تنبؤات المزامير بنجاة المسيح من الصلب

يخلص الأستاذ المستشار منصور حسين في دراسته الرائعة في كتابه ( دعوة الحق ) إلى نتيجة واضحة بينة، يسطرها في قوله : " مِن جماع ما تقدم لا نخلص إلا بأن المزامير تنبأت بحق بأن الله مخلص مسيحه، يستجيبه من سماء قدسه، يرفعه من أبواب الموت، يرفعه فوق القائمين عليه، يرسل من العُلا فيأخذه.
أما يهوذا الإسخريوطي الذي حفر له هذه الحفرة، وأتى على رأس الجمع من جنود وخدام ليقبضوا عليه، على المسيح سيده، فإنه في الحفرة نفسها يقع، وبعمل يديه يعلق، رجع تعبه على رأسه، وعلى هامته هبط ظُلمه، صار عاراً عند البشر، فقبض عليه هو بدلاً من المسيح، وحوكم هو، وصلب بدلاً منه.
وهكذا تستقيم النبوءة في المزامير، وهكذا تتجلى النبوءة في المزامير، في أسطع وأروع وأسمى ما تكون النبوءة، ليست آية نحرفها، أو كلمة نُحوّر معناها، بل صورة كاملة، عشرات الآيات، عشرات المزامير، كلها تنطق بصورة واحدة متكاملة، تتكرر كثيراً، ولكن أبداً لا تتغير.
هذه الحقيقة هي تلك التي نطق بها القرآن، واعتقدها المسلمون... ولمن يريد أن يزيد يقيناً، فها هي المزامير كلها في الكتاب المقدس، الذي يؤمن به المسيحيون، ويتداولونه، وإليها فليرجع، ولن يزيده هذا إلا يقيناً وتقديراً لهذه الحقيقة التي انتهينا إليها.. ".
وإذا أراد المزيد من اليقين فليقرأ ما جاء في سفر الأمثال : " الأشرار يكونون كفارة لخطايا الأبرار " ( الأمثال 21/18)، وليتأمل بمزيد عناية قوله: " بر الكامل يقوم طريقه، أما الشرير فيسقط بشره، بر المستقيمين ينجيهم، وأما الغادرون فيؤخذون بفسادهم، الصديق ينجو من الضيق، ويأتي الشرير مكانه " ( الأمثال 11/5 - 8 ).
ولا يفوتنا أن نذكر أن الاحتجاج بنبوءات المزامير على نجاة المسيح قديم، بل يرجع للمسيح - إن صح ما في إنجيل برنابا -، فقد جاء فيه أن المسيح قال: " إن واحداً منكم سيسلمني، فأباع كالخروف، ولكن ويل له، لأنه سيتم ما قاله داود أبونا عنه، أنه سيسقط في الهوة التي أعدها للآخرين" ( برنابا 213/24 - 26 ).
وإذا قلنا: إن المزامير بشرت بنجاته، فللنصارى أن يقولوا: كيف لم يعرف المسيح ذلك من العهد القديم؛ لم قال عن نفسه بأنه سيصلب كما في الأناجيل؟
والإجابة عن هذا التساؤل لا تلزمنا نحن المسلمين الذين لا نعتد بما جاء في هذه الكتب، إلا ما قام على صدقه وتوثيقه دليل من ديننا.
ثم القصة هي امتحان للمسيح عليه السلام، كما كان الأمر بالذبح امتحاناً لإبراهيم وابنه الوحيد، ولو عرف المسيح نتيجة الامتحان مقدماً لما كان له أي معنى، كما لو عرفها إبراهيم، فلذلك خفيت عليه، وليس لقصور فهمه أو إدراكه، حاشاه، ولكن لتتحقق إرادة الله بامتحانه، ونجاحه في الامتحان.
ثم لا يمكن القطع بأن المسيح لم يعرف المعنى الصحيح الذي تدل عليه النبوءات، بل قد يكون المسيح عرف ذلك، فلجأ إلى الله يتضرع إليه ويسأله صرف هذه الكأس، لأنه عرف أن الله يستجيب دعاءه وتضرعه، بينما لو وافقنا الرواية الإنجيلية بأن المسيح علم أنه سيصلب ثم صلب، فما فائدة تضرعه ودعائه، ولم كان جزعه يأسه وصراخه على الصليب "لماذا تركتني"؟
كما ثمة أمر آخر يجدر التنبه له، وهو أن فهم النبوءات لا يعني يقيناً معرفة الساعة، وتحديد اليوم الذي سيسعى أعداؤه فيه للقبض عليه.

وكتب اللواء أحمد عبد الوهاب قائلاً :

إن جميع تنبؤات المزامير التى تختص بالمسيح يجب أن تكون متكاملة , لا ينقض أحدها الآخر , إنما يزداد الأمر بجمعها معا إيضاحاً ويقيناً .

والخلاصة أن تنبؤات المزامير بالأحداث التى يتعرض لها المسيح تشتمل على سبعة عناصر , نذكرها بما يشهد لها من تلك المزامير .

1 يتآمر الرؤساء ( الكهنوت اليهودى ) على المسيح لقتله والتخلص منه :

((  قام ملوك الارض وتآمر الرؤساء معا على الرب وعلى مسيحه قائلين : لنقطع قيودهما , ولنطرح عنا ربطهما - 2 : 2 -3 ))

(( الخوف مستدير بى بمؤامرتهم معاً على . تفكروا في أخذ نفسي 13:31 ))

2 - ويستخدم المتآمرون عميلاً من تلاميذ المسيح هو ذلك الشرير الخائن :

(( رجل سلامتى الذي وثقت به , آكل خبزي رفع على عقبه - 9:41 )) .

(( ليس عدو يعيرنى فاحتمل . ليس مبغضى تعظم على فأختبىء منه . بل انت انسان عديلي . إلفى وصديقي . الذي معه كانت تحلو انا العشرة . إلى بيت الله كنا نذهب فى الجمهور - 55 : 12  )) .

(( الشرير يتفكر ضد الصديق ويحرق علية اسنانه .. الشرير يراقب الصديق محاولا ان يميته - 37 : 12  ))

3 - وحين يستشعر المسيح الخطر , فإنة يفزع ويرتاع وتقرب به المحنة من حافة اليأس فيصرخ إلى الله طالبا النجاة وحفظ نفسه من القتل :

(( خوف ورعدة أتيا على , وغشيني رعب . فقلت ليت لي جناحا كالحمامة فأطير واستريح - 55 : 5  )) .

(( عظامي قد رجفت ونفسي قد ارتاعت جدا . وانت يا رب فحتى متى . نج نفسي . خلصني من أجل رحمتك لأنه ليس في الموت ذكرك . في الهاوية من يحمدك - 52:6 )) .

(( ارحمني يا رب . انظر مذلتي من مبغضى , يا رافعي من ابواب الموت - 13:9 )) .

((  انظر واستجب لي يارب إلهى . أنر عيني لئلا أنام نوم الموت -  3:13 )) .

((  بذبيحة وتقدمة لم تسر .. محرقة وذبيحة خطية لم تطلب - 6:40 )) .

(( ما الفائدة من دمى إذا نزلت إلى الحفرة . هل يحمدك التراب هل . يخبر بحقك . استمع يا رب وارحمنى . يا رب كن معينا لى - 30 : 9 )) .

(( أقض لى حسب عدلك , يا رب إلهى فلا يشمتوا بي . لا يقولوا في قلوبهم هه شهوتنا . لا يقولوا قد ابتلعناه - 24:35 - 25 )) .

4 - ثم يدعو المسيح على تلميذة الخائن بالهلاك :

(( ليقف شيطان عن يمينه . إذا حوكم فايخرج مذنبا . وصلاتة فلتكن خطية .

لتكن أيامة قليلة ووظيفته لياخذها آخر .

ليكن بنوه أيتاما وإمراته أرملة ..

لتنقرض ذريته في الجيل القادم ليمح اسمهم .

من أجل أنه لم يذكر أن يصنع رحمة بل طرد إنسانا مسكينا وفقيرا و المنسحق القلب ليميته - 109 : 6 ، 16  )) .

((  قم يا رب . تقدمه . أصرعه . نج نفسي من الشرير بسيفك -13:17 ))  .

5 - ويستجيب الله دعاء المسيح لنفسة بالنجاة فتفشل المؤامرة ويحفظ الله علية حياتة :

((  في يوم الشر ينجيه الرب . الرب يحفظه ويحييه . يغتبط فى الارض ولا يسلمه إلى مرام أعدائه - 41 : 1 )) .

(( الرب ابطل مؤامرة الامم . لا شى أفكار الشعوب . أما مؤامرة الرب فإلى الابد تثبت - 33 : 10 )) .

(( عند رجوع أعدائي إلى خلف يسقطون ويهلكون من قدام وجهك . لأنك أقمت حقي ودعواى . جلست على كرسى قاضيا عادلا . انتهرت الامم - 9 : 3 )) .

(( حينئذ ترتد أعدائى إلى الوراء فى يوم أدعوك فيه . هذا قد علمتة لان الله لى .. شكر لك , لأنك قد تجيت نفسى من الموت - 9:56 ))  .

(( الآن عرفت أن الرب مخلص مسيحه يستجيبه من سماء قدسه بجبروت خلاص يمينه - 6:20 )) .

(( تصيب يدك جميع أعدائك .. لأنهم نصبوا عليك شرا . تفكروا بمكيدة لم يستطيعوها - 8:21 , 11 )) .

(( من الضيق دعوت الرب فأجابني من الرب .. وأنا سأرى بأعدائى .. لا اموت بل احيا واحدث باعمال الرب .. إلى الموت لم يسلمنى - 5:118 - 18 )) .

(( حياة سألك فأعطيته , طول الايام الى الدهر والابد - 4:21 )) .

6 - كما يستجيب الله دعاء المسيح على التلميذ الخائن , فتنقلب عليه مؤامراته ويتجرع ذات الكأس النى شارك فى تحهيزها لمعلمه :

((  سدد نحوه آله الموت . هو ذا يمخض بالإثم .. كراجبا . حفره فتسقط فى الهوة التى صنع . يرجع تعبه على رأسه وعلى هامته يهبط ظلمه - 13:7 - 16 .هيأوا شبكة لخطواتى .. حفروا قدامى حفرة . سقطوا في وسطها - 6:57  ))  .

(( الرب قضاء أمضى . الشرير يعلق بعمل يديه - 16:9 ))  .

(( سيفهم يدخل في قلبهم وقسيهم تنكسر - 15:37 )) .

7 - وتكون وسيله نجاة المسيح من القتل امراً عجباً , اذا يرفعه الله الى السماء فلا يمسسه السوء :

(( يوصي ملائكته بك لكى يحفظوك في كل طرقك . على الايدي يحملونك لأنه تعلق بى أنجيه . أرفعه لأنه عرف اسمى - 11:91 - 14 )) .

(( أصرخ الى الله العلي , إلى الله المحامي عني . يرسل من السماء ويخلصني - 2:57 - 3 )) .

(( ويخبئني في مظلته فى يوم الشر . يسترنى بستر خيمته . على صخرة يرفعنى - 5:27 )) .

(( لم تحسبني في يد العدو , بل أقمت فى الرحب رجلى .. مبارك الرب لأنه قد جعل عجبا , رحمته لى فى مدينة محصنة - 8:31 ,21 )).

هذا - وإذا جمعنا تلك العناصر السبعة التى تشتمل عليها تنبؤات المزامير وفرأناها بتسلسلها لكانت كالآتى :

يتآمر الكهنوت اليهودى على المسيح لقتله والتخلص منه , ويستخدم المتآمرون عميلا من تلاميذ المسيح هو ذلك الشرير الخائن .

وحين يستشعر المسيح الخطر , فإنه يفزع ويرتاع وتقرب به المحنه من حافة اليأس فيصرخ إلى الله طالبا النجاة وحفظ نفسه من القتل , ثم يدعو المسيح على تلميذه الخائن بالهلاك.

ويستجيب الله دعاء المسيح لنفسه بالنجاة فتفشل المؤامرة ويحفظ علية حياته , كما يستجيب الله دعاء المسيح على التلميذ الخائن , فتـنقلب عليه مؤامرته ويتجرع ذات الكأس التى شارك فى تجهيزها لمعلمه .

وتكون الوسيلة التي نجا بها المسيح من القتل امراً عجباً , إذ يرفعه الله إلى السماء فلا يمسه السوء .

تلك هى الحقيقة من المزامير وهى الحقيقه التى يجدها كل من يقرأ المزامير , واضحه كل الوضوح لا لبس فيها ولا غموض .

حقا نقول : لقد تنبأت المزامير بنجاة المسيح من القتل والصلب .

وتنبأت المزامير بهلاك يهوذا .

هلاكاً وسيلته " آلة الموت " أو بالأحرى خشبة الصليب , لأنه بسببها يلبس اللعنة والعار والخزى والبوار .    

نقلا عن موقع المسيحية في الميزان