سؤال حول اللاهوت والناسوت وعدم علم المسيح لموعد الساعة

 

Mk 13:32

32  واما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما احد ولا الملائكة الذين في السماء ولا الابن الا الآب.

 

أرسل بواسطة : slave of Allah

 

قال محاورك النصراني أن عدم علم المسيح متى تكون الساعة ، إنما كان لأن به روحاً بشرية، والروح البشرية لا تعلم الغيب!
ومن أجل أن نعرف كيف يكون الرد على مثل هذا القول، سنقدم بمقدمة نشرح فيها اختلاف النصارى في هذه المسألة اللاهوتية، يتبين من خلالها كيف تكون الإجابة، ويتبين كذلك مدى ما فيه النصارى من حيرة، واضطراب.

ودعني أخي أوجز لك القول في ذلك.
النصارى انقسموا إلى فريقين: فريق قال أن اللاهوت أو (الله الكلمة) على عقيدتهم، أخذ من "مريم" جسداً فقط لا روح فيه. فالمسيح كان مكوناً من (لاهوت – جسد) أو من (الكلمة – جسد)
فهذا الجسم أو الجسد هو عبارة عن جسد أو لحم دون روح.

والفريق الآخر قال أن اللاهوت أخذ جسداً وروحاً إنسانيين، أي أخذ إنساناً لا جسداً فقط. وهي عقيدة (الكلمةإنسان)
إذن نحن أمام فريقين:
الأول قال أن المسيح هو (الكلمة---جسد)
والثاني قال أن المسيح هو (الكلمة---جسد بشري---روح بشرية) ولما كان الجسد البشري، والروح البشرية هو الإنسان، فالمسيح على القول الثاني هو (الكلمة ---إنسان)
وممن قال بالعقيدة الأولى أبولوناريوس أسقف لادوكية (اللاذقية) الذي عاش في القرن الرابع وهو أشهر من رفضوا وجود روح بشرية في المسيح وإليه نسبت هذه العقيدة (الأبولوناريوسية).
واستدل أبولوناريوس بقول يوحنا الإصحاح 1 فقرة 14 (والكلمة صار جسداً) أي أن الكلمة حلت في جسد ولحم... لا روح فيه..... (وليس في إنسان من جسد وروح)
وقال: أن الكتاب لا يقول والكلمة صار إنساناً، بل صار جسداً، وهذا الجسد بدون روح بشرية، لأن الكلمة= اللوغوس حل في هذا الجسد محل الروح البشرية العاقلة.
وأصبح اللوغوس مكان الروح، وهو ما يعرف بعقيدة الطبيعة الواحدة أو (الكلمة – جسد) وليس (الكلمة – إنسان)
وأنكر الكثيرون وجود روح بشرية في المسيح مثل لوقيانوس الأنطاكي، وأدوكسيوس الإنطاكي أسقف إنطاكية، ثم القسطنطينية، الذي كان يقول الابن صار جسداً... لكنه لم يصر إنساناً، ولم يأخذ روحا بشرية فلا يوجد في المسيح طبيعتان بل طبيعة واحدة مركبة.
وحجة هؤلاء أن الإيمان بوجود ناسوت كامل ولاهوت كامل (أي إنسان كامل من جسد وروح) معناه وجود ابنين في المسيح، ابن بالطبيعة وهو الكلمة وابن بالتبني وهو يسوع، أو ابن بالطبيعة وهو اللاهوت، وابن بالتبني وهو الناسوت، وبالتالي يكون الإله مربع الأقانيم وليس مثلث الأقانيم، فالأقانيم أربعة وليست ثلاثة.
لأن اللاهوت المقدس سيكون بهذا الشكل:
الآب – الابن – الروح القدس..... لكن الابن عبارة عن (الكلمة الذي هو ابن الله بالجوهر، و إنسان كامل من روح وجسد الذي هو يسوع ابن مريم)
فيكون اللاهوت المقدس هو1- الآب، 2- الابن الكلمة، 3- الابن بالتبني يسوع، 4- والروح القدس.
أو أقنوم الآب والابن والروح القدس والإنسان الكامل.
فعندما يقول النصراني أن المسيح لم يكن يعلم متى الساعة، ولم يكن يعلم الغيب، لأن به روحاً بشرية!!
نقول له:
المسيح إذن مكون من أقنومين لا أقنوم واحد.
فأنت أثبت بذلك للمسيح أقنومين
أقنوم الابن الكلمة (اللاهوت)، .... وأقنوم الابن بالتبني (يسوع).
وتكون بذلك الأقانيم أربعة لا ثلاثة.
ثانياً: القول أنه كان في المسيح روح بشرية وليس جسد فقط بل إنسان كامل، بالإضافة إلى لاهوت كامل، وهما كائنان حيان متمتعان بالحرية والإرادة، متغيران في الطبيعة.
إذا حمل الناسوت روحاً بشرية، وحمل كذلك لاهوتاً، فكيف تتفق هذه الروح البشرية مع اللاهوت في شخص واحد، وذات واحدة؟
وإذا كان الناسوت إنساناً كاملاً فإن الإنسان يتمتع بالحرية والإرادة في التصرف والعمل والسلوك.
الروح البشرية بعجزها وضعفها، وجهلها، وإرادتها البشرية الواهنة وعرضتها لليأس والندم، والضيق، والضجر، ورغباتها واحتياجاتها الإنسانية،... واللاهوت بإرادته وقدرته، وقوته وأزليته؟ كيف يمكن يتناسب لناسوت من جسد ونفس بشرية، أن تأتي روح إلهية أو اللوغوس على عقيدتهم، فتحل في هذا الجسد وتلك الروح البشرية؟
قدرتان إحدهما لا حد لها، والأخرى محدودة ضعيفة.
إرادتان إحدهما إرادة بشر مخلوق، والأخرى إرادة إله خالق.
عِلْمان، علمٌ قليل، لا يعلم صاحبه إلا ما علم، ولا يعلم من الغيب شيئاً، ولا يعلم متى الساعة، وعلم متناهي أزلي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور؟ كيف يجتمعان؟
صراع في الذات الواحدة، صراع بين الإرادتين والقدرتين، تناقض بين الرغبتين والمشيئتين، تعارض بين الطاقتين؟
يقول بولس في غَلاطِّية أصحاح 5 فقرة 17 ( لأن الجسد يشتهي ضد الروح، والروح ضد الجسد. وهذان يقاوم أحدهما الآخر)
فهذان الروح والجسد، مخلوقان بينهما تناقض، هذا يشتهي غير هذا، فكيف بخالق ومخلوق في ذات واحدة؟
ولبولس أيضاً كلام أكثر من ذلك ذكره في رومية 7 فقرة من 14 إلى25
أيمكن أن يكون المسيح عالما جاهلا في وقت واحد؟!
قادرا عاجزاً في وقت واحد؟!
حيا ميتا في وقت واحد؟!
هل يمكن الجمع بين المتناقضات ، أو الإيمان بالمحالات، واعتبار أن ذلك إيمان وعقيدة؟

وإضافة إلى ما سبق مما قد تبين به بطلان زعم أن المسيح إله، تجسد في إنسان..

نقول: أن تجسد الإله (تعالى عما يقولون) في إنسان من جسد وروح بشريين، لا يتفق مع قول النصارى أن المسيح كان مبرأ من الخطية الأصلية!

فالخطية مرتبطة بروح الإنسان لا باللحم والدم. فاللحم والدم والجلد والعظم إنما هي هيكل للإنسان لا ترث خطية...
وإنما ترث اللون، والشكل، والطول، والقصر، والبدانة، والنحافة، ...
هذا ما ترثه جوارح الإنسان من أسلافه...

لكن المعاني كحب المعرفة، وحب الخير والشر، والحقد، والحسد، والعفو، والرحمة إنما هي معاني تتعلق بالروح،
وما جوارح الإنسان إلا أدوات تحركها الروح، فإن حركتها إلى الخير تحركت إلى الخير، وإن حركتها إلى الشر تحركت معها.
فلو قالوا بالخطية الأصلية الموروثة! وقالوا أن في المسيح روحَ بشر، لكان هذا اعتراف منهم أن المسيح ليس قدوساً، مبرأ من خطية آدم، بل وارث كسائر بني آدم خطيته، فإن الخطية مرتبطة بروح الإنسان ونفسه.

إذن فرار محاورك من جهل المسيح بعلم الساعة بدعوى أنه كان فيه روحاً بشرية، فرار لم ينفعه بشيء.
وهذا ما جعل فرق من النصارى تنفي أن بالمسيح روح إنسان، وإنما كان إلهاً وجسداً، لا روح فيه.

والقائلون بأن الله تجسد في إنسان مشركون كفار.
والقائلون أن الله تجسد في جسد لا إنسان مشركون كفار.

ولو أردت لذكرت لك كفر القائلين بالمذهب الثاني (التجسد في جسد لا روح فيه)
لكن محاورك كان من الفريق الأول، فيكفي ما قيل.

أرجو أن أكون استطعت إيصال المعلومة، وأن يكون فيما كتبت جواباً لما أردت.

 

 

 

تعقيب د \ هشام عزمي

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ،،

ردًا على سؤال الأخ دراجون بخصوص عقيدة النصارى في اللاهوت و الناسوت ، فكلام النصراني صحيح و اعتقاد النصارى هو أن للمسيح روحًا إنسانية و هي من عناصر الناسوت و هي التي فارقته عند الموت على الصليب .. يقول عوض سمعان في كتاب (الله في المسيحية) : (( هذا و الذي فارق جسد المسيح عندما مات على الصليب ، لم يكن لاهوته بل روحه الإنسانية ، التي كانت من عناصر ناسوته . أما لاهوته فقد ظل متحدًا بجسده الممات )) عوض سمعان ، الله في المسيحية ص322 .

و قد فند شيخ الإسلام و المسلمين ابن تيمية قدس الله روحه هذه الأطروحة النصرانية في عدة مواضع من كتابه الموسوعي (الجواب الصحيح) أكثرها تفصيلاً هو ما قاله في الجزء الثالث من الكتاب : (( ومن العجائب أنهم يقولون : إن المسيح صلب ومات ، ففارقته النفس الناطقة ، وصار الجسد لا روح فيه ، واللاهوت مع هذا متحد لم يفارقه وهو في القبر ، واللاهوت متحد به ، فيجعلون اتحاده به أبلغ من اتحاد النفس بالبدن .

والنفس عند اتصالها بالبدن تتغير وتتبدل صفاتها وأحوالها ، ويصير لها من الصفات والأفعال ما لم يكن بدون البدن ، وعند مفارقة البدن تتغير صفاتها وأفعالها .

فإن كان تمثيلهم مطابقا لزم أن يكون الرب قد تغيرت أوصافه وأفعاله لما اختلط بالمسيح ، كما تتغير صفات النفس وأفعالها ، ويكون الرب قبل هذا الاختلاط ، كالنفس المجردة التي لم تقترن ببدن .

وأيضا فالنفس والبدن شريكان في الأعمال الصالحة والفاسدة لهما الثواب وعليهما العقاب والثواب . والعقاب على النفس أكمل منه على البدن ، فإن كان الرب كذلك كان جميع ما يفعله المسيح باختياره فعل الرب ، كما أن جميع ما يفعله البدن باختيار فعل النفس ، فالنفس هي التي تخاطب بالأمر والنهي ، فيقال لها : كلي واشربي وانكحي ، ولا تأكلي ولا تشربي ولا تنكحي .

فإن كان الرب مع الناسوت كذلك ، كان الرب هو المأمور والمنهي بما يأمر به المسيح ، وكان الرب هو المصلي الصائم العابد الداعي ، وبطل قومهم : يخلق ويرزق بلاهوته ويأكل ويعبد بناسوته .

فإن النفس والبدن لما اتحدا كانت جميع الأفعال الاختيارية للنفس والبدن .

فإذا صلى الإنسان وصام ودعا ، فالنفس والبدن يوصفان بذلك جميعا ، بل النفس أخص بذلك ، وكذلك إذا أمر أو نهى . فكلاهما موصوف بذلك ، وكذلك إذا ضرب ، فألم الضرب يصل إليهما كما تصل إليهما لذة الأكل والجماع .

بل أبلغ من ذلك أن الجني إذا دخل في الإنسي وصرعه وتكلم على لسانه ، فإن الإنسي يتغير حتى يبقى الصوت والكلام الذي يسمع منه ليس هو صوته وكلامه المعروف .

وإذا ضرب بدن الإنسي فإن الجني يتألم بالضرب ويصيح ويصرخ ويخرج منه ألم الضرب ، كما قد جرب الناس من ذلك ما لا يحصى ، ونحن قد فعلنا من ذلك ما يطول وصفه .

فإذا كان الجني تتغير صفاته وأحواله لحلوله في الإنسي ، فكيف بنفس الإنسان .

وعندهم اتحاد اللاهوت بالناسوت أتم وأكمل من اتحاد النفس بالجسد .

فهل يقول عاقل مع هذا الاتحاد : إنهما جوهران ، لكل منهما أفعال اختيارية ، لا يشركه الآخر فيها ؟!

ويقولون مع قولهم بالاتحاد : إن الذي كان يصلي ويصوم ويدعو ويتضرع ويتكلم ويتألم ويضرب ويصلب ، هو نظير البدن ، والذي كان يأمر وينهي ويخلق ويرزق ، هو نظير النفس .

هذا مع قولهم : إن مريم ولدت اللاهوت مع الناسوت ، وأنه اتحد به مع كونه حيا وقبل حياته وعند مماته ، والجسد في ذلك كله كسائر أجساد الآدميين ، لم يظهر فيه شيء من خصائص الرب أصلا ، بل ولا بعد إتيانه بالآيات ، فإن تلك كان يجري مثلها وأعظم منها على يد الأنبياء ، فهذا أقرب أمثالهم وقد ظهر فساده )) أحمد بن تيمية ، الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ج3 ص88-90 .

و ملخص رد شيخ الإسلام هو أن كون اللاهوت متحد بناسوت عبارة عن جسد و روح ينتهي إلى وجود شخصيتين في المسيح : لاهوت و ناسوت . و لكل من هاتين الشخصيتين خصائصها و أفعالها و يلزم من ذلك أن يكون من يأكل و يشرب و يبول و ينام غير من يخلق و يرزق و يأمر و ينهى و يقوم بالمعجزات كما هو في مثال الجني المتلبس بالأنسي . لكن المخالطين و المعاصرين للمسيح لم يجدوا فيه اختلافًا و لا تغيرًا عند قيامه بالأعمال اللاهوتية - في زعمهم - كالمعجزات عما هو عليه و هو يقوم بالأعمال الناسوتية كالأكل و الشرب و النوم .. بل قد يقوم بعملين : لاهوتي و ناسوتي في نفس الوقت و نفس الموقف دون أن يطرأ عليه اختلاف أو تغير يفرق بين لاهوته و ناسوته .

 

 

بواسطة : هشام عزمي و slave of Allah

منتدى الجامع القديم