قول المسيح : من رآني فقد رأى الآب

يستدل النصارى على لاهوت المسيح بقوله الوارد في إنجيل يوحنا : (( من رآني فقد رأى الآب ))

الرد على هذا الاستدلال : 

ان ما اراده المسيح من هذه العبارة هو : أنه من رأى هذه الأفعال التي أظهرها فقد رأى أفعال أبي ، وهذا ما يقتضيه السياق الذي جائت به هذه الفقرة لأن أسفار العهد الجديد اتفقت على عدم إمكان رؤية الله طبقاً للآتي :

_ ورد في إنجيل يوحنا 1 : 18 : (( الله لم يره أحد قط ))

_ ما ورد في إنجيل يوحنا 5 : 37 :  (( والآب نفسه الذي أرسلني يشهد لي لم تسمعوا صوته قط ولا أبصرتم هيئته ))

_ ما ورد في رسالة يوحنا الأولى  4 : 12  (( الله لم ينظره أحد قط ))

_ ويقول بولس في 1 تيموثاوس  6 : 16  عن الله : (( الذي لم يره أحد ولا يقدر أن يراه ))

فإذا تقرر ذلك فليس معنى قول المسيح : (( الذي رآني فقد رأى الآب )) ان الذي يرى المسيح يرى الله لأن ذلك طبقاً للأدلة السابقة من المحال . فلا بد من المصير إلى مجاز منطقي يقبله العقل و تساعد عليه النصوص الإنجيلية المماثلة الأخرى .

و بمراجعة بسيطة للأناجيل نجد أن مثل هذا التعبير جاء مرات عديدة ، دون أن يقصد به قطعا أي تطابق و عينية حقيقية بين المفعولين .

مثلاً في إنجيل لوقا [10/16] يقول المسيح لتلاميذه السبعين الذين أرسلهم اثنين اثنين إلى البلاد للتبشير: (( الذي يسمع منكم يسمعني و الذي يرذلكم يرذلني و الذي يرذلني يرذل الذي أرسلني ))

و لا يوجد حتى أحمق فضلا عن عاقل يستدل بقوله : (( من يسمعكم يسمعني )) ، على أن المسيح حال بالتلاميذ أو أنهم المسيح ذاته !

و كذلك جاء في إنجيل متى [10/40] أن المسيح قال لتلاميذه : (( من يقبلكم يقبلني و من يقبلني يقبل الذي أرسلني )) .

و مثله ما جاء في إنجيل لوقا [9 / 48] من قول المسيح في حق الولد الصغير :

(( من قبل هذا الولد الصغير باسمي يقبلني و من قبلني يقبل الذي أرسلني ))

و وجه هذا المجاز واضح و هو أن شخصا ما إذا أرسل رسولا أو مبعوثا أو ممثلا عن نفسه فكل ما يُـعَامَلُ به هذا الرسول يعتبر في الحقيقة معاملة للشخص المرسِـل أيضا.

وإذا عدنا للعبارة وللنص الذي جاءت فيه ، سنرى أن الكلام كان عن المكان الذي سيذهب إليه المسيح و أنه ذاهب إلى ربه، ثم سؤال توما عن الطريق إلى الله، فأجابه المسيح أنه هو الطريق، أي أن حياته و أفعاله و أقواله و تعاليمه هي طريق السير و الوصول إلى الله ، وهذا لا شك فيه فكل قوم يكون نبيهم ورسولهم طريقا لهم لله ، ثم يطلب فيليبس من المسيح أن يريه الله، فيقول له متعجبا: كل هذه المدة أنا معكم و ما زلت تريد رؤية الله، و معلوم أن الله تعالى ليس جسما حتى يرى ، فمن رأى المسيح و معجزاته و أخلاقه و تعاليمه التي تجلى فيها الله تبارك و تعالى أعظم تجل، فكأنه رأى الله فالرؤيا رؤيا معنوية .

و جاء نحو هذا المجاز أيضا ، في القرآن الكريم، كثيراً كقوله تعالى : (( و ما رميت إذا رميت و لكن الله رمى )) الأنفال/ 17. أو قوله سبحانه : (( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم )) الفتح : 10، أو قوله : من يطع الرسول فقد أطاع الله )) النساء : 80.

ولقد ورد في رسالة بولس إلي أهل غلاطية [ 3 : 28 ] قوله : (( لأنكم جميعاً واحد في المسيح يسوع ))

ونحن نسأل هل يعني هذا القول أن أهالي غلاطية متحدون في الجوهر والقوة وسائر الصفات ، أو أنهم متحدون في الايمان بالمسيح وفي شرف متابعته وهذا هو الاقرب للفهم والعقل .

لقد ورد بإنجيل يوحنا [ 17 : 11 ] القول المنسوب للمسيح في صلاته لتلاميذه :

(( أيها الآب القدوس _ احفظهم في اسمك الذي اعطيتني _ ليكونوا واحداً كما نحن ))

فهل يفهم أن هذا الاتحاد بين التلاميذ هو اتحاد في الجوهر والذات وسائر الصفات ؟

لاشك ان هذا الفهم محال إذا لا بد أن يكون المقصود أن يكونوا جميعاً واحداً في حب الخير وان تكون غايتهم ورغباتهم واحدة نظير الاتحاد الذي بين المسيح وبين الله في إرادة الخير والمحبة للمؤمنين وهذا ما يفيده قول المسيح الوارد في إنجيل يوحنا الاصحاح السابع عشر الفقرة الثانية والعشرين : (( وأنا قد أعطيتهم المجد الذي أعطيتني ليكونوا واحداًكما اننا نحن واحد )) .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ،،

عوده