أمرنا مترفيها ففسقوا فيها
مشاركة : مسلم سلفي
قال ابن القيم رحمه الله وهو يبين أنواع الأمر في القرآن :
( والأمر
الكوني كقوله : (إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ) ، وقوله : ( وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر) ، وقوله : ( وكان أمر
الله مفعولا ) وقوله : ( وكان أمرا مقضيا ) ،
وقوله : (
وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها ) فهذا أمر تقدير كوني لا أمر ديني شرعي فإن الله لا يأمر بالفحشاء .
والمعنى
قضينا ذلك وقدرناه .
وقالت
طائفة : بل هو أمر ديني والمعنى أمرناهم بالطاعة
فخالفونا وفسقوا .
والقول
الأول أرجح لوجوده :
أحدها : أن
الأضمار على خلاف الأصل فلا يصار إليه إلا إذا لم يكن تصحيح الكلام بدونه
الثاني :
أن ذلك يستلزم أضمارين أحدهما أمرناهم بطاعتنا الثاني فخالفونا أو عصونا ونحو
ذلك
الثالث :
أن ما بعد الفاء في مثل هذا التركيب هو المأمور به نفسه
كقولك أمرته ففعل وأمرته فقام وأمرته
فركب لا يفهم المخاطب غير هذا
الرابع :
أنه سبحانه جعل سبب هلاك القرية أمره المذكور ومن المعلوم أن أمره بالطاعة
والتوحيد لا يصلح أن يكون سبب الهلاك بل هو سبب للنجاة والفوز .
فإن قيل
أمره بالطاعة مع الفسق هو سبب الهلاك قيل هذا يبطل بالوجه
الخامس
:وهو أن هذا الأمر لا يختص بالمترفين بل هو سبحانه يأمر بطاعته واتباع رسله المترفين وغيرهم فلا يصح تحصيص الأمر بالطاعة بالمترفين يوضحه
الوجه السادس :أن الأمر لو كان بالطاعة لكان هو نفس إرسال رسله إليهم
ومعلوم أنه لا يحسن أن يقال أرسلنا رسلنا إلى
مترفيها ففسقوا فيها فإن الإرسال لو كان إلى المترفين لقال من عداهم نحن لم يرسل
إلينا
السابع :
أن إرادة الله سبحانه لإهلاك القرية إنما يكون بعد إرسال
الرسل إليهم وتكذيبهم وإلا فقبل ذلك هو لا يريد إهلاكهم لأنهم معذورون بغفلتهم وعدم
بلوغ الرسالة إليهم قال تعالى : (وما كان الله ليهلك القرى بظلم وأهلها غافلون )
فإذا أرسل الرسل فكذبوهم أراد إهلاكها فأمر رؤسائها ومترفيها أمرا كونيا قدريا لا
شرعيا دينيا بالفسق في القرية فاجتمع أهلها على تكذيبهم وفسق رؤسائهم فحينئذ
جاءها أمر الله وحق عليها قوله بالإهلاك .
والمقصود
ذكر الأمر الكوني والديني . ومن الديني قوله : ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان ..)
وقوله : (
إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ) . وهو كثير .) انتهى من شفاء
العليل لابن القيم
منقول من
منتدي أهل التفسير
مشاركة : متعلم
الذى اختاره ابن القيم هو الأرجح، على ما فى الرأى الآخر من وجاهة.
فإن قيل:
سلمنا بأن الله لم يأمر شرعـًا بالضلال، لكنه قدَّر ضلال العبيد كونـًا وقضاه.
قلنا: لم
يقدِّر الله فسقهم إلا جزاءً لهم، كما قال تعالى: « وما يضل به إلا
الفاسقين ».
« والقرآن
من أوله إلى آخره إنما يدل على أن الطبع والختم والغشاوة
لم يفعلها الرب سبحانه بعبده من أول وهلة حين أمره بالإيمان أو بينّه له، وإنما
فعله بعد تكرار الدعوة منه سبحانه، والتأكيد في البيان والإرشاد، وتكرار الإعراض منهم،
والمبالغة في الكفر والعناد، فحينئذ يطبع على قلوبهم ويختم عليها فلا تقبلُ
الهدى بعد ذلك. والإعراض والكفر الأول لم يكن مع ختم وطبع، بل كان اختيارًا، فلما
تكرر منهم صار طبيعةً وسجيةً. فتأمل هذا المعنى في قوله تعالى: { إن الذين كفروا
سواءٌ عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون، ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم،
وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذابٌ عظيم }. ومعلوم أن هذا ليس حكماً يعم جميع الكفار، بل
الذين آمنوا وصدقوا الرسل كان أكثرهم كفاراً قبل ذلك ولم يختم على قلوبهم وعلى
أسماعهم. فهذه الآياتُ في حق أقوام مخصوصين من الكفار، فعل الله بهم ذلك عقوبةً منه
لهم في الدنيا بهذا النوع من العقوبة العاجلة، كما عاقب بعضهم بالمسخ قردة
وخنازير، وبعضهم بالطمس على أعينهم، فهو سبحانه يعاقب بالطمس على القلوب كما يعاقب
بالطمس على الأعين، وهو سبحانه قد يعاقبُ بالضلال عن الحق عقوبة دائمة مستمرة، وقد
يعاقب به إلى وقتٍ ثم يعافي عبده ويهديه كما يعاقب بالعذاب كذلك ».
فإن قيل:
كيف يضلهم ثم يحاسبهم عليه ؟
قلنا: لم يضلهم بأن أجبرهم على الضلال، وإنما منعهم هدايته وتوفيقه.
« فإذا شاء
[الله] أن يهدى عبدًا، صرف داعيه
ومشيئته وإرادته إلى معاشه ومعاده. وإذا شاء أن يضله، تركه ونفسه وتخلى عنه. والنفس
متحركة بطبعها لا بد لها من مراد محبوب هو مألوهها ومعبودها، فإن لم يكن الله وحده
هو معبودها ومرادها، وإلا كان غيره لها معبودًا مرادًا ولا بد، فإن حركتها
ومحبتها من لوازم ذاتها، فإن لم تحب ربها وفاطرها وتعبده، أحبت غيره وعبدته، وإن
لم تتعلق إرادتها بما ينفعها فى معادها، تعلقت بما يضرها فيه ولا بد ».
فالنفس «
إذا شاء [الله] إضلالها، تركها ودواعيها، وخلى بينها وبين ما تختاره، وإذا شاء
هداها، جذب دواعيها وإرادتها إليه، وصرف عنها موانع القبول ... وهذا بمشيئته وقدرته
... لكن يكون ما يشاء بأسباب وحكم ».
« وهذا
الترك أمر عدمى، لا يستدعى فاعلاً، فإن تأثير الفاعل إنما فى الوجود لا فى العدم ».
[ والكلام
المقتبس من كتاب ( شفاء العليل ) لابن القيم ]
وهذا رابط جيد ينقل كلامـًا نفيسـًا لابن القيم ينفع المسلم إن شاء الله فى فهم المسألة:
http://70.84.212.52/vb/showthread.php?t=2687
والنقل من نفس الكتاب ( شفاء العليل فى مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل
). وأذكر وصف الشيخ ( فوزى السعيد ) له بأنه
( رسالة دكتوراه ابن القيم ) !
والنصارى
فى هذا المقام لهم قولان:
الأول قول
عوامهم. وهؤلاء يستنكرون نسبة وقوع الشر إلى الله مطلقـًا لفظـًا أو
معنىً. والرد على هؤلاء يكفى فيه سؤالهم عمن خلق هذا الشر ؟. ثم إسماعهم ما قاله
كتابهم الذى يقدسونه فى هذا الصدد؛ لأن عبارات كثيرة تنسب وقوع الشر إلى الله، وقد
بلغت هذه العبارات من الكثرة ما يغنى عن التمثيل. ويلزمهم الإجابة عن ذلك كما
يلزمنا. والغالب أنهم لا يعرفون الإجابة عن هذا ولا ذاك، فإذا أضفت إلى ذلك ضيق صدورهم بأى حديث عن عقيدتهم أو كتابهم، فلن تتعجب من اتهامك لك ساعتها بأنك ( تحرف ) الموضوع !
والثانى
قول بعضهم. وهؤلاء يعرفون أن الشر واقع فى خلق
الله. ويدركون أن ما يرِد على الآيات القرآنية لا يزيد عما يرد على عبارات كتابهم
المقدس. ولكنهم يحبون التشويش على عوام المسلمين. وهذا فارق بين النصارى والمسلمين.
فالمسلم لا
يُلزم النصرانى أبدًا بما لا يلزمه، إلا إذا كان ذلك المسلم غافلاً
أو جاهلاً. وأما النصارى فحذاقهم يُلزمون المسلمين بما لا يلزمهم وهم يعلمون.
وهذا أحد
الأسرار وراء طول عمر الشبهات النصرانية ! .. ذلك الأمر الذى
لاحظه الجميع تقريبـًا وتعجبوا منه. والشبهة عند النصارى ( باقية ) إن لم تكن (
قديمة ) أيضـًا ! .. فمن أسباب ذلك معرفتهم أن الشبهة التى لا تنفع مع طالب
العلم قد تنفع مع من هو دونه، والسؤال الذى إجابته حاضرة عند البعض، قد لا تكون
إجابته حاضرة عند البعض الآخر. ولذلك قد تجد الواحد من النصارى يتدرج مع المسلم فى
الحوار، بما يبين ما قلنا.
ومثال ذلك:
أن النصرانى قد يجابه المسلم ببعض عبارات من
العهد القديم مدعيـًا أنها تثبت التثليث. فإذا ( شربها ) المسلم حمد
النصرانى ربه. وأما إذا نبهه المسلم إلى أن العبارات ـ مع التنزل جدلاً ـ لا تفيد إلا
التعدد العام لا التثليث الخاص، هنا ـ وهنا فقط ـ يقول النصرانى: ( لا أريد من
هذه العبارات إثبات التثليث خاصة لكن يكفينى دلالتها على التعدد، وأما تعيين التثليث
فقد علمناه من العهد الجديد ). فهذا النصرانى كان يعلم الحق منذ البداية، لكنه لا
يفوه به إلا إذا اضطره المسلم لذلك. ولا تجد هذا من المسلم ـ بفضل الله وحده ـ إلا
إذا غفل أو جهل. على حين يكثر وقوعه من قساوسة النصارى على الخصوص، وممن
دونهم.
والمقصود
أن الرد الذى نفع مع العوام ينفع مع غيرهم، وإن أظهروا خلاف ذلك
بادئ الأمر.
ومن
النصارى مَن يقول بقول المسلمين فى هذه المسألة، وإن
لم تكن عندهم بهذا الوضوح. لكنهم عادة يرفضون إظهار إجابتهم، لأن غرضهم ليس الجدال
بالحسنى، وإنما هو التشويش على الحق، فيكتفون بمطالبة المسلم بالإجابة، وإذا
طالبهم بإجابة نفس السؤال عندهم رفضوا، يريدون حصره دومـًا فى موقف الدفاع.
وأما
المسلم فهو مأمور بمجادلة أهل الكتاب بالحسنى إلا الذين ظلموا، ومن المجادلة
بالحسنى ألا تلزم خصمك إلا بما يلزمه. وألا ترفض إجابته على سؤال هى نفس إجابتك
عنه.
ويبقى فى
المسألة أن المسلم يستقيها بكل وضوح، بفضل العليم الحكيم،
وهى عند القوم مشوشة مغبشة. وأن المسلم يستقيها من قول الله وقول رسوله، وهى عندهم
من اجتهادات أحبارهم لا من صريح النصوص المنسوبة إلى الأنبياء.
والله
تعالى أعلى وأعلم.
مشاركة : د\هشام عزمي
إقتباس:
المشاركة الأصلية بواسطة
متعلم والنصارى فى هذا المقام لهم قولان: |
جزاك الله خيرًا أخي الحبيب متعلم .. والقولان هما لفريقين من ملل
النصارى : فالأرثوذكس والكاثوليك قدرية لا ينسبون الشر لله أبدًا ولا يعتقدون أن
لله قضاءًا وقدرًا على عباده ؛ أما البروتستانت فهم جبرية يرون أن الخير والشر بيد
الله وأن كل أفعال العبد هو في الحقيقة مجبور عليها لايد له في توجيهها .
وهذان
القولان لم أكن أعلم بوجودهما إلا عندما قرأت تشنيعات الفريقين على بعضهم
البعض والتي نقلها الشيخ رحمت الله الهندي في كتابه (إظهار الحق) .. والرد على أي من
الفريقين هو كما قلت أخي الحبيب ، وقد نهج الشيخ رحمت الله هذا المنهج في رده
على شبهة مماثلة .
ولله الحمد
من قبل ومن بعد .
مشاركة : رحيم
لتوضيح الفرق بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية بأسلوب ميسَّر
قريب، إليكم جوابي على شبه " هل الله
يقدر الشرور ؟ ".
--------------------------------------
المطلب
الخامس: القدَر في القرآن الكريم:
في القرآن الكريمYسبق في المطلب الأول بيان
شبهتهم في أن الله ، ومثله سؤال عبد اللهYيريد ضلال الناس، وجعلوا ذلك
طعناً في استحقاقه للعبادة الفادي في صفحة (#) هل الله يقدر الشرور ؟
" جاء
في سورة الطلاق 3 إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ
اللهُ لِكُلِّ شَيْءِ قَدْراً. وجاء في سورة الإنسان 30 وَمَا تَشَاؤُونَ إِلا أَنْ
يَشَاءَ اللهُ. وجاء في سورة القمر 51-53 وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ
فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ كُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ وَكُلُّ صَغِيرٍ
وَكَبِيرٍ مُسْتَطَر. وجاء في سورة القدر 1-4 إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ
وَمَا أَدْرَاكَ مَا ليْلَةُ القَدْرِ لَيْلَةُ القَدْرِ خَيْرٌ مِنْ
أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ المَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ
كُلِّ أَمْرٍ.
ومن هذه
الآيات والكثير غيرها يرى الإسلام أن كل ما يقع في الوجود
من خير وشر هو من عند الله! فيكون الله هو علةَ الشرور ابتداءً! وتكون رسالة
الأنبياء وتكليفهم بالكرازة والدعوة عبثٌ لا ضرورة له ولا فائدة فيه ! ".
وزعمت تلك
الصفحة أن إله المسلمين يأمر بالضلال وييسر سبله للناس: " الله يضلّل
الإنسان ويعذّبه! جاء في سورة إبراهيم 4 فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ... ونحن
نسأل: أي إله هذا الذي يُضل الناس الذين
خلقهم ليملأ بهم جهنم، بعد أن قضى بهذا منذ الأزل قضاءً مبرما لا مفرّ منه بالضلالة
والعذاب ؟ فأين كرامة الإنسان، وأين حرية إرادته ؟ وما معنى الأوامر والنواهي والشرائع
والترغيب بالثواب والتحذير بالعقاب ؟ ".
وجواب ذلك:
[من الشريط الثامن في شرح العقيدة الطحاوية للدكتور سفر الحوالي]
إرادة الله
تعالى في القرآن الكريم على نوعين:
" أولاً: الإرادة الكونية القدرية:
وهي أن ما
أراده الله وقضاه كوناً وقدراً قبل أن يخلق السماوات والأرض، جرت به
المقادير وجفت به الأقلام، فلا ينسخه شيء، وهو في اللوح المحفوظ، ومن هذه
الإرادة: أن الله ـ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ـ أراد أن يوجد فرعون ويكون كافراً، ويكذب موسى ثُمَّ يغرق، وأن يكفر أبو لهب، وأن
يكون من أهل النار، قال الله تعالى: "
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً " [الفرقان:31]، وهذه الإرادة لا
يخرج عنها شيء بإطلاق، فإن الله ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ قد شاء وأراد وكتب وقضى، وقدر
طاعة المطيع ومعصية العاصي، وكفر الكافر، وشرك المشرك، وبدعة المبتدع، والحياة
والموت " وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي
كِتَابٍ مُبِينٍ " [الأنعام:59] حتى سقوط الحبة يابسة جافة في ظلام الليل، لا يسمعها الإنسَان وهو في جوارها؛ فإنها
مكتوبة. حتى حركة الذر، وحركة أصغر الكائنات ـ
الميكروبات أو الجراثيم ـ كل شيء مكتوب، فهذه الإرادة الكونية شاملة لجميع الموجودات
والكائنات، ولذلك نقول: أراد الله كذا. أي: خلقه وقدره وشاء وقوعه.
ثانياً:
الإرادة الشرعية الأمرية:
هذه
الإرادة الشرعية مثل إرادة الله منا أن
نصلي ونزكي، وإرادته من قوم نوح أن يؤمنوا، ومن فرعون أن يؤمن، ومن أبي لهب أن
يؤمن، فهنا شرع وطلب ذلك.
والفرق أن
الإرادة الأولى: فعل من الله ـ عَزَّ
وَجَلَّ ـ هو كتبه وأمضاه وقدره، وأما الإرادة الثانية: فعل من العبد مطلوب
منه أن يفعله، فالكونية (أراد) بمعنى: خلق وقدر، والشرعية (أراد) بمعنى: أمر
ونهى، فهما إرادتان مختلفتان، فالله ـ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ـ يقول: "
إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ "
[القصص:56] " فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ
صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا
يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ " [الأنعام:125] ويقول نوح لقومه: " وَلا
يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْu كَانَ َ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ
" [هود:34] وقول الله عَزَّ وَجَلَّ: " وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا
اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ " [البقرة:253] وقوله عَزَّ وَجَلَّ: " فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ
" [البروج:16] وقوله تعالى: " لا يُسْأَلُ
عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ " [الأنبياء:23] فهذه الإرادة الكونية.
وأما
الإرادة الشرعية الأمرية فمثل قول الله سبحانه: " يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ "
[البقرة:185] أي: شرع لكم. " وَاللَّهُ يُرِيدُ
أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ
تَمِيلُوا مَيْلا عَظِيماً " [النساء:27] ويقول: " يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ
مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ
عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ " [النساء:26]. ويقول: " مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ
يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ " [المائدة:6]
فلم يرد الله لنا شرعاً أن نقع في حرج، لكن قد نقع فيه قدراً كونياً.
فالله ـ
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ـ أراد كوناً وقدراً أن أبا لهب وفرعون لا يؤمنان، بل
يكونان كافرين، وأراد منهما شرعاً وأمراً أن يؤمنا، ، فكفر فرعون وأبو لهب بهذهr ومُحَمَّد uوجاءت لهما البراهين والبينات
من موسى الآيات وبهذا النور المبين، فاستحق كل
منهما عذاب الله ولم تتحقق فيهما الإرادة الشرعية؛ لأنها من فعل العبد،
فلا يلزم أن تتحقق ولا أن تقع، وإنما له الخيار أن يفعل فيدخل الجنة، أو أن يعصي
فيدخل النار، فوقع من أبي لهب وفرعون اختيار الكفر، أما المؤمن كـأبِي بَكْرٍ
وعُمَر ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما ـ فإن الله تَعَالَى أراد لهما الهداية كوناً وقدراً وكتب عنده في اللوح المحفوظ أنهما يكونان
مؤمنين قبل أن طلب منهما طلباً وشرعاً أنrيخلق السماوات والأرض، فلما بعث
الله نبيه محمداً يؤمنا فآمنا، فتحققت فيهما إرادة الله
الكونية التي لا يقع شيء إلا وفقها ومقتضاها، وتحققت الإرادة الشرعية التي هي
محل اختيار العبد ". ا.هـ
قلت:
نعم ـ عِلمُ العليم الخبير منذ
الأزل ـ ووفقYلا شيء في الكون يحدث إلا بعلم
سابق لله نواميسه الضابطة للكون، وتحت قدرة القدير
الجبار سبحانه وتعالى.
فمِن سنن في الكون: أن النار تحرق جلد
الإنسان.Yالله
ومَن وضع
يده داخل النار، يحترق جلده.
هي سبب ذلك الحرق، فإن الله تعالى هو الذي
أحرقه..Yفبما أن سنة الله كونه لم يحترق جبراً عن الله
تعالى، بل تحت سلطته، فنقول: تلك مشيئة الله تعالى.
ولكن
الإنسان الذي أحرق نفسه، هو المعاتَبُ على ذلك بداهة.
للناس، وعدم إجبارهم على تركYكذلك الحال بالنسبة لهدى الله الضلال..
له سبلها،Yفمن نواميس الكون، أن مَن أقبل
على الهداية، يسَّر الله ومن ثم نقول: أراد الله له الخير. قال
تعالى: " فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ
فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ
صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا " [النساء: 175].
ومن أصر
على الكفر، وسد أذنيه عن سماع الحق،
يكون قد ابتعد برجليه عن طريق الهدى، وتلمس طرق الضلال، عندها نقول: لم يرد
الله له الخير. قال تعالى: " كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ
حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ
وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ " [آل عمران: 86].
أن أضِلَّ، ولا راد لقضائهYأما إن اعترض معترضٌ بأنها
مشيئة الله وقدره.. فرد القرآن الكريم عليه واضح يسير:
" سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا
وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ
مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ
فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلا
تَخْرُصُونَ " [الأنعام: 148]. فمَن الذي أخبرك يا مسكين أنك من أهل الضلال ؟ هل صعدت إلى السماء واطلعت على اللوح المحفوظ ؟ أم
أن لك صفات كصفات الإله ؟!
الناس على الهدى لانتفت الحكمة من خلقهم،
وتفردهمYلو أجبر الله على سائر المخلوقات بحرية
التدبر والتفكر في النفس والكون؛ لعمارة الأرض والخلافة فيها.
أما إن
رفضوا هذا التفسير، وأصروا على الأخذ بظاهره، فقد ورد في كتابهم المقدس نصوصاً تفيد أن الإنسان غير مسؤول عن عمله..
جاء في سفر
إشعيا [45/7] أن الرب " مصور النور خالق
الظلمة وصانع السلام وخالق الشر. أنا الرب صانع كل هذه ".
وفي سفر
حزقيال [14/6] " النبي إذا ضل وتكلم بكلام، فأنا الرب أضللت ذلك النبي ".
وقد أضل
ربهم (يهوه) فرعونَ فقال: " إني أقسي قلب فرعون " [الخروج 7/3].
ويقول بولس
عن الرب [رومية 9/18-22] " هو يرحم من يشاء ويقسي من يشاء، فتقول لي: لماذا يلوم بعد؟ لأن من يقاوم مشيئته! بل من أنت أيها
الإنسان الذي تجاوب الله ؟ ألعل الجبلة تقول
لجابلها لماذا صنعتني هكذا ؟ أم ليس للخزاف سلطان على الطين أن يصنع من كتلة واحدة
إناء للكرامة، وآخر للهوان، فماذا إن كان الله وهو يريد أن يظهر غضبه ويبين قوته
احتمل بأناة كثيرة آنية غضب مهيأة للهلاك..".
----------------------------------------------------------------------------
وهنا السؤال: هل يؤمن قدريَّتهم بهذه النصوص ؟ وكيف يفسرونها ؟
مشاركة : د\هشام عزمي
إقتباس:
المشاركة الأصلية بواسطة
رحيم فقد ورد في كتابهم المقدس نصوصاً تفيد أن الإنسان غير مسؤول عن عمله.. |
هم يتأولونها على نحو تأويلات القدرية من أهل القبلة كالمعتزلة والشيعة
لأيات الكتاب العزيز .. وهذا من جنس التحريف المعنوي الذي شنع به القرآن على أهل
الكتاب ؛ قال النسفي في تفسير { يحرفون الكلم عن مواضعه } : (( يفسرونه على غير ما أنزل )) تفسير النسفي ج1 ص312 .
فائدة :
فرّق
النسفي رحمه الله بين الآية السابقة وبين قوله
تعالى { يحرفون الكلم من بعد مواضعه } فقال : (( أي يزيلونه ويميلونه عن مواضعه
التي وضعه الله فيها فيهملونه بغير مواضع بعد أن كان ذا موضع )) المصدر السابق ص322 .
وشرح هذا
المعنى في تفسير سورة النساء فقال رحمه
الله : (( لأنهم إذا بدلوه ووضعوا مكانه كلمًَا غيره فقد أمالوه عن مواضعه في التوراة التي وضعه الله
تعالى فيها وأزالوه عنها مقامه وذلك نحو
تحريفهم "أسمر ربعة" عن موضعه في التوراة بوضعهم "آدم طوال" مكانه )) المصدر السابق ص256 .
ففسر
إحداهما بتحريف المعنى والأخرى بتحريف اللفظ .. والله
أعلم .
مشاركة : د\هشام عزمي
عودة للموضوع الأصلي ، فالمسألة فيها ثلاثة أقوال ذكرها العلامة الشنقيطي في تفسيره (أضواء البيان) ونصر القول الأول فيها
ورجحه ؛ قال رحمه الله :
قوله
تعالى: {وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ
فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا}. في معنى قوله
{أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} في هذه الآية الكريمة ثلاثة مذاهب معروفة عند علماء
التفسير:
الأول وهو
الصواب الذي يشهد له القرآن، وعليه جمهور
العلماء أن الأمر في قوله {أَمْرُنَا}
هو الأمر الذي هو ضد النهي، وأن متعلق
الأمر محذوف لظهوره. والمعنى: {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} بطاعة الله
وتوحيده، وتصديق رسله وأتباعهم فيما جاؤوا به {فَفَسَقُواْ} أي خرجوا عن طاعة
أمر ربهم، وعصوه وكذبوا رسله {فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ} أي وجب عليها الوعيد {فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} أي أهلكناها إهلاكاً مستأصلاً. وأكد فعل التدمير بمصدره للمبالغة في شدة الهلاك الواقع
بهم.
وهذا القول الذي هو الحق في هذه الآية تشهد له آيات كثيرة. كقوله:
{وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا
عَلَيْهَآ ءَابَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لاَ
يَأْمُرُ بِالْفَحْشَآءِ}. فتصريحه جل وعلا بأنه لا يأمر بالفحشاء دليل واضح على أن قوله
{أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ} أي أمرناهم بالطاعة فعصوا. وليس المعنى
أمرناهم بالفسق ففسقوا. لأن الله لا يأمر بالفحشاء.
ومن الآيات
الدالة على هذا قوله تعالى: {وَمَآ أَرْسَلْنَا فِى قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ
قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَوَقَالُواْ نَحْنُ
أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلَاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ}.
فقوله في
هذه الآية {وَمَآ أَرْسَلْنَا فِى قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ}، لفظ عام في جميع
المترفين من جميع القرى أن الرسل أمرتهم بطاعة الله فقالوا لهم: إنا بما أرسلتم به
كافرون، وتبجحوا بأموالهم وأولادهم. والآيات بمثل ذلك كثيرة.
وبهذا
التحقيق تعلم: أن ما زعمه الزمخشري في كشافه من أن معنى {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} أي
أمرناهم بالفسق ففسقوا. وأن هذا مجاز تنزيلاً لإسباغ النعم عليهم الموجب لبطرهم
وكفرهم منزلة الأمر بذلك كلام كله ظاهر السقوط والبطلان. وقد أوضح إبطاله أبو حيان في
«البحر»، والرازي في تفسيره، مع أنه لا يشك منصف عارف في بطلانه.
وهذا القول
الصحيح في الآية جار على الأسلوب العربي المألوف، من قولهم: أمرته فعصاني. أي أمرته
بالطاعة فعصى. وليس المعنى: أمرته بالعصيان كما لا يخفى.
القول
الثاني في الآية هو أن الأمر في قوله {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} أمر كوني قدري، أي قدرنا عليهم ذلك وسخرناهم
له. لأن كلاً ميسر لما خلق له. والأمر الكوني
القدري كقوله {وَمَآ أَمْرُنَآ إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ}، وقوله:
{قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ}، وقوله {أَتَاهَآ أَمْرُنَا
لَيْلاً أَوْ}، وقوله {إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن
فَيَكُونُ}.
القول
الثالث في الآية أن «أَمَرْنَا» بمعنى أكثرنا.
أي أكثرنا مترفيهاً ففسقوا.
وقال أبو عبيدة {أَمْرُنَا} بمعنى أكثرنا لغة فصيحة كآمرنا بالمد.
ويدل لذلك الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد عن سويد بن هبيرة أن النَّبي صلى الله
عليه وسلم قال: «خير مال امرىء مهرة
مأمورة، أو سكة مأبورة».
قال ابن
كثير: قال الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه
الله في كتابه (الغريب): المأمورة: كثيرة النسل. والسكة: الطريقة المصطفة من
النخل. والمأبورة: من التأبير، وهو تعليق طلع الذكر على النخلة لئلا يسقط ثمرها. ومعلوم
أن إتيان المأمورة على وزن المفعول يدل على أن أمر بفتح الميم مجرداً عن الزوائد،
متعد بنفسه إلى المفعول. فيتضح كون أمره بمعنى أكثر. وأنكر غير واحد تعدى أمر
الثلاثي بمعنى الإكثار إلى المفعول وقالوا: حديث سويد بن هبيرة المذكور من قبيل
الازدواج، كقولهم: الغدايا والعشايا، وكحديث «ارجعن مأزورات غير مأجورات» لأن الغدايا لا يجوز، وإنما ساغ للازدواج مع العشايا،
وكذلك مأزورات بالهمز فهو على غير الأصل. لأن
المادة من الوزر بالواو. إلا أن الهمز في قوله «مأزورات» للازدواج مع
«مأجورات». والازدواج يجوز فيه ما لا يجوز في غيره كما هو معلوم. وعليه فقوله «مأمورة» إتباع لقوله «مأبورة» وإن كان مذكوراً
قبله للمناسبة بين اللفظين.
ا.هـ.
مشاركة : رحيم
تنبيه:
ما ذكرته
في الرد حول: " أمرتك فعصيتني ". جاء في تفسير زاد المسير لابن
الجوزي 2/9. ونقله عن الزجاج.
وورد في
كتاب جمهرة خطب العرب لأحمد زكي 3/297:
" سأل أعرابي رجلاً فحرمه، فقال له أخوه: نزلت والله بوادٍ غير
ممطور، وأتيت رجلاً بك غير مسرور، فلم تدرك ما سألت، ولا نِلت ما أملت، فارتحِل
بندم، أو أقِم على عدم ".
أما مَن
يُرجِّح التوجيه بإرادة الله الكونية
القدرية ـ كما فضَّل الأخوة الكرام الكبار ـ يجب عليه الانتباه لتأويل معنى (أمرنا),,
فيكون
المقصود بـ (أمرنا) : " سمحنَا بارتفاع شأن " المترفين في
تلك الأمة ـ استدراجاً وتمحيصاً ـ.
ويدل عليه
ما جاء في الحديث الطويل الذي رواه
البخاري في بدء الوحي (7) أن أبا سفيان ـ رضي الله عنه ـ بعد حواره مع هرقل ـ قبل
إسلامه ـ قال: ".. لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِيْ كَبْشَةَ..
"
ومعنى كلامه:
عَظُمَ أمره، وارتفع شأنه. انظر: لسان العرب، ابن
منظور 4/28-30 (أمر).
فائدة:
يقصد أبو سفيان بابن أبي كبشة: سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. وأبو كبشة أحد
أجداده لأمه.. ومن عادة العرب إذا انتقصت،
نسبَتْ إلى الجد الغامض وقيل: هو زوج حليمة السعدية، أبوه من الرضاعة. انظر: مقدمة
فتح الباري، ابن حجر 1/40. وشرح النووي على صحيح مسلم 12/110.
مشاركة : د\هشام عزمي
جزاك الله خيرًا أخي رحيم على التنبيه ، والقول الذي قلت به هو الأقرب إن شاء الله ، وقد قال به جمهور المفسرين من السلف
والخلف .. قال شيخ المفسرين الطبري في تفسيره لهذه
الآية بعد أن نقل أقوال السلف الثلاثة فيها : (( فأولى التأويلات به تأويل من تأوّله: أمرنا
أهلها بالطاعة فعصوا وفسقوا فيها، فحقّ عليهم القول،
لأن الأغلب من معنى أمرنا: الأمر، الذي هو خلاف النهي دون غيره، وتوجيه معاني
كلام الله جلّ ثناؤه إلى الأشهر الأعرف من معانيه، أولى ما وجد إليه سبيل من غيره.
ومعنى
قوله(فَفَسَقُوا فِيهَا): فخالفوا أمر الله فيها، وخرجوا عن
طاعته(فَحَقَّ عَلَيْها القَوْلُ) يقول: فوجب عليهم بمعصيتهم الله وفسوقهم فيها، وعيد لله الذي أوعد من كفر به، وخالف رسله، من
الهلاك بعد الإعذار والإنذار بالرسل
والحجج(فَدَمَّرْناها تَدْميرًا) يقول: فخرّبناها عند ذلك تخريبا، وأهلكنا من كان فيها من أهلها
إهلاكا ))
وقال
البيضاوي : (( { أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا }
متنعميها بالطاعة على لسان رسول بعثناه إليهم ، ويدل على ذلك ما
قبله وما بعده ، فإن الفسق هو الخروج عن الطاعة والتمرد في العصيان ، فيدل على
الطاعة من طريق المقابلة ، وقيل أمرناهم بالفسق لقوله : { فَفَسَقُواْ فِيهَا }
كقولك أمرته فقرأ ، فإنه لا يفهم منه إلا الأمر بالقراءة على أن الأمر مجاز من
الحمل عليه ، أو التسبب له بأن صب عليهم من النعم ما أبطرهم وأفضى بهم إلى الفسوق ،
ويحتمل أن لا يكون له مفعول منوي كقولهم : أمرته فعصاني ))
وقال
الرازي رحمه الله : (( فلما حكم تعالى في هذه الآيات أنه تعالى
لا يهلك قرية حتى يخالفوا أمر الله ، فلا جرم ذكر أنه ها هنا يأمرهم فإذا خالفوا
الأمر ، فعند ذلك استوجبوا الأهلاك المعبر عنه بقوله : { فَحَقَّ عَلَيْهَا القول } وقوله
: { فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا } أي أهلكناها إهلاك الاستئصال . والدمار هلاك
على سبيل الاستئصال ))
وفي تفسيرالجلالين : (( { وَإِذآ أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ
قَرْيَةً أَمَرْنَآ مُتْرَفِيهَا }
مُنَعمِّيها بمعنى رؤسائها بالطاعة على لسان رسلنا { فَفَسَقُواْ فِيهَا } فخرجوا عن
أمرنا { فَحَقَّ عَلَيْهَا القول } بالعذاب { فدمرناها تَدْمِيرًا } أهلكناها
بإهلاك أهلها وتخريبها ))
وقال الآلوسي رحمه الله : (( { أَمْرُنَا } بالطاعة كما أخرجه
ابن جرير وغيره عن ابن عباس وسعيد بن جبير
على لسان الرسول المبعوث إلى أهلها { مُتْرَفِيهَا } متنعميها وجباريها وملوكها ،
وخصم بالذكر مع توجه الأمر إلى الكل لأنهم أئمة الفسق ورؤساء الضلال وما وقع من
سواهم بأتباعهم ولأن توجه الأمر إليهم آكد ، ويدل على تقدير الطاعة أن فسق وعصى
متقاربان بحسب اللغة وإن خص الفسق في الشرع بمعصية خاصة وذكر الضد يدل على الضد كما
أن ذكر النظير يدل على النظير فذكر الفسق والمعصية يدل على تقدير الطاعة كما قيل في
قوله تعالى : { سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحر } [ النحل : 81 ] فيكون نحو أمرته
فأساء إلى أي أمرته بالإحسان بقرينة المقابلة بينهما المعتضدة بالعقل الدال على أنه
لا يؤمر بالإساءة كما لا يؤمر بالفسق ، والنقل كقوله تعالى : { إِنَّ الله لاَ
يَأْمُرُ بالفحشاء } [ الأعراف : 82 ] ، وجوز أن ينزل الفعل منزلة اللازم كما في يعطي
ويمنع أي وجهنا الأمر .
{ فَفَسَقُواْ
فِيهَا } أي خرجوا عن الطاعة وتمردوا ))
وقول
القائل (امرته فعصاني)- وهو ليس خاصًا بالزجاج - ذكره جمع من
المفسرين في تفسيرهم لهذه الآية كالزمخشري والبيضاوي والنسفي وأبي حيان والرازي
والآلوسي وابن عاشور والشوكاني وغيرهم .
وقد نقل فخر الدين الرازي رحمه الله تعالى في تفسير الآية الكريمة وجهين عن
القفال الذي أشاد به وقال أنه أحسن الناس
كلامًا في تأويل هذه الآية فقال : (( واعلم أن أحسن الناس كلاماً في تأويل هذه
الآية على وجه يوافق قول المعتزلة : القفال . فإنه ذكر فيه وجهين :
الوجه الأول
: قال إنه تعالى أخبر أنه لا يعذب أحداً بما يعلمه منه ما لم
يعمل به ، أي لا يجعل علمه حجة على من علم أنه إن أمره عصاه بل يأمره فإذا ظهر
عصيانه للناس فحينئذ يعاقبه فقوله : { وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ
قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا } معناه : وإذا أردنا إمضاء ما سبق من القضاء بإهلاك
قوم أمرنا المتنعمين المتعززين الظانين أن أموالهم وأولادهم وأنصارهم ترد عنهم
بأسنا بالإيمان بي والعمل بشرائع ديني على ما بلغهم عني رسولي ، ففسقوا فحينئذ يحق عليهم
القضاء السابق بإهلاكهم لظهور معاصيهم فحينئذ دمرناها ، والحاصل أن المعنى :
وإذا أردنا أن نهلك قرية بسبب علمنا بأنهم لا يقدمون إلا على المعصية لم نكتف في
تحقيق ذلك الإهلاك بمجرد ذلك العلم ، بل أمرنا مترفيها ففسقوا ، فإذا ظهر منهم ذلك
الفسق فحينئذ نوقع عليهم العذاب الموعود به .
والوجه
الثاني : في التأويل أن نقول : وإذا أردنا أن نهلك قرية بسبب ظهور المعاصي من أهلها لم نعاجلها بالعذاب في أول ظهور المعاصي منهم ، بل
أمرنا مترفيها بالرجوع عن تلك المعاصي ، وإنما
خص المترفين بذلك الأمر ، لأن المترف هو المتنعم ومن كثرت نعم الله عليه كان
قيامه بالشكر أوجب ، فإذا أمرهم بالتوبة والرجوع مرة بعد أخرى مع أنه تعالى لا يقطع
عنهم تلك النعم بل يزيدها حالاً بعد حال فحينئذ يظهر عنادهم وتمردهم وبعدهم عن الرجوع
عن الباطل إلى الحق ، فحينئذ يصب الله البلاء عليهم صباً ، ثم قال القفال :
وهذان التأويلان راجعان إلى أن الله تعالى أخبر عباده أنه لا يعاجل بالعقوبة أمة ظالمة
حتى يعذر إليهم غاية الأعذار الذي يقع منه اليأس من إيمانهم ، كما قال في قوم نوح
: { وَلاَ يَلِدُواْ إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً } [ نوح : 27 ] وقال : { أَنَّهُ لَن
يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ من قد آمن } [ هود : 36 ] وقال في غيرهم : { فَمَا
كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ } [ يونس : 74 ] فأخبر
تعالى أولاً أنه لا يظهر العذاب إلا بعد بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام . ثم أخبر
ثانياً في هذه الآية أنه إذا بعث الرسول أيضاً فكذبوا لم يعاجلهم بالعذاب ، بل
يتابع عليهم النصائح والمواعظ ، فإن بقوا مصرين على الذنوب فهناك ينزل عليهم عذاب
الاستئصال ، وهذا التأويل الذي ذكره القفال في تطبيق الآية على قول المعتزلة لم يتيسر
لأحد من شيوخ المعتزلة مثله ))
وهذا الكلام من القفال غاية في الإحكام وسالم من الطعون .. والله أعلم .
مشاركة : eeww2000
الاخوة
الاعزاء
السلام
عليكم و رحمة الله
جزاكم الله
كل خير.. موضوع ممتع و لا اضافة عندى بعد
ما تفضلتم بكتابته
اذا اذنتم
لى ساضع رد قديم لى كتبته لاشخاص لا ينفع معهم
ذكر اى مرجع و رايى دائما محاولة الرد ببساطة مفحمة تؤدى الغرض دائما بعون الله
وتوفيقه :
"وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً
أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ
فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا "امرنا مترفيها ( بامر معين محذوف ) ففسقوا فيها
كيف نعرف
هذا الامر المحذوف ؟؟؟
من سياق
النص فى نفس الاية فحق عليهم القول
مادام حق عليهم القول بالتدمير اذن الامر لابد ان يكون بعكس الفسق .اى الطاعة .
فلم يقتنع
المحاور فاكملت :
تامل هذه
الاية لزيادة التاكيد اذا كنت لم
تقتنع بعد :
مَّنِ
اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ
وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى
وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً الله سبحانه و تعالى لا يعذب احد و لا يدمر قرية حتى يبعث رسول و الرسول لا يامر بالفسق ابدا اذن الرسول الذى ارسله الله سبحانه و
تعالى لهذه القرية لابد ان يكون امر مترفيها
بالطاعة و ليس بالفسق ابدا.
و كان رد
محاورى هو ما اريده تماما اذا رد قائلا
محاولتك
جيدة و لكن ما علاقة الاية الاولى بالاية الثانية
و بعد
اعادة شرح منى لاجعل المحاور يتمادى اكثر اخبرته ان الاية التى ذكرتها انا للتاكيد هى التى تسبق الاية الاولى مباشرة و النص
كاملا من سورة الاسراء 15 و16
مَّنِ
اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا
وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ
رَسُولاً
وَإِذَا
أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا
مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا
فى الاية
الاولى اخبار من الله سبحانه و تعالى انه لا يعذب الا اذا ارسل رسول و فى
الاية التالية يقول ان المترفين فسقوا بعد امرهم بالطاعة عن طريق رسول كما هو
واضح من النص و لكنهم فسقوا فحق عليهم القول و تم تدميرهم ......................
اى لا يمكن
ان يكون هناك امر بالفسق ابدا.....................
و هو
المطلوب اثباته
انتهى الرد
القديم و اقول للاخوة الاعزاء ان الاية
السابقة للاية محل البحث تجيب على كل التساؤلات و الشبهات . و كما قال الاخ
العزيز رحيم القرآن الكريم يخاطب العقلاء
و طبعا
ذكرت للمحاور بعد ذلك عشرات من اوامر
الرب فى كتابه الموصوف بالمقدس و لن اذكرها هنا حتى لا الوث هذا الموضوع الجميل
.............................
و الله من
وراء القصد و لكم جميعا خالص التحية و
الاحترام
نقلا
من منتدى العلماء
منتدى
الجامع
http://www.algame3.com/vb/showthread.php?t=966