هل العهد القديم كلمة اللـه ؟؟


السادس عشر: التحريف في التوراة

تحدث القرآن الكريم عن تحريف التوراة في آيات كريمة منها قول الله تعالى { يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون } ، ويقول { من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه } { وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون }.

وعن تحريفهم يقول { قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نوراً وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيراً } { إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمناً قليلاً أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم } ، ويقول { يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب }

والتحريف يكون بالنقص والزيادة ، وكل ذلك وقع في التوراة .


تحريف النقص :

ومن صور التحريف بالنقص تلك الإحالات الإنجيلية إلى التوراة والتي لا نجدها في الأسفار الموجودة بين أيدينا ومن ذلك ما جاء في متى " ثم أتى وسكن في بلد تسمى ناصرة ، ليكمل قول الأنبياء : أنه سيدعى ناصريا " ( متى 2/23 ).

ولا يوجد ذلك في شيء من التوراة .

قال ممفرد الكاثوليكي في كتابه " سؤالات السؤال " : " الكتب التي كان فيها هذا انمحت ، لأن كتب الأنبياء الموجودة الآن لا يوجد في واحد منها أن عيسى يدعى ناصرياً " .

من النقص ما تضع بعض التراجم نجوماً بدلاً منه " فقلت عن البالية في الزنى: الآن يزنون زنى معها وهي*** (هكذا في المطبوع) فدخلوا عليها كما يدخل على امرأة زانية". (حزقيال 22/43)

ومثله " فأتى بالكتاب إلى ملك إسرائيل يقول فيه****** (هكذا في المطبوع)، فالآن عند وصول هذا الكتاب إليك هوذا قد أرسلت إليك نعمان عبدي، فاشفه من برصه" (الملوك(2) 4/6)


ومن صور التحريف بالنقص تلك الأسفار الضائعة :

ثمة أسفار توراتية ضاعت بشهادة الأسفار الموجودة في الكتاب المقدس . منها : سفر حروب الرب " لذلك يقال في كتاب حروب الرب واهب في سوفة وأودية أرنون" ( العدد 21/4 ).

وسفر ياشر " أليس هذا مكتوباً في سفر ياشر. فوقفت الشمس في كبد السماء ولم تعجل للغروب نحو يوم كامل." ( يشوع 10/13 )

وكذا سفر أخبار صموئيل الرائي ، وسفر أخبار ناثان النبي ، وأخبار جاد الرائي الذين ذكروا في سفر الأيام حيث يقول: " وأمور داود الملك الأولى والأخيرة هي مكتوبة في أخبار صموئيل الرائي وأخبار ناثان النبي وأخبار جاد الرائي" ( الأيام (1) 29/29 ).

ومن الأسفار الضائعة سفر أخبار شمعيا النبي ، وسفر عدوَ الرائي المذكوران في سفر الأيام " أمور رحبعام الأولى والأخيرة أما هي مكتوبة في أخبار شمعيا النبي وعدّو الرائي " ( الأيام (2) 12/15 ).

ومن الضائع أيضاً سفر أخبار النبي أخيا الشيلوني " هي مكتوبة في أخبار ناثان النبي وفي نبوّة اخيا الشيلوني وفي رؤى يعدو الرائي " ( الأيام (2) 9/29 ) وسوى ذلك من الأسفار المفقودة بشهادة التوراة الموجودة بين يدي النصارى .

يقول آدم كلارك: " حصل لقلوب العلماء قلق عظيم لأجل فقدان تاريخ المخلوقات ( سفر مفقود ذكر في ملوك (1) 4/32 - 13 ) فقداناً أبدياً ".

يقول طامس أنكلس الكاثوليكي: " اتفاق العالم على أن الكتب المفقودة من الكتب المقدسة ليست بأقل من عشرين ".


التحريف بالزيادة :

ثم ومن التحريف بالزيادة تلك المواضع التي أضيفت في الأسفار ، ونسبت للأنبياء، وقد تضمنت معلومات كانت بعدهم ، كما سبق بيانه ، ومنه تلك الأخبار الملفقة عن الله ورسله مما ذكرناه من قبل.

ومن صور تحريف الزيادة ذكرهم اسم إسحاق في قصة الذبيح، بدلاً من إسماعيل، فقد أمر الله إبراهيم بذبح ابنه الوحيد " خذ ابنك وحيدك الذي تحبه إسحاق " ( التكوين 22/2).

وكانت التوراة قد صرحت بأن إسماعيل أكبر أبناء إبراهيم ، وأنه ولد قبل إسحاق بأربع عشرة سنة " كان أبرام ابن ستٍّ وثمانين سنةً لمّا ولدت هاجر إسماعيل لأبرام" (تكوين 16: 16) "وكان إبراهيم ابن مئة سنةٍ حين ولد له إسحاق ابنه" (تكوين 21: 5).

لكن النصارى يزعمون أن إسماعيل لا يصلح أن يحسب ابنا لإبراهيم لأنه ابن جارية، ويتناسون أنه ابن شرعي حقيقي، كما في التوراة نفسها " فأخذت ساراي امرأة أبرام هاجر المصريّة جاريتها من بعد عشر سنين لإقامة أبرام في أرض كنعان، وأعطتها لأبرام رجلها زوجةً له. فدخل على هاجر فحبلت.." ( تكوين 16: 31-4) ، وفي مكان آخر من السفر " ولدت هاجر لأبرام ابناً. ودعا أبرام اسم ابنه الّذي ولدته هاجر: إسماعيل" ( تكوين 16: 15-16).

وعندما غارت سارة من هاجر: " فقالت لإبراهيم: "اطرد هذه الجارية وابنها لأنّ ابن هذه الجارية لا يرث مع ابني إسحاق. فقبح الكلام جدّاً في عيني إبراهيم لسبب ابنه (أي إسماعيل). فقال الله لإبراهيم: لا يقبح في عينيك من أجل الغلام ومن أجل جاريتك". ( تكوين 21: 10-12).

ويثبت له البنوة مرة أخرى، فيقول: "ودفنه إسحق وإسماعيل ابناه في مغارة المكفيلة" ( تكوين 25: 7 )

والعجيب أن التوراة لم تقل أبداً إن إسماعيل ابن غير شرعي لإبراهيم ، فهذه سارة امرأة إبراهيم أيقنت أنها لن تنجب لإبراهيم نسلاً، فآثرت أن تزوجه بهاجر: " ادخل على جاريتي لعلّي أرزق منها بنين، فسمع أبرام لقول ساراي" (تكوين 16: 1-4 ) " فولدت هاجر لأبرام ابناً. ودعا أبرام اسم ابنه الّذي ولدته هاجر إسماعيل" . ( تكوين 16: 15-16) .

ثم كيف يدعي المؤمنون بالكتاب المقدس أن الله أمره بذبح إسحاق، وقد وعده أن يريه ذريته التي لم تولد بعد، فهو يعلم أن ابنه لن يموت ولن يذبح، لأنه سيكبر وستكون له ذرية كما وعده الله قبل أن يولد إسحاق " في كلّ ما تقول لك سارة اسمع لقولها، لأنّه بإسحاق يدعى لك نسلٌ". ( تكوين 21: 12-13)

فقوله: " خذ ابنك وحيدك " حق، وكلمة " إسحاق " زيادة ولبسٌ للحق بالباطل، ويشهد للتبديل قوله: " لم تمسك ابنك وحيدك عني " ( التكوين 22/12 ، 16 ) ولم يذكر فيه اسم إسحاق.


الكتب تتهم بني إسرائيل بالتحريف :

ثم ها هي التوراة وأسفارها تتهم القوم بتحريف التوراة، منها :

قول إرميا الذي شهد كتابة عزرا للتوراة فيقول " قد سمعت ما قالته الأنبياء الذين تنبؤوا باسمي بالكذب قائلين : حلُمتُ ، حلُمتُ " ( إرميا 23/25 ).

ويقول إرمياء " كيف تقولون : نحن حكماء ، شريعة الرب معنا حقاً ، إنه إلى الكذب ، حَّولها قلم الكتبة الكاذب " ( إرميا 8/8 ).

ويؤكد وقوع التحريف، فيقول: " أما وحي الرب فلا تذكروه بعد . إذ قد حرفتم كلام الله الحي " (إرميا 23/36)

ومثله وقه التحريف في سفره " فأخذ إرمياء درجاً آخر ، ودفعه لباروخ بن نيريا الكاتب ، فكتب فيه عن فم إرميا كل كلام السفر الذي أحرقه يهوياقيم ملك يهوذا بالنار ، وزيد عليه أيضاً كلام كثير مثله " ( إرميا 36/32 ) ولم يذكر السفر من الذي زاد على قول إرمياء النبي .

كما تحدث إرميا عن أولئك الذين يدعون النبوة ويسطرون نبوءاتهم ومناماتهم في الكتاب: " قال رب الجنود إله إسرائيل : لا تغشكم أنبياؤكم الذين في وسطكم وعرافوكم ، ولا تسمعوا لأحلامهم التي يتحلمونها، لأنهم يتنبؤون لكم باسمي الكذب، أنا لم أرسلهم يقول الرب " (إرميا 29/8 - 9).

ويواصل إرميا الحديث عن أولئك الذين رآهم يكتبون الكتب وينسبونها لله، فيقول: " وصار في الأرض دهش وقشعريرة .الأنبياء يتنبئون بالكذب ، والكهنة تحكم على أيديهم ، وشعبي هكذا أحب " ( إرميا 5/30 - 31 ) لقد تمالأ الجميع على هذا التحريف، الأنبياء الكذبة والكهنة والشعب اليهودي.

وجاء في المزامير شهادة أخرى تتحدث عن تحريف بني إسرائيل للكتب " ماذا يصنع بي البشر، اليوم كله يحرفون كلامي " ( مزمور 56/4 - 5 ) .

ويقول النبي إشعيا: " ويل للذين يتعمقون ليكتموا رأيهم عن الرب ، فتصير أعمالهم في الظلمة، ويقولون : من يبصرنا ، ومن يعرفنا ؟ : يالتحريفكم " ( إشعيا 29/15 – 16 ) .

وفي حزقيال " القائلون : وحي الرب. والرب لم يرسلهم .. وتكلمتم بعرافة كاذبة قائلين: وحي الرب . وأنا لم أتكلم " ( حزقيال 13/6 - 7 ) .

وهكذا تعرض التوراة نوعين من التحريف : تحريف الكتبة الذين يدعون الوحي ، وتحريف بني إسرائيل وهم يحرفون كلام الله الذي جاء على لسان أنبيائه .

لقد حصل ما توقعه موسى عليه السلام حين قال : " خذوا كتاب التوراة هذا وضعوه بجانب تابوت عهد الرب إلهكم ..لأني عارف أنكم بعد موتي تفسدون وتزيغون عن الطريق " ( التثنية 31/24 - 29 ) .


اعترافات بوقوع التحريف :

ويعترف كبار المراجع النصرانية بوقوع التحريف والزيادة المستمرة حيث تقول لجنة الكتاب المقدس البابوية في مدخلها سنة 1948م: " يوجد ازدياد تدريجي في الشرائع الموسوية سببته مناسبات العصور التالية الاجتماعية والدينية " .

ويقول كيرت: " الكتاب المقدس المتناول حالياً لا يحتوي على التوراة والإنجيل المنزلين من الله ، ولقد اعترف علماء باحثون باللمسات البشرية في إعداد هذا الكتاب المقدس " .

ويقول جيمس حيستنج: " ومع هذا فإننا نتوقع أن نجد خلال صفحات الكتاب المقدس بعض الأجزاء من التوراة والإنجيل الأصليين، مما يتحتم معه دراسة جادة لكي تجعل مضمون الكتاب المقدس مفهوماً".


عودة