سفر التكوين:

 

تقول دائرة المعارف الكتابية كلاما في قمة التناقض فهم سردوا الدلائل الكثيرة لمدارس النقد جميعا على عدم كتابة موسى لأسفار التوراة الحالية عامة ثم أثبتوها لموسى كيف...لأن التقاليد تقول ذلك؟! :

 

 

تاريخ الكتابة والكاتب:

(1)- الرأي التاريخي: يمكننا عرض الرأي على مدى التاريخ الطويل- عن تاريخ كتابة سفر التكوين وكاتبه بإيجاز: فقد كان إجماع اليهود والكنيسة المسيحية هو أن الكاتب هو موسى كليم الله، إلى أن ظهر ما يسمى "بالنقد العالي" في القرن التاسع عشر.

ونجد أسفار الكتاب المقدس تشهد بصحة كتابة موسى لأسفار التوراة، فمثلاً في سفر نحميا (8،9) نجد أن السفر الذي قرأ فيه  عزرا و اللاويون  هو " سفر شريعة موسى" (نح 8:1)، بينما نجد في صلاتهم (نح 9) ملخصاً لتاريخ بني إسرائيل ابتداء من الخليقة إلى دعوة أبرام، ثم الخروج من مصر و الارتحال في سيناء، وتمردهم في قادش برنيع، مع ذكر عبارة اقتباساً من خر 34: 6 (نح 9: 17)، و مسارهم في البرية، و غزواتهم في شرقي الأردن، و باقي تاريخهم موجزاً، أي أنهم لخصوا كل ما جاء في التوراة، ابتداء من سفر التكوين. و يكتسب هذا الشاهد أهمية من اتفاق العلماء الآن على أن سفري عزرا و نحميا و سفري أخبار الأيام، ترجع إلى القرن الخامس قبل الميلاد.

كما يدعم هذا الرأي الكثير مما جاء في أسفار العهد القديم (انظر مثلاً يش 1: 7- 9، 23: 6، 1مل 2: 3، 8: 53 و56، عز 7: 6.. الخ). أما بالنسبة لتاريخ بني إسرائيل، فالأحداث الواردة منه في سفر التكوين ، تُستكمل بنفس التتابع في أسفار الـخـــــــــروج و اللاويين و العدد والتثنية. علاوة على وجود هذا التتابع في الأصحاح التاسع من نحميا، فإننا نجده أيضاً في المزمور التاريخي، وهو المزمور المائة و الخامس. كما أن هوشع النبي يشير بمثل هذه السهولة إلى تاريخ الأمة القديم في سفر التكوين (هو 12: 3- 4و12) و في سفر الخروج  (هو 12: 13، 13: 4)، و في اللاويين (هو 12: 9)، و في سفر العدد (هو 9: 10)، وفي سفر التثنية (في الإشارة إلى صبويبم هو 11: 8). كما يتضح من سائر الأسفار أن سفر التكوين كان جزءاً فلا يتجزأ من التاريخ المقدس الباكر لإسرائيل.

 و نقرأ في العهد الجديد أن المسيح "ابتدأ من موسى وجميع الأنبياء، يفسر لهما الأمور المختصة به في جميع الكتب" (لو 24: 27). فمن الواضح أن الرب يسوع أقر بأن موسى هو كاتب أول أسفار الكتاب المقدس، بل إنه أطلق على العهد القديم اسم "موسى و الأنبياء" (لو 16: 19 و 31، ارجع أيضاً إلى يو 5: 46 و47، مت 5: 17، لو 24: 44). كما أن الرسول بولس استخدم نفس هذه العبارة (أع 26: 22، 28: 23) و في نفس الوقت أشار الرب يسوع المسيح إلى الكثير من فصول سفر التكوين باعتبارها جزءاً من الأسفار الموحى بها (مت 19: 4-6، 24: 38، لو 17: 32، يو 7: 22). فمن الواضح أن الرب يسوع و الرسل أقروا بكتابة موسى لسفر التكوين. و يؤكد يوسيفوس المؤرخ اليهودي (حوالي عام 90م.) بقوة هذا الأمر، و لم يُثر أي كاتب من القدماء أي شك في ذلك.

أما عن تاريخ كتابة سفر التكوين، فالرأي المحافظ هو أنه كتب في أثناء التجوال في البرية أي نحو عام 1440 ق.م.- 1400 ق.م. على الأرجح.

(2) آراء النقاد: بظهور الحركة العقلانية في ألمانيا حوالي 1800م، بدأ الشك في كتابة موسى لكل أسفار التوراة الخمسة. ففي بداية  الأمر  زعموا  أن سفر التكوين يتكون من وثيقتين على أساس أسماء الله المختلفة، فقسم يستخدم لفظه "إلوهيم" (E - الله)، وقسم يستخدم لفظه "يهوه" (الرب- J). فقالوا في أول الأمر أن هاتين الوثيقتين القديمتين قد نسجهما موسى معاً في وثيقة واحدة هي سفر التكوين، ولكن سرعان ما طبقوا هذه النظرية على باقي الأسفار الخمسة بناء على هذه الظاهرة. و قالوا إن من قام بإدماج هذه الوثائق العديدة، عاش بعد موسى بزمن طويل، و هكذا استبعدوا كتابة موسى للتوراة بجملتها.

ثم لاحظوا أن الأسلوب العام لأجزاء من الوثيقة التي تستخدم اسم "إلوهيم" يختلف عنه في الوثيقة التي تستخدم اسم "يهوه"، بينما في أجزاء أخرى تتشابه تماماً، فقسموا الوثيقة التي تستخدم اسم "إلوهيم" إلى وثيقتين، E1 ، E2 كما فصلوا سفر التثنية باعتباره يشتمل على كمية كبيرة من مصدر آخر. فأصبحت هناك ثلاث وثائق هي: E1 ، E2 ، D (الحرف الأول من اسم سفر التثنية في اليونانية). وإذ استخدم نقاد آخرون هذا الأسلوب، قسَّموا التوراة أو بالحري مزقوها إلى أجزاء عديدة.

ثم جاء و لها وزن في نحو 1875م .  ليضع نظريته التي ظلت قائمة لسنوات عديدة، حيث قال إن الوثائق الأربعة: J (يهوه)، E (إلوهيم)، D (تثنية)، P (كهنوتية)، يمكن أن يحدد تاريخها بمقارنة الإشارات القانونية التاريخية، بالتواريخ المعروفة و القوانين التي كانت سارية في تاريخ إسرائيل قديماً، فإذا أشارت وثيقة إلى تشريعات عصر متأخر، فإنها تكون من عصر متأخر.

و لكن من العوامل الناقضة لنظرية و لهاوزن، أن العلماء في ذلك الوقت كانوا لا يعرفون جيداً تاريخ الشرق الأوسط القديم، ناهيك عن تاريخ بني إسرائيل. وكثيراً ما كان و لهاوزن يفترض افتراضات، أحداثاً  تاريخية مبنية على أساس الفلسفة الهيجيلية عن التطور التاريخي، و التي كانت الفكرة المسيطرة في زمن ولهاوزن (1875م). فلا عجب أن نرى ولهاوزن يرسم تقدماً جميلاً متوالياً في الفكر و الثقافة، مبتدئاً ببدايات فجة في تاريخ إسرائيل إلى أن تبلغ أوج ازدهارها في عصر أنبياء القرن الثامن قبل الميلاد، كان ذلك تعبيراً رائعاً عن إيديولوجية العصر الفكتوري.

و ثمة أمران اجتمعا لتحدي نظرية واسم واحد ولهاوزن: أولهما أن الفلسفة الهيجيلية عن التطور التاريخي، تبعها فلسفة وجودية أكثر تشاؤماً منذ الحرب العالمية الثانية. وثانيهما أن الأبحاث الأركيولوجية طفرت طفرات واسعة باكتشاف الكثير من الألواح الفخارية منذ الحرب العالمية الأولى، وبخاصة نتيجة للتنقيب العلمي في المدن الفلسطينية. فبعد أن كان التاريخ يبدأ باليونان، حتى إن "هيرودوت" كان يسمى "أبا التاريخ"، فإن التاريخ- في المدارس الثانوية الآن- يتوغل في الماضي حتى عام 3.000 ق.م. حين بدأ التاريخ المكتوب، و ما زال هناك الكثير مدفوناً في باطن الأرض.

والشيء الرائع هو أن هذه الثروة من التاريخ القديم، تتفق اتفاقاً عجيباً مع ما هو مدون في الكتاب المقدس. فمثلاً اكتشفت الآثار الباقية عن شعب سومر الذين عاشوا في جنوبي بلاد النهرين، والتي يسميها الكتاب "أرض شنعار"، والكلمة العبرية "شنعار" هي اللفظ العبري لكلمة "سومر" (تك 10: 10، 11: 2، 14: 1). كما اكتشفت آثار الحورانيين  بعاداتهم ولغتهم، ويسميهم الكتاب "الحوريين". كما اكتشفت مدينة "يوروك" (URUK) التي هي "أرك" الكتابية، ووجدت فيها أقدم ألواح مكتوبة (ترجع إلى 3300ق.م.). كما اكتشفت فتوحات "سرجون" ملك "أكد" العظيم (من 2350ق.م.) ولا يُعلم حتى الآن- موقع "أكد"، ولكن "أكد وأرك وبابل" مذكورة جميعها في (تك 10: 10).

لقد انبعث من الماضي السحيق ملوك قدماء، وشعوب قديمة، ومدن قديمة، وثقافات قديمة، ولغات قديمة، بعد أن كان قد طواها النسيان، ولكن الكتاب المقدس قد احتفظ لنا بتواريخ أولئك الملوك والشعوب في تتابعهم الصحيح وارتباطاتهم. كما يعكس لنا الحضارات القديمة في أكثر الصور صدقاً. ونحن نعلم أن الكتابة نقلاً عن خليط من المراجع بمعرفة محرر من عصر متأخر لم يكن لديه سوى معرفة محدودة جداً، لا يمكن أن تكون بمثل هذه الدقة التي يتميز بها الكتاب المقدس. وقد أثبتت الكشوف الأركيولوجية دقة تاريخية الأسفار الكتابية، وبخاصة سفر التكوين الذي يسجل لنا تاريخ زمن سحيق. وقد ألقت هذه الأبحاث الأركيولوجية الضوء على كل جزء من سفر التكوين تقريباً . وسنتناول ذلك بشيء من التفصيل عند الكلام عن محتويات السفر.

في الأجزاء الأولى من سفر التكوين، قام و لها وزن بتوزيع قصة الطوفان على الوثيقتين "J"، "P". وقال بأن الأولى كُتبت حوالي 850ق.م. والثانية حوالي 450ق.م. وبعد ذلك اكتشفت القصة البابلية عن الطوفان، وهي ترجع إلى ما قبل موسى بزمن طويل، والعلاقة بينها وبين قصة التوراة عير مؤكدة، ومن المحتمل أن كلتيهما بُنيتا على سجلات وأخبار متواترة قديماً عن الطوفان نفسه، ولكن هناك وجوه تشابه هامة بين قصة التوراة والقصة البابلية عن الطوفان، والنتيجة الطبيعية هي أن نظرية الوثائق المتعددة نظرية مصطنعة، وتواريخ و لها وزن تواريخ جزافية لا أساس لها.

وقد تأيدت قصص الآباء في سفر التكوين بالألواح التي اكتشفت في مدينة "نوزي" وغيرها، التي أثبتت العادات العائلية والقانونية للحورانيين الذين كانوا يستوطنون البلاد السامية(من أموريين وأراميين). ومن الواضح أن هذه العادات كانت معروفة عند الآباء من إقامتهم في حاران ,أور، فالتشابه شديد جداً بين تصرفات الآباء وقوانين "نوزي". ويكفي أن نذكر مثالاً واحداً، وهو حق البكر في أن يكون له نصيب مضاعف في الميراث في قوانين "نوزي"، ولكن له الحق في أن يبيعه. وهناك حالة بيع فيها هذا الحق بثلاثة أغنام. كما كان للأب الحق في أن ينقله، وكان يكفي أن يصرح الأب بذلك شفاها (ارجع إلى تك 48: 17-20).

ومن الملاحظ، أنه لا يوجد في تشريعات إسرائيل اللاحقة أو ممارساتهم شيء من ذلك. والأمر الوحيد الذي جاء في شريعة موسى بهذا الخصوص هو النهي عن تغيير الوضع الطبيعي (تث 21: 15-17)، بينما لم يحدث ذلك إلا في عهد الآباء. فكيف كان يمكن لكاتب إسرائيلي في عصر متأخر مثل "J" في 850 ق.م. أو "P" في عام 450 ق.م. أن يميز بهذه الدقة بين ما كان متبعاً قديماً في بلاد بين النهرين وعند الآباء، وبين الشرائع الموسوية التي كانت سارية وقتئذ في إسرائيل؟

وقد دفع الكثير من هذه الأمور، علماء العهد القديم الآن إلى القبول بتاريخية قصص الأباء في سفر التكوين بكافة تفاصيلها، ومن العسير جداً الجمع بين هذه النتيجة، وتحديد و لهاوزن لتاريخ متأخر للوثائق المزعومة.

ويقول النقاد الأحدث عهداً إن التوراة (وغيرها من الأسفار التاريخية) قد ضُمت معاً في تاريخ متأخر، نقلاً عن تقاليد شفاهية حُفظت بدقة، ونُقلت بأمانة عبر أجيال متعاقبة. ولكن تختلف الآراء حول ما إذا كانت هذه التقاليد سجلت كلها كتابة بعد السبي أم أنها كانت وراء الوثائق J ، E ، D التي يقول ولهاوزن إنها جمعت معاً بعد السبي. وفي كلتا الحالتين، تبدو نظريته غير طبيعية، فقد كانت الكتابة أمراً شائعاً في بلاد بين النهرين ومصر قبل عصر الآباء بزمن طويل، فلماذا يزعمون أن إسرائيل وحدها لم تكن لديها آداب مكتوبة؟ إنها نتيجة غريبة جداً وبخاصة إذا ذكرنا أن الأرجح هو أن الأبجدية قد اخترعت في سورية وفلسطين، وهي أفضل الوسائل للكتابة وأيسرها.

إنه من الحق أيضاً أن الوثائق القديمة في فلسطين قد ضاعت تماماً، ما عدا مخطوطات البحر الميت، ولكن ليس معنى هذا أنها لم توجد أبداً، بل حدث ذلك لأنها قد هلكت. فلو أنهم استخدموا الفخار أو الأحجار، لبقيت كتاباتهم، ولكنهم كتبوا على البردي والجلود، وهي مواد تبقى جيداً في الجو الجاف كما في مصر، أما في الجو المطير في فلسطين، فسرعان ما تهلك. قد يكون من الحق أيضاً أن العبرانيين كانوا يحفظون الكثير في الذاكرة، وكانوا يحبون تلاوة ملاحمهم وكتاباتهم، ولكن القول بأنه لم يكن لديهم شيء مكتوب، هو محض افتراء. فتأييد الأبحاث الأركيولوجية لتواريخ سفر التكوين وقوانينه وعاداته هو حجة قوية تؤيد شهادة العهدين القديم والجديد بأن سفر التكوين وسائر الأسفار الخمسة هي أسفار قديمة أصيلة كتبها موسى.

إنتهى حرفيا من دائرة المعارف الكتابية كلمة :سفر التكوين

 

 

 

ومن مشاكل سفر التكوين التي ليس لها حل مطلقا موضوع سلاسل الأنساب والجدير بالذكر أن دائرة المعارف الكتابية رجحت قول من قالوا أن كاتب سفر التكوين أخطأ وأسقط بعض الأسماء.

تقول دائرة المعارف الكتابية :

 

سلاسل الأنساب: توجد في الأصحاحات الأولى من سفر التكوين أربع سلاسل من الأنساب الرئيسية. ففي الأصحاح الرابع سلسلة أبناء قايين، وفي الأصحاحين الخامس والحادي عشر سلسلتا أنساب الآباء قبل الطوفان وبعد الطوفان. وفي الأصحاح العاشر نجد جدول الأمم، فهو في الواقع ليس سلسلة أنساب، ولكنه موجز لما كان عليه الحال في أيام موسى في استيطان بلاد الشرق الأوسط بعد الطوفان. وفي تحرك هذه القبائل والأمم حدث اختلاط فيما بينها. ولكن في شعوب كنعان، مثلاً (10: 15- 18) نقرأ أن كنعان ولد شعوباً وليس أفراداً. ومن الواضح أن حثا كان آريا، كما يرجح أن اليبوسي كان حورياً. أما الأموريون فكانوا ساميين ولكنهم وجدوا بين أبناء حام. وكان مصرايم ابناً آخر لحام، وهو اسم في صيغة المثنى للدلالة على اتحاد مصر العليا ومصر السفلى في نحو سنة 3.000 ق.م.

ويعتقد الكثيرون من العلماء أن هناك بعض الأسماء الساقطة من الجدولين في الأصحاحين الخامس والعاشر، كما يبدو نفس الشيء في بعض جداول الأنساب الأخرى. فمثلاً لا يذكر بين لاوي وموسى سوى أربعة أجيال (خر 6: 16-20)، بينما بلغ عدد اللاويين في زمن موسى وهرون 22.000 (عد 3: 39). كما أنه لو كان الجدول في الأصحاح العاشر كاملاً، لكان معنى ذلك أن سام وابنه أرفكشاد قد امتد بهما العمر إلى ما بعد إبراهيم، وهو ما لا يمكن أن نستخلصه من قصة إبراهيم.

وقد أدت ملاحظة هذه النقاط وغيرها إلى اعتبار أن تحديد "أشر" (Ussher) لتاريخ الخليقة (4.000 سنة قبل الميلاد) وتاريخ الطوفان (2.300 سنة ق.م.) غير صحيح، ويجب الرجوع بهذه التواريخ إلى ما قبل ذلك بكثير.

 إنتهى.

 

والله أكبر ولله الحمد

 

 

 

Jer:23:36 اما وحي الرب فلا تذكروه بعد لان كلمة كل انسان تكون وحيه اذ قد حرّفتم كلام الاله الحي رب الجنود الهنا. (SVD)

 

  الترجمة العربية المشتركة: 

أمَّا وَحيُ الرّبِّ فلا تَذكُروهُ مِنْ بَعدُ، لأنَّ لِكُلٍّ مِنكُم كلامًا مِنْ وَحيهِ، فعكَسْتُم كلامَ الإلَهِ الحَيِّ والرّبِّ القديرِ.... سأنساكُم وأنبُذُكُم