الذين قتلهم العالم، كما حدث في أيام ايليا إذ قتلت إيزابل عشرة آلاف نبي حتى بالجهد نجا ايليا المسكين وسبعة آلاف من أبناء الأنبياء الذين خبأهم رئيس جيش أخاب ، أواه من العالم الفاجر الذي لا يعرف الله ، إذا لا تخافوا أنتم لأني شعور رؤوسكم محصاة كي لا تهلك ، انظروا العصفور الدوري الطيور الأخرى التي لا تسقط منها ريشة بدون إرادة الله ، أيعتني الله بالطيور أكثر من اعتنائه بالإنسان الذي لأجله خلق كل شيء ؟ أيتفق وجود إنسان اشد اعتناءا بحذائه منه بابنه ، كلا ثم كلا ، أفلا يجب عليكم بالأولى أن تظنوا أن الله لا يهملكم وهو المعتني بالطيور ، وليكن لماذا أتكلم عن الطيور بل لا تسقط ورقة من شجرة بدون إرادة الله ، صدقوني لأني أقول لكم الحق أن العالم يرهبكم إذا حفظتم كلامي ، لأنه لو لم يخشى فضيحة فجوره لما أبغضكم ولكنه يخشى فضيحته ولذلك يبغضكم ويضطهدكم ، فإذا رأيتم العالم يستهين بكلامكم فلا تحزنوا بل تأملوا كيف أن الله وهو أعظم منكم قد استهان به أيضا العالم حتى حسبت حكمته جهالة ، فإذا كان الله يحتمل العالم بصبر فلماذا تحزنون أنتم يا تراب وطين الأرض ، فصبركم تملكون أنفسكم ، فإذا لطمكم أحد على خد فحولوا له الآخر ليلطمه ، لا تجازوا شرا بشر لأني ذلك ما تفعله شر الحيوانات كلها ، ولكن جازوا الشر بالخير وصلوا لله لأجـل الذين يبغضونكم ، النار لا تطفأ بالنار بل بالماء لذلك أقول لكم لا تغلبوا الشر بالشر بل بالخير ، انظروا الله الذي جعل شمسه تطلع على الصالحين والطالحين وكذلك المطر ، فكذلك يجب عليكم أن تفعلوا خيرا مع الجميع لأنه مكتوب في الناموس كونوا قديسين لأني أنا إلهكم قدوس كونوا أنقياء لأني أنا نقي وكونوا كاملين لأني أنا كامـل ، الحق أقول لكم أن الخادم يحاول إرضاء سيده ، وأثوابكم هي إرادة ومحبتكم ، احذروا إذا من أن تريدوا أو تحبوا شيئا غير مرضي من الله ربنا ، أيقنوا أن الله يبغض بهرجة وشهوات العالم لذلك أبغضوا أنتم العالم .

 

الفصل التاسع عشر

 

ولما قال يسوع ذلك أجاب بطرس : يا معلم لقد تركنا كل شيء لنتبعك فما مصيرنا ؟ أجاب يسوع : أنكم لتجلسون يوم الدينونة بجانبي لتشهدوا على أسباط إسرائيل الاثني عشر ، ولما قال يسوع ذلك تنهد قائلا : يارب ما هذا ؟ إني قد اخترت اثني عشر فكان واحد منهم شيطانا ، فحزن التلاميذ جدا لهذه الكلمة ، فعند ذلك سأل الذي يكتب يسوع سرا بدموع قائلا : يا سيد أيخدعني الشيطان وهل أكون منبوذا ، فأجاب يسوع : لا تأسف يا برنابا لأني الذين أختارهم الله قبل خلق العالم لا يهلكون تهلل لأني اسمك مكتوب في سفر الحياة ، وعزى يسوع تلاميذه قائلا : لا تخافوا لأني الذي سيبغضني لا يحزن لكلامي لأنه ليس فيه الشعور الإلهي ، فتعزى المختارون بكلامه ، وأدى يسوع صلواته ، وقال التلاميذ : آمين ليكن هكذا أيها الرب الإله القدير الرحيم ، ولما انتهى يسوع من العبادة نزل من الجبل مع تلاميذه ، والتقى بعشرة برص صرخوا من بعيد : يا يسوع ابن داود ارحمنا ، فدعاهم يسوع إلى قربه وقال لهم : ماذا تريدون مني أيها الأخوة ؟ فصرخوا جميعهم : أعطنا صحة ، أجاب يسوع : أيها الأغبياء أفقدتم عقلكم حتى تقولوا : أعطنا صحة ، ألا ترون أني إنسان نظيركم ؟ ادعوا إلهنا الذي خلقكم وهو القدير الرحيم يشفكم ، فأجاب البرص بدموع : إننا نعلم أنك إنسان نظيرنا ، ولكنك قدوس الله ونبي الرب فصلي لله ليشفينا، فتضرع الرسل إلى يسوع قائلين يا معلم أرحمهم ، حينئذ أنّ يسوع وصلى قائلا : أيها الرب الإله القدير الرحيم ، أرحم واصخ السمع إلى كلمات عبدك أرحم رجـاء هؤلاء الرجال ، وامنحهم صحة لأجل محبة إبراهيم أبينا وعهدك المقدس ، وإذ قال يسوع ذلك تحول إلى البرص وقال: اذهبوا وأروا أنفسكم للكهنة بحسب شريعة الله ، فانصرف البرص وبرئوا على الطريق ، فلما رأى أحدهم أنه برئ عاد ينشد يسوع ، وكان إسماعيليا، وإذ وجد يسوع انحنى احترامـا له قائلا : أنك حقا قدوس الله ، وتضرع إليه بشكر لكي يقبله خادما ، أجاب يسوع : قد برئ عشرة فأين التسعة ؟ وقال للذي برئ : إني ما أتيت لأُخدَم بل لأخدِم ، فاذهب إذا إلى بيتك ، واذكر ما أعظم ما فعل الله بك لكي يعلموا أن الوعود الموعود بها إبراهيم وابنه مع ملكوت الله آخذة في الاقتراب ، فانصرف الأبرص المبرأ ولما بلغ جيرة حية قص ما صنع الله به بواسطة يسوع .

 

 

الفصل العشرون

 

 وذهب يسوع إلى بحر الجليل ونزل في المركب مسافرا إلى الناصرة مدينته ، فحدث نوء عظيم في البحر حتى اشرف المركب على الغرق ، وكان يسوع نائما في مقدم المركب ، فدنا منه تلاميذه وأيقظوه قائلين : يا سيد خلص نفسك فإننا هالكون ، وأحاط بهم خوف عظيم بسبب الريح الشديدة التي كانت مضادة وعجيج البحر ، فنهض يسوع ورفع عينيه نحو السماء وقال: يا ألوهيم الصباؤت ارحم عبيدك ، ولما قال يسوع هذا سكنت الريح حالا وهدأ البحر ، فجزع النوتية قائلين : ومن هو هذا حتى أن البحر والريح يطيعانه ، ولما بلغ مدينة الناصرة أذاع النوتية في المدينة كل ما فعله يسوع ، فمثل بين يديه الكتبة والعلماء وقالوا : لقد سمعنا كم فعلت في البحر واليهودية فأتنا إذا بآية من الآيات هنا في وطنك ، فأجاب يسوع : يطلب هذا الجيل العديم الإيمان آية ولكن لأني تعطى لأنه لا يقبل نبي في وطنه ولقد كانت في زمن ايليا أرامل كثيرات في اليهودية ولكنه لم يرسل ليقات إلا إلى أرملة صيدا ، وكان البرص في زمن اليشع في اليهودية كثيرين ولكن لم يبرأ إلا نعمان السرياني ، فحنق أهل المدينة وأمسكوه واحتملوه إلى شفا جرف ليرموه ولكن يسوع مشى في وسطهم وانصرف عنهم .

 

 

الفصل الحادي والعشرون

 

 صعد يسوع إلى كفر ناحوم ودنا من المدينة ، وإذا بشخص خرج من بين القبور كان به شيطان تمكَّن منه حتى لم تقو سلسلة على امساكه فألحق بالناس ضررا كثيرا ، فصرخت الشياطين من فيه قائلة : يا قدوس الله لماذا جئت قبل الوقت لتزعجنا ، وتضرعوا إليه ألا يخرجهم ، فسألهم يسوع كم عددهم ، فأجابوا : ستة آلاف وستمائة وستة وستون ، فلما سمع التلاميذ هذا ارتاعوا وتضرعوا إلى يسوع أن ينصرف ، حينئذ أجـاب يسوع ، أين إيمانكم ؟ يجب على الشيطان أن ينصرف لا أنا ، فحينئذ صرخت الشياطين قائلة : إننا نخرج ولكن اسمح لأني أن ندخل في تلك الخنازير ، وكان يرعى هناك بجانب البحر نحو عشرة آلاف خنزير للكنعانيين ، فقال يسوع : أخرجوا وادخلوا في الخنازير ، فدخلت الشياطين الخنازير بجئير وقذفت بها إلى البحر ، حينئذ هرب إلى المدينة رعاة الخنازير وقصوا كل ما جرى على يد يسوع ، فخرج من ثم رجال المدينة فوجدوا يسوع والرجل الذي شفي ، فارتاع الرجال وضرعوا إلى يسوع أن ينصرف عن تخومهم ، فانصرف من ثم عنهم وصعد إلى نواحي صور وصيدا ، وإذا بامرأة من كنعان مع ابنيها قد جاءت من بلادها لترى يسوع ، فلما رأته آتيا مع تلاميذه صرخت : يا يسوع ابن داود ارحم ابنتي التي يعذبها الشيطان ، فلم يجب يسوع بكلمة واحدة لأنهم كانوا من غير أهل الختان ، فتحنن التلاميذ وقالوا : يا معلم تحنن عليهم انظر ما أشد صراخهم وعويلهم ، فأجاب يسوع : إني لم أرسل إلا إلى شعب إسرائيل ، فتقدمت المرأة وابناها إلى يسوع معولة قائلة : يا يسوع بن داود ارحمني ، أجاب يسوع لا يحسن أن يأخذ الخبز من أيدي الأطفال ويطرح للكلاب ، وإنما قال يسوع هذا لنجاستهم لأنهم كانوا من غير أهل الختان ، فأجابت المرأة : يا رب إن الكلاب تأكل الفتات الذي يسقط من مائدة أصحابها ، حينئذ أنذهل يسوع من كلام المرأة وقال : أيتها المرأة إن إيمانك لعظيم ، ثم رفع يديه إلى السماء وصلى لله ثم قال : أيتها المرأة قد حررت ابنتك فاذهبي في طريقك بسلام ، فانصرفت المرأة ولما عادت إلى بيتها وجدت ابنتها التي تسبح الله ، لذلك قالت المرأة : حقا لا إله إلا إله إسرائيل ، فانضم من ثم أقرباؤها إلى الشريعة عملا بالشريعة المسطورة في كتاب موسى .

 

 

الفصل الثاني والعشرون

 

 فسأل التلاميذ يسوع في ذلك النهار قائلين : يا معلم لماذا أجبت المرأة بهذا الجواب قائلا أنهم كلاب ، أجاب يسوع : الحق أقول لكم أن الكلب أفضل من رجل غير مختون ، فحزن التلاميذ قائلين : إن هذا الكلام لثقيل ومن يقوى على قبوله ، أجاب يسوع : إذا لاحظتم أيها الجهال ما يفعل الكلب الذي لا عقل له لخدمة صاحبه علمتم أن كلامي صادق ، قولوا لي أيحرس الكلب بيت صاحبه ويعرض نفسه للص ؟ نعم ولكن ما جزاؤه ؟ ضرب كثير وأذى مع قليل من الخبز وهو يظهر لصاحبه وجها مسرورا أصحيح هذا ؟ فأجاب التلاميذ : إنه لصحيح يا معلم ، حينئذ قال يسوع : تأملوا إذا ما أعظم ما وهب الله الإنسان فتروا إذا ما أكفره لعدم وفائه بعهد الله مع عبده إبراهيم ، اذكروا ما قاله داود لشاول ملك إسرائيل ضد جليات الفلسطيني ، قال داود ( يا سيدي بينما كان يرعى عبدك قطيعه جاء ذئب ودب وأسد وانقضت على غنم عبدك ، فجاء عبدك وقتلها وأنقذ الغنم ، وما هذا الأغلف إلا كواحد منها ، لذلك يذهب عبدك باسم الرب إله إسرائيل ويقتل هذا النجس الذي يجدف على شعب الله الطاهر ) ، حينئذ قال التلاميذ: قل لأني يا معلم لأي سبب يجب على الإنسان الختان ؟ فأجاب يسوع: يكفيكم أن الله أمر به إبراهيم قائلا : ( يا إبراهيم اقطع غرلتك وغرلة كل بيتك لأني هذا عهد بيني وبينك إلى الأبد ) .

 

 

الفصل الثالث والعشرون

 

 ولما قال ذلك يسوع جلس قريبا من الجبل الذي كانوا يشرفون عليه ، فجاء تلاميذه إلى جانبه ليصغوا إلى كلامه ، حينئذ قال يسوع : انه لما أكل آدم الإنسان الأول الطعام الذي نهاه الله عنه في الفردوس مخدوعا من الشيطان عصى جسده الروح ، فأقسم قائلا : ( تالله لأقطعنك ) ، فكسر شظية من صخر وأمسك جسده ليقطعه بحد الشظية ، فوبخه الملاك جبريل على ذلك ، فأجاب (لقد أقسمت بالله أن أقطعه فلا أكون حانثا ) ، حينئذ أراه الملاك زائدة جسده فقطعها ، فكما أن جسد كل إنسان من جسد آدم وجب عليه أن يراعى كل عهد اقسم آدم ليقومن به ، وحافظ آدم على فعل ذلك في أولاده ، فتسلسلت سنة الختان من جيل إلى جيل ، إلا انه لم يكن في زمن إبراهيم سوى النزر القليل من المختونين على الأرض ، لأني عبادة الأوثان تكاثرت على الأرض ، وعليه فقد اخبر الله إبراهيم بحقيقة الختان ، وأثبت هذا العهد قائلا : ( النفس التي لا تخـتن جسدها إياها ابدد مـن بين شعبي إلى الأبد ) ، فارتجف التلاميذ خوفا من كلمات يسوع لأنه تكلم باحتدام الـروح ، ثم قال يسوع : دعوا الخوف للذي لم يقطع غرلته لأنه محروم من الفردوس ، وإذ قال هذا تكلم يسوع أيضا قائلا : ان الروح في كثيرين نشيط في خدمة الله أما الجسد فضعيف ، فيجب على من يخاف الله أن يتأمل ما هو الجسد وأين كان أصله وأين مصيره ، من طين الأرض خلق الله الجسد ، وفيه نفخ نسمة الحياة بنفخة فيه ، فمتى اعترض الجسد خدمة الله يجب أن يمتهن ويداس كالطين ، لأني من يبغض نفسه في هذا العالم يجدها في الحياة الابدية ، أما ماهية الجسد الآن فواضح من رغائبه أنه العدو الألد لكل صلاح فانه وحده يتوق إلى الخطيئة ، أيجب إذا على الإنسان مرضاة لأحد أعدائه أن يترك مرضاة الله خالقه ، تأملوا هذا ان كل القديسين والأنبياء كانوا أعداء جسدهم لخدمة الله ، لذلك جروا بطيب خاطر إلى حتفهم ، لكي لا يتعدوا شريعة الله المعطاة لموسى عبده ويخدموا الآلهة الباطلة الكاذبة ، اذكروا ايليا الذي هرب جائبا قفار الجبال مقتاتا بالعشب ومرتديا جلد المعز ، واواه كم من يوم لم يأكل ، اواه مـا أشد البرد الذي احتمله ، اواه كم من شؤبوب بلله ، ولقد عانى مدة سبع سنين شظف اضطهاد تلك المرآة النجسة إيزابيل ، اذكروا اليشع الذي أكل خبز الشعير ولبس أخشن الأثواب ، الحق أقول لكم إنهم اذ لم يخشوا أن يمتهنوا الجسد روعوا الملك والرؤساء وكفى بهذا امتهانا للجسد أيها القوم ، وإذا نظرتم إلى القبور تعلمون ما هو الجسد .

 

الفصل الرابع والعشرون

 

 لما قال يسوع ذلك بكى قائلا : الويل للذين هم خدمة أجسادهم ، لأنهم حقا لا ينالون خيرا في الحياة الأخرى بل عذابا لخطاياهم ، أقول لكم انه كان نهم غني لم يهمه سوى النهم ، وكان يولم وليمة عظيمة كل يوم ، وكان واقفا على بابه فقير يدعى لعازر وهو ممتلئ قروحا ويشتهي أن يشبع من الفتات الساقط من مائدة النهم ، ولكن لم يعطه أحد إياه بل سخر به الجميع، ولم يتحنن عليه إلا الكلاب لأنه كانت تلحس قروحه ، وحدث أن مات الفقير واحتملته الملائكة إلى ذراعي إبراهيم أبينا ، ومات الغني أيضا واحتملته الشياطين إلى ذراعي إبليس حيث عانى أشد العذاب ، فرفع عينيه ورأى لعازر من بعيد على ذراعي إبراهيم ، فصرخ حينئذ الغني : ( يا أبتاه إبراهيم ارحمني وابعث لعازر ليحمل لي على أطراف بنانه قطرة ماء تبرد لساني الذي يعذب في هذا اللهيب ) ، فأجاب إبراهيم : ( يابني اذكر انك استوفيت طيباتك في حياتك ولعازر البلايا ، لذلك أنت الآن في الشقاء وهو في العزاء ) ، فصرخ الغني أيضا : ( يا أبتاه إبراهيم ان لي في بيت أبي ثلاثة اخوة فأرسل إذا لعازر ليخبرهم بما اعانيه لكي يتوبوا ولا يأتوا إلى هنا ) ، فأجاب إبراهيم : ( عندهم موسى والأنبياء فليسمعوا منهم ) ، أجاب الغني : ( كلا يا أبتاه إبراهيم بل إذا قام واحد من الأموات يصدقون ) ، فأجاب إبراهيم : ( ان من لا يصدق موسى والأنبياء لا يصدق الأموات ولو قاموا ) ، وقال يسوع : ( انظروا أليس الفقراء الصابرون مباركين الذين يشتهون ما هو ضروري فقط كارهين الجسد ، ما أشقى الذين يحملون الآخرين للدفن ليعطوا أجسادهم طعاما للدود ولا يتعلمون الحق ، بل هم بعيدون عن ذلك بعدا عظيما حتى إنهم يعيشون هنا كأنهم خالدون، لأنهم يبنون بيوتا كبيرة ويشترون أملاكا كثيرة ويعيشون في الكبرياء. ) .

 

الفصل الخامس والعشرين

 

حينئذ قال الكاتب : يا معلم ان كلامك لحق ولذلك قد تركنا كل شيء لنتبعك، فقل لأني إذا كيف يجب علينا أن نبغض جسدنا ، الانتحار غير جائز ولما كنا أحياء وجب علينا أن نقيته ، أجاب يسوع : احفظ جسدك كفرس تعش في أمن ، لأني القوت يعطى للفرس بالمكيال والشغل بلا قياس ، ويوضع اللجام في فيه ليسير بحسب إرادة ،ويربط لكي لا يزعج أحدا ويحبس في مكان حقير ويضرب إذا عصى ، فهكذا افعل إذا أنت يا برنابا تعيش دوما مع الله ، ولا يغيظنك كلامي لأني داود النبي فعل هذا الشيء نفسه كما يعترف قائلا : ( اني كفرس عندك واني دائما معك ) ، ألا قل لي أيهما أفقر؟ الذي يقنع بالقليل أم الذي يشتهي الكثير ؟ ، الحق أقول لكم لو كان للعالم عقل سليم لم يجمع أحد شيئا لنفسه ، بل كان كل شيء شركة ، ولكن بهذا يعلم جنونه أنه كلما جمع زاد رغبة ، وأن ما يجمعه فإنما يجمعه لراحة الآخرين الجسدية ، فليكفكم إذا ثوب واحد ، أرموا كيسكم ، لا تحملوا مزودا ولا حذاء في أرجلكم ، ولا تفكِّروا قائلين : ( ماذا يحدث لأني ) بل فكروا أن تفعلوا إرادة الله ، وهو يقدم لكم حاجتكم حتى لا تكونوا في حاجة إلى شيء ، الحق أقول لكم ان الجمع كثيرا في هذه الحياة يكون شهادة أكيدة على عدم وجود شيء يؤخذ في الحياة الأخرى ، لأني من كانت أورشليم وطنا له لا يبنى بيوتا في السامرة ، لأنه يوجد عداوة بين المدينتين، أتفقهون ؟ فأجاب التلاميذ ( بلى ) .

 

الفصل السادس والعشرون

 

 ثم قال يسوع : كان رجل على سفر وبينما كان سائرا وجد كنزا في حقل معروض للمبيع بخمس قطع من النقود هم ، فلما علم الرجل ذلك ذهب توا وباع رداءه ليشتري ذلك الحقل فهل يصدق ذلك ؟ فأجاب التلاميذ : أن من لا يصدق هذا فهو مجنون ، فقال عندئذ يسوع : أنكم تكونون مجانين إذا كنتم لا تعطون حواسكم لله لتشتروا نفسكم حيث يستقر كنز المحبة ، لأني المحبة كنز لا نظير له ، لأني من يحب الله كان الله له ، ومن كان الله له كان له كل شيء ، أجاب بطرس : قل لأني يا معلم كيف يجب على الإنسان أن يحب الله محبة خالصة ،فأجاب يسوع : الحق أقول لكم أن من لا يبغض أباه وأمه وحياته وأولاده وامرأته لاجل محبة الله فمثل هذا ليس أهلا أن يحبه الله ، أجاب بطرس : يا معلم لقد كتب في ناموس الله في كتاب موسى ( اكرم اباك لتعيش طويلا على الأرض ) ، ثم يقول أيضا ( ليكن ملعونا الابن الذي لا يطيع أباه و امه ) ، ولذلك أمر الله بأن يرجم مثل هذا الابن العقوق أمام باب المدينة وجوبا بغضب الشعب ، فكيف تأمرنا أن نبغض أبانا وامنا؟ ، أجاب يسوع : كل كلمة من كلماتي صادقة ، لأنه ليست مني بل من الله الذي أرسلني الى بيت إسرائيل ، لذلك أقول لكم ان كل ما عندكم قد أنعم الله به عليكم ، فأي الامرين أعظم قيمة ؟ العطية أم المعطي؟، فمتى كان أبوك أو أمك أو غيرهما عثرة لك في خدمة الله فانبذهم كأنهم أعداء ، ألم يقل الله لإبراهيم : ( اخرج من بيت أبيك وأهلك وتعال اسكن في الأرض التي اعطيها لك ولنسلك ، ولماذا قال الله ذلك ؟ ، أليس لأني أبا إبراهيم كان صانع تماثيل يصنع ويعبد آلهة كاذبة ؟ لذلك بلغ العداء بينهما حداً أراد معه الأب أن يحرق ابنه ، أجاب بطرس : ان كلماتك صادقة ، واني أضرع اليك أن تقص علينا كيف سخر إبراهيم من أبيه ؟ ، أجاب يسوع : كان إبراهيم ابن سبع سنين لما ابتدأ أن يطلب الله ، فقال يوما لأبيه : (يا أبتاه من صنع الإنسان ؟ أجاب الوالد الغبي : ( الإنسان، لأني أنا صنعتك وأبي صنعني) ، فأجاب إبراهيم : ( يا أبي ليس الامر كذلك ، لأني سمعت شيخا ينتحب ويقول : (( يا إلهي لماذا لم تعطني أولادا )) . أجاب أبوه : ( حقا يابني الله يساعد الإنسان ليصنع إنسانا ولكنه لا يضع يده فيه ، فلا يلزم الإنسان الا أن يتقدم ويضرع إلى إلهه ويقدم له حملانا وغنما يساعده إلهه ، أجاب إبراهيم : ( كم إلها هنالك يا أبي ؟ ) ، أجاب الشيخ : ( لا عدد لهم يابني ) ، فحينئذ أجاب إبراهيم : ( ماذا أفعل يا أبي إذا خدمت إلها وأراد بي الاخر شرا لأني لا أخدمه ؟ ، ومهما يكن من الامر فانه يحصل بينهما شقاق ويقع الخصام بين الآلهة ولكن إذا قتل الإله الذي يريد بي شر إلهي فماذا افعل ؟ ، من المؤكد انه يقتلني أنا أيضا ؟ ) ، فأجاب الشيخ ضاحكا : ( لا تخف يابني لأنه لا يخاصم إله إلها ، كلا فإن في الهيكل الكبير الوفا من الآلهة مع الإله الكبير بعل ، وقد بلغت الآن سبعين سنة من العمر ومع ذلك فاني لم أر قط إلها ضرب إلها آخر ومن المؤكد إن الناس كلهم لا يعبدون إلها واحـدا ، بل يعبد واحـد إلها وآخر آخر ) ، أجاب إبراهيم : ( فإذا يوجد وفاق بينهم ؟ ) ، أجاب أبوه : ( نعم يوجد ) ، فقال حينئذ إبراهيم : ( يا أبي أي شيء تشبه الآلهة ؟ ) و أجاب الشيخ : ( يا غبي إني كل يوم اصنع إلها ابيعه لآخرين لأشتري خبزا وأنت لاتعلم كيف تكون الآلهة ! ) ، وكان في تلك الدقيقة يصنع تمثالا ، فقال ( هذا من اخشب النخل وذاك من الزيتون وذلك التمثال الصغير من العاج ، انظر ما أجمله ألا يظهر كأنه حي ، حقا لا يعوزه الا النفس ) ، أجاب إبراهيم : ( إذا يا أبي ليس للآلهة نفس فكيف يهبون الأنفاس ؟ ، ولما لم تكن لهم حياة فكيف يعطون إذا الحياة ، فمن المؤكد يا أبي أن هؤلاء ليسوا هم الله ؟ ) ، فحنق الشيخ لهذا الكلام قائلا : ( لو كنت بالغا من العمر ما تتمكن معه مـن الإدراك لشججت رأسك بهذه الفأس ، ولكن اصمت إذ ليس لك إدراك ) ، أجاب إبراهيم : ( يا أبي إن كانت الآلهة تساعد على صنع الإنسان فكيف يتأتى للإنسان أن يصنع آلهة ؟ ، وإذا كانت الآلهة مصنوعة من خشب فان احراق الخشب خطيئة كبرى ، ولكن قل لي يا أبت كيف وأنت قد صنعت آلهة هذا عديدها لم تساعدك الالهة لتصنع أولادا كثيرين فتصير أقوى رجل في العالم ؟ ) ، فحنق الأب لما سمع ابنه يتكلم هكذا ، فأكمل الابن قائلا : ( يا أبت هل وجد العالم حينا من الدهر بدون بشر ؟ ) أجاب الشيخ : ( نعم ولماذا ؟ ) ، قال إبراهيم : ( لأني أحب أن أعرف من صنع الإله الأول ) فقال الشيخ : انصرف الآن من بيتي ودعني أصنع هذه الإله سريعا ولا تكلمني كلاما ، فمتى كنت جائعا فانك تشتهي خبزا لا كلاما ) ، فقال إبراهيم : ( إنه لإله عظيم فإنك تقطعه كما تريد وهو لا يدافع عن نفسه ) فغضب الشيخ وقال : ( إن العالم بأسره يقول انه إله وأنت أيها الغلام الغبي تقول كلا ؟ فو آلهتي لو كنت رجلا لقتلتك ، ولما قال هذا ضرب إبراهيم ورفسه وطرده من البيت .

 

الفصل السابع والعشرون

 

 فضحك التلاميذ من حمق الشيخ ووقفوا منذهلين من فطنة إبراهيم ، ولكن يسوع وبخهم قائلا : لقد نسيتم كلام النبي القائل : ( الضحك العاجل نذير البكاء الآجل ) ، وأيضا ( لا تذهب إلى حيث الضحك بل اجلس حيث ينوحون، لأني هذه الحياة تنقضي في الشقاء ) ، ثم قال يسوع : ألا تعلمون أن الله في زمن موسى مسخ ناسا كثيرين في مصر حيوانات مخوفة ، لأنهم ضحكوا واستهزؤا بالآخرين ، احذروا من أن تضحكوا من أحد ما لأنكم بكاءا تبكون بسببه ، فأجاب التلاميذ : أننا ضحكنا من حماقة الشيخ ، فأجاب حينئذ يسوع : الحق أقول لكم كل نظير يحب نظيره فيجد في ذلك مسرة ، ولذلك لو لم تكونوا أغبياء لما ضحكتم من الغباوة ، أجابوا : ليرحمنا الله ، قال يسوع ليكن كذلك ، حينئذ قال فيلبس : يا معلم كيف حدث أن أبا إبراهيم أحب أن يحرق ابنه ؟ ، أجاب يسوع : لما بلغ إبراهيم اثنتي عشرة سنة من العمر قال أبوه يوما ما ( غدا عيد كل الآلهة ، فلذلك سنذهب إلى الهيكل الكبير ونحمل هدية لإلهي بعل العظيم ، وأنت تنتخب لنفسك إلها ، لأنك بلغت سنا يحق لك معه اتخاذ إله ) ، فأجاب إبراهيم بمكر ( سمعا وطاعة يا أبي ) ، فبكر في الصباح إلى الهيكل قبل كل أحد ، ولكن إبراهيم كان يحمل تحت صدرته فأسا مستورة ، فلما دخلا الهيكل وازداد الجمع خبأ إبراهيم نفسه وراء صنم في ناحية مظلمة في الهيكل ، فلما انصرف أبوه ظن أن إبراهيم سبقه إلى البيت ولذلك لم يمكث ليفتش عليه .

 

الفصل الثامن والعشرون

 

 ولما انصرف كل أحد من الهيكل اقفل الكهنة الهيكل وانصرفوا ، فأخذ إبراهيم إذ ذاك الفأس وقطع قوائم جميع الأصنام إلا الإله الكبير بعلا ، فوضع الفأس عند قوائمه بين جذاذ التماثيل التي تساقطت قطعا لأنه كانت قديمة العهد ومؤلفة من أجزاء ، ولما كان إبراهيم خارجا من الهيكل رآه جماعة من الناس فظنوا انه دخل ليسرق شيئا من الهيكل فأمسكوه ، ولما بلغوا به الهيكل ورأوا آلهتهم محطمة قطعا صرخوا منتخبين: ( اسرعوا يا قوم ولنقتل الذي قتل آلهتنا ) ، فهرع إلى هناك نحو عشرة آلاف رجل مع الكهنة وسألوا إبراهيم عن السبب الذي لأجله حطم آلهتهم ، أجاب إبراهيم : ( إنكم لأغبياء ، أيقتل الإنسان الله ، إن الذي قتلها إنما هو الإله الكبير ، ألا ترون الفأس التي له عند قدميه ، إنه لا يبتغي له اندادا ) فوصل حينئذ أبو إبراهيم الذي ذكر أحاديث إبراهيم في آلهتهم ، وعرف الفأس التي حطم بها إبراهيم الأصنام ، فصرخ : إنما قتل آلهتنا ابني الخائن هذا لأني هذه الفأس فأسي ، وقص عليهم كل ما جرى بينه وبين ابنه ، فجمع القوم مقدارا كبيرا من الحطب ، وربطوا يدي إبراهيم ورجليه ،ووضعوه على الحطب ووضعوا نارا تحته ، فإذا الله قد أمر النار بواسطة ملاكه جبريل الا تحرق عبده إبراهيم ، فاضطرمت النار باحتدام وحرقت نحو ألفي رجل من الذين حكموا على إبراهيم بالموت ، أما إبراهيم فقد وجد نفسه مطلق السراح إذ حمله ملاك الله إلى مقربة من بيت أبيه دون أن يرى من حمله ، وهكذا نجا إبراهيم من الموت .

 

الفصل التاسع والعشرون

 

 حينئذ قال فيلبس : ما أعظم هي رحمة الله للذين يحبونه ، قل لأني يا معلم كيف وصل إلى معرفة الله ، أجاب يسوع : لما بلغ إبراهيم جوار بيت أبيه خاف أن يدخل البيت ، فانتقل إلى بعد البيت وجلس تحت شجرة نخل حيث لبث منفردا ، وقال : ( لا بد من وجود إله ذي حياة وقوة أكثر من الإنسان لأنه يصنع الإنسان ، والإنسان بدون الله لا يقدر أن يصنع الإنسان ) ، حينئذ التفت حوله وأجال نظره في النجوم والقمر والشمس فظن أنهـا هي الله ، ولكن بعد التبصر في تغيراتها وحركاتها قال: ( يجب الا تطرأ على الله الحركة ولا تحجبه الغيوم والا فني الناس ) ، وبينما هـو متحير سمع اسمه ينادي : ( يا إبراهيم ) ، فلما التفت ولم ير أحد في جهة قال : ( اني قد سمعت يا إبراهيم ) ، ثم سمع كذلك اسمه ينادى مرتين اخريين ( يا إبراهيم)، فأجاب : ( من يناديني ؟ ) ، حينئذ سمع قائلا يقول : ( انه أنا ملاك الله جبريل ) ، فارتاع إبراهيم ، ولكن الملاك سكن روعه قائلا : ( لا تخف يا إبراهيم لأنك خليل الله ، فانك لما حطمت آلهة الناس تحطيما اصطفاك إله الملائكة والأنبياء حتى إنك كتبت في سفر الحياة ) ، حينئذ قال إبراهيم ( ماذا يجب علي أن أفعل لأعبد إله الملائكة والأنبياء الاطهار ؟ ) ، فأجاب الملاك : ( اذهب إلى ذلك الينبوع واغتسل ، لأني الله يريد أن يكلمك)، أجاب إبراهيم : ( كيف ينبغي أن اغتسل ؟ ) ، فتبدى له حينئذ المـلاك يافعا جميلا واغتسل من الينبوع قائلا :افعل كذلك بنفسك يا إبراهيم ) ، فلما اغتسل إبراهيم قال الملاك ( ارتق ذلك الجبل لأني الله يريد أن يكلمك هناك ) ، فارتقى إبراهيم الجبل كما قال له الملاك ، ولما جثا على ركبتيه قال لنفسه ( متى يا ترى يكلمني إله الملائكة ؟ ) ، فسمع صوتا لطيفا يناديه ( يا إبراهيم ) ،فأجابه إبراهيم : ( من يناديني ؟ ) ، فأجاب الصوت : ( أنا إلهك يا إبراهيم ) ، أما إبراهيم فارتاع وعفر بوجهه الأرض قائلا : ( كيف يصغي عبدك اليك وهو تراب ورماد ؟ ) ، حينئذ قال الله ( لا تخف بل انهض لأني قد اصطفيتك عبدا لي واني أريد أن أباركك وأجعلك شعبا عظيما ، فاخرج إذا من بيت أبيك وأهلك وتعالى اسكن في الأرض التي اعطيكها أنت ونسلك ، فأجاب إبراهيم : ( إني لفاعل كل ذلك يا رب ولكن احرسني لكي لا يضرني إله آخر ) ، فتكلم الله قائلا : ( أنا الله أحد ، ولا إله غيري ، أضرب وأشفى ، أميت وأحي ، أنزل الجحيم وأخرج منه، ولا يقدر أحد أن ينقذ نفسه من يدي ) ، ثم أعطاه الله عهد الختان وهكذا عرف الله أبونا إبراهيم ، ولما قال يسوع هذا رفع يديه قائلا : الكرامة والمجد لك يا الله ، ليكن كذلك .

 

الفصل الثلاثون

 

وذهب يسوع إلى أورشليم قرب المظال وهو أحد أعياد امتنا ، فلما علم هذا الكتبة والفريسيون تشاوروا ليتسقطوه بكلامه ، فلذلك جاء اليه فقيه قائلا: يا معلم ماذا يجب أن أفعل لأحصل على الحياة الأبدية ؟ ، أجاب يسوع : كيف كتب في الناموس ؟ أجاب قائلا : أحب الرب إلهك وقريبك ، أحب إلهك فوق كل شيء بكل قلبك وعقلك ، وقريبك كنفسك ، أجاب يسوع: أجبت حسنا ، واني أقول لك اذهب وافعل هكذا تكن لك الحياة الابدية ، فقال له : من هو قريبي ؟ ، أجاب يسوع رافعا طرفه : كان رجل نازلا من أورشليم ليذهب إلى أريحا مدينة اعيد بناؤها تحت اللعنة ، فأمسك اللصوص هذا الرجل على الطريق وجرحوه وعرّوه ، ثم انصرفوا وتركوه مشرفا على الموت ، فاتفق أن مر كاهن بذلك الموضع ، فلما رأى الجريح سار دون أن يحييه ، ومر مثله لاوى دون أن يقول كلمة ، واتفق ان مر ( أيضا) سامري ، فلما رأى الجريح عطف عليه وترجل عن فرسه وأخذ الجريح وغسل جراحه بخمر ودهنها بدهن ، وبعد ان ضمد جراحه وعزاه اركبه على فرسه ،ولما بلغ في المساء النزل سلمه الى عناية صاحبه ، ولمـا نهض صباحا قال : اعتن بهذا الرجل وأنا أدفع لك كل شيء ، وبعد ان قدم اربع قطع من الذهب للعليل لأجل صاحب النزل قال : تعز لأني أعود سريعا واذهب بك الى بيتي ، قال يسوع : قل لي أيهما كان القريب؟، أجاب الفقيه : الذي أظهر الرحمة ، حينئذ قال يسوع : قد أجبت بالصواب ، فاذهب وافعل كذلك ، فانصرف الفقيه بالخيبة .

 

الفصل الحادي والثلاثون

 

فاقترب الكهنة حينئذ الى يسوع وقالوا يا معلم أيجوز أن تعطي جزية لقيصر ؟ ، فالتفت يسوع ليهوذا وقال : هل معك نقود ؟ ثم أخذ يسوع بيده فلسا والتفت الى الكهنة وقال لهم : ان على هذا الفلس صورة فقولوا لي صورة من هي ؟ فأجابوا : صورة قيصر ، فقال يسوع : اعطوا إذا ما لقيصر لقيصر واعطوا ما لله لله ، حينئذ انصرفوا بالخيبة ، واقترب قائد مئة قائلا : يا سيد ان ابني مريض فارحم شيخوختي ، أجاب يسوع ليرحمك الرب إله إسرائيل ، ولما كان الرجل منصرف قال يسوع : انتظرني ، لأني آت الى بيتك لأصلي على ابنك ، أجاب قائد المئة : يا سيد اني لست أهلا وأنت نبي الله تأتي إلى بيتي ، تكفيني كلمتك التي تكلمت بها لشفاء ابني ، لأني إلهك قد جعلك سيدا على كل مرض كما قال لي ملاكه في المنام ، فتعجب حينئذ يسوع كثيرا ، وقال ملتفتا الى الجمع : انظروا هذا الاجنبي لأني فيه ايمان أكثر من وجد في إسرائيل ، ثم التفت إلى قائد المئة وقال : اذهب بسلام لأني الله منح ابنك صحة لاجل الايمان العظيم الذي اعطاكه ، فمضى قائد المئة في طريقه ، والتقى في الطريق بخدمته الذين أخبروه أن ابنه قد برىء ، أجاب الرجل : في أي ساعة تركته الحمى؟ فقالوا : أمس في الساعة السادسة انصرفت عنه الحمى ، فعلم الرجل انه لما قال يسوع ( ليرحمك الرب إله إسرائيل ) استرد ابنه صحته، لذلك آمن الرجل بإلهنا ، ولما دخل بيته حطم كل آلهته تحطيما قائلا : ليس الإله الحقيقي الحي سوى إله إسرائيل ، لذلك قال : ( لا يأكل خبزي أحد لم يعبد إله إسرائيل ) .

 

الفصل الثاني والثلاثون

 

ودعا أحد المتضلعين من الشريعة يسوع للعشاء ليجربه، فجاء يسوع إلى هناك مع تلاميذه ، وكثيرون من الكتبة انتظروه في البيت ليجربوه ، فجلس التلاميذ إلى المائدة دون أن يغسلوا أيديهم ، فدعـا الكتبة يسوع قائلين : لماذا لا يحفظ تلاميذك تقاليد شيوخنا بعدم غسل أيديهم قبل أن يأكلوا خبزا ؟ ، أجاب يسوع : وأنا أسألكم لأي سبب أبطلتم شريعة الله لتحفظوا تقاليدكم ؟، تقولون لأولاد الأباء الفقراء ( قدموا وأنذروا نذورا للهيكل ) وهم إنما يجعلون نذورا من النزر الذي يجب أن يعولوا به آباءهم ، إذا أحب آباؤهم أن يأخذوا نقودا يصرخ الأبناء ( أن هذه النقود نذر الله ) ، فيصيب الآباء بسبب ذلك ضيق ، أيها الكتبة الكذابون المراؤون أيستعمل الله هذه النقود؟، كلا ثم كلا ، لأني الله لا يأكل كما يقول بواسطة عبده داود النبي ( هل آكل لحم الثيران وأشرب دم الغنم ؟ أعطني ذبيحة الحمد وقدم لي نذورك ، لأني ان جعت لا أطلب منك شيئا لأني كل الأشياء في يدي وعندي وفرة الجنة ) ، أيها المراؤون إنكم إنما تفعلون ذلك لتملأوا كيسكم ولذلك تعشرون السذاب والنعنع ، ما أشقاكم لأنكم تظهرون للآخرين أشد الطرق وضوحا ولا تسيرون فيها ، أيها الكتبة والفقهاء إنكم تضعون على عواتق الآخرين أحمالا لا يطاق حملها ، ولكنكم أنفسكم لا تحركونها بإحدى أصابعكم ، الحق أقول لكم ان كل شر إنما دخل العالم بوسيلة الشيوخ ، قولوا لي من أدخل عبادة الأصنام في العالم الا طريقة الشيوخ ، انه كان ملك أحب أباه كثيرا وكان اسمه بعلا ، فلما مات الأب أمر ابنه بصنع تمثال شبه أبيه تعزية لنفسه ، ونصبه في سوق المدينة ، وأمر بأن يكون كل من اقترب من ذلك التمثال إلى مسافة خمسة عشر ذراعا في مأمن لا يلحق أحد به أذى على الاطلاق ، وعليه أخذ الأشرار بسبب الفوائد التي جنوها من التمثال يقدمون له وردا وزهورا ، ثم تحولت هذه الهدايا في زمن قصير إلى نقود وطعام حتى سموه إلها تكريما له ، وهذا الشيء تحول من عادة إلى شريعة حتى ان الصنم بعلا انتشر في العالم كله ، وقد ندب الله على هذا بواسطة أشعيا قائلا : ( حقا إن هذا الشعب يعبدني باطلا، لأنهم أبطلوا شريعتي التي أعطاهم إياها عبدي موسى ويتبعون تقاليد شيوخهم ) ، الحق أقول لكم ان أكل الخبز بأيد غير نظيفة لا ينجس إنسانا لأني ما يدخل الإنسان لا ينجس الإنسان بل الذي يخرج من الإنسان ينجس الإنسان ، فقال حينئذ أحد الكتبة : ان أكلت لحم الخنزير أو لحموما أخرى نجسه أفلا تنجس هذه ضميري ؟ ، أجاب يسوع: ان العصيان لا يدخل الإنسان بل يخرج من الإنسان من قلبه ، ولذلك يكون نجسا متى أكل طعاما محرما ، حينئذ قال أحد الفقهاء : يا معلم لقد تكلمت كثيرا في عبادة الأصنام كأن عند شعب إسرائيل أصناما ، وعليه فقد أسأت الينا ، أجاب يسوع : أعلم جيدا انه لا يوجد اليوم تماثيل من خشب في إسرائيل ولكن توجد تماثيل من جسد ، فأجاب حينئذ جميع الكتبة بحنق : أنحن إذا عبدة أصنام ؟ ، أجاب يسوع : الحق أقول لكم لا تقول الشريعة أعبد بل أحب الرب إلهك بكل نفسك وبكل قلبك وبكل عقلك ، ثم قال يسوع : أصحيح هذا ؟ فأجاب كل واحد: انه لصحيح .

 

الفصل الثالث والثلاثون

 

ثم قال يسوع حقا ان كل ما يحبه الإنسان ويترك لأجله كل شيء سواه فهو إلهه ، وهكذا فإن صنم الزاني هو الزانية وصنم النهم والسكير جسده ، وصنم الطماع الفضة والذهب ، وقس عليه كل خاطىء آخر ، فقال حينئذ الذي دعاه : يا معلم ماهي أعظم خطيئة ؟ ، أجاب يسوع : أي الخراب أعظم في البيت ؟ ، فسكت كل احد ، ثم أشار يسوع بإصبعه إلى الأساس وقال : إذا تزعزع أساس سقط البيت خرابا ، فيلزم إذ ذاك أن يبني جديدا ، ولكن إذا تداعى أي جزء سواه يمكن ترميمه ، ولذلك أقول لكم أن عبادة الأصنام هي أعظم خطيئة ، لأنه تجرد الإنسان بالمرة من الإيمان ، فتجرده من الله بحيث لا تكون له محبة روحية ، ولكن كل خطيئة اخرى تترك للإنسان أمل نيل الرحمة ، ولذلك أقول ان عبادة الأصنام أعظم خطيئة ، فوقف الجميع مبهوتين من حديث يسوع لأنهم علموا انه لايمكن الرد عليه مطلقا ، ثم أتم يسوع: تذكروا ما تكلم الله به وما كتبه موسى ويشوع في الناموس فتعلموا ما أعظم هذه الخطيئة ، قال الله مخاطبا إسرائيل : لا تصنع لك تمثالا مما في السماء ولا ممـا تحت السماء ، ولا تصنعه مما فوق الأرض ولا مما تحت الأرض ، ولا مما فوق الماء ولا مما تحت الماء ، إني أنا إلهك قوي وغيور ينتقم لهذه الخطيئة من الآباء وأبنائهم حتى الجيل الرابع ، فاذكروا كيف لما صنع آباؤنا العجل وعبدوه أخذ يشوع وسبط لاوى السيف بأمر الله وقتلوا مئة ألف وعشرين ألفا من أولئك الذين لم يطلبوا رحمة من الله ، ما أشد دينونة الله على عبدة الأوثان .

 

الفصل الرابع والثلاثون

 

 وكان أمام الباب واحد كانت يده اليمنى متيبسة إلى حد لم يتمكن معه من استعمالها، فوجه يسوع قلبه لله وصلى ثم قال : لتعلموا أن كلماتي حق أقول باسم الله امدد يا رجل يدك المريضة، فمدها صحيحة كأن لم تصبها علة، حينئذ ابتدأوا يأكلون بخوف الله، وبعد ان أكلوا قليلا قال يسوع أيضا : الحق أقول لكم ان احراق مدينة لأفضل من أن يترك فيها عادة رديئة ، لأني لأجل مثل هذا يغضب الله على رؤساء وملوك الأرض الذين أعطاهم الله سيفا ليفنوا الآثام ، ثم قال بعد ذلك يسوع . متى دعيت فاذكر الا تضع نفسك في الموضع الأعلى، حتى إذا جاء صديق لصاحب البيت أعظم منك لا يقول لك صاحب البيت ( قم واجلس أسفل ) فيكون باعثا لك على الخجل، بل اذهب وأجلس في أحقر موضع ليجيء الذي دعاك ويقول ( قم يا صديق واجلس هنا في الأعلى) فيكون لك حينئذ فخر عظيم، لأني من يرفع نفسه يتًّضع ومن يضع نفسه يرتفع، الحق أقول لكم ان الشيطان لم يخذل الا بخطيئة الكبرياء، كما يقول النبي اشعيا موبخا إياه بهذه الكلمات: ( كيف سقطت من السماء يا كوكب الصبح يا من كنت جمال الملائكة وأشرقت كالفجر ، حقا ان كبرياءك قد سقطت للأرض ، الحق أقول لكم إذا عرف إنسان شقاءه فإنه يبكي هنا على الأرض دائما ، ويحسب نفسه أحقر من كل شيء آخر، ولا سبب وراء هذا لبكاء الإنسان الأول وامرأته مئة سنة بدون انقطاع طالبين رحمة من الله ، لانهما علما يقينا أين سقطا بكبريائهما، ولما قال يسوع هذا شكر، وذاع ذلك اليوم في أورشليم الأشياء العظيمة التي قالها يسوع والآية التي صنعها، فشكر الشعب الله مباركين اسمه القدوس، أما الكتبة والكهنة فلما أدركوا أنه ندد بتقاليد الشيوخ اضطرموا ببغضاء أشد، وقسوا قلوبهم نظير فرعون، ولذلك طلبوا فرصة ليقتلوه ولكنهم لم يجدوها .

 

الفصل الخامس والثلاثون

 

  وانصرف يسوع من أورشليم ، وذهب إلى البرية وراء الأردن ، فقال تلاميذه الذين كانوا جالسين حوله : يا معلم قل لأني كيف سقط الشيطان بكبريائه، لأني كنا نعلم انه سقط بسبب العصيان ، ولأنه كان دائما يفتن الإنسان ليفعل شرا ، أجاب يسوع : لما خلق الله كتلة من التراب ، وتركها خمسا وعشرين ألف سنة بدون أن يفعل شيئا آخر ، علم الشيطان الذي كان بمثابة كاهن ورئيس للملائكة لما كان عليه من الإدراك العظيم أن الله سيأخذ من تلك الكتلة مئة وأربعة وأربعين ألفا موسومين بسمة النبوة ورسول الله الذي خلق الله روحه قبل كل شيء آخر بستين ألف سنة ، ولذلك غضب الشيطان فأغرى الملائكة قائلا : ( انظروا سيريد الله يوما ما أن نسجد لهذا التراب ، وعليه فتبصروا في أننا روح وأنه لا يليق أن نفعل ذلك ) ، لذلك ترك الله كثيرون ، من ثم قال الله يوما لما التأمت الملائكة كلهم ( ليسجد توا كل من اتخذني ربا لهذا التراب ، فسجد له الذين أحبوا الله ، أما الشيطان والذين كانوا على شاكلته فقالوا : ( يا رب أننا روح ولذلك ليس من العدل أن نسجد لهذه الطينة ، ولما قال الشيطان ذلك أصبح هائلا ومخوف النظر ، وأصبح اتباعه مقبوحين ، لأني الله أزال بسبب عصيانهم الجمال الذي جمًّلهم به لما خلقهم ، فلما رفع الملائكة الأطهار رؤوسهم رأوا شدة قبح الهولة التي تحول الشيطان إليها ، وخر أتباعه على وجوههم إلى الأرض خائفين ، حينئذ قال الشيطان : ( يا رب انك جعلتني قبيحا ظلما ولكنني راض بذلك لأني اروم أن أبطل كل ما فعلت ) ، وقالت الشياطين الأخرى : ( لا تدعه ربا يا كوكب الصبح لأنك أنت الرب ) حينئذ قال الله لاتباع الشيطان : ( توبوا واعترفوا بأنني أنا الله خالقكم ) أجابوا ( إننا نتوب عن سجودنا لك لأنك غير عـادل ، ولكن الشيطان عـادل وبريء وهـو ربنا ) حينئذ قـال الله : ( انصرفوا عني أيها الملاعين لأنه ليس عندي رحمة لكم وبصق الشيطان أثناء انصرافه على كتلة التراب ، فرفع جبريل ذلك البصاق مع شيء من التراب فكان للإنسان بسبب ذلك سرة في بطنه .

 

الفصل السادس والثلاثون

 

  فدهش التلاميذ دهشا عظيما لعصيان الملائكة، حينئذ قال يسوع: الحق أقول لكم إن من لا يصلي فهو شر من الشيطان ، وسيحل به عذاب أعظم ، لأنه لم يكن للشيطان قبل سقوطه عبرة في الخوف ، ولم يرسل الله له رسولا يدعوه إلى التوبة ، ولكن الإنسان وقد جاء الأنبياء كلهم إلا رسول الله الذي سيأتي بعدي لأني الله يريد ذلك حتى أهيئ طريقه ، يعيش بإهمال بدون أدنى خوف كأنه لا يوجد إله مع إن له أمثلة لا عداد لها على عدل الله ، فعن مثل هؤلاء قال داود النبي : ( قال الجاهل في قلبه ليس إله لذلك كانوا فاسدين وأمسوا رجساً دون أن يكون فيهم واحد يفعل صلاحاً ) صلوا بدون انقطاع يا تلاميذي لتعطوا ، لأني من يطلب يجد ، ومن يقرع يفتح له ، ومن يسأل يعط ، ولا تنظروا في صلواتكم إلى كثرة الكلام لأني الله ينظر إلى القلب كما قال سليمان ( يا عبدي اعطني قلبك ) الحق أقول لكم لعمر الله إن المرائين يصلون كثيرا في كل أنحاء المدينة لينظرهم الجمهور ويعدهم قديسين ولكن قلوبهم ممتلئة شرا، فهم ليسوا على جد في ما يطلبون ، فمن الضروري أن تكون مخلصا في صلاتك إذا أحببت أن يقبلها الله، فقولوا لي من يذهب ليكلم الحاكم الروماني أو هيرودس ولا يكون قصده موجها إلى من هو ذاهب إليه وإلى ما هو عازم أن يطلبه منه ؟ ، لا أحد مطلقا ، فإذا كان الإنسان يفعل كذلك ليكلم رجلا فماذا على الإنسان أن يفعل ليكلم الله ، ويطلب منه رحمة لخطاياه شاكرا إياه على كل ما أعطاه ، الحق أقول لكم إن الذين يقيمون الصلاة قليلون، ولذلك كان للشيطان تسلط عليهم ، لأني الله لا يحب أولئك الذين يكرمونه بشفاههم ، الذين يطلبون في الهيكل رحمة بشفاههم، ولكن قلوبهم تستصرخ العدل، كما تكلم اشعيا النبي قائلا: ( ابعد هذا الشعب الثقيل على ، لأنهم يحترمونني بشفاههم أما قلبهم فمبتعد عني ) ، الحق أقول لكم إن الذي يذهب ليصلي بدون تدبر يستهزىء بالله ، من يذهب ليكلم هيرودس ويوليه ظهره ؟ ويمدح أمامه بيلاطس الحاكم الذي يكرهـه حتى الموت ؟ ، لا أحد مطلقا ، ولكن الإنسان الذي يذهب ليصلي ولا يعد نفسه لا يكون فعله دون هذا، فإنه يولي الله ظهره والشيطان وجهه، لأني في قلبه محبة الإثم التي لم يتب عنها، فإذا أساء إليك أحد وقال لك بشفتيه: (اغفر لي) وضربك ضربة بيديه فكيف تغفر له ؟ هكذا يرحم الله الذين يقولون بشفاههم ( يا رب ارحمنا ) ويحبون بقلوبهم الإثم ويهمّون بخطايا جديدة .

 

الفصل السابع والثلاثون

 

  فبكى التلاميذ لكلام يسوع ، وتضرعوا إليه قائلين : يا سيد علمنا لنصلي ، أجاب يسوع: تأملوا ماذا تفعلون إذا ألقي القبض عليكم الحاكم الروماني ليعدمكم، فافعلوا نظير ذلك حينما تصلون، وليكن كلامكم هذا، أيها الرب إلهنا ، ليتقدس اسمك القدوس، ليأت ملكوتك فينا ، لتنفذ مشيئتك دائما ، وكما هي نافذة في السماء لتكن نافذة كذلك على الأرض ، أعطنا الخبز لكل يوم، واغفر لأني خطايانا، كما نغفر نحن لمن يخطئون إلينا، ولا تسمح بدخولنا في التجارب، ولكن نجنا من الشرير، لانك أنت وحدك إلهنا الذي يجب له المجد والإكرام إلى الأبد .

 

الفصل الثامن والثلاثون

 

 حينئذ أجاب يوحنا : يا معلم لنغتسل كما أمر الله على لسان موسى ، قال يسوع : أتظنون إني جئت لأجل الشريعة والأنبياء ؟ ، الحق أقول لكم لعمر الله اني لم آت لابطلها ولكن لاحفظها ، لأني كل نبي حفظ شريعة الله وكل ما تكلم الله به على لسان الأنبياء الآخرين، لعمر الله الذي تقف نفسي في حضرته لا يمكن أن يكون مرضيا لله من يخالف أقل وصاياه، ولكنه يكون الأصغر في ملكوت الله، بل لا يكون له نصيب هناك، وأقول لكم أيضا انه لا يمكن مخالفة حرف واحد من شريعة الله الا باجتراح أكبر الاثام ، ولكني أحب أن تفقهوا انه ضروري أن تحافظوا على هذه الكلمات التي قالها الله على لسان اشعيا النبي ( اغتسلوا وكونوا أنقياء أبعدوا أفكاركم عن عيني ) الحق أقول لكم إن ماء البحر كله لا يغسل من يحب الآثام بقلبه، وأقول لكم أيضا انه لا يقدم أحد صلاة مرضية لله إن لم يغتسل ، ولكنه يحمل نفسه خطيئة شبيهة بعبادة الأوثان، صدقوني بالحق انه إذا صلى إنسان لله كما يجب ينال كل ما يطلب، اذكروا موسى عبد الله الذي ضرب بصلاته مصر وشق البحر الأحمر وأغرق هناك فرعون وجيشه ، اذكروا يشوع الذي أوقف الشمس ، وصموئيل الذي أوقع الرعب في جيش الفلسطينيين الذي لا يحصى ، وإيليا الذي أمطر نارا من السماء ، وأقام اليشع ميتا ، وكثيرون غيرهم من الأنبياء الأطهار الذين بواسطة الصلاة نالوا كل ما طلبوا ، ولكن هؤلاء الناس لم يطلبوا في الحقيقة شيئا لهم أنفسهم ، بل إنما طلبوا الله ومجده .

 

الفصل التاسع والثلاثون

 

 حينئذ قال يوحنا : حسنا تكلمت يا معلم ، ولكن ينقصنا أن نعرف كيف أخطأ الإنسان بسبب الكبرياء ، أجاب يسوع: لما طرد الله الشيطان، وطهر الملاك جبريل تلك الكتلة من التراب التي بصق عليها الشيطان، خلق الله كل شيء حي من الحيوانات التي تطير ومن التي تدب وتسبح، وزين العالم بكل ما فيه، فاقترب الشيطان يوما ما من أبواب الجنة، فلما رأى الخيل تأكل العشب اخبرها انه اذا تأتى لتلك الكتلة من التراب أن يصير لها نفس أصابها ضنك، ولذلك كان من مصلحتها أن تدوس تلك القطعة من التراب. على طريقة لا تكون بعدها صالحة لشيء، فثارت الخيل وأخذت تعدو بشدة على تلك القطعة من التراب التي كانت بين الزنابق والورود، فأعطى الله من ثم روحا لذلك الجزء النجس من التراب الذي وقع عليه بصاق الشيطان الذي كان أخذه جبريل من الكتلة، وأنشأ الكلب فأخذ ينبح فروّع الخيل فهربت، ثم اعطى الله نفسه للإنسان وكانت الملائكة كلها ترنم : ( اللهم ربنا تبارك اسمك القدوس ) فلما انتصب آدم على قدميه رأى في الهـواء كتابة تتألق كالشمس نصها (( لا إله إلا الله ومحمد رسـول الله )) ، ففتح حينئذ آدم فاه وقال : ( أشكرك أيها الرب إلهي لانك تفضلت فخلقتني ، ولكن أضرع إليك أن تنبأني ما معنى هذه الكلمات (( محمد رسول الله )) ، فأجاب الله : ( مرحبا بك يا عبدي آدم ، واني أقول لك أنك أول إنسان خلقت ، وهذا الذي رأيته إنما هو ابنك الذي سيأتي إلى العالم بعد الآن بسنين عديدة ، وسيكون رسولي الذي لأجله خلقت كل الأشياء ، الذي متى جاء سيعطى نورا للعالم ، الذي كانت نفسه موضوعة في بهاء سماوى ستين ألف سنة قبل أن أخلق شيئا ) فضرع آدم إلى الله قائلا : ( يا رب هبني هـذه الكتابة على أظفار أصابع يدي ) فمنح الله الإنسان الأول تلك الكتابة على إبهاميه، على ظفر إبهام اليد اليمنى ما نصه (( لا إله إلا الله )) ، وعلى ظفر إبهـام اليد اليسرى مـا نصه (( محمد رسول الله )) ، فقبّل الإنسان الأول بحنو أبوي هذه الكلمات، ومسح عينيه وقال : ( بورك ذلك اليوم الذي سيأتي فيه إلى العالم ) فلما رأى الله الإنسان وحده قال : ( ليس حسنا أن يكون وحده ) فلذلك نوّمه ، وأخذ ضلعا من جهة القلب ، وملأ الموضع لحما ، فخلق من تلك الضلع حواء ، وجعلها امرأة لآدم ، وأقام الزوجين سيدي الجنة ، وقال لهما : ( أنظروا إني أعطيكما كل ثمر لتأكلا منه خلا التفاح والحنطة ) ثم قال : ( احذروا أن تأكلا شيئا من هذه الأثمار ، لأنكما تصيران نجسين ، فلا اسمح لكما بالبقاء هنا بل أطردكما ويحل بكما شقاء عظيم ) .

 

الفصل الأربعون

 

فلما علم الشيطان بذلك تميز غيظا ، فاقترب إلى باب الجنة حيث كان الحارس حية مخوفة لها قوائم كجمل وأظافر أقدامها محددة من كل جانب كموسى ، فقال لهـا العدو : ( اسمحي لي بأن ادخـل الجنة ) أجابت الحية : ( وكيف أسمح لك بالدخول وقد أمرني الله بأن أطردك ؟ ) أجاب الشيطان : ( ألا ترين كم يحبك الله إذ أقامك خارج الجنة لتحرسي كتلة من الطين وهي الإنسان ؟ ، فإذا أدخلتني الجنة أجعلك رهيبة حتى ان كل احد يهرب منك، فتذهبين وتقيمين حسب إرادة ) فقالت الحية ( وكيف أدخلك ) أجاب الشيطان : ( انك كبيرة فافتحي فاك فأدخل بطنك، فمتى دخلت الجنة ضعيني بجانب هاتين الكتلتين من الطين اللتين تمشيان حديثا على الأرض ) ففعلت عندئذ الحية ذلك ، ووضعت الشيطان بجانب حواء لأني آدم زوجها كان نائما،فتمثل الشيطان للمرأة ملاكا جميلا وقال لها : ( لماذا لا تأكلان من هذا التفاح وهذه الحنطة ؟ ) أجابت حواء : ( قال لأني إلهنا إنا إذا أكلنا منها صرنا نجسين ولذلك يطردنا من الجنة ) فأجاب الشيطان : ( انه لم يقل الصدق ، فيجب أن تعرفي ان الله شرير وحسود ، ولذلك لا يحتمل اندادا ، ولكنه يستعبد كل أحد ، وهو إنما قال لكما ذلك لكيلا تصيرا ندين له، ولكن إذا كنت وعشيرك تعملان بنصيحتي فإنكما تأكلان من هذه الأثمار كما تأكلان من غيرها ، ولا تلبثا خاضعين لا خرين ، بل تعرفان الخير والشر كالله وتفعلان ما تريدان ، لأنكما تصيران ندين لله ) فأخذت حينئذ حواء وأكلت من هذه الأثمار ، ولما استيقظ زوجها أخبرته بكل ما قال الشيطان ، فتناول منها ما قدمته له وأكل ، وبينما كان الطعام نازلا ذكر كلام الله ، فلذلك أراد أن يوقف الطعام فوضع يده في حلقه حيث كل إنسان له علامة .

 

الفصل الحادي والأربعون

 

 حينئذ علم كلاهما انهما كانا عريانين ، فلذلك استحيا وأخذا أوراق التين وصنعا ثوبا لسوأتهما ، فلما مالت الظهيرة إذا بالله قد ظهر لهما ونادى آدم قائلا: ( آدم أين أنت ) فأجاب : ( يا رب تخبأت من حضرتك لأني وامرأتي عريانان فلذلك نستحي أن نتقدم أمامك ) فقال الله : ( ومن اغتصب منكما براءتكما إلا أن تكونا أكلتما التمر فصرتما بسببه نجسين ، ولا يمكنكما أن تمكثا بعد في الجنة ، أجاب آدم : ( يا رب ان الزوجة التي أعطيتني طلبت مني أن آكل فأكلت منه ) حينئذ قال الله للمرأة : ( لماذا أعطيت طعاما كهذا لزوجك؟ ) أجابت حواء : ( ان الشيطان خدعني فأكلت ) قال الله : ( كيف دخل ذلك الرجيم إلى هنا ؟ ) أجابت حواء : ( ان الحية التي تقف على الباب الشمالي من الجنة أحضرته إلى جانبي ) فقال الله لآدم : ( لتكن الأرض ملعونة بعملك لأنك أصغيت لصوت امرأتك وأكلت الثمر ، لتنبت لك حسكا وشوكا ، ولتأكل الخبز بعرق وجهك ، واذكر انك تراب والى التراب تعود ) وكلم حواء قائلا : ( وأنت التي أصغيت للشيطان ، وأعطيت زوجك الطعام تلبثين تحت تسلط الرجل الذي يعاملك كأمة ، وتحملين الأولاد بالألم ، ولما دعا الحية دعا الملاك ميخائيل الذي يحمل سيف الله وقال : ( اطرد أولا من الجنة هذه الحية الخبيثة ، ومتى صارت خارجا فاقطع قوائمها ، فإذا إرادة أن تمشي يجب أن تزحف ) ثم نادى الله بعد ذلك الشيطان فأتى ضاحكـا فقال له : ( لأنك أيها الرجيم خدعت هذين وصيرتهما نجسين أريد أن تدخل في فمك كل نجاسة فيهما وفي كل أولادهما متى تابوا عنها وعبدوني حقا فخرجت منهم فتصير مكتظا بالنجاسة ) فجأر الشيطان حينئذ جأرا مخوفا وقال : ( لما كنت تريد أن تصيرني أردأ ممـا أنا عليه فإني سأجعل نفسي كما أقدر أن أكون ) حينئذ قال الله: ( انصرف أيها اللعين من حضرتي ) فانصرف الشيطان، ثم قال الله لآدم وحواء اللذين كانا ينتحبان: ( اخرجا من الجنة ، وجاهدا أبدانكما ولا يضعف رجاؤكما ، لأني ارسل ابنكما على كيفية يمكن بها لذريتكما أن ترفع سلطة الشيطان عن الجنس البشري ، لأني سأعطي رسولي الذي سيأتي كل شيء ، فاحتجب الله وطردهما الملاك ميخائيل من الفردوس ، فلما التفت آدم رأى مكتوبا فوق الباب : (( لا إله إلا الله محمد رسول الله )) فبكى عند ذلك وقال : ( أيها الابن عسى الله أن يريد أن تأتي سريعا وتخلصنا من هذا الشقاء ) قال يسوع : هكذا أخطأ الشيطان وآدم بسبب الكبرياء ، أما احدهما فلأنه احتقر الإنسان ، وأما الآخر فلأنه أراد أن يجعل نفسه ندا لله .

 

الفصل الثاني والأربعون

 

 فبكى التلاميذ بعد هذا الخطاب، وكان يسوع باكيا لما رأوا كثيرين من الذين جاءوا يفتشون عليه ، فإن رؤساء الكهنة تشاوروا فيما بينهم ليتسقطوه بكلامه، لذلك أرسلوا اللاويين وبعض الكتبة يسألونه قائلين : من أنت ؟ فاعترف يسوع وقال : الحق إني لست مسيا ، فقالوا : أأنت ايليا أو أرميا أو أحد الأنبياء القدماء ؟ أجاب يسوع : كلا، حينئذ قالوا : من أنت ، قل لنشهد للذين أرسلونا ؟ ، فقال حينئذ يسوع : أنا صوت صارخ في اليهودية كلها ، يصرخ : أعدوا طريق رسول الرب كما هو مكتوب في اشعيا، قالوا: إذا لم تكن المسيح ولا ايليا أو نبيا ما فلماذا تبشر بتعليم جديد وتجعل نفسك أعظم شأنا من مسيا؟ ، أجاب يسوع : إن الآيات التي يفعلها الله على يدي تظهر إني اتكلم بما يريد الله ، ولست احسب نفسي نظير الذي تقولون عنه ، لأني لست أهلا أن أحل رباطات جرموق أو سيور حذاء رسول الله الذي تسمونه مسيا الذي خلق قبلي وسيأتي بعدي وسيأتي بكلام الحق ولا يكون لدينه نهاية ) فانصرف اللاويون والكتبة بالخيبة وقصوا كل شيء على رؤساء الكهنة الذين قالوا: ان الشيطان على ظهره وهو يتلو كل شيء عليه، ثم قال يسوع لتلاميذه: الحق أقول لكم ان رؤساء وشيوخ شعبنا يتربصون بي الدوائر، فقال بطرس: لا تذهب فيما بعد إلى أورشليم ، فقال له يسوع : انك لغبي ولا تدري ما تقول فإن علي أن أحتمل اضطهادات كثيرة لأنه هكذا احتمل جميع الأنبياء وأطهار الله ولكن لا تخف لأنه يوجد قوم معنا وقوم علينا، ولما قال يسوع هذا انصرف وذهب إلى جبل طابور وصعد معه بطرس ويعقوب ويوحنا اخوه مع الذي يكتب هذا، فأشرق هناك فوقهم نور عظيم ، وصارت ثيابه بيضاء كالثلج، ولمع وجهه كالشمس ، وإذا بموسى وايليا قد جاءا يكلمان يسوع بشأن ما يسحل بشعبنا وبالمدينة المقدسة، فتكلم بطرس قائلا : يا رب حسن أن نكون ههنا ، فإذا إرادة نضع ثلاث مظال لك واحدة ولموسى واحدة والأخرى لايليا ، وبينما كان يتكلم غشيته سحابة بيضاء، وسمعوا صوتا قائلا : انظروا خادمي الذي به سررت ، اسمعوا له ، فارتاع التلاميذ وسقطوا على وجوههم إلى الأرض كأنهم أموات ، فنزل يسوع وأنهض تلاميذه قائلا : لا تخافوا لأني الله يحبكم وقد فعل هذا لكي تؤمنوا بكلامي .

 

الفصل الثالث والأربعون

 

 ونزل يسوع إلى التلاميذ الثمانية الذين كانوا ينتظرونه أسفل، وقص الأربعة على الثمانية كل ما رأوا، وهكذا زال في ذلك اليوم من قلوبهم كل شك في يسوع إلا يهوذا الاسخريوطي الذي لم يؤمن بشيء، وجلس يسوع على سفح الجبل وأكلوا من الأثمار البرية لأنه لم يكن عندهم خبز، حينئذ قال اندراوس: لقد حدثتنا بأشياء كثيرة عن مسيا فتكرم بالتصريح لأني بكل شيء، فأجاب يسوع: كل من يعمل فإنما يعمل لغاية يجد فيها غناء، لذلك أقول لكم أن الله لما كان بالحقيقة كاملا لم يكن له حاجة إلى غناء، لأنه الغناء عنده نفسه، وهكذا لما أراد أن يعمل خلق قبل كل شيء نفس رسوله الذي لأجله قصد إلى خلق الكل ، لكي تجد الخلائق فرحا وبركة بالله ، ويسر رسوله بكل خلائقه التي قدر أن تكون عبيدا ، ولماذا وهل كان هذا هكذا إلا لأني الله أراد ذلك ؟ ، الحق أقول لكم إن كل نبي متى جاء فإنه إنما يحمل لأمة واحدة فقط علامة رحمة الله ، ولذلك لم يتجاوز كلامهم الشعب الذي أرسلوا إليه، ولكن رسول الله متى جاء يعطيه الله ما هو بمثابة خاتم يده، فيحمل خلاصا ورحمة لأمم الأرض الذين يقبلون تعليمه، وسيأتي بقوة على الظالمين ، ويبيد عبادة الأصنام بحيث يخزي الشيطان، لأنه هكذا وعد الله إبراهيم قائلا : ( انظر فاني بنسلك ابارك كل قبائل الأرض وكما حطمت يا إبراهيم الأصنام تحطيما هكذا سيفعل نسلك) أجاب يعقوب: يا معلم قل لأني بمن صنع هذا العهد؟ ، فان اليهود يقولون (( باسحق )) والإسماعيليون يقولون (( بإسماعيل )) ، أجاب يسوع : ابن من كان داود ومن أي ذرية ؟ ، أجاب يعقوب : من اسحق لأني اسحق كان أبا يعقوب ويعقوب كان أبا يهوذا الذي من ذريته داود، فحينئذ قال يسوع : ومتى جاء رسول الله فمن نسل من يكون ، أجاب التلاميذ : من داود ، فأجاب يسوع : لا تغشوا أنفسكم ، لأني داود يدعوه في الروح ربا قائلا هكذا : ( قال الله لربي اجلس عن يميني حتى اجعل اعداءك موطئا لقدميك ، يرسل الرب قضيبك الذي سيكون ذا سلطان في وسط أعدائك) فإذا كان رسول الله الذي تسمونه مسيا بن داود فكيف يسميه داود ربا ، صدقوني لأني أقول لكم الحق ان العهد صنع بإسماعيل لا باسحق .

 

الفصل الرابع والأربعون

 

حينئذ قال التلاميذ : يا معلم هكذا كتب في كتاب موسى أن العهد صنع باسحق ، أجاب يسوع متأوها: هذا هو المكتوب، ولكن موسى لم يكتبه ولا يشوع، بل أحبارنا الذين لا يخافون الله ، الحق أقول لكم إنكم إذا اعملتم النظر في كلام الملاك جبريل تعلمون خبث كتبتنا وفقهائنا ، لأني الملاك قال : ( يا إبراهيم سيعلم العالم كله كيف يحبك الله، ولكن كيف يعلم العالم محبتك لله، حقا يجب عليك أن تفعل شيئا لأجل محبة الله، أجاب إبراهيم: (ها هو ذا عبد الله مستعد أن يفعل كل ما يريد الله ) فكلم الله حينئذ إبراهيم قائلا : خذ ابنك بكرك إسماعيل واصعد الجبل لتقدمه ذبيحة ) فكيف يكون اسحق البكر وهو لما ولد كان إسماعيل ابن سبع سنين ؟ ، فقال حينئذ التلاميذ : ان خداع الفقهاء لجلى ، لذلك قل لأني أنت الحق لأني نعلم انك مرسل من الله، فأجاب حينئذ يسوع : الحق أقول لكم ان الشيطان يحاول دائما ابطال شريعة الله ، فلذلك قد نجس هو واتباعه والمراؤون وصانعوا الشر كل شيء اليوم ، الأولون بالتعليم الكاذب والآخرون بمعيشة الخلاعة ، حتى لا يكاد يوجد الحق تقريبا ، ويل للمرائين لأني مدح هذا العالم سينقلب عليهم اهانة وعذابا في الجحيم، لذلك أقول لكم ان رسول الله بهاء يسر كل ما صنع الله تقريبا ، لأنه مزدان بروح الفهم والمشورة ، روح الحكمة والقوة ، روح الخوف والمحبة ، روح التبصر والاعتدال ، مزدان بروح المحبة والرحمة ، روح العدل والتقوى ، روح اللطف والصبر التي أخذ منها من الله ثلاثة اضعاف مـا أعطى لسائر خلقه ، ما أسعد الزمن الذي سيأتي فيه إلى العالم ، صدقوني إني رأيته وقدمت له الاحترام كما رآه كل نبي، لأني الله يعطيهم روحه نبوة ، ولما رأيته امتلأت عزاءا قائلا : يا محمد ليكن الله معك وليجعلني أهلا أن أحل سير حذائك ، لأني إذا نلت هذا صرت نبيا عظيما وقدوس الله ، ولما قال يسوع هذا شكر الله.

 

الفصل الخامس والأربعون

 

  ثم جاء الملاك جبريل يسوع وكلمه بصراحة حتى إننا نحن أيضا سمعنا صوته يقول : ( قم واذهب إلى أورشليم ) فانصرف يسوع وصعد إلى أورشليم ، ودخل يوم السبت الهيكل وابتدأ يعلم الشعب ، فاسرع الشعب إلى الهيكل مع رئيس الكهنة والكهنة الذين اقتربوا من يسوع قائلين : يا معلم قيل لأني انك تقول سوءا فينا لذلك احذر أن يحل بك سوء ، أجاب يسوع : الحـق أقول لكم أني أقول سوءا عن المرائين فإذا كنتم مرائين فإني اتكلم عنكم ، فقالوا: من هو المرائي قل لأني صريحا، قال يسوع : الحق أقول لكم إن كل من يفعل حسنا لكي يراه الناس فهو مراء ، لأني عمله لا ينفذ إلى القلب الذي لا يراه الناس فيترك فيه كل فكر نجس وكل شهوة قذرة ، أتعلمون من هو المرائي ، هو الذي يعبد بلسانه الله ويعبد بقلبه الناس ، انه بغي لأنه متى مات يخسر كل جزاء ، لأني في هـذا الموضـوع يقول النبي داود : ( لا تثقوا بالرؤساء ولا بأبناء الناس الذين ليس بهـم خـلاص لأنه عند الموت تهلك أفكـارهم ) بل قبل الموت يرون أنفسهم محرومـين من الجزاء ، لأني (( الإنسان )) كما قال أيوب نبي الله : ( غير ثابت فلا يستقر على حال ، فإذا مدحك اليوم ذمك غدا ، وإذا أراد أن يجزيك اليوم سلبك غدا ، ويل إذا للمرائين لأني جزاءهم باطل ، لعمر الله الذي أقف في حضرته ان المرائي لص ، ويرتكب التجديف لأنه يتذرع بالشريعة ليظهر صالحا ، ويختلس مجد الله الذي له وحده الحمد والمجد إلى الأبد ، ثم أقول لكم أيضا انه ليس للمرائي إيمان ، لأنه لو آمن بأن الله يرى كل شيء وانه يقاص الإثم بدينونة مخوفة لكان ينقي قلبه الذي يبقيه ممتلئا بالإثم لأنه لا إيمان له ، الحق أقول لكم ان المرائي كقبر أبيض من الخارج ، ولكنه مملوء فسادا وديدانا ، فإذا كنتم أيها الكهنة تعبدون الله لأني الله خلقكم ويطلب ذلك منكم فلا أندد بكم لأنكم خدمة الله ، ولكن إذا كنتم تفعلون كل شيء لأجل الربح ، وتبيعون وتشترون في الهيكل كما في السوق ، غير حاسبين أن هيكل الله بيت للصلاة لا للتجارة وأنتم تحولونه مغارة لصوص ، وإذا كنتم تفعلون كل شيء لترضوا الناس ، وأخرجتم الله من عقلكم ، فإني أصيح بكم أنكم أبناء الشيطان ، لا أبناء إبراهيم الذي ترك بيت أبيه حبا في الله ، وكان راضيا أن يذبح ابنه ، ويل لكم أيها الكهنة والفقهاء إذا كنتم هكذا لأني الله يأخذ منكم الكهنوت.

 

الفصل السادس والأربعون

 

 وتكلم يسوع أيضا قائلا : أضرب لكم مثلا ، غرس رب بيت كرما وجعل له سياجا لكي لا تدوسه الحيوانات ، وبنى في وسطه معصرة للخمر ، وأجره للكرامين ، ولما حان الوقت ليجمع الخمر أرسل عبيده ، فلما رآهم الكرامون رجموا بعضا وأحرقوا بعضا وبقروا الآخرين بمدية، وفعلوا هذا مرارا عديدة، فقولوا لي ماذا يفعل صاحب الكرم بالكرامين ؟ ، فأجاب كل واحد : انه ليهلكهم شر هلكة ويسلم الكرم لكرامين آخرين، لذلك قال يسوع: ألا تعلمون إن الكرم هو بيت إسرائيل والكرامين شعب يهوذا وأورشليم ؟ ، ويل لكم لأني الله غاضب عليكم ، لأنكم بقرتم كثيرين من أنبياء الله حتى أنه لم يوجد في زمن أخاب واحد يدفن قديسي الله ، ولما قال هذا أراد رؤساء الكهنة أن يمسكوه ولكنهم خافوا العامة الذين عظموه ، ثم رأى يسوع امرأة كان رأسها منحنيا نحو الأرض منذ ولادتها ، فقال : ارفعي رأسك أيتها المرأة باسم إلهنا ليعرف هؤلاء أني أقول الحق وانه يريد ان أذيعه ، فاستقامت حينئذ المرأة صحيحة معظمة لله، فصرخ رؤساء الكهنة قائلين : ليس هذا الإنسان مرسلا من الله، لأنه لا يحفظ السبت إذ قد أبرأ اليوم مريضا ، أجاب يسوع : ألا فقولوا لي ألا يحـل التكلم في يوم السبت وتقديم الصلاة لخـلاص الآخرين ؟ ، ومن منكم إذا سقط حماره يوم السبت في حفرة لا ينتاشه يوم السبت ؟ ، لا أحد مطلقا، فهل أكون قد كسرت يوم السبت بإبراء ابنة من بني إسرائيل ؟ ، حقا انه قد علم هنا رؤياكم، كم من حاضر هنا ممن يحذرون أن يصيب عين غيرهم قذى والجذع يوشك أن يشج رؤوسهم ، ما أكثر الذين يخشون النملة ولكنهم لا يبالون بالفيل ؟ ، ولما قال هذا خرج من الهيكل، ولكن الكهنة احتدموا غيظا فيما بينهم ، لانهم لم يقدروا أن يمسكوه وينالوا منه مأربا كما فعل آباؤهم في قدوسي الله .

 

الفصل السابع والأربعون

 

 ونزل يسوع في السنة الثانية من وظيفته النبوية من أورشليم، وذهب إلى نايين، فلما اقترب من باب المدينة كان أهل المدينة يحملون إلى القبر ابنا وحيدا لإمه الأرملة ، وكان كل أحد ينوح عليه ، فلما وصل يسوع علم الناس إن الذي جاء إنما هو يسوع نبي الجليل، فلذلك تقدموا وتضرعوا إليه لأجل الميت طالبين أن يقيمه لأنه نبي ، وفعل تلاميذه كذلك، فخاف يسوع كثيرا ، ووجه نفسه لله وقال : خذني من العالم يارب ، لأني العالم مجنون وكادوا يدعونني إلهـا ، ولما قال ذلك بكى ، حينئذ جاء الملاك جبريل ، وقال : لا تخف يا يسوع لأني الله أعطاك قوة على كل مرض ، حتى إن كل ما تمنحه باسم الله يتم برمته ، فعند ذلك تنهد يسوع قائلا : لتنفذ مشيئتك أيها الإله القدير الرحيم ، ولما قال هذا اقترب من أم الميت وقال لها بشفقة : لا تبكي أيتها المرأة ، ثم أخـذ يد الميت وقال : أقـول لك أيها الشاب باسم الله قم صحيحا ؟ ، فانتعش الغلام ، وامتلأ الجميع خـوفا قائلين : لقد أقـام الله لأني (( نبيا )) عظيما بيننا وافتقد شعبه .

 

الفصل الثامن و الأربعون

 

 كان جيش الرومان في ذلك الوقت في اليهودية ، لأني بلادنا كانت خاضعة لهم بسبب خطايا أسلافنا ، وكانت عادة الرومان أن يدعوا كل من فعل شيئا جديدا فيه نفع للشعب إلها ويعبدوه، فلما كان بعض هؤلاء الجنود في نايين وبخوا واحدا بعد آخر قائلين: لقد زاركم أحد آلهتكم وأنتم لا تكترثون له؟ ، حقا لو زارتنا آلهتنا لا عطيناهم كل مالنا ، وانتم تنظرون كم نخشى آلهتنا لأني نعطى تماثيلهم أفضل ما عندنا، فوسوس الشيطان بهذا الأسلوب من الكلام حتى أنه أثار شغبا بين شعب نايين ، لكن يسوع لم يمكث في نايين بل تحول ليذهب إلى كفرناحوم، وبلغ الشقاق في نايين مبلغا قال معه قوم: إن الذي زارنا إنما هو إلهنا، وقال آخرون : أن الله لا يرى فلم يره أحد حتى ولا موسى عبده فليس هو الله بل هو بالحرى ابنه ، وقال آخرون: انه ليس الله ولا ابن الله لأنه ليس لله جسد فيلد بل هو نبي عظيم من الله ، وبلغ من وسوسة الشيطان إن كاد يجر ذلك على شعبنا في السنة الثالثة من وظيفة يسوع النبوية خرابا عظيما ، وذهب يسوع إلى كفرناحوم ، فلما عرفه أهل المدينة جمعوا كل مرضاهم ووضعوهم في مقدم الرواق حيث كان يسوع وتلاميذه نازلين، فدعوا يسوع وتضرعوا إليه لأجل صحتهم، فألقى يسوع يده على كل منهم قائلا : يا إله إسرائيل باسمك القدوس أعط صحة لهذا العليل، فبرئوا جميعهم ، ودخل يسوع يوم السبت المجمع فأسرع كل الشعب إلى هناك ليسمعوه يتكلم .

 

الفصل التاسع و الأربعون

 

 قرأ الكتبة في ذلك اليوم مزمور داود حيث يقول داود: متى وجدت وقتا أقضي بالعدل ، وبعد قراءة الأنبياء انتصب يسوع وأومأ ايماء السكوت بيديه، وفتح فاه وتكلم هكذا : أيها الاخوة لقد سمعتم الكلام الذي تكلم به النبي داود أبونا انه متى وجد وقتا قضى بالعدل ، اني أقول لكم حقا ان كثيرين يقضون فيخطئون ، وإنما يخطئون فيما لا يوافق أهواءهم، وأما ما يوافقها فيقضون به قبل وقته ، كذلك ينادينا إله آبائنا على لسان نبيه داود قائلا: اقضوا بالعدل يا أبناء الناس، فما أشقى أولئك الذين يجلسون على منعطفات الشوارع ولا عمل لهم إلا الحكم على المارة ، قائلين : ذلك جميل وهذا قبيح ذلك حسن وهذا ردىء ، ويل لهم لأنهم يرفعون قضيب الدينونة من يد الله الذي يقول : ( اني شاهد وقاض ولا أعطي مجدي لاحد ، الحق أقول لكم ان هؤلاء يشهدون بما لم يروا ولم يسمعوا قط ، ويقضون دون أن ينصبوا قضاة، وانهم لذلك مكرهون على الأرض أمام عيني الله الذي سيدينهم دينونة رهيبة في اليوم الآخر ، ويل لكم ويل لكم أنتم الذين تمدحون الشر وتدعون الشر خيرا ، لأنكم تحكمون على الله بأنه أثيم وهو منشىء الصلاح، وتبررون الشيطان كأنه صالح وهو منشأ كل شر ، فتأملوا أي قصاص يحل بكم وان الوقوع في دينونة الله مخوف وستحل حينئذ على أولئك الذين يبررون الأثيم لأجل النقود ، ولا يقضون في دعوى اليتامى والارامل ، الحق أقول لكم ان الشياطين سيقشعرون من دينونة هؤلاء ، لأنه ستكون رهيبة جدا، أيها الإنسان المنصوب قاضيا لا تنظر إلى شيء آخر ، لا إلى الأقرباء ولا إلى الأصدقاء ولا إلى الشرف ولا إلى الربح ، بل أنظر فقط بخوف الله إلى الحق الذي يجب عليك أن تطلبه باجتهاد أعظم ، لأنه يقيك دينونة الله ، ولكني أنذرك أن من يدين بدون رحمة يدان بدون رحمة .

 

الفصل الخمسون

 

 قل لي أيها الإنسان الذي تدين غيرك، ألا تعلم ان منشأ كل البشر من طينة واحدة ، ألا تعلم أنه لا يوجد أحد صالح إلا الله وحده ، لذلك كان كل إنسان كاذبا وخاطئا ، صدقني أيها الإنسان انك إذا كنت تدين غيرك على ذنب فإن في قلبك منه ما تدان عليه ، ما أشد القضاء خطرا، ما أكثر الذين هلكوا بقضائهم الجائر، فالشيطان حكم على الإنسان بأنه أنجس منه، لذلك عصى الله خالقه، تلك المعصية التي لم يتب عنها فان لي علما بذلك من محادثتي اياه، وقد حكم ابوانا الاولان بحسن حديث الشيطان، فطردا لذلك من الجنة، وقضيا على كل نسلهما، الحق أقول لكم لعمر الله الذي أقف في حضرته ان الحكم الباطل هو أبو كل الخطايا، لأني لا أحد يخطىء بدون إرادة ولا أحد يريد ما لا يعرف ، ويل إذا للخاطئ الذي يحكم في قضائه بأن الخطيئة صالحة والصلاح فساد، الذي يرفض لذلك السبب الصلاح ويختار الخطيئة ، أنه سيحل به قصاص لا يطاق متى جاء الله ليدين العالم ، ما أكثر الذين هلكوا بسبب القضاء الجائر ، وما أكثر الذين أوشكوا أن يهلكوا ، قضى فرعون على موسى وشعب إسرائيل بالكفر ، وقضى شاول على داود بأنه مستحق للموت ، وقضى اخاب على ايليا، ونبوخذ نصرعلى الثلاثة الغلمان الذين لم يعبدوا آلهتهم الكاذبة، وقضى الشيخان على سوسنة ، وقضى كل الرؤساء عبدة الاصنام على الانبياء ، ما أرهب قضاء الله، يهلك القاضي وينجو المقضي عليه ، ولماذا هذا أيها الإنسان ان لم يكن لأنهم يحكمون على البرئ ظلما بالطيش ؟ ما كان أشد قرب الصالحين من الهلاك ، لأنهم حكموا باطلا، يتبين ذلك من ( قصه ) أخوة يوسف الذين باعوه (( للمصريين )) ومن هرون ومريم اخت موسى اللذين حكما على أخيهما، وثلاثة من أصدقاء أيوب حكموا على خليل الله البرئ أيوب ، وداود قضى على مفيبوشت وأوريا ، وقضى كورش بأن يكون دانيال طعاما للاسود ، وكثيرون آخرون أشرفوا على الهلاك بسبب هذا ، لذلك أقول لكم لا تدينوا فلا تدانوا ، فلما أنجز يسوع كلامه تاب كثيرون نائحين على خطاياهم وودوا لو يتركون كل شيء ويتبعونه ، ولكن يسوع قال : ابقوا في بيوتكم ، واتركوا الخطيئة ، واعبدوا الله بخوف فبهذا تخلصون ، لأني لم آت لأخدَم بل لأخدِم ، ولما قال هذا خرج من المجمع والمدينة ، وانفرد في الصحراء ليصلي لأنه كان يحب العزلة كثيرا.

 

الفصل الحادي والخمسون

 

 بعد أن صلى للرب جاء تلاميذه إليه وقالوا : يا معلم نحب أن نعرف شيئين ، أحدهما كيف كلمت الشيطان وأنت تقول عنه مـع ذلك أنه غير تائب ؟ ، والآخر كيف يأتي الله ليدين في يوم الدينونة ؟ ، أجاب يسوع : الحق أقول لكم أني عطفت على الشيطان لما علمت بسقوطه ، وعطفت على الجنس البشري الذي يفتنه ليخطئ ، لذلك صليت وصمت لإلهنا الذي كلمني بواسطة ملاكه جبريل: ( ماذا تطلب يا يسوع وما هو سؤلك ؟ ) أجبت : يا رب أنت تعلم أي شر كان الشيطان سببه وأنه بواسطة فتنته يهلك كثيرون ، وهو خليقتك يا رب التي خلقت ، فارحمه يا رب ، أجاب الله : يا يسوع أنظر فإني أصفح عنه ، فحمله على أن يقول فقط ( أيها الرب إلهي لقد أخطأت فارحمني ، فأصفح عنه وأعيده إلى حاله الأولى ) ، قال يسوع: لما سمعت هذا سررت جدا موقنا إني قد فعلت هذا الصلح، لذلك دعوت الشيطان فأتى قائلا : ( ماذا يجب أن أفعل لك يا يسوع ؟ ) أجبت : إنك تفعل لنفسك أيها الشيطان ، لأني لا أحب خدمتك، وإنما دعوتك لما فيه صلاحك ، أجاب الشيطان : ( إذا كنت لا تود خدمتي فإني لا أود خدمتك لأني أشرف منك، فأنت لست أهلا لأني تخدمني أنت يا من هو طين أما أنا فروح ) فقلت : لنترك هذا وقل لي اليس حسنا أن تعود إلى جمالك الأول وحالك الأولى، وأنت تعلم أن الملاك ميخائيل سيضربك في يوم الدينونه بسيف الله مئة ألف ضربة ، وسينالك من كل ضربة عذاب عشر جحيمات ، أجاب الشيطان : ( سنرى في ذلك اليوم أينا أكثر فعلا ، فإنه سيكون لي ( أنصار ) كثيرون من الملائكة ومن أشد عبدة الأوثان قوة الذين يزعجون الله ، وسيعلم إى غلطة عظيمة أرتكب بطردي من أجل طينة نجسه ) حينئذ قلت : أيها الشيطان أنك سخيف العقل فلا تعلم ما أنت قائل ، فهز حينئذ الشيطان رأسه ساخرا وقال : ( تعال الآن ولنتم هذه المصالحة بيني وبين الله ، وقل أنت يا يسوع ما يجب فعله لأنك أنت صحيح العقل ) أجبت يجب التكلم بكلمتين فقط ، أجـاب الشيطان : ( وما هما؟ ) أجبت : هما (( أخطأت فارحمني )) فقال الشيطان: ( اني بمسرة أقبل هذه المصالحة إذا قال الله هاتين الكلمتين لي ) فقلت: انصرف عني الآن أيها اللعين ، لأنك الأثيم المنشيء لكل ظلم وخطيئة ، ولكن الله عادل منزه عن الخطايا ، فانصرف الشيطان مولولا وقال : ( ان الأمر ليس كذلك يا يسوع ولكنك تكذب لترضي الله ) قال يسوع لتلاميذه : أنظروا الآن أنى يجد رحمة ، أجابوا : أبدا يا رب لأنه غير تائب ، أما الآن فأخبرنا عن دينونة الله .

 

الفصل الثاني والخمسون

 

  الحق أقول لكم أن يوم دينونة الله سيكون رهيبا بحيث أن المنبوذين يفضلون عشر جحيمات على أن يذهبوا ليسمعوا الله يكلمهم بغضب شديد، الذين ستشهد عليهم كل المخلوقات، الحق أقول لكم ليس المنبوذين هم الذين يخشون فقط بل القديسون وأصفياء الله (( كذلك )) ، حتى أن إبراهيم لا يثق ببره، ولا يكون لأيوب ثقة في براءته، وماذا أقول؟ ، بل أن رسول الله سيخاف، لأني الله اظهارا لجلاله سيجرد رسوله من الذاكرة، حتى لا يذكر كيف أن الله أعطاه كل شيء ، الحق أقول لكم متكلما من القلب أني أقشعر لأني العالم سيدعوني إلها، وعلي أن أقدم لأجل هذا حسابا، لعمر الله الذي نفسي واقفة في حضرته أني رجل فان كسائر الناس، على أني وان أقامني الله نبيا على بيت إسرائيل لأجل صحة الضعفاء وإصلاح الخطاة خادم الله، وأنتم شهدا على هذا كيف أني أنكر على هؤلاء الأشرار الذين بعد انصرافي من العالم سيبطلون حق إنجيلي بعمل الشيطان، ولكني سأعود قبيل النهاية، وسيأتي معي أخنوخ وايليا، ونشهد على الأشرار الذين ستكون آخرتهم ملعونة، وبعد أن تكلم يسوع هكذا أذرف الدموع ، فبكى تلاميذه بصوت عال ورفعوا أصواتهم قائلين: اصفح أيها الرب الإله وارحم خادمك البريء، فأجاب يسوع آمين آمين.

 

الفصل الثالث والخمسون

 

 قال يسوع : قبل أن يأتي ذلك اليوم سيحل بالعالم خراب عظيم، وستنشب حرب فتاكة طاحنة، فيقتل الأب ابنه، ويقتل الابن أباه بسبب أحزاب الشعوب، ولذلك تنقرض المدن وتصير البلاد قفرا، وتقع أوبئة فتاكة حتى لا يعود يوجد من يحمل الموتى للمقابر بل تترك طعاما للحيوانات، وسيرسل الله مجاعة على الذين يبقون على الأرض فيصير الخبز أعظم قيمة من الذهب، فيأكلون كل أنواع الأشياء النجسة، يالشقاء ((ذلك)) الجيل الذي لا يكاد يسمع فيه أحد يقول: (( أخطأت فارحمني يا الله)) يجدفون بأصوات مخوفة على المجيد المبارك إلى الأبد، وبعد هذا متى أخذ ذلك اليوم في الاقتراب تأتي كل يوم علامة مخوفة على سكان الأرض مدة خمسة عشر يوما، ففي اليوم الأول تسير الشمس في مدارها في السماء بدون نور، بل تكون سوداء كصبغ الثوب، وستئن كما يئن أب على ابن مشرف على الموت، وفي اليوم الثاني يتحول القمر إلى دم، وسيأتي دم على الأرض كالندى، وفي اليوم الثالث تشاهد النجوم آخذة في الاقتتال كجيش من الأعداء، وفي اليوم الرابع تتصادم الحجارة والصخور كأعداء ألداء، وفي اليوم الخامس يبكي كل نبات وعشب دما، وفي اليوم السادس يطغى البحر دون أن يتجاوز محله إلى علو مئة وخمسين ذراعا، ويقف النهار كله كجدار، وفي اليوم السابع ينعكس الأمر فيغور حتى لا يكاد يرى، وفي اليوم الثامن تتألب الطيور وحيوانات البر والماء ولها جوار وصراخ، وفي اليوم التاسع ينزل صيب من البرد مخوف بحيث أنه يفتك فتكا لا يكاد ينجو منه عشر الأحياء، وفي اليوم العاشر يأتي برق ورعد مخوفان فينشق ويحترق ثلث الجبال، وفي اليوم الحادي عشر يجري كل نهر إلى الوراء ويجري دما لا ماء، وفي اليوم الثاني عشر يئن ويصرخ كل مخلوق، وفي اليوم الثالث عشر تطوى السماء كطي الدرج، وتمطر نارا حتى يموت كل حي، وفي اليوم الرابع عشر يحدث زلزال مخوف حتى أن قنن الجبال تتطاير منه في الهواء كالطيور، وتصير الأرض كلها سهلا، وفي اليوم الخامس عشر تموت الملائكة الأطهار، ولا يبقى حيا إلا الله وحده الذي له الاكرام والمجد، ولما قال يسوع هذا صفع وجهه بكلتا يديه، ثم ضرب الأرض برأسه ولما رفع رأسه قال: ليكن ملعونا كل من يدرج في أقوالي أني ابن الله، فسقط التلاميذ عند هذه الكلمات كأموات، فأنهضهم يسوع قائلا: لنخف الله الآن إذا أردنا أن لا نراع في ذلك اليوم.

 

الفصل الرابع والخمسون

 

 فمتى مرت هذه العلامات تغشى العالم ظلمة أربعين سنة ليس فيها من حي إلا الله وحده الذي له الاكرام والمجد إلى الأبد، ومتى مرت الأربعون سنة يحيي الله رسوله الذي سيطلع أيضا كالشمس بيد أنه متألق كألف شمس، فيجلس ولا يتكلم لأنه سيكون كالمخبول، وسيقيم الله أيضا الملائكة الأربعة المقربين، لله الذين ينشدون رسول الله، فمتى وجدوه قاموا على الجوانب الأربعة للمحل حراسا له، ثم يحيي الله بعد ذلك سائر الملائكة الذين يأتون كالنحل ويحيطون برسول الله، ثم يحيي الله بعد ذلك سائر أنبيائه الذين سيأتون جميعهم تابعين لآدم، فيقبلون يد رسول الله واضعين أنفسهم في كنف حمايته ثم يحيي الله بعد ذلك سائر الأصفياء الذين يصرخون : ( أذكرنا يا محمد، فتتحرك الرحمة في رسول الله لصراخهم، وينظر فيما يجب فعله خائفا لأجل خلاصهم، ثم يحيي الله بعد ذلك كل مخلوق فتعود إلى وجودها الأول، وسيكون لكل منها قوة النطق علاوة، ثم يحيي الله بعد ذلك المنبوذين كلهم الذين عند قيامتهم يخاف سائر خلق الله بسبب قبح منظرهم، ويصرخون : ( أيها الرب إلهنا لا تدعنا من رحمتك) وبعد هذا يقيم الله الشيطان الذي سيصير كل مخلوق عند النظر إليه كميت خوفا من هيئة منظره المريع، ثم قال يسوع: أرجو الله أن لا أرى هذه الهولة في ذلك اليوم. ان رسول الله وحده لا يتهيب هذه المناظر لأنه لا يخاف إلا الله وحده، عندئذ يبوق الملاك مرة أخرى فيقوم الجميع لصوت بوقه قائلا: ( تعالوا للدينونه أيتها الخلائق لأني خالقك يريد أن يدينك ، فينظر حينئذ في وسط السماء فوق وادي يهو شافاط عرش متألق تظلله غمامة بيضاء، فحينئذ تصرخ الملائكة: ( تبارك إلهنا أنت الذي خلقتنا وأنقذتنا من سقوط الشيطان ) عند ذلك يخاف رسول الله لأنه يدرك أن لا أحد أحب الله كما يجب، لأني من يأخذ بالصرافة قطعة ذهب يجب أن يكون معه ستون فلسا، فإذا كان عنده فلس واحد فلا يقدر أن يصرفه، ولكن إذا خاف رسول الله فماذا يفعل الفجار المملوؤون شرا؟ .

 

الفصل الخامس والخمسون

 

 ويذهب رسول الله ليجمع كل الأنبياء الذين يكلمهم راغبا إليهم أن يذهبوا معه ليضرعوا إلى الله لأجل المؤمنين، فيعتذر كل أحد خوفا، ولعمر الله اني أنا أيضا لا أذهب إلى هناك لأني أعرف ما أعرف، وعندما يرى الله ذلك يذكر رسوله كيف أنه خلق كل الأشياء محبة له، فيذهب خوفه ويتقدم إلى العرش بمحبة واحترام والملائكة ترنم : ( تبارك اسمك القدوس يا الله إلهنا) ومتى صار على مقربة من العرش يفتح الله لرسوله كخليل لخليله بعد طول الأمد على اللقاء، ويبدأ رسول الله بالكلام أولا فيقول: ( اني أعبدك وأحبك يا إلهي، وأشكرك من كل قلبي ونفسي، لأنك إرادة فخلقتني لأكون عبدك، وخلقت كل شيء حبا في لأحبك لأجل كل شيء وفي كل شيء وفوق كل شيء، فليحمدك كل خلائقك يا إلهي) حينئذ تقول كل مخلوقات الله ( نشكرك يا رب وتبارك اسمك القدوس) الحق أقول لكم أن الشياطين والمنبوذين مع الشيطان يبكون حينئذ حتى أنه ليجري من الماء من عين الواحد منهم أكثر مما في الأردن، ومع هذا فلا يرون الله ، ويكلم الله رسـوله قائلا: ( مرحبا بك يا عبدي الأمين، فاطلب ما تريد تنل كل شيء ) فيجيب رسول الله : ( يا رب أذكر أنك لما خلقتني قلت أنك إرادة أن تخلق العالم والجنة والملائكة والناس حبا في ليمجدوك بي أنا عبدك، لذلك أضرع إليك أيها الرب الإله الرحيم العادل أن تذكر وعدك لعبدك) فيجيب الله كخليل يمازح خليله ويقول: ( أعندك شهود على هذا يا خليلي محمد؟ ) فيقول باحترام: (نعم يا رب ) فيقول الله: (اذهب وادعهم يا جبريل) فيأتي جبريل إلى رسول الله ويقول: ( من هم شهودك أيها السيد ؟ ) فيجيب رسول الله: ( هم آدم و إبراهيم و إسماعيل و موسى و داود و يسوع ابن مريم) فينصرف الملاك وينادي الشهود المذكورين الذين يحضرون إلى هناك خائفين، فمتى حضروا يقول لهم الله: ( أتذكرون ما أثبته رسولي ؟ ) فيجيبون: ( أي شيء يا رب ) فيقول الله: ( إني خلقت كل شيء حبا فيه ليحمدني كل الخلائق به) فيجيب كل منهم: ( عندنا ثلاثة شهود أفضل منا يا رب، فيجيب الله: ( ومن هم هؤلاء الثلاثة؟ ) فيقول موسى: ( الأول الكتاب الذي أعطيتنيه ) ويقول داود: ( الثاني الكتاب الذي أعطيتنيه ) ويقول الذي يكلمكم: يارب ان العالم كله أغره الشيطان فقال إني كنت ابنك وشريكك، ولكن الكتاب الذي أعطيتنيه قال حقا اني أنا عبدك، ويعترف ذلك الكتاب بما أثبته رسولك، فيتكلم حينئذ رسول الله ويقول: ( هكذا يقول الكتاب الذي أعطيتنيه يا رب ، فعندما يقول رسول الله هذا يتكلم الله قائلا: ( إن ما فعلت الآن إنما فعلته ليعلم كل أحد مبلغ حبي لك ) وبعد أن يتكلم هكذا يعطي الله رسوله كتابا مكتوب فيه أسماء كل مختاري الله، لذلك يسجد كل مخلوق لله قائلا : (لك وحدك اللهم المجد والإكرام لأنك وهبتنا لرسولك ) .

 

الفصل السادس و الخمسون

 

 ويفتح الله الكتاب الذي في يد رسوله، فيقرأ رسوله فيه وينادي كل الملائكة والأنبياء وكل المختارين، ويكون مكتوبا على جبهة كل علامة رسول الله ويكتب في الكتاب مجد الجنة، فيمر حينئذ كل أحد الى يمين الله الذي يكون بالقرب منه رسول الله، ويجلس الأنبياء بجانبه، ويجلس القديسون بجانب الأنبياء، والمباركون بجانب القديسين، فينفخ حينئذ الملاك في البوق ويدعو الشيطان للدينونة.

 

الفصل السابع و الخمسون

 

 فيأتي حينئذ ذلك الشقي ويشكوه كل مخلوق بامتهان شديد، حينئذ ينادي الله الملاك ميخائيل فيضربه بسيف الله مئة ألف ضربة، وتكون كل ضربة يضرب بها الشيطان بثقل عشر جحيمات، ويكون الأول الذي يقذف به في الهاوية، ثم ينادي الملاك أتباعه فيهانون ويُشكون مثله، وعند ذلك يضرب الملاك ميخائيل بأمر الله بعضا مئة ضربة وبعضا خمسين وبعضا عشرين وبعضا عشرا وبعضا خمسا، ثم يهبطون الهاوية لأني الله يقول لهم: ( ان الجحيم مثواكم أيها الملاعين ) ثم يدعى بعد ذلك الى الدينونة كل الكافرين والمنبوذين، فيقوم عليهم أولا كل الخلائق التي هي أدنى من الإنسان شاهدة أمام الله كيف خدمت هؤلاء الناس، وكيف أن هؤلاء أجرموا مع الله وخلقه، ويقوم كل من الأنبياء شاهدا عليهم، فيقضي الله عليهم باللهب الجحيمية، الحق أقول لكم أنه لا كلمة أو لا فكر من الباطل لا يجازى عليه في اليوم الرهيب، الحق أقول لكم أن قميص الشعر سيشرق كالشمس وكل قملة كانت على إنسان حبا في الله تتحول لؤلؤة، المساكين الذين كانوا قد خدموا الله بمسكنة حقيقية من القلب لمباركون ثلاثة أضعاف وأربعة أضعاف، لأنهم يكونون خالين في هذا العالم من المشاغل العالمية فتمحى عنهم لذلك خطايا كثيرة، ولا يضطرون في ذلك اليوم أن يقدموا حسابا كيف صرفوا الغنى العالمي، بل يجزون لصبرهم ومسكنتهم، الحق أقول لكم أنه لو علم العالم هذا لفضل قميص الشعر على الارجوان والقمل على الذهب والصوم على الولائم، ومتى انتهى حساب الجميع يقول الله لرسوله: ( أنظر يا خليلي ما كان أعظم شرهم، فأني أنا خالقهم سخرت كل المخلوقات لخدمتهم فامتهنوني في كل شيء، فالعدل كل العدل إذا أن لا أرحمهم ) فيجيب رسول الله: ( حقا أيها الرب إلهنا المجيد انه لا يقدر أحد من أخلائك وعبيدك أن يسألك رحمة بهم، واني أنا عبدك أطلب قبل الجميع العدل فيهم) وبعد أن يقول هذا الكلام تصرخ ضدهم الملائكة والأنبياء بجملتها مع مختاري الله كلهم بل لماذا أقول المختارين، لأني الحق أقول لكم أن الرتيلاوات والذباب والحجارة والرمل لتصرخ من الفجار وتطلب اقامة العدل، حينئذ يعيد الله الى التراب كل نفس حية أدنى من الإنسان، ويرسل الى الجحيم الفجار الذين يرون مرة أخرى في أثناء سيرهم ذلك التراب الذي يعود اليه الكلاب والخيل وغيرها من الحيوانات النجسة، فحينئذ يقولون: ( أيها الرب الإله أعدنا نحن أيضا الى هذا التراب ولكن لا يعطون سؤلهم).

 

الفصل الثامن و الخمسون

 

 وبينما كان يتكلم يسوع بكى التلاميذ بمرارة، وأذرف يسوع عبرات كثيرة، وبعد أن بكى يوحنا قال: ( يا معلم نحب أن نعرف أمرين، أحدهما كيف يمكن رسول الله وهو مملوء رحمة أن لا يشفق على هؤلاء المنبوذين في ذلك اليوم وهم من نفس الطين الذى هو منه، والآخر ما المراد من كون ثقل سيف ميخائيل كعشر جحيمات؟ هل هناك إذاً أكثر من جحيم؟ ) أجاب يسوع: أما سمعتم ما يقول داود النبي كيف يضحك البار من هلاك الخطاة فيستهزئ بالخاطئ بهذه الكلمات قائلا: ( رأيت الإنسان الذي اتكل على قوته وغناه ونسي الله) فالحق أقول لكم أن ابراهيم سيستهزئ بأبيه وادم بالمنبوذين كلهم، وإنما يكون هذا لأني المختارين سيقومون كاملين ومتحدين بالله، حتى أنه لا يخالج عقولهم أدنى فكر ضد عدله، ولذلك سيطلب كل منهم اقامة العدل ولا سيما رسول الله، لعمر الله الذي أقف في حضرته مع أني الآن أبكي شفقة على الجنس البشري لأطلبن في ذلك اليوم عدلا بدون رحمة لهؤلاء الذين يحتقرون كلامي، ولا سيما أولئك الذين ينجسون انجيلي.

 

الفصل التاسع و الخمسون

 

 يا تلاميذي ان الجحيم واحد وفيها يعذب الملعونون الى الأبد، الا أن لها سبع طبقات أو دركات الواحدة منها أعمق من الاخرى، ومن يذهب الى أبعدها عمقا يناله عقاب أشد، ومع ذلك فان كلامي صادق في سيف الملاك ميخائيل لأني من لا يرتكب الا خطيئة واحدة يستحق جحيما ومن يرتكب خطيئتين يستحق جحيمين، فلذلك يشعر المنبوذون وهم في جحيم واحد بقصاص كأنهم به في عشر جحيمات أوفي مئة أوفي ألف، والله القادر على كل شيء سيجعل بقوته وبعدله الشيطان يكابد عذابا كأنه في ألف ألف جحيم، والباقين كلا على قدر اثمه، أجاب حينئذ بطرس: يا معلم حقا ان عدل الله عظيم ولقد جعلك اليوم هذا الخطاب حزينا، لذلك نضرع اليك أن تستريح وغدا أخبرنا أي شيء يشبه الجحيم، أجاب يسوع: يا بطرس انك تقول لي أن أستريح وأنت لا تدري يا بطرس ما أنت قائل والا لما تكلمت هكذا، الحق أقول لكم أن الراحة في هذا العالم إنما هي سم التقوى والنار التي تأكل كل صالح، أنسيتم إذا كيف أن سليمان نبي الله وسائر الأنبياء قد نددوا بالكسل، حق ما يقول: ( الكسلان لا يحرث خوفا من البرد فهو لذلك يتسول في الصيف) لذلك قال: ( كل ما تقدر يدك على فعله فأفعله بدون راحة) وماذا يقول أيوب أبر اخلاء الله: (كما أن الطير مولود للطيران الإنسان مولود للعمل ) الحق أقول لكم أني أعاف الراحة أكثر من كل شيء

 

الفصل الستون

 

 الجحيم واحد وهي ضد الجنة كما أن الشتاء هو ضد الصيف والبرد ضد الحر، فلذلك يجب على من يصف شقاء الجحيم أن يكون قد رأى جنة نعيم الله، يا له من مكان ملعون بعدل الله لأجل لعنة الكافرين والمنبوذين، الذين قال عنهم أيوب خليل الله: ( ليس من نظام هناك بل خوف أبدي ) ويقول أشعيا النبي في المنبوذين: ( أن لهيبهم لا ينطفئ ودودهم لا يموت) وقال داود أبونا باكيا: ( حينئذ يمطر عليهم برقا وصواعق وكبريتا وعاصفة شديدة) تبا لهم من خطاة تعساء ما أشد كراهتهم حينئذ للحوم الطيبة والثياب الثمينة والأرائك الوثيرة والحان الغناء الرخيمة، ما أشد ما يسقهم الجوع واللهب اللذاعة والجمر المحرق والعذاب الأليم مع البكاء المر الشديد ) ثم أن يسوع أنَّه أسف قائلا: حقا خير لهم لو لم يكونوا من أن يعانوا هذا العذاب الأليم، تصوروا رجلا يعاني العذاب في كل جارحة من جسده وليس ثم من يرثي له بل الجميع يستهزئون به، أخبروني ألا يكون هذا ألما مبرحا؟ فأجاب التلاميذ: أشد تبريح، فقال يسوع: ان هذا لنعيم الجحيم، لأني أقول لكم بالحق أنه لو وضع الله في كفة كل الآلام التي عاناها الناس في هذا العالم والتي سيعانونها حتى يوم الدين وفي الكفة الأخرى ساعة واحدة من ألم الجحيم لاختار المنبوذون بدون ريب المحن العالمية، لأني العالمية تأتي على يد الإنسان أما الأخرى فعلى يد الشياطين الذين لا شفقة لهم على الاطلاق، فما أشد الذي سيصلونه الخطاة الأشقياء، ما أشد البرد القارس الذي لا يخفف لهبهم، ما أشد صرير الأسنان والبكاء والعويل، لأني ماء الأردن أقل من الدموع التي ستجري كل دقيقة من عيونهم، وستلعن هنا ألسنتهم كل المخلوقات مع أبيهم وأمهم وخالقهم المبارك الى الابد.

 

الفصل الحادي والستون

 

 ولما قال يسوع هذا اغتسل هو وتلاميذه طبقا لشريعة الله المكتوبة في كتاب موسى، ثم صلوا ولما رآه التلاميذ كئيبا بهذا المقدار لم يكلموه ذلك اليوم مطلقا بل لبث كل منهم جزوعا من كلامه، ثم فتح يسوع فاه بعد ((صلاة)) العشاء وقال: أي أبي أسرة ينام وقد عرف أن لصا عزم على نقب بيته؟ ، لا أحد البته، بل يسهر ويقف متأهبا لقتل اللص، أفلا تعلمون إذا أن الشيطان أسد زائر يجول طالبا من يفترسه هو، فهو يحاول أن يوقع الإنسان في الخطيئة، الحق أقول لكم أن الإنسان إذا تحدى التاجر لا يخاف في ذلك اليوم لأنه يكون متأهبا جيدا، كأن رجل أعطى جيرانه نقودا ليتاجروا بها ويقسم الربح على نسبة عادلة، فأحسن بعضهم التجارة حتى أنهم ضاعفوا النقود ولكن بعضهم استعمل النقود في خدمة عدو من أعطاهم النقود وتكلموا فيه بالسوء، فقولوا لي كيف تكون الحال متى حاسب المديونين ؟ ، انه ((لا)) بدون ريب يجزي أولئك الذين أحسنوا التجارة، ولكنه يشفي غيظه من الآخرين بالتوبيخ، ثم يقتص منهم بحسب الشريعة، لعمر الله الذي تقف نفسي في حضرته أن الجار هو الله الذي أعطى الإنسان كل ماله مع الحياة نفسها، حتى أنه اذا أحسن المعيشة في هذا العالم يكون لله مجد ويكون للإنسان مجد الجنة، لأني الذين يحسنون المعيشة يضاعفون نقودهم بكونهم قدوة، لأنه متى رآهم الخطاة قدوة تحولوا الى التوبة، ولذلك يجزي الذين يحسنون المعيشة جزاءا عظيما، ولكن قولوا لى ماذا يكون قصاص الخطاة الآثمة الذين بخطاياهم ينصَّفون ما أعطاهم الله بما يصرفون حياتهم في خدمة الشيطان عدو الله مجدفين على الله ومسيئين الى الآخرين؟ ، قال التلاميذ: أنه سيكون بغير حساب.

 

الفصل الثاني والستون

 

 ثم قال يسوع: من يرد أن يحسن المعيشة فعليه أن يحتذي مثال التاجر الذي يقفل حانوته ويحرسه ليلا ونهارا بجد عظيم، وإنما يبيع السلع التي اشتراها التماسا للربح، لأنه لو علم أنه يخسر في ذلك لما كان يبيع حتى ولا الشقيقة، فيجب عليكم أن تفعلوا هكذا لأني نفسكم إنما هي في الحقيقة تاجر، والجسد هو الحانوت، فلذلك كان ما يتطرق اليها من الخارج بواسطة الحواس يباع ويشترى بها، والنقود هي المحبة، فانظروا اذا أن لا تبيعوا وتشتروا بمحبتكم أقل فكر لا تقدرون أن تصيبوا منه ربحا، بل ليكن الفكر والكلام والعمل جميعا لمحبة الله، لأنكم بهذا تجدون أمنا في ذلك اليوم، الحق أقول لكم أن كثيرين يغتسلون ويذهبون للصلاة، وكثيرون يصومون ويتصدقون، وكثيرون يطالعون ويبشرون الآخرين، وعاقبتهم ممقوتة عند الله، لأنهم يطهرون الجسد لا القلب، ويصرخون بالفم لا بالقلب، يمتنعون عن اللحوم ويملؤون أنفسهم بالخطايا، يهبون الآخرين أشياء غير نافعة لهم أنفسهم ليظهروا بمظهر الصلاح، يطالعون ليعرفوا كيف يتكلمون لا يعملون، ينهون الآخرين عن الأشياء التي يفعلونها هم أنفسهم، وهكذا يدانون بألسنتهم، لعمر الله أن هؤلاء لا يعرفون الله بقلوبهم، لأنهم لو عرفوه لأحبوه، ولما كان كل ما للإنسان هبة من الله كان عليه أن يصرف كل شيء في محبة الله.

 

الفصل الثالث والستون

 

 وبعد أيام مر يسوع بجانب مدينة للسامريين فلم يأذنوا له أن يدخل المدينة ولم يبيعوا خبزا لتلاميذه، فقال يعقوب ويوحنا عندئذ: يا معلم ألا تريد أن تضرع الى الله ليرسل نارا من السماء على هؤلاء الناس؟ ، أجاب يسوع: انكم لا تعلمون أي روح يدفعكم لتتكلموا هكذا، اذكروا أن الله عزم على اهلاك نينوى لأنه لم يجد أحدا يخاف الله في تلك المدينة التي بلغ من شرها أن دعا الله يونان النبي ليرسله الى تلك المدينة، فحاول الهروب الى طرسوس خوفا من الشعب، فطرحه الله في البحر، فابتلعته سمكة وقذفته على مقربة من نينوى، فلما بشر هناك تحول الشعب الى التوبة، فرأف الله بهم، ويل للذين يطلبون النقمة لأنه إنما تحل بهم، لأني كل إنسان يستحق نقمة الله، ألا فقولوا لي هل خلقتم هذه المدينة مع هذا الشعب؟ إنكم لمجانين؟ ، كلا ثم كلا، اذ لو اجتمعت الخلائق جميعها لما أتيح لها أن تخلق ذبابة واحدة جديدة من لا شيء وهذا هو المراد بالخلق، فاذا كان الله المبارك الذي خلق هذه المدينة يعولها فلماذا تودون هلاكها، لماذا لم تقل: أتريد يا معلم أن نضرع للرب إلهنا أن يتوجه هذا الشعب للتوبة؟ ، حقا ان هذا لهو العمل الجدير بتلميذ لي أن يضرع الى الله لاجل الذين يفعلون شرا، هكذا فعل هابيل لما قتله أخوه قايين الملعون من الله، وهكذا فعل ابراهيم لفرعون الذي أخذ منه زوجته، فلذلك لم يقتله ملاك الرب بل ضربه بمرض، وهكذا فعل زكريا لما قتل في الهيكل بأمر الملك الفاجر، وهكذا فعل أرميا واشعيا وحزقيال ودانيال وداود وجميع اخلاء الله والانبياء الاطهار، قولوا لى اذا أصيب أخ بجنون أتقتلونه لأنه تكلم سوءا وضرب من دنا منه؟ ، حقا انكم لاتفعلون هكذا بل بالحري تحاولون أن تسترجعون صحته بالادوية الموافقة لمرضه.

 

الفصل الرابع والستون

 

 لعمر الله الذي تقف نفسي في حضرته ان الخاطئ لمريض العقل متى اضطهد إنسانا، فقولوا لي أيشج أحد رأسه لتمزيق رداء عدوه؟ ، فكيف يكون صحيح العقل من يفصل عن الله رأس نفسه ليضر جسد عدوه، قل لي أيها الإنسان من هو عدوك؟ ، إنما هو جسدك وكل من يمدحك؟ ، فلذلك لو كنت صحيح العقل لقبلت يد الذين يعيرونك، وقدمت هدايا للذين يضطهدونك ويوسعونك ضربا، ذلك أيها الإنسان لانك كلما عيرت واضطهدت في هذه الحياة لأجل خطاياك قلّ ذلك عليك في يوم الدين، ولكن قل لي أيها الإنسان اذا كان العالم قد اضطهد وثلم صيت القديسين وأنبياء الله وهم أبرار فماذا يفعل بك أيها الخاطئ؟ ، واذا كانوا قد احتملوا كل شيء بصبر مصلين لأجل مضطهديهم فماذا تفعل أنت أيها الإنسان الذي يستحق الجحيم؟ ، قولوا لي يا تلاميذي ألا تعلمون أن شمعاي لعن عبد الله داود النبي ورماه بالحجارة، فماذا قال داود للذين ودوا أن يقتلوا شمعاي؟ ، ماذا يعنيك يا أيوب حتى انك تود أن تقتل شمعاي، دعه يلعنني لأني هذا بارادة الله الذي سيحول هذه اللعنة الى بركة، وهكذا كان لأني الله رأى صبر داود وأنقذه من اضطهاد ابنه ابشالوم، حقا لا تتحرك ورقة بدون إرادة الله، فاذا كنت في ضيق فلا تفكر في مقدار ما احتملت ولا فيمن أصابك بمكروه، بل تأمل كم تستحق أن يصيبك على يد الشياطين في الجحيم بسبب خطاياك، انكم حانقون على هذه المدينة لأنه لم تقبلنا، ولم تبع لأني خبزا قولوا لي أهؤلاء القوم عبيدكم؟ ، أوهبتموهم هذه المدينة؟ ، أوهبتموهم حنطتهم؟ أو ساعدتموهم في حصادها؟ ، كلا ثم كلا، لأنكم غرباء في هذه البلاد وفقراء، فما هو اذا هذا الشيء الذي تقوله؟ ، فأجاب التلميذان: يا سيد اننا أخطأنا فليرحمنا الله، فأجاب يسوع: ليكن كذلك.

 

الفصل الخامس والستون

 

وقرب عيد الفصح فلذلك صعد يسوع وتلاميذه الى اورشليم، وذهب الى البركة التي تدعى بيت جسرا، ودعى الحمام كذلك لأني ملاك الله كان يحرك الماء كل يوم ومن دخل الماء أولا بعد اضطرابه برئ من كل نوع من المرض، لذلك كان يلبث عدد غفير من المرضى بجانب البركة التي كان لها خمسة أروقة، فرأى يسوع مقعدا كان له هناك ثماني وثلاثين سنة مريضا بمرض عضال، فلما كان يسوع عالما بذلك بالهام إلهي تحنن على المريض وقال له : أتريد أن تبرأ ، أجاب المقعد: يا سيد ليس لي أحد يضعني في الماء متى حركه الملاك بل عندما آتى ينزل قبلي آخر ويدخله، حينئذ رفع يسوع عينيه نحو السماء وقال: أيها الرب إلهنا إله آبائنا ارحم هذا المقعد، ولما قال يسوع هذا: قال ((باسم الله ابرأ أيها الاخ قم واحمل فراشك)) فحينئذ قام المقعد حامدا لله ، وحمل فراشه على كتفيه وذهب الى بيته حامدا لله ، فصاح الذين رأوه : انه يوم السبت فلا يحل لك أن تحمل فراشك ، فأجاب : إن الذي أبرأني قال لي : ( إرفع فراشك واذهب في طريقك إلى بيتك ) فحينئذ سألوه : من هو ، أجاب : اني لا اعرف اسمه ، فقالوا عندئذ فيما بينهم : لابد أن يكون يسوع الناصري ، وقال آخرون : كلا لأنه قدوس الله أما الذي فعل هذا فهو أثيم لأنه كسر السبت ، وذهب يسوع إلى الهيكل فدنا منه جم غفير ليسمعوا كلامه ، فاضطرم الكهنة لذلك حسدا.

 

الفصل السادس والستون

 

 وجاء اليه واحد قائلا: أيها المعلم الصالح انك تعلم حسنا وحقا، لذلك قل لي ما هو الجزاء الذي يعطينا اياه الله في الجنة؟ ، أجاب يسوع: انك تدعوني صالحا وأنت لا تعلم ان لا صالح الا الله وحده كما قال أيوب خليل الله : ( الطفل الذي عمره يوم ليس نقيا بل ان الملائكة ليست منزهة عن الخطأ امام الله ) وقال أيضا: ( ان الجسد يجذب الخطيئة ويمتص الاثم كما تمتص اسفنجة الماء) فصمت لذلك الكاهن لأنه فشل، وقال يسوع : الحق أقول لكم لا شيء أشد خطرا من الكلام، لأنه هكذا قال سليمان : ( الحياة والموت هما تحت سلطة اللسان ) والتفت الى تلاميذه وقال: احذروا الذين يباركونكم لأنهم يخدعونكم، فباللسان بارك الشيطان أبوينا الاولين ولكن كانت عاقبة كلامه شقاء، هكذا أيضا بارك حكماء مصر فرعون، هكذا بارك جليات الفلسطينيين، هكذا بارك اربع مئة نبي كاذب أخاب، ولكن لم يكن مدحهم الا باطلا فهلك الممدوحون مع المادحين، لذلك لم يقل الله بلا سبب على لسان أشعيا النبي: ( يا شعبي ان الذين يباركونك يخدعونك) ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون، ويل لكم أيها الكهنة واللاويون لأنكم أفسدتم ذبيحة الرب، حتى أن الذين جاءوا ليقدموا الذبائح يعتقدون ان الله يأكل لحما مطبوخا كالإنسان.

 

الفصل السابع والستون

 

 لأنكم تقولون لهم : (( احضروا من غنمكم وثيرانكم وحملانكم الى هيكل إلهكم ولا تأكلوا الجميع بل أعطوا نصيبا لإلهكم مما أعطاكم )) ولكنكم لا تخبرونهم عن أصل الذبيحة انها شهادة الحياة التي أنعم بها على ابن أبينا ابراهيم، حتى لا ينسى ايمان وطاعة أبينا ابراهيم مع المواعيد الموثقة معه من الله والبركة الممنوحة له، ولكن يقول الله على لسان حزقيال النبي : ( ابعدوا عني ذبائحكم هذه ان ضحاياكم مكروهة عندي) لأنه يقترب الوقت الذي يتم فيه ما تكلم عنه إلهنا على لسان هوشع النبي قائلا : ( اني أدعو الشعب غير المختار مختارا ) وكما يقول في حزقيال النبي : ( سيعمل الله ميثاقا جديدا مع شعبه ليس نظير الميثاق الذي أعطاه لآبائكم فلم يفوا به وسيأخذ منهم قلبا من حجر ويعطيهم قلبا جديدا ) وسيكون كل هذا لأنكم لا تسيرون الآن بحسب شريعته وعندكم المفتاح ولا تفتحون بل بالحري تسدون الطريق على الذين يسيرون فيها) وهم الكاهن بالانصراف ليخبر رئيس الكهنة الذي كان واقفا على مقربة من الهيكل بكل شيء، ولكن يسوع قال: قف لأني اجيبك على سؤالك .

 

الفصل الثامن والستون

 

 سألتني أن أخبرك ما يعطينا الله في الجنة، الحق أقول لكم ان الذين يهتمون بالاجرة لا يحبون صاحب العمل، فالراعي الذي عنده قطيع من الغنم متى رأى الذئب مقبلا يتهيأ للمحاماة عنه، وبالضد منه الاجير الذي متى رأى الذئب ترك الغنم وهرب، لعمر الله الذي أقف في حضرته لو كان إله آبائنا إلهكم لما خطر في بالكم أن تقولوا: ماذا يعطيني الله، بل كنتم تقولون كما قال داود نبيه: ( ماذا أعطى الله من أجل جزاء ما أعطاني ) اني أضرب لكم مثلا لتفهموا، كان ملك عثر في الطريق على رجل جردته اللصوص الذين اثخنوه جراحا حتى الموت، فتحنن عليه وأمر عبيده أن يحملوا ذلك الرجل الى المدينة ويعتنوا به ففعلوا هذا بكل جد، وأحب الملك الجريح حبا عظيما حتى انه زوجه من ابنته وجعله وريثه، فلا مراء في ان هذا الملك كان رؤوفاً جداً، ولكن الرجل ضرب العبيد واستهان بالادوية وامتهن امرأته وتكلم بالسوء في الملك وحمل عماله على عصيانه، وكان إذا طلب الملك منه خدمة قال: ( ما هو الجزاء الذي يعطيني اياه الملك؟ ) فماذا فعل الملك بمثل هذا الكنود عندما سمع هذا؟ ، فأجاب الجميع: ويل له لأني الملك نزع منه كل شيء ونكل به تنكيلا، فقال حينئذ يسوع: أيها الكهنة والكتبة والفريسيون وأنت يا رئيس الكهنة الذي تسمع صوتي اني اعلن لكم ما قال الله لكم على لسان نبيه اشعيا: ( ربيت عبيدا ورفعت شأنهم أما هم فامتهنوني) إن الملك لهو إلهنا الذي وجد إسرائيل في هذا العالم مفعما شقاء ، فأعطاه لعبيده يوسف وموسى وهرون الذين اعتنوا به ، وأحبه إلهنا حبا شديدا حتى إنه لأجل شعب إسرائيل ضرب مصر وأغرق فرعون وهزم مئة وعشرين ملكا من الكنعانيين والمدينيين، وأعطاه شرائعه جاعلا اياه وارثا لكل تلك البلاد التي يقيم فيها شعبنا، ولكن كيف تصرف اسرائيل؟ كم قتل من الانبياء، كم نجس نبوة، كيف عصى شريعة الله، كم و كم تحول اناس عن الله لذلك السبب وذهبوا ليعبدوا الاوثان بذنبكم ايها الكهنة، فلكم تمتهنون الله بسلوككم والآن تسألونني: ماذا يعطينا الله في الجنة؟ ، فكان يجب عليكم ان تسألوني: أي قصاص يعطيكم الله اياه في الجحيم وماذا يجب عليكم فعله لأجل التوبة الصادقة ليرحمكم الله؟ ، فهذا ما أقوله لكم ولهذه الغاية أرسلت اليكم.

 

الفصل التاسع والستون

 

 لعمر الله الذي أقف في حضرته انكم لا تنالون مني تملقا بل الحق، لذلك أقول لكم توبوا وارجعوا الى الله كما فعل آباؤنا بعد ارتكاب الذنب ولا تقسوا قلوبكم، فاحتدم الكهنة لهذا الخطاب ولكنهم لم ينبسوا بكلمة خوفا من الشعب، واستمر يسوع في كلامه قائلا: أيها الفقهاء والكتبة والفريسيون وأنتم أيها الكهنة قولوا لي، انكم لراغبون في الخيل كالفوارس ولكنكم لا ترغبون في المسير الى الحرب، انكم لراغبون في الالبسة الجميلة كالنساء ولكنكم لا ترغبون في الغزل وتربية الاطفال، انكم لراغبون في اثمار الحقل ولكنكم لا ترغبون في حراثة الأرض انكم لراغبون في اسماك البحر ولكنكم لا ترغبون في صيدها، انكم لراغبون في المجد كالجمهوريين ولكنكم لا ترغبون في عبء الجمهورية، وانكم لراغبون في الاعشار والباكورات كالكهنة ولكنكم لا ترغبون في خدمة الله بالحق، اذا ماذا يفعل الله بكم وأنتم راغبون هنا في كل خير بدون أدنى شر، الحق أقول لكم ان الله ليعطينكم مكانا يكون لكم فيه كل شر دون ادنى خير، ولما اكمل هذا يسوع جيء برجل فيه شيطان وهو لا يتكلم ولا يبصر ولا يسمع، فلما رأى يسوع ايمانهم رفع عينيه نحو السماء وقال: أيها الرب إله آبائنا ارحم هذا المريض واعطه صحة ليعلم هذا الشعب انك أرسلتني، ولما قال يسوع هذا أمر الروح أن ينصرف قائلا: بقوة اسم الله ربنا انصرف أيها الشرير عن الرجل، فانصرف الروح وتكلم الاخرس وأبصر بعينيه، فارتاع لذلك الجميع ولكن الكتبة قالوا: إنما هو يخرج الشياطين بقوة بعلزبوب رئيس الشياطين، حينئذ قال يسوع: كل مملكة منقسمة على نفسها تخرب ويسقط بيت على بيت، فاذا كان يخرج الشيطان بقوة الشيطان فكيف ثبتت مملكته، واذا كان أبناؤكم يخرجون الشياطين بالكتاب الذي أعطاهم اياه سليمان النبي فهم يشهدون اني أخرج الشيطان بقوة الله، لعمر الله ان التجديف على الروح القدس لا مغفرة له لا في هذا العالم ولا في العالم الاخر، لأني الشرير ينبذ نفسه عالما مختارا ولما قال يسوع هذا خرج من الهيكل، فعظمته العامة لأنهم احضروا كل المرضى الذين تمكنوا من جمعهم فصلى يسوع ومنحهم جميعهم صحتهم، لذلك اخذت الجنود الرومانية في اورشليم بوسوسة الشيطان تثير العامة في ذلك اليوم قائلين إن يسوع إله اسرائيل قد أتى ليفتقد شعبه.

 

الفصل السبعون

 

 وانصرف يسوع من اورشليم بعد الفصح ودخل حدود قيصرية فيلبس، فسأل تلاميذه بعد ان أنذره الملاك جبريل بالشغب الذي نجم بين العامة قائلا: ماذا يقول الناس عني؟ ، أجابوا: يقول البعض انك ايليا وآخرون أرميا وآخرون أحد الأنبياء، أجاب يسوع: وما قولكم أنتم في؟ ، أجاب بطرس: انك المسيح بن الله، فغضب حينئذ يسوع وانتهره بغضب قائلا: اذهب وانصرف عني لأنك أنت الشيطان وتحاول أن تسيء الي، ثم هدد الاحد عشر قائلا: ويل لكم اذا صدقتم هذا لأني ظفرت بلعنة كبيرة من الله على كل من يصدق هذا، وأراد أن يطرد بطرس، فتضرع حينئذ الاحد عشر الى يسوع لأجله فلم يطرده، ولكنه انتهره أيضا قائلا: حذار أن تقول مثل هذا الكلام مرة اخرى لأني الله يلعنك، فبكى بطرس وقال: يا سيد لقد تكلمت بغباوة فاضرع الى الله أن يغفر لي، ثم قال يسوع: اذا كان إلهنا لم يرد أن يظهر نفسه لموسى عبده ولا لايليا الذي أحبه كثيرا ولا لنبي ما أتظنون ان الله يظهر نفسه لهذا الجيل الفاقد الايمان بل ألا تعلمون ان الله قد خلق بكلمة واحدة كل شيء من العدم وان منشأ البشر جميعهم من كتلة طين؟ ، فكيف اذا يكون الله شبيها بالإنسان؟ ، ويل للذين يدَعون الشيطان يخدعهم، ولما قال يسوع هذا ضرع الى الله لأجل بطرس والاحد عشر وبطرس يبكون ويقولون: ليكن كذلك أيها الرب المبارك إلهنا، وانصرف يسوع بعد هذا ذهب الى الجليل اخمادا لهذا الرأي الباطل الذي ابتدأ أن يعلق بالعامة في شأنه.

 

الفصل الحادي والسبعون

 

 ولما بلغ يسوع بلاده ذاع في جهة الجليل كلها ان يسوع النبي قد جاء الى الناصرة، فتفقدوا عندئذ المرضى بجد وأحضروهم اليه متوسلين اليه أن يلمسهم بيديه، وكان الجمع غفيرا جدا حتى ان غنيا مصابا بالشلل لما لم يمكن ادخاله في الباب حمل الى سطح البيت الذي كان فيه يسوع وأمر القوم برفع السقف ودلى على ملاء امام يسوع، فتردد يسوع دقيقة ثم قال: لا تخف أيها الاخ لأني خطاياك قد غُفرت لك، فاستاء كل أحد لسماع هذا وقالوا: من هذا الذي يغفر الخطايا؟ ، فقال حينئذ يسوع: لعمر الله اني لست بقادر على غفران الخطايا ولا أحد آخر ولكن الله وحده يغفر،ولكن كخادم لله أقدر أن أتوسل اليه لأجل خطايا الآخرين، لهذا توسلت اليه لأجل هذا المريض واني موقن بأن الله قد استجاب دعائي، ولكي تعلموا الحق أقول لهذا الإنسان: باسم إله آبائنا إله ابراهيم وأبنائه قم معافى، ولما قال يسوع هذا قام المريض معافى ومجد الله، حينئذ توسل العامة الى يسوع ليتوسل الى الله لأجل المرضى الذين كانوا خارجا، فخرج حينئذ يسوع اليهم ثم رفع يديه وقال: أيها الرب إله الجنود الإله الحي الإله الحقيقي الإله القدوس الذي لا يموت ألا فارحمهم، فأجاب كل أحد: آمين، وبعد ان قيل هذا وضع يسوع يديه على المرضى فنالوا جميعهم صحتهم، فحينئذ مجدوا الله قائلين: لقد افتقدنا الله بنبيه فان الله أرسل لأني نبيا عظيما.

 

الفصل الثاني والسبعون

 

 وفي الليل تكلم يسوع سرا مع تلاميذه قائلا: الحق أقول لكم ان الشيطان يريد أن يغربلكم كالحنطة، ولكني توسلت الى الله لأجلكم فلا يهلك منكم الا الذي يلقى الحبائل لي وهو إنما قال هذا عن يهوذا لأني الملاك جبريل قال له كيف كانت ليهوذا يد مع الكهنة وأخبرهم بكل ما تكلم به يسوع، فاقترب الذي يكتب هذا الى يسوع بدموع قائلا: يا معلم قل لي من هو الذي يسلمك؟ ، أجاب يسوع قائلا: يا برنابا ليست هذه الساعة هي التي تعرفه فيها ولكن يعلن الشرير نفسه قريبا لأني سأنصرف عن العالم، فبكى حينئذ الرسل قائلين: يا معلم لماذا تتركنا لأني الاحرى بنا أن نموت من أن تتركنا، أجاب يسوع: لا تضطرب قلوبكم ولا تخافوا، لأني لست أنا الذي خلقكم بل الله الذي خلقكم يحميكم، أما من خصوصي فاني قد أتيت لأنه الطريق لرسول الله الذي سيأتي بخلاص العالم، ولكن احذروا أن تغشوا لأنه سيأتي أنبياء كذبة كثيرون يأخذون كلامي وينجسون انجيلي، حينئذ قال اندراوس: يا معلم اذكر لأني علامة لنعرف، أجاب يسوع: انه لا يأتي في زمنكم بل يأتي بعدكم بعدة سنين حينما يبطل انجيلي ولا يكاد يوجد ثلاثون مؤمنا، في ذلك الوقت يرحم الله العالم فيرسل رسوله الذي تستقر على رأسه غمامة بيضاء يعرفه أحد مختاري الله وهو سيظهره للعالم، وسيأتي بقوة عظيمة على الفجار ويبيد عبادة الاصنام من العالم، وأني أسر بذلك لأنه بواسطته سيعلن ويمجد الله ويظهر صدقي، وسينتقم من الذين سيقولون أني أكبر من إنسان، الحق أقول لكم أن القمر سيعطيه رقادا في صباه ومتى كبر هو أخذه كفيًّه، فليحذر العالم أن ينبذه لأنه سيفتك بعبدة الاصنام، فان موسى عبد الله قتل أكثر من ذلك كثيرا ولم يبق يشوع على المدن التي أحرقوها وقتلوا الاطفال، لأني القرحة المزمنة يستعمل لها الكي، وسيجيء بحق أجلى من سائر الأنبياء وسيوبخ من لايحسن السلوك في العالم، وستحيِّي طربا ابراج مدينة آبائنا بعضها بعضا، فمتى شوهد سقوط عبادة الاصنام الى الأرض واعترف بأني بشر كسائر البشر فالحق أقول لكم ان نبي الله حينئذ يأتي.

 

الفصل الثالث والسبعون

 

 الحق أقول لكم انه اذا حاول الشيطان أن يعرف هل أنتم اخلاء الله وتمكن من بلوغ مأربه منكم فانه يسمح لكم أن تسيروا بحسب أهوائكم اذ لا يهاجم أحد مدنه، ولكن لما كان يعلم انكم أعداؤه فسيستعمل كل عنف ليهلككم، ولكن لا تخافوا فانه سيقاومكم ككلب مربوط لأني الله قد سمع صلاتي، أجاب يوحنا: يا معلم أخبرنا كيف يقف المجرب القديم بالمرصاد للإنسان ليس لأجلنا نحن فقط بل لأجل الذين سيؤمنون بالانجيل أيضا أجاب يسوع: ان ذلك الشرير يجرب بأربع طرق، الاولى عندما يجرب هو نفسه بالافكار، الثانية عندما يجرب بالكلام والاعمال بواسطة خدمه، الثالثة عندما يجرب بالتعليم الكاذب، الرابعة عندما يجرب بالتخييل الكاذب، اذا يجب على البشر أن يحاذروا كثيرا ولا سيما لأني له عونا من جسد الإنسان الذي يحب الخطيئة كما يحب المحموم الماء، الحق أقول لكم انه اذا خاف الإنسان الله انتصر على كل شيء كما يقول داود نبيه: (سيسلمك الله الى عناية ملائكته الذين يحفظون طرقك لكيلا يعثرك الشيطان، يسقط ألف عن شمالك وعشرة آلاف عن يمينك لكيلا يقربوك، ووعد أيضا إلهنا بمحبة عظيمة على لسان داود المذكور أن يحفظنا قائلا: ( اني أمنحك فهما يثقفك وكيفما سلكت في طرقك أجعل عيني تقع عليك) ولكن ماذا أقول؟ ، لقد قال على لسان اشعيا: (أتنسى الام طفل رحمها؟ ولكن أقول لك ان هي نسيت فاني لا أنساك، اذا قولوا لي من يخاف الشيطان اذا كانت الملائكة حراسه والله الحي حاميه؟ ، ومع ذلك فمن الضروري كما يقول النبي سليمان أن: (تسعد أنت يابني الذي صرت تخاف الله للتجارب) الحق أقول لكم انه على الإنسان أن يحتذي مثال الصيرفي الذي يتحرى النقود ممتحنا أفكاره لكيلا يخطئ الى خالقه.

 

الفصل الرابع والسبعون

 

 كان ولا يزال في العالم قوم لا يبالون بالخطيئة وإنما هم لعلى أعظم ضلال، قولوا لي كيف أخطأ الشيطان؟ ، انه أخطأ لمجرد الفكر بأنه أعظم شأنا من الإنسان، وأخطأ سليمان لأنه فكر في أن يدعو كل خلائق الله لوليمة فأصلحت خطأه سمكة اذ أكلت كل ما كان قد هيأه ، لذلك لم يكن بلا باعث ما يقول داود أبونا: ( استعلاء الإنسان في نفسه يهبط به في وادي الدموع) لذلك ينادي الله على لسان اشعيا نبيه قائلا: ( ابعدوا أفكاركم الشريرة عن عيني) ولأي غاية يرمي سليمان اذ يقول: ( احفظ قلبك كل الحفظ) لعمر الله الذي تقف نفسي في حضرته يقال كل شيء في الافكار الشريرة التي تكون باعثا على ارتكاب الخطيئة لأنه لا يمكن ارتكاب الخطيئة بدون فكر، ألا قولوا لي متى غرس الزارع الكرم الا يزرع النبات على عمق غائر؟ ، بلى، وهكذا يفعل الشيطان الذي اذا زرع الخطيئة لا يقف عند العين أو الاذن بل يتعدى الى القلب الذي هو مستقر الله، كما تكلم على لسان موسى عبده قائلا:) اني أسكن فيهم ليسيروا في شريعتي) ألا قولوا لي اذا عهد اليكم هيرودس الملك لتحفظوا بيتا ودّ سكناه أتبيحون لبلاطس عدوه أن يدخله أو يضع أمتعته فيه؟ ، كلا ثم كلا، فبالحري يجب عليكم ألا تبيحوا للشيطان أن يدخل قلوبكم أو يضع أفكاره فيها، لأني الله أعطاكم قلبكم لتحفظوه وهو مسكنه، لا حظوا اذا كيف ان الصيرفي ينظر في النقود هل صورة قيصر صحيحة وهل الفضة صحيحة أم كاذبة وهل هي من العيار المعهود، لذلك يقلبها كثيرا في يده، أيها العالم المجنون ما أحكمك في شغلك حتى انك في اليوم الاخير توبخ وتحكم على خدم الله بالاهمال والتهاون لأني خدمك دون ريب أحكم من خدم الله! ، قولوا لي اذا من يمتحن فكرا كما يمتحن الصيرفي قطعة نقود فضية؟ ، لا أحد مطلقا.

 

الفصل الخامس والسبعون

 

  حينئذ قال يعقوب: يا معلم كيف يكون امتحان الفكر شبيها بامتحان قطعة نقود؟ ، أجاب يسوع: ان الفضة الجديدة في الفكر إنما هي التقوى لأني كل فكر عار من التقوى يأتي من الشيطان، والصورة الصحيحة إنما هي قدوة الأطهار والأنبياء التي يجب علينا اتباعها، وزنة الفكر إنما هي محبة الله التى يجب أن يعمل بموجبها كل شيء، ولذلك يأتي العدو إلى هناك بأفكار تنافي التقوى جيرانكم مطابقة للعالم ليفسد الجسد وللمحبة العالمية ليفسد محبة الله، أجاب برتولومايوس: يا معلم كيف نفكر قليلا حتى لا نقع في التجربة؟ ، أجاب يسوع: يلزمكم شيئان، الاول أن تتمرنوا كثيرا، والثاني أن تتكلموا قليلا، لأني الكسل مرحاض يتجمع فيه كل منكر نجس، والاكثار من التكلم اسفنجة تلتقط الآثام، فيلزم أن لا يكون عملكم قاصر على تشغيل الجسد فقط بل يجب أن تكون النفس أيضا مشتغلة بالصلاة، لأنه يجب أن لا تنقطع عن الصلاة أبدا، اني اضرب لكم مثلا: كان رجل سيئ الاداء فلذلك لم يقبل أحد من الذين يعرفونه أن يحرث حقوله، فقال قول الشرير: ( اني أذهب الى السوق لأجد قوما كسالى بطالين فيجيئون ليحرثوا كرمي) فخرج هذا الرجل من بيته ووجد كثيرين من الغرباء البطالين المفاليس، فكلم هؤلاء وقادهم الى كرمه، أما الذين كانوا قد عرفوه واشتغلوا معه قبلا فلم يذهب منهم أحد الى هناك، فالذي يسئ الاداء هو الشيطان، لأنه يعطى شغلا فيكون جزاء الإنسان في خدمته النيران الابدية، فهو لذلك قد خرج من الجنة ويجول باحثا عن فعلة، وهو إنما يأخذ لعمله الكسالى أيا كانوا على الخصوص الذين لا يعرفونه، ولا يكفي مطلقا للهرب من الشر أن يعرفه الإنسان لينجو منه بل يجب فعل الصالحات للتغلب عليه.

 

الفصل السادس والسبعون

 

  اني أضرب لكم مثلا ، كان لرجل ثلاثة كروم أجَرها لثلاثة كرَامين ، ولما لم يعرف الاول كيف يحرث الكرم لم يخرج الكرم سوى أوراق ، أما الثاني فعلَّم الثالث كيف يجب أن تحرث الكروم ، فأصغى لكلماته وحرث كرمه كما أرشده فأتى كرم الثالث بثمر كثير ، ولكن الثاني اهمل حراثة كرمه صارفا وقته في التكلم فقط ، فلما حان الوقت لدفع الاجرة لصاحب الكرم قال الاول : ( يا سيد اني لا اعرف كيف يحرث كرمك لذلك لم يكن لي ثمر هذه السنة ) ، فأجاب السيد : ( يا غبي هل تسكن العالم وحدك حتى انك لم تستشر كرامي الثاني الذي يعرف جيدا كيف تحرث الأرض ؟ فيتحتم عليك أداء حقي ) ، ولما قال هذا حكم عليه بالاشتغال في السجن الى ان يدفع لسيده الذي رحم غرارته فأطلقه قائلا ( انصرف فاني لا اريد أن تشتغل بعد في كرمي ويكفيك أن اعطيك دينك ) ، وجـاء الثاني الذي قال له السيد : ( مرحبا بكرامي أين الثمار التي أنت مديون لي بها ، ومن المؤكد انك لما كنت تعلم جيدا كيف تهذب الكروم فلا بد أن يكون الكرم الذي أجرتك اياه قد أتى بثمار كثيرة ) ، فأجاب الثاني : ( يا سيد ان كرمك آخذ في الانحطاط لأني لم اشذب الشجر ولا حرثت الأرض والكرم لم يأت بثمر فلذلك لا أقدر أن ادفع لك ) ، ثم دعا السيد الثالث وقال له بانذهال : ( لقد قلت لي ان هذا الرجل الذي أجرته الكرم الثاني قد أتم تعليمك حراثة الكرم الذي أجرتك اياه، فكيف يمكن أن لا يأتي الكرم الذي أجرته اياه هو بثمر مع ان التربة واحده ؟ ) أجاب الثالث : ( يا سيد ان الكرم لا يحرث بالكلام فقط بل على من يريد استئجاره أن ينضح منه كل يوم عرق قميص ، وكيف يأتي أيها السيد كرم كرامك بثمر وهو لا يفعل سوى اضاعة الوقت بالكلام ؟ ، ولا ريب أيها السيد في أنه لو عمل ما قال لأعطاك اجرة الكرم لخمس سنين لأني أنا الذي لا أقدر على الكلام كثيرا أعطيتك اجرة سنتين) فحنق السيد وقال للكرام بازدراء: ( اذا أنت قد عملت عملا عظيما بعدم زبر الاشجار وتمهيد الكرم فلك اذا علي جزاء عظيم ! ) ، ثم دعا خدمه وأمر بضربه بدون رحمة، ثم وضعه في السجن تحت سيطرة خادم جاف كان يضربه كل يوم، ولم يرد مطلقا أن يطلقه لأجل شفاعة أصدقائه.

 

الفصل السابع والسبعون

 

 الحق أقول لكم أن كثيرين سيقولون لله يوم الدينونة: (( يا رب لقد بشرنا وعلَّمنا بشريعتك )) ، ولكن الحجـارة نفسها ستصرخ ضدهم قائلة : (( لما كنتم قد بشرتم الآخرين فبلسانكم قد اذنتم أنفسكم يا فاعلي الاثم)) ، قال يسوع : لعمر الله ان من يعرف الحق ويفعل عكسه يعاقب عقابا أليما حـتى تكاد الشياطين ترثي له ، الا قولوا لي أللعلم أم العمل أعطانا الله الشريعة ؟ ، الحق أقول لكم ان غاية كل علم هي تلك الحكمة التي تفعل كل ما تعلم، قولوا لي اذا كان أحد جالسا على المائدة ورأى بعينيه طعاما شهيا ولكنه اختار بيديه أشياء قذرة فأكلها ألا يكون مجنونا؟ ، فقال التلاميذ: بلى البتة، حينئذ قال يسوع: انك لأنت أشد جنونا من كل المجانين أيها الإنسان الذي تعرف السماء بادراكك وتختار الأرض بيديك، الذي تعرف الله بادراكك تشتهي العالم بهواك، الذي تعرف ملذات الجنة بادراكك وتختار بأعمالك شقاء الجحيم، انك لجندي باسل يا من تنبذ الحسام وتحمل الغمد لتحارب! ، الا تعلمون أن من يسير في الظلام يشتهي النور لا ليراه فقط بل ليرى الصراط المستقيم فيسير آمنا الى الفندق ، ما أشقاك أيها العالم الذي يجب أن يحتقر ويمقت ألف مرة لأني إلهنا أراد دائما أن يمنحه معرفة الصراط بواسطة أنبيائه الاطهار ليسير الى وطنه وراحته، ولكنك أيها الشرير لم تمتنع عن الذهاب فقط بل فعلت ما هو شر من ذلك ـ احتقرت النور، لقد صح مثل الجمل أنه لا يرغب أن يشرب من الماء الصافي لأنه لا يريد أن ينظر وجهه القبيح، هكذا يفعل الغير صالح الذي يفعل الشر، لأنه يكره النور لئلا تعرف أعماله، أما ومن يؤتى حكمة ولا يكتفي بأن لا يفعل حسنا بل يفعل شرا من ذلك بأن يستخدمها للشر فإنما يشبه من يستعمل الهبات أدوات لقتل الواهب.

 

الفصل الثامن والسبعون

 

 الحق أقول لكم ان الله لم يشفق على سقوط الشيطان ومع ذلك فقد أشفق على سقوط آدم، وكفاكم أن تعرفوا سوء حال من يعرف الخير ويفعل الشر، فقال حينئذ اندراوس: يا معلم يحسن أن ينبذ العلم خوفا من السقوط في مثل هذه الحال، أجاب يسوع: اذا كان العالم حسنا بدون الشمس والإنسان بدون عينين والنفس بدون ادراك يكون عدم المعرفه اذا حسنا، الحق أقول لكم ان الخبز لا يفيد الحياة الزمنية كما يفيد العلم الحياة الأبدية، ألا تعلمون أن الله أمر بالعلم؟ لأنه هكذا يقول الله: (اسأل شيوخك يعلموك، ويقول الله عن الشريعة ( اجعل وصيتي أمام عينيك والهج بها حين تجلس وحين تمشي وفي كل حين)، فيمكنكم الان أن تعلموا اذا كان عدم العلم حسنا، ان من يحتقر الحكمة لشقي لأني لا بد أن يخسر الحياة الأبدية، فأجاب يعقوب: يا معلم نعلم ان أيوب لم يتعلم من معلم ولا ابراهيم ومع هذا فقد كانا طاهرين ونبيين ، أجاب يسوع : الحق أقول لكم ان من كان من أهل العروس لا يدعى الى العرس لأنه يسكن البيت الذي فيه العرس بل يدعى البعيدون عن البيت، أفلا تعلمون أن أنبياء الله هم في بيت نعمة الله ورحمته، فشريعة الله ظاهرة فيهم كما يقول داود أبونا في هذا الموضوع: ( إن شريعة إلهه في قلبه فلا يحفر طريقه)، الحق أقول لكم إن إلهنا لما خلق الإنسان لم يخلقه بارا فقط بل وضع في قلبه نورا يريه انه خليق به خدمة الله، فلئن أظلم هذا النور بعد الخطيئة فهو لا ينطفئ، لأني لكل أمَّة هذه الرغبة في خدمة الله مع أنهم قد فقدوا الله وعبدوا آلهة باطلة وكاذبة، ولذلك وجب أن يعلم الإنسان عن أنبياء الله لأني النور الذي يعلمهم طريق الذهاب الى الجنة وطننا بخدمة الله واضح، كما يجب أن يقاد ويداوى من في عينيه رمد.

 

الفصل التاسع والسبعون

 

 أجاب يعقوب: وكيف يعلمنا الأنبياء وهم أموات، وكيف يعلم من لا معرفة له بالأنبياء؟ ، فأجاب يسوع: ان تعليمهم مدون فتجب مطالعته لأني الكتاب بمثابة نبي لك ، الحق الحق أقول لك ان من يمتهن النبوة لا يمتهن النبي فقط بل يمتهن الله الذي أرسل النبي أيضا، أما ما يختص بالامم الذين لا يعرفون النبي فاني أقول لكم انه اذا عاش في تلك الاقطار رجل يعيش كما يوحي اليه قلبه غير فاعل للآخرين ما لا يود أن يناله من الاخرين معطيا لقريبه ما يود أخذه من الاخرين فلا تتخلى رحمة الله عن مثل هذا الرجل، فلذلك يظهر له الله ويمنحه برحمته شريعته عند الموت ان لم يكن قبل ذلك، ولعله يخطر في بالكم ان الله اعطى الشريعة حبا بالشريعة، حقا ان هذا لباطل بل منح الله شريعته ليفعل الإنسان حسنا حبا في الله، فاذا وجد الله إنسانا يفعل حسنا حبا له أفتظنون انه يمتهنه؟ ، كلا ثم كلا بل يحبه اكثر من الذين أعطاهم الشريعة، اني أضرب لكم مثلا: كان لرجل أملاك كثيرة وكان من أملاكه أرض قاحلة لم تنبت الا أشياء لا ثمر لها، وبينما كان سائرا ذات يوم وسط هذه الأرض القاحلة عثر بين هذه الانبتة غير المثمرة على نبات ذي ثمار شهية، فقال هذا الإنسان حنيئذ: (كيف تأتي لهذا النبات أن يحمل هذه الثمار الشهية هنا؟ ، اني لا اريد أن يقطع ويوضع في النار مع البقية)، ثم دعا خدمه وأمرهم بقلعه ووضعه في بستانه، إني أقول لكم هكذا يحفظ إلهنا من لهب الجحيم من يفعلون برا أينما كانوا.

 

الفصل الثمانون

 

 قولوا لي أسكن أيوب في غير أرض عوص بين عبدة الاصنام؟ ، وكيف يكتب موسى عن زمن الطوفان، قولوا لي، انه يقول: ( ان نوحا وجد نعمة امام الله، كان لأبينا ابراهيم أب لا ايمان له لأنه كان يصنع ويعبد الاصنام الباطلة، وسكن لوط بين شر ناس على الأرض، ولقد أخذ نبوخذ نصر دانيال أسيرا وهو طفل مع حننيا وعزريا وميشائيل الذين لم يكن لهم سوى سنتين من العمر لما أسروا وربوا بين جمع من الخدم عبدة الاصنام، لعمر الله ان النار كما تحرق الاشياء اليابسة وتحولها نارا بدون تمييز بين الزيتون والسرو والنخل وهكذا يرحم إلهنا كل من يفعل برا غير مميز بين اليهودي والسكيثي واليوناني أو الإسماعيلي، ولكن لا يقف قلبك هناك يا يعقوب لأنه حيث ارسل الله النبي ترتب عليك حتما أن تنكر حكمك وتتبع النبي، لا أن تقول: (( لماذا يقول هذا؟ لماذا يأمر وينهى؟ ))، بل قل: (( هكذا يريد الله وهكذا يأمر الله))، الا ماذا قال الله لموسى لما امتهن اسرائيل موسى ؟ (( انهم لم يمتهنوك ولكنهم امتهنوني أنا))، الحق أقول لكم انه لا يجب على الإنسان أن يصرف زمن حياته، في تعلم التكلم أو القراءة بل في تعلم كيف يشتغل جيدا، الا قولوا أي خادم لهيرودس لا يحاول مرضاته بأن يخدمه بكل جد، ويل للعالم الذي يحاول أن يرضي جسدا ليس سوى طين وسرقين ولا يحاول بل ينسى خدمة الله الذي خلق كل شيء المجيد الى الابد .

 

الفصل الحادي والثمانون

 

 قولوا لي أتحسب خطيئة عظمة على الكهنة اذا أوقعوا على الأرض تابوت شهادة الله وهم يحملونه؟ ، فارتجف التلاميذ لما سمعوا هذا لأنهم كانوا على علم بأن الله قتل((أمات)) عزة لأنه مس تابوت الله خطأ، فقالوا انها لخطيئة كبرى، فقال يسوع: لعمر الله ان نسيان كلمة الله التي بها خلق كل الاشياء والتي بها يقدم لك الحياة الابدية لخطيئة كبرى، ولما قال يسوع هذا صلى وقال بعد صلاته:لا يجب أن نعبر غدا الى السامرة لأنه هكذا قال لي ملاك الله القدوس، وبلغ يسوع باكرا صباح يوم بئرا كان قد صنعها يعقوب ووهبها ليوسف ابنه، ولما أعيا يسوع من السفر ارسل تلاميذه الى المدينة ليشتروا طعاما، فجلس بجانب البئر على حجر البئر واذا بامرأة من السامرة قد جاءت الى البئر لتستقي ماء، فقال يسوع للمرأة: أعطني لأشرب، فأجابت المرأة: ألا تخجل وأنت عبراني أن تطلب مني شربة ماء وأنا امرأة سامرية؟، أجاب يسوع: أيتها المرأة لو كنت تعلمين من يطلب منك شربة لطلبت أنت منه شربة، أجابت المرأة : كيف تعطني لأشرب ولا اناء ولا حبل معك لتجذب به الماء والبئر عميقة ؟ ، أجاب يسوع: أيتها المرأة من يشرب من ماء هذا البئر يعاوده العطش أما من يشرب من الماء الذي أعطيه فلا يعطش أبدا بل يعطي العطاش ليشربوا بحيث يصلون الى الحياة الابدية، فقالت المرأة: يا سيد أعطني من مائك هذا، أجاب يسوع: اذهبي وادعي زوجك واياكما أعطي لتشربا، قالت المرأة : ليس لي زوج ، أجاب يسوع : حسنا قلت الحق لأنه كان لك خمسة أزواج والذي معك الان ليس هو زوجك، فلما سمعت المرأة هذا اضطربت وقالت : يا سيد أرى بهذا انك نبي ، لذلك أضرع اليك أن تخبرني( عما يأتي ) : إن العبرانيين يصلون على جبل صهيون في الهيكل الذي بناه سليمان في اورشليم ويقولون ان نعمة الله ورحمته توجد هناك لا في موضع آخر، أما قومنا فانهم يسجدون على هذه الجبال ويقولون ان السجود إنما يجب أن يكون على جبال السامرة فقط فمن هم الساجدون الحقيقيون ؟

 

الفصل الثاني والثمانون

 

 حينئذ تنهد يسوع وبكى قائلا: ويل لك يا بلاد اليهودية لأنك تفخرين قائلة: ((هيكل الرب هيكل الرب)) وتعيشين كأنه لا إله منغمسة في الملذات ومكاسب العالم، فان هذه المرأة تحكم عليك بالجحيم في يوم الدين، لأني هذه المرأة تطلب أن تعرف كيف تجد نعمة ورحمة عند الله، ثم التفت الى المرأة وقال:أيتها المرأة انكم أنتم السامريين تسجدون لما لا تعرفون أما نحن العبرانيين فنسجد لمن نعرف، الحق أقول لك ان الله روح وحق ويجب أن يسجد له بالروح والحق، لأني عهد الله إنما اخذ في اورشليم في هيكل سليمان لا في موضع آخر ولكن صدقيني أنه يأتي وقت يعطى الله فيه رحمته في مدينة أخرى ويمكن السجود له في كل مكان بالحق ويقبل الله الصلاة الحقيقة في كل مكان رحمته، أجابت المرأة: اننا ننتظر مسيا فمتى جاء يعلمنا، أجاب يسوع: أتعلمين أيتها المرأة أن مسيا لا بد أن يأتي؟، أجابت: نعم يا سيد ،حينئذ تهلل يسوع وقال: يلوح لي أيتها المرأة انك مؤمنة، فاعلمي اذا انه بالايمان بمسيا سيخلص كل مختاري الله، اذا وجب أن تعرفي مجئ مسيا، قالت المرأة: لعلك أنت مسيا أيها السيد، أجاب يسوع: اني حقا أرسلت الى بيت اسرائيل نبي خلاص، ولكن سيأتي بعدي مسيا المرسل من الله لكل العالم الذي لأجله خلق الله العالم، حينئذ يسجد لله في كل العالم وتنال الرحمة حتى ان سنة اليوبيل التي تجيء الان كل مئة سنة سيجعلها مسيا كل سنة في كل مكان، حينئذ تركت المرأة جرتها وأسرعت الى المدينة لتخبر بكل ما سمعت من يسوع.

 

الفصل الثالث والثمانون

 

 وبينما كانت المرأة تكلم يسوع جاء تلاميذه وتعجبوا انه كان يتكلم هكذا مع امرأة، ومع ذلك لم يقل له أحد: لماذا تتكلم هكذا مع امرأة سامرية، فلما انصرفت المرأة قالوا: يا معلم تعال وكل، أجاب يسوع: يجن أن آكل طعاما آخر، فقال التلاميذ بعضهم لبعض: لعل مسافرا كلم يسوع وذهب ليفتش له على طعام، فسألوا الذي يكتب هذا قائلين: هل كان هنا أحد يمكنه أن يحضر طعاما للمعلم يا برنابا؟، فأجاب الذي يكتب: لم يكن هنا من أحد خلا المرأة التي رأيتموها التي احضرت هذا الاناء الفارغ لتملأه ماء، فوقف التلاميذ مندهشين منتظرين نتيجة كلام يسوع، عندئذ قال يسوع: انكم لا تعلمون الطعام الحقيقي هو عمل مشيئة الله، لأنه ليس الخبز الذي يقيت الإنسان ويعطيه حياة بل بالحري كلمة الله بارادته، فلهذا السبب لا تأكل الملائكة الاطهار بل يعيشون ويتغذون بارادة الله، وهكذا نحن وموسى وايليا وواحد أخر لبثنا اربعين يوما واربعين ليلة بدون شيء من الطعام، ثم رفع يسوع عينيه وقال: متى يكون الحصاد، أجاب التلاميذ: بعد ثلاثة اشهر، قال يسوع: انظروا الان كيف ان الجبال بيضاء بالحبوب، الحق أقول لكم انه يوجد اليوم حصاد عظيم يجنى، حينئذ أشار الى الجم الغفير الذي أتى ليراه، لأني المرأة لما دخلت المدينة أثارت المدينة بأسرها قائله: أيها القوم تعالوا وانظروا نبيا جديدا مرسلا من الله الى بيت اسرائيل، وقصت عليهم كل ما سمعت من يسوع، فلما أتوا الى هناك توسلوا الى يسوع أن يمكث عندهم، فدخل المدينة ومكث هناك يومين شافيا كل مرضى ومعلما ما يختص بملكوت الله، حينئذ قال اهل المدينة للمرأة: اننا اكثر ايمانا بكلامه وآياته منا مما قلت، لأنه قدوس الله حقا ونبي مرسل لخلاص الذين يؤمنون به، وبعد صلاة نصف الليل اقترب التلاميذ من يسوع، فقال لهم: ستكون هذه الليلة في زمن مسيا رسول الله اليوبيل السنوي الذي يجيء الان كل مئة سنة، لذلك لا اريد أن ننام بل نصلي محنين رأسنا مئة مرة ساجدين لإلهنا القدير الرحيم المبارك إلى الأبد ، فلنقل كل مرة: اعترف بك إلهنا الأحد الذي ليس لك من بداية ولا يكون لك من نهاية، لأنك برحمتك أعطيت كل الاشياء بدايتها وستعطى بعدلك الكل نهاية، لا شبه لك بين البشر، لأنك بجودك غير المتناهي لست عرضة للحركة ولا لعارض، ارحمنا لأنك خلقتنا ونحن عمل يدك.

 

الفصل الرابع والثمانون

 

 ولما صلى يسوع قال : لنشكر الله لأنه وهبنا هذه الليلة رحمة عظيمة، لأنه اعاد الزمن الذي يلزم أن يمر في هذه الليلة اذ قد صلينا بالاتحاد مع رسول الله، وقد سمعت صوته ، فلما سمع التلاميذ هذه تهللوا كثيرا وقالوا : يا معلم علمنا شيئا من الوصايا هذه الليلة، فقال يسوع: هل رأيتم مرة ما البراز ممزوجا بالبلسم ، فأجابوا : لا يا سيد لأنه لا يوجد مجنون يفعل هذا الشيء ، فقال يسوع : اني مخبركم الآن انه يوجد في العالم من هم أشد جنونا من ذلك لأنهم يمزجون خدمة الله بخدمة العالم، حتى ان كثيرين من الذين يعيشون بلا لوم قد خدعوا من الشيطان، وبينا هم يصلون مزجوا بصلاتهم المشاغل العالمية فأصبحوا في ذلك الوقت ممقوتين في نظر الله، قولوا لي أتحذرون متى اغتسلتم للصلاة من أن يمسكم شيء نجس؟ نعم بكل تأكيد، ولكن ماذا تفعلون عندما تصلون، انكم تغسلون أنفسكم من الخطايا بواسطة رحمة الله، أتريدون اذا وانتم تصلون أن تتكلموا عن الأشياء العالمية؟ ، احذروا من أن تفعلوا هكذا، لأني كل كلمة عالمية تصير براز الشيطان على نفس المتكلم، فارتجف التلاميذ لأنه كلمهم بحدة الروح، وقالوا: يا معلم ماذا نفعل اذا جاء صديق يكلمنا ونحن نصلي، أجاب يسوع: دعوه ينتظر وأكملوا الصلاة، فقال برتولوماوس: ولكن لو فرضنا انه متى رأى اننا لا نكلمه اغتاظ وانصرف،واذا اغتاظ فصدقوني انه ليس بصديقكم وليس بمؤمن بل كافر ورفيق الشيطان، قولوا لي اذا ذهبتم لتكلموا أحد غلمان اصطبل هيرودس ووجدتموه يهمس في اذني هيرودس اتغتاظون اذ جعلكم تنتظرون ؟ ، كلا ثم كلا بل تسرون أن تروا صديقكم مقربا من الملك، ثم قال يسوع: أصحيح هذا؟، أجاب التلاميذ: انه الحق بعينه، ثم قال يسوع: الحق أقول لكم أن كل من يصلي إنما يكلم الله، أفيصح أن تتركوا التكلم مع الله لتكلموا الناس؟، أيحق لصديقكم أن يغتاظ لهذا السبب لانكم تحترمون الله أكثر منه؟، صدقوني انه ان اغتاظ لأني جعلتموه ينتظر فإنما هو خادم جيد للشيطان، لأني هذا ما يتمناه الشيطان أن يترك الله لأجل الناس، لعمر الله انه يجب على كل من يخاف الله أن ينفصل في كل عمل صالح عن اعمال العالم لكيلا يفسد العمل الصالح.

 

الفصل الخامس والثمانون

 

 قال يسوع: اذا فعل إنسان سوءا أو تكلم بسوء وذهب أحد ليصلحه ويمنع عملا كهذا فماذا يفعل هذا؟، أجاب التلاميذ: انه يفعل حسنا لأنه يخدم الله الذي يطلب على الدوام منع الشر كما ان الشمس تطلب على الدوام طرد الظلام، فقال يسوع: وأنا أقول لكم انه بالضد من ذلك متى فعل أحد حسنا أو تكلم حسنا فكل من يحاول منعه بوسيلة ليس فيها ما هو أفضل منه فإنما هو يخدم الشيطان بل يصير رفيقه، لأني الشيطان لا يهتم بشيء سوى منع كل شيء صالح، ولكن ماذا أقول لكم الآن؟، إني أقول ما قاله سليمان النبي قدوس وخليل الله: ( من كل ألف تعرفونهم يكون واحد صديقكم ) ، فقال متى: ألا نقدر اذا أن نحب أحدا؟، فأجاب يسوع: الحق أقول لكم انه لا يجوز لكم أن تكرهوا شيئا الا الخطيئة، حتى انكم لا تقدرون أن تبغضوا الشيطان من حيث هو خليقة الله بل من حيث هو عدو الله، أتعلمون لماذا؟، اني أفيدكم، لأنه خليقة الله وكل ما خلق الله فهو حسن وكامل، فلذلك كل من يكره الخليقة يكره الخالق، ولكن الصديق شيء خاص لا يسهل وجوده ولكن يسهل فقده، لأني الصديق لا يسمح باعتراض على من يحبه حبا شديدا، احذروا وانتبهوا ولا تختاروا من لا يحب من تحبون صديقا، فاعلموا ما المراد بالصديق؟، لا يراد بالصديق الا طبيب النفس، وهكذا كما انه يندر أن يجد الإنسان طبيبا ماهرا يعرف الامراض ويفقه استعمال الادوية فيها هكذا يندر وجود اصدقاء يعرفون الهفوات ويفقهون كيف يرشدون للصلاح، ولكن هناك شر وهو ان لكثيرين اصدقاء يغضون الطرف عن هفوات صديقهم، وآخرين يعذرونهم، وآخرين يحامون عنهم بوسيلة عالمية، ويوجد أصدقاء ـ وذلك شر مما تقدم ـ يدعون اصدقاءهم ويعضدونهم في ارتكاب الخطأ وستكون آخرتهم نظير لؤمهم، احذروا من أن تتخذوا أمثال هؤلاء القوم اصدقاء، لأنهم أعداء وقتلة النفس حقا.

 

الفصل السادس والثمانون

 

 ليكن صديقك صديقا يقبل الاصلاح كما يريد هو أن يصلحك، وكما انه يريد أن تترك كل شيء حبا في الله فعليه أن يرضى بأن تتركه لاجل خدمة الله، ولكن قل لي اذا كان الإنسان لا يعرف كيف يحب الله فكيف يعرف كيف يحب نفسه، وكيف يعرف كيف يحب الاخرين اذا كان لا يعرف كيف يحب نفسه؟ ، حقا ان هذا لمحال، فمتى اخترت لك صديقا( لأني من لا صديق له مطلقا هو فقير جدا) فانظر أولا لا الى نسبة الحسن ولا الى اسرته ولا الى بيته الحسن ولا الى ثيابه الحسنة ولا الى شخصه الحسن ولا الى كلامه الحسن أيضا لأنك (حينئذ) تغش بسهولة، بل انظر كيف يخاف الله وكيف يحتقر الاشياء الأرضية وكيف يحب الاعمال الصالحة وعلى نوع أخص كيف يبغض جسده فيسهل عليك (حينئذ) وجدان ((أن تجد)) الصديق الصادق، انظر على نوع أخص اذا كان يخاف الله ويحتقر اباطيل العالم واذا كان دائما منهمكا بالاعمال الصالحة ويبغض جسده كعدو عات، ولا يجب عليك أيضا أن تحب صديقا كهذا بحيث أن حبك ينحصر فيه لأنك تكون عابد صنم، بل احبه كهبة وهبك الله اياها فيزينه الله بفضل أعظم، الحق أقول لكم ان من وجد صديقا وجد احدى مسرات الفردوس بل هو مفتاح الفردوس، أجاب تدايوس: ولكن اذا اتفق لإنسان صديق لا ينطبق على ما قلت يا معلم فماذا يجب عليه أن يفعل؟ أيجب عليه أن يهجره؟، أجاب يسوع: يجب عليه أن يفعل ما يفعله النوتي بالمركب الذي يسيره ما رأى منه نفعا ولكن متى وجد فيه خسارة تركه، هكذا يجب أن تفعل بصديق شر منك، فاتركه في الاشياء التي يكون فيها عثرة لك اذا كنت لا تود أن تتركك رحمة الله.

 

الفصل السابع والثمانون

 

 ويل للعالم من العثرات، لا بد أن تأتي العثرات لأني العالم يقيم في الاثم، ولكن ويل لذلك الإنسان الذي به تأتي العثرة، خير للإنسان أن يعلق في عنقه حجر الرحى ويغرق في لجة البحر من أن يعثر جاره، اذا كانت عينك عثرة لك فاقلعها لأنه خير لك أن تدخل الجنة أعور من أن تدخل الجحيم ولك عينان، ان أعثرتك يدك أو رجلك فافعل بهما كذلك لأنه خير لك أن تدخل ملكوت السماء أعرج أو أقطع من أن تدخل الجحيم ولك يدان ورجلان، فقال سمعان المسمى بطرس: يا سيد كيف يجب أن أفعل هذا؟ حقا انني اصير أبتر في زمن وجيز؟، أجاب يسوع: يا بطرس اخلع الحكمة الجسدية تجد الحق توا، لأني من يعلمك هو عينك ومن يساعدك للعمل هو رجلك ومن يخدمك في شيء ما هو يدك، فمتى كانت أمثال هذه باعثا على الخطيئة فاتركها، لأنه خير لك أن تدخل الجنة جاهلا فقيرا ذا أعمال قليلة من أن تدخل الجحيم بأعمال عظيمة وأنت متعلم غني، فاطرح عنك كل ما يمنعك عن خدمة الله كما يطرح الإنسان كل ما يعيق بصره، ولما قال يسوع هذا دعا بطرس الى جانبه وقال له: اذا أخطأ اخوك اليك فاذهب واصلحه، فاذا هو اصطلح فتهلل لأنك قد ربحت أخاك، وان لم يصطلح فاذهب وادع شاهدين وأصلحه أيضا، فان لم يصطلح فأخبر الكنيسة بذلك، فان لم يصطلح حينئذ فاحسبه كافرا، ولذلك لا تسكن سقف البيت الذي يسكنه، ولا تأكل على المائدة التي يجلس اليها، ولا تكلمه، حتى انك ان علمت أين يضع قدمه اثناء المشي فلا تضع قدمك هناك.

 

الفصل الثامن والثمانون

 

 ولكن احذر من أن تحسب نفسك أفضل منه، بل يجب عليك أن تقول هكذا: بطرس بطرس انك لو لم يساعدك الله لكنت شرا منه، أجاب بطرس: كيف يجب علي أن اصلحه؟، فأجاب يسوع: بالطريقة التي تحب أنت نفسك أن تصلح بها، فكما تريد أن تعامل بالحلم هكذا عامل الاخرين، صدقني يا بطرس لأني أقول لك الحق انك كل مرة تصلح أخاك بالرحمة تنال رحمة من الله وتثمر كلماتك بعض الثمر، ولكن اذا فعلت ذلك بالقسوة يقاصك عدل الله بقسوة ولا تأتي بثمر، قل لي يا بطرس أيغسل الفقراء مثلا هذه القدور الفخارية التي يطبخون فيها طعامهم بالحجارة والمطارق الحديدية؟، كلا ثم كلا بل بماء سخن، فالقدور تحطم بالحديد والاشياء الخشبية تحرقها النار أما الإنسان فانه يصلح بالرحمة، فمتى أصلحت أخاك قل لنفسك: (( اذ لم يعضدني الله فاني فاعل غدا شرا من كل ما فعل هو اليوم )) ، أجاب بطرس: كم مرة أغفر لأخي يا معلم؟، أجاب يسوع: بعدد ما تريد أن يغفر لك، فقال بطرس: أسبع مرات في اليوم؟، أجاب يسوع: لا أقول سبعا فقط بل تغفر له كل يوم سبعين سبع مرات، لأني من يَغفر يُغفر له ومن يدِن يدان، حينئذ قال من يكتب هذا: ويل للرؤساء لأنهم سيذهبون الى الجحيم، فوبخه يسوع قائلا: لقد صرت غبيا يا برنابا اذ تكلمت هكذا، الحق أقول لك ان الحمام ليس بضروري للجسم ولا اللجام للفرس ولا يد الدفة للسفينة كضرورة الرئيس للبلاد، ولأي سبب اذن قال الله لموسى ويوشع وصموئيل وداود وسليمان ولكثيرين آخرين أن يصدروا أحكاما، إنما اعطى الله السيف لمثل هؤلاء لاستئصال الإثم ، فقال حينئذ من يكتب هذا : كيف يجب اصدار الحكم بالقصاص والعفو؟، أجاب يسوع: ليس كل أحد قاضيا يا برنابا لأني للقاضي وحده أن يدين الآخرين، وعلى القاضي أن يقتص من المجرم كما يأمر الأب بقطع عضو فاسد من ابنه لكيلا يفسد الجسد كله.

 

الفصل التاسع والثمانون

 

 قال بطرس: كم يجب علي أن أمهل أخي ليتوب؟، أجاب يسوع: بقدر ما تريد أن تمهل، أجاب بطرس: لا يفهم كل أحد هذا فكلمنا بوضوح أتم، أجاب يسوع: أمهل أخاك ما أمهله الله، فقال بطرس: ولا يفهمون هذا أيضا، أجاب يسوع: أمهله ما دام له وقت للتوبة، فحزن بطرس والباقون لأنهم لم يفقهوا المراد، عندئذ قال يسوع: لو كان عندكم ادراك صحيح وعرفتم انكم أنتم أنفسكم خطاة لما خطر في بالكم مطلقا أن تنزعوا من قلوبكم الرحمة بالخاطئ، ولذلك أقول لكم صريحا انه يجب أن يمهل الخاطئ ليتوب ما دام له نفس تتنفس من وراء أسنانه، لأنه هكذا يمهله إلهنا القدير الرحيم ، إن الله لم يقل: إني أغفر للخاطئ في الساعة التي يصوم و يتصدق ويصلي ويحج فيها ، وهو ما قام به كثيرون وهم ملعونون لعنة أبدية ، ولكنه قال : (( في الساعة التي يندب الخاطئ خطاياه(أنسى) أثمه فلا أذكره بعد)) ثم قال يسوع: أفهمتم؟، أجاب التلاميذ: فهمنا بعضا دون بعض، أجاب يسوع: ما هو الذي لم تفهموه؟، فأجابوا: كون كثيرين من الذين صلوا مع الصيام ملعونين، حينئذ قال يسوع: الحق أقول لكم ان المرائين والامم يصلون ويتصدقون ويصومون اكثر من اخلاء الله، ولكن لما لم يكن لهم ايمان لم يتمكنوا من التوبة ولهذا كانوا ملعونين، فقال حينئذ يوحنا: علمنا ما هو الايمان حبا في الله، أجاب يسوع: قد حان لأني أن نصلي صلاة الفجر، فنهضوا واغتسلوا وصلوا لإلهنا المبارك إلى الأبد .

 

الفصل التسعون

 

 فلما انتهت الصلاة اقترب تلاميذ يسوع اليه ففتح فاه وقال: اقترب يا يوحنا لأني اليوم سأجيبك عن كل ما سألت، الايمان خاتم يختم الله به مختاريه وهو خاتم أعطاه لرسوله الذي أخذ كل مختار الايمان على يديه فالايمان واحد كما ان الله واحد لذلك لما خلق الله قبل كل شيء رسوله وهبه قبل كل شيء الايمان الذي هو بمثابة صورة الله وكل ما صنع الله وما قال، فيرى المؤمن بايمانه كل شيء أجلى من رؤيته اياه بعينيه، لأني العينين قد تخطئان بل تكادان تخطئان على الدوام، أما الايمان فلن يخطئ لأني أساسه الله وكلمته، صدقني انه بالايمان يخلص كل مختاري الله، ومن المؤكد انه بدون ايمان لا يمكن لأحد أن يرضى الله، لذلك لا يحاول الشيطان أن يبطل الصوم والصلاة والصدقات والحج بل هو يحرض الكافرين عليها لأنه يسر أن يرى الإنسان يشتغل بدون الحصول على اجرة، بل يحاول جهده بجد أن يبطل الايمان لذلك وجب بوجه أخص أن يحرص على الايمان بجد، وآمن طريقة لذلك أن تترك لفظة (لماذا) لأني (لماذا) أخرجت البشر من الفردوس وحولت الشيطان من ملاك جميل الى شيطان مريع، فقال يوحنا: كيف نترك (لماذا) وهي باب العلم؟، أجاب يسوع: بل (لماذا) هي باب الجحيم، فصمت يوحنا أما يسوع فزاد: متى علمت ان الله قال شيئا فمن أنت أيها الإنسان حتى تتقعر(( لماذا قلت يا الله كذا لماذا فعلت كذا؟)) أيقول الاناء الخزفي لصانعه مثلا: لماذا صنعتني لأحوي ماءا لا لأحوي بلسما؟، الحق أقول لكم انه يجب في كل تجربة أن تتقووا بهذه الكلمة قائلين: إنما الله قال كذا ـ إنما الله فعل كذا ـ إنما الله يريد كذا ، لأنك إن فعلت هذا عشت في أمن .

 

الفصل الحادي والتسعون

 

 وحدث في هذا الزمن اضطراب عظيم في اليهودية كلها لأجل يسوع، لأني الجنود الرومانية أثارت بعمل الشيطان العبرانيين قائلين: ان يسوع هو الله قد جاء ليفتقدهم، فحدثت بسبب ذلك فتنة كبرى حتى ان اليهودية كلها تدججت بالسلاح مدة الاربعين يوما فقام الابن على الاب والاخ على الاخ، لأني فريقا قال: ( ان يسوع هو الله قد جاء الى العالم)، وقال فريق آخر: (كلا بل هو ابن الله) وقال آخرون: ( كلا لأنه ليس لله شبه بشري) ولذلك لا يلد بل ان يسوع الناصري نبي الله، وقد نشأ هذا عن الآيات العظيمة التي فعلها يسوع، فترتب على رئيس الكهنة تسكينا للشعب أن يركب في مركب لابسا ثيابه الكهنوتية واسم الله القدوس التتغراماتن على جبهته، وركب كذلك الحاكم بيلاطس وهيرودس، فاجتمع في مزبه على أثر ذلك ثلاثة جيوش كل منها مئتا ألف رجل متقلدي السيوف، فكلمهم هيرودس أما هم فلم يسكنوا، ثم تكلم الحاكم ورئيس الكهنة قائلين : أيها الاخوة إن هذه الفتنة إنما قد أثارها عمل الشيطان لأني يسوع حي واليه يجب أن نذهب ونسأله أن يقدم شهادة عن نفسه وأن نؤمن به بحسب كلمته، فسكن لهذا ثائرتهم كلهم ونزعوا سلاحهم وتعانقوا قائلا بعضهم لبعض ((اغفر أيها الأخ ))، فعقد في ذلك اليوم كل واحد النية أن يؤمن بيسوع بحسب ما سيقول، وقدم الحاكم ورئيس الكهنة جوائز كبرى لمن يأتي ويخبرهم أين يسوع.

 

الفصل الثاني والتسعون

 

 ففي هذا الزمن ذهبنا ويسوع الى جبل سينا عملا بكلمة الملاك الطاهر، وحفظ هناك يسوع الاربعين يوما مع تلاميذه، فلما انقضت اقترب يسوع من نهر الاردن ليذهب الى اورشليم، فرآه آحد الذين يؤمنون بأن يسوع هو الله فصرخ من ثم بأعظم سروره: ( إن إلهنا آت ) ، ولما بلغ المدينة أثارها كلها قائلا: ( إن إلهنا آت يا اورشليم تهيأي لقبوله ) وشهد أنه رأى يسوع على مقربة من الاردن، فخرج من المدينة كل أحد الصغير والكبير ليروا يسوع، حتى أصبحت المدينة خالية لأني النساء حملن أطفالهن على اذرعهن ونسين أن يأخذن معهن زادا للأكل، فلما علم بهذا الحاكم ورئيس الكهنة خرجا راكبين وارسلا رسول الى هيرودس، فخرج هو أيضا راكبا ليرى يسوع تسكينا لفتنة الشعب، فنشدوه يومين في البرية على مقربة من الاردن، وفي اليوم الثالث وجدوه وقت الظهيرة اذ كان يتطهر هو وتلاميذه للصلاة حسب كتاب موسى، فانذهل يسوع لما رأى الجم الغفير الذي غطى الأرض بالقوم، وقال لتلاميذه: لعل الشيطان احدث فتنة في اليهودية، لينزع الله من الشيطان السيطرة التي له على الخطاة، ولما قال هذا اقترب الجمهور، فلما عرفوه أخذوا يصرخون: (( مرحبا بك يا إلهنا)) وأخذوا يسجدون له كما يسجدون لله، فتنفس يسوع الصعداء وقال: انصرفوا عني أيها المجانين لأني أخشى أن تفتح الأرض فاها وتبتلعني ـ واياكم لكلامكم الممقوت، لذلك ارتاع الشعب وطفقوا يبكون.

 

الفصل الثالث والتسعون

 

 حينئذ رفع يسوع يده ايماءا للصمت، وقال: انكم لقد ضللتم ضلالا عظيما أيها الاسرائيليون لأنكم دعوتموني إلهكم وأنا إنسان، وإني أخشى لهذا أن ينزل الله بالمدينة المقدسة وباءا شديدا مسلما اياها لاستعباد الغرباء، لعن الشيطان الذي أغراكم بهذا ألف لعنة، و لما قال يسوع هذا صفع وجهه بكلتا كفِّيه، فحدث على أثر ذلك نحيب شديد حتى لم يسمع أحد ما قال يسوع، فرفع من ثم يده مرة اخرى ايماءا للصمت، ولما هدأ نحيب القوم تكلم مرة اخرى: أشهد أمام السماء وأشهد كل شيء على الأرض اني بريء من كل ما قد قلتم، لأني إنسان مولود من امرأة فانية بشرية وعرضة لحكم الله مكابد شقاء الاكل والمنام وشقاء البرد والحر كسائر البشر، لذلك متى جاء الله ليدين يكون كلامي كحسام يخترق كل من يؤمن بأني أعظم من إنسان، ولما قال يسوع هذا رأى كوكبة من الفرسان فعلم من ثم ان الوالي مع هيرودس ورئيس الكهنة كانوا قادمين، فقال يسوع: لعلهم هم قد صارواـ مجانين أيضا، فلما وصل الوالي مع هيرودس ورئيس الكهنة الى هناك ترجلوا جميعا، وأحاطوا بيسوع حتى ان الجنود لم يتمكنوا من دفع الجمهور الذين كانوا يودون أن يسمعوا يسوع يكلم الكاهن، فاقترب يسوع من الكاهن باحترام ولكن هذا كان يريد أن يسجد ليسوع، فصرخ يسوع: حذار ما أنت فاعل يا كاهن الله الحي لا تخطئ الى الله، أجاب الكاهن: ان اليهودية اضطربت لآياتك وتعليمك حتى انهم يجاهرون بأنك أنت الله فاضطررت بسبب الشعب الى أن آتي الى هنا مع الوالي الروماني والملك هيرودس، فنرجوك من كل قلبنا أن ترضى بازالة الفتنة التي ثارت بسببك، لأني فريقا يقول انك الله وآخر انك ابن الله ويقول فريق انك نبي، أجاب يسوع: وأنت يا رئيس كهنة الله لماذا لم تخمد الفتنة؟ ، هل جننت أنت أيضا؟، هل أمست النبوات وشريعة الله نسيا منسيا أيتها اليهودية الشقية التي ضللها الشيطان؟

 

الفصل الرابع والتسعون

 

 ولما قال يسوع هذا عاد فقال: اني أشهد أمام السماء وأشهد كل ساكن على الأرض اني بريء من كل ما قال الناس عني من اني أعظم من بشر، لأني بشر مولود من امرأة وعرضة لحكم الله أعيش كسائر البشر عرضة للشقاء العام، لعمر الله الذي تقف نفسي بحضرته انك أيها الكاهن قد أخطأت خطيئة عظيمة بالقول الذي قلته، ليلطف الله بهذه المدينة المقدسة حتى لا تحل بها نقمة عظيمة لهذه الخطيئة، فقال حينئذ الكاهن: ليغفر لأني الله أما أنت فصل لأجلنا، ثم قال الوالى وهيرودس: يا سيد انه لمن المحال أن يفعل بشر ما أنت تفعله فلذلك لا نفقه ما تقول، أجاب يسوع: ان ما تقوله لصدق ان الله يفعل صلاحا بالإنسان كما ان الشيطان يفعل شرا، لأني الإنسان بمثابة حانوت من يدخله برضاه يشتغل ويبيع فيه، ولكن قل لي أيها الوالي وأنت أيها الملك انتما تقولان هذا لأنكما أجنبيان عن شريعتنا لأنكما لو قرأتما العهد وميثاق إلهنا لرأيتما ان موسى حول بعصاه البحر دما، الغبار براغيث، والندى زوبعة، والنور ظلاما، أرسل الضفادع والجرذان على مصر فغطت الأرض، وقتل الابكار وشق البحر وأغرق فيه فرعون، ولم أفعل شيئا من هذه، وكل يعترف بأن موسى إنما هو الآن رجل ميت ، أوقف يشوع الشمس وشق الأردن وهما ما لم أفعله حتى الآن ، وكل يعترف بأن يشوع إنما هو الآن رجل ميت ، وأنزل إيليا النار من السماء عيانا وأنزل المطر وهما مما لم أفعله، وكل يعترف بأن إيليا إنما هو بشر، كثيرون آخرون من الأنبياء والأطهار وأخلاء الله فعلوا بقوة الله أشياء لا تبلغ كنهها عقول الذين لا يعرفون إلهنا القدير الرحيم المبارك إلى الأبد .

 

الفصل الخامس والتسعون

 

 وعليه فان الوالي والكاهن والملك توسلوا الى يسوع أن يرتقي مكانا مرتفعا ويكلم الشعب تسكينا لهم، حينئذ ارتقى يسوع أحد الحجارة الاثنى عشر التي أمر يشوع الاثني عشر سبطا أن يأخذوها من وسط الاردن عندما عبر اسرائيل من هناك دون ان تبتل احذيتهم، وقال بصوت عال: ليصعد كاهننا الى محل مرتفع حيث يتمكن من تحقيق كلامي، فصعد من ثم الكاهن الى هناك، فقال له يسوع بوضوح يتمكن كل واحد من سماعه: قد كتب في عهد الله الحي وميثاقه أن ليس لإلهنا بداية ولا يكون له نهاية ، أجاب الكاهن : لقد كتب هكذا هناك، فقال يسوع: انه كتب هناك أن إلهنا قد برأ كل شيء بكلمته فقط، فأجاب الكاهن: انه لكذلك، فقال يسوع: انه مكتوب هناك أن الله لا يرى وانه محجوب عن عقل الإنسان لأنه غير متجسد وغير مركب وغير متغير، فقال الكاهن: انه لكذلك حقا، فقال يسوع: انه مكتوب هناك كيف أن سماء السموات لا تسعه لأني إلهنا غير محدود ، فقال الكاهن : هكذا قال سليمان النبي يا يسوع، قال يسوع: إنه مكتوب هناك أن ليس لله حاجة لأنه لا يأكل ولا ينام ولا يعتريه نقص ، قال الكاهن : إنه لكذلك . قال يسوع : إنه مكتوب هناك إن إلهنا في كل مكان وإن لا إله سواه الذي يضرب ويشفي ويفعل كل ما يريد، قال الكاهن: هكذا كتب، حينئذ رفع يسوع يديه وقال: أيها الرب إلهنا هذا هو إيماني الذي آتي به إلى دينونتك شاهدا على كل من يؤمن بخلاف ذلك، ثم التفت الى الشعب وقال: توبوا لانكم تعرفون خطيئتكم من كل ما قال الكاهن انه مكتوب في سفر موسى عهد الله الى الابد، فاني بشر منظور وكتلة من طين تمشي على الأرض وفان كسائر البشر، وانه كان لي بداية وسيكون لي نهاية واني لا أقدر أن ابتدع خلق ذبابة، حينئذ رفع الشعب أصواتهم باكين وقالوا: لقد أخطأنا اليك أيها الرب إلهنا فارحمنا، وتضرع كل منهم الى يسوع ليصلي لأجل أمن المدينة المقدسة لكيلا يدفعها الله في غضبه لتدوسها الامم، فرفع يسوع يديه وصلى لاجل المدينة المقدسة ولاجل شعب الله وكل يصرخ: ليكن كذلك آمين.

 

الفصل السادس والتسعون

 

 ولما انتهت الصلاة قال الكاهن بصوت عال: قف يا يسوع لأنه يجب علينا أن نعرف من أنت تسكينا لامتنا، أجاب يسوع: أنا يسوع بن مريم من نسل داود بشر سيموت ويخاف الله وأطلب أن لا يعطى الاكرام والمجد الا الله، أجاب الكاهن: انه مكتوب في كتاب موسى أن إلهنا سيرسل لأني مسيا الذي سيأتي ليخبرنا بما يريد الله وسيأتي للعالم برحمة الله، لذلك أرجوك أن تقول لأني الحق هل أنت مسيا الله الذي ننتظره؟، أجاب يسوع: حقا ان الله وعد هكذا ولكني لست هو لأنه خلق قبلي وسيأتي بعدي، أجاب الكاهن: اننا نعتقد من كلامك وآياتك على كل حال انك نبي وقدوس الله، لذلك أرجوك باسم اليهودية كلها واسرائيل أن تفيدنا حبا في الله بأية كيفية سيأتي مسيا، أجاب يسوع: لعمر الله الذي تقف بحضرته نفسي اني لست مسيا الذي تنتظره كل قبائل الأرض كما وعد الله أبانا ابراهيم قائلا: ((بنسلك أبارك كل قبائل الأرض))، ولكن عندما يأخذني الله من العالم سيثير الشيطان مرة أخرى هذه الفتنة الملعونة بأن يحمل عادم التقوى على الاعتقاد بأني الله وابن الله، فيتنجس بسبب هذا كلامي وتعليمي حتى لا يكاد يبقى ثلاثون مؤمنا، حينئذ يرحم الله العالم ويرسل رسوله الذي خلق كل الاشياء لاجله، الذي سيأتي من الجنوب بقوة وسيبيد الاصنام وعبدة الاصنام، وسينتزع من الشيطان سلطته على البشر، وسيأتي برحمة الله لخلاص الذين يؤمنون به، وسيكون من يؤمن بكلامه مباركا.

 

الفصل السابع والتسعون

 

 ومع أني لست مستحقا أن أحل سير حذائه قد نلت نعمة ورحمة من الله لأراه ، فأجاب حينئذ الكاهن مع الوالي والملك قائلين : لا تزعج نفسك يا يسوع قدوس الله لأني هذه الفتنة لا تحدث في زمننا مرة أخرى، لأني سنكتب الى مجلس الشيوخ الروماني المقدس باصدار أمر ملكي أن لا أحد يدعوك فيما بعد الله أو ابن الله، فقال حينئذ يسوع: ان كلامكم لا يعزيني لأنه يأتي ظلام حيث ترجون النور، ولكن تعزيتي هي في مجيء الرسول الذي سيبيد كل رأي كاذب في وسيمتد دينه ويعم العالم بأسره لأنه هكذا وعد الله أبانا ابراهيم، وان ما يعزيني هو أن لا نهاية لدينه لأني الله سيحفظه صحيحا، أجاب الكاهن: أيأتي رسل آخرون بعد مجيء رسول الله؟ فأجاب يسوع: لا يأتي بعده أنبياء صادقون مرسلون من الله، ولكن يأتي عدد غفير من الانبياء الكذبة وهو ما يحزنني، لأني الشيطان سيثيرهم بحكم الله العادل فيتسترون بدعوى انجيلي، أجاب هيرودس: كيف أن مجيء هؤلاء الكافرين يكون بحكم الله العادل؟، أجاب يسوع: من العدل أن من لا يؤمن بالحق لخلاصه يؤمن بالكذب للعنته لذلك أقول لكم أن العالم كان يمتهن الانبياء الصادقين دائما وأحب الكاذبين كما يشاهد في أيام ميشع وأرميا لأني الشبيه يحب شبيهه، فقال حينئذ الكاهن: ماذا يسمى مسيا وما هي العلامة التي تعلن مجيئه؟، أجاب يسوع: ان اسم مسيا عجيب لأني الله نفسه سماه لما خلق نفسه ووضعها في بهاء سماوي، قال الله((اصبر يا محمد لأني لاجلك أريد أن أخلق الجنة والعالم وجما غفيرا من الخلائق التي أهبها لك حتى أن من يباركك يكون مباركا ومن يلعنك يكون ملعونا، ومتى أرسلتك الى العالم أجعلك رسولى للخلاص وتكون كلمتك صادقة حتى أن السماء والأرض تهنان ولكن ايمانك لا يهن أبدا))، ان اسمه المبارك محمد، حينئذ رفع الجمهور أصواتهم قائلين: يا الله أرسل لأني رسولك يا محمد تعال سريعا لخلاص العالم.

 

الفصل الثامن والتسعون

 

 ولما قال هذا انصرف الجمهور مع الكاهن والوالي مع هيرودس و((هم)) يتحاجون في يسوع وتعليمه، لذلك رغب الكاهن الى الوالي أن يكتب بالامر كله الى رومية الى مجلس الشيوخ ففعل الوالي كذلك، لذلك تحنن مجلس الشيوخ على اسرائيل وأصدر أمرا أنه ينهى ويتوعد بالموت كل أحد يدعو يسوع الناصري نبي اليهود إلها أو ابن الله، فعلق هذا الأمر في الهيكل منقوشا على النحاس، وبعد أن انصرف الفريق الاكبر من الجمع بقي نحو خمسة آلاف رجل خلا النساء والاطفال، لم يتمكنوا من الانصراف كالآخرين لأني السفر أعياهم ولانهم لبثوا يومين بدون خبز اذ كانوا لشدة تشوقهم لرؤية يسوع نسوا أن يحضروا معهم شيئا منه فكانوا يقتاتون بالعشب الاخضر، فلما رأى يسوع هذا أخذته الشفقة عليهم وقال لفيلبس: أين نجد خبزا لهم لكيلا يهلكون من الجوع؟، أجاب فيلبس: يا سيدي ان مئتي قطعة من الذهب لا تكفي لشراء ما يتبلغون به من الخبز، حينئذ قال اندراوس: هنا غلام معه خمس أرغفة وسمكتان ولكن ما عسى أن تكون بين هذا العدد الجم ؟، أجاب يسوع: أجلس الجمع، فجلسوا على العشب خمسين خمسين وأربعين أربعين، حينئذ قال يسوع: باسم الله، وأخذ الخبز وصلى لله ثم كسر الخبز وأعطاه للتلاميذ والتلاميذ أعطوه للجمع، وفعلوا كذلك بالسمكتين، فأكلوا كلهم وشبعوا، حينئذ قال يسوع: اجمعوا الباقي، فجمع التلاميذ تلك الكسر فملأت اثنتي عشر قفة، حينئذ وضع كل أحد يده على عينيه قائلا: أمستيقظ أنا أم حالم؟، ولبثوا جميعهم مدة ساعة كأنهم مجانين بسبب الآية العظمى، ثم بعد ان شكر يسوع لله صرفهم، الا اثنين وسبعين رجلا لم يشاءوا أن يتركوه، فلما رأى يسوع ايمانهم اختارهم تلاميذ.

 

الفصل التاسع والتسعون

 

 ولما خلا يسوع بكهف في البرية في تيرو على مقربة من الاردن دعا الاثنين والسبعين مع الاثني عشر، وبعد أن جلس على حجر أجلسهم بجانبه وفتح فاه متنفسا الصعداء وقال: لقد رأينا اليوم اثما عظيما في اليهودية وفي اسرائيل وهو اثم يخفق له قلبي في صدري من خشية الله، الحق أقول لكم أن الله غيور على كرامته ويحب اسرائيل كعاشق، وانتم تعلمون أنه متى كلف شاب بامرأة لا تحبه بل تحب آخر ثار حنقه وقتل نده، اني أقول لكم هكذا يفعل الله، لأنه عندما أحب اسرائيل شيئا بسببه نسي الله أبطل الله ذلك الشيء، أي شيء أحب الى الله هنا على الأرض من الكهنوت والهيكل المقدس؟، ومع هذا لما نسي الشعب الله في زمن أرميا النبي وفاخروا بالهيكل فقط اذ لم يكن له نظير في العالم كله أثار الله غضبه بواسطة نبوخذ نصر ملك بابل ومكَّنه وجيشه من المدينة المقدسة فأحرقها وأحرق الهيكل المقدس، حتى أن الاشياء المقدسة التي كان أنبياء الله يرتجفون من مسها ديست تحت أقدام الكفار المملوئين اثما، وأحب ابراهيم ابنه إسماعيل أكثر قليلا مما ينبغي لذلك أمر الله ابراهيم أن يذبح ابنه ليقتل المحبة الاثيمة في قلبه وهو أمر كان فعله لو قطعت المدية، وأحب داود ابشالوم حبا شديدا لذلك سمح الله أن يثور الابن على ابيه فتعلق بشعره وقتله أيوب، ما أرهب حكم الله ان ابشالوم أحب شعره اكثر من كل شيء فتحول حبلا علق به، وأوشك أيوب البر أن يفرط في حب أبنائه السبعة وبناته الثلاث فدفعه الله الى يد الشيطان فلم يأخذ منه أبناءه وثروته في يوم واحد فقط بل ضربه أيضا بداء عضال حتى كانت الديدان تخرج من جسده مدة سبع سنين، وأحب أبونا يعقوب ابنه يوسف أكثر من أبنائه الآخرين لذلك قضى الله ببيعه وجعل يعقوب يخدع من هؤلاء الأبناء أنفسهم حتى أنه صدّق أن الوحش افترس ابنه فلبث عشر سنوات نائحا.

 

الفصل المئة

 

 لعمر الله أيها الاخوان اني أخشى أن يغضب الله عليّ، لذلك وجب عليكم أن تسيروا في اليهودية واسرائيل مبشرين بالحق أسباط اسرائيل الاثني عشر حتى ينكشف الخداع عنهم، فأجاب التلاميذ خائفين باكين: اننا لفاعلون كل ما تأمرنا به، فقال حينئذ يسوع: لنصل ولنصم ثلاثة أيام ومن الآن فصاعدا لنصل لله ثلاث مرات متى لاح النجم الاول كل ليلة اذ نؤدي الصلاة لله طالبين منه الرحمة ثلاث مرات لأني خطيئة اسرائيل تزيد على الخطايا الاخرى ثلاثة أضعاف، أجاب التلاميذ: ليكن كذلك، فلما انتهى اليوم الثالث دعا يسوع في صباح اليوم الرابع كل التلاميذ والرسل وقال لهم: يكفي أن يمكث معي برنابا ويوحنا، أما أنتم فجوبوا بلاد السامرة واليهودية واسرائيل كلها مبشرين بالتوبة لأني الفأس موضوعة على مقرب من الشجرة لتقطعها، وصلوا على المرضى لأني الله قد سلطني على كل مرض، حينئذ قال من يكتب: يا معلم اذا سئل تلاميذك عن الطريقة التي يجب بها اظهار التوبة فبماذا يجيبون؟، أجاب يسوع: اذا أضاع رجل كيسا أيدير عينيه ليراه أو يده ليأخذه أو لسانه ليسأل فقط؟ كلا ثم كلا يلتفت بكل جسمه ويستعمل كل قوة في نفسه ليجده، أصحيح هذا؟ ، فأجاب الذي يكتب: انه لصحيح كل الصحة.

 

الفصل الواحد بعد المئة

 

 ثم قال يسوع ان التوبة عكس الحياة الشريرة لأنه يجب أن تنقلب كل حاسة الى عكس ما صنعت وهي ترتكب الخطية، فيجب النواح عوضا عن المسرة، والبكاء عوضا عن الضحك، والصوم عوضا عن البطر، والسهر عوضا عن النوم، والعمل عوضا عن البطالة، والعفة عوضا عن الشهوة، وليتحول الفضول الى صلاة والجشع الى تصدق، حينئذ أجاب الذي يكتب: ولكن لو سئلوا كيف يجب أن ننوح وكيف يجب أن نبكي وكيف يجب أن نصوم وكيف يجب أن ننشط وكيف يجب أن نبقى أعفاء وكيف يجب أن نصلى ونتصدق فأي جواب يعطون؟ وكيف يحسنون القيام بالعقوبة البدنية اذا لم يعرفوا كيف يتوبون؟، أجاب يسوع: لقد أحسنت السؤال يا برنابا وأريد أن أجيب على كل ذلك بالتفصيل ان شاء الله، أما اليوم فانى اكلمك في التوبة على وجه عام وما أقوله لواحد أقوله للجميع، فاعلم اذا أن التوبة يجب أن تفعل أكثر من كل شيء لمجرد محبة الله والا كانت عبثا، واني اكلمكم بالتمثيل ، كل بناء اذا أزيل أساسه تساقط خرابا أصحيح هذا؟، فأجاب التلاميذ: انه لصحيح، فقال حينئذ يسوع: ان أساس خلاصنا هو الله الذي لا خلاص بدونه، فلما أخطأ الإنسان خسر أساس خلاصه، لذلك وجب الابتداء بالاساس، قولوا لي اذا استأتم من عبيدكم وعلمتم أنهم لم يحزنوا لانهم أغاظوكم بل حزنوا لانهم خسروا جزاءهم أتغفرون لهم؟، لا البتة، اني أقول لكم أن الله هكذا يفعل بالذين يتوبون لانهم خسروا الجنة، ان الشيطان عدو كل صلاح لنادم شديد الندم لأنه خسر الجنة وربح الجحيم، ومع ذلك لأني يجد رحمة، فهل تعلمون لماذا؟ لأنه ليس عنده مجد لله بل يبغض خالقه.

 

الفصل الثاني بعد المئة

 

 الحق أقول لكم أن كل حيوان مفطور على الحزن لفقد ما يشتهي من الطيبات، لذلك وجب على الخاطئ النادم ندامة صادقة أن يرغب كل الرغبة في أن يقتص من نفسه لما صنع عاصيا لخالقه، حتى أنه متى صلى لا يجسر أن يرجو الجنة من الله أو أن يعتقه من الجحيم، بل أن يسجد لله مضطرب الفكر ويقول في صلاته: أنظر يا رب الى الاثيم الذي أغضبك بدون أدنى سبب في الوقت الذي كان يجب عليه أن يخدمك فيه، لذلك يطلب الآن أن تقتص منه لما فعله بيدك لا بيد الشيطان عدوك، حتى لا يشمت الفجار بمخلوقاتك، أدب واقتص كما تريد يا رب لانك لا تعذبني كما يستحق هذا الاثيم، فاذا جرى الخاطي على هذا الاسلوب وجد أن رحمة الله تزيد على نسبه العدل الذي يطلبه، حقا ان ضحك الخاطئ دنس مكروه حتى انه يصدق على هذا العالم ما قال أبونا داود من انه وادي الدموع، كان ملك تبنى أحد عبيده وجعله سيدا على كل ما يملكه، فحدث بسعاية ماكر خبيث أن وقع هذا التعيس تحت غضب الملك، فأصابه شقاء عظيم لا في مقتنياته فقط بل احتقر وانتزع منه ما كان يربحه كل يوم من العمل، أتظنون أن مثل هذا الرجل يضحك مرة ما؟، فأجاب التلاميذ: لا البتة لأنه لو عرف الملك بذلك لامر بقتله اذ يرى أنه يضحك من غضبه، ولكن الارجح أنه يبكي نهارا وليلا، ثم بكى يسوع قائلا: ويل للعالم لأنه سيحل به عذاب أبدي، ما أتعسك أيها الجنس البشري، فان الله قد اختارك ابنا واهبا اياك الجنة، ولكنك أيها التعيس سقطت تحت غضب الله بعمل الشيطان وطردت من الجنة وحكم عليك بالاقامة في العالم النجس حيث تنال كل شيء بكدح وكل عمل صالح لك يحبط بتوالي ارتكاب الخطايا، وإنما العالم يضحك والذي هو شر من ذلك أن الخاطئ الاكبر يضحك أكثر من غيره، فسيكون كما قلتم : ( إن الله يحكم بالموت الأبدي على الخاطئ الذي يضحك لخطاياه ولا يبكي عليها ) .

 

الفصل الثالث بعد المئة

 

 ان بكاء الخاطئ يجب أن يكون كبكاء أب على ابن مشرف على الموت، ما أعظم جنون الإنسان الذي يبكي على الجسد الذي فارقته النفس ولا يبكي على النفس التي فارقتها رحمة الله بسبب الخطيئة، قولوا لي اذا قدر النوتى الذي كسرت العاصفة سفينته على أن يسترد بالبكاء كل ما خسر فماذا يفعل؟، من المؤكد أنه يبكي بمرارة، ولكن أقول لكم حقا أن الإنسان يخطئ في البكاء على أي شيء الا على خطيئته فقط ، لأني كل شقاء يحل بالإنسان إنما يحل به من الله لخلاصه حتى أنه يجب عليه أن يتهلل له ، ولكن الخطيئة إنما تأتي من الشيطان للعنة الإنسان ولا يحزن الإنسان عليها، حقا انكم لا تدركون أن الإنسان إنما يطلب هنا خسارة لا ربحا، قال برتولوماوس: يا سيد ماذا يجب أن يفعل من لا يقدر أن يبكي لأني قلبه غريب من البكاء؟، أجاب يسوع: ليس كل من يسكب العبرات بباك يا برتولوماوس، لعمر الله يوجد قوم لم تسقط من عيونهم عبرة قط بكوا أكثر من ألف من الذين يسكبون العبرات، ان بكاء الخاطئ هو احتراق هواه العالمي بشدة الاسى، وكما أن نور الشمس يقي ما هو موضوع في الاعلى من التعفن هكذا يقي هذا الاحتراق النفس من الخطيئة، فلو وهب الله النادم الصادق دموعا قدر ما في البحر من ماء لتمنى أكثر من ذلك بكثير، ويفني هذا التمني تلك القطرة الصغيرة التي يود أن يسكبها كما يفني الاتون الملتهب قطرة من ماء، أما الذين يفيضون بكاء بسهولة فكالفرس الذي تزيد سرعة عدوه كلما خف حمله.

 

الفصل الرابع بعد المئة

 

 انه ليوجد قوم يجمعون بين الهوى الداخلي والعبرات الخارجية، لكن من على هذه الشاكلة يكون كأرميا، ففي البكاء يزن الله الحزن أكثر مما يزن العبرات، فقال حينئذ يوحنا: يا معلم كيف يخسر الإنسان في البكاء على غير الخطيئة؟، أجاب يسوع: اذا أعطاك هيرودس رداءا لتحفظه له ثم أخذه بعد ذلك منك أيكون لك باعث على البكاء؟ فقال يوحنا: لا، فقال يسوع: اذا يكون باعث الإنسان على البكاء أقل من هذا اذا خسر شيئا أو فاته ما يريد لأني كل شيء يأتي من يد الله، أليس لله اذن قدرة على التصرف بأشيائه حسبما يريد أيها الغبي؟ أما أنت فليس لك من ملك سوى الخطيئة فقط فعليها يجب أن تبكي لا على شيء آخر، قال متى: يا معلم انك لقد اعترفت أمام اليهودية كلها بأن ليس لله من شبه كالبشر وقلت الآن ان الإنسان ينال من يد الله فاذا كان لله يدان فله اذا شبه بالبشر، أجاب يسوع: انك لفي ضلال يا متى ولقد ضل كثيرون هكذا اذ لم يفقهوا معنى الكلام، لأنه لا يجب على الإنسان أن يلاحظ ظاهر الكلام بل معناه اذ الكلام البشري بمثابة ترجمان بيننا وبين الله، ألا تعلم أنه لما أراد الله أن يكلم آباءنا على جبل سيناء صرخ آباؤنا: ((كلمنا أنت يا موسى ولا يكلمنا الله لئلا نموت)) وماذا قال الله على لسان أشعيا النبي: (( أليس كما بعدت السموات عن الأرض هكذا بعدت طرق الله عن طرق الناس و أفكار الله عن أفكار الناس؟ )).

 

الفصل الخامس بعد المئة

 

 ان الله لا يدركه قياس الى حد اني أرتجف من وصفه، ولكن يجب أن أذكر لكم قضية، فأقول لكم اذا أن السموات تسع وانها بعضها يبعد عن بعض كما تبعد السماء الاولى عن الأرض التي تبعد عن الأرض سفر خمس مئة سنة، وعليه فان الأرض تبعد عن أعلى سماء مسيرة أربعة آلف وخمس مئة سنة، فبناءا على ذلك أقول لكم أنها بالنسبة الى السماء الاولى كرأس ابرة، ومثلها السماء الاولى بالنسبة الى الثانية وعلى هذا النمط كل السموات الواحدة منها أسفل مما يليها، ولكن كل حجم الأرض مع حجم كل السموات بالنسبة الى الجنة كنقطة بل كحبة رمل أليست هذه العظمة مما لا يقاس؟، فأجاب التلاميذ: بلى بلى ، حينئذ قال يسوع: لعمر الله الذي تقف نفسي في حضرته أن الكون أمام الله لصغير كحبة رمل، والله أعظم من ذلك بمقدار ما يلزم من حبوب الرمل لملء كل السموات والجنة بل أكثر، فانظروا الآن اذا كان هناك نسبة بين الله والإنسان الذي ليس سوى كتلة صغيرة من طين واقفة على الأرض، فانتبهوا اذا لتأخذوا المعنى لا مجرد الكلام اذا إرادة أن تنالوا الحياة الابدية، فأجاب التلاميذ: ان الله وحده يقدر أن يعرف نفسه وانه حقا لكما قال أشعيا النبي: (( هو محتجب عن الحواس البشرية ))، أجاب يسوع: ان هذا لهو الحق لذلك سنعرف الله متى صرنا في الجنة كما يعرف هنا البحر من قطرة ماء مالح، واني أعود الى حديثي فأقول لكم أنه يجب على الإنسان أن يبكي على الخطيئة فقط لأنه بالخطيئة يترك الإنسان خالقه، ولكن كيف يبكي من يحضر مجالس الطرب والولائم، انه يبكي كما يعطي الثلج نارا!، فعليكم أن تحولوا مجالس الطرب الى صوم اذا أحببتم أن يكون لكم سلطة على حواسكم لأني سلطة إلهنا هكذا ، فقال تداوس : إذا يكون لله حاسة يمكن التسلط عليها؟، أجاب يسوع: أتعودون اذا للقول بأن لله هذا وان الله هكذا؟، قولوا لي أللإنسان حاسة؟، أجاب التلاميذ: نعم، فأجاب يسوع: أيمكن أن يوجد إنسان فيه حياة ولا تعمل فيه حاسة؟، أجاب التلاميذ: لا، قال يسوع: انكم تخدعون أنفسكم فأين حاسة من كان أعمى أو أطرش أو أخرس أو أبتر والإنسان حين يكون في غيبوبة؟، فتحير حينئذ التلاميذ، أما يسوع فقال: يتألف الإنسان من ثلاثة أشياء أي النفس والحس والجسد كل منها مستقل بذاته، ولقد خلق إلهنا النفس والجسد كما سمعتم ، ولكنكم لم تسمعوا حتى الآن كيف خلق الحس، لذلك أقول لكم كل شيء غدا ان شاء الله، ولما قال يسوع هذا شكر الله وصلى لخلاص شعبنا وكل منا يقول: آمين.

 

الفصل السادس بعد المئة

 

 فلما فرع يسوع من صلاة الفجر جلس تحت شجرة نخل فاقترب تلاميذه اليه هناك، حينئذ قال يسوع: لعمر الله الذي تقف نفسي في حضرته ان كثيرين مخدوعون في شأن حياتنا، لأني النفس والحس مرتبطان معا ارتباطا محكما حتى أن أكثر الناس يثبتون أن النفس والحس إنما هما شيء واحد فارقين بينهما بالعمل لا بالجوهر ويسمونها بالنفس الحاسة والنباتية والعقلية، ولكن الحق أقول لكم أن النفس هي شيء حي مفكر، ما أشد غباوتهم فأين يجدون النفس العقلية بدون حياة؟، لأني يجدوها أبدا، ولن يسهل وجود الحياة بدون حس كما يشاهد في من وقع في غيبوبة متى فارقه الحس، أجاب تداوس: يا معلم متى فارق الحس الحياة فلا يكون للإنسان حياة، أجاب يسوع: ان هذا ليس بصحيح لأني الإنسان إنما يفقد الحياة متى فارقته النفس لأني النفس لا ترجع إلى الجسد إلا بآية ، ولكن الحس يذهب بسبب الخوف الذي يعرض له أو بسبب الغم الشديد الذي يعرض للنفس، لأني الله خلق الحس لاجل الملذة ولا يعيش الا بها كما أن الجسد يعيش بالطعام والنفس تعيش بالعلم والحب، فهذا(الحس) يخالف النفس بسبب الغيظ الذي يلم به لحرمانه من ملذة الجنة بسبب الخطيئة، لذلك وجب أشد الوجوب وآكده على من لا يريد تغذيته بالملذات الجسدية أن يغذيه بالملذة الروحية، أتفهمون؟، الحق أقول لكم أن الله لما خلقه حكم عليه بالجحيم والثلج والجليد اللذين لا يطاقان، لأنه قال أنه هو الله، ولكن لما حرمه من التغذية وأخذ طعامه منه أقر أنه عبد الله وعمل يديه، والآن قولوا لي كيف يعمل الحس في الفجار؟، حقا انه لهم بمثابة الله لانهم يتبعون الحس معرضين عن العقل وعن شريعة الله، فيصيرون مكروهين ((منبوذين)) ولا يعملون صالحا.

 

الفصل السابع بعد المئة

 

 وهكذا فان أول شيء يتبع الحزن على الخطيئة الصوم، لأني من يرى أن نوعا من الطعام أمرضه حتى خشي الموت فانه بعد أن يحزن على أكله يعرض عنه حتى لا يمرض، فهكذا يجب على الخاطئ أن يفعل، فمتى رأى ان اللذة جعلته يخطئ الى الله خالقه باتباعه الحس في طيبات العالم هذه فليحزن لأنه فعل هكذا، لأني هذا يحرمه من الله حياته ويعطيه موت الجحيم الابدي، ولكن لما كان الإنسان محتاجا وهو عائش الى مناولة طيبات العالم هذه وجب عليه هنا الصوم فليأخذ اذا في اماتة الحس وأن يعرف الله سيدا له، ومتى رأى أن الحس يمقت الصوم فليضع قبالته حال الجحيم حيث لا لذة على الاطلاق بل الواقع في حزن متناه، ليضع قبالته مسرات الجنة التي هي عظيمة بحيث أن حبة من ملاذ الجنة لاعظم من ملاذ العالم بأسرها، فبهذا يسهل تسكينه، لأني القناعة بالقليل لنيل الكثير لخير من اطلاق العنان في القليل مع الحرمان من كل شيء والمقام في العذاب، وعليكم أن تذكروا الغنى صاحب الولائم لكي تصوموا جيدا، لأنه لما أراد هنا على الأرض أن يتنعم كل يوم حرم الى الابد من قطرة واحدة من الماء بينا أن لعازر اذ قنع بالفتات هنا على الأرض سيعيش الى الابد في بحبوحة من ملاذ الجنة، ولكن ليكن التائب متيقظا، لأني الشيطان يحاول أن يبطل كل عمل صالح ويخص عمل التائب أكثر مما سواه، لأني التائب قد عصاه وانقلب عليه عدوا عنيدا بعد أن كان عبدا أمينا، فلذلك يحاول الشيطان أن يحمله على عدم الصوم في حال من الاحوال بشبهة المرض فاذا لم يغن هذا أغراه بالغلو في الصوم حتى ينتابه مرض فيعيش بعد ذلك متنعماً، فإذا لم يفلح في هذا حاول أن يجعله يقصر صومه على ترك الطعام الجسدي حتى يكون مثله لا يأكل شيئاً ولكنه يرتكب الخطيئة على الدوام، لعمر الله انه لممقوت أن يحرم المرء الجسد من الطعام ويملأ النفس كبرياء محتقرا الذين لا يصومون وحاسبا نفسه أفضل منهم، قولوا لي أيفاخر المريض بطعام الحمية الذي فرضه عليه الطبيب ويدعو الذين لا يقتصرون على طعام الحمية مجانين؟، لا البتة، بل يحزن للمرض الذي اضطر بسببه الى الاقتصار على طعام الحمية، انني أقول لكم أنه لا يجب على التائب أن يفاخر بصومه ويحتقر الذين لا يصومون، بل يجب عليه أن يحزن للخطيئة التي يصوم لاجلها، ولا يجب على التائب الذي يصوم أن يتناول طعاما شهيا بل يقتصر على الطعام الخشن، أفيعطى الإنسان طعاما شهيا للكلب الذي يعض وللفرس الذي يرفس؟ لا البتة بل الامر بالعكس، وليكن هذا كفاية لكم في شأن الصوم.

 

الفصل الثامن بعد المئة

 

 أصيخوا السمع اذا لما سأقوله لكم بشأن السهر ، انه لما كان قسمين أي نوم للجسد ونوم النفس وجب عليكم أن تحذروا في السهر كي لا تنام النفس والجسد ساهـر ، ان هذا يكون خطأ فاحشا جـدا ، ما قولكم في هذا المثل (( بينما كان إنسان ماشيا اصطدم بصخر فلكي يتجنب أن تصدم به رجله أكثر من ذلك صدمه برأسه، فما هو حال رجل كهذا ؟ )) ، أجاب التلاميذ : انه تعيس فان رجلا كهذا مصاب بالجنون، فقال حينئذ يسوع: حسنا أجبتم فاني أقول لكم حقا ان من يسهر بالجسد وينام بالنفس لمصاب بالجنون، وكما أن المرض الروحي أشد خطرا من الجسدي فشفاؤه أشد صعوبة، أفيفاخر اذا تعيس كهذا بعدم النوم بالجسد الذي هو رجل الحياة بينا هو لا يرى شقاءه في أنه ينام بالنفس التي هي رأس الحياة؟، ان النوم هو نسيان الله ودينونته الرهيبة، فالنفس التي تسهر إنما هي التي ترى الله في كل شيء وفي كل مكان وتشكر جلالته في كل شيء وعلى كل شيء وفوق كل شيء عالمة أنها دائما في كل دقيقة تنال نعمة ورحمة من الله، فمن يرن دائما في أذنها خشية من جلالته ذلك القول الملكي : (( تعالي أيتها المخلوقات للدينونة لأني إلهك يريد أن يدينك )) ، فانها تلبث على الدوام في خدمة الله ، قولوا لي أتفضلون أن تروا بنور نجم أو بنور الشمس؟، أجاب اندراوس : بنور الشمس لا بنور النجم، بنور النجم لا نقدر أن نبصر الجبال المجاورة وبنور الشمس نبصر أصغر حبوب الرمل، لذلك نسير بخوف على نور النجم ولكنا بنور الشمس نسير باطمئنان.

 

الفصل التاسع بعد المئة

 

 أجاب يسوع: انني أقول لكم هكذا يجب عليكم أن تسهروا بالنفس بشمس العدل التي هي إلهنا ولا تفاخروا بسهر الجسد، وصحيح كل الصحة انه يجب تجنب الرقاد الجسدي جهد الطاقة، الا أن منعه البتة محال لأني الحس والجسد مثقلان بالطعام والعقل بالمشاغل، لذلك يجب على من يريد أن يرقد قليلا أن يتجنب فرط المشاغل وكثرة الطعام، لعمر الله الذي في حضرته تقف نفسي أنه يجوز الرقاد قليلا كل ليلة الا أنه لا يجوز أبدا الغفلة عن الله ودينونته الرهيبة وما رقاد النفس الا هذه الغفلة، حينئذ أجاب من يكتب: يا معلم كيف يمكن لأني أن نتذكر الله على الدوام؟ انه ليلوح لأني أن هذا محال، فقال يسوع متنهدا: ان هذا لاعظم شقاء يكابده الإنسان يا برنابا لأني الإنسان لا يقدر هنا على الأرض أن يذكر الله خالقه على الدوام، الا الأطهار فانهم يذكرون الله على الدوام لأني فيهم نور نعمة الله حتى لا يقدرون أن ينسوا الله، ولكن قولوا لي أرأيتم الذين يشتغلون بالحجارة المستخرجة من المقالع كيف تعودوا بالتمرن المستمر أن يضربوا حتى أنهم يتكالمون وهم طول الوقت يضربون بالآلة الحديدية في الحجر دون أن ينظروا اليها ومع ذلك لا يصيبون أيديهم؟، فافعلوا اذا أنتم كذلك، ارغبوا في أن تكونوا أطهارا اذا أحببتم أن تتغلبوا تماما على شقاء الغفلة، ومن المؤكد أن الماء يشق أقوى الصخور بقطرة واحدة يتكرر وقوعها عليها زمنا طويلا، أتعلمون لماذا لم تتغلبوا على هذا الشقاء؟، لانكم لم تدركوا أنه خطيئة، لذلك أقول لكم أن من الخطأ أيها الإنسان أن يهبك أمير هبة فتغمض عنه عينيك وتوليه ظهرك، هكذا يخطئ الذين يغفلون عن الله، لأني الإنسان ينال كل حين هبات ونعمة من الله.

 

الفصل العاشر بعد المئة

 

 الا فقولوا لي ألا ينعم الله عليكم كل حين؟، بلى حقا فانه يجود عليكم دوما بالنفس الذي به تحيون، الحق الحق أقول لكم أنه يجب على قلبكم أن يقول كلما تنفس جسدكم: (( الحمد لله ))، حينئذ قال يوحنا: ان ما تقوله لهو الحق يا معلم فعلمنا الطريق لبلوغ هذه الحال السعيدة، أجاب يسوع: الحق أقول لك أنه لا يتاح لاحد بلوغ هذه الحال بقوى بشرية بل برحمة الله ربنا، ومن المؤكد أنه يجب على الإنسان أن يشتهي الصالح ليهبه الله اياه، قولوا لي أتأخذون وانتم على المائدة اللحوم التي تأنفون من النظر اليها؟، لا البتة كذلك أقول لكم أنكم لا تنالون ما لا تشتهون، ان الله لقادر اذا اشتهيتم الطهارة أن يجعلكم طاهرين في أقل من طرفة عين، ولكن إلهنا يريد أن ننتظر ونطلب لكي يشعر الإنسان بالهبة والواهب، أرأيتم الذين يتمرنون على رمي هدف؟، حقا انهم ليرمون مرارا متعددة عبثا، وكيفما كانت الحال فهم لا يرغبون مطلقا أن يرموا عبثا ولكنهم يؤملون دوما أن يصيبوا الهدف، فافعلوا هكذا أنتم الذين تشتهون دوما أن تذكروا الله، ومتى غفلتم فنوحوا لأني الله سيهبكم نعمة لتبلغوا كل ما قد قلته، ان الصوم والسهر الروحي متلازمان حتى اذا أبطل أحد السهر بطل الصوم توا، لأني الإنسان بارتكاب الخطيئة يبطل صوم النفس ويغفل عن الله، وهكذا فان السهر والصوم من حيث النفس لازمان دوما لأني لسائر الناس، لأنه لا يجوز لاحد أن يخطئ، أما صوم الجسد وسهره فصدقوني أنهما غير ممكنين في كل حين ولا لكل شخص، لأنه يوجد مرضى وشيوخ وحبالى وقوم مقصورون على طعام الحمية وأطفال وغيرهم من أصحاب البنية الضعيفة، وكما أن كل أحد يلبس بحسب قياسه الخاص هكذا يجب عليه أن يختار صومه، لأنه كما أن أثواب الطفل لا تصلح لرجل ابن ثلاثين سنة هكذا لا يصلح صوم أحد وسهره لاخر.

 

الفصل الحادي عشر بعد المئة

 

 ولكن احذروا من الشيطان أن يوجه كل قوته لأني تسهروا في أثناء الليل ثم تناموا بعد ذلك على حين يجب عليكم بوصية الله أن تصلوا وتصغوا الى كلمة الله، قولوا لي أترضون أن يأكل أحد أصدقائكم اللحم ويعطيكم العظام؟، أجاب بطرس: لا يا معلم لأني مثل هذا لا يجب أن يسمى صديقا بل مستهزئا، فأجاب يسوع بتنهد: انك لقد نطقت بالحق يا بطرس لأني من يسهر بالجسد أكثر مما يلزم وهو نائم أو مثقل رأسه بالنعاس على حين يجب عليه أن يصلي أو يصغي الى كلام الله فمثل هذا التعيس حقا يستهزئ بالله خالقه ويكون مرتكبا هذه الخطيئة، وعلاوة على ذلك فهو لص لأنه يسرق الوقت الذي يجب أن يعطيه لله ويصرفه عندما وبقدر ما يريد، كان رجل يسقي أعداءه من اناء فيه أطيب خمرة اذ كانت الخمر على أجودها ثم لما صارت الخمر حثالة سقى سيده، فماذا تظنون السيد يفعل بعبده عندما يعرف كل شيء والعبد أمامه؟، حقا انه ليضربه ويقتله بغيظ عادل جريا على شرائع العالم، فماذا يفعل الله اذا بالرجل الذي يصرف وقته في المشاغل وأردأه في الصلاة ومطالعة الشريعة؟، ويل للعالم لأني قلبه مثقل بهذه الخطيئة وبما هو أعظم منها!، لذلك لما قلت لكم أنه يجب أن ينقلب الضحك بكاءا والولائم صوما والرقاد سهرا جمعت في كلمات ثلاث كل ما قد سمعتموه، هو أنه يجب على المرء هنا على الأرض أن يبكي دوما وان البكاء يجب أن يكون من القلب لأني الله تعالى خالقنا مستاء، وانه يجب عليكم أن تصوموا لكي تكون لكم سلطة على الحس، وأن تسهروا لكي لا

 

 تخطئوا، وان البكاء الجسدي والصوم والسهر الجسديان يجب أن يكنّ بحسب بنية الافراد.

 

الفصل الثاني عشر بعد المئة

 

 وبعد أن قال يسوع هذا قال: يجب عليكم أن تطلبوا ثمار الحقل التي بها قوام حياتنا منذ ثمانية أيام لم نأكل خبزا، فلذلك أصلي إلى إلهنا وانتظركم مع برنابا ، فانصرف التلاميذ والرسل كلهم أربعة أربعة وستة ستة وانطلقوا في الطريق حسب كلمة يسوع، وبقي مع يسوع الذي يكتب، فقال يسوع باكيا: يا برنابا يجب أن أكاشفك بأسرار عظيمة يجب عليك مكاشفة العالم بها بعد انصرافي منه، فأجاب الكاتب باكيا وقال: اسمح لي بالبكاء يا معلم ولغيري أيضا لأني خطاة، وأنت يا من هو طاهر ونبي الله لا يحسن بك أن تكثر من البكاء، أجاب يسوع: صدقني يا برنابا انني لا أقدر أن أبكي قدر ما يجب علي ، لأنه لو لم يدعني الناس إلها لكنت عاينت هنا الله كما يعاين في الجنة ولكنت أمنت خشية يوم الدين، بيد أن الله يعلم أني بريء لأنه لم يخطر لي في بال ان أحسب أكثر من عبد فقير، بل أقول لك أنني لو لم أدع إلها لكنت حملت الى الجنة عندما انصرف من العالم أما الآن فلا أذهب الى هناك حتى الدينونة، فترى اذا اذا كان يحق لي البكاء، فاعلم يا برنابا أنه لاجل هذا يجب علي التحفظ وسيبيعني أحد تلاميذي بثلاثين قطعة من نقود، وعليه فاني على يقين من أن من يبيعني يقتل باسمي، لأني الله سيصعدني من الأرض وسيغير منظر الخائن حتى يظنه كل أحد اياي، ومع ذلك فانه لما يموت شر ميتة أمكث في ذلك العار زمنا طويلا في العالم، ولكن متى جاء محمد رسول الله المقدس تزال عني هذه الوصمة، وسيفعل الله هذا لأني اعترفت بحقيقة مسيا الذي سيعطيني هذا الجزاء أي أن أعرف اني حي واني بريء من وصمة تلك الميتة، فأجاب من يكتب: يا معلم قل لي من هو ذلك التعيس لأني وددت لو اميته خنقا، أجاب يسوع: صه، فان الله هكذا يريد فهو لا يقدر أن يفعل(( يمكن أن يحدث)) غير ذلك، ولكن متى حلت هذه النازلة بأمي فقل لها الحق لكي تتعزى، حينئذ أجاب من يكتب: اني لفاعل ذلك يا معلم ان شاء الله.

 

الفصل الثالث عشر بعد المئة

 

 ولما جاء التلاميذ احضروا حق صنوبر ووجدوا باذن الله مقدارا ليس بقليل من الرطب، وبعد صلاة الظهر أكلوا مع يسوع، فلما رأى من ثم الرسل والتلاميذ من يكتب كالح الوجه خشوا أن يكون قد وجب على يسوع الانصراف من العالم سريعا، فعزاهم من ثم يسوع قائلا: لا تخافوا لأني ساعتي لم تحن حتى الآن لكي أنصرف عنكم فسأمكث معكم زمنا يسيرا بعد، فلذلك يجب أن اعلمكم الآن كما قد قلت وسط كل بني اسرائيل لتبشروا بالتوبة ليرحم الله خطيئة اسرائيل، وليحذر كل أحد الكسل وخصوصا من يستعمل العقوبة البدنية، لأني كل شجرة لا تثمر ثمرا صالحا تقطع وتلقى في النار، وكان لأحد الأهالي كرم في وسطه بستان فيه شجرة تين، ولما لم يجد فيها صاحبها ثمرا عندما كان يجئ مدة ثلاث سنين ولما كان يرى ان كل شجرة اخرى أثمرت قال لكرامه: (اقطع هذه الشجرة الرديئة لأنه تثقل على الأرض)، فأجاب الكرام: ( ليس كذلك يا سيدي لأنه شجرة جميلة)، فقال له صاحب الأرض: (صه فانه لا يهمني الجمال بغير جدوى، وأنت يجب أن تعرف أن النخيل والبلسان هما أجمل من التينة، ولكني غرست سابقا في صحن داري فسيلا من النخل ومن البلسان وأحطتهما بجدران نفيسة ولكنهما لما لم يحملان ثمرا بل أوراقا تراكمت وأفسدت الأرض امام الدار أمرت بنقلهما كليهما، أفأعفوا اذا عن شجرة تين بعيدة عن الدار تثقل على بستاني وعلى كرمي حيث كل شجرة اخرى تحمل ثمرا؟ انني لا احتملهما فيما بعد)، فقال حينئذ الكرام: ( يا سيد ان التربة لمخصبة جدا فانتظر اذا سنة اخرى، فاني اشذب اغصان شجرة التين وازيل عنها التربة المسمدة وأضع تربة فقيرة وحجارة فتثمر)، أجاب صاحب الأرض: (فاذهب اذا وافعل هكذا فاني منتظر وستحمل التينة ثمرا) أفهمتم هذا المثل؟، أجاب التلاميذ: كلا يا سيد ففسره لأني.

 

الفصل الرابع عشر بعد المئة

 

أجاب يسوع: الحق أقول لكم ان صاحب الملك هو الله والكرام شريعه، فكان عند الله اذا في الجنة النخل والبلسان لأني الشيطان هو النخل والإنسان الاول هو البلسان، فطردهما كليهما لأنهما لم يحملا ثمرا من الاعمال الصالحة بل فاها بألفاظ غير صالحة كانت قضاء على ملائكة وأناس كثيرون، ولما كان الله قد وضع الإنسان في وسط خلائقه التي تعبده كلها بحسب أمره فاذا كان كما قلت لا يحمل ثمرا فان الله يقطعه ويدفعه الى الجحيم، لأنه لم يعف عن الملاك والإنسان الاول فنكل بالملاك تنكيلا أبديا وبالإنسان الى حين، فتقول من ثم شريعة الله ان للإنسان طيبات أكثر مما يجب في هذه الحياة، فوجب عليه اذا أن يحتمل الضيق ويحرم من الطيبات العالمية ليعمل أعمالا صالحة، وعليه فان الله يمهل الإنسان ليتوب، الحق أقول لكم إن إلهنا قضى على الإنسان بالعمل للغرض الذي قاله أيوب خليل الله ونبيه : (كما إن الطير مولودة للطيران والسمك للسباحة هكذا الإنسان مولود للعمل)، وهكذا يقول أيضا داود أبونا نبي الله: (لأني اذا أكلنا تعب أيدينا نبارك ويكون خير لأني)، لذلك يجب على كل أحد أن يعمل بحسب صفته، الا فقولوا لي اذا كان أبونا داود وابنه سليمان اشتغلا بأيديهما فماذا يجب على الخاطئ أن يفعل؟، فقال يوحنا: يعلم ان العمل شيء حسن ولكن يجب على الفقراء أن يقوموا به، فأجاب يسوع: نعم لأنهم لا يقدرون أن يفعلوا غير ذلك، ولكن ألا تعلم أنه يجب على الصالح ليكون صالحا أن يكون مجردا عن الضرورة، فالشمس والسيارات الاخرى تتقوى بأوامر الله حتى انها لا تقدر أن تفعل غير ذلك فليس لهن فضل، قولوا لي أقال الله عندما أمر بالعمل: ((يعيش الفقير من عرق وجهه؟))، أو قال أيوب: (كما ان الطير مولودة للطيران هكذا الفقير مولود للعمل؟)، بل قال الله للإنسان : (بعرق وجهك تأكل خبزك)، وقال أيوب: (الإنسان مولود للعمل)، وعليه فان من ليس بإنسان معفى من هذا الامر، حقا انه لا سبب لغلاء الاشياء سوى انه يوجد جمهور غفير من الكسالى، فلو اشتغل هؤلاء وعمل بعضهم في الأرض وآخرون في صيد الاسماك في الماء لكان العالم في أعظم سعة، ويجب أن يؤدي الحساب على هذا النقص في يوم الدين الرهيب.

 

الفصل الخامس عشر بعد المئة

 

 ليقل لي الإنسان بماذا أتى الى العالم الذي بسببه يعيش بالكسل، فمن المؤكد انه ولد عريانا وغير قادر على شيء فهو ليس صاحب كل ما يجد بل المتصرف به، وعليه أن يقدم حسابا عنه في ذلك اليوم الرهيب، ويجب أن يخشى كثيرا من الشهوة الممقوتة التي تصير الإنسان شبيها بالحيوانات غير الناطقة، لأني عدو المرء من أهل بيته حتى انه لا يمكن الذهاب الى محل ما لا يطرقه العدو، وما أكثر الذين هلكوا بسبب الشهوة، فبسبب الشهوة أتى الطوفان حتى ان العالم هلك أمام رحمة الله ولم ينج الا نوح وثلاثة وثمانون شخصا بشريا فقط، وبسبب الشهوة أهلك الله ثلاث مدن شريرة لم ينج منها سوى لوط وولديه، بسبب الشهوة كاد سبط بنيامين يفنى، واني أقول لكم الحق اني لو عددت لكم الذين هلكوا بسبب الشهوة لما كفتني مدة خمسة أيام، أجاب يعقوب: يا سيد ما معنى الشهوة؟، فأجاب يسوع: ان الشهوة هي عشق غير مكبوح الجماح اذا لم يرشده العقل تجاوز حدود البصيرة والعواطف، حتى ان الإنسان لما لم يكن يعرف نفسه أحب ما يجب عليه بغضه، صدقوني متى أحب الإنسان شيئا لا من حيث ان الله أعطاه هذا الشيء فهو زان، لأنه جعل النفس متحدة بالمخلوق وهي التي يجب أن تبقى متحدة بالله خالقها، ولهذا قال الله نادبا على لسان أشعيا النبي: (انك قد زنيت بعشاق كثيرين لكن ارجعي الي أقبلك)، لعمر الله الذي تقف نفسي في حضرته لو لم تكن في قلب الإنسان شهوة داخلية لما سقط في الخارجية لأنه اذا اقتلع الجذر ماتت الشجرة سريعا ، فليقنع الرجل اذا بالمرأة التي أعطاها اياها خالقه ولينس كل امرأة اخرى، أجاب اندراوس: كيف ينسى الإنسان النساء اذا عاش في المدينة حيث يوجد كثيرات منهن فيها؟، أجاب يسوع: يا اندراوس حقا ان السكنى في المدينة تضر لأني المدينة كالاسفنجة تمتص كل اثم.

 

الفصل السادس عشر بعد المئة

 

 يجب على الإنسان أن يعيش في المدينة كما يعيش الجندي اذا كان حوله أعداء يحيطون بالحصن دافعا عن نفسه كل هجوم خائفا على الدوام خيانة الأهلين، أقول هكذا يجب عليه أن يدفع كل اغراء خارجي من الخطيئة وأن يخشى الحس لأني له شغفا مفرطا بالاشياء الدنسة، ولكن كيف يدافع عن نفسه اذا لم يكبح جماح العين التي هي أصل كل خطيئة جسدية، لعمر الله الذي تقف نفسي في حضرته ان من ليست له عينان جسديتان يأمن من العقاب الا ما كان الى الدركة الثالثة على أن من له عينان يحل به القصاص حتى الدركة السابعة، حدث في زمن النبي ايليا ان ايليا رأى رجلا ضريرا حسن السيرة يبكي، فسأله قائلا : ( لماذا تبكي أيها الاخ ؟ ) ، أجاب الضرير: أبكي لأني لا أقدر أن أبصر ايليا النبي قدوس الله)، فوبخه ايليا قائلا: ( كف عن البكاء أيها الرجل لأنك ببكائك تخطئ)، أجاب الضرير: ( الا فقل لي أرؤية نبي الله الذي يقيم الموتى وينزل نارا من السماء خطيئة؟)، أجـاب ايليا: ( انك لا تقول الصدق لأني ايليا لا يقدر أن يأتي شيئا مما قلت على الاطلاق فانه رجل نظيرك لأني أهل العالم بأسرهم لا يقدرون أن يخلقوا ذبابة واحدة)، فقال الضرير: ( انك تقول هذا أيها الرجل لأنه لا بد أن يكون قد وبخك ايليا على بعض خطاياك فلذلك تكرهه)، أجاب ايليا: (عسى أن تكون قد نطقت بالحق لأني لو أبغضت ايليا أيها الاخ لأحببت الله وكلما زدت بغضا لايليا زدت حبا في الله) ، فاغتاظ الضرير لذلك غيظا شديدا وقال: ( لعمر الله انك لفاجر أيمكن لأحد أن يحب الله وهو يكره نبي الله انصرف من هنا لأني لست بمصغ اليك فيما بعد)، أجاب ايليا: ( أيها الاخ انك لترى الان بعقلك شدة شر البصر الجسدي لأنك تتمنى بصرا لتبصر ايليا وأنت تبغض ايليا بنفسك)، فأجاب الضرير: ( الا فانصرف لأنك أنت الشيطان الذي يريد أن يجعلني أخطئ الى قدوس الله)، فتنهد حينئذ ايليا وقال بدموع: ( انك لقد قلت الصدق أيها الاخ لأني جسدي الذي تود أن تراه يفصلني عن الله)، فقال الضرير: ( اني لا أود أن أراك بل لو كان لي عينان لأغمضتهما لكي لا أراك)، حينئذ قال ايليا: ( اعلم أيها الأخ اني أنا ايليا)، أجاب الضرير: ( انك لا تقول الصدق)، حينئذ قال تلاميذ ايليا: ( أيها الأخ انه ايليا نبي الله بعينه)، فقال الضرير: (اذا كان النبي فليقل لي من أي ذرية أنا وكيف صرت ضريرا؟).

 

الفصل السابع عشر بعد المئة

 

 أجاب ايليا : ( انك من سبط لاوي ولانك نظرت وانت داخل هيكل لله الى امرأة بشهوة على مقربة من المقدس أزال إلهنا بصرك)، فقال حينئذ الضرير باكيا: ( أغفر لي يا نبي الله الطاهر لأني قد أخطأت اليك في الكلام واني لو أبصرتك لما كنت أخطأت)، فأجاب ايليا: ( ليغفر لك إلهنا أيها الأخ، لأني أعلم أنك فيما يخصني قد قلت الصدق، لأني كلما ازددت بغضا لنفسي ازددت محبة لله، لو رأيتني لخمدت رغبتك التي ليست مرضية لله، لأني ايليا ليس هو خالقك بل الله)، ثم قال ايليا باكيا( اني أنا الشيطان فيما يختص بك لأني أحولك عن خالقك، فابك أيها الاخ اذ لم يكن لك نور يريك الحق من الباطل لأنه لو كان لك ذلك لما احتقرت تعليمي، لذلك أقول لك أن كثيرين يتمنون أن يروني ويأتون من بعيد ليروني وهم يحتقرون كلامي، لذلك كان خيرا لهم لخلاصهم أن لا يكون لهم عيون، لأني كل من يجد لذة في المخلوق أيا كان ولا يطلب أن يجد لذة في الله فقد صنع صنما في قلبه وترك الله)، ثم قال يسوع متنهدا: أفهمتم كل ما قاله إيليا؟ ، أجاب التلاميذ: حقا لقد فهمنا و اننا لحيارى من العلم بأنه لا يوجد هنا على الأرض الا قليلون من الذين لا يعبدون الأصنام.

 

الفصل الثامن عشر بعد المئة

 

  فقال حينئذ يسوع: انكم تقولون الحق لأني اسرائيل كان الآن راغبا في اقامة عبادة الاصنام التي في قلوبهم اذ حسبوني إلها، وكثيرون منهم قد احتقروا الآن تعليمي قائلين أنه يمكنني أن أجعل نفسي سيد اليهودية كلها اذا اعترفت بأنني إله، وأني مجنون اذ رضيت أن أعيش في الفاقة في أنحاء البرية دون أن أقيم على الدوام بين الرؤساء في عيش رغيد، ما أتعسك أيها الإنسان الذي تحترم النور الذي يشترك فيه الذباب والنمل وتحتقر النور الذي تشترك فيه الملائكة والأنبياء وأخلاء الله الاطهار خاصة، فاذا لم تحفظ العين يا أندراوس فاني أقول لك أن عدم الانغماس في الشهوة حينئذ من المحال، لذلك قال أرميا النبي باكيا بشدة: (عين لص يسرق نفسي)، ولذلك صلى داود أبونا بأعظم شوق لله أبينا أن يحول عينيه لكي لا يرى الباطل، لأني كل ما له نهاية إنما هو باطل قطعا، قل لي اذا إذا كان لأحد فلسان يشتري بهما خبزا أفيصرفهما مشتريا دخانا؟، لا البتة لأني الدخان يضر العينين ولا يقيت الجسم، فعلى الإنسان أن يفعل هكذا لأنه يجب عليه ببصر عينيه الخارجي وبصر عقله الداخلي أن يطلب ليعرف الله خالقه ومرضاة مشيئته وأن لا يجعل غرضه المخلوق الذي يجعله يخسر الخالق.

 

الفصل التاسع عشر بعد المئة

 

 لأنه حقا كلما نظر الإنسان شيئا ونسي الله الذي خلقه للإنسان فقد أخطأ، اذ لو وهبك صديق شيئا تحفظه ذكرى له فبعته ونسيت صديقك فقد أغظت صديقك، فهذا ما يفعل الإنسان، لأنه عندما ينظر الى المخلوق ولا يذكر الخالق الذي خلقه اكراما للإنسان يخطئ الى الله خالقه بالكفران بالنعمة، فمن ينظر اذا الى النساء وينسى الله الذي خلق المرأة لأجل خير الإنسان يكون قد أحبها واشتهاها، وتبلغ منه شهوته هذه مبلغا يحب معه كل شيء شبيه بالشيء المحبوب فتنشأ عن ذلك الخطيئة التي يخجل من ذكرها، فاذا وضع الإنسان لجاما لعينيه يصير سيد الحس الذي لا يشتهي ما لا يقدم له وهكذا يكون الجسد تحت حكم الروح، فكما أن السفينة لا تتحرك بدون ريح لا يقدر الجسد ان يخطئ بدون الحس، اما ما يجب على التائب عمله بعد ذلك من تحويل الثرثرة الى صلاة فهو ما يقول به العقل حتى لو لم يكن وصية من الله، لأني الإنسان يخطئ في كل كلمة قبيحة ويمحو إلى إلهنا خطيئته بالصلاة، لأني الصلاة هي شفيع النفس، الصلاة هي دواء النفس، الصلاة هي صيانة القلب، الصلاة هي سلاح الايمان، الصلاة هي لجام الحس، الصلاة هي ملح الجسد الذي لا يسمح بفساده بالخطيئة، أقول لكم أن الصلاة هي يدا حياتنا اللتان يدافع بهما المصلي عن نفسه في يوم الدين، فإنه يحفظ نفسه من الخطيئة هنا على الأرض ويحفظ قلبه حتى لا تمسه الاماني الشريرة مغضبا للشيطان لأنه يحفظ حسه ضمن شريعة الله ويسلك جسده في البر نائلا من الله كل ما يطلب، لعمر الله الذي نحن في حضرته ان الإنسان بدون صلاة لا يقدر ان يكون رجلا ذا اعمال صالحه اكثر مما يقدر أخرس على الاحتجاج عن نفسه امام ضرير او اكثر من امكان برء ناسور بدون مرهم او مدافعة رجل عن نفسه بدون حركة او مهاجمة آخر بدون سلاح او اقلاع في سفينة بدون دفة او حفظ اللحوم الميتة بدون ملح، فان من المؤكد ان من ليس له يدان لا يقدر ان يأخذ، فاذا تمكن المرء من تحويل السرقين الى ذهب او الطين الى سكر فماذا يفعل؟، فلما سكت يسوع أجاب التلاميذ: لا يتعاطى أحد عملا آخر سوى صنع الذهب والسكر، حينئذ قال يسوع: الا فلماذا لا يحول المرء الثرثرة الى صلاة؟، أأعطاه الله الوقت لكي يغضب الله؟، أي متبوع يهب تابعه مدينة لكي يثير هذا عليه حربا، لعمر الله لو علم المرء الى اية صورة تتحول النفس بالكلام الباطل لفضل عض لسانه بأسنانه على التكلم، ما أتعس العالم لأني الناس لا يجتمعون اليوم للصلاة بل إن الشيطان في أروقة الهيكل بل في الهيكل نفسه ذبيحة الكلام الباطل بل ما هو شر من ذلك من الامور التي لا يمكن التكلم عنها بدون خجل.

 

الفصل العشرون بعد المئة

 

 أما ثمر الكلام الباطل فهو هذا: انه يوهن البصيرة الى حد لا يمكنها معه أن تكون مستعدة لقبول الحق، فهي كفرس اعتاد أن يحمل رطلا من القطن فلم يعد قادرا أن يحمل مئة رطل من الحجر، ولكن شر من ذلك الرجل الذي يصرف وقته في المزاح، فمتى أراد أن يصلي ذكّره الشيطان بنفس تلك الفكاهات المزحية حتى أنه عندما يجب عليه أن يبكي على خطاياه لكي يستمنح الله الرحمة ولينال غفران خطاياه يثير بالضحك غضب الله الذي سيؤدبه ويطرحه خارجا، ويل اذا للمازحين والمتكلمين بالباطل!، ولكن اذا كان يمقت إلهنا المازحين والمتكلمين بالباطل فكيف يعتبر الذين يتذمرون ويغتابون جيرانهم وفي أي ورطة يكون الذين يتخذون ارتكاب الخطايا ضربا من التجارة على غاية الضرورة؟ ، ايها العالم الدنس لا اقدر ان اتصور بأي صرامة يقتص منك الله، فعلى من يجاهد نفسه ان يعطي كلامه بثمن الذهب، أجاب تلاميذه: ولكن من يشتري كلام امريء بثمن الذهب؟، لا احد قط، وكيف يجاهد نفسه؟ من المؤكد انه يصير طماعا؟، أجاب يسوع: ان قلبكم ثقيل جدا حتى اني لا اقدر على رفعه، لذلك لزم ان افيدكم معنى كل كلمة، ولكن اشكروا الله الذي وهبكم نعمة لتعرفوا اسرار الله، لا أقول أن على التائب ان يبيع كلامه بل أقول انه متى تكلم وجب عليه ان يحسب انه يلفظ ذهبا، حقا انه اذا فعل ذلك فإنه يتكلم متى كان الكلام ضروريا فقط كما يصرف الذهب على الاشياء الضرورية، فكما لا يصرف أحد ذهبا على شيء يكون من ورائه ضرر بجسده كذلك لا ينبغي له ان يتكلم عن شيء قد يضر نفسه.

 

الفصل الحادي والعشرون بعد المئة

 

 اذا سجن حاكم مسجونا يمتحنه والمسجل يسجل قولوا لي كيف يتكلم رجل كهذا، أجاب التلاميذ: انه يتكلم بخوف وفي الموضوع حتى لا يجعل نفسه مظنة للتهمة ويكون على حذر من أن يقول شيئا يكدر الحاكم بل يحاول أن يقول شيئا يكون باعثا على اطلاقه، حينئذ أجاب يسوع: هذا ما يجب اذن على التائب عمله لكي لا يخسر نفسه، لأني الله أعطى لكل إنسان ملاكين مسجلين أحدهما لتدوين الخير الذي يعمله الإنسان والآخر لتدوين الشر، فاذا أحب الإنسان ان ينال رحمة أن يقيس كلامه بأدق مما يقاس به الذهب.

 

الفصل الثاني والعشرون بعد المئة

 

 أما البخل فيجب تحويله الى تصدق، الحق أقول لكم أنه كما أن غاية الشاقول المركز كذلك الجحيم غاية البخيل، لأنه من المحال أن ينال البخيل خيرا في الجنة، أتعلمون لماذا؟، اني مخبركم، لعمر الله الذي تقف نفسي في حضرته أن البخيل وان كان لسانه صامتا ليقول بأعماله: ((لا إله غيري))، لأنه يصرف كل ماله على ملذته الخاصة غير ناظر إلى بدايته أو نهايته فإنه ولد عريا ومتى مات ترك كل شيء، الا فقولوا لي اذا أعطاكم هيرودس بستانا لتحفظوه وأحببتم أن تتصرفوا فيه كأنكم أصحاب الملك فلا ترسلون ثمرا منه لهيرودس ومتى أرسل هيرودس يطلب ثمرا طردتم رسله قولوا لي ألا تكونون بذلك قد جعلتم أنفسكم ملوكا على البستان؟، بلى البتة، فأقول لكم انه هكذا يجعل البخيل نفسه إلها على الثروة التي وهبها اياه الله، البخل هو عطش الحس الذي لما فقد الله بالخطيئة لأنه يعيش بالملذة ولما لم يعد قادرا على الابتهاج بالله المتحجب عنه أحاط نفسه بالأشياء العالمية التي يحسبها خيره، وكلما رأى نفسه محروما من الله ازداد قوة، وهكذا فان تجدد الخاطئ إنما هو من الله الذي ينعم عليه فيتوب كما قال أبونا داود هذا التغير يأتي من يمين الله، ومن الضروري أن أفيدكم من أي نوع هو الإنسان إذا كنتم تريدون أن تعلموا كيف يجب فعل التوبة، ولنشكر اليوم الله الذي وهبنا نعمة لابلغ إرادة بكلمتي، ثم رفع يديه وصلى قائلا: أيها الرب الإله القدير الرحيم الذي خلقتنا نحن عبيدك برحمة ومنحتنا مرتبة البشر ودين رسولك الحقيقي، اننا نشكرك على كل انعاماتك، ونود أن نعبدك وحدك كل أيام حياتنا، نادبين خطايانا، مصلين ومتصدقين، صائمين ومطالعين كلمتك، مثقفين الذين يجهلون مشيئتك، مكابدين الآلام من العالم حبا فيك، وباذلين نفسنا للموت خدمة لك، فنجنا أنت يا رب من الشيطان ومن الجسد ومن العالم، كما نجيت مصطفاك اكراما لنفسك واكراما لرسولك الذي لاجله خلقتنا واكراما لكل قديسيك وأنبيائك فكان يجيب التلاميذ دائما: ليكن كذلك ليكن كذلك يا رب ليكن كذلك أيها الإله الرحيم .

 

الفصل الثالث والعشرون بعد المئة

 

 فلما كان صباح الجمعة جمع يسوع تلاميذه باكرا بعد الصلاة، وقال لهم: لنجلس لأنه كما أنه في مثل هذا اليوم خلق الله الإنسان من طين الأرض هكذا أفيدكم أي شيء هو الإنسان ان شاء الله، فلما جلسوا عاد يسوع فقال: إن إلهنا لأجل أن يظهر لخلائقه جوده ورحمته وقدرته على كل شيء مع كرمه وعدله صنع مركبا من أربعة أشياء متضاربة ووحدها في شبح واحد نهائي هو الإنسان وهي التراب والهواء والماء والنار ليعدل كل منهما ضده، وصنع من هذه الأشياء الأربعة اناء وهو جسد الإنسان من لحم وعظام ودم ونخاع وجلد مع أعصاب إرادة وسائر أجزائه الباطنية، ووضع الله فيه النفس والحس بمثابة يدين لهذه الحياة، وجعل مثوى الحس في كل جزء من الجسد لأنه انتشر هناك كالزيت، وجعل مثوى النفس القلب حيث تتحد مع الحس فتتسلط على الحياة كلها، فبعد أن خلق الله الإنسان هكذا وضع فيه نورا يسمى العقل ليوحد الجسد والحس والنفس لمقصد واحد وهو العمل لخدمة الله، فلما وضع هذه الصنيعة في الجنة وأغرى الحس العقل بعمل الشيطان فقد الجسد راحته وفقد الحس المسرة التي يحيا بها وفقدت النفس جمالها، فلما وقع الإنسان في هذه الورطة وكان الحس الذي لا يطمئن في العمل بل يطلب المسرة غير مكبوحة الجماح بالعقل اتبع النور الذي تظهره له العينان، ولما كانت العينان لا تبصران شيئا غير الباطل خدع نفسه واختار الأشياء الأرضية فاخطا، لذلك وجب برحمة الله أن ينور عقل الإنسان من جديد ليعرف الخير من الشر والمسرة الحقيقية، فمتى عرف الخاطئ ذلك تحول الى التوبة، لذلك أقول لكم حقا أنه اذا لم ينور الله ربنا قلب الإنسان فان تعقل البشر لا يجدي، أجاب يوحنا: اذا ما هي الجدوى من كلام الإنسان؟، فأجاب يسوع: الإنسان من حيث هو إنسان لا يفلح في تحويل إنسان الى التوبة، أما الإنسان من حيث هو وسيلة يستعملها الله فهو يجدد الإنسان، ولما كان الله يعمل في الإنسان بطريقة خفية لخلاص البشر وجب على المرء أن يصغي لكل إنسان حتى يقبل من بين الجميع ذلك الذي يكلمنا به الله، أجاب يعقوب: يا معلم لو فرضنا أن أتى نبي دعي ومعلم كذاب مدعيا أنه يهذبنا فماذا يجب أن نفعل؟

 

الفصل الرابع والعشرون بعد المئة

 

 أجاب يسوع بمثل: يذهب رجل ليصطاد بشبكة فيمسك فيها سمكا كثيرا والردئ منه يطرحه، ذهب رجل ليزرع وإنما الحبة التي تقع على أرض صالحة هي التي تحمل بذورا، فهكذا يجب عليكم أن تفعلوا مصغين الى الجميع وقابلين الحق فقط لأني الحق وحده يحمل ثمرا للحياة الابدية، فأجاب حينئذ أندراوس: ولكن كيف يعرف الحق؟، أجاب يسوع: كل ما ينطبق على كتاب موسى فهو حق فاقبلوه، لأنه لما كان الله واحدا كان الحق واحدا، فينتج من ذلك أن التعليم واحد وان معنى التعليم واحد فالايمان اذا واحد، الحق أقول لكم أنه لو لم يمح الحق من كتاب موسى لما أعطى الله داود أبانا الكتاب الثاني، ولو لم يفسد كتاب داود لم يعهد الله بانجيله إلي لأني إلهنا غير متغير ولقد نطق رسالة واحده لكل البشر، فمتى جاء رسول الله يجيء ليطهر كل ما أفسد الفجار من كتابي، حينئذ أجاب من يكتب: يا معلم ماذا يجب على المرء فعله متى فسدت الشريعة وتكلم النبي المدعي؟، أجاب يسوع: ان سؤالك لعظيم يا برنابا، لذلك أفيدك أن الذين يخلصون في مثل ذلك الوقت قليلون لأني الناس لا يفكرون في غايتهم التي هي الله، لعمر الله الذي تقف نفسي في حضرته أن كل تعليم يحول الإنسان عن غايته التي هي الله لشر تعليم، لذلك يجب عليك ملاحظة ثلاثة أمور في التعليم أي المحبة لله وعطف المرء على قريبه وبغضك لنفسك التي أغضبت الله وتغضبه كل يوم، فتجنب كل تعليم مضاد لهذه الرؤوس الثلاثة لأنه شرير جدا؟

 

الفصل الخامس والعشرون بعد المئة

 

 واني لا عود الان الى البخل، فافيدكم انه متى أراد الحس الحصول على شيء أو حرص عليه يجب أن يقول العقل: لا بد من نهاية لهذا الشيء، ومن المؤكد أنه اذا كان له نهاية فمن الجنون أن يحب، لذلك وجب على الإنسان أن يحب ويحرص على ما لانهاية له، فليتحول بخل الإنسان إذا إلى صدقة موزعاََ بالعدل ما أخذه بالظلم، وليكن على انتباه حتى لا تعرف اليد اليسرى ما تفعله اليد اليمنى، لأني المرائين اذا تصدقوا يحبون أن ينظرهم ويمدحهم العالم ولكن الحق أنهم مغرورون لأني من يشتغل لإنسان فمنه يأخذ أجره، فاذا نال إنسان شيئا من الله وجب عليه أن يخدم الله، وتوخُّوا متى تصدقتم أن تحسوا أنكم تعطون الله كل شيء حبا في الله، فلا تبطئون في العطاء واعطوا خير ما عندكم حبا في الله، قولوا لي أتريدون أن تنالوا شيئا رديئا من الله؟ لا البتة أيها التراب والرماد، فكيف يكون عندكم ايمان اذا أعطيتم شيئا رديئا حبا في الله؟، الا تعطوا شيئا خير من أن تعطوا شيئا رديئا، لأني لكم في عدم العطاء شيئا من المعذرة في عرف العالم، ولكن ما تكون معذرتكم في اعطاء شيء لا قيمة له وابقاء الافضل لا نفسكم؟، وهذا كل ما أملك أن أقول لكم في شأن التوبة، أجاب برنابا: كم يجب أن تدوم التوبة، أجاب يسوع: يجب على الإنسان ما دام في حال الخطيئة أن يتوب ويقوم بجهاد نفسه، فكما أن الحياة البشرية تخطئ على الدوام وجب عليها أن تقوم بجهاد النفس على الدوام، الا إذا كنتم تحسبون أحذيتكم أكرم من نفسكم لأنه كلما انفتق حذاؤكم أصلحتموه.

 

الفصل السادس والعشرون بعد المئة

 

 وبعد أن جمع يسوع تلاميذه أرسلهم مثنى مثنى الى مقاطعة اسرائيل قائلا: اذهبوا وبشروا كما سمعتم، فحينئذ انحنوا فوضع يده على رأسهم قائلا: باسم الله ابرؤا المرضى أخرجوا الشياطين وأزيلوا ضلال اسرائيل في شأني مخبريهم ما قلت أمام رئيس الكهنة، فانصرفوا جميعهم خلا من يكتب ويعقوب ويوحنا، فذهبوا في اليهودية مبشرين بالتوبة كما أمرهم يسوع مبرئين كل نوع من المرض، حتى ثبت في اسرائيل كلام يسوع أن الله أحد وأن يسوع نبي الله اذ رأوا هذا الجم يفعل ما فعل يسوع من حيث شفاء المرضى، ولكن أبناء الشيطان وجدوا طريقة أخرى لاضطهاد يسوع وهؤلاء هم الكهنة والكتبة، فشرعوا من ثم يقولون أن يسوع طمح الى ملكية اسرائيل، ولكنهم خافوا العامة فلذلك ائتمروا عليه سرا، وبعد أن جاب التلاميذ اليهودية عادوا الى يسوع فاستقبلهم كما يستقبل الاب أبناءه قائلا: أخبروني كيف فعل الرب إلهنا؟ حقا اني لقد رأيت الشيطان يسقط تحت أقدامكم وأنتم تدوسونه كما يدوس الكرام العنب، فأجاب التلاميذ: يا معلم لقد ابرأنا عددا لا يحصى من المرضى وأخرجنا شياطين كثيرين كانوا يعذبون الناس، فقال يسوع: ليغفر الله لكم أيها الاخوة لانكم أخطأتم اذ قلتم (( أبرأنا)) وإنما الله هو الذي فعل ذلك كله ، حينئذ قالوا لقد تكلمنا بغباوة فعلمنا كيف نتكلم ، أجاب يسوع : في كل عمل صالح قولوا : (( الرب صنع )) وفي كل عمل رديء قولوا : (( أخطأت )) ، فقال التلاميذ : إنا لفاعلون هكذا ، ثم قال يسوع : ماذا يقول إسرائيل وقد رأى الله يصنع على أيدي جمهور من الناس ما صنع الله على يدي؟، أجاب التلاميذ : يقولون أنه يوجد إله أحد وأنك نبي الله ، فأجاب يسوع بوجه متهلل: تبارك اسم الله القدوس الذي لم يحتقر رغبة عبده هذا ولما قال ذلك انصرفوا للراحة.

 

الفصل السابع والعشرون بعد المئة

 

 وانصرف يسوع من البرية ودخل أورشليم، فأسرع من ثم الشعب كله الى الهيكل ليراه، فبعد قراءة المزامير ارتقى يسوع الدكة التي كان يرتقيها الكتبة، وبعد أن أشار بيده ايماء للصمت قال: أيها الاخوة تبارك اسم الله القدوس الذي خلقنا من طين الأرض لا من روح ملتهب، لأنه متى أخطأنا وجدنا رحمة عند الله لأني يجدها الشيطان أبدا، لأنه لا يمكن اصلاحه بسبب كبريائه اذ يقول أنه شريف دوما لأنه روح ملتهب، هل سمعتم أيها الاخوة ما يقول أبونا داود عن إلهنا انه يذكر أننا تراب وإن روحنا تمضي فلا تعود أيضا فلذلك رحمنا؟، طوبى للذين يعرفون هذه الكلمات لانهم لا يخطئون الى ربهم إلى الأبد فانهم بعد أن يخطئوا يتوبون فلذلك لا تدوم خطيئتهم، ويل للمتغطرسين لأنهم سيذلون في جمرات الجحيم، قولوا لي أيها الاخوة ما هو سبب الغطرسة؟، أيتفق أن يوجد صلاح على الأرض؟، لا البتة لأنه كما يقول سليمان نبي الله: ( ان كل ما تحت الشمس لباطل)، ولكن اذا كانت أشياء العالم لا تسوغ لأني الغطرسة بقلبنا فبالاحرى ألا تسوغه حياتنا، لأنه مثقلة بشقاء كثير لأني كل الحيوانات التي هي دون الإنسان تقاتلنا، ما أكثر الذين قتلهم حر الصيف المحرق!، ما أكثر الذين قتلهم الصقيع وبرد الشتاء!، ما أكثر الذين قتلهم الصواعق والبرد!، ما أكثر الذين غرقوا في البحر بعصف الرياح!، ما أكثر الذين ماتوا من الوباء والجوع أو لأني الوحوش الضارية قد افترستهم أو نهشتهم الافاعي أو خنقهم الطعام!، ما أتعس الإنسان المتغطرس اذ أنه يرزح تحت أحمال ثقيلة وتقف له في كل موضع جميع الخلائق بالمرصاد، ولكن ماذا أقول عن الجسد والحس اللذين لا يطلبان الا الاثم، وعن العالم الذي لا يقدم الا الخطيئة، وعن الشرير الذي لما كان يخدم الشيطان يضطهد كل من يعيش بحسب شريعة الله؟، ومن المؤكد أيها الاخوة ان الإنسان كما يقول داود: ( لو تأمل الابدية بعينه لما أخطأ)، ليس تغطرس الإنسان بقلبه سوى اقفال رأفة الله ورحمته حتى لا يعود يصفح، لأني أبانا داود يقول: ( ان إلهنا يذكر أننا لسنا سوى تراب وأن روحنا تمضي ولا تعود أيضا)، فمن تغطرس اذا أنكر أنه تراب وعليه فلما كان لا يعرف حاجته. فهو لا يطلب عونا فيغضب الله معينه، لعمر الله الذي تقف نفسي في حضرته أن الله يعفو عن الشيطان لو عرف الشيطان شقاءه وطلب رحمه من خالقه المبارك الى الابد.

 

الفصل الثامن والعشرون بعد المئة

 

 لذلك أقول لكم أيها الاخوة انني أنا الذي هو إنسان تراب وطين يسير على الأرض أقول لكم جاهدوا أنفسكم واعرفوا خطاياكم، أقول أيها الاخوة أن الشيطان ضللكم بواسطة الجنود الرومانية عندما قلتم أنني أنا الله، فاحذروا من أن تصدقوهم لانهم واقعون تحت لعنة الله وعابدون الآلهة الباطلة الكاذبة كما استنزل أبونا داود لعنة عليهم قائلا: ( إن آلهة الأمم فضة وذهب عمل أيديهم لها أعين ولا تبصر لها آذان ولا تسمع لها مناخر ولا تشم لها فم ولا تأكل لها لسان ولا تنطق لها أيدي ولا تلمس لها أرجل ولا تمشي)، لذلك قال داود أبونا ضارعا إلى إلهنا الحي: ( مثلها يكون صانعوها بل كل من يتكل عليها)، يا لكبرياء لم يسمع بمثلها ـ كبرياء الإنسان الذي ينسى حاله ويود أن يصنع إلها بحسب هواه مع أن الله خلقه من تراب، وهو بذلك يستهزئ بالله بهدوء كأنه يقول: (( لا فائدة من عبادة الله)) لأني هذه ما تظهره أعمالهم، الى هذا أراد الشيطان أن يوصلكم أيها الاخوة اذ حملكم على التصديق بأنني أنا الله، فاني وأنا لا طاقة لي أن أخلق ذبابة بل اني زائل وفان لا أقدر أن أعطيكم شيئا نافعا لأني أنا نفسي في حاجة الى كل شيء، فكيف أقدر اذا أن أعينكم في كل شيء كما هو شأن الله أن يفعل، أفنستهزئ إذا وإلهنا هو الإله العظيم الذي خلق بكلمته الكون بالامم وآلهتهم؟، صعد رجلان إلى الهيكل هنا ليصليا أحدهما فريسي والآخر عشار، فاقترب الفريسي من المقدس وصلى رافعا وجهه قائلا: (أشكرك أيها الرب إلهي لأني لست كباقي الناس الخطاة الذين يرتكبون كل آثم، ولا مثل هذه العشار خصوصا لأني أصوم مرتين في الاسبوع وأعشر كل ما أقتنيه)،أما العشار فلبث واقفا على بعد منحنيا الى الأرض، وقال مطرقا برأسه قارعا صدره: ( يا رب انني لست أهلا أن أتطلع الى السماء ولا الى مقدسك لانى أخطأت كثيرا فارحمني)، الحق أقول لكم أن العشار نزل الهيكل أفضل من الفريسي لأني إلهنا برره غافرا له خطاياه كلها أما الفريسي فنزل وهو على حال أردأ من العشار، لأني إلهنا رفضه ماقتا أعماله.

 

الفصل التاسع والعشرين بعد المئة

 

 أتفتخر الفأس مثلا لأنه قطعت حرجة حيث صنع إنسان بستانا؟، لا البتة لأني الإنسان صنع كل شيء بيديه حتى الفأس، وانت أيها الإنسان أتفتخر أنك فعلت شيئا حسنا وأنت قد خلقك إلهنا من طين ويعمل فيك كل ما تأتيه من صلاح، ولماذا تحتقر قريبك؟، ألا تعلم أنه لولا حفظ الله اياك من الشيطان لكنت شرا من الشيطان؟، ألا تعلم أن خطيئة واحدة مسخت أجمل ملاك شر شيطان مكروه؟، وانها حولت أكمل إنسان جاء الى العالم وهو آدم مخلوقا شقيا وجعلته عرضة لما نكابد نحن وسائر ذريته؟، فأي اذن لك يخولك حق المعيشة بحسب هواك دون أدنى خوف، ويل لك أيتها الطينة لانك بتغطرسك على الله الذي خلقك ستحتقرين تحت قدمي الشيطان الذي هو واقف لك بالمرصاد، وبعد أن قال يسوع هذا وصلى رافعا يديه الى الرب، وقال الشعب: (( ليكن كذلك ليكن كذلك))، ولما أكمل صلاته نزل من الدكة، فأحضروا اليه جمهورا كثيرا من مرضى فابرأهم وانصرف من الهيكل، فدعا يسوع ليأكل خبزا سمعان الذي كان أبرص فشفاه يسوع، أما الكهنة والكتبة الذين كانوا يبغضون يسوع فأخبروا الجنود الرومانية بما قاله يسوع في آلهتهم، لأني الحقيقة هي أنهم كانوا يلتمسون فرصة ليقتلوه فلم يجدوها لانهم خافوا الشعب، ولما دخل يسوع بيت سمعان جلس الى المائدة، وبينما كان يأكل اذا بامرأة اسمها مريم وهي مومسة دخلت البيت وطرحت نفسها على الأرض وراء قدمي يسوع وغسلتهما بدموعها ودهنتهما بالطيب ومسحتهما بشعر رأسها، فخجل سمعان وكل الذين كانوا على الطعام، وقالوا في قلوبهم: ((لو كان هذا الرجل نبيا لعرف من هذه المرأة ومن أي طبقة هي ولما سمح لها أن تمسه ))، فقال حينئذ يسوع: يا سمعان ان عندي شيئا أقوله لك، أجاب سمعان: تكلم يا معلم لأني أحب كلمتك.

 

الفصل الثلاثون بعد المئة

 

 قال يسوع: كان لرجل مدينان أحدهما مدين لدائنه بخمسين فلسا والآخر بخمس مئة، فلما لم يكن عند أحد منهما ما يدفعه تحنن الدائن وعفا عن دين كليهما، فأيهما يحب دائنه أكثر؟ أجاب سمعان: صاحب الدين الأكبر الذي عفا عنه، فقال يسوع: لقد قلت صوابا، اني أقول لك اذا انظر هذه المرأة ونفسك، لانكما كنتما كلاكما مدينين لله أحدكما ببرص الجسم والآخر ببرص النفس الذي هو الخطيئة، فتحنن الله ربنا بسبب صلواتي وأراد شفاء جسدك ونفسها، فأنت اذا تحبني قليلا لأنك نلت هبة صغيرة، وهكذا لما دخلت بيتك لم تقبلني ولم تدهن رأسي، أما هذه المرأة فلما دخلت بيتك جاءت توا ووضعت نفسها عند قدمي اللتين غسلتهما بدموعها ودهنتهما بالطيب، لذلك أقول لك الحق أنه قد غفرت لها خطايا كثيرة لأنه أحبت كثيرا، ثم التفت الى المرأة وقال: اذهبي في طريقك لأني الرب إلهنا قد غفر خطاياك، ولكن أنظري أن لا تخطئي فيما بعد، ايمانك خلصك.

 

الفصل الحادي والثلاثون بعد المئة

 

 وبعد صلاة الليل اقترب التلاميذ من يسوع وقالوا: يا معلم ماذا يجب أن نفعل لكي نتخلص من الكبرياء، فأجاب يسوع: هل رأيتم فقيرا مدعوا الى بيت عظيم ليأكل خبزا؟، أجاب يوحنا: اني أكلت خبزا في بيت هيرودس، لأني قبل أن عرفتك كنت أذهب لصيد السمك وأبيعه لبيت هيرودس، فجئتهم يوما الى هناك وهو في وليمة بسمكة نفيسة فأمرني بأن أبقى وآكل هناك، فقال حينئذ يسوع: كيف أكلت خبزا مع الكفار؟ ليغفر لك الله يا يوحنا، ولكن قل لي كيف تصرفت على المائدة؟، أطلبت أن يكون لك المحل الأرفع، أطلبت أشهى الطعام؟، أتكلمت على المائدة وأنت لم تسأل؟ أحسبت نفسك أكثر أهلية للجلوس الى المائدة من الآخرين؟، أجاب يوحنا لعمر الله اني لم أجسر أن أرفع عيني لأني صياد سمك فقير ومرتد ثيابا رثة جالس مع حاشية الملك، فكنت متى ناولني الملك قطعة صغيرة أخال العالم هبط على رأسي لعظم المنة التي أحسن بها الملك الي، والحق أقول أنه لو كان الملك من شريعتنا لخدمته طول ايام حياتي فأجاب يسوع: صه يا يوحنا لأني أخشى أن يطرحنا الله في الهاوية لكبريائنا كأبيرام، فارتعد التلاميذ خوفا من كلام يسوع فعاد وقال: لنخش الله لكي لا يطرحنا في الهاوية لكبريائنا، أسمعتم أيها الاخوة من يوحنا ما صنع في بيت أمير، ويل للبشر الذين أتوا الى العالم لانهم كما يعيشون في الكبرياء سيموتون في المهانة وسيذهبون الى الاضطراب، فان هذا العالم بيت يولم الله فيه للبشر حيث أكل كل الاطهار وأنبياء الله، والحق أقول لكم أن كل ما ينال الإنسان إنما يناله من الله ، لذلك يجب على الإنسان أن يتصرف بأعظم ضعة عارفا حقارته وعظمة الله مع كرمه العظيم الذي يغذينا به، لذلك لا يجوز للمرء أن يقول: لماذا فعل هذا أو قيل هذا في العالم؟ بل يجب عليه أن يحسن نفسه كما هو في الحقيقة غير أهل أن يقف في العالم على مائدة الله، لعمر الله الذي تقف نفسي في حضرته أنه مهما كان الشيء الذي يناله الإنسان من الله في العالم صغيرا فانه يجب عليه في مقابلته أن يصرف حياته حبا في الله، لعمر الله انك لم تخطئ يا يوحنا لأنك واكلت هيرودس فانك فعلت ذلك بتدبير الله لتكون معلمنا نحن وكل من يخشى الله ثم قال يسوع لتلاميذه: هكذا افعلوا لتعيشوا في العالم كما عاش يوحنا في بيت هيرودس عندما أكل خبزا معه، لأنكم هكذا تكونون بالحق خالين من كل كبرياء.

 

الفصل الثاني والثلاثون بعد المئة

 

 ولما كان يسوع ماشيا على شاطئ بحر الجليل أحاط به جمهور غفير من الناس فركب سفينة صغيرة منفردة كانت على بعد قليل من الشاطئ فرست على مقربة من البر بحيث يمكن سماع صوت يسوع، فاقتربوا جميعا من البحر وجلسوا ينتظرون كلمته ففتح حينئذ فاه وقال: هاهو ذا قد خرج الزارع ليزرع، فبينما كان يزرع سقط بعض البذور على الطريق فداسته أقدام الناس وأكلته الطيور، وسقط بعض على الحجارة فلما نبت احرقته الشمس اذ لم يكن فيه رطوبة، وسقط بعض على السياج فلما طلع الشوك خنق البذور، وسقط بعض على الأرض الجيدة فأثمر ثلاثين وستين ومئة ضعف، وقال يسوع أيضا: هاهو ذا أب أسرة زرع بذورا جيدة في حقله، وبينا خدم الرجل الصالح نيام جاء عدو الرجل سيدهم وزرع زوانا فوق البذور الجيدة، فلما نبتت الحنطة رؤي كثير من الزوان نابتا بينها، فجاء الخدم الى سيدهم وقالوا: يا سيد ألم نزرع بذورا جيدة في حقلك؟ فمن أين اذا طلع فيه مقدار وافر من الزوان؟، أجاب السيد: اني زرعت بذورا جيدة ولكن بينا الناس نيام جاء عدو الإنسان وزرع زوانا فوق الحنطة، فقال الخدم: أتريد أن نذهب ونقتلع الزوان من بين الحنطة ؟ ، أجاب السيد: لا تفعلوا هكذا لأنكم تقلعون الحنطة معه، ولكن تمهلوا حتى يأتي زمن الحصاد وحينئذ تذهبون وتقتلعون الزوان من بين الحنطة وتطرحونه في النار ليحرق وأما الحنطة فتضعونها في مخزني، وقال يسوع أيضا: خرج أناس كثيرون ليبيعوا تينا فلما بلغوا السوق اذا بالناس لا يطلبون تينا جيدا بل ورقا جميلا، فلم يتمكن القوم من بيع تينهم، فلما رأى ذلك أحد الاهالي الاشرار قال اني لقادر على أن أصير غنيا، فدعا ابنيه(وقال) : ((اذهبا الى واجمعا مقدارا كبيرا من الورق مع تين ردئ)) ، فباعوها بزنتها ذهبا لأني الناس سروا كثيرا بالورق، فلما أكل الناس التين مرضوا مرضا خطيرا، وقال أيضا يسوع: ها هوذا ينبوع لأحد الاهالي يأخذ منه الجيران ماء ليزيلوا به وسخهم، ولكن صاحب الماء يترك ثيابه تنتن، وقال يسوع أيضا: ذهب رجلان ليبيعا تفاحا فأراد احدهما أن يبيع قشر التفاح بزنته ذهبا غير مبال بجوهر التفاح، أما الآخر فأحب أن يهب التفاح ويأخذ قليلا من الخبز لسفره فقط، ولكن الناس اشتروا قشر التفاح بزنته ذهبا ولم يبالوا بالذي أحب أن يهبهم بل احتقروه، وهكذا كلم يسوع الجمع في ذلك اليوم بالامثال، وبعد ان صرفهم ذهب مع تلاميذه الى نايين حيث أقام ابن الارملة الذي قبله وامه الى بيته وخدمه.

 

الفصل الثالث والثلاثون بعد المئة

 

 فاقترب تلاميذ يسوع منه وسألوه قائلين: يا معلم قل لأني معنى الامثال التي كلمت بها الشعب، أجاب يسوع: اقتربت ساعة الصلاة فمتى انتهت صلاة المساء افيدكم معنى الامثال، فلما انتهت الصلاة اقترب التلاميذ من يسوع فقال لهم: ان الرجل الذي يزرع البذور على الطريق أو على الحجارة أو على الشوك أو على الأرض الجيدة هو من يعلم كلمة الله التي تسقط على عدد غفير من الناس، تقع على الطريق متى جاءت الى اذان البحارة والتجار الذين أزال الشيطان كلمة الله من ذاكرتهم بسبب الاسفار الشاسعة التي يزمعونها وتعدد الامم التي يتجرون معها، وتقع على الحجارة متى جاءت الى اذان رجال البلاط لأنه بسبب شغفهم بخدمة شخص حاكم لا تنفذ اليهم كلمة الله، على انهم وان كان لهم شيء من تذكرها فحالما تصيبهم شدة تخرج كلمة الله من ذاكرتهم، لأنهم وهم لم يخدموا الله لا يقدرون أن يرجوا معونة من الله، وتقع على الشوك متى جاءت الى اذان الذين يحبون حياتهم، لأنهم ـ وان نمت كلمة الله فيهم ـ اذا نمت الاهواء الجسدية خنقت البذور الجيدة من كلمة الله، لأني رغد العيش الجسدي يبعث على هجران كلمة الله، أما التي تقع على الأرض الجيدة فهو ما جاء من كلمة الله الى اذني من يخاف الله حيث تثمر ثمر الحياة الابدية، الحق أقول لكم ان كلمة الله تثمر في كل حال متى خاف الإنسان الله، أما ما يختص بأبي الاسرة فالحق أقول لكم انه الله ربنا أب كل الأشياء لأنه خلق الأشياء كلها، ولكنه ليس أباً على طريقة الطبيعة لأنه غير قادر على الحركة التي لا يمكن التناسل بدونها، فهو إذا إلهنا الذي يخصه هذا العالم، والحقل الذي يزرع فيه هو الجنس البشري، والبذار هو كلمة الله، فمتى أهمل المعلمون التبشير بكلمة الله لانشغالهم بتشاغل العالم زرع الشيطان ضلالا في قلب البشر ينشأ عنه شفيع لا تحصى من التعليم الشرى، فيصرخ الاطهار والأنبياء: (( يا سيد ألم تعط تعليما صالحا للبشر فمن أين اذا الاضاليل الكثيرة؟))، فيجيب الله: (( اني أعطيت البشر تعليما صالحا ولكن بينما كان البشر منقطعين الى الباطل زرع الشيطان ضلالا يبطل شريعتي، فيقول الاطهار: (( يا سيد اننا نبدد هذه الاضاليل باهلاك البشر)) ، فيجيب الله: (( لا تفعلوا هذا لأني المؤمنين يهلكون مع الكافرين، ولكن تمهلوا الى الدينونة، لأنه في ذلك الوقت ستجمع ملائكتي الكفار فيقعون مع الشيطان في الجحيم والمؤمنون يأتون الى مملكتي))، ومما لا ريب فيه أن كثيرين من الاباء الكفار يلدون ابناء مؤمنين لأجلهم امهل الله العالم ليتوب.

 

الفصل الرابع والثلاثون بعد المئة

 

 أما الذين يثمرون تينا حسنا فهم المعلمون الحقيقيون الذين يبشرون بالتعليم الصالح، ولكن العالم الذي يسر بالكذب يطلب من المعلمين أوراقا من الكلام والمداهنة المزوقين، فمتى رأى الشيطان ذلك اضاف نفسه مع الجسد والحس وأتى بمقدار وافر من الاوراق أي مقدار من الاشياء الأرضية التي يعطي بها الخطيئة، فمتى أخذها الإنسان اعتل وأمسى على وشك الموت الأبدي، أما أحد الاهالي الذي عنده ماء ويعطي ماءه للآخرين ليغسلوا وسخهم ويترك ثيابه تنتن فهو المعلم الذي يبشر الاخرين بالتوبة أما هو نفسه فيلبث في الخطيئة، ما أتعس هذا الإنسان لأني لسانه نفسه يخط في الهواء القصاص الذي هو أهل له لا الملائكة، لو كان لأحد لسان فيل وكان سائر جسده صغيرا بقدر نملة أفلا يكون هذا الشيء من خوارق الطبيعة؟، بلى البتة، فالحق أقول لكم أن من يبشر الآخرين بالتوبة ولا يتوب هو عن خطاياه لأشد غرابة من ذاك، أما الرجلان بائعا التفاح فأحدهما من يبشر لأجل محبة الله، فهو لذلك لا يداهن أحدا بل يبشر بالحق طالبا معيشة فقير فقط، لعمر الله الذي تقف نفسي في حضرته ان العالم لا يقبل رجلا كهذا بل هو حري بأن يحتقره، ولكن من يبيع القشر بزنته ذهبا ( ويهب التفاحة ) فإنما هو من يبشر ليرضى الناس، وهكذا متى داهن العالم أتلف النفس التي تتبع مداهنته، آه كم وكم من اناس هلكوا لهذا السبب؟، حينئذ أجاب الكاتب وقال: كيف يجب على الإنسان أن يصغي الى كلمة الله وكيف يمكن لأحد أن يعرف الذي يبشر لأجل محبة الله؟، أجاب يسوع: انه يجب أن يصغي الى من يبشر متى بشر بتعليم صالح كان المتكلم هو الله لكنه يتكلم بفمه، ولكن من يترك التوبيخ على الخطايا محابيا بالوجوه ومداهنا اناس خصوصيين فيجب تجنبه كأفعى مخوفة لأنه بالحقيقة يسم القلب البشري، أتفهمون؟، الحق أقول لكم انه كما لا حاجة بالجريح الى عصائب جميلة لعصب جراحه بل يحتاج بالحري الى مرهم جيد هكذا لا حاجة بالخاطئ الى كلام مزوق بل بالحرى الى توبيخات صالحة لكي ينقطع عن الخطيئة.

 

الفصل الخامس والثلاثون بعد المئة

 

 فقال حينئذ بطرس:يا معلم قل لأني كيف يعذب الهالكون وكم يبقون في الجحيم لكي يهرب الإنسان من الخطيئة؟، أجاب يسوع: يا بطرس قد سألت عن شيء عظيم ومع ذلك فاني ان شاء الله مجيبك، فاعلموا اذا ان الجحيم هي واحدة ومع ذلك فان له سبع دركات الواحدة منها دون الاخرى، فكما ان للخطيئة سبعة أنواع اذ أنشأها الشيطان نظير سبعة أبواب للجحيم كذلك يوجد فيها سبعة أنواع من العذاب، لأني المتكبر أي الأشد ترفعا في قلبه سيزج في أسفل دركة مارا في سائر الدركات التي فوقه ومكابدا فيها جميع الآلام الموجودة فيها، وكما انه يطلب هنا أن يكون اعظم من الله لأنه يريد أن يفعل ما يعن له مما يخالف ما أمر به الله ولا يعترف بأن أحدا فوقه فهكذا يوضع تحت أقدام الشيطان وشياطينه، فيدوسونه كما يداس العنب عند صنع الخمر وسيكون اضحوكة وسخرية للشياطين، والحسود الذي يحتدم غيظا لفلاح قريبه ويتهلل لبلاياه يهبط الى الدركة السادسة، وهناك تنهشه أنياب عدد غفير من أفاعي الجحيم، ويخيل له ان كل الاشياء في الجحيم تبتهج لعذابه وتتأسف لأنه لم يهبط الى الدركة السابعة، فلذلك فان عدل الله يخيل للحسود التعيس ذلك على اعواز الملعونين الفرح كما يخيل للمرء في حلم ان شخصا يرفسه فيتعذب، تلك هي الغاية التي أمام الحسود التعيس، ويخيل اليه حيث لا مسرة على الاطلاق ان كل أحد يبتهج لبليته ويتأسف ان التنكيل به لم يكن أشد، أما الطماع فيهبط الى الدركة الخامسة حيث يلم به فقر مدقع كما ألمّ بصاحب الولائم الغني، وسيقدم له الشياطين زيادة في عذابه ما يشتهي، فاذا صار في يديه اختطفته شياطين اخرى بعنف ناطقين بهذه الكلمات: (اذكر أنك لم تحب أن تعطي لمحبة الله ولذلك فلا يريد الله أن تنال) ، ما أتعسه من إنسان، فانه سيرى نفسه في تلك الحال فيذكر سعة العيش الماضي ويشاهد فاقة الحاضر، وانه بالخيرات التي لا يقدر على الحصول عليها حينئذ كان يمكنه ان ينال النعيم الأبدي!، أما الدركة الرابعة فيهبط اليها الشهوانيون حيث يكون الذين قد غيروا الطريق التي أعطاهم الله كحنطة مطبوخة في براز الشيطان المحترق، وهناك تعانقهم الافاعي الجهنمية، وأما الذين كانوا قد زنوا بالبغايا فستتحول كل أعمال هذه النجاسة فيهم الى غشيان جنيات الجحيم اللواتي هن شياطين بصور نساء شعورهن من أفاع وأعينهن كبريت ملتهب وفمهن سام ولسانهن علقم وجسدهن محاط بشصوص مريشة بسنان شبيهة بالتي تصاد بها الاسماك الحمقاء ومخالبهن كمخالب العقبان وأظافرهن أمواس وطبيعة أعضائهن التناسلية نار، فمع هؤلاء يتمتع الشهوانيون على جمر الجحيم الذي سيكون سريرا لهم، ويهبط الى الدركة الثالثة الكسلان الذي لا يشتغل الآن، هنا تشاد مدن وصروح فخمة، ولا تكاد تنجز حتى تهدم توا لأنه ليس فيها حجر موضوع في محله، فتوضع هذه الحجارة الضخمة على كتفي الكسلان الذي لا يكون مطلق اليدين فيبرد جسده وهو ماش ويخفف الحمل، لأني الكسل قد أزال قوة ذراعيه، وساقاه مكبلتان بأفاعي الجحيم، وأنكى من ذلك ان وراءه الشياطين تدفعه وترمي به الأرض مرات متعددة وهو تحت العبء، ولا يساعده أحد في رفعه، بل لما كان أثقل من أن يرفع يوضع عليه مقدار مضاعف، ويهبط الى الدركة الثانية النهم، فيكون هناك قحط الى حد ان لا يوجد شيء يؤكل سوى العقارب الحية والافاعي الحية التي تعذب عذابا أليما حتى انهم لو لم يولدوا لكان خيرا لهم من أن يأكلوا مثل هذا الطعام، وستقدم لهم الشياطين بحسب الظاهر أطعمة شهية، ولكن لما كانت أيديهم وأرجلهم مغلولة بأغلال من نار لا يقدرون أن يمدوا يدا اذا بدا لهم الطعام، وأنكى من ذلك أنه لما كانت هذه العقارب نفسها التي يأكلها لتلتهم بطنه غير قادرة على الخروج سريعا فانها تمزق سوءة النهم، ومتى خرجت نجسة وقذرة على ما هي عليه تؤكل مرة اخرى، ويهبط المستشيط غضبا الى الدركة الاولى حيث يمتهنه كل الشياطين وسائر الملعونين الذين هم أسفل منه مكانا، فيرفسونه ويضربونه ويضجعونه على الطريق التي يمرون عليها واضعين أقدامهم على عنقه، ومع هذا فهو غير قادر على المدافعة عن نفسه لأني يديه ورجليه مربوطة، وأنكى من ذلك انه غير قادر على اظهار غيظه باهانة الآخرين لأني لسانه مربوط بشص شبيه بما يستعمله بائع اللحوم، ففي هذا المكان الملعون يكون عقاب عام يشمل كل الدركات كمزيج من حبوب عديدة يصنع منه رغيف، لأنه ستتحد بعدل الله النار والجمد والصواعق والبرق والكبريت والحرارة والبرد والريح والجنون والهلع على طريقة لا يخفف فيها البرد الحرارة ولا النار الجليد بل يعذب كل منها الخاطئ التعيس تعذيبا.

 

الفصل السادس والثلاثون بعد المئة

 

 ففي هذه البقعة الملعونة يقيم الكافرون الى الابد، حتى لو فرض ان العالم ملئ حبوب دخن وكان طير واحد يحمل حبة واحدة منها كل مئة سنة الى انقضاء العالم لسر الكافرون لو كان يتاح لهم بعد انقضائه الذهاب الى الجنة، ولكن ليس لهم هذا الامل اذ ليس لعذابهم من نهاية، لأنهم لم يريدوا أن يضعوا حدا لخطيئتهم حبا في الله، أما المؤمنون فسيكون لهم تعزية لأني لعذابهم نهاية، فذعر التلاميذ لما سمعوا هذا وقالوا: أيذهب اذا المؤمنون الى الجحيم؟، أجاب يسوع: يتحتم على كل أحد أيا كان أن يذهب الى الجحيم، بيد ان ما لا مشاحة فيه ان الاطهار وأنبياء الله إنما يذهبون الى هناك ليشاهدوا لا ليكابدوا عقابا ، أما الأبرار فانهم لا يكابدون الا الخوف ، وماذا أقول ؟ افيدكم أنه حتى رسول الله يذهب إلى هناك ليشاهد عدل الله ، فترتعد ثمة الجحيم لحضوره، وبما انه ذو جسد بشري يرفع العقاب عن كل ذي جسد بشري من المقضي عليهم بالعقاب فيمكث بلا مكابدة عقاب مدة اقامة رسول الله لمشاهدة الجحيم ، ولكنه لا يقيم هناك إلا طرفة عين، وإنما يفعل الله هذا ليعرف كل مخلوق أنه نال نفعا من رسول الله ، ومتى ذهب إلى هناك ولولت الشياطين وحاولت الاختباء تحت الجمر المتقد قائلا بعضهم لبعض : اهربوا اهربوا فان عدونا محمد قد أتى، فمتى سمع الشيطان ذلك يصفع وجهه بكلتا كفيه ويقول صارخا: (( ذلك بالرغم عني لأشرف مني وهذا إنما فعل ظلما))، أما ما يختص بالمؤمنين الذين لهم اثنان وسبعون درجة مع أصحاب الدرجتين الاخيرتين الذين كان لهم ايمان بدون اعمال صالحة اذ كان الفريق الاول حزينا على الاعمال الصالحة والاخر مسرورا بالشر ، فسيمكثون جميعا في الجحيم سبعين ألف سنة، وبعد هذه السنين يجيء الملاك جبريل الى الجحيم ويسمعهم يقولون: يا محمد أين وعدك لأني ان من كان على دينك لا يمكث في الجحيم الى الابد، فيعود حينئذ ملاك الله الى الجنة وبعد أن يقترب من رسول الله باحترام يقص عليه ما سمع، فحينئذ يكلم الرسول الله ويقول: ربي وإلهي اذكر وعدك لي أنا عبدك بأن لا يمكث الذين قبلوا ديني في الجحيم الى الابد، فيجيب الله: اطلب ما تريد يا خليلي لأني أهبك كل ما تطلب.

 

الفصل السابع والثلاثون بعد المئة

 

 فحينئذ يقول رسول الله: يا رب يوجد من المؤمنين في الجحيم من لبث سبعين ألف سنة، أين رحمتك يا رب؟، اني أضرع اليك يا رب أن تعتقهم من هذه العقوبات المرة، فيأمر الله حينئذ الملائكة الاربعة المقربين لله أن يذهبوا الى الجحيم ويخرجوا كل من على دين رسوله ويقودوه الى الجنة، وهو ما سيفعلونه، ويكون من مبلغ جدوى دين رسول الله ان كل من آمن به يذهب الى الجنة بعد العقوبة التي تكلمت عنها حتى ولو لم يعمل عملا صالحا لأنه مات على دينه.

 

الفصل الثامن والثلاثون بعد المئة

 

 ولما طلع الصباح جاء باكرا رجال المدينة كلهم مع النساء والاطفال الى البيت الذي كان فيه يسوع وتلاميذه، وتوسلوا اليه قائلين: يا سيد ارحمنا لأني الديدان قد أكلت في هذه السنة الحبوب ولا نحصل في هذه السنة على خبز في أرضنا، أجاب يسوع: ما هذا الخوف الذي أنتم فيه؟، ألا تعلمون ان ايليا خادم الله لم ير خبزا مدة اضطهاد أخاب له ثلاث سنين مغتذيا بالبقول والثمار البرية فقط؟، وعاش داود أبونا نبي الله مدة سنتين على الثمار البرية والبقول اذ اضطهده شاول حتى انه لم يذق الخبز سوى مرتين، أجاب القوم: انهم كانوا أيها السيد أنبياء الله يغتذون بالمسرة الروحية ولذلك احتملوا كل شيء، ولكن ماذا يصيب هؤلاء الصغار؟ ثم أروه جمهور أطفالهم، حينئذ تحنن يسوع على شقائهم وقال: كم بقي للحصاد؟، فأجابوا: عشرون يوما، فقال يسوع: يجب أن ننقطع مدة هذه العشرين يوما للصوم والصلاة لأني الله سيرحمكم، الحق أقول لكم ان الله قد أحدث هذا القحط لأنه ابتدأ هنا جنون الناس وخطيئة اسرائيل اذ قالوا انني انا الله وابن الله، وبعد ان صاموا تسعة عشر يوما شاهدوا في صباح اليوم العشرين الحقول والهضاب مغطاة بالحنطة اليابسة، فأسرعوا الى يسوع وقصوا عليه كل شيء، فلما سمع يسوع ذلك شكر الله وقال: اذهبوا أيها الاخوة واجمعوا الخبز الذي أعطاكم اياه الله، فجمع القوم مقدارا وافرا من الحنطة حتى انهم لم يعرفوا أين يضعوه، وكان ذلك سبب سعة في اسرائيل، فتشاور الاهالي لينصبوا يسوع ملكا عليهم، فلما عرف ذلك هرب منهم، ولذلك اجتهد التلاميذ خمسة عشر يوما ليجدوه.

 

الفصل التاسع والثلاثون بعد المئة

 

 أما يسوع فوجده الذي يكتب ويعقوب ويوحنا، فقالوا وهم باكون يا معلم لماذا هربت منا؟، فلقد طلبناك ونحن حزانى بل ان التلاميذ كلهم طلبوك باكين، فأجاب يسوع : إنما هربت لأني علمت أن جيشا من الشياطين يهيء لي ما سترونه بعد برهة وجيزة، فسيقوم على رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب وسيطلبون أمرا من الحاكم الروماني بقتلي، لأنهم يخافون أن أغتصب ملك اسرائيل، وعلاوة على هذا فان واحدا من تلاميذي يبيعني ويسلمني كما بيع يوسف الى مصر، ولكن الله العادل سيوثقه كما يقول النبي داود: ( من نصب فخا لأخيه وقع فيه)، ولكن الله سيخلصني من أيديهم وسينقلني من العالم، فخاف التلاميذ الثلاثة، ولكن يسوع عزاهم قائلا: لا تخافوا لأنه لا يسلمني أحد منكم، فكان لهم بهذا شيء من العزاء، وجاء في اليوم التالي ستة وثلاثون تلميذا من تلاميذ يسوع مثنى مثنى، ومكث في دمشق ينتظر الباقين، وحزن كل منهم لأنهم عرفوا أن يسوع سينصرف من العالم، لذلك فتح فاه وقال: ان من يسير دون أن يعلم الى أين يذهب لهو تعيس، وأتعس منه من هو قادر ويعرف كيف يبلغ نزلا حسنا ومع ذلك يريد أن يمكث في الطريق القذرة والمطر وخطر اللصوص، قولوا لي أيها الاخوة هل هذا العالم وطننا؟ لا البتة فان الإنسان الاول طرد الى العالم منفيا ، فهو يكابد فيه عقوبة خطأه، أيمكن أن يوجد منفي لا يبالي بالعودة الى وطنه الغني وقد وجد نفسه في الفاقة؟، حقا ان العقل لينكر ذلك ولكن الاختبار يثبته بالبرهان، لأني محبي العالم لا يفكرون في الموت، بل عندما يكلمهم عنه أحد لا يصغون الى كلامه.

 

الفصل الاربعون بعد المئة

 

 صدقوني أيها القوم اني جئت الى العالم بامتياز لم يعط الى بشر حتى انه لم يعط لرسول الله لأني إلهنا لم يخلق الإنسان ليبقيه في العالم بل ليضعه في الجنة، ومن المحقق ان من لا امل له ان ينال شيئا من الرومانيين لأنهم من شريعة غريبة عنه لا يريد ان يترك وطنه وكل ما عنده ويذهب ليتوطن رومية على ان لا يعود، ويكون ميله الى ذلك أقل جدا اذا هو اغاظ قيصر، فالحق أقول لكم انه هكذا يكون وسليمان نبي الله يصرح معي: ( ما أمر ذكراك ايها الموت للذين يتنعمون في ثروتهم)، اني لا أقول هذا لأني علي ان اموت الآن، واني عالم باني سأحيا الى نحو منتهى العالم، ولكن أكلمكم بهذا لكي تتعلموا كيف تموتون، لعمر الله اذا اسيء عمل شيء ولو مرة دل على انه لابد من التمرن عليه اذا اريد اتقانه، ارايتم كيف تتمرن الجنود في زمن السلم بعضهم مع بعض كأنهم يتحاربون؟، وكيف يتاح لمن يتعلم كيف يحسن الموت ان يموت ميتة صالحة، قال النبي داود: ( ثمين في نظر الرب موت الطاهرين)، اتدرون لماذا؟، اني افيدكم، انه لما كانت الاشياء النادرة ثمينة وكان موت الذين يحسنون الموت نادرا كان ثمينا في نظر الله خالقنا، فمن المؤكد انه متى شرع المرء في امر لا يريد ان ينجزه فقط ولكنه يكدح حتى يكون لغرضه نتيجة حسنة، يا لك من رجل شقي يفضل سراويلاته على نفسه، لأنه عندما يفصل القماش يقيسه جيدا قبل تفصيله ومتى فصله خاطه باعتناء، اما حياته التي ولدت لتموت ـ اذ لا يموت الا من يولد ـ فلماذا لايقيسها الإنسان بالموت؟، ارأيتم البنائين كيف لا يضعون حجرا الا والاساس نصب عيونهم فيقيسونه ليروا اذا كان مستقيما لكيلا يسقط الجدار؟، يا له من رجل تعيس لأني بنيان حياته سيتهدم شر تهدم لأنه لا ينظر الى اساس الموت.

 

الفصل الحادي والاربعون بعد المئة

 

 قولوا لي كيف يولد الإنسان متى ولد؟، حقا انه ولد عريانا، وأي جدوى متى وسِّد ميتا تحت الثرى؟، ليس سوى خرقة يلف بها وهذا هو الجزاء الذي يعطيه اياه العالم، فاذا كان يجب في كل عمل أن تكون الوسيلة على نسبة البداية والنهاية ليمكن ايصال العمل الى نهاية حسنة فما عسى أن تكون نهاية الإنسان الذي يشتهي الثروة العالمية؟، انه ليموت كما يقول داود نبي الله: ( ان الخاطئ ليموتن شر ميتة)، اذا حاول خياط أن يدخل جذوعا في سم ابرة بدلا من خيط فما يكون مصير عمله، انه ليحاول عبثا وجيرانه يزدرون به، فالإنسان لا يرى انه فاعل هذا على الدوام وهو يجمع الخيرات الأرضية، لأني الموت هو الابرة التي لا يمكن ادخال جذوع الخيرات الأرضية في سمها، ومع ذلك فهو بجنونه يحاول على الدوام أن يفلح في عمله ولكن عبثا، ومن لا يصدق هذا في كلامي فليتفرس في القبور لأنه هناك يجد الحق، فمتى أراد أن يبرز في الحكمة على من سواه في خوف فليطالع كتاب القبر، لأنه هناك يجد التعليم الحقيقي لخلاصه، فانه متى رأى ان جسد الإنسان يحفظ ليكون طعاما للديدان تعلَّم أن يحذر العالم والجسد والحس، قولوا لي اذا كان هناك طريق على حال يكون اذا سار معها المرء في الوسط سارآمنا فاذا سارعلى الجانبين شج رأسه، فماذا تقولون اذا رأيتم الناس يختصمون ويتبارون ليكونوا أقرب الى الجانب ويقتلوا أنفسهم؟، ما أشد ما يكون عجبكم! حقا انكم تقولون: انهم لمعتوهون ومجانين وإنهم إذا لم يكونوا مجانين فإنما هم بائسون، أجاب التلاميذ: إن ذلك لصحيح، حينئذ بكى يسوع وقال: إن عشاق العالم إنما هم لكذلك، لأنهم لو عاشوا بحسب العقل الذي اتخذ موضعا متوسطا في الإنسان لاتبعوا شريعة الله وخلصوا من الموت الابدي، ولكنهم جنُّوا وأصبحوا أعداءا عتاة لأنفسهم لأنهم يتبعون الجسد والعالم مجتهدين في أن يعيش كل منهم أشد غطرسة وفجورا من الآخر.

 

الفصل الثاني والاربعون بعد المئة

 

 لما رأى يهوذا الخائن ان يسوع قد هرب يئس من أن يصير عظيما في العالم، لأنه كان يحمل كيس يسوع حيث كان يحفظ فيه كل ما كان يعطى له حبا في الله، فهو قد رجا أن يصير يسوع ملكا على اسرائيل وانه هو نفسه يصبح رجلا عزيزا، فلما فقد هذا الرجاء قال في نفسه: لو كان هذا الرجل نبيا لعرف اني أختلس نقوده ولكان حنق وطردني من خدمته اذ يعلم اني لا اؤمن به، ولو كان حكيما لما هرب من المجد الذي يريد الله أن يعطيه اياه، فالأجدر بي اذا أن أتفق مع رؤساء الكهنة والكتبة والفريسيين ونرى كيف اسلمه الى أيديهم فبهذا أتمكن من تحصيل شيء من النفع، فبعد ان عقد النية أخبر الكتبة والفريسيين عما حدث في نايين، فتشاوروا مع رئيس الكهنة قائلين: (ماذا نفعل لو صار هذا الرجل ملكا؟، حقا ان ذلك يكون وبالا علينا فإنه يريد أن يصلح عبادة الله على حسب السنة القديمة، لأنه لا يقدر أن يبطل تقاليدنا، فكيف يكون مصيرنا تحت سلطان رجل هكذا؟، حقا اننا نهلك نحن وأولادنا لأني اذا طردنا من وظيفتنا اضطررنا أن نستعطي خبزنا، أما الآن فالحمد لله لأني ملك ووال اجنبيان عن شريعتنا ولا يباليان بشريعتنا كما لا نبالي نحن بشريعتهم، ولذلك نقدر أن نفعل كل ما نريد، فإن أخطأنا فإن إلهنا رحيم يمكن استرضاؤه بالضحية والصوم، ولكن اذا صار هذا الرجل ملكا فلن يسترضى الا اذا رأى عبادة الله كما كتب موسى، وأنكى من ذلك أنه يقول أن مسيا لا يأتي من نسل داود((كما قال لأني أحد تلاميذه الاخصاء)) بل يقول انه يأتي من نسل إسماعيل، وان الموعد صنع بإسماعيل لا باسحاق، فماذا يكون الثمر اذا تركنا هذا الإنسان يعيش؟، من المؤكد ان الاسماعليين يصيرون ذوي وجاهة عند الرومانيين فيعطونهم بلادنا ملكا، وهكذا يصير اسرائيل عرضة للعبودية كما كان قديما)، فلما سمع رئيس الكهنة هذا الرأي أجاب انه يجب أن يتفق مع هيرودس والوالي، لأني الشعب كثير الميل اليه حتى انه لا يمكننا اجراء شيء بدون الجند، وان شاء الله نتمكن بواسطة الجند من القيام بهذا العمل، فبعد ان تشاوروا فيما بينهم على امساكه ليلا متى رضي الوالي وهيرودس بذلك.

 

الفصل الثالث والاربعون بعد المئة

 

 وجاء حينئذ بمشيئة الله كل التلاميذ الى دمشق، وتظاهر في ذلك اليوم يهوذا الخائن أكثر من غيره بمكابدة الحزن على غياب يسوع، لذلك قال يسوع: ليحذر كل أحد من يحاول بدون سبب أن يقيم لك دلائل الحب، وأخذ الله بصيرتنا حتى لا نعلم لأي غرض قال هذا، وبعد مجيء كل التلاميذ قال يسوع: لنرجع الى الجليل لأني ملاك الله ((قال؟)) لي انه يجب علي أن أذهب الى هناك، وعليه جاء يسوع الى الناصرة في صباح يوم سبت، فلما تبين الاهالي انه يسوع أحب كل أحد أن يراه، حتى ان عشارا اسمه زكا كان قصير القامة بحيث لا يقدر أن يرى يسوع مع كثرة الجمع فتسلق جميزة حتى رأسها، وتربص هناك حتى يمر يسوع في ذلك المكان وهو ذاهب الى المجمع، فلما بلغ يسوع ذلك الموضع رفع عينيه وقال: انزل يا زكا لأني سأقيم في بيتك، فنزل الرجل وقبَّله بفرح وصنع وليمة عظيمة، فتذمر الفريسيون قائلين لتلاميذ يسوع: لماذا ذهب معلمكم ليأكل مع عشارين وخطاة؟، أجاب يسوع: لأي سبب يذهب الطبيب الى بيت المريض؟، قولوا لي أقل لكم لماذا ذهبت الى هناك، أجابوا: ليشفي المرض، أجاب يسوع: فقد قلتم الحق فانه لا حاجة بالاصحاء الى طبيب بل المرضى فقط.

 

الفصل الرابع والاربعون بعد المئة

 

  لعمر الله الذي تقف نفسي في حضرته أن الله يرسل أنبياءه وخدامه الى العالم ليتوب الخطأة، ولا يرسلهم لأجل الأبرار لأنه ليس بهم حاجة الى التوبة كما انه لا حاجة بمن كان نظيفا الى الحمام، ولكن الحق أقول لكم لو كنتم فريسيين حقيقيين لسررتم بدخولي على الخطأة لخلاصهم، قولوا لي أتعرفون منشأكم ولماذا ابتدا العالم يقبل الفريسيين؟، اني لأقول لكم انكم لا تعرفونه، فأصيخوا لاستماع كلامي، ان أخنوخ خليل الله الذي صار مع الله بالحق غير مكترث بالعالم نقل الى الفردوس، وهو يقيم هناك الى الدينونة(لأنه متى اقتربت نهاية العالم يرجع الى العالم مع ايليا وآخر)، فلما علم الناس بذلك شرعوا يطلبون الله خالقهم طمعا في الفردوس، لأني معنى الفردوس بالحرف في لغة الكنعانيين((يطلب الله))، لأنه هناك ابتدأ هذا الاسم على سبيل الاستهزاء بالصالحين، لأني الكنعانيين كانوا منغمسين في عبادة الاصنام التي هي عبادة أيد بشرية، وعليه كان الكنعانيون عندما يرون أحدا ممن كان منفصلا من شعبنا عن العالم ليخدم الله قالوا سخرية فريس أي(( يطلب الله))، كأنهم يقولون أيها المجنون ليس لك تماثيل من أصنام فانك تعبد الريح فانظر الى عقباك واعبد آلهتنا، فقال يسوع: الحق أقول لكم إن كل قديسي الله وأنبيائه كانوا فريسيين لا بالاسم مثلكم بل بالفعل نفسه، لأنهم في كل أعمالهم طلبوا الله خالقهم وهجروا مدنهم ومقتنياتهم حبا في الله فباعوها وأعطوها للفقراء حبا في الله.

 

الفصل الخامس والاربعون بعد المئة

 

 لعمر الله لقد كان في زمن ايليا خليل الله ونبيه اثنا عشر جبلا يقطنها سبعة عشر ألف فريسي، ولم يكن بين هذا العدد الغفير منبوذ واحد بل كانوا جميعا مختاري الله، أما الان وفي اسرائيل أكثر من مئة ألف فريسي فعسى ان شاء الله أن يوجد بين كل ألف مختار واحد، فأجاب الفريسيون بحنق: أنحن اذا جميعا منبوذون وتجعل ديانتنا منبوذة؟، أجاب يسوع: اني لا أحسب ديانة الفريسيين الحقيقيين منبوذة بل ممدوحة واني مستعد أن أموت لاجلها، ولكن تعالوا ننظر هل أنتم فريسيون؟، ان ايليا خليل الله كتب اجابة لتضرع تلميذه أليشع كتيبا أودع فيه الحكمة البشرية مع شريعة الله أبينا، فتحير الفريسيون لما سمعوا اسم كتاب ايليا لأنهم عرفوا بتقليداتهم أن لا أحد حفظ هذا التعليم، لذلك أرادوا أن ينصرفوا بحجة اشغال يجب قضاؤها، حينئذ قال يسوع: لو كنتم فريسيين لتركتم كل شغل ولاحظتم هذا لأني الفريسي إنما يطلب الله وحده، لذلك تأخروا بارتباك ليصغوا الى يسوع الذي عاد فقال ، ( ايليا عبد الله ) لأنه هكذا يبتدئ الكتيب ( يكتب هذا لجميع الذين يبتغون أن يسيروا مع الله خالقهم، ان من يحب أن يتعلم كثيرا يخاف الله قليلا، لأني من يخاف الله يقنع بأن يعرف ما يريده الله فقط، ان من يطلب كلاما مزوقا لا يطلب الله الذي لا يفعل الا توبيخ خطايانا، على من يشتهون أن يطلبوا الله أن يحكموا اقفال أبواب بيتهم وشبابيكه، لأني السيد لا يرضى أن يوجد خارج بيته حيث لا يحب، فاحرسوا مشاعركم واحرسوا قلبكم لأني الله لا يوجد خارجا عنا في هذا العالم الذي يكرهه، على من يريدون أن يعملوا أعمالا صالحة أن يلاحظوا أنفسهم لأنه لا يجدي المرء نفعا أن يربح كل العالم ويخسر نفسه، على من يريدون تعليم الآخرين أن يعيشوا أفضل من الآخرين لأنه لا يستفاد شيء ممن يعرف أقل منا نحن، فكيف اذا يصلح الخاطئ حياته وهو يسمع من هو شر منه يعلمه، على من يطلبون الله أن يهرب من محادثة البشر، لأني موسى لما كان وحده على جبل سينا وجد الله وكلمه كما يكلم الخليل خليله، على من يطلبون الله أن يخرجوا مرة كل ثلاثين يوما الى حيث يكون أهل العالم، لأنه يمكن أن يعمل في يوم واحد أعمال سنتين من خصوص شغل الذي يطلب الله، عليه متى تكلم أن لا ينظر الا الى قدميه، عليه متى تكلم أن لا يقول الا ما كان ضروريا، عليهم متى أكلوا أن يقوموا عن المائدة وهم دون الشبع، مفكرين كل يوم انهم لا يبلغون اليوم التالي، وصارفين وقتهم كما يتنفس المرء، ليكن ثوب واحد من جلد الحيوانات كافيا، على كتلة التراب أن تنام على الاديم، ليكف كل ليلة ساعتان من النوم، عليه أن لا يبغض أحدا الا نفسه، عليهم أن يكونوا واقفين اثناء الصلاة بخوف كأنهم أمام الدينونة الآتية فافعلوا اذا هذا في خدمة الله مع الشريعة التي أعطاكم اياها الله على يد موسى، لأنه بهذه الطريقة تجدون الله، وانكم ستشعرون في كل زمان ومكان انكم في الله وان الله فيكم، هذا كتيب ايليا أيها الفريسيون لذلك أعود فأقول لكم لو كنتم فريسيين لسررتم بدخولي هنا لأني الله يرحم الخطأة.

 

الفصل السادس والاربعون بعد المئة

 

  فقال حينئذ زكا: يا سيد انظر فاني اعطى حبا في الله اربعة أضعاف ما أخذت بالربا، حينئذ قال يسوع: اليوم حصل خلاص لهذا البيت، حقا حقا ان كثيرين من العشارين والزوانى والخطأة سيمضون الى ملكوت الله، وسيمضي الذين يحسبون أنفسهم أبرارا الى اللهب الأبدية، فلما سمع الفريسيون هذا انصرفوا حانقين، ثم قال يسوع للذين تحولوا الى التوبة ولتلاميذه: كان لأب ابنان فقال اصغرهما: ( يا أبت أعطني نصيبي من المال) فأعطاه أبوه اياه، فلما اخذ نصيبه انصرف وذهب الى كورة بعيدة حيث بذر كل ماله على الزانيات باسراف، فحدث بعد ذلك جوع شديد في تلك الكورة حتى إن الرجل التعيس ذهب ليخدم أحد الاهالي فجعله راعيا للخنازير في ملكه، وكان وهو يرعاها يخفف جوعه بأكل ثمر البلوط مع الخنازير، ولكنه لما رجع الى نفسه قال: (كم في بيت أبي من سعة العيش وأنا أهلك هنا جوعا، لذلك فلأقم ولأذهب الى أبي وأقل له: (يا أبت أخطأت في السماء اليك فاجعلني كأحد خدمك)، فذهب المسكين وحدث أن أباه رآه قادما من بعيد فتحنن عليه فذهب لملاقاته ولما وصل اليه عانقه وقبله، فانحنى الابن أمام أبيه قائلا: ( يا أبت لقد أخطأت في السماء اليك فاجعلني كأحد خدمك لأني لست مستحقا أن ادعى ابنك)، أجاب الاب: (لا تقل يابني هكذا فأنت ابني ولا أسمح أن تكون عبدا لي)، ثم دعا خدمه وقال: (اخرجوا الحلل وألبسوا ابني اياها وأعطوه سراويل جديدة، اجعلوا الخاتم في اصبعه، واذبحوا حالا العجل المسمن فنطرب، لأني ابني هدا كان ميتا فعاش وكان ضالا فوجد).

 

الفصل السابع والاربعون بعد المئة

 

 وبينما كانوا يطربون في البيت واذا بالبكر جاء الى البيت، فلما سمعهم يطربون في الداخل تعجب، فدعا أحد الخدم وسأله لماذا كانوا في مثل هذا الطرب، أجاب الخادم: (لقد جاء اخوك فذبح له ابوك العجل المسمن وهم في طرب)، فلما سمع البكر هذا تغيظ غيظا شديدا ولم يدخل البيت، فخرج أبوه اليه وقال له: (يا بني لقد جاء أخوك فتعال اذا وافرح معه)، أجاب الابن بغيظ: (لقد خدمتك خير خدمة فلم تعطني قط حملا لافرح مع اصدقائى، ولكن لما جاء هذا الخسيس الذي انصرف عنك مبذرا نصيبه كله على الزانيات ذبحت العجل المسمن)، أجاب الاب: ( يا بني أنت معي في كل حين وكل مالي فهو لك ولكن هذا كان ميتا فعاش وكان ضالا فوجد)، فازداد الكبير غضبا وقال: ( اذهب وفز فاني لا آكل على مائدة زناة)، وانصرف عن أبيه دون أن يأخذ قطعة واحدة من النقود، ثم قال يسوع: لعمر الله هكذا يكون فرح بين ملائكة الله بخاطئ واحد يتوب، ولما أكلوا انصرف لأنه يريد أن يذهب الى اليهودية، فقال من ثم التلاميذ: يا معلم لا تذهب الى اليهودية لأني نعلم ان الفريسيين قد ائتمروا مع رئيس الكهنة بك، أجاب يسوع: ان(( اني)) علمت بذلك قبل أن فعلوه، ولكن لا أخاف لأنهم لا يقدرون أن يفعلوا شيئا مضادا لمشيئة الله فليفعلوا كل ما يرغبون، فاني لا أخافهم بل أخاف الله.

 

الفصل الثامن والاربعون بعد المئة

 

  الا قولوا لي هل فريسيو اليوم فريسيون؟، هل هم خدم الله؟، لا لا البتة، بل الحق أقول لكم انه لا يوجد هنا على الأرض شر من أن يستر الإنسان نفسه بالعلم ووشاح الدين ليخفي خبثه، اني أقص عليكم مثالا واحدا من فريسي الزمان القديم لكي تعرفوا الحاضرين منهم، بعد سفر ايليا تشتت شمل طائفة الفريسيين بسبب الاضطهاد العظيم من عبدة الاصنام، لأنه ذبح في زمن ايليا نفسه في سنة واحدة عشرة آلاف نبي ونيف من الفريسيين الحقيقيين، فذهب فريسيان الى الجبال ليقطنا هناك، ولبث احدهما خمس عشرة سنة لا يعرف شيئا عن جاره مع ان أحدهما كان على بعد ساعة واحدة عن الاخر، فانظروا اذا كانا طفيليين، فحدث في هذه الجبال قيظ فشرعا من ثم كلاهما يفتشان على ماء فالتقيا، فقال هناك الاكبر منهما ـ لأنه كان من عادتهم أن يتكلم الاكبر قبل كل أحد غيره واذا تكلم شاب قبل شيخ حسبوا ذلك خطيئة كبرى ـ: (أين تسكن أيه الاخ؟)، فأجاب مشيرا باصبعه الى المسكن: (ههنا اسكن) لأنهما كانا قريبين من مسكن الاصغر، فقال الاكبر: (لعلك أتيت لما قتل أخاب أنبياء الله؟)، أجاب الاصغر: ( انه لكذلك)، قال الاكبر: (اتعلم أيها الاخ من هو الملك على اسرائيل الآن؟)، فأجاب الاصغر: ( ان الله هو ملك اسرائيل لأني عبدة الاصنام ليسوا ملوكا بل مضطهدين لاسرائيل)، قال الاكبر: (ان هذا صحيح ولكن إرادة أن أقول من هو الذي يضطهد اسرائيل الآن)، أجاب الاصغر: ( ان خطايا اسرائيل تضطهد اسرائيل لأنهم لو لم يخطئوا لم يسلط(الله) على اسرائيل العظماء عبدة الأصنام، فقال حينئذ الاكبر: ( من هو ذلك العظيم الكافر الذي أرسله الله لتأديب اسرائيل)؟ أجاب الاصغر: (كيف يمكن أن أعرف وأنا لم أر إنسانا مدة هذه الخمس عشرة سنة سواك وأجهل القراءة فلا ترسل إلي رسائل؟ )، قال الاكبر: (ما أجد جلود الغنم التي عليك فاذا كنت لم تر إنسانا فمن اعطاك اياها ؟ ).

 

الفصل التاسع والاربعون بعد المئة

 

 أجاب الاصغر: (ان من حفظ ثياب شعب اسرائيل جديدة أربعين سنة في البرية حفظ جلودي كما ترى، حينئذ لاحظ الاكبر ان الاصغر كان أكبر منه لأنه كان أكمل منه لأنه كان كل سنة يختلط بالناس، ولذلك قال لكي يظفر بمحادثته: (أيها الاخ انك لا تعرف القراءة وأنا أعرف القراءة وعندي في بيتي مزامير داود، فتعال اذا لأعطيك كل يوم قراءة وأوضح لك ما يقول داود)، أجاب الاصغر: (لنذهب الآن)، قال الاكبر: ( أيها الاخ انني منذ يومين لم أشرب ماء فلنفتش اذا على قليل من الماء)، قال الاصغر: ( أيها الاخ منذ شهرين لم أشرب ماء فلنذهب اذا ونرى ماذا يقول الله على لسان نبيه داود، ان الله لقادر على أن يعطينا ماء)، فعادوا من ثم الى مسكن الاكبر فوجدوا على بابه ينبوعا من ماء عذب، قال الاكبر: ( انك أيها الاخ قدوس الله لأنه من أجلك قد أعطى هذا الينبوع)، أجاب الاصغر: ( انك أيها الاخ تقول هذا تواضعا، ولكن من المؤكد انه لو فعل الله هذا من أجلي لكان صنع ينبوعا قريبا من مسكني حتى لا أنصرف (للتفتيش عليه)، فاني اعترف لك بأني أخطأت اليك لما قلت انك منذ يومين لم تشرب وكنت تفتش على الماء، أما أنا فاني بقيت شهرين دون شرب ولذلك شعرت باعجاب فيّ كأني أفضل منك)، قال الاكبر: ( أيها الاخ انك قلت الصحيح ولذلك لم تخطئ)، قال الاصغر: (انك قد نسيت أيها الاخ ما قال أبونا ايليا ان من يطلب الله يجب أن يحكم على نفسه فقط، ومن المؤكد أنه قال هذا لا لنعرفه بل لنعمل به)، وبعد ان لاحظ الاكبر سنا صدق وبرارة رفيقه قال: ( إنه لصحيح غفر لك إلهنا)، وبعد إن هذا أخذ المزامير وقرأ ما يقول أبونا داود : ( إني أضع حارسا لفمي حتى لا يميل قلبي إلى كلمات الاثم منتحلا عذرا عن خطاياى)، وهنا القى الشيخ خطابا على اللسان وانصرف الاصغر، فلبثا من ثم خمس عشرة سنة اخرى حتى التقيا لأني الاصغر غيّر مسكنه، لذلك عندما عاد الاكبر فلقيه قال: ( لماذا لم ترجع أيها الاخ الى مسكني؟)، أجاب الاصغر: ( لأني لم أتعلم جيدا حتى الان ما قلته لي)، فقال الاكبر: (كيف يمكن ذلك وقد مرت الآن خمس عشرة سنة)، أجاب الاصغر: (اما الكلمات فقد تعلمتها في ساعة واحدة ولم أنسها قط ولكني حتى الان لم أحفظها، فما الفائدة من أن يتعلم المرء كثيرا جدا ولا يحفظه؟، ان الله لا يطلب أن تكون بصيرتنا جيدة بل قلبنا، وهكذا لا يسألنا في يوم الدينونة عما تعلمنا بل عما عملنا).

 

الفصل المئة والخمسون

 

 أجاب الاكبر: ( لاتقل هكذا أيها الاخ لأنك إنما تحتقر المعرفة التي يريد الله أن تعتبر ) ، أجاب الاصغر : ( فكيف أتكلم اذا حتى لا أقع في الخطيئة ، لأني كلمتك صادقة وكلمتي أيضا ، أقول اذا ان من يعرف وصايا الله المكتوبة في الشريعة يجب عليه العمل بهذه أولا اذا أحب أن يتعلم بعد ذلك أكثر، وليكن كل ما يتعلمه الإنسان للعمل لا(لمجرد) العلم به)، أجاب الاكبر: (قل لي أيها الأخ مع من تكلمت لتعلم انك لم تتعلم كل ما قلته؟)، أجاب الاصغر: (اني أتكلم أيها الاخ مع نفسي، اني أضع كل يوم نفسي أمام دينونة الله لاعطي حسابا عن نفسي، وأشعر على الدوام في داخلي بمن يوبخ ذنوبي)، قال الاكبر: ( ما هي ذنوبك أيها الأخ الذي هو كامل؟)، أجاب الاصغر: (لا تقل هذا لأني واقف بين ذنبين كبيرين، الاول اني لا أعرف نفسي اني أعظم الخطأة، الثاني لا أرغب في مجاهدة النفس لذلك أكثر من الآخرين)، أجاب الاكبر: (كيف تعلم انك أعظم الخطأة اذا كنت أكمل الناس؟) أجاب الاصغر: (ان الكلمة الأولى التي قالها لي معلمي عندما لبست لباس الفريسيين هي أنه يجب علي أن أفكر في خير غيري وفي إثمي فإذا فعلت هذا عرفت أنني أعظم الخطأة ) ، قال الأكبر : ( في خير من وذنب من تفكر وأنت على هذه الجبال فانه لا يوجد بشر هنا؟)، أجاب الاصغر: (يجب على أن أفكر في طاعة الشمس والسيارات، لأنه تعبد خالقها افضل مني، ولكني أحكم عليها اما لأنه لا تعطي نورا كما أرغب أو لأني حرارتها أكثر مما ينبغي أو لأنه يوجد مطر أقل أو أكثر مما تحتاج الأرض)، فلما سمع الاكبر هذا قال: ( أيها الاخ أين تعلمت هذا التعليم؟)، فاني أنا الآن ابن تسعين سنة صرفت منها خمسا وسبعين سنة وأنا فريسي؟) أجاب الاصغر: (أيها الاخ انك تقول هذا تواضعا لأنك قدوس الله، ولكن أجيبك بأن الله خالقنا لا ينظر الى الوقت بل ينظر الى القلب، لذلك لما كان داود ابن خمس عشرة سنة وهو أصغر اخوته الستة انتخبه اسرائيل ملكا وصار نبي الله ربنا.

 

الفصل الحادي والخمسون بعد المئة

 

 وقال يسوع لتلاميذه: لقد كان الرجل فريسيا حقيقيا، وان شاء الله أمكنا أن نأخذه يوم الدين صديقا لأني، ثم دخل يسوع الى سفينة وأسف تلاميذه لأنهم نسوا أن يحضروا خبزا، فانتهرهم يسوع قائلا: احذروا من خمير فريسي يومنا لأني خميرة صغيرة تخمر كيلة من الدقيق، حينئذ قال التلاميذ بعضهم لبعض: أي خمير معنا اذ لم يكن معنا خبز؟، فقال يسوع: يا قليلي الايمان أنسيتم اذا ما فعل الله في نايين حيث لم يكن أدنى دليل على الحنطة؟، وكم عدد الذين أكلوا وشبعوا من خمسة أرغفة وسمكتين؟، ان خمير الفريسي هو عدم الايمان بالله بل قد أفسد اسرائيل، لأني السذج لما كانوا اميين يفعلون ما يرون الفريسيين يفعلونه لأنهم يحسبونهم أطهارا ، أتعلمون ما هو الفريسي الحقيقي؟، هو زيت الطبيعة البشرية، لأني الزيت كما يطفوا فوق كل سائل هكذا تطفوا جودة كل فريسي حقيقي فوق كل صلاح بشرى، هو كتاب حى يمنحه الله للعالم، كل ما يقوله أو يفعله إنما هو بحسب شريعة الله، فمن يفعل كما يفعل فهو يحفظ شريعة الله، إن الفريسي الحقيقي ملح لا يدع الجسد البشري ينتن بالخطيئة، لأني كل من يراه يتوب انه نور ينير طريق السائح لأني كل من يتأمل فقره مع توبته يرى انه لا يجب علينا في هذا العالم أن نغلق قلوبنا، ولكن من يجعل الزيت زنخا ويفسد الكتاب ويجعل الملح منتنا ويطفئ النور فهذا الرجل فريسي كاذب، فاذا كنتم لا تريدون أن تهلكوا فاحذروا أن تفعلوا كما يفعل الفريسيون اليوم.

 

الفصل الثاني والخمسون بعد المئة

 

 فلما جاء يسوع إلى اورشليم ودخل الهيكل يوم سبت اقترب الجنود ليجربوه ويأخذوه، وقالوا: يا معلم أيجوز اصلاء الحرب؟، أجاب يسوع: ان ديننا يخبرنا ان حياتنا حرب عوان على الأرض، قال الجنود: أفتريد اذا أن تحولنا الى دينك أو تريد أن نترك جم الآلهة ( فان لرومية وحدها ثمانية وعشرين ألف إله منظور ) وأن نتبع إلهك الأحد ، ولما كان لا يرى فهو لا يعلم أين مقره، وقد لا يكون سوى باطل، أجاب يسوع: لو كنت خلقتكم كما خلقكم إلهنا لحاولت تغييركم، أجابوا: اذا كان لا يعلم أين إلهك فكيف خلقنا؟، أرنا إلهك نكن يهودا، فقال حينئذ يسوع: لو كان لكم عيون لأريتكم اياه ولكن لما كنتم عميانا فلست بقادر على أن اريكم اياه، أجاب الجنود: حقا لا بد أن يكون الاكرام الذي يقدمه لك الشعب قد سلبك عقلك لأني لكل منا عينين في رأسه وأنت تقول اننا عميان، أجاب يسوع: ان العيون الجسدية لا تبصر إلا الكثيف والخارجي، فلا تقدرون من ثم إلا على رؤية آلهتكم الخشبية والفضية والذهبية التي لا تقدر أن تفعل شيئا، أما نحن أهل يهوذا فلنا عيون روحية هي خوف إلهنا؟ ودينه، ولذلك لا يمكن لأني رؤية إلهنا في كل مكان، أجاب الجنود: احذر كيف تتكلم لأنك اذا صببت احتقارا على آلهتنا سلمناك إلى يد هيرودس الذي ينتقم لآلهتنا القادرة على كل شيء، أجاب يسوع: ان كانت قادرة على كل شيء كما تقولون فعفوا لأني سأعبدها، ففرح الجنود لما سمعوا هذا وأخذوا يمجدون أصنامهم، فقال حينئذ يسوع: لا حاجة بنا هنا الى الكلام بل الى الاعمال، فاطلبوا لذلك من آلهتكم أن تخلق ذبابة واحدة فأعبدها، فراع الجنود سماع هذا ولم يدروا ما يقولون، فقال من ثم يسوع: اذا كانت لا تقدر أن تصنع ذبابة واحدة جديدة فاني لا أترك لأجلها ذلك الإله الذي خلق كل شيء بكلمة واحدة الذي مجرد اسمه يروع جيوشا، أجاب الجنود: لنرى هذا لأني نريد أن نأخذك وأرادوا أن يمدوا أيديهم الى يسوع، فقال حينئذ يسوع: ((ادوناى صباءوت!))، ففي الحال تدحرجت الجنود من الهيكل كما يدحرج المرء براميل من خشب غسلت لتملأ ثانية خمرا، فكانوا يلتطمون بالأرض تارة برأسهم وطورا بأرجلهم وذلك دون أن يمسهم أحد، فارتاعوا وأسرعوا إلى الهرب ولم يعودوا يروا في اليهودية قط.

 

الفصل الثالث والخمسون بعد المئة

 

 فتذمر الكهنة والفريسيون فيما بينهم، وقالوا لقد أوتي حكمة بعل وعشتاروت فهو إنما فعل هذا بقوة الشيطان، ففتح يسوع فاه وقال: لقد أمر إلهنا أن لا نسرق قريبنا، ولكن قد انتهكت حرمة هذه الوصية حتى أنها ملأت العالم خطيئة لا تغفر كما تغفر الخطايا الاخرى، لأنه اذا ندب المرء الخطايا الاخرى ولم يعد الى ارتكابها فيما بعد وصام مع الصلاة والتصدق صفح إلهنا القدير الرحيم، ولكن هذه الخطيئة من نوع لا يمكن غفرانه إلا إذا ردّ ما أخذ ظلما ، فقال حينئذ أحد الكتبة : كيف ملأت السرقة العالم كله خطيئة ؟ ، حقا إنه لا يوجد الآن بنعمة الله سوى النزر القليل من اللصوص وهم لا يجرءون على الظهور لأني الجنود تشنقهم حالا، أجاب يسوع: من لا يعرف الاموال لا يقدرون أن يعرفوا اللصوص، بل أقول لكم الحق ان كثيرين يسرقون وهم لا يدرون ما يفعلون، ولذلك كانوا أعظم خطيئة من الاخرين لأني المرض الذي لا يعرف لا يشفى، فدنا حينئذ الفريسيون من يسوع وقالوا: يا معلم اذا كنت أنت وحدك في اسرائيل تعرف الحق فعلمنا، فأجاب يسوع: اني لا أقول اني أنا وحدي في اسرائيل أعرف الحق لأني هذه اللفظة((وحدك)) تختص بالله وحده لا بغيره، لأنه هو الحق الذي وحده يعرف الحق، فاذا قلت هكذا صرت لصا أعظم لأني أكون قد سرقت مجد الله، وان قلت اني وحدي عرفت الله وقعت في جهل أعظم من الجميع، وعليه فانكم قد ارتكبتم خطيئة فظيعة بقولكم اني وحدي أعرف الحق، ثم أقول انكم اذا قلتم هذا لتجربوني فخطيئتكم أعظم مرتين، فلما رأى يسوع ان الجميع صمتوا عاد: مع اني لست الوحيد في اسرائيل الذي يعرف الحق فاني وحدي أتكلم، فأصيخوا السمع لي لأنكم قد سألتموني، ان كل المخلوقات خاصة بالخالق حتى انه لا يحق لشيء أن يدعي شيئا، وعليه فان النفس والحس والجسد والوقت والمال والمجد جميعها ملك الله، فاذا لم يقبلها الإنسان كما يريد الله أصبح لصا، وكذلك اذا صرفها مخالفا لما يريده الله فهو أيضا لص، لذلك أقول لكم لعمر الله الذي تقف نفسي في حضرته انكم عندما تسوفون قائلين: سأفعل غدا كذا سأقول كذا سأذهب الى الموضع الفلاني دون أن تقولوا ان شاء الله فأنتم لصوص، وتكونون أعظم لصوصية اذا صرفتم أفضل وقتكم في مرضاة أنفسكم دون مرضاة الله بل تصرفون أراده في خدمة الله، لانتم اذا بالحق لصوص، كل من يرتكب الخطيئة مهما كان زيه فهو لص، لأنه يسرق النفس والوقت وحياته التي يجب أن تخدم الله ويعطيها للشيطان عدو الله.

 

الفصل الرابع والخمسون بعد المئة

 

 فالرجل الذي له شرف وحياة ومال إذا سرقت أمواله شنق السارق وإذا أخذت حياته قطع رأس القاتل ، وهو عدل الله لأني الله أمر بذلك ، ولكن متى أخذ شرف قريب فلماذا لا يصلب السارق ؟ ، هل المال أفضل من الشرف ؟ ، أأمر الله مثلا أن من يقاص بأخذ المال ومن يأخذ الحياة مع المال يقاص ولكن من يأخذ الشرف يسرح!، لا لا البتة، لأني آباءنا بسبب تذمرهم لم يدخلوا أرض الموعد بل ابناؤهم، ولهذه الخطيئة قتلت الافاعي نحو سبعين ألفا من شعبنا، لعمر الله الذي تقف نفسي في حضرته ان من يسرق الشرف يستحق عقوبة أعظم ممن يسرق رجلا ماله وحياته، ومن يصغي الى المتذمر فهو مذنب أيضا لأني أحدهما يقبل الشيطان بلسانه والآخر من أذنيه، فلما سمع الفريسيون هذا احتدموا غيظا لأنهم لم يقدروا أن يخطئوا خطابه، فدنا حينئذ أحد العلماء من يسوع: أيها المعلم الصالح قل لي لماذا لم يهب الله أبوينا حنطة وثمرا، فانه اذا كان يعلم انه لا بد من سقوطهما فمن المؤكد أنه كان يجب أن يسمح لهما بالحنطة أو أن لا يرياهما، أجاب يسوع: انك أيها الرجل تدعوني صالحا ولكنك تخطئ لأني الله وحده هو الصالح، وانك لاكثر خطأ في سؤالك لماذا لا يفعل الله حسب دماغك، ولكن اجيبك عن كل شيء، فأفيدك اذا ان الله خالقنا لا يوفق في عمله نفسه لأني، لذلك لا يجوز للمخلوق أن يطلب طريقه وراحته بل بالحري مجد الله خالقه ليعتمد المخلوق على الخالق لا الخالق على المخلوق، لعمر الله الذي تقف نفسي في حضرته لو وهب الله كل شيء لما عرف الإنسان نفسه انه عبد الله ولكان حسب نفسه سيد الفردوس، لذلك نهاه الله المبارك الى الابد، الحق أقول لكم ان كل من كان نور عينيه جليا يرى كل شيء جليا يستخرج من الظلمة نفسها نورا، ولكن الأعمى لا يفعل هكذا، لذلك أقول لو لم يخطئ الإنسان لما علمت أنا ولا أنت رحمة الله وبره، ولو خلق الله الإنسان غير قادر على الخطيئة لكان ندا لله في ذلك الامر، لذلك خلق الله المبارك الإنسان صالحا وبارا ولكنه حر أن يفعل ما يريد من حيث حياته وخلاصه لنفسه أو لعنته، فلما سمع العالم هذا اندهش وانصرف مرتبكا.

 

الفصل الخامس والخمسون بعد المئة

 

 حينئذ دعا رئيس الكهنة سرا كاهنين شيخين وأرسلهم الى يسوع الذي كان قد خرج من الهيكل وكان جالسا في رواق سليمان منتظرا ليصلي صلاة الظهيرة، وكان بجانبه تلاميذه مع جم غفير من الشعب، فاقترب الكاهنان من يسوع وقالا: لماذا أكل الإنسان حنطة وثمرا؟، هل أراد الله أن يأكلهما أم لا؟، وإنما قالا هذا ليجرباه، لأنه لو قال: أن الله أراد ذلك لأجابا: لماذا نهى عنها؟، وإذا قال: أن الله لم يرد ذلك يقولان : ان للإنسان قوة أعظم من الله لأنه يعمل ضد إرادة الله، أجاب يسوع: ان سؤالكما كطريق في جبل ذو جرف عن اليمين وعن اليسار ولكن أسير في الوسط، فلما سمع الكاهنان ذلك تحيرا لأنهما أدركا أن يسوع قد فهم قلبيهما، ثم قال يسوع: لما كان كل إنسان محتاجا كان يعمل كل شيء لأجل منفعته، ولكن الله الذي لا يحتاج الى شيء عمل بحسب مشيئته، لذلك لما خلق الإنسان خلقه حرا ليعلم أن ليس لله حاجة اليه، كما يفعل الملك الذي يعطى حرية لعبيده ليظهر ثروته وليكون عبيده أشد حبا له، اذا قد خلق الله الإنسان حرا لكي يكون أشد حبا لخالقه وليعرف جوده، لأني الله وهو قادر على كل شيء غير محتاج الى الإنسان فانه اذ خلقه بقدرته على كل شيء تركه حرا بجوده على طريقة يمكنه معها مقاومة الشر وفعل الخير، وان الله على قدرته على منع الخطيئة لم يرد أن يضاد جوده ( اذ ليس عند الله تضاد) فلما عملت قدرته على كل شيء وجوده (عملهما) في الإنسان لم يقاوم الخطيئة في الإنسان لكي تعمل في الإنسان رحمة الله وبره، وآية صدقي هي أن أقول لكما أن رئيس الكهنة قد أرسلكما لتجرباني وهذا هو ثمر كهنوته، فانصرف الشيخان وقصا كل شيء على رئيس الكهنة الذي قال: ان وراء ظهر هذا الشخص الشيطان الذي يلقنه كل شيء، لأنه يطمح الى ملكية اسرائيل، ولكن الامر في ذلك لله.

 

الفصل السادس والخمسون بعد المئة

 

 ولما اجتاز يسوع من الهيكل بعد ان صلى صلاة الظهيرة وجد أكمها، فسأله تلاميذه قائلين: أيها المعلم من أخطأ في هذا الإنسان حتى ولد اعمى أبوه أم امه؟، أجاب يسوع: لا أبوه أخطأ فيه ولا امه، ولكن الله خلقه هكذا شهادة للانجيل، وبعد ان دعا الأكمة اليه تفل على الأرض وصنع طينا ووضعه على عيني الاكمه، وقال له: اذهب الى بركة سلوام واغتسل، فذهب الاكمه ولما اغتسل أبصر، فبينما كان راجعا الى البيت قال كثيرون من الذين التقوا به: لو كان هذا الرجل أعمى لقلت بكل تأكيد انه هو الذي كان يجلس على الباب الجميل من الهيكل، وقال آخرون: انه هو ولكن كيف أبصر؟، فسألوه قائلين: هل أنت الاكمه الذي كان يجلس على الباب الجميل من الهيكل؟، أجاب: اني انا هو ولماذا؟، قالوا: كيف نلت بصرك؟، أجاب: ان رجلا صنع طينا تافلا على الأرض ووضع هذا الطين على عيني؟، وقال لي: اذهب واغتسل في بركة سلوام، فذهبت واغتسلت فصرت الان أبصر، تبارك إله إسرائيل، ولما عاد الرجل الذي كان أكمه إلى الباب الجميل من الهيكل امتلأت اورشليم كلها بالخبر، لذلك احضر الى رئيس الكهنة الذي كان يأتمر مع الكهنة والفريسيين على يسوع فسأله رئيس الكهنة قائلا: هل ولدت أعمى أيها الرجل؟، أجاب: نعم، فقال رئيس الكهنة: الا فأعط مجدا لله واخبرنا أي نبي ظهر لك في الحلم وأنالك نورا؟، أهو أبونا ابراهيم أم موسى خادم الله أم نبي آخر؟، لأني غيرهم لا يقدر أن يفعل شيئا نظير هذا؟ فأجاب الرجل الذي ولد أعمى: اني لم أر في حلم ولم يشفني لا ابراهيم ولا موسى ولانبي آخر؟، ولكن بينا أنا جالس على باب الهيكل ادناني رجل اليه، وبعد ان صنع طينا من تراب بتفله وضع بعضا من ذلك الطين على عيني وأرسلني الى بركة سلوام لأغتسل، فذهبت واغتسلت وعدت بنور عيني، فسأله رئيس الكهنة عن اسم ذلك الرجل، فأجاب الرجل الذي ولد أعمى: انه لم يذكر لي اسمه، ولكن رجلا رآه ناداني وقال: اذهب واغتسل كما قال ذلك الرجل، لأني يسوع الناصري نبي إله اسرائيل وقدوسه، فقال حينئذ رئيس الكهنة: لعله أبرأك اليوم أي السبت ؟ ، أجاب الأعمى: انه أبرأني اليوم، فقال رئيس الكهنة : انظروا الآن كيف ان هذا الرجل خاطئ لأنه لا يحفظ السبت!

 

الفصل السابع والخمسون بعد المئة

 

 أجاب الأعمى: لست أعلم أخاطئ هو أم لا، إنما اعلم هذا هو أني أعمى فأراني ، فلم يصدق الفريسيون هذا ، لذلك قالوا لرئيس الكهنة : أرسل وادع أباه وامه لأنهما يقولان لأني الصدق ، فدعوا أبا الرجل الأكمه وامه ، فلما حضرا سألهما رئيس الكهنة قائلا: هل هذا الرجل ابنكما ؟ ، أجابا: انه ابننا حقا، فقال حينئذ رئيس الكهنة: يقول انه ولد أعمى والآن يبصر فكيف حدث هذا الشيء؟، أجاب أبو الرجل الذي ولد أعمى وامه: انه ولد حقا أعمى ولكن لا نعلم كيف نال النور، هو كامل السن اسألوه يقل لكم الصدق، فصرفوهما وعاد الرئيس فقال للرجل الذي ولد أعمى: أعط مجد لله وقل الصدق ـ وكان أبو الرجل وأمه خائفين أن يتكلما، لأنه صدر أمر من مجلس الشيوخ الروماني انه لا يجوز لإنسان أن يتحزب ليسوع نبي اليهود والا فالعقاب الموت، وهو أمر استصدره الوالي، لذلك قالا: هو كامل السن اسألوه ـ فقال حينئذ رئيس الكهنة للرجل الذي ولد أعمى أعط مجدا لله قل الصدق لأني نعلم ان هذا الرجل الذي تقول انه شفاك خاطئ، أجاب الرجل الذي ولد أعمى: لست أعلم أخاطئ هو إنما أعلم هذا اني كنت لا أبصر فأناراني، ومن المؤكد انه منذ ابتداء العالم حتى هذه الساعة لم ينر أكمه، والله لا يصيخ السمع الى الخطأة، قال الفريسيون: ماذا فعل لما أنارك، حينئذ تعجب الرجل الذي ولد أعمى من عدم ايمانهم وقال: لقد أخبرتكم فلماذا تسألونني أيضا، أتريدون أنتم أن تصيروا تلاميذ له؟، فوبخه حينئذ رئيس الكهنة قائلا: انك ولدت بجملتك في الخطيئة أفتريد أن تعلمنا؟، أغرب وصر أنت تلميذا لهذا الرجل، أما نحن فاننا تلاميذ موسى ونعلم ان الله كلم موسى، أما هذا الرجل فلا نعلم من أين هو، فأخرجوه من المجمع والهيكل ونهوه عن الصلاة مع الطاهرين بين اسرائيل .

 

الفصل الثامن والخمسون بعد المئة

 

 وذهب الرجل الذي ولد أعمى ليجد يسوع، فعزاه قائلا: انك لم تبارك في زمن ما كما أنت الآن، لأنك مبارك من إلهنا الذي تكلم على لسان داود أبينا ونبيه في اخلاء العالم قائلا: (هم يلعنون وأنا ابارك)، وقال على لسان ميخا النبي: ( اني ألعن بركتك)، لأني التراب لا يضاد الهواء ولا الماء النار ولا النور الظلام ولا البرد الحرارة ولا المحبة البغضاء كما تضاد إرادة الله إرادة العالم، فسأله لذلك التلاميذ قائلين: ما أعظم كلامك أيها السيد، فقل لأني المعنى لأني حتى الآن لم نفهم، أجاب يسوع: متى عرفتم العالم ترون أني قلت الحق، وهكذا ستعرفون الحق في كل نبي، فاعلموا اذا أن هناك ثلاثة أنواع من العوالم متضمنة في اسم واحد، الاول يشير الى السموات والأرض مع الماء والهواء والنار وكل الأشياء التي هي دون الإنسان فيتبع هذا العالم في كل شيء إرادة الله كما يقول داود: ( لقد أعطاها الله امرا لا تتعداه)، الثاني يشير الى كل بشر كما ان بيت فلان لا يشير الى الجدران بل الى الاسرة، فهذا العالم يحب الله أيضا، لأنهم بالطبيعة يتوقون الى الله قدر ما يستطيع كل أحد بحسب الطبيعة الى الله وان ضلوا في طلب الله، أفتعلمون لماذا يتوق الجميع الى الله؟، لأنهم لا يتوقون جميعا الى صلاح غير متناه بدون أدنى شر، وهذا هو الله وحده، لذلك أرسل الله الرحيم أنبياءه الى هذا العالم لخلاصه، أما الثالث فهو حال سقوط الإنسان في الخطيئة التي تحولت الى شريعة مضادة خالق العالم، فهذا يصيِّر الإنسان نظير الشياطين أعداء الله، فماذا تظنون ـ وهذا العالم يكرهه الله كرها شديدا ـ فما مصير الانبياء لو أحبوا هذا العالم؟، حقا ان الله ليأخذ منهم نبوتهم، وماذا أقول؟، لعمر الله الذي تقف نفسي في حضرته لو خامر رسول الله حب هذا العالم الشرير متى جاء اليه لأخذ الله منه بالتأكيد كل ما وهبه عند خلقه وجعله منبوذا، لأني الله بهذا المقدار مضاد للعالم.

 

الفصل التاسع والخمسون بعد المئة

 

 أجاب التلاميذ: يا معلم ان كلامك لعظيم جدا فارحمنا لأني لا نفهمه، قال يسوع: أيخيل لكم أن الله قد خلق رسوله ليكون ندا له يريد أن يجعل نفسه مساويا لله؟، كلا ثم كلا، بل عبده الصالح الذي لا يريد مالا يريده الله، انكم لا تقدرون أن تفقهوا هذا لانكم لا تعرفون ما هي الخطيئة، فأصيخوا السمع لكلامي، الحق الحق أقول لكم ان الخطيئة لا يمكن أن تنشأ في إنسان إلا مضادة لله، إذ ليست الخطيئة الا ما لا يريده الله، فإن كل ما يريده اجنبي عن الخطيئة، فلو اضطهدني رؤساء الكهنة والكهنة مع الفريسيين لأني شعب اسرائيل دعاني إلها لفعلوا شيئا يرضى به الله ولكافأهم الله، ولكن الله مقتهم لأنهم يضطهدونني لسبب مضاد وهو انهم لا يريدون أن أقول الحق، وكم قد افسدوا بتقليدهم كتاب موسى وكتاب داود نبي الله وخليليه وانهم لهذا يكرهونني ويودون موتي، ان موسى قتل ناسا وأخاب قتل ناسا قولوا لي أيعد هذا قتلا من كليهما؟، لا البتة، لأني موسى قتل الناس ليبيد عبادة الاصنام وليبقي على عبادة الإله الحقيقي، ولكن أخاب قتل ناسا ليبيد عبادة الإله الحقيقي وليبقى على عبادة الأصنام، لذلك تحول قتل موسى للناس ضحية على حين تحول قتل أخاب تدنيسا، فان ذات العمل الواحد أحدث نتيجتين متضادتين، لعمر الله الذي تقف نفسي في حضرته لو كلم الشيطان الملائكة ليرى كيف أحبوا الله لما رذله الله، ولكنه منبوذ لأنه حاول أن يبعدهم عن الله ، حينئذ أجاب الذي يكتب: فكيف يجب اذا أن يفهم ما قيل في ميخا النبي بشأن الكذب الذي أمر الله الانبياء الكذبة أن يتفوهوا به كما هو مكتوب في كتاب ملوك اسرائيل؟، أجاب يسوع: اتل يا برنابا بالاختصار كل ما حدث لترى الحق جليا.

 

الفصل الستون بعد المئة

 

 حينئذ قال الذي يكتب: ان دانيال النبي لما وصف تاريخ ملوك اسرائيل وطغاتهم كتب هكذا: ( اتحد ملك اسرائيل مع ملك يهوذا ليحاربا بني بلعال (أي المنبوذين) الذين كانوا العمونيين، ولما كان يهوشافاط ملك يهوذا وأخاب ملك اسرائيل جالسين كلاهما على عرش في السامرة وقف أمامهم أربع مئة نبي كذاب، فقالوا لملك اسرائيل: (اصعد ضد العمونيين لأني الله سيدفعهم الى يديك وستبدد عمون)، حينئذ قال يهوشافاط: ( هل يوجد نبي هنا لإله ابائنا؟)، أجاب أخاب: (يوجد واحد فقط وهو شرير لأنه دائما يتنبأ بالشر عليّ، ولقد وضعته في السجن) ـ وهو إنما قال ((يوجد واحد فقط)) لأني كل الذين وجدوا قتلوا بأمر أخاب، حتى ان الانبياء كما قلت يا معلم هربوا الى رؤوس الجبال حيث لا يسكن بشر ـ ، حينئذ قال يهوشافاط: (احضره الى هنا ولنر ما يقول)، لذلك أمر أخاب أن يحضر ميخا الى هنا، فأتى بقود في رجليه ووجهه مضطرب كشخص يعيش بين الموت والحياة، فسأله قائلا: (تكلم يا ميخا باسم الله أنصعد ضد العمونيين أيدفع الله مدنهم الى أيدينا؟)، أجاب ميخا: (اصعد اصعد لأنك ستصعد مفلحا وتنزل أشد فرحا!)، حينئذ أطرى الانبياء الكذبة ميخا قائلين: ( انه نبي صادق لله) وكسروا القيود من رجليه، أما يهوشافاط الذي يخاف إلهنا ولم يحن ركبتيه قط للأصنام فسأل ميخا قائلا: (قل الحق يا ميخا اكراما لاله آبائنا كما رأيت عقبى هذه الحرب)، أجاب ميخا: ( إني لأخشى وجهك يا يهوشافاط لذلك أقول لك إني رأيت شعب اسرائيل كغنم لا راعي لها)، حينئذ قال أخاب مبتسما ليهوشافاط: (لقد اخبرتك إن هذا الرجل لا يتنبأ الا بسوء ولكنك لم تصدق ذلك)، فقال حينئذ كلاهما: (كيف تعلم هذا يا ميخا؟)، أجاب ميخا: ((خيل لي أن قد التأمت ندوة من الملائكة في حضرة الله، وسمعت الله يقول هكذا: (من يغوى أخاب ليصعد ضد عمون ويقتل)، فقال واحد شيئا وقال آخر شيئا آخر، ثم أتى ملاك فقال: (يا رب أنا أحارب أخاب فاذهب الى أنبيائه الكذبة والقي كذبا في أفواههم وهكذا يصعد ويقتل)، فلما سمع الله هذا قال: (اذهب وافعل هكذا فانك تفلح) ))، فحنق حينئذ الانبياء الكذبة، فصفع رئيسهم خد ميخا قائلا: (يا منبوذ الله متى عبر لك ملاك الحق من عندنا وجاء اليك، قل لأني متى جاء الينا الملاك الذي حمل الكذب؟)، أجاب ميخا: (انك ستعرف متى هربت من بيت الى بيت خوفا من القتل انك قد أغويت ملكك)، فتغيظ حينئذ أخاب وقال: (امسكوا ميخا وضعوا القيود التي كانت في رجليه على عنقه واقتصروه على خبز الشعير والماء الى حين عودتي، لأني لا أعرف الآن بأية ميتة انكل به)، فصعدوا وتم الامر حسب كلمة ميخا، لأني ملك العمونيين قال لخدمه: ( احذروا أن تحاربوا ملك يهوذا أو عظماء اسرائيل بل اقتلوا عدوي أخاب ملك اسرائيل))، حينئذ قال يسوع قف هنا لأنه يكفي هذا لغرضنا.

 

الفصل الحادي والستون بعد المئة

 

 فقال يسوع: أسمعتم كل شيء؟، أجاب التلاميذ: نعم يا سيد، فقال من ثم يسوع: ان الكذب خطيئة ولكن القتل خطيئة أعظم، لأني الكذب خطيئة تختص بالذي يتكلم، ولكن القتل على كونه يختص بالذي يرتكبه هو يهلك أيضا أعز شيء لله هنا على الأرض أي الإنسان، ويمكن مداواة الكذب بقول ضد ما قد قيل على حين لا دواء للقتل لأنه ليس بممكن منح الميت حياة، قولوا لي اذا هل أخطأ موسى عبد الله بقتل كل الذين قتلهم؟، أجاب التلاميذ: حاش لله حاش لله أن يكون موسى قد أخطأ بطاعته لله الذي أمره، فقال حينئذ يسوع: وأنا أقول حاش لله أن يكون قد أخطأ ذلك الملاك الذي خدع أنبياء أخاب الكذبة بالكذب، لأنه كما ان الله يقبل قتل الناس ذبيحة فهكذا قبل الكذب حمدا، الحق أقول لكم كما يغلط الطفل الذي يصنع حذاءه بقياس(رجلي) جبار هكذا يغلط من يجعل الله خاضعا للشريعة كما انه هو نفسه خاضع لها من حيث هو إنسان، فمتى اعتقدتم أن الخطيئة أنما هي ما لا يريده الله تجدون حينئذ الحق كما قلت لكم، وعليه لما كان الله غير مركب وغير متغير فهو أيضا غير قادر أن يريد وأن لا يريد الشيء الواحد، لأنه بذلك يصير تضاد في نفسه يترتب عليه ألم ولا يكون مباركا الى ما لا نهاية له، أجاب فيلبس: ولكن كيف يجب فهم قول النبي عاموس انه لا يوجد شر في المدينة لم يصنعه الله؟، أجاب يسوع: انظر الآن يا فيلبس ما أشد خطر الاعتماد على الحرف كما يفعل الفريسيون الذين قد انتحلوا لأنفسهم اصطفاء الله للمختارين على طريقة يستنتجون منها فعلا ان الله غير بار وانه خادع وكاذب ومبغض للدينونة (التي ستحل بهم)، لذلك أقول ان عاموس نبي الله يتكلم هنا عن الشر الذي يسميه العالم شرا، لأنه لو استعمل لغة الابرار لما فهمه العالم لأني كل البلايا حسنة اما حسنة لأنه تظهر الشر الذي فعلناه، واما حسنة لأنه تمنعنا عن ارتكاب الشر، واما حسنة لأنه تعرف الإنسان حال هذه الحياة لكي نحب ونتوق الى الحياة الأبدية، فلو قال النبي عاموس: (ليس في المدينة من خير الا كان الله صانعه) لكان ذلك وسيلة لقنوط المصابين متى رأوا أنفسهم في المحن والخطأة في سعة من العيش، وأنكى من ذلك انه متى صدق كثيرون أن للشيطان سلطة على الإنسان خافوا الشيطان وخدموه تخلصا من البلايا، فلذلك فعل عاموس مايفعله الترجمان الروماني الذي لا ينظر في كلامه كأنه يتكلم في حضرة رئيس الكهنة بل ينظر الى إرادة مصلحة اليهودي الذي لا يعرف التكلم باللسان العبراني.

 

الفصل الثاني والستون بعد المئة

 

 لو قال عاموس: ((ليس في المدينة من خير الا كان الله صانعه)) لكان لعمر الله الذي تقف نفسي في حضرته قد ارتكب خطأ فاحشا، لأني العالم لا يرى خيرا سوى الظلم والخطايا التي تصنع في سبيل الباطل، وعليه يكون الناس أشد توغلا في الاثم لأنهم يعتقدون انه لا يوجد خطيئة أو شر لم يصنعه الله وهو أمر تتزلزل لسماعه الأرض، وبعد ان قال يسوع هذا حصل توا زلزال عظيم الى حد سقط معه كل أحد كأنه ميت، فأنهضهم يسوع قائلا: انظروا الآن اذا كنت قد قلت لكم الحق، فليكفكم هذا اذا، انه لما قال عاموس((ان الله صنع شرا في المدينة)) مكلما العالم فهو إنما تكلم عن البلايا التي لا يسميها شر الا الخطأة، ولنأت الآن على ذكر ما سبق الاصطفاء الذين تريدون أن تعرفوه والذي سأكلمكم عنه غدا على مقربة من الاردن على الجانب الآخر ان شاء الله.

 

الفصل الثالث والستون بعد المئة

 

 وذهب يسوع مع تلاميذه الى البرية وراء الاردن، فلما انقضت صلاة الظهيرة جلس بجانب نخلة وجلس تلاميذه تحت ظل النخلة، حينئذ قال يسوع: أيها الاخوة ان سبق الاصطفاء لسر عظيم حتى اني أقول لكم الحق انه لا يعلمه جليا الا إنسان واحد فقط، وهو الذي تتطلع اليه الامم الذي تتجلى له اسرار الله تجليا فطوبى للذين سيصيخون السمع الى كلامه متى جاء الى العالم، لأني الله سيظللهم كما تظللنا هذه النخلة، بلى انه كما تقينا هذه الشجرة حرارة الشمس المتلظية هكذا تقي رحمة الله المؤمنين بذلك الاسم من الشيطان، أجاب التلاميذ: يا معلم من عسى ان يكون ذلك الرجل الذي تتكلم عنه الذي سيأتي الى العالم؟، أجاب يسوع بابتهاج قلب: انه محمد رسول الله، ومتى جاء الى العالم فسيكون ذريعة للاعمال الصالحة بين البشر بالرحمة الغزيرة التي يأتي بها ،كما يجعل المطر الأرض تعطي ثمرا بعد انقطاع المطر زمنا طويلا، فهو غمامة بيضاء ملأى برحمة الله وهي رحمة ينثرها الله رذاذا على المؤمنين كالغيث.

 

الفصل الرابع والستون بعد المئة

 

 اني أشرح لكم الان ذلك النزر القليل الذي وهبني الله معرفته بشأن سبق هذا الاصطفاء نفسه، يزعم الفريسيون ان كل شيء قدر على طريقة لا يمكن معها لمن كان مختارا أن يصير منبوذا، ومن كان منبوذا لا يتسنى له بأية وسيلة كانت أن يصير مختارا، وانه كما أن الله قدّر أن يكون عمل الصلاح هو الصراط الذي يسير فيه المختارون الى الخلاص هكذا قدر أن تكون الخطيئة هي الطريق الذي يسير فيه المنبوذون إلى الهلاك، لعن اللسان الذي نطق بهذا واليد التي سطرته لأني هذا إنما هو اعتقاد الشيطان، فيمكن للمرء على هذا أن يعرف شاكلة فريسيي هذا العصر لانهم خدمة الشيطان الامناء، فماذا يمكن أن يكون معنى سبق اصطفاء سوى انه إرادة مطلقة تجعل للشيء غاية وسيلة الوصول اليها في يد المرء، فانه بدون وسيلة لا يمكن لأحد تعيين غاية، فكيف يتسنى لأحد تقدير بناء بيت وهو لا يعوزه الحجر والنقود ليصرفها فقط بل يعوزه موطئ القدم من الأرض، لا أحد البته، فسبق الاصطفاء لا يكون شريعة الله بالاولى اذا استلزم سلب حرية الارادة التي وهبها الله للإنسان بمحض جوده فمن المؤكد اننا نكون اذ ذاك آخذين في اثبات مكرهة لا سبق اصطفاء، أما كون الإنسان حرا فواضح من كتاب موسى لأني إلهنا عندما أعطى الشريعة على جبل سينا قال هكذا: ( ليست وصيتي في السماء لكي تتخذ لك عذرا قائلا: من يذهب ليحضر لأني وصية الله؟، ومن يا ترى يعطينا قوة لنحفظها؟، ولا هي وراء البحر لكي تعد نفسك كما تقدم، بل وصيتي قريبة من قلبك حتى أنك تحفظها متى شئت)، قولوا لي لو أمر هيرودس شيخا أن يعود يافعا ومريضا أن يعود صحيحا ثم اذا هما لم يفعلا ذلك أمر بقتلهما أفيكون هذا عدلا؟، أجاب التلاميذ: لو أمر هيرودس بهذا لكان أعظم ظالم وكافر، حينئذ تنهد يسوع وقال: أيها الاخوة ما هذه إلا ثمار التقاليد البشرية، لأنه بقولهما أن الله قدّر فقضى على المنبوذ بطريقة لا يمكن معها أن يصير مختارا يجدفون على الله كأنه طاغ وظالم، لأنه يأمر الخاطئ أن يخطئ واذا أخطأ أن يتوب، على ان هذا القدر ينزع من الخاطئ القدرة على ترك الخطيئة فيسلبه التوبة بالمرة.

 

الفصل الخامس والستون بعد المئة

 

 ولكن اسمعوا ما يقول الله على لسان يوئيل النبي : ( لعمري ( يقول ) إلهكم لا أريد موت الخاطئ بل أود أن يتحول الى التوبة)، أيقدر الله اذا ما لا يريده؟، تأملوا ما يقول الله وما يقول فريسيو الزمن الحاضر، يقول الله أيضا على لسان النبي أشعيا: (دعوت فلم تصغوا إلي)، وما أكثر ما دعا الله، فاسمعوا ما يقول على لسان هذا النبي نفسه: (بسطت يدي طول النهار الى شعب لا يصدقني بل يناقضني)، فاذا قال فريسيونا ان المنبوذ لا يقدر أن يصير مختارا فهل يقولون سوى ان الله يستهزئ بالبشر كما لو استهزأ بأعمى يريه شيئا أبيض وكما لو استهزأ بأصم يكلمه في اذنيه؟، أما كون المختار يمكن أن ينبذ فتأملوا ما يقول إلهنا على لسان حزقيال النبي : ( يقول الله لعمري اذا رجع البار عن بره وارتكب الفواحش فانه يهلك ولا أذكر فيما بعد شيئا من بره فان بره سيخذله أمامي فلا ينجيه وهو متكل عليه، أما نداء المنبوذين فماذا يقول الله فيه على لسان هوشع سوى هذا: (انى ادعوا شعبا غير مختار فادعوهم مختارين)،ان الله صادق ولا يمكن أن يكذب وان الله لما كان هو الحق فهو يقول الحق، ولكن فريسيي الوقت الحاضر يناقضون الله كل المناقضة بتعليمهم.

 

الفصل السادس والستون بعد المئة

 

 أجاب اندراوس: ولكن كيف يجب أن يفهم ما قال الله لموسى من انه يرحم من يرحم ويقسِّي من يقسى؟، أجاب يسوع: إنما يقول الله هذا لكيلا يعتقد الإنسان انه خلص بفضيلته، بل ليدرك ان الحياة ورحمة الله قد منحهما له الله من جوده، ويقوله ليتجنب البشر الذهاب إلى أنه يوجد آلهة أخرى سواه، فاذا هو قسِّى فرعون فإنما فعله لأنه نكل بشعبنا وحاول أن يبغى عليه بابادة كل الاطفال الذكور من اسرائيل حتى كاد موسى يخسر حياته، وعليه أقول لكم حقا ان أساس القدر إنما هو شريعة الله وحرية الارادة البشرية، بل لو قدّر الله أن يخلص العالم كله حتى لا يهلك أحد لما أراد أن يفعل ذلك، لكيلا يجرد الإنسان من الحرية التي يحفظها له ليكبد الشيطان حتى يكون لهذه الطينة التي امتهنها الروح (الشيطان) ـ وان أخطأت كما فعل الروح ـ قدرة على التوبة والذهاب للسكن في ذلك الموضع الذي طرد منه الروح، فأقول إن إلهنا يريد أن يتبع برحمته حرية إرادة الإنسان ، ولا يريد أن يترك بقدرته غير المتناهية المخلوق ، هكذا لا يقدر أحد في يوم الدين أن يعتذر عن خطاياه، لأنه يتضح له حينئذ كم فعل الله لتجديده وكم وكم قد دعاه الى التوبة.

 

الفصل السابع والستون بعد المئة

 

 وعليه فاذا كانت أفكاركم لا تطمئن لهذا ووددتم أن تقولوا أيضا : (( لماذا هكذا)) فاني أوضح لكم ((لماذا)) ، وهو هذا: قولوا لي لماذا لا يمكن الحجر أن يستقر على سطح الماء مع ان الأرض برمتها مستقرة على سطح الماء؟، قولوا لي لماذا كان التراب والهواء والماء والنار متحدة بالإنسان ومحفوظة على وفاق؟ مع ان الماء يطفئ النار والتراب يهرب من الهواء حتى انه لا يقدر أحد أن يؤلف بينها، فإذ كنتم اذا لا تفقهون هذاـ بل ان كل البشر من حيث هم بشر لا يقدرون أن يفقهوه ـ فكيف يفقهون ان الله خلق الكون من لا شيء بكلمة واحدة؟، كيف يفقهون أزلية الله؟، حقا لا يتاح لهم أبدا أن يفقهوا هذا، لأنه لما كان الإنسان محدودا ويدخل في تركيبه الجسد الذي هو كما يقول النبي سليمان قابل للفساد يضغط النفس ولما كانت أعمال الله مناسبة لله فكيف يمكن للإنسان ادراكها؟، فلما رأى أشعيا نبي الله هذا صرخ قائلا : ( حقا إنك لإله محتجب ) ، ويقول عن رسول الله كيف خلقه الله : ( أما جيله فمن يصفه ؟ ) ، ويقول عن عمل الله : ( من كان مشيره فيه ) ، لذلك يقول الله للطبيعة البشرية: (كما تعلوا السماء عن الأرض هكذا تعلوا طرقي عن طريقكم وأفكاركم)، لذلك أقول لكم ان كيفية القدر غير واضحة للإنسان وان كان ثبوته حقيقيا كما قلت لكم، أفيجب اذا على الإنسان أن ينكر الواقع لأنه لا يقدر أن يعرف كيفيته؟، حقا اني لم أجد أحدا يرفض الصحة وان لم يمكن ادراك كيفيتها، لأني لا أدري حتى الآن كيف يشفي الله المرض بواسطة لمسي.

 

الفصل الثامن والستون بعد المئة

 

 حينئذ قال التلاميذ: حقا ان الله تكلم على لسانك لأنه لم يتكلم إنسان قط كما تتكلم، أجاب يسوع: صدقوني انه لما اختارني الله ليرسلني الى بيت اسرائيل اعطاني كتابا يشبه مرآة نقية نزلت الى قلبي حتى ان كل ما أقول يصدر عن ذلك الكتاب، ومتى انتهى صدور ذلك الكتاب من فمي أصعد عن العالم، أجاب بطرس: يا معلم هل ما تتكلم به مكتوب في ذلك الكتاب؟، أجاب يسوع: ان كل ما أقول لمعرفة الله ولخدمة الله ولمعرفة الإنسان ولخلاص الجنس البشري إنما هو جميعه صار من ذلك الكتاب هو انجيلي، قال بطرس: أمكتوب فيه مجد الجنة ؟ .

 

الفصل التاسع والستون بعد المئة

 

 أجاب يسوع: أصيخوا السمع أشرح لكم كيفية الجنة وكيف ان الاطهار والمؤمنين يقيمون هناك الى غير نهاية، وهذا بركة من أعظم بركات الجنة لأني كل شيء مهما كان عظيما اذا كان له نهاية يصير صغيرا بل لا شيء، فالجنة هي البيت الذي يخزن فيه الله مسراته التي هي عظيمة جدا، حتى ان الأرض التي تدوسها أقدام الاطهار والمباركين ثمينة جدا بحيث ان درهما منها أثمن من ألف عالم ، ولقد رأى هذه المسرات أبونا داود نبي الله، فان الله أراه اياها اذ يسر له أن يبصر مجد الجنة، ولذلك لما عاد الى نفسه غطى عينيه بكلتا يديه وقال باكيا: (لا تنظري فيما بعد الى هذا العالم يا عيني لأني كل شيء فيه باطل وليس فيه شيء جيد)، ولقد قال عن هذه المسرات أشعيا النبي: ( لم تر عينا إنسان ولم تسمع أذناه ولم يدرك قلب بشر ما أعده الله للذين يحبونه)، أتعلمون لماذا لم يروا ولم يسمعوا ولم يدركوا هذه المسرات؟ لأنهم ما داموا عائشين هنا في الاسفل فهم ليسوا أهلا لمشاهدة مثل هذه الاشياء، ولذلك اخبركم ان أبانا داود على كونه قد رآها حقا لم يرها بعينين بشريتين، لأني الله أخذ نفسه اليه وهكذا لما صار متحدا مع الله رآها بنور إلهي ، لعمر الله الذي تقف نفسي في حضرته لما كانت مسرات الجنة غير متناهية وكان الإنسان متناهيا فلا يقدر الإنسان أن يعيها كما ان جرة صغيرة لا تقدر أن تعي البحر، انظروا ما أجمل العالم في زمن الصيف حين تحمل كل الاشياء ثمرا؟، حتى ان الفلاح نفسه يثمل من الحبور بالحصاد الذي أتى فيجعل الاودية والجبال ترجع غناءه، لأنه يحب أعماله كل الحب، الا فارفعوا اذا قلبكم هكذا الى الجنة حيث تثمر كل الاشياء ثمارا على قدر الذي حرثها، لعمر الله ان هذا كاف لمعرفة الجنة من حيث ان الله خلق الجنة بيتا لمسراته، ألا تظنون انه يكون للجودة غير المحدودة بالقياس أشياء غير محدودة في الجودة؟، أو أنه يكون للجمال الذي يقاس أشياء جمالها يفوق القياس؟، احذروا فانكم تضلون كثيرا اذا كنتم تظنون انها ليست عنده.

 

الفصل السبعون بعد المئة

 

 يقول الله هكذا للرجل الذي يعبده باخلاص: (اعرف أعمالك وانك تعمل لي، لعمري أنا الأبدي إن حبك لا يزيد على جودي، فإنك تعبدني إلها خالقا لك عالما أنك صنعي، ولا تطلب مني شيئا سوى النعمة والرحمة لإخلاصك في عبادتي لأنك لا تضع حدا لعبادتي إذ ترغب أن تعبدني أبدا ، هكذا أفعل أنا فاني اجزيك كأنك إله وند لي ، لأني لا أضع في يديك خيرات الجنة فقط بل أعطيك نفسي هبة، وكما انك تريد أن تكون عبدي دائما اجعل أجرتك الى الابد).

 

الفصل الحادي والسبعون بعد المئة

 

 قال يسوع لتلاميذه: ما هو ظنكم في الجنة؟، هل يوجد عقل يدرك مثل ذلك الغنى والمسرات؟، فعلى الإنسان الذي يريد أن يعرف ما يريد الله أن يعطى لعبيده أن تكون معرفته عظيمة على قدر معرفة الله، اذا قدم هيرودس هدية لأحد شرفائه الاخصاء أتدرون بأية طريقة يقدمها؟، أجاب يوحنا: لقد رأيت ذلك مرتين وأؤكد ان عشر ما يعطيه يكون فيه الكفاية لفقير، قال يسوع: ولكن لو قدم فقير لهيرودس فماذا يعطيه؟، أجاب يوحنا: فلسا أو فلسين، قال يسوع: فليكن هذا كتابكم الذي تطالعون فيه لأجل معرفة الجنة، لأني كل ما أعطى الله للإنسان في هذا العالم الحاضر لجسده هو كما لو أعطى هيرودس فلسا لفقير، ولكن ما يعطيه الله للجسد والنفس في الفردوس هو كما لو أعطى هيرودس كل ما عنده بل حياته لأحد خدمه.

 

الفصل الثاني والسبعون بعد المئة

 

 يقول الله لمن يحبه ويعبده باخلاص هكذا: (يا عبدي اذهب وتأمل رمال البحر ما أكثرها، فاذا أعطاك البحر حبة رمل واحدة الا يظهر لك ان ذلك قليل؟، بلى البتة، لعمري انا خالقك ان كل ما أعطيت لكل عظماء وملوك الأرض لأقل من حبة رمل يعطيك اياها البحر في جنب ما اعطيك اياه في الجنة).

 

الفصل الثالث والسبعون بعد المئة

 

 قال يسوع: تأملوا اذا خيرات الجنة، انه لو أعطى الله للإنسان في هذا العالم أوقية من سعة العيش فسيعطيه في الجنة ألف ألف حمل، تأملوا مقدار الثمار التي في هذا العالم ومقدار الازهار ومقدار الاشياء التي تخدم الإنسان، لعمر الله الذي تقف نفسي في حضرته كما يزيد رمل البحر على الحبة التي يأخذها منه آخذ يزيد تين الجنة في جودته ومقداره على نوع التين الذي نأكله هنا، وقس عليه كل شيء آخر في الجنة، ولكن أقول لكم أيضا أنه كما أن الجبل من ذهب واللآليء هو أثمن من ظل نملة هكذا تكون مسرات الجنة أعظم قيمة من مسرات العظماء والملوك التي كانت وستكون لهم دينونة الله حين ينقضي العالم، قال بطرس: أيذهب جسدنا الذي لأني الآن الى الجنة؟، أجاب يسوع: احذر يابطرس من أن تصير صدوقيا فان الصدوقيين يقولون أن الجسد لا يقوم أيضا وانه لا توجد ملائكة، لذلك حرم على جسدهم وروحهم الدخول في الجنة وهم محرومون من كل خدمة الملائكة في هذا العالم، أنسيتم أيوب النبي وخليل الله كيف يقول: (أعلم أن إلهي حي وأني سأقوم في اليوم الأخير بجسدي و سأرى بعيني الله مخلصي)؟، ولكن صدقوني أن جسدنا هذا يتطهر على كيفية لا يكون له معها خاصة واحدة من خصائصه الحاضرة، لأنه سيتطهر من كل شهوة شريرة، وسيعيده الله الى الحال التي كان عليها آدم قبل أن أخطأ، رجلان يخدمان سيدا واحدا في عمل واحد، أحدهما يقتصر على النظر في العمل واصدار الاوامر والثاني يقوم بكل ما يأمره به الأول، أقول أترون من العدل أن يخص السيد بالجزاء من ينظر و يأمر فقط ويطرد من بيته من أنهك نفسه في العمل؟، لا البتة، فكيف يحتمل عدل الله هذا؟، ان نفس الإنسان وجسده وحسه تخدم الله، فالنفس تنظر وتأمر بالخدمة فقط لأني النفس لما كانت لا تأكل خبزا فهي لا تصوم ولا تمشي ولا تشعر بالبرد أو الحر ولا تمرض ولا تقتل لأنه خالدة، وهي لا تكابد شيئا من الآلام الجسدية التي يكابدها الجسد بفعل العناصر، فأقول هل من العدل اذا أن تذهب النفس وحدها الى الجنة دون الجسد الذي أنهك نفسه بهذا المقدار في خدمة الله؟، قال بطرس: يا معلم لما كان الجسد هو الذي حمل النفس على الخطيئة فلا ينبغي أن يوضع في الجنة، أجاب يسوع: كيف يخطئ الجسد بدون النفس، حقا ان هذا محال، فاذا نزعت رحمة الله من الجسد قضيت على النفس بالجحيم.

 

الفصل الرابع والسبعون بعد المئة

 

 لعمر الله الذي تقف نفسي في حضرته ان الله يعد الخاطئ برحمته قائلا: (أقسم بنفسي أن الساعة التي يندب فيها الخاطئ خطيئته هي التي أنسى فيها اثمه الى الابد)، فأي شيء يأكل اذا أطعمة الجنة اذا كان الجسد لا يذهب الى هناك؟، هل النفس؟ لا البتة لأنه روح، أجاب بطرس: أيأكل اذا المباركون في الفردوس؟. ولكن كيف يبرز الطعام دون نجاسة؟، أجاب يسوع: أي بركة ينالها الجسم اذا لم يأكل ولم يشرب؟، من المؤكد أنه من اللائق أن يكون التمجيد بالنسبة الى الشيء الممجد، ولكنك تخطئ يا بطرس في ظنك أن طعاما كهذا يبرز نجاسة، لأني الجسم في الوقت الحاضر يأكل أطعمة قابلة للفساد ولهذا يحصل الفساد، ولكن الجسم يكون في الجنة غير قابل للفساد وغير قابل للألم وخالدا وخاليا من كل شقاء، والأطعمة التي لا عيب فيها لا تحدث أدنى فساد.

 

الفصل الخامس والسبعون بعد المئة

 

 هكذا يقول الله على لسان أشعياء النبي ساكبا ازدراء على المنبوذين: (يجلس خدمي على مائدتي في بيتي ويتلذذون بابتهاج مع حبور ومع صوت الأعواد والأراغن ولا أدعهم يحتاجون شيئا ما، أما أنتم أعدائي فتطرحون خارجا عني حيث تموتون في الشقاء وكل خادم لي يمتهنكم ) .

 

الفصل السادس والسبعون بعد المئة

 

 قال يسوع لتلاميذه: ماذا يجدي نفعا قوله يتلذذون، حقا ان الله يتكلم جليا، ولكن ما فائدة الأنهر الأربعة من السائل الثمين في الجنة مع ثمار وافرة جدا؟، فمن المؤكد أن الله لا يأكل والملائكة لا تأكل والنفس لا تأكل والحس لا يأكل بل الجسد الذي هو جسمنا، فمجد الجنة هو طعام الجسد، أما النفس والحس فلهما الله ومحادثة الملائكة والأرواح المباركة، وأما ذلك المجد فسيوضحه بأجلى بيان رسول الله الذي هو أدرى بالأشياء من كل مخلوق لأني الله قد خلق كل شيء حبا فيه، قال برتولوماوس: يا معلم أيكون مجد الجنة لكل واحد على السواء؟، فاذا كان على السواء فهو ليس من العدل، واذا لم يكن على السواء فالاصغر يحسد الاعظم، أجاب يسوع: لا يكون على السواء لأني الله عادل، وسيكون كل أحد قنوعا اذ لا حسد هناك، قل لي يا برتولوماوس يوجد سيد عنده كثيرون من الخدمة ويلبس جميع خدمه هؤلاء لباسا واحدا، أيحزن اذا الغلمان اللابسون لباس الغلمان لأنه ليس لهم ثياب البالغين؟، بل بالعكس لو أراد البالغون أن يلبسوهم ثيابهم الكبيرة لتغيَّظوا لأنه لما لم تكن الاثواب موافقة لحجمهم يزعمون أنهم سخرية، فارفع اذن يا برتولوماوس قلبك لله في الجنة فترى أن للجميع مجدا واحدا ومع أنه يكون كثيرا لواحد وقليلا للآخر فهو لا يولد شيئا من الحسد.

 

الفصل السابع والسبعون بعد المئة

 

 حينئذ قال من يكتب: يا معلم أللجنة نور من الشمس كما لهذا العالم؟، أجاب يسوع: هكذا قال لي الله يا برنابا: (ان للعالم الذي تسكنون فيه أيها البشر الخطأة الشمس والقمر والنجوم تزينه لفائدتكم وحبوركم، لأني لأجل هذا خلقتها، أتحسبون اذا أن البيت الذي يسكن فيه المؤمنون بي لا يكون أفضل؟، حقا إنكم تخطئون في هذا الحسبان، لأني أنا إلهكم هو شمس الجنة ورسولي هو القمر الذي يستمد مني كل شيء، والنجوم أنبيائي الذين قد بشروكم بشيء، فكما أخذ المؤمنون بي كلمتي من أنبيائي (هنا) سينالون كذلك مسرة وحبورا بواسطتهم في جنة مسراتي ؟.

 

الفصل الثامن والسبعون بعد المئة

 

 ثم قال يسوع: ليكفكم هذا في معرفة الجنة، فعاد من ثم برتولوماوس وقال: يا معلم كن طويل الأناة عليّ اذا سألتك مسألة، قال يسوع: قل ما تريد؟، قال برتولوماوس: حقا ان الجنة لواسعة لأنه اذا كان فيها خيرات عظيمة هذا مقدارها فلا بد أن تكون واسعة، أجاب يسوع: ان الجنة واسعة جداحتى أنه لا يقدر أحد أن يقيسها، الحق أقول لك أن السموات تسع موضوعة بينها السيارات التي تبعد إحداها عن الأخرى مسيرة رجل خمس مئة سنة، وكذلك الأرض على مسيرة خمس مئة سنة من السماء الأولى، ولكن قف عند قياس السماء الأولى التي تزيد عن الأرض برمتها كما تزيد الأرض عن حبة رمل، وهكذا تزيد السماء الثانية عن الأولى والثالثة عن الثانية وهلم جرا حتى السماء الأخيرة كل منها تزيد عما يليها، والحق أقول لكم أن الجنة أكبر من الأرض برمتها والسموات برمتها كما أن الأرض برمتها أكبر من حبة رمل، فقال حينئذ بطرس: يا معلم لا بد أن تكون الجنة أكبر من الله لأني الله يرى داخلها، أجاب يسوع: صه يا بطرس لأنك تجدف على غير هدى.

 

الفصل التاسع والسبعون بعد المئة

 

 حينئذ جاء الملاك جبريل ليسوع، وأراه مرآة براقة كالشمس، رأى فيها هذه الكلمات مكتوبة: (لعمري أنا الأبدي، كما أن الجنة أكبر من السموات برمتها والأرض وكما أن الأرض برمتها أكبر من حبة رمل هكذا أنا أكبر من الجنة، بل أكثر كثيرا من ذلك عدد حبوب رمل البحر وقطرات الماء في البحر وعشب الأرض وأوراق الأشجار وجلود الحيوانات، بل أكثر من ذلك كثيرا عدد حبوب الرمل التي تملأ السموات والجنة بل أكثر)، حينئذ قال يسوع: لنسجد لإلهنا المبارك إلى الأبد ، فطأطأوا من ثم رؤوسهم مئة مرة وعفَّروا الأرض بوجوههم في الصلاة، ولما انتهت الصلاة دعا يسوع بطرس وأخبره هو وكل التلاميذ بما رأى، وقال لبطرس: ان نفسك التي هي أعظم من الأرض برمتها ترى بعين واحدة الشمس التي هي أكبر من الأرض بألوف من المرار، فأجاب بطرس: ان ذلك لصحيح، فقال حينئذ يسوع: هكذا ترى الله خالقك بواسطة الجنة، وبعد أن قال يسوع هذا شكر الله ربنا مصليا لأجل بيت اسرائيل والمدينة المقدسة، فأجاب كل واحد: ليكن كذلك يا رب.

 

الفصل الثمانون بعد المئة

 

 ولما كان يسوع ذات يوم في رواق سليمان دنا منه أحد(فرقة) الكتبة وهو احد الذين يخطبون في الشعب، وقال له: يا معلم لقد خطبت في هذا الشعب مرارا عديدة وفي خاطري آية من الكتاب اشكل علي فهمها، أجاب يسوع: وما هي؟، قال الكاتب: هي ما قاله الله لإبراهيم ابينا : ( إني أكون جزاءك العظيم ) فكيف يستحق الإنسان(هذا الجزاء)، فتهلل حينئذ يسوع بالروح وقال: حقا انك لست بعيدا عن ملكوت الله، أصخ السمع الي لأني أفيدك معنى هذا التعليم، لما كان الله غير محدود والإنسان محدودا لم يستحق الإنسان الله فهل هذا موضوع ريبتك أيها الأخ؟، أجاب الكاتب باكيا: يا سيد انك تعرف قلبي، تكلم اذا لأني نفسي تروم أن تسمع صوتك، فقال حينئذ يسوع: لعمر الله ان الإنسان لا يستحق النفس القليل الذي يأخذه كل دقيقة، فلما سمع الكاتب هذا كاد يجن وانذهل كذلك التلاميذ لأنهم ذكروا ما قال يسوع انهم مهما أعطوا في حب الله يأخذون مئة ضعف، حينئذ قال : لو أقرضكم أحد مئة قطعة من الذهب فصرفتم هذه القطع أفتقولون لذلك الإنسان: اني أعطيك ورقة كرمة عفنة فاعطني بها بيتك لأني أستحقه؟، أجاب الكاتب: لا يا سيدي لأنه يجب عليه أن يدفع ما عليه ثم عليه اذا أراد شيئا أن يعطي أشياء جيدة ولكن ما نفع ورقة فاسدة؟

 

الفصل الحادي والثمانون بعد المئة

 

 أجاب يسوع: لقد قلت حسنا أيها الأخ، فقل لي من خلق الإنسان من لا شيء؟، من المؤكد أنه هو الله الذي وهبه العالم برمته لمنفعته، ولكن الإنسان قد صرفه كله بارتكاب الخطيئة، لأنه بسبب الخطيئة انقلب العالم ضدا للإنسان، وليس للإنسان في شقائه شيء يعطيه لله سوى أعمال أفسدتها الخطيئة، لأنه بارتكابه الخطيئة كل يوم يفسد عمله، لذلك يقول أشعيا النبي: (ان برنا هو كخرقة حائض)، فكيف يكون للإنسان استحقاق وهو غير قادر على الترضية؟، لعل الإنسان لا يخطئ؟، من المؤكد إن إلهنا يقول على لسان نبيه داود: ( إن الصدّيق يسقط سبع مرات في اليوم)، فكم يسقط الفاجر اذا؟، واذا كان برنا فاسدا فكم يكون فجورنا ممقوتا؟، لعمر الله انه لا يوجد شيء يجب على الإنسان الاعراض عنه كهذا القول((اني استحق))، ليعرف الإنسان أيها الأخ عمل يديه فيرى توا استحقاقه، حقا ان كل عمل صالح يصدر عن الإنسان لا يفعله الإنسان بل إنما يفعله الله فيه، لأني وجوده من الله الذي خلقه، أما ما يفعله الإنسان فهو أن يخالف خالقه ويرتكب الخطيئة التي لا يستحق عليها جزاءا بل عذابا.

 

الفصل الثاني والثمانون بعد المئة

 

 لم يخلق الله الإنسان كما قلت فقط بل خلقه كاملا، ولقد أعطاه ملاكين ليحرساه، وبعث له الانبياء، ومنحه الشريعة، ومنحه الايمان، وينقذه كل دقيقة من الشيطان، ويريد أن يهبه الجنة، بل أكثر من ذلك فإن الله يريد ان يعطى نفسه للإنسان، فتأملوا اذا كان الدين عظيما، فلمحو هذه وجب عليكم أن تكونوا أنتم قد خلقتم الإنسان من العدم، وأن تكونوا قد خلقتم أنبياء بعدد ما بعث الله مع ( خلق ) عالم وجنة، بل أكثر من ذلك مع خلق إله عظيم وجواد كإلهنا ، وأن تهبوها برمتها لله، فبهذا يمحى الدين ويبقى عليكم فرض تقديم الشكر لله فقط، ولكن لما كنتم غير قادرين على خلق ذبابة واحدة ولما كان لا يوجد إلا إله واحد وهو سيد كل الاشياء فكيف تقدرون أن تمحوا دينكم؟، حقا ان أقرضكم أحد مئة قطعة من الذهب وجب عليكم أن تردوا مئة قطعة من الذهب، وعليه فان معنى هذا أيها الاخ هو أنه لما كان الله سيد الجنة وكل شيء يقدر أن يقول كل ما يشاء ويهب كل ما يشاء، لذلك لما قال لابراهيم: (اني أكون جزاءك العظيم) لم يقدر ابراهيم أن يقول(الله جزائي)بل(الله هبتي وديني)، لذلك يجب عليك أيها الاخ عندما تخطب في الشعب أن تفسر هذه الآية هكذا: (ان الله يهب الإنسان كذا وكذا من الاشياء اذا عمل الإنسان حسنا، متى كلمك الله أيها الإنسان وقال: (انك يا عبدي قد عملت حسنا حبا فيّ فأي جزاء تطلبه مني أنا إلهك ؟ ) ، فأجب أنت : ( لما كنت يا رب عمل يديك فلا يليق أن يكون فيّ خطيئة وهو ما يحبه الشيطان ، فارحم يا رب لأجل مجدك أعمال يديك، فاذا قال الله: (قد عفوت عنك وأريد الآن أن أجزيك) فأجب: (يا رب أنا أستحق العقوبة لما فعلته وأنت تستحق لما فعلته أن تمجد فعاقبني يا رب على ما فعلت وخلِّص ما قد صنعت)، فاذا قال الله: (ما هو العقاب الذي تراه معادلا لخطيئتك؟) فأجب أنت: (يا رب بقدر ما سيكابده كل المنبوذين)، فاذا قال الله: (لما تطلب يا عبدي الأمين عقوبة عظيمة كهذه؟) فأجب أنت: (لو أخذ كل منهم على قدر ما أخذت لكانوا أشد اخلاصا مني في خدمتك)، فاذا قال الله: (متى تريد أن تصيبك هذه العقوبة وكم تكون مدتها؟) فأجب أنت: (الآن والى غير نهاية)، لعمر الله الذي تقف نفسي في حضرته أن رجلا كهذا يكون مرضيا لله أكثر من كل ملائكتة الأطهار، لأني الله يحب الاتضاع الحقيقي ويكره الكبرياء؟، حينئذ شكر الكاتب يسوع وقال له: يا سيدي لنذهب الى بيت خادمك لأني خادمك يقدم لك وللتلاميذ طعاما، فأجاب يسوع: اني أذهب الآن الى هناك متى وعدتني أن تدعوني أخا لا سيدا وتقول أنك أخي لا خادمي فوعد الرجل وذهب يسوع الى بيته.

 

الفصل الثالث والثمانون بعد المئة

 

 وبينما كانوا جالسين على الطعام قال الكاتب: يا معلم قلت أن الله يحب الاتضاع الحقيقي، فقل لأني ماهو وكيف يكون حقيقيا أو كذبا أجاب يسوع: الحق أقول لكم أن من لا يصير كطفل صغير لا يدخل ملكوت السماء، تعجب كل أحد لسماع هذا، وقال كل للاخر: كيف يمكن لمن كان ابن ثلاثين وأربعين سنة أن يصير ولدا؟ حقا ان هذا لقول عويص، أجاب يسوع: لعمر الله الذي تقف نفسي في حضرته أن كلامي لحق، اني قلت لكم أنه يجب على الإنسان أن يصير كطفل صغير لأني هذا هو الاتضاع الحقيقي، فانكم لو سألتم ولدا صغيرا : (من صنع ثيابك) يجيب(أبي)، واذا سألتموه(لمن البيت الذي هو فيه؟) يقول(بيت أبي)، واذا سألتموه(من يعطيك لتأكل؟) يجيب: (أبي)، واذا قلتم: (من علمك المشي والتكلم؟) يجيب: (أبي)، ولكن اذا قلتم له: (من شجّ جبهتك فإن جبهتك معصوبه؟) يجيب: (سقطت فشججت رأسي)، واذا قلتم له: (فلماذا وقعت؟) يجيب: (ألا ترون أني صغير حتى لا قوة لي على المشي والاسراع كالبالغ حتى أنه يجب أن يأخذ أبي بيدي اذا كنت أمشي بثبات قدم، ولكن تركني أبي هنيهة لأتعلم المشي جيدا فأحببت أن أسرع فسقطت)، واذا قلتم: (وماذا قال أبوك؟) يجيب: (لماذا لم تمش ببطء أنظر أن لا تترك في المستقبل جانبي).

 

الفصل الرابع والثمانون بعد المئة

 

 قال يسوع: قولوا لي أهذا صحيح؟، فأجاب التلاميذ والكاتب: انه لصحيح كل الصحة، فقال حينئذ يسوع: ان من يشهد بالله باخلاص قلب أن الله منشئ كل صلاح وأنه هو نفسه منشئ الخطيئة يكون متضعا، ولكن من يتكلم بلسانه كما يتكلم الولد ويناقضه بالعمل فهو بالتأكيد ذو تواضع كاذب وكبرياء حقيقية، ان الكبرياء تكون في أوجها متى استخدمت الاشياء الوضعية لكيلا توبخها الناس وتمتهنها، فالاتضاع الحقيقي هو مسكنة النفس التي يعرف بها الإنسان نفسه بالحقيقة ، ولكن الصفة الكاذبة إنما هي ضبابة من الجحيم تجعل بصيرة النفس مظلمة بحيث ينسب الإنسان إلى الله ما يجب عليه أن ينسبه إلى نفسه ، وعليه فإن الرجل ذا الاتضاع الكاذب يقول أنه متوغل في الخطيئة ولكن اذا قال له أحد أنه خاطئ ثار حنقه عليه واضطهده، ذو الاتضاع الكاذب يقول أن الله أعطاه كل ماله ولكنه هو من جهة لم ينعس بل عمل أعمالا صالحة، فقولوا لي أيها الاخوة كيف يسير فريسيو الزمن الحاضر؟، أجاب الكاتب باكيا: يا معلم ان لفريسيي الزمن الحاضر ثياب الفريسيين واسمهم وما في قلوبهم وأعمالهم سوى كنعانيين، ويا ليتهم لم يغتصبوا اسما كهذا فانهم حينئذ لا يخدعون البسطاء، أيها الزمن القديم كم عاملتنا بقسوة اذ أخذت منا الفريسيين الحقيقيين وتركت لأني الكاذبين.

 

الفصل الخامس والثمانون بعد المئة

 

 أجاب يسوع: أيها الأخ ليس الزمن هو الذي فعل هذا بل بالحري العالم الشرير، لأني خدمة الله بالحق تمكن في كل زمن، ولكن الناس يصيرون أرد ياء بالاختلاط بالعالم أي بالعوائد الرديئة في كل زمن، الا تعلم أن جحيزي خادم اليسع النبي لما كذب وأورث سيده الخجل أخذ نقود نعمان السرياني وثوبه، ومع ذلك كان لأليسع عدد وافر من الفريسيين جعله الله يتنبأ لهم، الحق أقول لك أنه قد بلغ من ميل الناس لعمل الشر ومن اغراء العالم لهم بذلك ومن اغواء الشيطان اياهم على الشر مبلغا يعرض معه فريسيو الزمن الحاضر عن كل عمل صالح وكل قدوة طاهرة، وان لفي مثال جحيزي كفاية لهم ليكونوا منبوذين من الله، أجاب الكاتب: ان ذلك لصحيح، فقال من ثم يسوع: أريد أن تقص علي مثال حجي وهوشع نبي الله لنرى الفريسي الحقيقي، أجاب الكاتب: ماذا أقول يا معلم حقا ان كثيرين لا يصدقون مع أنه مكتوب في دانيال النبي ولكن اطاعة لك أقص الحقيقة، ] كان حجي ابن خمس عشرة سنة عندما خرج من عند أناثوث ليخدم عوبديا النبي بعد أن باع ارثه ووهبه للفقراء، أما عوبديا الشيخ الذي عرف اتضاع حجي فاستعمله بمثابة كتاب يعلم به تلاميذه، فلذلك كان يكثر من تقديم الأثواب والأطعمة الفاخرة له، ولكن حجي كان دائما يرد الرسول قائلا: (اذهب وعد الى البيت لأنك قد ارتكبت خطأ، أفيرسل لي عوبديا أشياء كهذه ؟، لا البتة لأنه يعرف أني لا أصلح لشيء بل إنما أرتكب الخطيئة)، ومتى كان عند عوبديا شيء رديء أعطاه لمن ولي حجي لكي يراه فكان اذا رآه حجي يقول في نفسه: ( ها هو ذا عوبديا قد نسيني بلا ريب لأني هذا الشيء لا يصلح الا لي لأني شر من الجميع، ومهما كان الشيء رديئا فمتى أخذته من عوبديا الذي منحني الله اياه على يديه صار كنزا).

 

الفصل السادس والثمانون بعد المئة

 

 ومتى أراد عوبديا أن يعلم أحدا كيف يصلي دعا حجي وقال: اتل الآن صلاتك ليسمع كل أحد كلامك، فيقول حجي: (أيها الرب إله إسرائيل أنظر الى عبدك الذي يدعوك لأنك قد خلقته، أيها الرب الإله البار أذكر برك وقاص خطايا عبدك لكي لا أنجس عملك، أبي وإلهي إني لا أقدر أن أسألك المسرات التي تهبها لعبيدك المخلصين لأني لا أفعل شيئا الا الخطايا، فاذا أنزلت يا رب بأحد عبيدك سقما فاذكرني أنا)، ثم قال الكاتب وكان متى فعل حجي هذا أحبه الله حتى أن الله كان يعطي النبوة لكل من وقف بجانبه، ولم يكن حجي يطلب شيئا فيمنعه الله عنه.

 

الفصل السابع والثمانون بعد المئة

 

 ولما قال الكاتب الصالح هذا بكى كما يبكي النوتي اذا رأى سفينته قد تحطمت وقال: كان هوشع لما ذهب ليخدم الله أميرا لسبط نفتالي وكان له من العمر أربع عشرة سنة، وبعد أن باع ارثه ووهبه الفقراء ذهب ليكون تلميذا لحجي، وكان هوشع مشغوفا بالصدقة حتى أنه كلما طلب منه شيء يقول: (أيها الأخ ان الله منحني هذا لك فاقبله)، فلم يبق له لهذا السبب سوى ثوبين فقط أي صدرة من مسح ورداء من جلد، وكان قد باع كما قلت ارثه وأعطاه للفقراء لأنه بدون هذا لايجوز لأحد أن يسمى فريسيا، وكان عند هوشع كتاب موسى وكان يطالعه برغبة شديدة، فقال له حجي يوما ما: (من أخذ منك كل مالك؟)، أجاب: (كتاب موسى)، وحدث أن تلميذ أحد الأنبياء المجاورين أحب أن يذهب الى أورشليم ولم يكن له رداء، فلما سمع بتصدق هوشع ذهب ليراه وقال له: (أيها الأخ اني أريد أن أذهب الى أورشليم لأقوم بتقديم ذبيحة لإلهنا ولكن ليس لي رداء فلا أدري ماذا أفعل)، فلما سمع هوشع قال: (عفوا أيها الأخ فاني قد ارتكبت خطيئة عظيمة اليك، لأني الله قد أعطاني رداءا لكي أعطيك اياه فنسيت، فاقبله الآن وصل الى الله لأجلي)، فصدّق الرجل هذا وقبل رداء هوشع وانصرف، ولما ذهب هوشع الى بيت حجي قال حجي: (من أخذ رداءك؟) أجاب هوشع: (كتاب موسى)، فسّر حجي كثيرا من سماع هذا لأنه أدرك صلاح هوشع، وحدث أن اللصوص سلبوا فقيرا وتركوه عريانا، فلما رآه هوشع نزع صدرته وأعطاها للعريان ولم يبق له سوى فرصة صغيرة من جلد الماعز على سوأته، فلما لم يأت الى حجي ظن حجي الصالح أن هوشع مريض، فذهب مع تلميذين ليراه فوجده ملفوفا بأوراق من النخل، فقال حينئذ حجي: ( قل لي الآن لماذا لم تزرني؟)، أجاب هوشع: (ان كتاب موسى قد أخذ صدرتي فخشيت أن آتي الى هناك بدون صدرة)، فأعطاه هناك حجي صدرة أخرى، وحدث أن شابا رأى هوشع يطالع كتاب موسى فبكى وقال: (أنا أيضا أود القراءة لو كان لي كتاب)، فلما سمع هوشع هذا أعطاه الكتاب قائلا: (أيها الأخ ان هذا الكتاب لك لأني الله أعطاني اياه لكي أعطيه من يرغب في كتاب باكيا)، فصدّقه الرجل وأخذ الكتاب).

 

الفصل الثامن والثمانون بعد المئة

 

 وكان تلميذ لحجي على مقربة من هوشع، فأراد أن يرى هل كان كتابه مكتوبا صحيحا، فذهب ليزوره وقال له: (أيها الأخ خذ كتابك ولننظر هل هو مطابق لكتابي؟)، فأجاب هوشع: (لقد أخذ مني)، فقال التلميذ: ( من أخذه منك؟)، أجاب هوشع: (كتاب موسى)، فلما سمع الآخر هذا ذهب الى حجي وقال له: (ان هوشع قد جنّ لأنه يقول أن كتاب موسى قد اخذ منه كتاب موسى)، أجاب حجي: (يا ليتني كنت مجنونا مثله وكان كل المجانين نظير هوشع)، وشن لصوص سوريا الغارة على أرض اليهودية، فأسروا ابن أرملة فقيرة كانت تسكن على مقربة من جبل الكرمل حيث كان الأنبياء والفريسيون يقيمون، فاتفق حينئذ أن هوشع كان ذاهبا ليقطع حطبا فالتقى بالمرأة وهي باكية، فشرع من ثم يبكي حالا، لأنه كان متى رأى ضاحكا ضحك ومتى رأى باكيا بكى، فسأله حينئذ هوشع المرأة عن سبب بكائها فأخبرته بكل شيء، فقال حينئذ هوشع: (تعالي أيتها الأخت لأني الله يريد أن يعطيك ابنك)، فذهبا كلاهما الى جرون حيث باع هوشع نفسه وأعطى النقود للأرملة التي لم تعلم كيف حصل عليها فقبلتها وافتدت ابنها، والذي اشترى هوشع أخذه الى أورشليم حيث كان له منزل وهو لا يعرف هوشع، فلما رأى حجي أنه لا يمكن العثور على هوشع لبث كاسف البال، فأخبره من ثم ملاك الله كيف أنه قد أخذ عبدا الى أورشليم، فلما علم هذا حجي الصالح بكى لبعاد هوشع كما تبكي الأم لبعاد ابنها، وبعد أن دعا تلميذين ذهب الى أورشليم، فصادف بمشيئة الله عند مدخل المدينة هوشع وكان محملا خبزا ليأخذه الى الفعلة في كرم سيده، فلما استبانه حجي قال: (يا بني كيف هجرت أباك الشيخ الذي ينشدك نائحا؟)، أجاب هوشع: (يا أبتاه لقد شريت)، فقال حينئذ حجي بحنق: (من هو ذلك الرديء الذي باعك؟)، فأجاب هوشع: (غُفر لك يا أبتاه لأني الذي باعني صالح بحيث لو لم يكن في العالم لما صار أحد طاهرا)، فقال حجي: (فمن هو اذا)، أجاب هوشع: (انه كتاب موسى يا أبتاه)، فوقف حينئذ حجي الصالح كمن فقد عقله وقال: (ليت كتاب موسى يبيعني انا أيضا مع أولادي كما باعك!)، وذهب حجي مع هوشع الى بيت سيده الذي قال لما رأى حجي: (تبارك إلهنا الذي أرسل نبيه الى بيتي) وأسرع ليقبل يده، فقال حينئذ حجي: (قبل أيها الأخ يد عبدك الذي ابتعته لأنه خير مني)، وأخبره بكل ما جرى، فمن ثم أعتق السيد هوشع[ (ثم قال الكاتب)، وهذا كل ما تبتغي أيها المعلم.

 

الفصل التاسع والثمانون بعد المئة

 

 فقال حينئذ يسوع: ان هذا لصدق لأني الله قد أكده لي، ولتقف الشمس ولا تتحرك برهة اثنتي عشر ساعة! لكي يؤمن كل أحد أن هذا صدق، وهكذا حدث فأفضى الى هلع أورشليم واليهودية كلها، وقال يسوع للكاتب: ماذا عساك أن تطلب مني أيها الاخ وعندك مثل هذه المعرفة، لعمر الله ان في هذا كفاية لخلاص الإنسان لأني اتضاع حجي وتصدق هوشع يكملان العمل بالشريعة برمتها و(كتب) الأنبياء برمتها، قل لي أيها الاخ أخطر في بالك لما أتيت لتسألني في الهيكل أن الله قد بعثني لأبيد الشريعة والأنبياء؟، من المؤكد أن الله لا يفعل هذا لأنه غير متغير، فان ما فرضه الله طريقا لخلاص الإنسان هو ما أمر الانبياء بالقول به، لعمر الله الذي تقف نفسي في حضرته لو لم يفسد كتاب موسى مع كتاب أبينا داود بالتقاليد البشرية للفريسيين الكذبة والفقهاء لما أعطاني الله كلمته، ولكن لماذا أتكلم عن كتاب موسى وكتاب داود؟، فقد فسدت كل نبوة حتى أنه لا يطلب اليوم شيء لأني الله أمر به بل ينظر الناس اذا كان الفقهاء يقولون به والفريسيون يحفظونه كأن الله على ضلال والبشر لا يضلون، فويل لهذا الجيل الكافر لانهم سيحملون تبعة دم كل نبي وصدّيق مع دم زكريا بن برخيا الذي قتلوه بين الهيكل والمذبح، أي نبي لم يضطهدوه؟، أي صدّيق تركوه يموت حتف أنفه؟، لم يكادوا يتركوا واحدا، وهم يطلبون الآن أن يقتلوني، يفاخرون بأنهم أبناء ابراهيم وان لهم الهيكل الجميل ملكا، لعمر الله انهم أولاد الشيطان فلذلك ينفذون إرادة، ولذلك سيتهدم الهيكل مع المدينة المقدسة تهدما لا يبقى معه حجر على حجر من الهيكل.

 

الفصل التسعون بعد المئة

 

 قل لي أيها الأخ وأنت الفقيه المتضلع من الشريعة بأي ضُرِب موعد مسيا لابينا ابراهيم؟ أباسحاق أم بإسماعيل؟، أجاب الكاتب: يا معلم أخشى أن أخبرك عن هذا بسبب عقاب الموت، حينئذ قال يسوع: اني آسف أيها الأخ اني أتيت لآكل خبزا في بيتك لانك تحب هذه الحياة الحاضرة أكثر من الله خالقك، ولهذا السبب تخشى أن تخسر حياتك ولكن لا تخشى أن تخسر الايمان والحياة الابدية التي تضيع متى تكلم اللسان عكس ما يعرف القلب من شريعة الله، حينئذ بكى الكاتب الصالح وقال: يا معلم لو عرفت كيف أثمر لكنت قد بشرت مرارا كثيرة بما أعرضت عن ذكره لئلا يحصل شغب في الشعب، أجاب يسوع: يجب عليك أن لا تحترم الشعب ولا العالم كله ولا الاطهار كلهم ولا الملائكة كلهم اذا أغضبوا الله، فخيرا أن يهلك(العالم) كله من أن تغضب الله خالقك، ولا تحفظه في الخطيئة، لأني الخطيئة تهلك ولا تحفظ، أما الله فقدير على خلق عوالم عدد رمال البحر بل أكثر.

 

الفصل الحادي والتسعون بعد المئة

 

 حينئذ قال الكاتب: عفوا يا معلم لأني قد أخطأت، قال يسوع: الله يغفر لك لانك اليه قد أخطأت، فقال من ثم الكاتب: لقد رأيت كتيبا قديما مكتوبا بيد موسى ويشوع (الذي أوقف الشمس كما قد فعلت) خادمي ونبيي الله، وهو كتاب موسى الحقيقي، ففيه مكتوب أن إسماعيل هو أب لمسيا واسحق أب لرسول مسيا، وهكذا يقول الكتاب أن موسى قال: (أيها الرب إله إسرائيل القدير الرحيم أظهر لعبدك في سناء مجدك ) ، فأراه الله من ثم رسوله على ذراعي إسماعيل وإسماعيل على ذراعي ابراهيم ، ووقف على مقربة من إسماعيل اسحق وكان على ذراعيه طفل يشير بأصبعه الى رسول الله قائلا: (هذا هو الذي لأجله خلق الله كل شيء)، فصرخ من ثم موسى بفرح: (يا إسماعيل ان في ذراعيك العالم كله والجنة، أذكرني أنا عبد الله لاجد نعمة في نظر الله بسبب ابنك الذي لأجله صنع الله كل شيء).

 

الفصل الثاني والتسعون بعد المئة

 

 لا يوجد في ذلك الكتاب أن الله يأكل لحم المواشي أو الغنم، لا يوجد في ذلك الكتاب ان الله قد حصر رحمته في اسرائيل فقط، بل أن الله يرحم كل إنسان يطلب الله خالقه بالحق، لم أتمكن من قراءة هذا الكتاب كله لأني رئيس الكهنة الذي كنت في مكتبته نهاني قائلا أن (إسماعيليا قد كتبه)، فقال حينئذ يسوع: أنظر أن لا تعود أبدا فتحجز الحق لأنه بالايمان بمسيا سيعطي الله الخلاص للبشر ولن يخلص أحد بدونه، وأتم هنا يسوع حديثه وبينماكانواعلى الطعام إذا بمريم التي بكت عند قدمي يسوع قد دخلت الى بيت نيقوديموس (هذا هو اسم الكتاب)، ووضعت نفسها باكية عند قدمي يسوع قائلة: ياسيد ان لخادمك الذي بسببك وجد رحمة من الله أختا وأخا منطرحا مريضا في خطر الموت، أجاب يسوع: أين بيتك، قولي لي لأني أجيء لاضرع الى الله لاجل صحته، أجابت مريم: بيت عنيا هو (بيت) أختي وأخي لأني سكني أنا المجدل فأخي في بيت عنيا، قال يسوع للمرأة اذهبي توا الى بيت أخيك وانتظريني هناك لأني أجيء لاشفيه، ولا تخافي فانه لا يموت، فانصرفت المرأة ولما ذهبت الى بيت عنيا وجدت أخاها قد مات في ذلك اليوم، فوضعوه في ضريح آبائهم.

 

الفصل الثالث والتسعون بعد المئة

 

 ولبث يسوع يومين في بيت نيقوديموس، ومضى في اليوم الثالث الى بيت عنيا، ولما قرب من المدينة أرسل أمامه اثنين من تلاميذه ليخبروا مريم بقدومه، فخرجت مسرعة من المدينة، ولما وجدت يسوع قالت باكية: لقد قلت يا سيد أن أخي لا يموت وقد صار له الآن أربعة أيام وهو دفين، ياليتك جئت قبل أن أدعوك لانك لو فعلت لما مات، وأجاب يسوع: ان أخاك ليس بميت بل هو راقد لذلك جئت لا وقظه، أجابت مريم باكية: يا سيد انه يستيقظ من هذا الرقاد يوم الدينونة متى نفخ ملاك الله ببوقه، أجاب يسوع: صدقيني يا مريم انه سيقوم قبل ذلك اليوم لأني الله قد أعطاني قوة على رقاده، والحق أقول لك انه ليس بميت فان الميت إنما هو من يموت دون أن يجد رحمة من الله فرجعت مريم مسرعة لتخبر أختها مرتا بمجيء يسوع، وكان قد اجتمع عند موت لعازر جم غفير من اليهود من اورشليم وكثيرون من الكتبة والفريسيين، فلم سمعت مرتا من أختها عن مجيء يسوع قامت على عجل وأسرعت الى الخارج، فتبعها جمهور من اليهود والكتبة والفريسيين ليعزّوها لانهم حسبوا انها ذاهبة الى القبر لتبكي أخاها، فلما بلغت مرتا المكان الذي كان قد كلم فيه يسوع مريم قالت باكية: يا سيد ليتك كنت هنا لانك لو كنت لم يمت أخي، ثم وصلت مريم باكية، فسكب من ثم يسوع العبرات وقال متنهدا: أين وضعتموه؟، أجابوا: تعال وانظر، فقال الفريسيون فيما بينهم: لماذا سمح هذا الرجل الذي أحيا ابن الارملة في نايين أن يموت هذا الرجل بعد أن قال انه لا يموت؟، ولما وصل يسوع القبر حيث كان كل أحد يبكي قال: لا تبكوا لأني لعازر راقد وقد أتيت لا وقظه، فقال الفريسيون فيما بينهم: ليتك ترقد أنت هذا الرقاد!، حينئذ قال يسوع: ان ساعتي لما تأت، ولكن متى جاءت أرقد كذلك ثم أوقظ سريعا، ثم قال يسوع أيضا: ارفعوا الحجر عن القبر، قالت مرتا: يا سيد لقد أنتن لأني له أربعة أيام وهو ميت، قال يسوع: اذا لماذا جئت الى هنا يا مرتا ألا تؤمنين بأني أوقظه؟، قالت مرتا: أعلم أنك قدوس الله الذي أرسلك الى هذا العالم، ثم رفع يسوع يديه الى السماء وقال: أيها الرب إله إبراهيم وإسماعيل واسحق واله آبائنا أرحم مصاب هاتين المرأتين واعط مجدا لاسمك المقدس ، ولما أجاب كل واحد : آمين قال يسوع بصوت عال : لعازر هلم خارجا ، فقام على اثر ذلك الميت، وقال يسوع لتلاميذه: حلّوه، لأنه كان مربوطا بثياب القبر مع منديل على وجهه كما اعتاد آباؤنا أن يدفنوا (موتاهم)، فآمن بيسوع جم غفير من اليهود وبعض الفريسيين لأني الآية كانت عظيمة، وانصرف الذين لبثوا بدون ايمان وذهبوا الى اورشليم وأخبروا رئيس الكهنة بقيامة لعازر وان كثيرين صاروا ناصريين، لأنهم هكذا كان يدعون الذين حملوا على التوبة بواسطة كلمة الله التي بشر بها يسوع.

 

الفصل الرابع والتسعون بعد المئة

 

 فتشاور الكتبة والفريسيون مع رئيس الكهنة ليقتلوا لعازر، لأني كثيرين رفضوا تقاليدهم وآمنوا بكلمة يسوع لأني آية لعازر كانت عظيمة اذ أن لعازر حدّث الشعب وأكل وشرب، ولكن لما كان قويا وله أتباع في اورشليم وممتلكا مع أختيه المجدل وبيت عنيا لم يعرفوا ماذا يفعلون، ودخل يسوع بيت لعازر في بيت عنيا فخدمته مرتا ومريم، وكانت مريم ذات يوم جالسة عند قدمي يسوع مصغية الى كلامه، فقالت مرثا ليسوع: ألا ترى يا سيد أن أختي لا تهتم بك ولا تحضر ما يجب أن تأكله أنت وتلاميذك؟، أجاب يسوع: مرثا مرثا تبصري في ما يجب أن تفعلي لأني مريم قد اختارت نصيبا لأني ينزع منها الى الابد، وجلس يسوع على المائدة مع جم غفير من الذين آمنوا به، وتكلم قائلا: أيها الاخوة لم يبق لي معكم سوى هنيهة من الزمن لأنه اقترب الزمن الذي يجب فيه أن أنصرف من العالم، لذلك أذكركم بكلام الله الذي كلم به حزقيال النبي قائلا: (لعمري أنا إلهكم الأبدي أن النفس التي تخطئ تموت ولكن اذا تاب الخاطئ لا يموت بل يحيا)، وعليه فإن الموت الحاضر ليس بموت بل نهاية موت طويل، كما أن الجسد متى انفصل عن الحس في غيبوبة فليس له ميزة على الميت والمدفون ـ وان كانت فيه النفس ـ سوى أن المدفون ينتظر الله ليقيمه والفاقد الشعور ينتظر عود الحس، فانظروا اذا الحياة الحاضرة التي هي موت اذ لا شعور لها بالله.

 

الفصل الخامس والتسعون بعد المئة

 

 من يؤمن بي لا يموت أبديا، لانهم بواسطة كلمتي يعرفون الله فيهم ولذلك يتممون خلاصهم، ما الموت سوى عمل تعمله الطبيعة بأمر الله كما لو كان أحد ممسكا عصفورا مربوطا وأمسك الخيط في يده، فاذا أراد الرأس انفلات العصفور فماذا يفعل؟، من المؤكد أنه بالطبع يأمر اليد بالانفتاح فينفلت العصفور توا، أن نفسنا ما لبث الإنسان تحت حماية الله هي ـ كما يقول النبي داود ـ (كعصفور أفلت من شرك الصياد)، وحياتنا كخيط تربط فيه النفس الى جسد الإنسان وحسه، فمتى أراد الله وأمر الطبيعة أن تنفتح انتهت الحياة وانفلتت النفس الى أيدي الملائكة الذين عينهم الله لقبض النفوس، لذلك لا يجب على الاصدقاء أن يبكوا متى مات صديق لأني إلهنا أراد ذلك ، بل ليبك بدون انقطاع متى أخطأ لأني النفس تموت اذ تنفصل عن الله ( وهو ) الحياة الحقيقية، فإذا كان الجسد بدون اتحاده مع النفس مخيفا فإن النفس تكون أشد هولا بدون اتحادها مع الله الذي يجملها ويحييها بنعمته ورحمته، ولما قال يسوع هذا شكر الله، فقال حينئذ لعازر: يا سيد هذا البيت لله خالقي مع كل ما أعطي لعهدتي لاجل خدمة الفقراء، فاذا كنت فقيرا وكان لك عدد كثير من التلاميذ تعال واسكن هنا متى شئت وما شئت، فان خادم الله يخدمك كما يجب حبا في الله.

 

الفصل السادس والتسعون بعد المئة

 

 لما سمع يسوع هذا سُرّ وقال: انظروا الآن ما أطيب الموت، ان لعازر مات مرة فقط وقد تعلم تعليما لا يعرفه أحكم البشر في العالم الذي شاخوا بين الكتب، يا ليت كل إنسان يموت مرة فقط ويعود للعالم مثل لعازر ليتعلموا كيف يحيون، أجاب يوحنا: يا معلم أيؤذن لي أن أتكلم كلمة؟، أجاب يسوع: قل الفا لأنه كما يجب على الإنسان أن يصرف أمواله في خدمة الله هكذا يجب عليه أن يصرف التعليم، بل يكون هذا أشد وجوبا عليه لأني للكلمة قوة على أن تحمل نفسا على التوبة على حين أن الاموال لا تقدم أن ترد الحياة للميت، وعليه فان من له قدرة على مساعدة فقير ثم لم يساعده حتى مات الفقير جوعا فهو قاتل، ولكن القاتل الاكبر هو من يقدر بكلمة الله تحويل الخاطئ للتوبة ولم يحوله بل يقف كما يقول الله ككلب أبكم، ففي مثل هؤلاء يقول الله: ( أيها العبد الخائن منك أطلب نفس الخاطئ الذي يهلك لانك كتمت كلمتي عنه)، فعلى أية حال اذا يكون الكتبة والفريسيون الذين معهم المفتاح ولا يدخلون بل يمنعون الذين يريدون الدخول في الحياة الابدية؟، تستأذنِّي يا يوحنا أن تتكلم كلمة وأنت قد أصغيت الى مئة ألف كلمة من كلامي، الحق أقول لك أنه يجب عليّ أن أصغي لك عشرة أضعاف ما أصغيت إلىَّ، وكل من لا يصغي الى غيره فهو يخطئ كلما تكلم، لأنه يجب أن نعامل الآخرين بما نرغب فيه لانفسنا وأن لا نعمل للآخرين مالا نود وصوله الينا، حينئذ قال يوحنا: يا معلم لماذا لم ينعم الله على الناس بأن يموتوا مرة ثم يرجعوا كما فعل لعازر ليتعلموا أن يعرفوا أنفسهم وخالقهم؟

 

الفصل السابع والتسعون بعد المئة

 

 أجاب يسوع : ما قولك يا يوحنا في رب بيت أعطى أحد خدمه فأسا صحيحة ليقطع غابة حجبت منظر بيته ، ولكن الفاعل نسي الفأس وقال : ( لو أعطاني السيد فأسا قديمة لقطعت الغابة بسهولة)، قل لي يا يوحنا ماذا قال السيد؟، حقا انه حنق وأخذ الفأس القديمة وضربه على الرأس قائلا: ( أيها الغبي الخبيث لقد أعطيتك فأسا تقطع بها الغابة بدون كد، أفتطلب الان هذا الفأس التي يضطر معها المرء الى كد عظيم وكل ما يقطع (بها) يذهب سدى ولا ينفع لشيء؟، اني اريد أن تقطع الخشب على طريقة يكون معها عملك حسنا)، أليس هذا بصحيح؟، أجاب يوحنا: انه لصحيح كل الصحة حينئذ قال يسوع: يقول الله (لعمري أنا الابدي اني أعطيت فأسا جيد لكل إنسان وهي منظر دفن الميت، فمن استعمل هذه الفأس جيدا أزالوا غابة الخطيئة من قلوبهم بدون ألم، فهم لذلك ينالون نعمتي ورحمتي وأجزيهم الحياة الابدية بأعمالهم الصالحة، ولكن من ينسى انه فان مع انه يرى المرة بعد المرة غيره يموت فيقول: (لو اتيح لي رؤية الحياة الاخرى لعملت اعمال صالحة) فان غضبي يحل عليه ولأضربنه بالموت حتى لا ينال خيرا فيما بعد)، ثم قال يسوع: يا يوحنا ما أعظم مزية من يتعلم من سقوط الآخرين كيف يقف على رجليه.

 

الفصل الثامن والتسعون بعد المئة

 

 حينئذ قال لعازر: يا معلم الحق أقول لك اني لا اقدر أن ادرك العقوبة التي يستحقها من يرى المرة بعد المرة الموتى تحمل الى القبر ولا يخاف الله خالقنا، فان مثل هذا لأجل الأشياء العالمية التي يجب عليه تركها بالمرة يغضب خالقه الذي منحه كل شيء، فقال حينئذ يسوع لتلاميذه: تدعونني معلما وتعملون حسنا لأني الله يعلمكم بلساني، ولكن كيف تدعون لعازر؟، حقا انه هنا لمعلم كل المعلمين الذين يبثون تعليما في هذا العالم، نعم انني علمتكم كيف يجب أن تعيشوا حسنا، وأما لعازر فيعلمكم كيف تموتون حسنا، لعمر الله انه نال موهبة النبوة فاصغوا اذا لكلامه الذي هو حق ويجب أن تكونوا أشد اصغاء اليه بالاحرى لأني المعيشة الجيدة عبث اذا مات الإنسان ميتة رديئة، قال لعازر: يا معلم اشكر لك انك تجعل الحق يقدر قدره لذلك يعطيك الله أجرا عظيما، حينئذ قال الذي يكتب هذا: يا معلم كيف يقول لعازر الحق بقوله لك (ستنال اجرا) مع انك قلت لنيقوديموس ان الإنسان لا يستحق شيئا سوى العقوبة؟، أفيقاصك الله اذا؟، أجاب يسوع: عساني أن أنال من الله قصاصا في هذا العالم لأني لم أخدمه باخلاص كما كان يجب علي أن أفعل، ولكن الله أحبني برحمته حتى أن كل عقوبة رفعت عني بحيث اني اعذب في شخص آخر، فاني كنت أهلا للقصاص لأني البشر دعوني إلها، ولكن لما كنت قد اعترفت لا بأني لست إلها فقط كما هو الحق بل قد اعترفت أيضا اني لست مسيا فقد رفع الله لذلك العقوبة عني، وسيجعل شريرا يكابدها باسمي حتى لا يبقى منها لي سوى العار، لذلك أقول لك يا برناباى انه متى تكلم إنسان عما سيهبه الله لقريبه فليقل ان قريبه يستأهله، ولكن لينظر متى تكلم عما سيعطيه الله اياه أن يقول: ان الله سيهب لي، ولينظر جيدا أن لا يقول(اني استأهل)، لأني الله يسر أن يمنح رحمته لعبيده متى اعترفوا انهم يستأهلون الجحيم لأجل خطاياهم.

 

الفصل التاسع والتسعون بعد المئة

 

 ان الله لغني برحمته حتى ان دمعة واحدة ممن ينوح لاغضابه الله تطفئ الجحيم كله بالرحمة العظيمة التي يمده الله بها على ان مياه ألف بحر ـ لو وجدت ـ لا تكفي لاطفاء شرارة من لهيب الجحيم، فلذلك يريد الله خذلا للشيطان واظهارا لجوده هو أن يحسب في حضرة رحمة كل عمل صالح اجرا لعبده المخلص، ويحب منه أن يقول عن قريبه هكذا، أما الإنسان في خاصة نفسه فعليه أن يحذر من قول (لي أجر) لأنه يدان.

 

الفصل المئتان

 

 حينئذ التفت يسوع الى لعازر وقال: يجب علي أيها الاخ أن أمكث في العالم هنيهة، فمتى كنت على مقربة من بيتك لا أذهب الى محل آخر قط لأنك تخدمني لا حبا فيّ بل حبا في الله، وكان فصح اليهود قريبا لذلك قال يسوع لتلاميذه: لنذهب الى اورشليم لنأكل حمل الفصح، وارسل بطرس ويوحنا الى المدينة قائلا: تجدان أتانا بجانب باب المدينة مع جحش، فحلاها واءتيا بها الى هنا لأنه يجب أن أركبها الى اورشليم، فاذا سألكما أحد قائلا: (لماذا تحملانها؟) فقولا لهم: المعلم محتاج اليها، فيسمحان لكما باحضارها، فذهب التلميذان فوجدا كل ما قال لهما يسوع عنه، فأحضرا الاتان والجحش، فوضع التلميذان ردائيهما على الجحش وركب يسوع، وحدث انه لما سمع أهل اورشليم أن يسوع الناصري آت فرح الناس مع أطفالهم متشوقين لرؤية يسوع حاملين في أيديهم أغصان النخل والزيتون مرنمين (تبارك الآتي النبأ باسم الله مرحبا بابن داود، فلما بلغ يسوع المدينة فرش الناس ثيابهم تحت أرجل الاتان مرنمين: (تبارك الآتي النبأ باسم الرب الإله مرحبا بابن داود؟، فوبخ الفريسيون يسوع قائلين: ألا ترى ما يقول هؤلاء؟ مُرهم أن يسكتوا، حينئذ قال يسوع: لعمر الله الذي تقف نفسي في حضرته لو سكت هؤلاء لصرخت الحجارة بكفر الأشرار الأردياء، ولما قال يسوع هذا صرخت حجارة اورشليم كلها بصوت عظيم: تبارك الآتي الينا باسم الرب الإله ، ومع ذلك أصر الفريسيون على عدم ايمانهم، وبعد ان التأموا ائتمروا ليتسقطوه بكلامه.

 

الفصل الواحد بعد المئتين

 

 وبعد ان دخل يسوع الهيكل أحضر اليه الكتبة والفريسيون امرأة أخذت في زنى، وقالوا فيما بينهم: اذا خلصها فذلك مضاد لشريعة موسى فيكون عندنا مذنبا واذا دانها فذلك مضاد لتعليمه لأنه يبشر الرحمة، فتقدموا الى يسوع وقالوا: يا معلم لقد وجدنا هذه المرأة وهي تزني، وقد أمر موسى ان(مثل هذه) ترجم، فماذا تقول أنت؟، فانحنى من ثم يسوع وصنع باصبعه مرآة على الأرض رأى فيها كل اثمه، ولما ظلوا يلحون بالجواب انتصب يسوع وقال مشيرا باصبعه الى المرآة: من كان منكم بلا خطيئة فليكن أول راجم لها، ثم عاد فانحنى مقلبا المرآة، فلما رأى القوم هذا خرجوا واحدا فواحدا مبتدئين من الشيوخ لأنهم خجلوا أن يروا رجسهم، ولما انتصب يسوع ولم ير أحدا سوى المرأة قال: أيتها المرأة أين الذين دانوك؟، فأجابت المرأة باكية: يا سيد قد انصرفوا فاذا صفحت عني فاني لعمر الله لا أخطئ فيما بعد، حينئذ قال يسوع: تبارك الله، اذهبي في طريقك بسلام ولا تخطيء فيما بعد لأني الله لم يرسلني لأدينك، حينئذ اجتمع الكتبة والفريسيون فقال لهم يسوع: قولوا لي لو كان لأحدكم مئة خروف وأضاع واحدا منها الا ينشده تاركا التسعة والتسعين؟، ومتى وجدته ألا تضعه على منكبيك، وبعد ان تدعو الجيران تقول لهم: (افرحوا معي لأني وجدت الخروف الذي فقدته)، حقا انك تفعل هكذا، ألا قولوا لي أيحب الله الإنسان أقل من ذلك وهو لاجله قد خلق العالم؟، لعمر الله هكذا يكون فرح في حضرة ملائكة الله بخاطئ واحد يتوب لأني الخطأة يظهرون رحمة الله.

 

الفصل الثاني بعد المئتين

 

 قولوا لي من هو أشد حبا للطبيب أألذين لم يمرضوا مطلقا أم الذين شفاهم الطبيب من أمراض خطرة؟، قال له الفريسيون: وكيف يحب الصحيح الطبيب؟ حقا إنما يحبه لأنه ليس بمريض ولما لم تكن له معرفة بالمرض لا يحب الطبيب الا قليلا، حينئذ تكلم يسوع بحدة الروح قائلا: لعمر الله أن لسانكم يدين كبرياءكم، لأني الخاطئ التائب يحب إلهنا أكثر من البار لأنه يعرف رحمة الله العظيمة له، لأنه ليس للبار معرفة برحمة الله، لذلك يكون الفرح عند ملائكة الله بخاطئ واحد يتوب اكثر من تسعة وتسعين بارا، أين الأبرار في زمننا؟، لعمر الله الذي تقف نفسي بحضرته ان عدد الأبرار غير الأبرار لعظيم، لأني حالهم شبيهة بحال الشيطان، أجاب الكتبة والفريسيون: اننا خطأة لذلك يرحمنا الله، وهم إنما قالوا هذه ليجربوه، لأني الكتبة والفريسيون يحسبون أكبر اهانة أن يدعوا خطأة، فقال حينئذ يسوع: اني أخشى أن تكونوا أبرارا غير أبرار، فانكم اذا كنتم قد أخطأتم وتنكرون خطيئتكم داعين أنفسكم أبرارا فأنتم غير أبرار، واذا كنتم تحسبون أنفسكم في قلوبكم أبرارا وتقولون بلسانكم انكم خطأة فتكونون اذا أبرارا غير أبرار مرتين، فلما سمع الكتبة والفريسيون هذا تحيروا وانصرفوا تاركين يسوع وتلاميذه في سلام فذهبوا الى بيت سمعان الابرص الذي كان أبرأه من البرص، فجمع الاهلون المرضى الى بيت سمعان وضرعوا الى يسوع لابراء المرضى، حينئذ قال يسوع وهو عالم ان ساعته قد اقتربت: ادعوا المرضى ما بلغوا لأني الله رحيم وقادر على شفائهم، أجابوا: لا نعلم انه يوجد مرضى آخرون هنا في اورشليم، أجاب يسوع باكيا: يا اورشليم يا اسرائيل اني أبكي عليك لأنك لا تعرفين (يوم) حسابك، فاني أحببت أن أضمك الى محبة الله خالقك كما تضم الدجاجة فراخها تحت جناحيها فلم تريدي، لذلك يقول الله لك هكذا.

 

الفصل الثالث بعد المئتين

 

 ( أيتها المدينة القاسية القلب المرتكسة العقل لقد أرسلت اليك عبدي لكي يحولك الى قلبك فتتوبين، ولكنك يا مدينة البلبلة قد نسيت كل ما أنزلت بمصر وبفرعون حبا فيك يا اسرائيل، ستبكين مرارا عديدة ليبرئ عبدي جسمك من المرض وأنت تطلبين أن تقتلي عبدي لأنه يطلب أن يشفي نفسك من الخطيئة، أتبقين اذا وحدك دون عقوبة مني؟، أتعيشين اذا الى الابد، أو ينقذك كبرياؤك من يدي؟، لا البتة، لأني سأحمل عليك بأمراء وجيش، فيحيطون بك بقوة، وسأسلمك الى أيديهم على كيفية تهبط بها كبرياؤك الى الجحيم، لا أصفح عن الشيوخ ولا الأرامل، لا اصفح عن الاطفال، بل اسلمكم جميعا للجوع والسيف والسخرية، والهيكل الذي كنت أنظر اليه برحمة اياه أدمر مع المدينة، حتى تصيروا رواية وسخرية ومثلا بين الامم، وهكذا يحل غضبي عليك وحنقي لا يهجع).

 

الفصل الرابع بعد المئتين

 

 وبعد ان قال يسوع هذا عاد فقال: ألا تعلمون انه يوجد مرضى آخرون؟، لعمر الله ان أصحاء النفس في اورشليم لأقل من مرضى الجسد، ولكي تعرفوا الحق أقول لكم: أيها المرضى لينصرف باسم الله مرضكم عنكم، ولما قال هذا شفوا حالا، وبكى القوم لما سمعوا عن غضب الله على اورشليم وضرعوا لأجل الرحمة، فقال حينئذ يسوع: يقول الله ( اذا بكت اورشليم على خطاياها وجاهدت نفسها سائرة في طريقي فلا أذكر آثامها فيما بعد ولا ألحق بها شيئا من البلية التي ذكرتها، ولكن اورشليم تبكي على دمارها لا على اهانتها لي التي بها جدفت على اسمي بين الامم، لذلك زاد حنقي احتداما، لعمري أنا الابدي لو صلى لأجل هذا الشعب أيوب ابراهيم وصموئيل وداود ودانيال وموسى عبيدي لا يسكن غضبي على اورشليم)، وبعد ان قال يسوع هذا دخل البيت وظل كل أحد خائفا.

 

الفصل الخامس بعد المئتين

 

 وبينما كان يسوع على العشاء مع تلاميذه في بيت سمعان الأبرص اذا بمريم أخت لعازر قد دخلت البيت، ثم كسرت اناءا وسكبت الطيب على رأس يسوع وثوبه، فلما رأى هذا يهوذا الخائن أراد أن يمنع مريم من القيام بعمل كهذا قائلا: اذهبي وبيعي الطيب واحضري النقود لكي اعطيها للفقراء، قال يسوع: لماذا تمنعها؟ دعها فان الفقراء معكم دائما أما أنا فلست معكم دائما، أجاب يهوذا: يا معلم كان يمكن أن يباع هذا الطيب بثلاث مئة قطعة من النقود، فانظر اذا كم فقير يمكن مساعدته به، أجاب يسوع: يا يهوذا اني لعارف قلبك فاصبر اعطك الكل، فأكل كل أحد بخوف، وحزن التلاميذ لأنهم عرفوا أن يسوع سينصرف عنهم قريبا، ولكن يهوذا حنق لأنه علم أنه خاسر ثلاثين قطعة من النقود لأجل الطيب الذي لم يبع، لأنه كان يختلس العشر من كل ما كان يعطى ليسوع، فذهب ليرى رئيس الكهنة الذي كان مجتمعا في مجلس مشورة من الكهنة والكتبة والفريسيين ، فكلمهم يهوذا قائلا: ماذا تعطوني وأنا اسلم الى أيديكم يسوع الذي يريد أن يجعل نفسه ملكا على اسرائيل؟،أجابوا: ألا كيف تسلمه الى يدنا، أجاب يهوذا: متى علمت انه يذهب الى خارج المدينة ليصلي اخبركم وأدلكم على الموضع الذي يوجد فيه، لأنه لا يمكن القبض عليه في المدينة بدون فتنة، أجاب رئيس الكهنة: اذا سلمته ليدنا نعطيك ثلاثين قطعة من الذهب وسترى كيف اعاملك بالحسنى.

 

الفصل السادس بعد المئتين

 

 ولما جاء النهار صعد يسوع إلى الهيكل مع جم غفير من الشعب ، فاقترب منه رئيس الكهنة قائلا: قال لي يا يسوع أنسيت كل ما كنت قد اعترفت به من انك لست الله ولا ابن الله ولا مسيا؟، أجاب يسوع: لا البتة لم أنس، لأني هذا هو الاعتراف الذي أشهد به أمام كرسي دينونة الله يوم الدينونة، لأني كل ما كتب في كتاب موسى صحيح كل الصحة فان الله خالقنا أحد وأنا عبد الله وأرغب في خدمة رسول الله الذي تسمونه مسيا، قال رئيس الكهنة: فما المراد اذا من المجيء إلى الهيكل بهذا الجم الغفير؟، لعلك تريد أن تجعل نفسك ملكا على اسرائيل؟، احذر من أن يحل بك خطر، أجاب يسوع: لو طلبت مجدي ورغبت نصيبي في العالم لما هربت لما أراد أهل نايين أن يجعلوني ملكا، حقا صدقني اني لست أطلب شيئا في هذا العالم، حينئذ قال رئيس الكهنة: نحب أن نعرف شيئا عن مسيا، حينئذ اجتمع الكهنة والكتبة والفريسيون نطاقا حول يسوع، أجاب يسوع: ما هو ذلك الشيء الذي تريدون أن تعرفوه عن مسيا؟ لعله الكذب؟، حقا اني لا أقول لك الكذب، لأني لو كنت قلت الكذبة لعبدتني أنت والكتبة والفريسيون مع كل اسرائيل، ولكن تبغضونني وتطلبون أن تقتلوني لأني أقول لكم الحق، قال رئيس الكهنة: نعلم الآن ان وراء ظهرك شيطانا، لأنك سامري ولا تحترم كاهن الله.

 

الفصل السابع بعد المئتين

 

 أجاب يسوع : لعمر الله ليس وراء ظهري شيطان ولكن أطلب أن أخرج الشيطان، فلهذا السبب يثير الشيطان عليّ العالم، لأني لست من هذا العالم، بل أطلب أن يمجد الله الذي أرسلني الى العالم، فاصيخوا السمع لي أخبركم بمن وراء ظهره الشيطان، لعمر الله الذي تقف نفسي في حضرته أن من يعمل بحسب إرادة الشيطان فالشيطان وراء ظهره وقد وضع عليه لجام إرادة ويديره أنى شاء حاملا اياه على الاسراع الى كل اثم، كما ان اسم الثوب يختلف باختلاف صاحبه وهو هو الثوب نفسه هكذا البشر يختلفون على كونهم من مادة واحدة بسبب أعمال الذي يعمل في الإنسان، اذا كنت قد أخطأت (كما أعلم ذلك) فلماذا لم توبخونى كأخ بدلا من أن تبغضونى كعدو؟، حقا ان اعضاء الجسد تتعاون متى كانت متحدة بالرأس وان ما انفصل منها عن الرأس فلا يغيثه، لأني يدي الجسد لا تشعران بألم رجلي جسد آخر بل برجلي الجسد الذي هي متحدة به، لعمر الله الذي تقف نفسي في حضرته ان من يخاف ويحب الله خالقه يرحم من يرحمه الله الذي هو رأسه، ولما كان الله لا يريد موت الخاطئ بل يمهل كل أحد للتوبة فلو كنتم من ذلك الجسد الذي أنا متحد فيه لكنتم لعمر الله تساعدونني لأعمل بحسب (مشيئة) رأسي.

 

الفصل الثامن بعد المئتين

 

 اذا كنت أفعل الاثم وبخوني يحببكم الله لأنكم تكونون عاملين بحسب إرادة، ولكن اذا لم يقدر أحد أن يوبخني على خطيئة فذلك دليل على انكم لستم أبناء ابراهيم كما تدعون أنفسكم، ولا أنتم متحدون بذلك الرأس الذي كان ابراهيم متحدا به، لعمر الله ان ابراهيم أحب الله بحيث انه لم يكتف بتحطيم الاصنام الباطلة تحطيما ولا بهجر أبيه وامه ولكنه كان يريد أن يذبح ابنه طاعة لله، أجاب رئيس الكهنة : إنما أسألك هذا ولا أطلب قتلك فقل لأني من كان ابن ابراهيم هذا؟، أجاب يسوع: ان غيرة شرفك يا الله تؤججني ولا أقدر أن اسكت، الحق أقول ان ابن ابراهيم هو إسماعيل الذي يجب أن يأتي من سلالته مسيا الموعود به ابراهيم أن به تتبارك كل قبائل الأرض، فلما سمع هذا رئيس الكهنة حنق وصرخ: لنرجم الفاجر لأنه إسماعيلي وقد جدف على موسى وعلى شريعة الله، فأخذ من ثم كل من الكتبة والفريسيين مع شيوخ الشعب حجارة ليرجموا يسوع فاختفى عن أعينهم وخرج من الهيكل، ثم انهم بسبب شدة رغبتهم في قتل يسوع أعماهم الحنق والبغضاء فضرب بعضهم بعضا حتى مات ألف رجل ودنسوا الهيكل المقدس، أما التلاميذ والمؤمنون الذين رأوا يسوع خارج من الهيكل (لأنه لم يكن محتجبا عنهم) فتبعوه الى بيت سمعان، فجاء من ثم نيقوديموس الى هناك وأشار على يسوع أن يخرج من اورشليم الى ما وراء جدول قدرون قائلا: يا سيد ان لي بستانا وبيتا وراء جدول قدرون، فأضرع اليك اذا ان تذهب الى هناك مع بعض تلاميذك، وأن تبقى هناك الى أن يزول حقد الكهنة، لأني أقدم لك كل ما يلزم، وأنتم يا جمهور التلاميذ امكثوا هنا في بيت سمعان وفي بيتي لأني الله يعول الجميع، ففعل يسوع هكذا ورغب في أن يكون معه الذين دعوا أولا رسلا فقط.

 

الفصل التاسع بعد المئتين

 

 وفي هذا الوقت بينما كانت العذراء مريم ام يسوع منتصبة في الصلاة زارها جبريل، وقص عليها اضطهاد ابنها قائلا: لا تخافي يا مريم لأني الله سيحميه من العالم، فانطلقت مريم من الناصرة باكية وجاءت الى اورشليم الى بيت مريم سالومة اختها تطلب ابنها، ولكن لما كان قد اعتزل سرا وراء جدول قدرون لم يعد في استطاعتها أن تراه أيضا في هذا العالم الا بعد ذلك العار اذ احضره اليها بأمر الله الملاك جبريل مع الملائكة ميخائيل ورفائيل وأوريل.

 

الفصل العاشر بعد المئتين

 

 ولما هدأ الاضطراب في الهيكل بانصراف يسوع صعد رئيس الكهنة، وبعد ان أومأ بيديه للصمت قال: ماذا نفعل أيها الاخوة؟ ألا ترون انه قد أضل العالم كله بعمله الشيطاني؟، فاذا لم يكن ساحرا فكيف اختفى الآن، فحقا انه لو كان طاهرا ونبيا لما جدف على الله وعلى موسى خادمه وعلى مسيا الذي هو أمل اسرائيل، وماذا أقول؟، فلقد جدف على طغمة كهنتنا برمتها، فالحق أقول لكم أنه اذا لم يزل من العالم تدنس اسرائيل ودفعنا الله الى الامم، انظروا الآن كيف قد تدنس هذا الهيكل المقدس بسببه، وتكلم رئيس الكهنة بطريقة أعرض لأجلها كثيرون عن يسوع، فتحول بذلك الاضطهاد السري الى اضطهاد علني، حتى ان رئيس الكهنة ذهب بنفسه الى هيرودس والى الوالي الروماني متهما يسوع بأنه رغب في أن يجعل نفسه ملكا على اسرائيل، وكان عندهم على هذا شهود زور، فالتأم من ثم مجلس عام ضد يسوع لأني أمر الرومانيين أخافهم، ذلك أن مجلس الشيوخ الروماني أرسل أمرين بشأن يسوع، يتوعد في أحدهما بالموت من يدعو يسوع الناصري نبي اليهود الله، ويتوعد في الآخر بالموت من يشاغب في شأن يسوع الناصري نبي اليهود، فلهذا السبب وقع الشقاق فيما بينهم، فرغب بعضهم في ان يعودوا فيكتبوا الى رومية يشكون يسوع، وقال أخرون انه يجب أن يتركوا يسوع وشأنه غاضين النظر عما قال كأنه معتوه، وأورد آخرون الآيات العظيمة التي فعلها، فأمر رئيس الكهنة بأن لا يتفوه أحد بكلمة دفاع عن يسوع الا كان تحت طائلة الحرم، ثم كلم هيرودس والوالي قائلا: كيفما كانت الحال فان بين أيدينا معضلة، لأني اذا قتلنا هذا الخاطئ خالفنا أمر قيصر، وان تركناه حيا وجعل نفسه ملكا فكيف يكون المآل؟، فوقف حينئذ هيرودس وهدد الوالي قائلا: احذر من أن يكون عطفك على ذلك الرجل باعثا على ثورة هذه البلاد، لأني أتهمك بالعصيان أمام قيصر، حينئذ خاف الوالي مجلس الشيوخ وصالح هيرودس وكانا قبل هذا قد أبغض أحدهما الآخر الى الموت، واتحدا معا على اماتة يسوع وقالا لرئيس الكهنة: متى علمت أين الأثيم فارسل الينا نعطك جنودا، وقد عمل هذا لتتم نبوة داود الذي أنبأ بيسوع نبي اسرائيل قائلا: (اتحد امراء الأرض وملوكها على قدوس اسرائيل لأنه نادى بخلاص العالم)، وعليه فقد حدث تفتيش عام في ذلك اليوم على يسوع في اورشليم كلها.

 

الفصل الحادي عشر بعد المئتين

 

 ولما كان يسوع في بيت نيقوديموس وراء جدول قدرون عزى تلاميذه قائلا: لقد دنت الساعة التي انطلق فيها من هذا العالم، تعزوا ولا تحزنوا لأني حيث أمضي لا اشعر بمحنة، اتكونون اخلائي لو حزنتم لحسن حالي؟ لا البتة بل بالحري اعداء، اذا سر العالم فاحزنوا، لأني مسرة العالم تنقلب بكاء، أما حزنكم فسيتحول فرحا، ولن ينزع فرحكم منكم أحد، لأني العالم بأسره لا يقدر ان ينزع الفرح الذي يشعر به القلب بالله خالقه، وأنظروا ان لا تنسوا الكلام الذي كلمكم الله به على لساني، كونوا شهودي على كل من يفسد الشهادة التي قد شهدتها بانجيلي على العالم وعلى عشاق العالم.

 

الفصل الثاني عشر بعد المئتين

 

 ثم رفع يديه الى الرب وصلى قائلا: أيها الرب إلهنا إله إبراهيم وإله إسماعيل وإسحق إله آبائنا ارحم من اعطيتني وخلصهم من العالم، لا أقول خذهم من العالم لأنه الضروري أن يشهدوا على الذين يفسدون انجيلي، ولكن أضرع اليك أن تحفظهم من الشرير، حتى يحضروا معي يوم الدينونة يشهدوا على العالم وعلى بيت اسرائيل الذي أفسد عهدك، أيها الرب الإله القدير الغيور الذي ينتقم في عبادة الاصنام من أبناء الآباء عبدة الأصنام حتى الجيل الرابع العن الى الابد كل من يفسد انجيلي الذي أعطيتني عندما يكتبون اني ابنك، لأني أنا الطين والتراب خادم خدمك ولم أحسب نفسي قط خادما صالحا لك، لأني لا أقدر أن اكافئك على ما أعطيتني لأني كل الأشياء لك، أيها الرب الإله الرحيم الذي تظهر رحمة الى ألف جيل للذين يخافونك ارحم الذين يؤمنون بالكلام الذي أعطيتني اياه، لأني كلمتك التي تكلمتها هي حقيقة كما أنك أنت الإله الحقيقي لأنه كلمتك أنت، فاني أتكلم دائما كمن يقرأ ولا يقدر أن يقرأ إلا ما هو مكتوب في الكتاب الذي يقرأه، هكذا قلت ما قد أعطيتني اياه، أيها الرب الإله المخلص خلص من قد أعطيتني لكيلا يقدر الشيطان أن يفعل شيئا ضدهم، ولا تخلصهم هم فقط بل كل من يؤمن لهم، أيها الرب الجواد والغني في الرحمة امنح خادمك أن يكون بين امة رسولك يوم الدين، وليس انا فقط بل كل من قد أعطيتني مع سائر الذين سيؤمنون بي بواسطة بشيرهم، وافعل هذا يا رب لأجل ذاتك حتى لا يفاخر الشيطان يا رب، أيها الرب الإله الذي بعنايتك تقدم كل الضروريات لشعبك اسرائيل اذكر قبائل الأرض كلها التي قد وعدت أن تباركها برسولك الذي لأجله خلقت العالم، إرحم العالم وعجل بارسال رسولك لكي يسلب الشيطان عدوك مملكته، وبعد أن فرغ يسوع من هذا قال ثلاث مرار: ليكن هذا أيها الرب العظيم الرحيم، فأجابوا كلهم باكين: ليكن هكذا ليكن هكذا، خلا يهوذا لأنه لم يؤمن بشيء.

 

الفصل الثالث عشر بعد المئتين

 

 ولما جاء يوم أكل الحمل أرسل نيقوديموس الحمل سرا الى البستان ليسوع وتلاميذه، مخبرا بكل ما أمر به هيرودس والوالي ورئيس الكهنة، فتهلل من ثم يسوع قائلا: تبارك اسمك القدوس يا رب لأنك لم تفرزني من عدد خدمتك الذين اضطهدهم وقتلهم العالم، أشكرك يا إلهي لأنك قد أتممت عملك، ثم التفت الى يهوذا وقال له: يا صديق لماذا تتأخر؟، ان وقتي قد دنا فاذهب وافعل ما يجب أن تفعله، فظن التلاميذ ان يسوع ارسل يهوذا يشتري شيئا ليوم الفصح، ولكن يسوع عرف أن يهوذا كان على وشك تسليمه، ولذلك قال هكذا لأنه كان يحب الانصراف من العالم، أجاب يهوذا: تمهل عليّ يا سيد حتى آكل ثم أذهب، فقال يسوع: لنأكل لأني اشتهيت جدا ان آكل هذا الحمل قبل أن أنصرف عنكم، ثم قام وأخذ منشفة ومنطق حقويه، ثم وضع ماء في طست وشرع يغسل أرجل تلاميذه، فابتدأ يسوع بيهوذا وانتهى ببطرس، فقال بطرس: يا سيد أتغسل رجلي؟، أجاب يسوع: أن ما أفعله لا تفهمه الآن ولكن ستعلمه فيما بعد، أجاب بطرس: لأني تغسل رجلي أبدا، حينئذ نهض يسوع وقال : أنت لا تأتي بصحبتي في يوم الدينونة، أجاب بطرس: لا تغسل رجلي فقط بل يدي ورأسي، فبعد غسل التلاميذ وجلوسهم على المائدة ليأكلوا قال يسوع: لقد غسلتكم ولكن مع ذلك لستم كلكم طاهرين، لأني ماء البحر لا يطهِّر من لا يصدّقني، قال هذا يسوع لأنه علم من سيسلمه، فحزن التلاميذ لهذه الكلمات، فقال يسوع أيضا: الحق أقول لكم أن واحدا منكم سيسلمني فأباع كخروف، ولكن ويل له لأنه سيتم كل ما قال داود أبونا عنه انه(سيسقط في الهوة التي أعدها للآخرين)، فنظر من ثم التلاميذ بعضهم الى بعض قائلين بحزن: من سيكون الخائن؟، فقال حينئذ يهوذا: أأنا هو يا معلم؟، أجاب يسوع: لقد قلت لي من هو الذي سيسلمني، أما الأحد عشر رسولا فلم يسمعوه، فلما أكل الحمل ركب الشيطان ظهر يهوذا فخرج من البيت ويسوع يقول أيضا: أسرع بفعل ما أنت فاعل.

 

الفصل الرابع عشر بعد المئتين

 

 وخرج يسوع من البيت ومال الى البستان ليصلي فجثا على ركبتيه مئة مرة معفرا وجهه كعادته في الصلاة، ولما كان يهوذا يعرف الموضع الذي كان يسوع مع تلاميذه ذهب لرئيس الكهنة،وقال: اذا أعطيتني ما وعدت به أسلم هذه الليلة ليدك يسوع الذي تطلبونه، لأنه منفرد مع أحد عشر رفيقا، أجاب رئيس الكهنة: كم تطلب؟، قال يهوذا: ثلاثين قطعة من الذهب، فحينئذ عدّ له رئيس الكهنة النقود فورا، وأرسل فريسيا الى الوالي وهيرودس ليحضر جنودا، فأعطياه كتيبة منها لأنهما خافا الشعب، فأخذوا من ثم اسلحتهم وخرجوا من اورشليم بالمشاعل والمصابيح على العصي.

 

الفصل الخامس عشر بعد المئتين

 

 ولما دنت الجنود مع يهوذا من المحل الذي كان فيه يسوع سمع يسوع دنو جم غفير، فلذلك انسحب الى البيت خائفا، وكان الأحد عشر نياما، فلما رأى الله الخطر على عبده أمر جبريل وميخائيل ورفائيل وأوريل سفراءه أن يأخذوا يسوع من العالم، فجاء الملائكة الأطهار وأخذوا يسوع من النافذة المشرفة على الجنوب، فحملوه ووضعوه في السماء الثالثة في صحبة الملائكة التي تسبح الله الى الابد.

 

الفصل السادس عشر بعد المئتين

 

 ودخل يهوذا بعنف الى الغرفة التي اصعد منها يسوع، وكان التلاميذ كلهم نياما، فأتى الله العجيب بأمر عجيب، فتغير يهوذا في النطق وفي الوجه فصار شبها بيسوع حتى اننا اعتقدنا انه يسوع، أما هو فبعد ان أيقظنا أخذ يفتش لينظر أين كان المعلم، لذلك تعجبنا وأجبنا: أنت يا سيد هو معلمنا، أنسيتنا الآن؟، أما هو فقال متبسما: هل أنتم أغبياء حتى لا تعرفون يهوذا الاسخريوطي، وبينما كان يقول هذا دخلت الجنود وألقوا أيديهم على يهوذا لأنه كان شبيها بيسوع من كل وجه، أما نحن فلما سمعنا قول يهوذا ورأينا جمهور الجنود هربنا كالمجانين، ويوحنا الذي كان ملتفا بملحفة من الكتان استيقظ وهرب، ولما أمسكه جندي بملحفه الكتان ترك ملحفة الكتان وهرب عريانا، لأني الله سمع دعاء يسوع وخلص الأحد عشر من الشر.

 

الفصل السابع عشر بعد المئتين

 

 فاخذ الجنود يهوذا واوثـقوه ساخرين منه, لأنه انكر وهو صادق انه هو يسوع, فقال الجنود مستهزئين به: يا سيدي لا تخف لأني قد اتينا لنجعلك ملكا على اسرائيل, وإنما اوثقناك لأني نعلم انك ترفض المملكة,اجاب يهوذا:لعلكم جننتم,انكم اتيتم بسلاح ومصابيح لتأخذوا يسوع الناصري كأنه لص افتوثقونني انا الذي ارشدتكم لتجعلوني ملكا!، حينئذ خان الجنود صبرهم وشرعوا يمتهنون يهوذا بضربات ورفسات وقادوه بحنق الى اورشليم، وتبع يوحنا وبطرس الجنود عن بعد وأكدا للذي يكتب انهما شاهدا كل التحري الذي تحراه بشأن يهوذا رئيس الكهنة ومجلس الفريسيين الذين اجتمعوا ليقتلوا يسوع، فتكلم من ثمّ يهوذا كلمات جنون كثيرة، حتى أن كل واحد أغرق في الضحك معتقدا انه بالحقيقة يسوع وانه يتظاهر بالجنون خوفا من الموت، لذلك عصب الكتبة عينيه بعصابة، وقالوا له مستهزئين: يا يسوع نبي الناصريين (فانهم هكذا كانوا يدعون المؤمنين بيسوع) قل لأني من ضربك، ولطموه وبصقوا فى وجهه، ولما اصبح الصباح التأم المجلس الكبير للكتبة وشيوخ الشعب، وطلب رئيس الكهنة مع الفريسيين شاهد زور على يهوذا معتقدين انه يسوع فلم يجدوا مطلبهم، ولماذا أقول ان رؤساء الكهنة اعتقدوا أن يهوذا يسوع؟، بل التلاميذ كلهم مع الذي يكتب اعتقدوا ذلك، بل أكثر من ذلك ان أم يسوع العذراء المسكينة مع أقاربه وأصدقائه اعتقدوا ذلك، حتى ان حزن كل واحد كان يفوق التصديق، لعمر الله ان الذي يكتب نسي كل ما قاله يسوع: من انه يرفع من العالم وأن شخصا آخر سيعذب باسمه وانه لا يموت الا وشك نهاية العالم، لذلك ذهب ( الذي يكتب) مع أم يسوع ومع يوحنا الى الصليب، فأمر رئيس الكهنة أن يؤتى بيسوع موثقا أمامه، وسأله عن تلاميذه وعن تعليمه، فلم يجب يهوذا بشيء في الموضوع كأن جن، حينئذ استحلفه رئيس الكهنة باله اسرائيل الحي أن يقول له الحق، أجاب يهوذا: لقد قلت لكم اني يهوذا الاسخريوطي الذي وعد أن يسلم الى أيديكم يسوع الناصري، أما أنتم فلا أدري بأي حيلة قد جننتم، لأنكم تريدون بكل وسيلة أن أكون أنا يسوع، أجاب رئيس الكهنة: أيها الضال المضل لقد ضللت كل اسرائيل بتعليمك وآياتك الكاذبة مبتدئا من الجليل حتى اورشليم هنا، أفيخيل لك الآن أن تنجو من العقاب الذي تستحقه والذي أنت أهل له بالتظاهر بالجنون؟، لعمر الله انك لا تنجو منه، وبعد أن قال هذا أمر خدمه أن يوسعوه لطما ورفسا لكي يعود عقله الى رأسه، ولقد أصابه من الاستهزاء على يد خدم رئيس الكهنة ما يفوق التصديق، لانهم اخترعوا أساليب جديدة بغيرة ليفكهوا المجلس، فألبسوه لباس مشعوذ وأوسعوه ضربا بأيديهم وأرجلهم حتى ان الكنعانيين أنفسهم لو رأوا ذلك المنظر لتحننوا عليه، ولكن قست قلوب رؤساء الكهنة والفريسيين وشيوخ الشعب على يسوع الى حد سروا معه أن يروه معاملا هذه المعاملة معتقدين أن يهوذا هو بالحقيقة يسوع، ثم قادوه بعد ذلك موثقا الى الوالي الذي كان يحب يسوع سرا، ولما كان يظن أن يهوذا هو يسوع أدخله غرفته وكلمه سائلا اياه لأي سبب قد سلمه رؤساء الكهنة والشعب الى يديه، أجاب يهوذا: لو قلت لك الحق لما صدقتني لأنك قد تكون مخدوعا كما خدع الكهنة والفريسيون، أجاب الوالي(ظانا انه أراد أن يتكلم عن الشريعة): ألا تعلم اني لست يهوديا؟، ولكن الكهنة وشيوخ الشعب قد سلموك ليدي، فقل لأني الحق لكي أفعل ما هو عدل، لأني لي سلطانا أن أطلقك وأن آمر بقتلك، أجاب يهوذا: صدقني يا سيد انك اذا أمرت بقتلي ترتكب ظلما كبيرا لأنك تقتل بريئا، لأني أنا يهوذا الاسخريوطي لا يسوع الذي هو ساحر فحولني هكذا بسحره، فلما سمع الوالي هذا تعجب كثيرا حتى انه طلب أن يطلق سراحه، لذلك خرج الوالي وقال متبسما: من جهة واحده على الاقل لا يستحق هذ الإنسان الموت بل الشفقة، ثم قال الوالي: ان هذا الإنسان يقول انه ليس يسوع بل يهوذا الذي قاد الجنود ليأخذوا يسوع، ويقول أن يسوع الجليلي قد حوله هكذا بسحره، فاذا كان هذا صدقا يكون قتله ظلما كبيرا لأنه يكون بريئا، ولكن اذا كان هو يسوع وينكر انه هو فمن المؤكد انه قد فقد عقله ويكون من الظلم قتل مجنون، حينئذ صرخ رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب مع الكتبة والفريسيين بصخب قائلين: انه يسوع الناصري فاننا نعرفه، لأنه لو لم يكن هو المجرم لما أسلمناه ليديك، وليس هو بمجنون بل بالحري خبيث لأنه بحيلته هذه يطلب أن ينجو من أيدينا، واذا نجا تكون الفتنة التي يثيرها شرا من الاولى، أما بيلاطس (وهو اسم الوالي) فلكي يتخلص من هذه الدعوى قال: انه جليلي وهيرودس هو ملك الجليل، فليس من حقي الحكم في هذه الدعوى، فخذوه الى هيرودس، فقادوا يهوذا الى هيرودس الذي طالما تمنى أن يذهب يسوع الى بيته، ولكن يسوع لم يرد قط أن يذهب الى بيته، لأني هيرودس كان من الامم وعبد الآلهة الباطلة الكاذبة عائشا بحسب عوائد الامم النجسة، فلما قيد يهوذا إلى هناك سأله هيرودس عن أشياء كثيرة لم يحسن يهوذا الاجابة عنها منكرا انه هو يسوع، حينئذ سخر به هيرودس مع بلاطه كله وأمر أن يلبس ثوبا أبيض كما يلبس الحمقى، ورده الى بيلاطس قائلا له: لا تقصر في اعطاء العدل بيت اسرائيل، وكتب هيرودس هذا لأني رؤساء الكهنة والكتبة والفريسيين أعطوه مبلغا كبيرا من النقود، فلما علم الوالي من أحد خدم هيرودس ان الامر هكذا تظاهر بأنه يريد أن يطلق سراح يهوذا طمعا في نيل شيء من النقود، فأمر عبيده الذين دفع لهم الكتبة(نقودا) ليقتلوه أن يجلدوه ولكن الله الذي قدر العواقب أبقى يهوذا للصليب ليكابد ذلك الموت الهائل الذي كان أسلم اليه آخر، فلم يسمح بموت يهوذا تحت الجلد مع ان الجنود جلدوه بشدة سال معها جسمه دما، ولذلك ألبسوه ثوبا قديما من الارجوان تهكما قائلين: يليق بملكنا الجديد أن يلبس حلة ويتوج، فجمعوا شوكا وصنعوا اكليلا شبيها بأكاليل الذهب والحجارة الكريمة التي يضعها الملوك على رؤوسهم، ووضعوا اكليل الشوك على رأس يهوذا، ووضعوا في يده قصبة كصولجان وأجلسوه في مكان عال، ومر من أمامه الجنود حانين رؤوسهم تهكما مؤدين له السلام كأنه ملك اليهود، وبسطوا أيديهم لينالوا الهبات التي اعتاد اعطاءها الملوك الجدد، فلما لم ينالوا شيئا ضربوا يهوذا قائلين: كيف تكون اذا متوجا أيها الملك اذا كنت لا تهب الجنود والخدم؟، فلما رأى رؤساء الكهنة مع الكتبة والفريسيين أن يهوذا لم يمت من الجلد ولما كانوا يخافون أن يطلق بيلاطس سراحه أعطوه هبة من النقود للوالي فتناولها وأسلم يهوذا للكتبة والفريسيين كأنه مجرم يستحق الموت، وحكموا بالصلب على لصين معه، فقادوه الى جبل الجمجمة حيث اعتادوا شنق المجرمين وهناك صلبوه عريانا مبالغة في تحقيره، ولم يفعل يهوذا شيئا سوى الصراخ: يا الله لماذا تركتني فان المجرم قد نجا أما أنا فأموت ظلما، الحق أقول أن صوت يهوذا ووجهه وشخصه بلغت من الشبه بيسوع ان اعتقد تلاميذه والمؤمنون به كافة انه هو يسوع، لذلك خرج بعضهم من تعليم يسوع معتقدين أن يسوع كان نبيا كاذبا وأنه إنما فعل الآيات التي فعلها بصناعة السحر، لأني يسوع قال انه لا يموت الى وشك انقضاء العالم، لأنه سيؤخذ في ذلك الوقت من العالم، فالذين ثبتوا راسخين في تعليم يسوع حاق بهم الحزن اذ رأوا من يموت شبيها بيسوع كل الشبه حتى انهم لم يذكروا ما قاله يسوع، وهكذا ذهبوا في صحبة ام يسوع الى جبل الجمجمة، ولم يقتصروا على حضور موت يهوذا باكين على الدوام بل حصلوا بواسطة نيقوديموس ويوسف الابار يماثيائي من الوالي على جسد يهوذا ليدفنوه، فأنزلوه من ثم عن الصليب ببكاء لا يصدقه أحد، ودفنوه في القبر الجديد ليوسف بعد ان ضمخوه بمئة رطل من الطيوب.

 

الفصل الثامن عشر بعد المئتين

 

 ورجع كل الى بيته، ومضى الذي يكتب ويوحنا ويعقوب واخوه مع ام يسوع الى الناصرة، أما التلاميذ الذين لم يخافوا الله فذهبوا ليلا وسرقوا جسد يهوذا وخبأوه وأشاعوا ان يسوع قام، فحدث بسبب هذا اضطراب، فأمر رئيس الكهنة أن لا يتكلم أحد عن يسوع الناصري والا كان تحت عقوبة الحرم، فحصل اضطهاد عظيم فرجم وضرب ونفي من البلاد كثيرون لأنهم لم يلازموا الصمت في هذا الأمر، وبلغ الخبر الناصرة كيف ان يسوع أحد أهالي مدينتهم قام بعد ان مات على الصليب، فضرع الذي يكتب الى ام يسوع أن ترضى فتكف عن البكاء لأني ابنها قام فلما سمعت العذراء مريم هذا قالت باكية: لنذهب الى اورشليم لننشد ابني، فاني اذا رأيته مت قريرة العين.

 

الفصل التاسع عشر بعد المئتين

 

 فعادت العذراء الى اورشليم مع الذي يكتب ويعقوب ويوحنا في اليوم الذي صدر فيه أمر رئيس الكهنة، ثم ان العذراء التي كانت تخاف الله أوصت الساكنين معها أن ينسوا ابنها مع انها عرفت ان رئيس الكهنة ظلم، وما كان أشد انفعال كل أحد!، والله الذي يبلو قلوب البشر يعلم أننا فنيِنَا بين الأسى على موت يهوذا الذي كنا نحسبه يسوع معلمنا وبين الشوق الى رؤيته قائما، وصعد الملائكة الذين كانوا حراسا على مريم الى السماء الثالثة حيث كان يسوع في صحبة الملائكة وقصوا عليه كل شيء، لذلك ضرع يسوع الى الله أن يأذن له بأن يرى امه وتلاميذه، فأمر حينئذ الرحمن ملائكته الاربعة المقربين الذين هم جبريل وميخائيل ورافائيل وأوريل أن يحملوا يسوع الى بيت امه، وأن يحرسوه هناك مدة ثلاثة أيام متوالية، وأن لا يسمحوا لأحد أن يراه خلا الذين آمنوا بتعليمه، فجاء يسوع محفوفا بالسناء الى الغرفة التي أقامت فيها مريم العذراء مع أختيها ومرثا ومريم المجدلية ولعازر والذي يكتب ويوحنا ويعقوب وبطرس، فخرّوا من الهلع كأنهم أموات، فأنهض يسوع أمه والاخرين عن الأرض قائلا: لا تخافوا لأني انا يسوع، ولا تبكوا فاني حي لا ميت، فلبث كل منهم زمنا طويلا كالمخبول لحضور يسوع، لأنهم اعتقدوا اعتقادا تاما بأن يسوع مات، فقالت حينئذ العذراء باكية: قل لي يا نبي لماذا سمح الله بموتك ملحقا العار بأقربائك اخلائك وملحقا العار بتعليمك؟ وقد أعطاك قوة على احياء الموتى، فان كل من يحبك كان كميت.

 

الفصل العشرون بعد المئتين

 

 أجاب يسوع معانقا امه: صدقيني يا اماه لأني أقول لك بالحق اني لم أمت قط، لأني الله قد حفظني الى قرب انقضاء العالم، ولما قال هذا رغب الى الملائكة الاربعة أن يظهروا ويشهدوا كيف كان الامر، فظهر من ثم الملائكة كأربع شموس متألقة حتى أن كل أحد خرّ من الهلع ثانية كأنه ميت، فأعطى حينئذ يسوع الملائكة اربع ملاء من كتان ليستروا بها أنفسهم لتتمكن امه ورفاقها من رؤيتهم وسماعهم يتكلمون، وبعد ان أنهض كل واحد منهم عزاهم قائلا: ان هؤلاء هم سفراء الله، جبريل الذي يعلن أسرار الله، وميخائيل الذي يحارب أعداء الله، ورافائيل الذي يقبض أرواح الميتين، وأوريل الذي ينادي الى دينونة الله في اليوم الآخر، ثم قص الملائكة الاربعة على العذراء كيف أن الله أرسل الى يسوع وغيَّر(صورة) يهوذا ليكابد العذاب الذي باع له آخر، حينئذ قال الذي يكتب: يا معلم أيجوز لي أن أسألك الآن كما كان يجوز عندما كنت مقيما معنا؟، أجاب يسوع: سل ما شئت يا برنابا أجبك، فقال حينئذ الذي يكتب: يا معلم اذا كان الله رحيما فلماذا عذبنا بهذا المقدار بما جعلنا نعتقد انك كنت ميتا؟، ولقد بكتك امك حتى أشرفت على الموت، وسمح الله أن يقع عليك عار القتل بين اللصوص على جبل الجمجمة وأنت قدوس الله، أجاب يسوع: صدقني يا برنابا ان الله يعاقب على كل خطيئة مهما كانت طفيفة عقابا عظيما لأني الله يغضب من الخطيئة، فلذلك لما كانت امي وتلاميذي الامناء الذين كانوا معي أحبوني قليلا حبا عالميا أراد الله البر أن يعاقب على هذا الحب بالحزن الحاضر حتى لا يعافب عليه بلهب الجحيم، فلما كان الناس قد دعوني الله وابن الله على أني كنت بريئا في العالم أراد الله أن يهزأ الناس بي في هذا العالم بموت يهوذا معتقدين انني أنا الذي مت على الصليب لكيلا تهزأ الشياطين بي في يوم الدينونة، وسيبقى هذا الى أن يأتي محمد رسول الله الذي متى جاء كشف هذا الخداع للذين يؤمنون بشريعة الله، وبعد ان تكلم يسوع بهذا قال: انك لعادل أيها الرب إلهنا لأني لك وحدك الإكرام والمجد بدون نهاية .

 

الفصل الحادي والعشرون بعد المئتين

 

 والتفت يسوع الى الذي يكتب وقال: يا برنابا عليك أن تكتب انجيلي حتما وما حدث في شأني مدة وجودي في العالم، واكتب أيضا ما حلّ بيهوذا ليزول انخداع المؤمنين ويصدق كل أحد الحق، حينئذ أجاب الذي يكتب: اني لفاعل ذلك ان شاء الله يا معلم، ولكن لا أعلم ما حدث ليهوذا لأني لم أر كل شيء، أجاب يسوع: ههنا يوحنا وبطرس اللذان قد عاينا كل شيء فهما يخبرانك بكل ما حدث، ثم أوصانا يسوع أن ندعو تلاميذه المخلصين ليروه، فجمع حينئذ يعقوب ويوحنا التلاميذ السبعة مع نيقوديموس ويوسف وكثيرين آخرين من الاثنين والسبعين وأكلوا مـع يسوع ، وفي اليوم الثالث قال يسوع : اذهبوا مع امي الى جبل الزيتون، لأني أصعد من هناك أيضا الى السماء ، وسترون من يحملني ، فذهب الجميع خلا خمسة وعشرين من التلاميذ الاثنين والسبعين الذين كانوا قد هربوا الى دمشق من الخوف ، وبينما كان الجميع وقوفا للصلاة جاء يسوع وقت الظهيرة مع جم غفير من الملائكة الذين كانوا يسبحون الله ، فطاروا فرقا من سناء وجهه فخروا على وجوههم الى الأرض ، ولكن يسوع أنهضهم وعزاهم قائلا : لا تخافوا أنا معلمكم، ووبخ كثيرين من الذين اعتقدوا انه مات وقام قائلا : أتحسبونني أنا والله كاذبين ؟ ، لأني الله وهبني أن أعيش حتى قبيل انقضاء العالم كما قد قلت لكم ، الحق أقول لكم اني لم أمت بل يهوذا الخائن ، احذروا لأني الشيطان سيحاول جهده أن يخدعكم ، ولكن كونوا شهودي في كل اسرائيل وفي العالم كله لكل الأشياء التي رأيتموها وسمعتموها ، وبعد أن قال هذا صلى لله لأجل خلاص المؤمنين وتجديد الخطأة ، فلما انتهت الصلاة عانق امه قائلا : سلام لك يا أمي ، توكلي على الله الذي خلقك وخلقني ، وبعد ان قال هذا التفت الى تلاميذه قائلا : لتكن نعمة الله ورحمته معكم ، ثم حملته الملائكة الاربعة أمام أعينهم الى السماء .

 

الفصل الثاني والعشرون بعد المئتين

 

 وبعد ان انطلق يسوع تفرقت التلاميذ في انحاء اسرائيل والعالم المختلفة ، أمام الحق المكروه من الشيطان فقد اضطهده الباطل كما هي الحال دائما ، فان فريقا من الأشرار المدعين أنهم تلاميذ بشروا بأن يسوع مات ولن يقوم ، وآخرون بشروا بأنه مات بالحقيقة ثم قام ، وآخرون بشروا ولا يزالون يبشرون بأن يسوع هو ابن الله وقد خدع في عدادهم بولص ، أما نحن فإنما نبشر بما كتبت الذين يخافون الله ليخلصوا في اليوم الآخير لدينونة الله آمين .