سِفْرُ أيّوُب

آ. المقدّمة (1)

الشيطان يمتحن أيّوب

1 1 كانَ رَجُلٌ في أَرضِ عوصٍ (2) اسمُه أَيّوب، وكانَ هذا الرَّجُلُ كامِلاً مُستَقيمًا يَتَّقي اللهَ وُيجانِبُ الشَّرّ. 2 ووُلدَ لَه سَبعَةُ بَنينَ وثَلاث بَنات. 3 وكانَ يَملِكُ سَبعَةَ آلافٍ مِنَ الغَنَم وثَلاثَةَ آلافٍ مِنَ الإِبل وخَمسَ مِئَةِ فَدَّانِ بَقَر وخَمسَ مِئَةِ أَتان، ولَه خَدَمٌ كَثيرونَ جدًّا. وكانَ ذلكَ الرَّجُلُ أَعظَمِ أَبْناءِ المَشرِقِ (3) جَميعًا. 4 وكانَ بَنوه يَذهَبون فيُقيمونَ مَأدُبةً في بَيتِ كُلٍّ مِنهم في يَومِه، وَيبعَثونَ فيَدْعونَ أَخَواتِهِمِ الثَّلاثَ لِيَأكُلْنَ وَيشرَبنَ مَعَهم. 5 فإِذا تَمَّ مَدارُ أَيَّام المَأدُبة، كانَ أَيُّوبُ يَدْعوهُم ويُطَهًّرُهم (4)، ثُمَّ يُبَكِّرُ في الصَّباحِ فيُصعِدُ مُحرَقاتٍ لِعَدَدِهم جَميعًا )) لأَنَّ أَيُّوبَ كانَ يَقول: ((لَعَلَّ بَنِيَّ خَطِئوا فَجَدَّفوا (5) على اللهِ في قُلوبِهم )). هكَذا كانَ أَيُّوبُ يَصنعُ كُلَّ الأَيَّام.
6 واتَّفَقَ يَومًا أَن دَخَلَ بَنو اللهِ لِيَمثُلوا أَمامَ الرَّبّ (6)، ودَخَلَ الشَّيطانُ (7) أَيضًا بَينَهم. 7 فقالَ الرَّبُّ لِلشَّيطان: ((مِن أَينَ أَقبَلتَ؟ )) فأَجابَ الشَّيطانُ وقالَ لِلرَّبّ (( مِنَ الطَّوافِ في الأَرضِ والتَّرَدُّد فيها )). 8 فقالَ الرَّبُّ لِلشَّيطان: ((أَمِلتَ بالَكَ إِلى عَبْدي أَيُّوب؟ فإِنَّه لَيسَ لَه مَثيلٌ في الأَرْض. إِنَّه رَجُلٌ كامِلٌ مُستَقيم يَتَّقي اللهَ ويُجانِبُ الشَّرّ )). 9 فأَجابَ الشَّيطان وقالَ لِلرَّبّ: ((أَمَجَّانًا يَتَّقي أَيُّوبُ الله؟ 10 أَلَم تَكُنْ سيَجتَ حَولَه وحَولَ بَيته وحَولَ كُلِّ شَيءٍ لَه مِن كُلِّ جِهَة، وقد بارَكتَ أَعْمَالَ يَدَيه، فانتَشَرَت ماشِيَتُه في الأَرْض. 11 ولكِنِ ابسُطْ يَدَكَ وامسَسْ كُلَّ ما لَه فتَرى أَلا يُجَدِّفُ عَلَيكَ في وَجهِكَ )). 12 فقالَ الرَّبُّ لِلشَّيطان: (( ها إِنَّ كُلَّ شيَءٍ لَه في يَدِكَ، ولكِن إِلَيه لا تَمدُدْ يَدَك )). وخرَجَ الشَّيطانُ مِن أَمام وَجهِ الرَّبّ.
13 واتَفَقَ يَومًا أَنَّ بَنيهَ وبَناتِه كانوا يَأكُلونَ ويَشرَبونَ خَمرًا في بَيتِ أَخيهِمِ البِكْر. 14 فأَقبَلَ رَسولٌ إِلى أَيُّوبَ وقال: ((كانَتِ البَقَرُ تَحرُث والأتنُ تَرْعى بِجانِبِها، 15 فَهَجَمَ علَيها أَهْلُ سَبَأ (8) وأَخَذوها، وقَتَلوا الخَدَمَ بِحَدِّ السَّيف، وأَفلَتُّ أَنا وَحْدي لأُخبِرَكَ )). 16 وبَينَما هو يَتَكَلَّم، أَقبَلَ آخَرُ فقال: ((قد سَقَطَت نارُ اللهِ (9) مِنَ السَّماء وأَحرَقَتِ الغَنَمَ والخَدَمَ وأَكَلَتهم، وأَفلَتُّ أَنا وَحْدي لأخبِرَك )). 17 وبَينَما هو يَتَكَلَّم، أَقبَلَ آخَرُ فقال: ((قد تَوزَّع الكَلْدانِيُّونَ إِلى ثَلاثِ فِرَق، وأَغاروا على الإِبل فأَخَذوها، وقَتَلوا الخَدَمَ بِحَدِّ السَّيف، وأَفلَتّ أَنا وَحْدي لأُخبِرَك ((. 18 وبَينَما هو يَتَكَلَّم، أَقبَلَ آخَرُ فقال: ((كانَ بَنوكَ وبَناتُكَ يأكُلونَ ويَشرَبونَ خَمرًا في بَيتِ أَخيهِمِ البكْر، 19 فإِذا بِريح شَديدةٍ قد هبَت مِن وَراء البَرًّيَّة وصَدَمَت زَوايا البَيتِ الأَربَع، فسَقَطَ على الشُّبّانِ فماتوا، وأَفلَتّ أَنا وَحْدي لأخبِرَك )).
20 فقامَ أَيُّوبُ وشَقَّ رِداءَه وحَلَقَ شَعرَ رَأسِه (10) وارتَمى إِلى الأَرضِ وسَجَدَ، 21 وقال: ((عُرْيانًا خَرَجتُ مِن جَوفِ أُمّي
وعُرْيانًا أَعودُ إِلَيه (11)
الرَّبُّ أَعْطْى والرَّبُّ أَخَذ
فلْيَكُنَ اسمُ الرَّبِّ مُبارَكًا)).
22 في هذا كُلِّه لم يَخطأْ أَيُّوب ولم يَقُلْ في اللهِ غَباوَة.
2 1 ثُمَّ اتَفَقَ يَومًا أَن دَخَلَ بنو اللهِ لِيَمثُلوا أَمامَ الرَّبّ، ودَخَلَ الشَّيطانُ أَيضا بَيْنَهُم لِيَمثُلَ أَمامَ الرَّبّ. 2 فقالَ الرَّبُّ لِلشَّيطان: ((مِن أَينَ أَقبَلتَ؟ )) فأَجابَ الشَّيطان وقالَ لِلرَّبّ: (( مِنَ الطَّوافِ في الأَرضِ والتَّرَدُّدِ فيها )). 3 فقالَ الرَّبُّ لِلشَّيطان: ((أَمِلتَ بالَكَ إِلى عَبْدي أيّوب؟ فإنَّه لَيسَ لَه مَثيلٌ في الأَرْض. إِنَّه رَجُلٌ كامِلٌ مُستَقيم يَتَّقي اللهَ ويُجانِبُ الشَّرّ، والى الآنَ مُتَمَسِّكٌ بِكَمالِه، وقَد حَرَّضتَني على ابتِلاعِه بِدونِ سَبَب )). 4 فأَجابَ الشَّيطانُ وقالَ لِلرَّبّ: ((جِلْدٌ بِجِلْدٍ (1)، وكُلُّ ما يَملِكُه الإِنسانُ يَبذُلُه عن نَفسِه.ْ ولكِنِ ابسُطْ يَدَكَ وامسَسْ عَظْمَه ولَحْمَه، فتَرى أَلا يُجَدِّفُ عَلَيكَ في وَجهِكَ )). 6 فقالَ الرَّبُّ لِلشَّيطان: ((ها إِنَّه في يَدِكَ، ولكِنِ اَحتَفِظْ بَنَفسِه )). 7 فخَرَجَ الشَّيطانُ مِن أَمام وَجهِ الرَّبّ.
وَضَرَبَ الشَّيطانُ أَيُّوبَ بِقَرْحٍ خَبيثٍ (2) مِن أَخمَصِ قَدَمِه إِلى قِمَّةِ رَأسِه. 8 فأَخَذَ لَه خَزَفَةً لِيَحتَكَّ بِها وهو جالِسٌ على الرَّماد. 9 فقالَت لَه امرَأته: ((أَإِلى الآنَ مُتَمَسِّكٌ بِكَمالِكَ؟ جَدِّفْ على اللهِ ومُتْ )). 10 فقالَ لَها: ((إِنَّما كَلامُكِ كَلامُ إِحْدى الحَمْقاوات. أَنَقبَلُ الخَيرَ مِنَ اللهِ ولا نَقبَلُ مِنه الشَّرّ؟ )) في هذا كُلِّه لم يَخطأْ أَيُّوبُ بِشَفَتَيه.
11 وسَمعَ ثَلاثَةُ أَصدِقاءَ لأَيُّوبَ بِكُلِّ ما أَصابَه مِنَ البَلْوى، فأَقبَلَ كُلٌّ مِن مَكانِه، أَليفازُ التَّيمانِيّ وبِلدَدُ الشُّوحِيّ وصوفَرُ النَّعماقِيّ (3)، واتَّفَقوا على أَن يأتوا فيَرْثوا لَه وُيعَزُّوه. 12 فرَفَعوا أَبْصارَهم مِن بَعيدٍ فلَم يَعرِفوه. فرَفَعوا أَصْواتَهم وبَكَوا، وشَقَّ كُلٌّ مِنهُم رِداءَه وذَرُّوا تُرابًا نَحوَ السَّماء فوق رُؤُوسِهم (4). 13 وجَلَسوا معَه على الأَرضِ سَبعَةَ أَيَّام وسَبعَ لَيالٍ، ولم يُكَلِّمْه أَحَدٌ بِكَلِمَة، لأَنَّهم رَأَوا أَنَّ كآبَته كانَت شَديدةً جِدًّا.

ب. الحوار
ا. حلقة أولى من الخُطَب

أَيُّوب يلعن يَومَ مَولِده

3 1 بَعدَ ذلك فَتحَ أَيُّوبُ فَمَه ولَعَنَ يَومَه 2 وتَكَلَّمَ أَيُّوبُ وقال: 3 ((لا كانَ نَهارٌ وُلِدتُ فيه ولا لَيلٌ قال: قد حُبِلَ بِرَجُل! (1)
4 لِيَكُنْ ذلك النَّهارُ ظَلامًا
ولا رَعاهُ اللهُ مِن فَوقُ
ولا أَشرَقَ علَيه نور!
5 لِتُطالِبْ بِه الظُّلُمات وظِلالُ المَوت
ولْيَستَقِرَّ علَيه غَمام
ولترَوِّعْه كَواسِفُ النَّهار!
6 وذلك اللَّيلُ لِيَشْمَلْه الظَّلام
ولا يُضَمَّ إِلى أَيَّام السَّنَة
ولا يَدخلْ في عَدَدَ الشُّهور!
7 لِيَكُنْ ذلك اللَّيلُ عاقِرًا
ولا يُسمَعْ فيه هُتاف!
8 لِيَشْتِمْه لاعِنو اليَوم (2)
المُستَعِدُّونَ لإِيقاظِ لاوِياثان! (3)
9 لِتُظلِمْ كَواكِبُ شَفَقِه
ولْيَتَرَقَّبِ النُّورَ فلا يَكون
ولا يَرَ أَجْفانَ الفَجْر!
10 لأَنَّه لم يُغلِقْ عليَّ أَبوابَ البَطْن
ولَم يَستُرِ الشَّقاءَ عن عَينَيَّ.
11 لِمَ لَم أَمُتْ مِنَ الرَّحِم
ولم تَفِضْ روحي عِندَ خروجي مِنَ البَطْن؟
12 لِماذا صادَفت رُكبَتَينِ تَقيَلانِني
وثَدْيَينِ يُرضِعانِني؟
13 إِذَن لَكُنتُ الآنَ أَضَّجعُ فأَسكُن
ولَكُنتُ أَنامُ فأَستَرِيح
14 معَ مُلوكِ الأَرضِ ومُشيريها
الَّذينَ ابتَنَوا لأَنفسِهم خَرائِب (4)
15 او معَ أُمَراءَ لَهم ذَهَب
وقَد مَلأُوا بُيوتَهم (5) فِضَّة
16 أَو كسِقطٍ مَغْمورٍ فلَم أَحْيَ
ومِثلَ أَجنَّةٍ لم يَرَوُا النُّور.
17 هُناكَ (6)َ يَكُفُ الأَشْرارُ عنَ الاضطِراب
وهُناكَ يَستَريحُ مُنهَكو القُوى.
18 هناكَ الأَسْرى جَميعًا في قَرار
ولا يَسمَعونَ صِياحَ المُسَخِّر.
19 هُناكَ الصَّغيرُ والكَبير
والعَبدُ مُعتَقًا مِن مَولاه
20 لِمَ يْعْطى لِلشَّقِيِّ نور
وحَياةٌ لِذَوي النُّفوسِ المُرَّة
21 المُتَوَقِّعينَ لِلمَوتِ فلا يَكون
الباحِثينَ عنه أَكثَرَ مِنهم مِنَ الدَّفائِن
22 الَّذينَ يَفرَحونَ حتَّى الابتِهاج
وُيسَرّونَ إِذا وَجَدوا قَبرًا؟
23 لِمَ يُعْطى رَجُلٌ حُجِبَ طَريقُه
وسَيَّجَ اللهُ مِن حَولِه؟
فإِنَّ التَّنَهُّدَ طَعامٌ لي
وزَئيري يَنصَبّ كالمِياه.
25 لأَنَّ ما كُنتُ أَخْشاه قد أَتاني
وما فَزِعتُ مِنه قد جاءَ إِلَيَّ.
26 فلا طُمَأنينَةَ لي ولا قَرارَ ولا راحة
وقد داهَمَني الاضطِراب )).

الاتّكال على الله (1)

14 فأَجابَ أَليفازُ التَّيمانِيُّ وقال:
2 ((إِن أَلقَينا إِلَيكَ كَلِمةً فهَل يَشُقُّ علَيك؟
ولكِن مَن يَستَطيعُ أن يَحبِسَ أَقْوالَه؟
3 إِنَّكَ قد أَدَّيتَ كَثيرين
وشَدَّدتَ أيدِيًا مُستَرخِية
4 وأَنهَضَت أَقْوالُك العاثِرين
وثَبَّتَّ الرُّكَبَ المُرتَعِشَة.
5 أَمَّا الآنَ فنَزَلَت بِكَ البَلْوى فوَنَيتَ
مَسَّتكَ فذُعِرتَ.
6 أَلَيسَت تَقْواكَ هي مُعتَمَدَكَ
وكَمالُ طُرُقِكَ هو رَجاءَكَ؟
7 أُذكُرْ هَل هَلَكَ أحَدٌ وهو بَريء
وأَينَ دُمِّرَ أَهلُ الاستِقامة؟
8 بل رَأَيتُ أَنَّ الَّذينَ يَحرُثونَ الإِثْمَ
وَيزرَعونَ المَشَقَّةَ هم يَحصدونَهما.
9 نَفخَةُ اللهِ تُهلِكُهم
وريحُ غَضَبِه تُفْنيهم.
10 زَئيرُ الأَسَدِ وصَوت النَّمِر
وأَنْيابُ الأَشْبالِ حُطِّمَت.
11 يَهلِكُ اللَّيثُ لِعَدَمِ الفَريسة
وصِغارُ اللَّبق تَتَبَدَّد.
12 لقَد أُسِرَّ إِلَيَّ بِكَلِمة (2)
فأَحَسَّت أُذُني مِنها هَمْسًا.
13 في كَوابيسِ رُؤَى اللَّيل
عِندَ وُقوعِ السُّباتِ على الأَنام
14 أَخَذَني الرُّعبُ والرِّعدَة
فأَرجَفا عِظامي كُلَّها.
15 مَرَّت ريحٌ على وَجْهي
فاقشَعَرَّ شَعَرُ جَسَدي.
16 ثُمَّ وَقَفَ ولم أَعرِفْ مَنظَرَه
كأَنَّه صورَةٌ تُجاهَ عَينَيَّ
فكانَ سُكوتٌ ثم صَوتٌ أَسمَعُه:
17 أَيَكونُ الإِنْسانُ بارًّا أَمامَ الله
أَم الرَّجُلُ طاهِرًا أَمامَ صانِعِه؟
18 هاَ إِنَّه لا يَأتَمِنُ عَبيدَه
وإِلى مَلائِكَتِه يَنسِبُ غَباوَةً (3).
19 فكَيفَ الَّذينَ يَسكُنونَ بُيوتًا مِن طين
وفي التُّرابِ أَساسُهم؟
إِنَّهم يُسحَقونَ سَحْقَ العُثّ.
20 بَينَ صباحٍ ومَساءٍ يُحَطَّمون
غَيرَ مُبالًى بِهم لِلأَبَدِ يَهلِكون.
21 أَلَم تُقتَلَعْ حِبالُ خِيامِهم؟
إِنَّهم يَموتونَ ولا حِكمَةَ لَهم )).
5 1 أُدعُ، فهَل لَكَ مَن يُجيب؟
إِلى أَيٍّ مِنَ القِدِّيسينَ (1) تَلتَفِت؟
2 فإِنَّ الغَبِيَّ يَقتُلُه الكَرْب
والأَبلَهَ يُميتُه الحَسَد.
3 إِنِّي رَأَيتُ الغَبِيَّ يَتأَصَّل
ثُمَّ لم أَلبَثْ أَن لَعَنتُ مَسكِنَه (2).
4 يَبعُدُ بَنوه عنِ الخَلاص
يُسحَقونَ في البابِ (3) ولا مُنقِذَ لَهم.
5 يأكُلُ الجائِعُ حَصيدَه
خَطْفًا مِن بَينِ الأَشْواك
ويَبتَلِعُ العَطْشى ثَروَتَه (4).
6 فإِنَ الإِثمَ لا يَبرز مِنَ التُّراب
ولا المَشَقَّةُ تَنبُت مِنَ الأَرْض.
7 فالإِنْسانُ يولَدُ لِلشَّقاء
كما يولَدُ الشَّرَرُ لِيُحَلِّقَ في الطَّيَران.
8 أَمَّا أَنا فإِلى اللهِ أَتَوَسَّل
وإِلَيه أَرفَعُ قَضِيَّتي (5)
9 الَّذي يَصنَعُ عَظائِمَ لا تُسبَر
وعَجائِبَ لا تُحْصى
10 الَّذي يُفيضُ الغَيثَ على وَجهِ الأَرْض
وُيرسِلُ المِياهَ على وَجهِ الحُقول.
11 وإِذا أَرادَ أَن يَرفَعَ الوُضَعاءَ إِلى العَلاء
وأَن يَرتَفعَ المَحْزونونَ إِلى الخَلاص.
12 يُبطِلُ خُطَطَ المُحْتالين
فلا تُتِمُّ أَيديهِم حِيَلَهم
13 ويَصْطادُ الحُكَماءَ بِاحتِيالِهم
فتَسقُطُ مَشورةُ الماكِرين.
14 في النَّهارِ يكتَفونَ بِالظَّلام
وفي الظَّهيرَةِ يَجُسُّونَ كأَنَّهم في اللَّيل.
15 يُخَلِّصُ المِسْكينَ مِن سَيفِ أَفْواهِهم
ومِن يَدِ المُقتَدِر
16 فيَكونُ لِلبائسِ رَجاء
والظُّلمُ يَسُدُّ فاه.
17 طوبى لِلإنْسانِ الَّذي يُوَبِّخُه الله
فلا تَنبُذَنًّ تَأديبَ (6) القَدير (7).
18 فإِنَّه يَجرَحُ ويَعصِب
يَضرِبُ ويَداه تَشْفِيان.
19 في سِتِّ شَدائِدَ يُنقِذُكَ
وفي السَّابِعةِ لا يَمَسُّكَ سوء (8).
20 في المَجاعةِ يَفْديكَ مِنَ المَوت
وفي القِتالِ مِن حَدِّ السَّيف.
21 مِن سَوطِ اللِّسانِ تَستَتِر
ولا تَخْشى الدَّمارَ إِذا وَقَع.
22 تَسخَرُ بِالدَّمارِ والفاقة
ولا تَخْشى مِنُ وحوشِ الأَرض
23 لأَنَّ لَكَ عَهدًا مع حِجارَةِ الحُقول (9)
وُوحوشُ البَرِّيَّةِ تُسالِمُكَ.
24 وتَعلَمُ أَنَّ خَيمَتَكَ أَمْنٌ
وتَتَفَقَّّدُ مُلكَكَ فلا يَنقُصُ شَيء.
25 ونَعلَمُ أَنَّ ذُرِّيًّتَكَ تَكثُر
وأَنَّ خَلَفَكَ كعُشبِ الأَرْض
26 وتَدخُلُ القَبرَ في شَيبَةٍ وافِيَة
كما يُرفَعُ الكُدسُ في أَوانِه.
27 هذا ما فَحَصْناه وهو الحَقّ
فاسمَعْه وانتَفِعْ بِه )).
الإنسان المُحَطَّم يَعرِفُ وَحدَه شقاءَه
6 1 فأَجابَ أَيُّوبُ وقال:
2 (( لَيتَ كَرْبي وُزِنَ
وبُؤسي رُفِعَ مَعَه في ميزان!
3 ولكِنَّهما أَثقَلُ مِن رَملِ البِحار
فلِذلكَ أَلْغو في كَلامي
4 لأَنَّ سِهامَ القَديرِ فِيَّ
يَمتَصُّ روحي سُمَّها
وأَهْوالَ اللهِ اصطَفَّت علَيَّ.
5 أَيَنهَقُ الحِمارُ الوَحْشِيُّ على العُشْبِ
أَو يَخورُ الثَّورُ على عَلَفِه؟
6 أَيُؤكَلُ التَّفِهُ بِغَيرِ مِلْح
أَم هل يَكونُ لِزُلالِ البَيضِ (1) طَعْمٌ ؟
7 إِنَّ نَفْسي تَعَافُ أَن تَمَسَّهما
إِنَّما هُما كخُبزيَ القَذِر (2).
8 مَن لي بِأَن أُؤتى سُؤلي
وَيهَبَ لِيَ اللهُ رَجائي؟
9 لَيرْضَ اللهُ فيُحَطِّمَني
وَلْيُطلِقْ يَدَه فيَستَأصِلَني!
10 فتَبْقى لي تَعزِيةٌ
أَبتَهِجُ بِها في عَذابٍ لا يَرُفق
لأَنَي لم أَجحَدْ أَقْوالَ القُدُّوس (3).
11 ما عَسى قُوَّتي حَتَّى أَنْتَظِر
وكَم بَقائي حَتَّى أُصبِّرَ نَفْسي؟
12 أَقُوَّة الحِجارةِ قوَّتي
أَم لَحْمي مِن نُحاس؟
13 أَلم يَكُنْ لي أَيُّ عَونٍ في نَفْسي
وكُلُّ فِطنَةٍ قد أُقصِيَت عَنَي؟
14 إِنَّ قَريبَ اليائِسِ هو الَّذي يَرحَمُه
وإِلاَّ فَقَد نَبَذَ مَخافَةَ القدير (4).
15 قد غَدَرَني إِخْواني كسَيلٍ
كَمَجرى الأَودِيةِ العابِرَة
16 الَّتي أَظلَمَت مِنَ الجَمْدِ
واستَتَرَ فيها الثَّلْجُ (5).
17 في فَصلِ الجَفافِ لا تَصمُت
ويَومَ الحَرِّ تَجِفُّ مِن مَكانِها.
18 تَحيدُ القَوافِلُ عن طَريقِها
تَتَوَغَّلُ في المَتاهي فتَهلِك.
19 تَرَقَبَتها قَوافِلُ تَيماء
ورَجَتها مَواكِبُ سَبَأ.
20 فخابَ أَمَلُهم لأَنَّهم وَثِقوا
بَلَغوا إِلَيها فخَجلوا.
21 هكذا أَنتُمُ الآنَ: لا شيَء
رَأَيتُم بَلِيَّتي ففَزِعتُم.
22 أَلَعَلِّي قُلتُ لَكمِ: أَعْطوني
وجودوا عَليَّ بِشيءٍ مِن أَموْالِكم.
23 ونَجّوني مِن يَدِ المُضايِق
وافْدوني مِن أَيْدي المُغتَصِبين؟
24 عَلِّموني وأَنا أَصمُت
بَيِّنوا لي في أَيِّ شَيءٍ ضَلَلْتُ (6).
25 ما أَوقَعَ كَلِماتِ الحَقّ!
وَلكِن في أَيِّ شيَءٍ ملامَتُكم؟
26 أَفي أَنْفُسِكم أَن تَلوموني على كَلِمات؟
فإِنَّ كَلِماتِ اليائِسِ لِلرِّيح.
27 هل تَقتَرِعونَ على اليَتيمِ أَيضًا
وتُتاجِرونَ بصَديقِكم؟
28 فتَلَطَّفوا الآنَ والتَفِتوا إِلَيَّ
فإِنَي في وُجوهِكما لا أَكذِب.
29 عودوا ولا تَظلِموا
عودوا فإِنَّ بِرِّي ثابِت.
30 هَل أن ظُلمٍ على لِساني
أَم ذَوقي لا يُمَيِّزُ البُؤسَ؟ 17 أَلَيسَت حَياةُ الإنْسانِ في الأَرضِ تَجَنُّدًا (1)
وكأَيَّامِ أَجيرٍ أيَّامُه؟
2 مِثلَ الَعَبدِ المُشْتاقِ إِلى الظِّلِّ
والأَجير المُنتَظِر اجرَتَه (2).
3 هكذا أُورثتُ أًشهُرَ باطِل
ولَيالي مَشَقًّةٍ قُدِّرَت لي
4 إِذا أضَّجَعتُ قُلتُ: مَتى أقوم؟
وعلى امتِدادِ اللَّيلِ أَشبعُ بَلْبالاً إِلى الفَجْر.
5 قدِ اكتَسى لَحْمي دودًا وقِشْرَ تُراب
وتَشَقَّقَ جِلْدي وقاح.
6 أَيَّامي أَسرَعُ مِنَ المَكُّوك
وقد نَفِدَت لِفُقْدانِ الخُيوط.
7 تَذَكَّرْ أَنَّ حَياتي هَباء (3).
إِنَّ عَيني لن تَرى خَبَرًا.
8 طَرْفُ ناظِري لا يَراني مِن بَعدُ
وعَيناكَ تَطلُباني فلا أَكون.
9 إِنَّ الغَمامَ يَتَبدَّدُ ويَعبُر
وكذا الهابِطُ إِلى مَثْوى الأَمْواتِ لا تصعَد (4).
10 لا يَعودُ إِلى بَيته
ومَكانُه لا يَعرِفه مِن بَعدُ
11 لِذلِكَ لا أَحبِسُ فَي
بل أتَكَلَّمُ في ضيقِ روحي
وأَشْكو في مَرارة نَفْسي.
12 أَبَحرٌ أَنا أَم تِنِّين (5)
حتَّى تَجعَلَ حَولي حَرَسًا؟
13 إِن قُلمت: سَريري يُفرِّجُ عنِّي
ومَضْجَعي يُخَفَفُ شكْوايَ
14 رَوَعتَني بِأَحْلام
وبرُؤَى ذَعَرتَني.
15 حَتَّى تؤثرَ نَفْسيَ الخَنْق(6)
والمَوتَ بَدَلَ عِظامي.
16 لقَدِ اضمَحلَلتُ فلا حَياةَ لي لِلأَبَد
كُفَّ عنِّي فإِنَّما أَيَّامي نَفَس.
17 ما الإنسانُ حتَّى تَستَعظِمَه
وتُميلَ إِلَيه قَلبَكَ (7).
18 وتَتَفَقَّدَه كُلَّ صَباح
وتَمتَحِنَه كُلَّ لَحظَة؟
19 إِلى مَتى لا تَصرِفُ طَرفَكَ عنِّي
ولا تُمهِلُني رَيثَما أبلَعُ ريقي؟
20 إِذا خَطِئتُ فماذا فَعَلتُ لَكَ (8)
يا رَقيبَ البَشَر؟
ولِمَ جَعَلتَني هَدَفًا لَكَ
حتَّى صِرتُ عِبئًا علَيكَ؟ (9)
21 ولمَ لا تَتَحَمَّلُ مَعصِيَتي
ولا تَنقُلُ عَنِّي إِثْمي؟
فإِنَي لا أَلبَثُ أَن أَضَّجعَ في التُّراب
فتُبَكِّرُ في طَلَبي فلا أَكون (( (10)
المجرى الضروري لِعَدلِ الله
8 1 فأَجابَ بِلدَدُ الشّوحِيُّ وقال:
2 ((إِلى متى أَنتَ تَنطِقُ بِمِثْلِ هذا
وأَقْوالُ فَمِكَ كريح عاصفة؟
31 أَلعَلَّ اللهَ بُحَرِّفُ القَضاء
أَم القَديرُ يُحَرِّفُ العَدْل؟
4 إِنَ كانَ بَنوكَ قد خَطِئوا إِلَيه
فقَد أَسلَمَهم إِلى يَدِ مَعصِيَتهم.
5 أَمَّا أَنتَ فإِن بَكَرتَ إِلى الله
والتَمَستَ رَحمَةَ القَدير.
6 وكُنتَ طاهِرًا مُستَقيمًا
فإِنَّه يَسهَرُ علَيكَ
ويُعيدُكَ إِلى مَقَرِّ برِّكَ.
7 فَتَكونُ حالَتُكَ الأَولى وَضيعةً
وَتَكونُ حالَتُكَ الأَخيرةْ مُزدَهِرَة.
8 إِسأَلِ الأَجْيالَ السَّالِفة
أَصْغِ إِلى خِبرَةِ آبائِهم.
9 فإنَّنا نَحنُ بَنو أَمْسِ ولا عِلمَ لَنا
إنًّما أَيَّامُنا ظِلٌّ على الأَرْض.
10 أَمَّا هم فيُعَلِّموَنكَ ويُكَلِّموَنكَ
ومِن قلوبِهم يُخرِجونَ أَقْوالاً (1).
11 أَيَنْمو البَرْدِيُّ مِن غَيرِ المُستَنقعَ
أَم تَنشَأُ الأَسَلَةُ (2) حَيثُ لا مِياه؟
12 مع أَنَّه يَخضَرُّ ولا يُقطَع
يَذْوي قَبلَ سائِرِ النَّبات.
13 كذلك تَكونُ سُبُل (3) مَن يَنْسى الله
وأَمَلُ الكافِرِ يَزول.
14 تَتَقَطعُّ ثِقَتُه بنَفسِه
وأَمانه بَيتُ عًنكَبوت.
15 يَستَنِدُ إِلى بَيتِِه ولَيسَ بِثابِت
ويَتَمَسَّكُ بِه وهو غَيرُ قائِم.
16 إِنَّما هو شَجَرَةٌ تَخضَرُّ تُجاهَ الشَّمْس
وتَنبَسِطُ أَغْصانُها على بُسْتانِها.
17 وتَشْتَبكُ عُروقُها في الحَصى
وَتَتَوَغًّلُ في جَوفِ الصّخور.
18 ولكِنَّها إِذا استُؤصِلَت مِن مَكانِها
أَنكَرَها قائلاً: لم أَرَكِ قَطّ.
19 ذلك سُرورُ مَصيرها
ومِن تربَتِها تَنشَأُ أُخرْى.
20 فالله لا يَرذُلُ الكامِل
ولا يأخُذُ بِأَيدي المُجرِمين.
21 إِلى أَن يَملأَ فَمَكَ ضَحِكًا
وشَفَتَيكَ تَهَلُّلاً
22 ويُكْسى مبغِضوكَ خَجَلاً
وخَيمَةُ الأَشْرارِ لا تَكون )).
العدل الإله يسود الحق
9 1 فأَجابَ أَيُّوبُ وقال:
2 قد عَلِمتُ يَقينًا أَنَّ الأَمرَ كذلِك
فكَيفَ يَكونُ الإِنسانُ بارًّا أَمامَ الله؟
3 فإِن طابَ لَه أَن يُخاصِمَه
لم يُجبْه عن واحِدٍ مِن أَلْف.
4 إِنَّه حَكيمُ القَلْبِ شَديدُ البَأس
فمَن ذا الَّذي يَتَصَلَّبُ أَمامَه ويَسلَم؟
5 يُزَحزِحُ الجِبالَ ولا تَشعُر
وفي غضَبِه يَقلِبُها.
6 وُيزَعزعُ الأَرضَ مِن مَكانِها
فتَرتَجِفُ أَعمِدَتُها (1).
7 يأمُرُ الشَّمسَ فلا تُشرِق
ويَختِمُ على الكَواكِب (2).
8 هو الباسِطُ السَّمَواتِ وَحدَه
والسَّائِرُ على مُتونِ البَحْر (3)
9 خالِقُ بَناتِ النَّعشِ (4) والجَوزاء
والثُّرَيَّا وأَخاديرِ الجَنوب (5)
10 صانِعُ عَظائِمَ لا تُسبَر
وعَجائِبَ لا تحْصى
11 يَمُرُّ بي فلا أُبصِرُه
ويَجْتاز فلا أَشعُرُ بِه.
12 إِن سَلَبَ فمَن ذا يَرُدُّه
أَو مَن يَقولُ لَه: ماذا تَفعَل؟
13 اللهُ لا يَرُدّ غَضَبَه
وأَعْوانُ رَهَبَ يَرتَمونَ تَحتَه (6).
14 فكَيفَ أَنا أُجيبُه 71)
أَو أَخْتارُ حُجَجي علَيه؟ (8)
15 فإِنَي لو كنتُ بارًّا لا أُجيب
وإِنَّما أَلتَمِسُ رَحمَةَ دَيَّاني.
16 لو دَعَوُده فأَجابَني
لَما آمَنتُ أَنَّه أَصْغى إِلى صَوتي.
17 ذلك الَّذي يَسحَقُني في الزَّوبَعة
وُيثخِنُني بِالجِراحٍ بِغَيرِ عِلَّة.
18 لا يَترُكُني آخُذُ نفَسي
وإِنَّما يُجَرِّعُني مَرارات.
19 أَمَّا قُوَّةُ القاهِرِ فإِنَّها لَه
وأَمَّا القَضاءُ فمَن ذا يَستَدْعيه؟ (9)
20 إِن كُنتُ بارًّا فإِنَّ فَمي يُؤَثَمُني
أَو كامِلاً فإِنَه يُّجَرَمُني.
21 وهَبْني كامِلاً فإِنَي لا أَعرِفُ نَفْسي
قد سَئِمتُ حَياتي.
22 الأَمرُ واحِدٌ ولِذلك قُلتُ:
إِنَّه يُفْني الكامِلَ والشِّرِّيرَ على السَّواء.
23 مَتى تُنزِلُ الكارِثَةُ مَوتًا فُجائِيًا
يَسخَرُ مِن يأسِ الأَبرِياء.
24 إِن أُسلِمَتِ الأَرضُ إِلى يَدَيِ الشِّرِّير
حَجَبَ اللهُ وجوهَ قُضاتِها.
إِن لم يَكُنْ هو فمَن يَكون؟ (10).
25 أَيَّامي أَسرَعُ مِن عَدَّاء
قد فَرَّت ولم تصِبْ خَيرًا.
26 قد مَرًّت كسُفُنِ البَرْدِيّ
كالعُقابِ المُنقَضِّ على طَعامِه.
27 إِن قُلتُ: سأَنْسى شَكْوايَ
وأُطلِقُ وَجْهي وأَبتَسِم.
28 تَخَوَّفتُ مِن جَميعِ آلامي
لِعِلْمي بِأَنَّكَ لا تبَزُّئني (11).
29 إن كُنتُ مُستَذنبًا
فلِماذا أَتعَبُ عَبَثًا؟
30 لوِ اغتَسَلتُ بِالثَّلْجِ
ونَقَّيتُ كَفَّيَّ بِالحُرُض (12).
31 لَغَطَستَني في الهُوَّة
حتَّى تَعافَني ثِيابي.
32 إِنَّه لَيسَ بِإِنْسانٍ مِثْلي فارع فأُجاوِبَه
حَتَّى نَمثُلَ كِلانا أَمامَ القَضاء.
33 لو كانَ بَينَنا حَكَمٌ
يَجعَلُ يَدَه على كِلَينا
34 لرَفَعَ عَنِّي عَصاه
ولَما رَوَّعَني رُعبُه.
35 حينَئذٍ أَتَكلَمُ ولا أَخافُه
لأَنِّي لَستُ كذلكَ في نَظَري (13)
10 1 لقَد سَئِمَت نَفْسي حَياتي
أُطلِقُ شَكْوايَ
وأَتَكَلَّمُ بِمَرارةِ نَفْسي.
2 أَقولُ لله: لا تُؤثِّمْني
أَعلِمْني على أَيِّ شيء تُخاصِمُني.
3 أَيَحسُنُ لَدَيكَ أَن تَظلِمَني
أَن تَنبُذَ صُنعَ يَدَيكَ
وتُعينَ مَشورَةَ الأشْرار؟
4 أَلَكَ عَينانِ جَسَدِيَّتان؟
أَلَعَلَّكَ تَنظُرُ نَظَرَ البَشر؟
5 أَكأَيَّام إِنْسانً أَيَّامُكَ
أَمِ كأَعْوامِ رَجُلٍ أَعْوامُكَ (1).
6 حتى تَبحَثَ عن إثْمي
وتَفحَصَ عن خَطيئَتي؟
على عِلمِكَ بأَنِّي لَستُ مُذنِبًا
وأنَّه لا مُنقِذَ لي مِن يَدِكَ
يَداكَ جَبَلَتاني وصَوَّرَتاني بِجُملَتي
والآنَ تَبتَلِعُني!
9 أُذكُرْ أَنَّكَ قد صَوَّرتَني مِثلَ الطِّين
فإِلى التُّرابِ تُعيدُني.
أَلَم تَكُنْ قد صَبَبتَني كاللَّبَنِ الحَليب
وجَمَّدتَني كالجُبْنِ (2).
وكَسَوتَني جِلدًا ولَحمًا
وحَبَكتَني بِعِظامٍ وعَصَب
12 وحَياةً ونعمَةً آتيتَني
وحَفِظَت عِنايَتُكَ روحي؟
13 وقد كَتَمتَ هذه في قَلبِكَ (3)
وإِنِّي لأَعلَمُ أَنَّها في نَفسِكَ.
14 إِذا خَطِئت تُراقِبُني
ولا تُبَزُّئني مِن إِثْمي
15 إِذا أَذنَبتُ فالوَيلُ لي
وإِن بَرَرتُ فلا أَرفَع رَأسي
لِما جُرِّعته مِنَ العار
وللبُؤسِ الَّذي انتَشَيتُ منه.
16 وإِنِ ارتَفَعَ رَأسي (4) تَصْطادُني كاللَّيث
ثمَّ تَعودُ فتَصولُ علَيَّ.
17 تُجَدِّدُ هَجَماتِكَ في وَجْهي
وتُشَدِّدُ غَضَبَكَ عَليَّ
وجُيوشُكَ تَتَناوَبُ ضِدِّي (5).
16 لِمَ أَخرَجتَني مِنَ الجَوف؟
إِذَن لَكانَت تَفيضُ روحي ولا تَراني عَين.
19 ولَكُنتُ كأَنَي لم أكُنْ قطّ
فأُقادُ دمِنَ البَطنِ إِلى القَبْرِ.
20 أَلَيسَت أَيَّامِي إِلى حين؟
فلْيَكُفَّ وُيخفَفْ عنِّي فأَبْتَسِمَ قَليلاً.
21 قَبلَ أَن أَنصرِفَ انصِرافَ مَن لا يَأُوب
إِلى أَرضِ ظُلمَةٍ وظِلالِ مَوت.
22 أَرضِ ظَلامٍ كاللَّيل
وظِلالِ مَوتٍ وعَدَم نِظام
حَيثُ النُّورُ كالظَّلامَ (( (6).

حكمة الله تستدعي اعتراف ايّوب

11 1 فأَجابَ صوفَرُ النَّعْماتِيُّ وقال:
2 ((أَلعَلَّ كَثرَةَ الكَلام لا يُجابُ علَيها
أَم يَكونُ الحَقُّ لِلرَّجُلِ المُفَوَّه؟
3 أَلَعَلَّ صَلَفَكَ يُفحِمُ البَشَر
أَم تَتَهَكَّمُ وما من أَحَدٍ يُسَفِّهُكَ؟
4 تقول: تَعْليمي طاهِر
وأنا نَزيهٌ في عَينَيكَ.
5 ولكِن يا لَيتَ اللهَ يَتَكلَم
وَيفتَحُ شَفَتَيه لإِجابَتِكَ.
6 وُيخبرُكَ بِأَسْرارِ الحِكمَة
- الًّتي تحَيَرُ كُلَّ فِطنَة-
فتَعلَمَ أَنَّ اللهَ قد تَسامَحَ عن شيءٍ من إِثمِكَ.
7 أَلَعَلَّكَ تَسبِرُ غَورَ الله
أَم تَبلغٌ إِلى كَمالِ القَدير؟
8 هو عُلُوُّ السَّمَواتِ فماذا تَفعَل؟
وهو أَعمَقُ مِن مَثْوى الأَمْواتِ فماذا تَدْري؟
9 مَداه أَطوَلُ مِنَ الأَرْض
وأَعرَضُ مِنَ البَحْر.
10 إِن مَرَّ وسَجَنَ
وجَمَعَ قُضاتَه، فمَن يَرُدُّه؟
11 فإِنَّه يَعرِفُ أَصْحابَ الباطِل
وُيبصِرُ الإِثْمَ أَفلا يَفطَن؟
12 بِذلك يَتَعَقَّلُ الجاهِل
وكجحشِ الحِمارِ الوَحشيِّ يولَدُ الإِنسان.
13 وأَنتَ إِن ثبّتَّ قَلبَكَ
وبَسَطتَ إِلَيه كَفَّيكَ (1)
14 وأَبعَدتَ الإِثْمَ الَّذي في يَدِكَ
ولم يَحِلَّ الظُّلمُ في خَيمَتِكَ.
15 فحينَئِذٍ تَرفَعُ وجهًا لا عَيبَ فيه
وتَكونُ راسِخًا ولا تَفزَع.
16 وتَنْسى مَشَقَّتَكَ
أَو تَذكُرُها مِثلَ مِياهٍ قد عَبَرَت.
17 وتَكونُ مُدَّةُ حَياتِكَ أشرَقَ مِنَ الظَّهيرة
وظُلمَتُكَ مِثلَ الصَّباح
18 وتَطمَئِنُّ لِوُجودِ الرَّجاء
وبَعدَ الخِزْيِ تَضَّجِعُ في أَمان.
19 وتَستَقِرُّ ولا يُرَوِّعُكَ أَحَد
بل كَثيرونَ يَستَعطِفونَ وَجهَكَ.
20 أَمَّا عُيونُ الأَشْرارِ فتَكِلّ
وكُلُّ مَلجَإٍ لَهم يَبيد
ورَجاءُهم في فَيضِ أَرْواحِهم (( (2).

حكمة الله تتجلّى خاصة في الأضرار التي تُنزلها قدرته

12 1 فأَجابَ أَيُوبُ وقال:
2 إِنَّكم في الحَقيقةِ صَوتُ الشَّعْب (1)
وفي مَوتِكم تَموتُ الحِكمَة.
3 غَيرَ أَنَّ لي عَقلاً كما لَكم
لا أُقصِّرُ عنكم في شَيء
ومَنِ الَّذي يَفوته مِثلُ هذه؟
4 أصبَحتُ أُضْحوكَةً لأَصدِقائي
وأَنا أدْعو إِلى اللهِ فيَستَجيبُني.
إِنَّ البارَّ الكامِلَ لأُضْحوكة.
5 العُسرُ في رَأيِ المَيسورينَ إِهانة
فهي مُعدَّةٌ لِمَن زَلَّت قَدَمُه.
6 خِيامُ اللُّصوصِ في سَلام
والطُّمأنينةُ لِمُسخِطي الله
لِكُلِّ مَن يَقبِضُ على اللهِ في يَدِه (2).
7 ولَكِنِ اسأَلِ البَهائِمَ فتُعَلِّمَكَ
وطُيورَ السَّماءَ فتُخبِرَكَ.
8 خاطِبِ الأَرضَ فتُلَقِّنَكَ
وأَسْماكُ البَحرِ تُحَدِّثكَ.
9 فأَيّ مِنها جَميعًا لا يَعلَمُ
أَنَّ ذلك إِنَّما صَنَعَته يَدُ الرَّبّ.
10 الذي في يَدِه نَفْسُ كُلِّ حَيٍّ
وأَرْواحُ البَشَرِ أَجمعين؟ (3).
11 أَلَيسَتِ الأذُنُ تُمَيِّزُ الأَقْوال
كما يَذوقُ الحَنَكُ الطَّعام؟
12 وإِنَّما الحِكمَةُ عِندَ الأَشيَب
والفِطنَةُ في طولِ الأَيَّام.
13 اللهُ عِندَه الحِكمَةُ والجَبَروت
ولَه المَشورَةُ والفِطنَة (4).
14 ما هَدَمَه لا يُبنى
ومَن أَغلَقَ علَيه لا يُفتَحُ لَه.
15 يَحبِسُ المِياهَ فتَجِفّ
أَو يُطلِقُها فتُخَرِّبُ الأَرض
16 عِندَهُ العِزَّةُ والفِطنَة
ولَه الضّالُ ومَن يضِلُّه.
17 يَسوقُ المُشيرينَ مُجَرَّدين
ويَجعَلُ القُضاةَ مَجانين.
18 يَحُلُّ قَبضَةَ المُلوك
فيَربِطُ إِزارًا على أحْقائِهم (5)
19 يَسوقُ الكَهَنَةَ مُجَرَّدين
ويَقلِبُ الرَّاسِخين.
20 يَقطعُ أَلسِنَةَ الثِّقات
ويَسلبُ ذَوقَ الشُّيوخ.
21 يَصُبُّ العارَ على الكُرَماء
وُيرخي مَناطِقَ (6) الأَقوِياء.
22 يُجَلِّي مِنَ الظُّلمَةِ أَعْماقَها
وُيبرِز ظِلالَ المَوتِ إِلى النُّور.
23 يُنْمي الأُمَم ثُمَّ يُبيدُها
ويَفسَحُ لِلشعوبِ ثُمَّ يَمْحوها (7).
24 يَذهَبُ بِأَلْبابِ الَّذينَ يَسودونَ شَعبَ الأَرض
وُيفِلُّهم في تيهٍ لا طَريقَ فيه.
25 فيَتَلَمَّسونَ في الظّلمَةِ ولَيسَ نور
ويُرَنِّحُهم تَرَنُّحَ السَّكْران.
13 1 ذلك كُلُّه قد رَأَته عَيني
وسَمِعَته أُذُني وفطِنَت لَه.
2 وما تَعلَمونَ فإِنِّي أَنا أَيضا أَعلَمُه
لا أُقَصِّرُ عنكُم في شيَء.
3 لكِنِّي إِنَّما أُخاطِبُ القَدير
وأَوَدُّ أَن أُجادِلَ الله.
4 أَمَّا أَنتُم فإِنَّما تَطْلونَ بِالكَذِب
وطِبُّكم لا قيمةَ لَه.
5 مَن لي بِأَن تَسكُتوا
فيَكونَ لَكم في ذلِك حِكمَة.
6 إِسمَعوا حُجَجي
وأَصْغوا إِلى دَعاوى شَفَتَيَّ (1).
7 أَلإرضاءِ اللهِ تَتَكلَّمونَ بِالظُّلْمِ
أَمَ لأَجْلِه تَنطِقونَ بالخِداع؟
8 أَلَعَلَّكم تُحابونَه
أَم عنِ اللهِ تُخاصِمون؟
9 أَيَحسُنُ أَن يَفحَصَكم
أَم أَنتُم تَخدَعونَه كما يُخدَعُ الإِنْسان؟
10 بل لِيُوَبِّخنَّكم
على مُحاباتِكُمُ الخَفِيَّة.
11 أَلا يُرعِبُكم جَلالُه
ويَقَعُ علَيكم ذُعرُه؟
12 إِنَّ ما تَذكُرونَه أَمْثالٌ مِن رَماد
وحُصونُكم حُصونٌ مِن طين.
13 أُسكُتوا عَني فأَتَكلَّم
مَهْما أَصابَني.
14 لِمَ آخُذُ لَحْمي بِأَسْناني
وأَجعَلُ نَفْسي في كَفِّي؟ (2).
15 إِنَّه ولَو قَتَلَني أَبْقى بِلا أَمَل
لَكِنِّي أَحتَجُّ عن طُرُقي أَمامَه (3).
16 وذلك يَكون خَلاصي
لأَنَّ الكافِرَ لا يَقومُ أَمامَه.
17 فاسمَعوا كَلامي
وما أُبَيِّنُه على مَسامِعِكم
18 فإنَي قد أَعدَدتُ الدَّعْوى (4)
وأًنا عالِمٌ بِأنَي سأَكونُ بارًّا
19 مَنِ الَّذي يُحاجِجُني؟ (5)
فإِنَي لا ألبَثُ أن أسكُتَ وتَفيضَ روحي.
20 أمرَينَ لا تَفْعَلْ بي (6)
فحينَئذٍ لا أتَوارى عن وَجهِك.
21 أبعِدْ عنِّي يَدَكَ
ولا يُرَوَعْني رُعبُكَ.
22 أُدعُ فأُجيب
أَو فَلأخاطِبْكَ أَنا فتُجاوِبني.
23 ما الَّذي لي مِنَ الآثامِ والخَطايا؟
أَعِلمنْي معصِيَتي وخَطيئَتي.
24 لِمَ تُواري وَجهَكَ (7)
وتَعُدُّني عَدُوًّا لَكَ؟
25 أَتُرَوِّغ وَرَقَةَ مَنْثورة
وتُطارِدُ قَشَّةً يابِسة؟
26 فإِنّكَ تَكتُبُ علَيَّ أُمورًا مَريرة
وتُلحِقُ بي آثامَ صِبائي.
27 وتَجعَلُ رِجلَيَّ في مِقطَرَة (8)
وتُراقِبُ جَميعَ طُرُقي
وتَخُطُّ حَولَ باطِنِ قدَمَيَّ.
28 وهذا الرَّجُلُ (9) يَبْلى كشَيءٍ مسَوِّس
وكَثَوبٍ قد أَكَلَه العُثّ.
14 1 الإِنْسانُ (1) مَولودُ المرأَة
قَليلُ الأَيَّامِ كَثيرُ الشَّقاء.
2 كَزهر ينبُتُ ثُمَّ يَذْويَ
كظِل يَبرَح ولا يقف.
3 إنَّكَ على مِثلَ هذا فَتَحتَ عَينَيكَ
وإِيايَ قُدتَ لِلتَّحاكُمِ مَعَكَ.
4 مَن يأتي بطاهِرٍ لأن نجس؟
لا أَحد! (2).
فإِذا كانَت أَيَّامه مَحْدودة
وعَدَدُ شُهورِه مُعيَّنًا عِندَكَ
وقَد قَضيتَ لَه أَجَلاً لا يَتَعَدَّاه.
فأصرِفْ طَرفَكَ عنه لِيَستريح
إِلى أَن يَفِيَ نَهارَه كالأَجير.
الشَّجَرَةُ لها رَجاء
فإِنَّها إِذا قُطِعَت تُخلِفُ أَيضا
وفِراخُها لا تَزول.
8 وإِذا تَعَتَّقَ في الأَرضِ أَصلُها
وماتَ في التُّرابِ جَذُرها.
9 فمِنِ استِرْواحِ الماءِ تُفَرِّخ
وتُنبِتُ فُروعًا كالغَريسة.
10 أَمَّا الرَّجُلُ فإِذا ماتَ بَقِيَ بِلا حِراك
وابنُ آدَمَ متى فاضَت روحُه فأَينَ يوجَد؟
11 البَحرُ تَنفدُ مِياهُه
والنَّهرُ يَنضُبُ وَيجِفّ.
12 والإِنسانُ يَضَّجِعُ فلا يَقوم
إِلى أَن تَزولَ السَّمَوات.
لا يَستَيقِظونَ ولا يَنبَعِثونَ مِن مَنامِهم (3).
13 مَن لي بِأَن تُخفِيَني
وتُوارَيني في مَثْوى الأَمْوات
حتَّى يَجْتازَ غَضَبُكَ (4)
وأَن تَضرِبَ لي أَجَلاً ثُمَّ تَتَذَكَّرَني
. 14 إِذا ماتَ الرَّجُلُ أَفَيَحْيا؟
إِذَن لانتَظَرتُ كُلَّ أَيَّام تَجَنُّدي
حتَّى يَحينَ ابتِدالي.
15 فإِنَّكَ تَدْعوني فأُجيبُكَ
وتَتوقُ إِلى صُنع يَدَيكَ.
16 أَمَّا الآنَ فإِنَّكَ تحْصى خَطَواتي
ولا تَرصُدُ خطايايَ.
17 تَختِمُ على مَعصِيَتي في صُرَّةٍ
وتَستُرُ إِثْمي.
18 الجَبَلُ يَسقُطُ وَينْهار
والصَّخرُ يَتَزَحزَحُ عن مَكانِه.
19 والحِجارَةُ تَبْريها المِياه
وتَجرُفُ سُيولُها تُرابَ الأَرْض
وأَنْتَ تُفْني رَجاءَ الإِنْسان.
20 ترهِقُه على الدَّوامِ فيَمْضي
تُشَوِّهُ وَجهَه ثُمَّ تصَرِفه.
21 أَيُكرَمُ بَنوه؟ لا يَعلَم
أَم يُهانونَ؟ لا يَدْري.
22 عَلَيه وَحدَه يَتَوجَّعُ جَسَدُه
وعلَيه وَحدَه تَنوح روحُه (( (5).

02 الحلقة الثانية من الخطب

أيوب يحكم على نفسه بكلامه

15 1 فأَجابَ أَليفازُ التَّمانِيُّ وقال: 2 ((أَلَعَلَّ الحَكيمَ يُجيبُ عن عِلمٍ باطِل ويمْلأُ جَوفَه ريحًا شَرقِيَّة.
3 فيُحاجُّ بِكلام لا يُفيد
وبأَقْوالٍ لا قيمَةَ لَها؟
4 بل أنتَ تَهدِمُ التَّقْوى
وتنقُضُ عِبادَةَ الله
5 وإِثمُكَ يُعَلِّمُ فَمَكَ
وأنتَ تُؤثر لِسانَ الماكِرين.
6 إِنَّ فَمَكَ هو يُؤثِّمُكَ، لا أَنا
وشَفَتَيكَ تَشْهدانِ علَيكَ (1)
7 أَلَعَلَّكَ وُلدتَ أَوَّلَ البَشَر
أَم أُبدعتَ قَبلَ التِّلال؟
8 أَلَعَلَّكَ أصغَيتَ في مَجلِسِ الله
أَم قدِ احتَكَرتَ الحِكمَة؟
9 ما الَّذي تَعلَمُه أَنتَ ولا نَعلَمُه
أَم ماذا فَهِمتَ وخَفِيَ علَينا؟
10 فرُبَّ أَشيَبَ عِندَنا وشَيخٍ
أَكبَرَ سِنًّا مِن أَبيكَ.
11 أَيَسيرةً لَدَيكَ تَعزِياتُ الله
ومُلايَنَتُه لَكَ بِالكَلام؟
12 عَلامَ يَستَهْويكَ قَلبُكَ
وإِلامَ يَغمِزُ طَرفُكَ
13 حتَّى تُوَجِّهَ على اللهِ غَيظَكَ (2)
ويَنفثَ فَمُكَ أقْوالاً؟
14 ما الإِنْسانُ حتَّى يَطهُر (3)
أَو مَولودُ المرأَةِ حتَّى تكونَ بارًّا؟
15 ها إِنَّ قِدِّيسيه لا يَأتمِنُهم
والسَّمَواتِ غَيرُ طاهِرَة في عَينَيه.
16 فكَم بالأَحْرى القَبيحُ الفاسِد
الإِنْسانُ الَّذي يَشرَبُ الإثْمَ كالماء.
17 إِنِّي أُبَيِّنُ لَكَ فاِسمَعْ لي
وبِما رأيتُ أُحَدثكَ.
18 وبِما أَخبَرَ به الحُكَماءُ عن آبائِهم
ولم يَكْتُموه.
19 الَّذينَ أُعطوا الأَرضَ وَحدَهم
ولم يَدخُلْ بَينَهم غَريب.
20 الشَرِّيرُ يَتَمَلمَلُ كُلَّ الأَيَّام
وسِنونَ مَعْدودةٌ ادُّخِرَت لِلجائِر.
21 صَوتُ الأَهْوالِ في أُذُنَيه
وفي السَّلامِ يُفاجئُه المُجْتاح.
22 لا يَأمَنُ أَن يَخرُجَ مِنَ الظُّلمَة
لأنَّ السَّيفَ يَتَرَصَّدُه.
23 يُعَدُّ قوتًا لِلنُّسورِ
ولَعلَمُ أَنّه مُهيَّأٌ لِلهَلاك (4).
24 يَومُ الظَّلامِ يُفزِعُه والشِّدّةُ والضًّيقُ يُداهِمانِه
كَمَلِكٍ مُعتَدِّ لِلنِّزال.
25 لأَنَّه مَدَّ على اللهِ يَدَه
وتَجَبَّرَ على القَدير
26 وأَغارَ علَيه بِعُنُق سامِدة (5)
تَحتَ أَظهُرِ تُروسِه الغَليظَة.
27 وقد كَسا السِّمَنُ وَجهَه
وغَشَّى الشَّحمُ كُليَتَيه.
28 فاستَوطَنَ مُدُنًا خَرِبَة
بُيوتًا لا مُقيمَ فرثا
عن قَليلٍ ستَكونُ رجُمًا.
29 لن يَغتَنِيَ ولن تَثبُتَ ثَروَتُه
ولن تَنتَشِرَ في الأَرضِ أَموْالُهم (6).
30 لن يُفلِتَ مِنَ الظُّلمَة
واللَّهيبُ يُجَفِّفُ أَغْصانَه
وبِنَفخَةِ فَمِ اللهِ يَزول.
31 لا يَعتَمِدَنَّ على الوَهْمِ وهو المُنخَدِع
وَيكونُ الوَهمُ أُجرَتَه.
32 قَبلَ الأَوانِ يَذْوي
وأَغْصانُه لا تَخضَرّ.
33 يُساقِطُ كالكَرمَةِ حِصرِمَه
وَينقُضُ كالزَّيتونَةِ زَهَرَه.
34 لأَنَّ جَماعَةَ الكافِرِ عَقيمة
وخِيامَ الرَّشوَةِ تَأكُلُها النَّار.
35 من حَبِلَ بِالمشَقَّةِ وَلَدَ الإِثم
وأَحْشاؤُه تُدَبِّرُ المَكيدَة)).
من ظلم البشر الى عدالة الله
16 1 فأَجابَ أَيُوبُ وقال:
2 ((كَثيرًا لما سَمِعت مِثلَ هذا
إِنَّما أَنتُم بِأَجمَعِكم مُعَزُّونَ مُتعِبون:
3 تَقولون: مَتى يَنتَهي كَلامُكَ الفارغ
وما الَّذي يُغْريكَ بِالمُجاوَبَة؟
4 أَنا أَيضا أُخاطِبُكم كما تُخاطِبوَنني
لَو كانت أَنفُسُكم في مَوضِعِ نَفْسي.
ولَلَفَّقتُ لَكم أَقْوالاً
وهَزَزتُ عَلَيكِم رَأسي (1)
5 ولَشَجَّعتُكم بفمي
ورَفَقَت بكمَ تَعزِيَةُ شَفَتَيَّ.
6 إِذا تَكلَمَتُ لم يَسكُنْ وَجَعي
أَو صَمَتّ فهَل يَبرَحُني؟ (2)
7 لقَد أَجهَدَني الآن
فإِنَّكَ رَوَّعتَ جماعَتي كُلَّها.
8 حَفَرتَ لي غُضونًا تَشهَدُ علَيَّ
هُزالي يَقومُ علَيَّ وَيشهَدُ في وَجْهي (3)
9 مَزَّقَني غَضَبُه وهاجَمَني
صَرَفَ عَلَيَّ بِأَسْنانِه
وعَدُوِّي حَدَّدَ عَينَيه علَيَّ.
10 فَغَروا علَيَّ أَفْواهَهم
ولَطَموا خَدِّي تَعْييرًا
وتَجَمَّعوا علَيَّ جُملَةً.
11 أَسلَمَني اللهُ إِلى الظَّالِم
وبَينَ أَيدي الأَشْرارِ أَلْقاني.
12 كُنتُ في هُدوءٍ فهَشَّمَني
أَخَذَ بِقَفايَ فحَطَّمَني
ونَصَبَني هَدَفًا لَه.
13 تَكتَنِفُني سِهامُه
يَشقُّ بِها كُليَتَيَّ ولا يُشفِق
ويُريقُ مَرارتي على الأَرْض.
14 يَفتَحُ فِيَّ ثُغرَةً على ثُغرَة
وَيهجُمُ علَيَّ هُجومَ الجَبَّار.
15 لقَد لَفَّقتُ على جِلْدي مِسْحًا
ومَرَّغتُ في التّرابِ جَبْهَتي.
16 إِحمَرَّ وَجْهي مِنَ البُكاء
وغَشِيَ جَفنيَّ ظِلالُ المَوت.
17 على أنَّ يَدَيَّ لا عُنفَ فيهِما
وصَلاتي طاهِرَة.
18 أَيَّتُها الأَرضُ لا تَستُري دَمي (4)
ولا يَكُنْ لِصُراخي قَرار.
19 لِي مُنذُ الآنَ شاهِدٌ في السَّماء
ومُحام عَنِّي في الأَعالي.
20 إِنَّ السًّاخِرينَ مِنِّي هم أَصدِقائي
ولكِن إِلى اللهِ تَفيضُ عَينايَ.
21 فليُدافِعُ هو عن رَجُل في صِراعٍ مع الله
كما يُدافِعُ ابنُ بَشَرٍ عن صَديقِه.
22 فإنَّ سَنَواتي المَعْدودَةَ تَمْضي
فأًركبُ طَريقًا لا أَعودُ مِنه (5)
17 1 قدِ اضمَحَلَّت روحي وانطَفأَت أَيَّامي
وإِنَّما لِيَ المَقابِر.
2 إِنَّما الهازِئونَ حَولي
على عَداوَتهم تَسهَرُ عَيني.
3 إِجعَلْ كَفالَتي لَدَيكَ
فمَنِ الَّذي يَصفُقُ على يَدي؟ (1).
4 فإِنَّكَ قد حَجَبتَ قُلوبَهم عنَ الفِطنَة لِذلك لا تَرفَعُهم.
5 مَن دَعا الأَصدِقاءَ إِلى التَّقْسيم
تُصابُ أَعيُنُ بَنيه بِالكَلال.
6 نَصَبوني لِلشّعوبِ مَثَلاً
وكُنتُ مَن بَصَقوا في وَجهِه.
7 كَلَّت عَيني مِنَ الكآبَة
وصارَت أَعْضائي كلُُّها ظِلاًّ.
8 حينَئذٍ يَدهَشُ المُستَقيمون (2)
وَيقومُ الطَّاهِرُ على الكافِر.
9 وَيلزَمُ البارّ طَريقَه
ويَزْدادُ النَّقِيُّ اليَدَينِ قُوَّةً.
10 أَمَّا أَنتُم فارجعوا وتَعالَوا بِأَجمَعِكم
فَلا أَجِدُ فيكَم حَكيمًا.
11 أَيَّامي قَدِ انقَضَت ومَقاصِدي تَقَطَّعَت
وهي آمالُ قَلْبي.
12 يَدَّعونَ أَنَّ اللَّيلَ نَهار
وأَنَّ النُّورَ قَريبٌ وأَنا أَمامَ الظَّلام.
13 ما رَجائي؟ إِنَّما مَثْوى الأَمواتِ بَيتي
وفي الظَّلام بَسَطتُ مَضْجَعي.
14 قُلتُ لِلفَسادَ: أَنتَ أَبي
وللدِّيدانِ: أَنتِ أُمِّي وأُخْتي.
15 إِذَنْ أَينَ رَجائي؟
رَجائي مَن يَراه؟
16 معي تَنزِلُ إِلى مَثْوى الأَمْوات
أَلا نَنزِلُ مَعًا إِلى التُّراب؟ ))

لا قدرة للغضب على نظام العدل

18 1 فأَجابَ بِلدَدُ الشُّوحِيُّ وقال:
2 ((إِلامَ تَجعَلانِ حَدًّا لِلكَلام؟
تآَمَّلا وبَعدَ ذلك نَتَكَلَّم (1).
3 ما بالُنا نُحسَبُ كالبَهائِم
ونُستَقذَرُ في أَعيُنِكما؟
4 يا مَن يُمَزِّقُ نَفْسَه في غَيظِه
أَفتُهجَرُ الأَرضُ مِن أَجلِكَ
أَم يُزَحزَحُ الصَّخرُ مِن مَكانِه؟
5 إِنَّ نورَ الشِّرِّيرِ يَنطَفِئ
ولَهيبَ نارِه لا يُضيء.
6 يُظلِمُ النُّورُ في خَيمَتِه
ويَنطَفِئُ مِصْباحُه علَيه.
7 تَضيقُ خَطَواتُ قُوَّتِه
وتُعَثِّرُه تَدابيرُه
8 لأَنَّ رِجلَيه تُساقُ إِلى الشِّباك
فيَخْطو على عُيونها (2).
9 يأخُذُ الفَخَّ بِعَقِبِه
ويَشُدُّ علَيه الشَّرَك
10 فإِنَّ حَبلاً مَطْمورٌ لَه في الأَرْض
والمِصيَدَةَ على طَريقِه.
11 ترَوِّعُه الأَهْوالُ مِن كُلِّ جانِب
وتَتَعَقَّبُ خُطاه.
12 قُوَّتُه جائِعة
والمُصيبَةُ قائِمَةٌ بِجانِبِه.
13 تأكُلُ أَعْضاءَ جَسَدِه
ويأكُلُ بِكْرُ المَوتِ (3) أَعْضاءَه.
14 يُنزَعُ مِن أَمانِ خَيمَتِه
ويُساقُ إِلى مَلِكِ الأَهْوال (4).
15 يُقامُ في خَيمَتِه الَّتي لم تَعُدْ لَه
ولُمطَرُ مِلكُه كِبْريتًا (5).
16 تَجِفُّ أُصولُه مِن أَسفَل
وتُقطعُ فُروعُه مِن فَوقُ.
17 يَزولُ ذكرُه مِنَ الأَرْض
ولا يَكَونُ لَه اسمٌ في البِلاد.
18 يُدحَرُ مِنَ النُّورِ إِلى الظَّلام
ويُنْفى مِنَ المَسْكونَة
19 ولا تَكون لَه ذُرِّيَّةٌ ولا خَلَفٌ بَينَ قَومِه
ولا يَبْقى في مَنازِله باقٍ
20 فتَندَهِشُ مِن يَومه المَغارِب
وتَقشَعِرُّ مِنه المَشارِق.
21 هكَذا تَكونُ مَساكِنُ الشِّرِّير
وهذا مُقامُ مَن لا يَعرِفُ الله )).

انتصار الايمان في الخِذْلان من قِبَل الله والبشر

19 1 فأَجابَ أَيُوبُ وقال:
2 ((إِلى متىِ تُعَذِّبونَ نَفْسي
وتَسحَقونني بِأَقْوالِكم؟
3 هذه عَشْرُ مَرَّاتٍ عَيَّرتُموني فيها
ولا تَخجَلونَ أَن تُعَنِّفوني.
4 وهَبوني في الواقِعِ قد ضلَلتُ
فضَلالي يَعْنيني وَحْدي (1)
5 وأَنتُم إِذا كُنتُم في الواقِعِ تَستَكِبرونَ علَيَّ
وتُوَبخونَني بِعاري
6 فاعلَموا أَنَّ اللهَ هو الَّذي آذاني
ولَفَّ عَليَّ شَبَكَتَه.
7 ها إِنِّي أَصرُخُ على العُنْفِ
فلا أُجابُ وأَستَغيثُ ولَيسَ مِن قضاء.
8 قد سدَّ عَلَيَّ الطَّريقَ فلا أَجوز
وغَطَّى سُبُلي بِالظُّلُمات.
9 عَرَّاني مِن مَجْدي
وَنزَعَ إِكْليلَ رأْسي.
10 هَدَّمَني مِن كُلِّ جهَةٍ فرَحَلتُ
واستَأصَلَ رَجائي استِئصالَ الشَّجَرَة
11 واضطَرَمَ علَيَّ غَضَبُه
وعَدَّني مِن أَعْدائِه
12 زَحَفَ غُزاتُه زَحفَةً واحِدَة
شَقُّوا علَيَّ طَريقَهم وخَيَّموا حَولَ خَيمَتي.
13 أَبعَدَ إِخْواني عنِّي
فاعتَزَلَتْني مَعارِفي.
14 خَذَلَني ذَوو قَرابَتي
والَّذينَ أَلِفتُهم قد نَسوني.
15 حَسِبَني نُزَلاءُ بَيتي وإِمائي غَريبًا
وأَصبَحتُ أَجنَبِيًّا في أَعيُنِهم.
16 دَعَوتُ عَبْدي فلَم يُجِبْ
وبِفَمي تَضَرَّعتُ إِلَيه.
17 قد صارَ نَفَسي خَبيثًا عِندَ امرَأَتي
وأَمسَيتُ مُنتِنًا لأَبْناءِ أَحْشائي (2).
18 حتَّى الصِّبْيانُ ازدَرَوني
أَقومُ فيتَكَلَّمونَ عَليَّ.
19 قد مَقَتَني أُمَناءُ سِرِّي
والَّذينَ أَحبَبتُهمُ انقَلَبوا علَيَّ.
20 لَصِقَت عِظامي بِلَحْمى
ونَجَوتُ بِجِلدِ أَسْناني.
21 إِرحَموني ارحَموني أَنتُم يا أَصدِقائي
فإِنَّ يَدَ اللهِ قد مَسَّتْني.
22 لِمَ تُطارِدونَني مِثلَ الله
ولا تَشبَعونَ مِن لَحْمي؟
23 مَن لي بِأَن تُكتَبَ أقوالي
ومَن لي بِأَن تُحفَرَ في سِفْرٍ .
24 بإِزْميلٍ مِن حَديدٍ وبِالرَّصاص
أَن تنقَشَ في الصَّخرِ لِلأَبَد؟
25 فادِيَّ (3) حَيٌّ
وسيقوم (4) الأَخيرَ على التُّراب.
26 وبَعدَ أَن يَكونَ جِلْدي قد تَمَزَّق
أُعايِنُ اللهَ في جَسَدي.
27 أُعايِنُه أَنا بِنَفْسي
وعَينايَ تَرَيانِه لا غَيري
قد فَنِيَت كُلْيَتايَ في داخِلي.
28 إِن قُلتُم: كَيفَ نُطارِدُه
لِنَجدَ علَيه أَصلاً لِدَعْوى؟
ولكِن خافوا لأَنفُسِكم مِنَ السَّيْف
فإِنَّ الغَيظَ يَستَوجِبُ السَّيف
فتَعلَمونَ أَن هُناكَ قَضاءً)).

نظام العدل لا يقبل الاستثناء

20 1 فأَجابَ صوفَرُ النَّعماتِيُّ وقال:
2 ((لِذلكَ تَعودُ لي خَواطِري
وبِسَبَبِها ما بي مِنَ الاضطِراب.
3 لقَد سَمِعتُ تأديبًا يُهينُني
فلَقَّنَتني روحُ فِطنَتي جَوابًا.
4 أَلم تَعلَمْ هذا أَنَّ مُنذُ الدَّهرِ
مُنذُ أَن جُعِلَ البَشَرُ على الأَرْض
5 طَرَبَ الأَشْرارِ قَريبُ الزَّوال
وفَرَحَ الكافِرِ لَمحَةُ بَصَر؟
6 فإِنَّه ولوِ ارتَفَعَت قامَتُه إِلى السَّماء
ونَطَحَت هامَتُه الغُيوم (1)
7 يَهلِك لِلأَبَدِ كبِرازِه
فيَقولُ الَّذينَ يَرَونَه: أَينَ هو؟
8 يَطيرُ كالحُلْمِ فلا يوجَد
ويَضمَحِلُّ كرُؤيا اللَّيل.
9 والعَينُ الَّتي لَمَحَته لا تَعودُ تَلمَحُه
ولا يَراهُ مَكانُه مِن بَعد.
10 بَنوه يوفونَ المَساكينَ حَقَّهم
وَيداه تَرُدَّانِ ما سَلَبَه.
11 عِظامُه مَليئةٌ بِعُنفُوانِ شَبابِه
ومَعَه تَضَّجعُ في التُّراب.
12 إِذا حَلا الشَّرُّ بِفَمِه
وخَبَّأَه تَحتَ لِسانِه.
13 وادَّخَرَه ولم يُلقِه
بل حَبَسَه في داخِلَ حَنَكِه.
14 فإِنَّ طَعامَه هذا يَتَحَوَّلُ في أَمْعائِه
إِلى سُمِّ صِلٍّ في جَوفي.
15 أَلأَمْوالُ الَّتي ابتَلَعَها يَقيئُها
فاللهُ يَستَخرِجُها مِن جَوفِه.
16 رَضَعَ سُمَّ الأَصْلال
فقَتَلَه لِسانُ الأَفْعى.
17 لن يَرَى سَواقيَ الزَّيت (2)
وأَنْهارًا وسُيولاً مِن عَسَلٍ ولَبَنٍ حَليب.
18 يَرُدُّ كَسبَه ولا يَلتَهِمُه
ومِن كَسْبِ تِجارَته لا يَتَمَتَّع
19 لأَنَّه سَحَقَ المَساكينَ وخَذَلَهم
وسَرَقَ بَيتًا ولم يَبنِه.
20 وإِذا لم يَعرِفِ القَناعَةَ في جَوفِه
فإِنَّه لا يَنْجو بِنَفائِسِه.
22 لم يُبقِ نَهَمُه على شَيءٍ
لِذلِكَ نُعْماه لا تَثبُت.
22 في إِبَّانِ السَّعَةِ تُصيبُه الشِّدَّة
وتَقعُ علَيه يَدُ كُلِّ بَلِيَّة.
23 حين يَملأُ بَطنَه
يُرسِلُ اللهُ علَيه نارَ غَضَبه
وُيمطِرُها علَيه طَعامًا (3).
24 إِن فَرَّ مِن سِلاحِ الحَديد
تَختَرِقه قَوسُ النّحاس.
25 يَنزِعُ السَّهمَ فيَخرُجُ مِن ظَهرِه
وإِذا خَرَجَ النَّصلُ البارِقُ مِن كَبِدِه
غَشِيَته الأَهْوال.
26 كُلُّ ظَلامٍ مُدَّخَرٌ لَه في مَخابئِه (4)
وتَأكُلُه نارٌ لم يُنفَعْ فرثا (5)
وتُتلِفُ ما بَقِيَ في خَيمَتِه.
27 تَكشِفُ السَّمَواتُ عن إِثمِه
والأَرضُ تَقومُ علَيه.
28 تُسلَبُ غِلالُ بَيتِه
وتَجْري كالمِياهِ في يَومِ الغَضب.
29 ذلكَ نَصيبُ الرَّجُلِ الشِّرِّير
ميراثُه مِن عِندِ اللهِ بِأَمرِه تَعالى)).
تكذيب الوقائع
21 1 فأَجابَ أَيُّوبُ وقال:
2 ((إِسمَعوا قَولي سَماعًا
ولتكُنْ لي مِنكُم هذه التَّعزِيَة.
3 إِصبِروا علَيَّ فأَتَكَلَّم
وبَعدَ كَلامي تَسخَرون.
4 أَلعَلَّ شَكْوايَ مِن إِنْسان؟
وإِلاَّ فلِماذا لا أَكونُ قَصيرَ البال؟
5 إلتَفِتوا إِلَيَّ واندَهِشوا
واجعَلوا أَيدِيَكم على أَفْواهِكم (1).
6 فإنِّي كلَما تَذَكَّرتُ ارتَعتُ
وأَخَذَ جِسمِيَ الارتعاش.
7 لِماذا يَحْيا الأَشرارُ
ويَشيخونَ ويَعظمُ اقتِدارُهم؟
8 ذُرِّيَّتُهم قائِمةٌ أَمامَهم على أَيَّامِهم
وخَلَفُهم لَدى أَعيُنِهم.
9 بُيوتُهم آمِنَةٌ مِنَ الخَوف
وعَصا اللهِ لا تَعْلوهم.
10 ثَورُهم يُلقِحُ ولا يُخطِى
وبَقَرَتهمِ تَلِدُ ولا تُسقِط.
11 يُسَرِّحون صِبْيانَهم كالغَنَم
وأَطْفالُهم يَرقُصون.
12 يُنشِدونَ بِالدُّفِّ والكِنَّارة
ويَطرَبونَ بصوتِ المِزْمار.
12 يَقطَعونَ أَيًّامَهم في السَّعادة
ثُمَّ في لَحظَةٍ يَهبِطونَ (2) إِلى مَثْوى الأَمْوات.
14 مع أَنَّهم يَقولونَ لله (3): اِبتَعِدْ عَنَّا
فإنَّ مَعرِفةَ طُرُقِكَ لا نَبتَغيها.
15 مَنِ القَديرُ حتَّىِ نَعبُدَه
وما فائِدَتُنا أَن نتَوَسَّلَ إِلَيه؟
16 أَلَيسَت سَعادَتُهم في أَيديهم؟
يَقولون: بُعدًا عَنَّا لِمكَايِدِ الأَشْرار!
17 أيَنطَفِئُ غالِبًا مِصْباحُ الأَشْرار
وتَحِلُّ المُصيبَةُ علَيهم
ويَقسِمُ اللهُ غَضَبَه لِكُلٍّ نَصيبًا؟
18 فيُمْسونَ كالتِّبنَ في وَجهِ الرِّيح
وكالعُصافَةِ الَّتي تَذهَبُ بِها الزَّوبَعة.
19 أَيَدَّخِرُ اللهُ عِقابَ الشِّرِّيرِ لِبَنيه؟ (4)
بل فليكافِئْه فَيَعلَم.
20 ولْتَرَ عَيناه دَمارَه (5)
ولْيَشرَبْ مِن غَضَبِ القَدير.
21 لأَنَّه ما بُغيَتُه في بَيته مِن بَعدِه
وقد قُطِعَ عَدَدُ شُهورِه؟
22 أَفاللهُ يُلَقَّنُ عِلمًا
وهو الَّذي يَدين أَهلَ العَلاء؟
23 هذا يَموتُ في عِزِّ قُوَّتِه
وقَد غَمَرَته السَّعادَةُ والطّمَأنينة (6)
24 والسِّمَنُ يَكْسو جَنبَيه
وعِظامُه مَليئَةٌ بِالنُّخاع.
25 وذاكَ يَموتُ في مَرارَةِ نَفسِه
ولم يَذُقْ هناءً.
وكِلاهُما يَضَّجِعانِ في التُّراب
فيَكْسوهما الدُّود.
إِنِّي لأَعلَمُ أَفْكارَكم
وبما تَنسِبونَه إِلَىَّ ظُلمًا.
فإِّنكم تَقولون: أينَ دارُ المُغتَصِب
وأَينَ خَيمَة مَساكِنِ الأَشْرار؟
هَلاَّ سأَلتُم عابِري الطَّريق
حتَّى لا تُنكِروا إِشاراتِهم؟
في يَوم المُصيبَةِ يُبقى على الشِّرِّير
وفي يَومَِ الغَضَبِ يوضَعُ في أَمان.
31 فمَنِ الَّذي يُبَيِّنُ لَه طَرِيقَه
ومن يُكافِئُه على ما صَنع؟
32 يُساقُ إِلى المَقابِر
وعلى قَبرِه يُسهَر.
33 يَطيبُ لَه مَدَرُ الوادي
ووراءَه يَسيرُ كُلُّ النَّاس
وأَمامَه جُمْهورٌ لا يُحْصى.
34 فما بالُكم تُعَزُّونَني عَبَثًا
وما بَقِيَت أَجوِبَتُكم إِلاَّ خِداعًا؟ ))

03 الحلقة الثالثة من الخُطَب

لا يُعاقب الله إِلاَّ باسم العدل

22 1 فأَجابَ أَليفازُ التَّيمانِيُّ وقال:
2 ((أَلَعَلَّ الرَّجُلَ يَنفَعُ الله
إِذ إِنَّ الحَكيمَ لا يَنفَعُ إِلاَّ نَفْسَه؟
3 هَل مِن بُغيَةٍ لِلقَديرِ أَن تَكونَ بارًّا
ومِن كَسْبٍ لَه أَن تَكونَ كامِلَ الطُّرُق؟
4 أَمِن أَجلِ تَقْواكَ يُحاجُّكَ
أَو يُرافِقُكَ إِلى القضاء؟
5 أَلَيسَ شَرُّكَ جَسيمًا
وآثامُكَ لا حَدَّ لَها؟
6 فإِنَّكَ ارتَهَنتَ مِن أَخيكَ بِغَيرِ حَقّ
وسَلَبتَ العُراةَ ثِيابَهم
7 ولم تَسْقِ المُنهَكَ ماءً
ومَنَعتَ الخُبزَ عنِ الجائع
8 فأَصبَحَتِ الأَرضُ لِذي الذِّراع
ومَرْفوعُ الجاهِ أَقامَ فيها.
9 صَرَفتَ الأَرامِلَ فارِغات
وأَذرُعُ اليَتامى حُطِّمَت (1).
10 لِذلِك تُحيط بِكَ الفِخاخ
ويُرَوِّعُكَ رُعبٌ مُفاجِئ
11 أَو ظُلمَةٌ لا تُبصِرُ فيها
أَو غَمرُ ماءً يَعْلوكَ.
12 أَلَيسَ اللهُ في أَعْلى السَّموات؟
فانظُرْ ذُروَةَ الكَواكِبِ ما أَعْلاها.
13 وقد قُلتَ: ماذا يَعلَمُ الله؟ (2)
أَمِن وَراءَ الغَيمِ المُظلِمِ يَدين؟
14 الغُيومُ سِترٌ لَه فلا يَرى
وعلى قبّةِ السَّمواتِ يَتَمَشَّى.
15 ألَعَلَّكَ تَلزَمُ سَبيل القِدَمِ
الَّذي وَطِئَه أَصْحابُ الإِثْم
16 الَّذينَ قُرِضوا قَبلَ أَوانِهم
واندَفَقَ السَّيلُ على أَساسِهم
17 القائِلينَ لله: ابتَعِدْ عَنَّا.
وماذا يَصنَع بِنا (3) القَدير
18 وهو قد مَلأَ بُيوتَهم طَيِّبات؟
- فبُعدًا عنِّي لِمَكايِدِ الأَشْرار-
19 يَرى الأَبْرارُ فَيَفرَحون
والبَريءُ يَستَهزِئُ بِهم:
20 أَلَم يَنقَرِضْ مُقاوِمونا
وقد أَكَلَتِ النَّاُر يُسرَهم؟
21 فصالِحْه وسالِمْه
فبذلكَ تَعودُ إِلَيكَ الطَّيِّبات.
22 وتَلَقَّ الشَّريعَةَ مِن فَمِه
وأَودِعْ أَقْوالَه في قَلبِكَ
23 فإِنَّكَ إِن تُبتَ إِلى القَدير يُعادُ عُمْرانُكَ
وإن أَبعَدتَ الإِثمَ عن خَيمَتِكَ
24 وأَلقَيتَ إِلى التُّرابِ سَبائِكَكَ
وإلى حَصى الأودِيَةِ ذَهَبَ أُوفير
25 يَكونُ القَديرُ سبائِكَكَ
وأَكْوامَ فِضَّةٍ لَكَ.
26 حينَئِذٍ تَكونُ لَذَّتُكَ في القَدير
وتَرفَعُ! إِلى اللهِ وَجهَكَ
27 وتَدْعو إِلَيه فيُجيبُكَ
وتوفي نُذورَكَ
28 وتَعزِمُ على أَمرٍ فيَتمُّ لَكَ
وعلى سُبُلِكَ يُشرِقُ نور
29 ومَن أُذِلَّ تَقولُ له: إِنهَضْ (4)
فيُخَلِّصُ اللهُ الخاشِعَ الطَّرْف
30 ويُنَجَي مَن لَيسَ بِبَريء
فيَنْجو بِبِرِّ كَفَّيكَ ))

الله بعيد والشرّ منتصر

23 1 فأَجابَ أَيُّوب وقال:
2 ((اليَوم أيضًا شَكْوايَ مُرَّة
وَيدي أَثقَلَت على أَنيني (1).
3 مَن لي بأَن أَعلَمَ أَينَ أَجدُه
فآتِيَ إِلى سُكْناه
4 وأَعرضَ قَضِيَّتي أمامَه
وأَملأَ في حُجَجًا
5 وأَعرِفَ كَلِماتِ إِجابَتِه
وأَتفَهَّمَ ما يَقولُ لي؟
6 أَبِعَظمَةِ جَبَروته يُحاجُّني؟
لا بل يَعطِفُ علَيَّ.
7 إِذَن لحاجَّه المُستَقيم
ولنَجَوتُ مِن عِندِ قاضِيَّ فائِزًا.
8 لكِنِّي أَسيرُ شَرْقًا فلا يوجَد
وغَربًا فلا أُبصِرُه.
9 يَعمَلُ في الشَّمالِ فلا أُدرِكُه
ويَستَتِرُ في الجَنوبِ فلا أَراه.
10 أَمَّا هو فيَعلَمُ سَبيلي
وإِذا امتَحَنَني بَرَزت كالذَّهَب
11 لأَنَّ قَدَمي لَزِمَت خُطاه
وقد حَفِظتُ سَبيلَه
12 ووَصِيَّةُ شَفَتَيه لمِ أَحِدْ عنها
ولم أَنبِذْ ما فُرِض عَليَّ
وادَّخَرتُ أَقْوالَ فَمِه.
13 لَكِنَّه فَريدٌ فمَن يَرُدُّه؟
وما أَحبَت نَفْسُه فَعَل
14 فهو يُنَفِّذُ ما فُرِضَ علَيَّ
ومِثلُ هذه عِندَها الكثير.
15 لِذلك أَفزَعُ أَمامَه
كمَا فَكَّرتُ ارتَعَبتُ مِن حَضرَتِه
16 فإِنَّ اللهَ قد أَوهَنَ قَلْبي
والقَديرَ رَوَّعَني
17 لأنَي لم أَضمَحِلَّ قَبلَ حُلولِ الظَّلام
ولكِنَّه غَشَّى وَجْهي بِالظلمَة (2).
24 1 لِماذا لا يَدَّخِرُ القَديرُ أَزمِنَةً
وعارِفوه لا يَشهَدونَ أَيَّامَه؟ (1)
2 فإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَن يَنقُلونَ الحُدود
ويَسلُبونَ القُطْعانَ وَيرعَونَها (2).
3 يَسوقونَ حِمارَ الأَيتام
ويَرتَهِنونَ ثَورَ الأَرمَلة.
4 يُبعِدونَ المُعوِزينَ عن الطَّريق
فيَختَبِئُ مَساكينُ الأَرضِ جَميعًا.
5 ها هُم كالحَميرِ الوَحشِيَّةِ في البَرِّيَّة
يَخرُجونَ إِلى عَمَلِهم
مُبَكِّرينَ إلى الفَريسة
ولَهمُ البَرِّيَّةُ طَعامٌ لِبَنيهِم.
6 يَحصُدونَ حَقلاً لَيسَ لَهم
ويَقطِفونَ كَرْمَ الشَرير.
7 يبيتونَ عراةً بِلا لِباس
لا غِطاءَ لَهم في البَرْد
8 فَيُبَلَّلونَ مِن مَطَرِ الجِبال
لا مأوًى لَهم فيَلتَصِقونَ بِالصُّخور.
9 يَخطَفونَ اليَتيمَ عنِ الثُّدِيّ
ويَرتَهِنونَ على المِسْكين
10 فيَذهَبونَ عُراةً لا لِباسَ لَهم
ويَحمِلونَ الحُزَمَ وهُم جائِعون.
11 يَعصُرونَ الزَّيتون في الرَّحى
ويَدوسونَ في المَعصَرَةِ وهم عِطاش.
12 في المَدينَةِ أناسٌ يَنتَحِبون
وأَنْفاسُ المَجْروحينَ تَستَغيث
واللهُ لا يَلتَفِتُ إِلى الصَّلاة (3).
13 وآخَرونَ تَمَرَّدوا على النُّور (4)
ولم يَعرِفوا طُرُقَه
ولا استَقَرُّوا في سُبُلِه.
14 عِندَ طُلوعِ النُّورِ يَقومُ القاتِل
ويَقتُلُ المُعوِزَ والمِسْكين
وفي اللَّيلِ يَكونُ لِصًّا.
15 وعَينُ الزَّاني تَتَرقَّبُ العَتَمَة
يَقولُ في نَفْسِه: لا تُبصِرُني عَين
فيَجعَلُ بُرقُعًا على وَجهِه.
16 يَنقُبونَ البُيوتَ في الظَّلام
ويُغلِقونَ على أَنفُسِهم في النَّهار
فلا يَعرِفونَ النُّور
17 لأَنَّ الصُّبحَ وظِلَّ المَوتِ شَيءٌ واحِدٌ لَهم
إِذ إنَّهُمُ اعتادوا أَهْوالَ ظِلِّ المَوت.
18 يَنْسابونَ أَخِفَّاءَ على وَجهِ المِياه.
أَمْلاكُهم مَلْعونة على الأَرض
لا يَتَوَجَّهُ أَحَدٌ إِلى كُرومِهم.
19 القَحْطُ والقَيظُ يَبتَلِعانِ مِياهَ الثَّلْج
وهكذا مَثْوى الأَمْواتِ يَبتَلعُ الخاطِئين
2 تَنْساه الرَّحِمُ ويَتَذَوَّقُه الدُّود
ولا يَعودُ يُذكَر
والإِثْمُ يُحَطَّمُ كالشَّجَرَة.
21 يُسيءُ إِلى العاقِرِ الَّتي لا تَلِد
ولا يُحسِنُ إِلى الأَرمَلَة.
22 لكِنَّ الَّذي بِقوته يَجُرُّ المُقتَدِرين
يَقومُ فَلا يأمَنونَ على حَياتِهم.
23 يُؤتيهمِ الطُّمَأنينَةَ فيَرْتاحونَ إِلَيها
إِلاَّ أَنَّ عَينَيه على طْرُقِهم.
24 تَرَفَّعوا قَليلاً ثُمَّ لم يَكونوا.
إِنْهاروا وحُصِدوا كسائِرِ النَّاس
وقُطِعوا كرُؤُوسِ السَّنابِل.
25 وإِلاَّ فمَن إِذًا يُكَذبني
ويَجعَلُ كَلامي لا شيَءَ

نشيد في قدرة الله (1)

25 1 فأَجابَ بِلدَدُ الشُّوحِيُّ وقال:
2 ((لَه السُّلطانُ والفَزَع
لِمُحِلِّ السَّلامِ في أَعاليه (2).
3 هل مِن عَدَدٍ لِجُنودِه
أَم هَل مِن أَحَدٍ لا يُشرِقُ علَيه نورُه؟
4 كَيفَ يَكونُ الإِنْسانُ بارًّا لَدى الله
أَو مَولودُ المَرأَةِ طاهِرًا؟
5 ها إِنَّ القَمَرَ نَفْسَه غَيرُ مُنيرٍ ني عَينَيه
والكَواكبَ لا نَقاءَ لَها
6 فكَيفَ إِذًا الإِنسانُ الدُّودة
وابنُ آدَمَ اليَرَقانة؟ )).

بِلدَدُ يَتكلَّمُ بالباطل

26 1 فأَجابَ أيوبُ وقال:
2((كَيفَ أَعَنتَ مَن لا قُوَّةَ لَه
وخَلَّصتَ ذِراعًا لا قُدرَةَ لَها؟
3 وكَيفَ أَشَرتَ على مَن لا حِكمَةَ لَه
وكشَفتَ لَه تَدابيرَ كَثيرة؟
4 إِلى مَن وَجَّهتَ الكَلام
وروحُ مَنِ انبَثَقَ مِنكَ؟ (1)

تعالي الله

5 تَرتَعِدُ الأَشْباح (2)
مِن تَحتِ المِياهِ وسُكَّانِها (3)
6 مَثْوى الأَمْواتِ مَكْشوفٌ لَدَيه
والهاوِيَةُ (4) لا حِجابَ علَيها.
7 يَمُدُّ الشمَّالَ على الخَواء (5)
ويُعَلِّقُ الأَرضَ على العَدَم (6).
8 يَخزُنُ المِياهَ في غُيومِه
فلا يَتَخرقُ الغَمامُ تَحتَها.
9 يَحجُبُ وَجهَ عَرشِه
وقد نَشَرَ علَيه غَمامَه (7)
رَسَمَ دائِرَة (8) على وَجهِ المِياه
نَحوَ مُلتقى النُّورِ والظَّلام.
11 أَعمِدَةُ السَّماءِ تَتَزَعزَع (9)
وتَفزَعُ من زَجْرِه.
12 بِقُوَّتِه هَيَّجَ البَحْرَ
وبِفِطنَتِه حَطَّمَ رَهَب.
13 بِنَفَسِه كَنَسَ السَّموات
ويَدُه طَعَنَتِ الحيَةَ الهارِبَة (10).
14 تِلكَ أَبْعادُ طُرقِه
وهَمسٌ خَفيفٌ نَسمَعُه مِن كَلامِه.
أَمَّا رَعدُ جَبَروته فمَن يُدرِكُه؟ )). أيوب البريء بعلَم بقدرة الله
27 1 وعادَ أَيُّوبُ إِلى ضَربِ مَثَلِه فقال:
2((حَيٌّ اللهُ الَّذي يَرفُضُ حَقِّي
والقَديرُ الَّذي مَرَّرَ نَفْسي.
3 ما دامَ نَفَسي فِيَّ
وروحُ اللهِ في أَنْفي
4 لَن تَنطِقَ بِالسُّوءِ شَفَتايَ
ولا يُتَمتِمُ لِساني بِالبُهتان !
5 حاشى لي أَن أُبَرِّرَكم.
إِلى أَن تَفيضَ روحي لا أُقلعُ عن كَمالي.
6 تَمَسَّكتُ بِبِرِّي فلا أُرْخيه
لأَنَّ ضَميري لا يَخجَلُ (1)
على يَومٍ مِن أَيَّامي.
7 فَلْيَكُنْ عَدُوَي كالشَّرِّير
ومُقاوِمي كالمُسيء.
8 فإِنَّه ما عَسى خَيطُ الكافِر
إِذا قَطَعَه الله وَنزَعَ حَياتَه!
9 أَفَيَسمعُ اللهُ صُراخَه
إِذا نَزَلَ بِه ضيق
10 أَم تَكونُ لَه لَذَّةٌ بِالقَدير
ويَدْعو إِلى اللهِ في كُلِّ حين؟ (2)
(( إِنِّي أُعَلِّمُكم قُدرَةَ الله
ولا أَكتُمُ ما عِندَ القَدير (3)
12 فإِنَّكم جَميعًا قد عايَنتُم
فما بالُكم تَنطِقونَ بِالباطِل؟
النظرية الموالية للتقاليد (4)
13 هذا نَصيبُ الرَّجُلِ الشِّرِّيرِ عِندَ الله
وميراثُ الظَّالمينَ الَّذي يَنالونَه مِنَ القَدير.
14 إن كَثُرَ بَنوه فلِلسَّيْف
وذُرِّيَتُه لا تَشبعُ خُبزًا
15 والباقونَ يُدفَنون بِالوَباء (5)
وأَرامِلُه لا يَبْكينَ علَيهِم.
16 إذا كَنَزَ الفِضَّةَ مِثلَ التُّراب
وكَدَّسَ المَلابِسَ كالطِّين
17 فلْيُكَدِّسْها فالبارُّ يَلبَسُها
والفِضَّةُ يَرِثُها البَريء.
18 بَنى مِثلَ العُثَّةِ بَيتَه
وكالنَّاطورِ الَّذي يَنصِبُ كوخَه.
19 يَضَّجعُ غَنِيًّا ولا يُدفَن
يَفتَحُ عَينَيه ولا يَكون.
20 تُدرِكُه الأَهْوالُ كالمِياه
وفي اللَّيلِ تَخطَفُه الزَّوبَعة.
21 تَأخُذُه السَّمومُ فيَذهَب
وتَقتَلِعُه مِن مَقَرِّه.
22 تَهْوي علَيه ولا ثُشفِق
وهو هارِبٌ مِن يَدَيها
23 فيُصَفَّقُ علَيه بِالكَفَّينِ
ويُصفَرُ علَيه مِن كُلِّ مَكان.

4. مديح الحكة

لا يدرك الإنسان الحكمة (1)

28 1 إِنَّ لِلفِضَّةِ مَناجِم
وللذَّهَبِ مَكانًا يُنَقَّى فيه.
2 والحَديدُ يُستَخرَجُ مِنَ التُّراب
والحَجَرُ المَصْهورُ يَصيرُ نُحاسًا.
3 جَعَلوا لِلظُّلمةِ حَدًّا
وبَحَثوا في كُلِّ زاوِيَة
عنِ الحَجَر الَّذي في الظَّلام
وظِلالِ المَوَت.
4 حَفَروا نَفَقًا بَعيدًا عنِ المَساكِن
وعنِ الأَماكِنِ الَّتي نَسِيَتها القَدَم
فهُم على بُعدٍ مِنَ النَّاسِ يَتَدَلَّونَ مُرتَجِحينَ.
5 الأَرضُ الَّتي يَخرُجُ مِنها الخُبزُ
انقَلَبَ ما تَحتَها كما بِالنَّار.
6 صَخرُها مَكانُ السَّفير
وفيها أَترِبَةُ الذَّهَب.
7 سَبيلٌ لم يَعرِفْه الكاسِر
ولم تبصرْه عَينُ النَّسْر
8 ولَم تَطأْه الضَّواري
ولم يَسلُكْه الأَسَد.
9 بَسَطوا أَيدِيَهم إِلى الصَّوَّان
وقلَبوا الجِبالَ مِن أُصولها.
10 في الصُّخورِ حَفَروا أَنْفاقًا
وكُلُّ ثَمينِ عُيوُنهم رَأَته.
11 فَحَصوا يَنابيعَ الأَنْهار (2)
وأخرَجوا المَكْنوناتِ إِلى النُّور.
12 أَمَّا الحِكمَةُ فأَينَ توجَد
والفِطنَةُ أَينَ مَقرها؟
13 لا يَعرِفُ الإِنسانُ قيمَتَها
ولا وُجودَ لَها في أَرضِ الأَحْياء.
14 الغَمرُ قالَ: لَيسَت فِيَّ
والبَحرُ قالَ: لَيسَت عِنْدي.
15 لا يُعْطِى الإِبْريزُ بَدَلاً مِنها
ولا توزنُ الفِضَّةُ ثَمَنًا لَها
16 ولا يُساويها ذَهَبُ أُوفير
ولا الجَزْعُ الكَريمُ ولا السَّفير
17 ولا يُقاسُ بها الذَّهَبُ ولا الزُّجاج
ولا تُبدَلُ بِأَواني الذَّهَبِ الخالِص.
18 لا يُذكرٌ معها المَرْجانُ ولا البِلَّور
واستِخْراجُ الحِكمَةِ يَفوقُ استِخْراجَ اللاَّلِئ
. 19 لا يُقاسُ بِها ياقوتُ كوشَ الأَصفَر
ولا يُساويها الذَّهَبُ الخالِص.
20 لكِن مِن أَينَ تَأتي الحِكمَة
والفِطنَةُ أَينَ مَقرُها؟
21 إِنَّها مَحْجوبةٌ عن عَينَي كُلِّ حَيّ
ومُتَوارِيَةٌ عن طَيرِ السَّماء.
22 الهاوِيَةُ والمَوتُ قالا:
قَد بَلغً مَسامِعَنا خَبَرُها.
23 اللهُ يُبصِرُ سُبُلَها
وهو عالِمٌ بِمَكانِها
24 لأَنَّه بَنظر إِلى أَقاصي الأَرْض
وَيرى جَميعَ ما تَحتَ السَّموات.
25 وحينَ جَعَلَ لِلرِّيحَ وَزنًا
وعايَرَ المِياهَ بِمِقْدار
26 وجَعَلَ أَحْكامًا لِلمَطَر
وسَبيلاً لِلرُّعودِ القاصِفَة
27 حينَئِذٍ رَآها وأَخبَرَ بِها
وثبتَها وسَبَرَها
28 وقالَ لِلْبَشَر:
ها إِنَّ مَخافَةَ الرَّبِّ هيَ الحِكمَة
واجتِنابَ الشَّرِّ هو الفِطنَة)).

ه. خاتِمَةُ الحِوار

شكاوى أيّوب ودفاعه عن نفسه (1)
29 اوعادَ آيوبُ إِلى ضَربِ مَثَلِه فقال: 2 ((مَن لي بمِثلِ الشّهورِ السَّالِفة
ومِثْلِ ا؟نَامِ الَّتي كانَ اللهُ فيها حافِظي
3 حينَ كانَ مِصباحُه يُضيءُ على رأسي فأَسلُكُ الظُّلمَةَ نب نورِه
4 حينَ كُنتُ في التام خَريني
وكانَ اللهُ يُجالِسُنيَ في خَيمَتى
ْوالقَدبرُ لم يَزَلْ معي
وصِبيَتي يُحيطونَ لى
6 وأَغسِلُ قَدَمَيَّ بِاللَّبَن الحَليب والصَّخرُ يُفيضُ لي أَنْهارًا مِنَ الزَّيت
7 وأَخرُ! إِلى بابِ المَدينة
وانخِذ في السَّاحةِ مَجلِسي.
8 يَراني ال!ثمبانُ فيَتَوارَرن
والشُّيوخُ يَقِفونَ مُنتَصِبين.
9 الأَعْيان يُمسِكُونَ عنِ الكَلام ويَجعَلونَ أَيدِيَهم على أَفْواهِهم.
ْا يَتَخافَتُ صوتُ الرُّؤَساء
وتَلصقُ أَلسِنَتُهم بِأَحناكِهم.
11 وإِذا سَمِعَتني أُذُنٌ هَنَّأَتْني
وإذا رأَتْني عَينٌ شَهدَت لي
12 لأَنِّي كُنتُ أُنجي المِسْكينَ المُستَغيث
وَاليَتيمَ الَّذي لا مُعينَ لَه
13 فتَحِلُّ علَيَّ بَرَكَةُ المائِت
وأَجعَلُ قَلبَ الأَرمَلَةِ يَتَهَلَّل.
14 لَبِستُ البِرَّ فكانَ لِباسي
وكانَ حَتَى حُلَةً وتاجًا لي.
15 كُنتُ عَينًا لِلأَعْمى
ورِجلاً لِلأعرَج
16 وكُنتُ أَبًا لِلمساكين
أَستَقْصي قَضِيَّةَ مَن لم أَعرِفْه
17 وأُحَطِّمُ أَنْيابَ الظَّالِم
وأَنزعُ فَريسَتَه مِن بَين أَسْنانِه.
18 وكُنتُ أَقولُ إِنِّي سأَموتُ في عُشِّي
وكالرَملِ أَزْدادُ أَيَّامًا
19 وجُذوري مُنفَتِحَةٌ على المِياه
والنَّدى يَبيتُ على أَغْصاني
20 وقد تَجَدَّدَ مَجْدي لَدَيَّ
وازْدادَت قَوسي قُوَّةً في يَدي.
21 يَستَمِعونَ لي مُنتَظِرين
ويُنصِتونَ لِمَشورَتي
22 وعلى كَلامي لا يَزيدون
وأَقْوالي تَقطر علَيهم.
23 يَنتَظِرونَني كَما يُنتَظر الغَيث
ويَفتَحونَ أَفْواهَهم كأنَي مُتأَخِّرُ المَطَر.
24 أَبتَسِمُ لَهم فلا يُصَدِّقون
ولا يَفوتُهم نورُ وَجْهي.
25 أَخْتارُ طَريقَهم فأَجلِسُ في الصَّدْر
وأَحِلُّ حلولَ المَلِكِ مِنَ الجَيش
والمُعَزِّي مِنَ المَحْزونين.
30 1 أَمَّا الآنَ فقَد ضَحِكَ مِنِّي
من يَصغُرُني في الأَيَّام
مَن كُنتُ آنَفُ أَن أَجعَلَ آباءَهم
معَ كِلابِ غَنَمي (1).
2 وبِقُوَّةِ أَيديهِم فماذا كُنتُ أَصنَعُ
وقد فَقَدوا أشُدَّهم؟ (2)
3 جَفَّفَهمُ العَوَزُ والجوع
أُولئِكَ الَّذينَ يَهرُبونَ إِلى القِفار
إِلى الظَّلام والدَّمارِ والخَراب
4 ويَقطِفونَ الَمُلاَّحَ بَينَ الشِّيح
وخُبزُهمِ جِذرُ الرَّتَم.
5 يُطرَدون مِنَ الحَضَر
ويُصاحُ علَيهم أَمْثالَ اللُّصوص
6 فيَسكُنونَ في مُنحَدَراتِ الأَودِية
وفي مَغاوِرِ التُّرابِ والصُّخور.
7 يَنهَقونَ بَينَ الشِّيح
ويَتَكَدَّسونَ تَحتَ الأَشْواك.
8 أَبْناءُ أَحمَقَ وأَبْناءُ مَن بِلا اسمٍ
قد دُحِروا مِنَ الأَرْض.
9 أَمَّا الآنَ فصِرتُ لَهم أُغنِيَّةً
وأَصبَحتُ عِندَهم مَثَلاً
10 وقدِ اشمَأَزُّوا مِنِّي وابتَعَدوا عنِّي
ولا يَحتَشِمونَ أَن يَبصُقوا في وَجْهي.
11 وإِذا أَرْخىِ اللهُ وَتَري وأَذلَني
أَطلَقوا عِنانهم في وَجْهي.
12 قامَ السَّفَلَةُ عن يَميني يُعَثَرونَ قَدَمَيَّ
ويُمَهِّدونَ إِلَيَّ سُبُلَ المُصيبة
13 ويَقطَعونَ علَيَّ الطَّريق
ويُساهِمونَ في هَلاكي
ولا يَحْتاجونَ إِلى مُعين.
14 كأَنَّما يَدخُلونَ مِن ثُغرَةٍ واسِعة
ويَتَدَهوَرونَ بَينَ الرَّدْم.
15 قد تَهافَتَت علَيَّ الأَهْوال
وطَرَدَت كَرامَتي كالرِّيح
وتَلاشى خَلاصي كالغُيوم.
16 والآنَ تَنْهالُ نَفسي علَيَّ
وأَيَامُ بُؤسٍ أَخَذَتني.
17 في اللَّيلِ يَنخُر هذا عِظامي مِن فَوقي
والَّذينَ يَقرِضونَني لا يَنامون.
18 قَبَضَ الأَلَمُ على لِباسي بِقُوَّة
وشَدَّني كما يَشُدُّني قَميصي.
19 أَلْقاني في الوَحْلِ
فأَشبهتُ التُّرابَ والرَّماد.
20 إِلَيكَ أَصرُخ فما تُجيبُني
وتَوَقَّفتُ فحدَّقتَ فِيَّ.
21 أَصبَحتَ لي عَدُوًّا قاسِيًا
وبِقُوَّةِ يَدِكَ حَمَلتَ علَيَّ.
22 خَطَفتَني وعلى الرِّيح أَركبتَني
وأَذابَتني العاصِفَة.
23 فعَلِمتُ أَنَّكَ إِلى المَوتِ تُعيدُني
إِلى دار سيعادِ كُلِّ حَيّ
24 لا شَكَّ أَنَّ اليَدَ لا تُمَدُّ إِلى الخَراب
وفي الانهِيارِ تأتي النَّجدَة
25 أَلَم أَبكِ لِمَنِ اشتَدَّ علَيه يَومُه؟
ألَم تَرْثِ نَفْسي لِلمِسكين؟
26 لكِن حينَ تَوَقَّعتُ الخَير غَشِيَني الشَّرّ
وحينَ انتَظَرتُ النُّورَ غَشِيَني الظَّلام.
27 فارَت أَحْشائي ولَم تَهدَأْ
وبادَرَتْني أَيَّامُ الشَّقاء.
28 أَمْشي مَسْفوعًا (3) لا مِنَ الشَّمسِ
أَقومُ في الجَماعةِ مُستَغيثًا.
29 صِرتُ أَخًا لِبَناتِ آوى
ورَفيقًا لِلنَّعام.
30 إِسوَدَّ جِلْدي عَليَّ
واحتَرَقَ عَظْمي مِنَ الحُمَّى.
31 صارَت كِنَّارتي لِلنِّياحة
ومِزْساري لِصَوتِ البُكاء.

دفاع أيوب عن نفسه (1)

31 1 قد عاهَدتُ عَينَيَّ
أَن لا أُحَدِّقَ في عَذْراء (2)
2 فما يَكونُ النَّصيبُ مِن عِندِ اللهِ مِن فَوق
والميراثُ مِن عِندِ القَديرِ مِنَ الأَعالي؟
3 أَلَيستِ البَلِيَّةُ لِلظَّالِم
والمُصيبَةُ لِفاعِلي الآثام؟
4 أَلَيسَ هو يُبصِرُ طرقي
ويُحصْي جَميعَ خَطَواتي؟
5 هل سِرتُ في الباطِل
وأَسرَعَت رجْلي إِلى المكيدَة؟ (3)
6 لِيَزِنَي في ميزانِ البِرّ
فيَعرِفَ اللهُ سَلامَتي.
7 إِن حادَت خَطَواتي عنِ السَّبيل
أَو سار قَلْبي وَراءَ عَينَيَّ
أَو عَلِقَ براحَتي عَيب (4)
8 فلأَزْرَعْ أَنَا ويأكُل آخَر
ولتُستَأصَل فُروعي.
9 إن كانَ قَلبي قد هامَ بامرَأَة
أَو ترَصَّدت على بابِ قَريبي
10 فلتطحَنِ امرأَتي لآخَر
ولْيِقع علَيها آخَرون (5)
11 فإِنَّها فاحِشَة
جَريمةٌ تُرفَع إِلى القُضاة (6)
12 نارٌ تأكُلُ حتَى إِلى الهاوِيَة
وتَستَأصِلُ غَلَّتي بِأَسرِها
13 إِن كُنتُ استَهَنتُ بِحَق عَبْدي
أَو أَمَتي في دَعْواهما عَليَّ (7)
14 فماذا أَصنعُ حينَ يَقومُ الله
كيفَ أُجيبُه حيزَ يُحَقِّق؟
15 أَوَلَيسَ الَّذي صَنَعَني في البَطنِ هو صَنَعَهما
ووَاحِدٌ كَوَّنَنا في الرَّحِم؟
16 هل مَنَعْتُ البائِسينَ (8)
أَو أَكللَتُ عَينَ الأَرمَلة
17 أَو أَكَلتُ كِسرَتي وَحْديس
ولم يأكُلْ مِنها اليَتيم؟
18 بل مُنذُ صبايَ شبًّ مَعي كأنِّي أَبوه
ومِن بَطنِ أُمِّي هَدَيته.
19 هل رَأَيتُ هالِكًا مِنَ العُرْيِ
أَو مِسكينًا لا كُسوَةَ لَه
20 ولَم تُبارِكْني كُليَتاه
وقدِ استَدفَأَ بِجِزَّةِ غَنَي
21 وإِن رَفَعتُ يَدي على اليَتيم (9)
عالِمًا بِأَنَّ القَضاءَ يَسنُدُني
22 فَلتَسقُطْ كَتِفي مِن كاهِلي
ولْتُكْسَرْ ذرعي مِن مَفصِلِها
23 فإِنَّ مُصيبًةَ اللهِ تُفزِعُني
ولا قُدرَةَ لي أَمامَ جَلالِه.
24 هل جَعَلتُ في الذَّهَبِ ثِقَتي
أَم قُلتُ لِلإِبْريزِ: أَنتَ أَمْني؟ (10)
25 هل فَرِحتُ بِأنَّ غِنايَ جَزيل
وأَنَّ يَدي قد أَصابَت كَثيرًا؟
26 هل نَظَرتُ إِلى الشَّمسِ حينَ سَطَعَت
أَو إِلى القَمَرِ يَسيرُ بِالبَهاء
27 فافتَتَن قَلْبي سِرًّا
وأَرسَلَت يَدي إِلَيهِما قُبلَةً مِن فَمي؟ (11)
28 إِنَّها جَريمةٌ تُرفَعُ إِلى القُضاة
لأنَي أَكونُ قد كَفَرتُ بِاللهِ العَلِىّ.
29 هل فَرِحتُ بِهَلاكِ مُبغِضي
أَو شَمِتُّ إِذا نالَه سوء؟ (12)
30 بل لم أَدَعْ فَمي يَخطَأ
بأَن يَطلُبَ نَفْسَه بِلَعنَة.
31 أًلَم يَكُنْ أَهلُ خيمَتي يَقولون:
مَن يَأتي بِأَحَدٍ لم يَشبع مِن لَحمِ مائِدَتِه؟
32 إِنَّه لم يَبِتْ غَريبٌ في الخارِج
بل كُنتُ أَفتَحُ بابي لابنِ السَّبيل (13).
33 هل كَتَمتُ مَعصِيَتي كما يَفعَلُ النَّاس
إِضْمارًا لِلإِثمِ في صَدْري
34 إِذ خِفتُ مِنَ الجُمْهور
وخَشيتُ احتِقارَ العَشائر
فصَمَتُّ ولَم أَخرُجْ إِلى الباب؟ (14)
35 مَن لي بِمَن يَسمَعُني؟
هذا تَوقيعي فليُجِبْني القَدير.
والكِتابُ الَّذي كَتَبَه خَصْمي
36 فلأَحمِلنَه على كَتِفي
ولأَعصِبَنَّه تاجًا لِرَأسي (15).
37 أُبَيِّنُ له عَدَدَ خَطَواتي
وأَتَقَدَّمُ إِلَيه تَقَدُّمَ رَئيس.
38 إِن صَرَخت عليَّ أَرْضي
وبَكَتْ مَعَها أَخاديدُها
39 أَو أَكَلتُ غَلَّتَها بِلا فِضَّة
أَو قَضَيتُ على نُفوسِ أَرْبابِها (16)
40 فليَنبُتِ العَوسَجُ فيها بَدَلَ الحِنطَة
والشَّوكُ بَدَلَ الشَّعير)).
تَمَّت أَقْوالُ أَيّوب (17)

ج. خُطَب أَليهو (1)

تدخُّل أَليهو

32 1 فأَمسَكَ هؤُلاءِ الرِّجالُ الثَّلاثَةُ عن مُحاوَرَةِ أيّوبَ لاعتِقادِه نَفْسَه بارًّا. 2 فغَضِبَ أَليهو بنُ بركْئيلَ البوزِيّ، مِن عشيرةِ أَيَّام. غَضِبَ غَضَبًا شَديدًا على أيّوبَ، لِزَعمِه أَنه أَبَرُّ مِنَ الله. 3 وغَضِبَ غَضبًا شَديدًا على أَصدِقائِه الثَّلاثة، لأَنَّهم لم يَجِدوا جَوابًا، ومع ذلك فقَد أَثموا أيّوب. 4 وكان أَليهو قد انتَظَرَ أيُّوبَ مُمسكًا عنِ الكَلام، لأَنَّ الآخَرينَ كانوا أَكبَرَ مِنه سِنًّا. 5 فلَمَّا رأَى أَليهو أنّه لم يَبقَ جَوابٌ في أَفواهِ الرِّجالِ الثَّلاثَة، غَضِبَ غَضبًا شَديدًا، 6 وأَجابَ أَليهو بنُ بَرَكْئيلَ البوزيّ وقال:
((إِنِّي صَغيرٌ في الأَيَّام
وأَنتُم شُيوخ.
لِذلك تَراجَعتُ وهِبتُ
أَن أُبدِيَ لَكم عِلْمي.
7 وقُلت إِنَّ السِّنَّ تَتَكلَم
وكَثرَةَ السِّنينَ تُخبِرُ بِالحِكمَة.
8 لكِنَّ في البَشَرِ روحًا
ونَسمَةَ القَديرِ تَجعَلُهم أَذْكياء (2)
9 لَيسَ المُسِنُّونَ همُ الحُكَماء
ولا الشُّيوخ همُ الفَطنونَ لِلحَقّ.
10 لِذلِك قُلتُ: اسمَعوا لي
فأُبدِيَ أَنا أَيضًا عِلْمي.
11 فإنِّي انتَظَرتُ أَقْوالَكم
وأًصغَيتُ إِلى حُجَجكم
مُدَّةَ بَحثِكم عن الكَلِمات.
12 وإِلَيكم رَكَّزتُ انتِباهي
فلَم يَكُنْ فيكم مَن أَفحَمَ أَيُّوب
مُجيبًا على كَلامِه.
13 لا تقولوا: إِنَّنا وَجَدنا الحِكمَة
إِنَّما اللهُ راذِلُه لا الإِنْسان.
14 لم يَرصِفْ عَليَّ الكَلِمات
فلا أُجيبُه بأَقوالِكم.
15 لقَد تَحَيَّروا ولم يُجيبوا
وقد سُلِبَت مِنهُم الكَلِمات
16 فانتَظَرتُ لأَنَّهم ا يَتَكَلَّموا
وتوَقَّفوا فلم يُجيبوا مِن بَعدُ.
17 والآنَ أُجيبُ أَنا بِدَوري
وأُبْدي أَنا أَيضًا عِلْمي
18 فإِنِّي مَليءٌ بِالكَلِمات
وروحٌ باطِنِيٌّ يُضايِقُني.
19 إِنَّ جَوفي كَخَمرٍ لا مَخرَجَ لَها
كَمِنْفاخِ حَدَّادٍ يَكادُ يَنشق.
20 لأَتَكَلَّمَنَّ فيُفرَجَ عِّني
أَفتَحُ شَفَتَيَّ وأُجيب.
21 لا أُحابي إِنْسانًا
ولا أَتمَلَّقُ بَشرًا بالأَلْقاب
22 لأَنَّي لا أَعرِفُ التَّمَلُّق
وإِلاَّ فإِنَّ صانِعي يَذهَبُ لب بَعدَ قَليل.
دفاع أليهو عن تأديب الله وعظمته
33 1 فاسمع يا أيُّوبُ أَقْوالي
وِاصغِ إلى كَلامي كُلِّه.
2 إِنِّي فتحت فَمي
ولِساني نَطَقَ في حَنَكي.
3 إِنَّما كَلامي مِن قَلبٍ مُستَقيم
وشَفَتايَ تَنطِقانِ بِعِلمٍ صادِق.
4 روحُ اللهِ هو الَّذي صَنَعَني
ونَسَمَةُ القَديرِ أحيَتْني.
5 أَجِبْني إِنِ استَطَعتَ
تأَهَّبْ أَمامي وانتَصِبْ.
6 إِنَّما أَنا نَظيرُكَ عِندَ الله
مِن طينِ جُبِلتُ أَنا أَيضًا
7 فلاُ رعْبي يَروعُكَ
ولا سُلْطاني يَثقُلُ علَيكَ.
8 لَكِنَّكَ قُلتَ على أُذُنَيَّ
- وقد سَمِعت ما نَطَقتَ بِه-:
9 ((إِنِّي طاهِرٌ بِلا مَعصِيَة
إِنِّي نَقِيٌّ ولا إِثمَ فَيَّ (1).
10 وإنَّما هو يَجدُ عِلَلاً علَيَّ (2)
ويَحسَبُني عَدُوًّا لَه.
11 يَجعَلُ رِجلَيَّ في مِقطَرَة (3)
ويَتَرَصَّدُ جَميعَ سُبُلي )).
12 فأُجيبُكَ أَنَّكَ في هذا غَيرُ مُحِقّ
فإِنَّ اللهَ أَكبَرُ مِنَ الإِنْسان.
13 فَما بالُكَ تُخاصِمُه؟
أَلأَنَّه لا يُجيبُ عن جَميعَ أَعْمالِه؟
14 إِنَّ اللهَ يَتَكَلَّمُ بِطَريقة
ثُمَّ بِأُخْرى ولا نَشعُرُ بِذلك.
15 في حُلْمٍ، فيُ رُؤيا اللَّيل
حينَ يَقَعُ السُّباتُ على الأَنام
وهم نائِمونَ على مَضاجِعِهم.
16 حينَئذٍ يَفتَحُ آذانَ النَّاس
ويَختِمُ على إِنْذارِهم
17 لِيَصرِفَ الإِنسانَ عن عَمَلِه
ويَمحُوَ الكِبرِياءَ عنِ الرَّجُل
18 فيَقيَ نَفْسَه مِنَ الهوَة
وحَياتَه مِن عُبورِ القَناة.
19 يُؤَدَّبُ بِالأَلَمَ على مَضجَعِه
وفي عِظامِه صِراعٌ شَديد.
20 تَعافُ حَياتُه الخُبْز
ونَفْسُه لَذيذَ الطَّعام.
21 يَذوبُ لَحمُه عنِ العِيان
وتُعرَى عِظامُه المَخفِيَّة
22 وقَد دَنَت نَفْسُه مِنَ الهُوَّة
وحَياتُه مِنَ المُهلِكين.
23 إِنُ وجِدَ مَلاكٌ شَفيعٌ لَه (4)
وَسيطٌ مِن بَينِ الأَلْف
لِيُعلِمَ الإِنسانَ بِواجِبِه
24 ويَرحَمَه ويَقول:
أَعْفِه مِنَ الهُبوطِ في الهُوَّة
فقَد وَجَدت فِديَة.
25 يَصيرُ جَسَدُه أَغَضَّ مِنه وهو صَبِيّ
ويَعودُ إِلى أَيَّامِ شَبابِه
26 ويَدْعو إِلى اللهِ فيَرْضى عَنه
حينَئذٍ يُعايِنُ وَجهَه بِالهُتاف
فيُعيدُ إِلى الإنسانِ بِرَّه.
27 فيُرَنِّمُ بَينَ النًّاسِ ويقول:
قد خَطِئتُ وحِدتُ عن الاستِقامة ولم يَحزِني
28 بلِ افتَدى نَفْسي مِن المُرورِ بِالهُوَّة
وحَياتي تُبصِرُ النُّور.
29 هذا كلُه يَفعَلُه الله
بِالأِنْسانِ لرَتَين وثَلاثًا
30 لِيُعيدَ نَفْسَه مِنَ الهوة
ويُنيرَها بِنور الأَحْياء.
31 فأَصغَ يا أَيُّوبُ واستَمِعْ لي
واسكُتْ فأَتَكَلَّمَ أنا
32 وإِن كانَت عِندَكَ كَلِماتٌ فأَجِبْني
تَكَلَّمْ، أُحِبُّ أَن أُوبرِّرَكَ
33 وإِلاِّ فاَستَمع لي أَنتَ
فأُعَلِّمَكَ الحِكمَة)).
فشل الحكماء الثلاثة في تبرئة الله
34 1 فواصَلَ أَليهو كَلامَه وقال:
2 ((إسمَعوا أَقْوالي أيّها الحُكَماء
وأَصْغوا إِليَّ يا أَصْحابَ المَعرِفَة
3 فإِنَّ الأُذُنَ تَختَبِرُ الأَقْوال
كما يَذوقُ الحَنَكُ الطَّعام.
4 لَنا أَن نُمَيِّزَ ما هو حَق
ولنعلَمْ فيما بَينَنا ما هو حَسَن.
5 قالَ أَيُّوب: ((إِنِّي بارّ
لكِنَّ اللهَ قد رَفَضَ حَقِّي.
6 أُكَذَّبُ والحَقُّ لي
وسَهمُه فِيَّ مسُتَعصٍ وأَنا بِلا مَعصِيَة.
7 أَيُّ رَجُلٍ كأَيُّوب
يَشرَبُ الهُزْءَ كالماء (1)
8 وَيمْشي في عِشرَةِ فاعِلي الآثام
ويَسيرُ مع ذَوي الشُّرور.
9 فقَد قالَ إِنَّه لا يَنفعُ الرَّجُلَ
أَن يَكونَ هَواه في الله
10 لِذلكَ اسمَعوا لي يا أولي الأَلْباب
حاشَ للهِ مِنَ الشَّرّ
وللقَديرِ مِنَ الظُّلْم
11 فإِنَّه يَجْزي الإِنْسانَ على حَسَبِ أَفْعالِه
وُيعامِلُ الإنسانَ على حسب سَبيله (2).
12 لاشَكَّ أَنًّ اللهَ لا يأتي بِالشَّرّ
والقَديرَ لا يُحَرِّفُ الحقّ
13 مَنِ الَّذي وَكَّلَه بِالأَرْض
ومَنِ الَّذي كلَفَه بِالدُّنْيا كُلِّها؟ (3)
14 ولو لم يَلتَفِتْ إِلاَّ إِلى نَفْسِه
واستَجمَعَ روحَه ونَسَمَتَه
15 لَفاضَت روحُ جَميع البَشَرِ مَعًا
وعادَ الإِنسانُ إِلى التُّراب.
16 فإن كُنتَ ذا فَهمٍ فاسمعَ هذا
وأَصغِ إِلى صَوتِ أَقْوالي.
17 أَلعَلَّ مَن يُبغِضُ الحَقَّ يَحكُم
أَم تُؤثِّمُ البارَّ العَظيم؟
18 القائِلَ لِلمَلِك: يا عَديمَ الخَير!
وللعُظَماء: يا أَشْرار!
19 الَّذي لا يُحابي الرُّؤَساء
ولا يُفَضلُ الغَنِيَّ على البائِس
لأَنَّهم جَميعًا أَعْمالُ يَدَيه.
20 يُفاجِئُهمُ المَوتُ في نِصفِ اللَّيل
ويَتَزَعزَعُ الشَّعبُ ويَهلِك
ويُستأصَلُ المُقتَدِرُ بِغَيرِ عَناء
21 لأَنَّ عَينَيه على طُرُقِ الإِنْسان
وهو يُبصِرُ جَميعَ خَطَواتِه.
22 لا ظُلمَةٌ ولا ظِلالُ موت
يَتوارى فيها فاعِلو الاَثام
23 لأَنَّ اللهَ لا يَضرِبُ لِلإِنْسانِ مَوعِدًا
لِيَمثُلَ أَماسَه في الفَضاء
24 بل يُحَطِّمُ العُظَماءَ مِن غَيرِ بَحْث
ويُقيمُ آخَرينَ مَكانَهم.
25 ذلك بِأَنَّه يَعلَمُ بِأَعْمالِهم
ويَقلِبُهم في لَيلَةٍ فيُسحَقون.
26 يَصفَعُهم كأَشْرارٍ
على مَشهَدِ النَّاس
27 فإِنَّهم إِنَّما ابتَعَدوا عنه
ولمِ يَفهَموا شَيئًا مِن طرقِه
28 حتَّى رُفِعَ إِلَيه صُراخُ المِسْكين
وهو يَسمعُ صُراخَ المَساكين.
29 فإِنَّه إِذا سَكَنَ فمَن يؤَثِّمُه؟
وإِن حَجَبَ وَجهَه فمَن يُبصِرُه؟
وعلى أُمَّةٍ أَو على البَشَرِ كذلك
30 يُقيمُ إِنْسانًا كافرًا مَلِكًا
مِن بَينِ مُضَلِّلي الشَّعْب.
31 إِن قيلَ لله: تَحَمَّلتُ العِقاب
فلَن أَعودَ إِلى ارتكابِ الشَّرّ
32 فأَرِني ما لم أُبصِرْهُ
وإِن كُنتُ قد فَعَلتُ إِثْمًا فلَن أَعودَ إِلى فِعلِه.
33 أَفي رَأيِكَ أَنَّ علَيه أَن يُعاقِب؟
بِما أَنَّكَ تَرفُضُ أَحْكامَه
إِذ لَكَ الاختِيارُ ولَيسَ لي
فتَكَلَّمْ بِما تَعلَم (4).
34 بل قد يَقولُ لي أُولو الأَلْباب
والرَّجلُ الحَكيمُ الَّذي يَستَمِعُني:
35 إِنَّ أَيُّوبَ يَتَكَلَّمُ بِلا عِلْم
وكَلامُه لَيسَ عن فِطنَة.
36 إذَنْ فليُمتَحَنْ أيّوبُ حَتَّى النِّهاية
بِسَبَبِ أَجوِبَتِه الَّتي هي أَجوِبَةُ أَهْلِ الآثام.
37 فإِنَّه يَزيدُ على خَطيئَتِه مَعصِيَة
فيَزرَعُ الرَّيبَةَ بَينَنا
ويُكثِرُ أَقْوالَه على الله )).
الله يُبالي بشؤون الناس
35 1 وواصَلَ أَليهو كَلامَه وقال:
2 ((أَتَحعسَبُ مِنَ العَدلِ
أَن تَقولَ: ((أَنا أبَرُّ مِنَ الله؟ ))
3 قُلتَ: (( ماذا يفيدُكَ
وأَيُّ نَفعٍ لي أَلاَّ أَخطَأ؟ ))
4 أَنا أُجيبُكَ بِالكَلام
أنتَ وأَصدِقاءَكَ مَعَكَ (1).
5 تَطِلَعْ إِلى السَّماءِ وانظُرْ
وتأَمَّلِ الغُيومَ: إِنَّها أَرفَعُ مِنكَ (2).
6 فإِن خَطِئتَ فماذا تُؤثِّر فيه؟
وإِن أَكثَرتَ مِنَ المعاصي فماذا تُلحِقُ بِه؟
7 وإِن كُنتَ بارًّا فبِماذا تَمُنُّ علَيه
وماذا يأخُذُ مِن يَدِكَ؟
8 إِنَّما شرُكَ يَضُرّ إِنْسانًا مثلَكَ
وبِرُّكَ يَنفَعُ ابنَ آدم.
9 مِن كَثرَةِ الظُّلمَ يَصرُخون
ومِن أَذُرعِ العُظَماء يَستَغيثون.
10 ولكِن لا يَقولون: أَينَ اللهُ الَّذي صَنَعَني
والَّذي يُنعِمُ بِالتَّرنيمِ لَيلاً (3)
11 الَّذي رَفَعَنا على بَهائِمِ الأَرضِ عِلمًا
وعلى طُيورِ السَّماءَ حِكمةً.
12 حينَئِذٍ يَصرُخونَ ولا يُجيب
بِسَبَبِ تَشامُخِ الأَشْرار.
13 إِنَّ اللهَ لا يَسمعُ لِلْباطِل
فإِنَّ القَديرَ لا يَلتَفِتُ إِلَيه.
14 وكَم بالأَحْرى حينَ تَقول: لا أَراه.
دَعْوايَ بَينَ يَدَيه فأَنتَظِرُهُ (4).
15 أَمَّا الآنَ فلأَنَّه لم يَفتَقِدْ بِغَضَبِه
ولم يُبالِ بِغَباوَةِ الإِنْسان
16 فلَقَد فَتَحَ أيّوبُ فَمَه بِالباطِل
وأَكثَرَ مِنَ الكَلامَ عن غيرِ عِلْم ))

المعنى الحقيقي لآلام أيوب (1)

36 1 ثُمَّ واصَلَ أَليهو كَلامَه وقال:
2 ((إِصبِرْ علَيَّ قَليلاً فأُبَيِّنَ لَكَ
فإنَّ لي عنِ اللهِ أَقْوالاً أُخْرى.
3 إِنًّي أَتَّخِذُ عِلْمي مِن بُعْدٍ
وأُعطي البِرَّ لِصانِعي.
4 في الحقيقةِ لَيسَ في أَقوالي كَذِب
بل لَدَيكَ رَجُلٌ كامِلٌ في العِلْم.
5 ها إِنَّ اللهَ قَديرٌ لا يَزدَري أَحدًا
قَديرٌ بِعَزيمةِ قَلْبِه
6 لا يُحْيي الشِّرِّير
ويُنصِفُ المَساكين.
7 لا يَصرِفُ عَينَيه عنِ البارّ
وإِن كانَ مع المُلوكِ على العَرْش
حَيثُ أَجلَسَهم لِلأَبَد فتَشامَخوا.
8 وإِذا أُوثِقوا بِالقُيود
وأُخِذوا في حِبالِ الشَّقاء
9 يُخبِرُهم بِأَعْمالِهم
ومَعاصيهم في تَجَبُّرِهم
10 ويَفتَحُ آذانَهم لِلتَّأديب
ويَأمُرُهم بِالإِقْلاعَ عنِ الإِثْم.
11 فإِن سَمِعوا وأَطاعوا
قَضوا أَيَّامَهم في الهناء
وسِنيهم في التّنَعُّم
12 وإن لم يَسمَعوا عَبَروا القَناة
وفاضَت أَرْواحُهم وهُم لا يَعلَمون.
13 لكِنَّ كُفَّارَ القُلوبِ يَدَّخِرونَ (2) غَضَبَهم
ولا يَستَغيثونَ حينَ يُقَيِّدُهم.
14 تَموتُ نُفوسُهم في الصِّبا
وتَنتَهي حَياتُهم بَينَ المأبونين.
15 أَمَّا المِسْكينُ فيُخَلِّصُه ببُؤسِه
وبَالضَّغْطِ يَفتَحُ أُذُنَه (3).
16 وأَنتَ أَيضًا يُبعِدُكَ عن فَمِ الشِّدَّة
إِلى مَكانٍ رَحْبٍ لا ضيق فيه
وأَطعِمَةُ مائِدَتِكَ مليئَة بَالدَّسَم.
17 ولكِنَّكَ مَليءٌ بِحُكمِ الشِّرِّير
فالحُكمُ والقضاءُ يُمسِكانِكَ (4).
18 إِحذَرْ (5) أَن تَستَهوِيَكَ الوَفَرة
وأَن تَحيدَ بِسَبَبِ رَشوَةٍ وافِرة.
19 أَيَكْفيكَ يُسرُكَ؟ لا، ولا الذَّهَب
ولا جَميعُ أَرْكانِ القُوَّة.
20 لا تَتَشوَّقْ إِلى اللَّيل
حَيثُ تَزولُ الشُعوبُ فجأَةً، (6)
31 إِحذَرْ أَن تتَجِهَ إِلى الإِثْم
فإِنِّ ذلك ما فَضَّلته على البُؤْس.

نشيد في الحكمة القديرة (7)

22 إِنَ اللهَ مُتعالٍ بِقُدرَتِه
فمَن يُمَاثِلُه قي المُعَلِّمين؟
23 مَن سَنَّ لَه طَريقَه
أَو قالَ له: ((قد فَعَلتَ شَرًّا؟ ))
24 أُذكُرْ أَنّ تُعَظِّمَ عَمَلَه
الَذي يُرَنِّمُ به الأَنام.
25 كُل بَشَرٍ يَراه
والإِنْسانُ يُبصِرُه مِن بَعيد
26 إِنَّ اللهَ عَظيمٌ فَوقَ ما نَعلَم
وعَدَدُ سِنيه لا يُحْصى.
27 يَجذِبُ قَطَراتِ الماء
ثُمِّ يُرَشِّحُها مَطرًا لِسَيلِه
28 الَّذي تُفيضه الغُيوم
وتَصُبُّه على جُمْهورِ البَشَر.
29 فهَل مَن يَفهَمُ انتِشارَ الغُيوم
وقَصْفَ كوخِه؟ (8).
30 نَشَرَ بَرقَه حَولَه
وغَمَرَ أُسُسَ البَحْر.
31 إِنَّه بِذلك يَدين الشُّعوب
ويُرُزقُهم طَعامًا وافِرًا.
32 يَكْسو كَفَّيهِ بِالبَرْق
ويأمُرُ لَه بِهَدَف
33 ورَعدُه يُنبِئُ بِقُدومِه
والقَطيعُ نَفْسُه يَشعُرُ بِاقترِابِه.
37 1 فلِذلكَ ارتَعَشَ قَلْبي
ووثَبَ مِن مَكانه.
2 إِسمَعوا قَصْفَ صَوته
والدَّوِيَّ الخارِجَ مِن فَمِه.
3 يُطلِقُه تَحتَ جَميعِ السَّمَوات
وبَرقُه يَبلُغُ إِلى أَطْوافِ الأَرْض
4 ووَراءَه يُزَمجِرُ صَوتٌ
يَرعُدُ بِصَوتِ جَلاله
ولا يُمسِكُ صَواعِقَه (1)
إِذا سُمِعَ صَوتُه.
يَرعُدُ الله وما أَعجَبَ صَوتَه
يَصنَعُ عَظائِمَ لا تَعلَمُها.
6 يَقولُ لِلثَّلجَ: اسقُطْ على الأَرْض
ولوابِلِ المَطَرِ، لِوابلِ أَمطارِ عِزَّتِه
7 فيَختِمُ على يَدِ كُلًّ بَشَر
لِيَعلَمَ البَشَرُ ما صَنَعَه
8 ويَدخُلُ الوَحشُ عَرينَه
ويَستَقِرُّ في مَأواه.
9 تَخرُجُ الزَّوبَعةُ مِن خِدْرِها
والبَردُ من رِياحِ الشَّمال.
10 بِنَسمَةِ اللهِ يَحدُثُ الجَليد
ويَتَجَمَّدُ سَطحُ المِياه.
11 ثُمَّ إِنَّه يَشحَنُ الغُيومَ بِالنَّدى
والغَمامُ يَنشُرُ بَرْقَه
12 فيَطوفُ مُتَقَلَّبًا كما يُديرُه
لِيَفعَلَ كُلَّ ما يَأمُرُه بِه
على وَجهِ مَعْمورِ الأَرْض
13 إِمَّا لأَجلِ قَبيلةٍ أو لأَجلِ أَرضِه
أَو لأَجلِ رَحمةٍ يُحَقِّقُه.
14 فأَصغَ إِلى هذا يا أَيُّوب
وقِفْ وتأَمَّلْ عَجائِبَ الله.
15 أَتعلَمُ كَيفَ يَتَحَكَّمُ اللهُ فيها
كيفَ يَجعَلُ بَرقَ غَمامِه يَلمعَ؟
16 أَتَعلَمُ مُوازَنَةَ الغُيوم
عَجائِبَ المَعرِفَةِ التَّامَّة؟
17 أَنتَ الَّذي ثِيابُه دافِئَة
حينَ تَسكُنُ الأَرضُ مِن هُبوبِ الجَنوب
18 أَتَستَطيعُ أَن تَبسُطَ معه الغُيوم
وهي صُلبَةٌ كالمِرَآةِ المَسبوكة؟ (2)
19 عَلِّمْنا ماذا نَقولُ لَه
فإِنَّنا لا نُحاجُّ بِسَبَبِ الظَّلام.
20 هل يُنقَلُ إِلَيه إِذا تَكَلَّمتُ؟
هل يُبَلَّغُ إِذا تَكَلَّمَ إِنْسان؟
21 والآنَ لا يُرى نورُه
إِذ إِنَّ الغُيومَ تُعَتِّمُه
ثُمَّ تَمُرُّ الرِّيح فتُبَدِّدُها.
22 مِنَ الشَّمالِ يأتي الذَّهَب
وحَولَ اللهِ بَهاءٌ مَهيب.
23 إِنَّنا لا نُدرِكُ القَدير
الرَّفيعَ القُوَّةِ والعَدْل
الكَثيرَ البِرِّ والَّذي لا يَظلِم.
24 فلِذلك يَرهَبُه الأَنام
ولا يُبالي بِكُلِّ حَكيمِ قَلْب )).

د. خُطَبُ الرب
01 الخطاب الأوّل

الحكمة الخالقة تُفحِمُ أَيّوب

38 1 فأَجابَ الرَّبُّ أَيُّوبَ مِنَ العاصفَةِ (1)
وقال:
((مَن هذا الَّذي يُسَوِّدُ تَدْبيري
بِأَقْوالٍ لَيسَت مِنَ العِلمِ بِشَيء؟
شُدَّ وَسْطَكَ وكُنْ رَجُلاً
إِنِّي سائِلُكَ فأَخبِرْني (2).
أَينَ كُنتَ حينَ أَسَّستُ الأَرْض؟
تَكَلَّمْ إِن كُنتَ عالِمًا بالفِطنَة.
5 مَن وَضعَ مَقاديرَها إِن كُنتَ تَعلَم
أَم مَن مَدَّ الحَبلَ علَيها؟ (3)
6 على أَيِّ شيَءٍ غُرِزَت قواعِدُها
أَم مَن وَضَعَ حَجَرَ زاوِيتها
7 إِذ كانَت كَواكِبُ الصُبحِ تُرَنِّمُ جَميعًا
وكُلُّ بَني اللهِ يَهتِفون؟
8 ومَن حَجَزَ البَحرَ بِمِصراعَين
حينَ اندَفَع خارِجًا مِنَ الرَّحِم
9 إِذ جَعَلت الغَمامَ لِباسًا لَه
والغَيمَ المُظلِمَ قِماطًا
10 وفَرَضتُ عليه حُكْمي
وجَعَلتُ لَه مَغاليقَ ومِصراعَين
11 وقُلتُ: إِلى هُنا تأتي ولا تَتَعَدَّى
وهُنا يَقِفُ طُغْيانُ أَمواجِكَ؟
12 أَأَنتَ في أَيَّامِكَ أَمَرتَ الصُّبْح
وعرَفتَ الفَجرَ مَكانَه
13 لِيأخُذَ بِأَطْرافِ الأَرْض
فيُنفَضَ الأَشْرارُ عنها؟
14 تَتَحوَلُ كطينِ الخاتَم (4)
فيَقومُ كُلُّ شيءٍ كأنه مَكسُوٌّ بِالثِّياب
15 ويُحرَمُ الأشرارُ نورَهم (5)
وتُحَطَّمُ الذِّراعُ المُرتَفِعة.
16 هل وَصَلتَ إِلى يَنابيعِ البَحْر (6)
أَم جُلتَ في أَعْماقِ الغَمْر؟
17 هل كُشِفَت لَكَ أَبْوابُ المَوت (7)
أَم عايَنتَ أَبْوابَ ظِلالِ المَوت؟
18 هل أَحَطتَ بِعَرضِ الأَرض؟
أَخبِرْ إِن كُنتَ عالِمًا بِكُلِّ ذلك.
19 أَينَ الطَّريقُ إِلى مَقَرًا النور؟
(8) والظّلمَةُ أَينَ مَوضِعُها
20 لِتَذهَبَ بهما إلى أَرضِهما
وتَعرِفَ طَرقَ مَسكِنِهما.
21 تَعرِفُها لأنّكَ كُنتَ قد وُلدتَ
وعَدَدُ أَيَّامِكَ كَثير.
22 هل وَصَلتَ إلى مَخازِنِ الثَّلْج
أَم عايَنتَ مَخازِنَ البَرَد
23 الَّتي ادَّخَرتُها لأَوانِ الشِّدَّة
لِيَومِ الحَربِ والقِتال؟
24 بِأَي طَريقٍ يَتَوَزَّعُ النُّور
وتَنتَشِرُ الرِّيحُ الشَّرقِيَّةُ على الأَرْض؟
25 أن شَقَّ قَناةً لِوابِلِ المَطَر
وطَريقًا لِقَصفِ الرَّعْد
26 لِيُمطِرَ على أَرضٍ لا إِنْسانَ فيها
على قَفرٍ لا بَشَرَ فيه
27 لِيُروِيَ القِفارَ المُقفِرة
وُينبِتَ فيها العُشْب؟ (9)
28 هل مِن أَبٍ لِلمَطَر
أَم أن وَلَدَ قَطَراتِ النَّدى؟ 2
29 مِن بَطنِ مَن خَرَجَ الجَليد
ومَن وَلَدَ صَقيعَ السَّماء؟
30 تَتَجَمَّدُ (10) المِياهْ كالحِجارة
ويَتَمَاسَكُ وَجهُ الغَمْر
31 أَأَنتَ تَشْدّ عقَدَ الثُّريَّا
أَم أَنتَ تَحُلّ حِبالَ الجَوزاء؟
32 أَتُطلِعُ النجومَ في أَوقاتِها
وتَهْدي النَّعشَ مع بَناتِه؟
33 هل عَلِمتَ أَحْكامَ السَّموات
أَم جَعَلتَ لَها سُلْطانًا على الأَرْض؟
34 أتَرفَعُ صَوتَكَ إِلى الغُيوم
فيُغَطِّيكَ غَمْرُ ماء؟
35 أترسِلً البُروقَ فتَنطَلِئ
وتَقولْ لَكَ: ((لَبَّيكَ ))
36 أن وَضَعَ الحِكمَةَ في أبي المِنجَل
أَم مَن أَعْطى الدِّيكَ الفِطنَة؟ (11)
37 مَن يُحْصي الغُيومَ بِحِكمَتِه
ومَن يُميلُ زِقاقَ السَّموات
38 إِذ يَتَلَبَّدُ التُّرابُ ويَتلاصقُ المَدَر؟
39 أَتَصْطادُ لِلَّبُؤَةِ (12) فَريسَتَها
وتُشبعُ شَهِيَّةَ أَشْبالِها
40 حينَ تَربِض في العَرائِن
وتَقعُدُ في أَجَمَتِها كامِنَة؟
41 مَن يَرزُقُ الغُرابَ صَيدَه
إِذ تَنعَبُ فِراخُه إِلى الله
وتَهيمُ لِعَوَزِ القُوت؟
39 هل عَلِمتَ مَتى تَلِدُ وُعولُ الصُّخور.
أَم رَقَبتَ مَخاضَ الأَيائِل؟ (1)
2 هل حَسَبتَ أَشهُرَ حَمْلِها
وعَلِمتَ أَوانَ وَضعِها؟
3 تَجثِمُ فتَدْفَع أَولادَها
وتَتَخِلَّصُ مِن مَخاضِها.
4 ثمَّ تَقْوى أَولادُها وتَكبَر
وتَخرُجُ إِلى البَرِّيَّةِ ولا تَعودُ إِلَيها.
5 مَن أَطلَقَ سَراحَ حِمَارِ الوَحْش
ومَن حَلَّ وثُقَ الأَخدَرِيّ؟
6 جَعَلتُ البَرِّيَّةَ بَيتَه
والأَرضَ المالِحَةَ مَساكِنَه.
7 يَضحَكُ على جَلَبَةِ المُدُن
ولا يَسمعُ صِياحَ الحَمَّار.
8 يَرْتادُ مرعاه في الجِبال
ويَلتَمِسُ كُلَّ خَضِر.
9 أَيَرْضى الثَّورُ الوَحشِيُّ أَن يَخدُمَكَ
أَم يَبيتُ عِندَ مَعلَفِكَ؟
10 أَتَربِطُه بِحَبلٍ إِلى خَطِّ المِحْراث
أَم يُمَشِّطُ الأودِيَةَ وَراءَكَ؟
11 أَتَتَّكِلُ على قُوَّتِه العَظيمَة
وتُفَوِّضُ إِلَيه أَعْمَالَكَ؟
12 أَتَأتَمِنُه أَن يَستَغِلَّ ما زَرَعتَ
ويَجمَعَ بَيدَرَكَ؟
13 (1) جَناحُ النَّعامَةِ يُرَفرِف
ولا يُضاهي قَوادِمَ اللَّقلَق وريشَها
14 فإِنَّها تَترُكُ بَيضها على الأَرْض
وتَحضُنُه على التُّراب
15 وتَنْسى أَنَّ الرِّجلَ تَطأَه
وأَنَّ وَحشَ البَرِّيَّةِ يَدوسُه.
16 تَقْسو على فِراخِها كأنَّها لَيسَت لَها
فلا تَأسَفُ مِن ضَياعِ تَعَبِها
17 لأَنَّ اللهَ أَذهَبَ عنها الحِكمَة
ولم يَرزُقْها الفَهْم.
18 لكِن إِذا ارتَفَعَت إِلى العُلُوّ
تَضحَكُ على الفَرَسِ وراكِبِه.
19 أَأنتَ الَّذي يُعْطي الفَرَسَ قُوَّةً (3)
ويُقَلِّدُ عُنُقَه ارتعاشًا
20 ويوثِبُه كالجَراد؟
إِنَّ مَهابَةَ صَهيلِه تُفزِع.
21 يُكدِفُ (4) في الوادي وَيمرَحُ نَشاطًا
ويَقتَحِمُ لِلِقاءِ السِّلاح.
22 يَضحَكُ على الذُّعْرِ ولا يَرهَب
ولا يَنهَزِمُ مِنَ السَّيف.
23 تصَلصِلُ علَيه الجَعبَة
وسِنانُ الرُّمحِ والمِزْراق.
24 في هَيَجانِه وفَورِه يَلتَهِمُ الأَرْض
ولا يَملِكُ نَفْسَه إِذا هَتَفَ البوق.
24 إِذا نُفِخَ في البوقِ يَقولُ: ها!
ويَسَشعِرُ القِتالَ عن بُعْد
وصِياحَ القُوَّادِ والهُتاف.
26 أَبِفِطنَتِكَ يَطيرُ البازي في الجَوّ
ويَبسُطُ جَناحَيه نَحوَ الجَنوب (5)
27 أَم بِأَمرِكَ يُحَلِّقُ العُقاب
لو يَجعَلُ وَكرَه في العَلاء؟
28 مَسكِنُه الصَّخرُ وفيه مبيتُه
وعلى أَنفِ الصَّخرِ مَعقِلُه.
29 مِن هُناكَ يَبحَثُ عن قوتِه
وعَيناه تَرَيانِه مِن بَعيد.
30 فِراخُه تَعُبُّ الدِّماء
وحَيثما كانَتِ القَتْلى فهُناكَ يَكون )).
40 1 ووَاصَلَ الرَّبُّ كَلامَه إِلى أَيُّوبَ وقال (1):
2 ((هل يُخاصمُ القَديرَ لائِمُه
وُيجيبُ اللهَ مُوَبِّخُه؟ ))
3 فأَجابَ أَيُّوبُ الرَّبَّ وقال:
4 ((تَكَلَّمتُ بِطَيشٍ فبمَاذا أُجيبُكَ؟
إِنِّي أَجعَلُ يَدي على فَمي.
5 قد تَكَلَّمتُ مَرَّةً فلا أُجيب
ومَرَّتَينِ فلا أَزيد)).

02 الخطاب الثاني

سيطرة الله على قوى الشرّ

6 فأَجابَ الرَّبُّ أَيُّوبَ مِنَ العاصِفَةِ وقال:
7 ((شُدَّ وَسْطَكَ وكُنْ رَجُلاً
إِنِّي سائِلُكَ فأَخبِرْني:
8 أَلَعَلَّكَ تَنقُضُ قضائي؟
أَتُؤثِّمُني لِتُبَرِّرَ نَفْسَكَ؟
9 أَلَكَ مِثلُ ذِراعَ الله؟
أَتَرعُدُ بِمِثْلِ صَوته؟
10 فَتَزَيَّنْ بِالعَظَمَةِ والسُّمُوّ
وتَسَربَلْ بِالمَهابَةِ والكَرامة.
11 صُبَّ فيوضَ غَضَبِكَ
وانظُرْ إِلى كُل مُتَعَظِّمٍ واخفِضْه.
12 أُنظُرْ إِلى كُلِّ مُتَعَظِّمٍ وذَلِّلْه
واسحَقِ الأَشْرارَ في مَواضِعِهم.
13 إِطمِرْهُم في التُّرابِ مَعًا
واحبِسْ وُجوهَهم في الحُفرَة (2).
14 حينَئِذٍ أَمدَحُكَ أَنا أَيضًا
لأَنَّ يَمينَكَ تُخَلِّصُكَ.
15 أُنظُرْ إِلى بَهيموتَ (3) الَّذي صَنَعتُه مِثلَكَ
إِنَّه يَأكُلُ العُشبَ مِثلَ الثَّور.
16 قُوَّته في متنَيه
وشِدَّتُه في عَضَلِ بَطنِه.
17 يَشُدُّ ذَنَبَه كالأَرْز
وأَعْصابُ فَخذَيه مَحْبوكة.
18 عِظامُه أَنابيبُ مِن نُحاس
وأَضْلاعُه حَديدٌ مُطرّق.
19 هو أَوَّلُ طُرُقِ اللهِ في الخَلْق
وصانِعُه يُعمِلُ السَّيفَ فيه.
20 فالجِبالُ تُخرِجُ لَه الطَّعام
وحَولَه تَلعَبُ جَميعُ وُحوشِ البَرِّيَّة.
21 يَربِض تَحتَ عَرائِسِ النِّيل
ويَختَبِئُ تَحتَ القَصَبِ في المُستَنقع.
22 تُخَيِّمُ علَيه عَرائِسُ النِّيلِ بِظِلِّها
ويُحيطُ بِه صَفْصافُ الوادي.
23 إِن طَغى علَيه النَّهْرُ لم يَحفَلْ.
هو مُطمَئِن ولَوِ اندَفَقَ أُردُنٌّ في فَمِه.
24 فمَن (4) يَصطادُه مُواجَهَةً
ويَثقُبُ أَنفَه بِأَوتاد.

لَوِياثان

25 أَمَا لَوِلاثان (5) أَفتُمسِكُه بِشِصّ أَم تَربِطُ لِسانَه بحَبْل؟
26 أَتَجعَلُ في أَنْفِه أَسَلَة
وتَثقُبُ فَكَّه بِكُلاَّب؟
27 أَيُكثِرُ إِلَيكَ مِنَ التَّضَرُّعات
أَم يُخاطِبُكَ بِالاستِعْطاف؟
28 أيَقطعُ مَعَكَ عَهْدًا
فتتَخِذه لَكَ عَبْدًا مُؤَبَّدًا؟
29 أتلاعِبُه كالعُصْفور
وتَربِطُه لُعبَةً لِبَناتِكَ؟
30 أَيُتاجِّرُ بِه شُرَكاء
ويُوَزِّعونَه على التُّجَّار؟ (6).
31 أتُسخِنُ جِلدَه بِالأَسِنَّة
ورَأسَه بِحِرابِ الحوت؟
32 ضَعْ يَدَكَ علَيه:
تَذَكَّرِ القِتالَ فلَن تَعود.
41 1 لقَد خابَ أَمَلُ صَيَّادِه
أَفلا يُصرَعُ الإِنسانُ لِمُجرَدُِ رؤيَتِه؟
2 لا يَجرُؤُ أَحَدٌ أَن يُثيرَه
فمَنِ الَّذي يَقِف أَمامَ وَجْهي؟
3 مَن بادَأَني بِنِعمَةٍ فأُوفيَ لَه؟
وكُلُّ ما تَحتَ السَّمواتِ هو لي.
4 إِنِّي لا أَسكُتُ عن وَصفِ أَعْضائِه
وبَيانِ مآثِرِه وحُسنِ بِنيَته.
5 مَن كَشَفَ مُقَدَّمَ لِباسِه
ومَن يَدخلُ بَينَ صَفَّي دِرعِه؟ (1)
6 مَن فَتَحَ مِصْراعَي فَمِه؟
إِنَّ دائِرَةَ أَسْنانِه هائِلَة.
7 ظَهرُه (2) صُفوفُ تُروس
مَخْتومةٍ بِخَتمٍ مُلَزَّز
8 يَنضَمُّ بَعضُها إِلى بَعْض
فلا تَتَسَلَّلُ الرِّيحُ بَينَها.
9 كُلٌّ مِنها مُلتَصِقَةٌ بِالأُخْرى
فهِي مُتَماسِكةٌ لا تَنفَصِل.
10 عُطاسُه يَقدَحُ النُّور (3)
وعَيناه كأَجْفانِ الفَجْر
11 تَخرُجُ مِن فَمِه مَشاعِل
ويَتَطايَرُ مِنه شَرَرُ النَّار.
12 ومِن مِنخَرَيه يَنبَعِثُ دُخان
كأَنَّه مِن قِدْرٍ تَغْلي على النَّار.
13 نَفَسُه يُضرِمُ الجَمْر
ومِن فَمِه يَخرُجُ لَهيب.
14 في عُنُقِه تَكمُنُ القُوَّة
وأَمامَه يَعْدو الهَوْل.
15 مَطاوي لَحمِه مُتَلاصِقَة
مَسْبوكةٌ علَيه لا تَتَزَحزَح.
16 قَلبُه صُلْبٌ كالحَجَر
وقاس كالرَّحى السُّفْلى.
17 عِدَ نهوضِه تَرْتاعُ الآلِهة
ومِنَ الذُّعرِ يَنصَرِفون.
18 لا يثبُتُ السيفُ الَّذي يُصيبُه
ولا الرُّمحُ ولا المِزْراقُ ولا السِّنان.
19 يَحسَبُ الحَديدَ تِبْنًا
والنُّحاسَ خَشبًا مُسوِّسًا.
20 لا يُهزِمُه صاحِبُ القَوس
وحِجارَةُ المِقْلاعِ تَنقَلِبُ قَشًّا.
21 يَحسَبُ المِطرَقَةَ قَشًّا
ويَضحَكُ على اهتِزازِ الحَربَة.
22 مِن تَحتِه شَقَفٌ مُحَدَّد.
كالمُشطِ يَزحَفُ على الطِّين.
23 يُغْلي الهاوِيةَ كالمِرجَل
وُيحَولُ البَحرَ إِلى قِدرِ طيب.
24 يَخُطُّ وراءَه سبيلاً نَيِّرًا
فيُحسَبُ الغَمر شَعَرًا أَشيَب (4).
25 لَيسَ لَه في الأَرضِ مَثيل
وقد طُبعَ على عَدَم الخَوف.
26 يُسَدِّدُ نَظَرَه إِلى كُلِّ مُتَعالٍ
وهو مَلِكٌ على جَميعَ بَني الكِبرِياء)) (5).

جواب أيوب الأخير

42 1 فأجاب أَيُّوبُ الرَّبَّ وقال:
2 ((قد عَلِمتُ أنَّكَ قادِرٌ على كُلِّ شَيء
فلا يَستَحيلُ علَيكَ مُراد.
3 مَن ذا الَّذي يُخْفي التَّدْبيرَ في غَيرِ عِلْم؟ (1)
إِنِّي قد أَخبَرتُ مِن غَيرِ أَن أُدرِك
بِعَجائِبَ تَفوقني ولا أَعلَم.
4 إِسمع فأَتَكَلَّم
أَسألُكَ فأَخبِرْني.
5 كُنتُ قد سَمِعتُكَ سَمعَ الأُذُن
أَمَّا الآنَ فعَيني قد رَأَتكَ (2).
6 فلِذلك أَرجعُ عن كَلامي
وأَندَمُ في التُّرابِ والرَّماد)) (3).

هـ. الخاتمة

الربّ يلوم الحكماء الثلاثة

7 وكانَ، بَعدَ أَن كَلَّمَ الرَّبُّ أَيُّوبَ بِهذا الكَلام، أَن قالَ لأَليفازَ التَّيمانِيّ: ((إِنَّ غَضبي قدِ اضطَرَمَ علَيكَ وعلى كِلا صاحِبَيكَ، لأَنَّكم لم تَتَكَلَّموا علَيَّ بَحَسَبِ الحَقِّ كعَبْدي أَيُّوب. 8 فخُذوا الآنَ لَكم سَبعةَ ثيرانٍ وسَبعَةَ كِباش، واذهَبوا إِلى عَبْدي أَيُّوب، وأَصعِدوا مُحرَقةً عنكم، وعَبْدي أَيُّوبُ يُصَلِّي مِن أَجلِكم، فإِنِّي أرفَعُ وَجهَه (4) ولا أُعامِلُكم بِحَسَبِ حَماقَتِكم، لأَنَّكم لم تَتَكَلَّموا علَيَّ بِحَسَبِ الحَقِّ كَعَبْدي أَيُّوب )). 9 فذَهَبَ أَليفاُز التَّيمانِيُّ وبِلدَدُ الشُّوحِيّ وصوفر النَّعماتِيّ، وصَنَعوا ما أَمَرَهمُ الرَّبُّ، ورَفَعَ الرَّبُّ وَجهَ أَيُّوب.

الرَّب يَرُدُ لأَيُّوب ثروته

10 وأَعادَ الرَّبُّ لأيُّوبَ مَكانَتَه، لأَنَّه صلَّى لأَجلِ أَصدِقائِه. وزادَ اللهُ أَيُّوبَ ضِعفَ ما كانَ لَه قَبلاً. ((وزارَه جَميعُ إِخوَته وأَخَواتِه كلُّ مَن كانَ يَعرِفُه مِن قَبلُ، وأَكَلوا معَه خُبزًا في بَيتِه، ورَثَوا لَه وعَزَّوه عن كُلِّ المُصيبَةِ الَّتي أَنزَلَها الرَّبُّ به، وأَهْدى لَه كُلٌّ مِنهم فِضَّةً (5) وخُرصًا مِن ذَهَب. 12 وبارَكَ الرَّبُّ آخِرَةَ أَيُّوبَ أَكثَرَ مِن أُولاه. فكانَ لَه مِنَ الغَنَم أَربَعَةَ عَشَرَ أَلْفًا، ومِنَ الإِبلِ سِتَّةُ آلاف، وأًلفُ فَدَّانٍ مِنَ البَقَر وأَلفُ أَتان. 13 وكانَ لَه سَبعَةُ بَنينَ وثَلاث بَنات. 14 وسمَّى الأُولى يَمَامة والثَّانِيَةَ صَبْرًا والثَّالِثَةَ قَرنَ كُحْل. 15 ولم توجَدْ نِساءٌ في الحُسْنِ كبَناتِ أيُّوبَ في الأَرضِ كُلِّها. وأَعطاهُنَّ أَبوهُنَّ ميراثًا بَينَ إِخوَتِهنَّ (6).
16 وعاشَ أَيُّوبُ بَعدَ هذا مِئَةً وأَربَعينَ سَنَةً، ورأَى بَنيه وبَني بَنيه إِلى أَربَعَةِ أَجْيال. 17 ثُمَّ ماتَ أَيُّوبُ شَيخًا كَبيرًا قد شَبِعَ مِنَ الأَيَّام.