تم تصدير هذا الكتاب آليا بواسطة المكتبة الشاملة
(اضغط هنا للانتقال إلى صفحة المكتبة الشاملة على الإنترنت)


الكتاب : القيم الإسلامية
عدد الصفحات : 56
مصدر الكتاب : موقع الإسلام
http://www.al-islam.com
[ ضمن مجموعة كتب من موقع الإسلام ، ترقيمها غير مطابق للمطبوع ، وغالبها مذيلة بالحواشي ]

مقدمة
ماذا نقصد بالقيم ؟
القيمة هي صفة في شئ تجعله موضع تقدير واحترام أي أن هذه الصفة تجعل ذلك الشيء مطلوبًا ومرغوبًا فيه ، سواءً كانت الرغبة عند شخص واحد ، أو عند مجموعة من الأشخاص . مثال ذلك إن للنسب عند الأشراف قيمة عالية ، وللحكمة عند العٌلماء قيمة عظيمة ، وللشجاعة عند الأمراء قيمة مرغوبة ، ونحو ذلك .
وموضوع القيمة : هو البحث عن الموجود من حيث هو مرغوب فيه لذاته ، والنظر في قيم الأشياء ، وتحليلها ، وبيان أنواعها وأصولها ، فإن فسرت "القيمة" بنسبتها إلى الصور الغائبة ، المرتسمة على صفحات الذهن ، كان تفسيرها مثاليًّا ، وإذا فسرت بأسباب طبيعية أو نفسية أو اجتماعية ، كان تفسيرها وجوديًّا . وخير تفسير للقيم ما جمع بين الاثنين ، المعنى المثالي ، والمعنى الطبيعي ، إذ لا يمكن تصور أحد هذين المعنيين في القيمة ، دون الآخر ، ولولا ذلك ، لما كان للقيمة وجود ، ولا للوجود قيمة .

1 / مفهوم العدل :
المراد بالعدل : إعطاء كل ذي حق حقه ، إن خيرًا فخير ، وإن شرًا فشر ، من غير تفرقة بين المستحقين ولأهمية العدل ومنزلته ، بعث الله رسله وأنزل كتبه ، لنشره بين الأنام ، قال تعالى : { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ } والقسط : العدل ، وهو قوام الدنيا والدين ، وسبب صلاح العباد والبلاد ، به قامت السموات والأرض ، وتألفت به الضمائر والقلوب والتأمت به الأمم والشعوب ، وشمل به الناس التناصف والتعاطف ، وضمهم به التواصل والتجانس ، وارتفع به التقاطع والتخالف .
وضعه الله تعالى لتوزّع به الأنصبة والحقوق ، وتقدر به الأعمال والأشخاص ، إذ هو الميزان المستقيم ، الذي لا تميل كفته ، ولا يختل وزنه ، ولا يضطرب مقياسه ، فمن رام مخالفته ، وقصد مُجانيته ، عرّض دينه للخبال ، وعمرانه للخراب ، وعزته للهوان ، وكثرته للنقصان ، وما من شيء قام على العدل ، واستقام عليه ، إلاّ أمن الانعدام ، وسلم من الانهيار .

ومن أهم دعائم السعادة ، التي ينشدها البشر في حياتهم ، أن يطمئنوا على حقوقهم وممتلكاتهم ، وأن يستقر العدل فيما بينهم ، وإلاّ فلا يعرف على وجه الأرض شيء أبعث للشقاء والدّمار ، وأنفى للهدوء والاستقرار بين الأفراد والجماعات ، من سلب الحقوق .
إذن العدل قيمة ضرورية في الإسلام ، عمل الإسلام على إثباتها ، وإرسائها بين الناس ، حتى ارتبطت بها جميع مناحي تشريعاته ونظمه ، فلا يوجد نظام في الإسلام إلاّ وللعدل فيه مطلب ، فهو مرتبط بنظام الإدارة والحكم ، والقضاء ، وأداء الشهادة ، وكتابة العهود والمواثيق بل إنه مرتبط أيضًا بنظام الأسرة والتربية ، والاقتصاد والاجتماع ، والسلوك ، والتفكير ، إلى غير ذلك من أنظمة الإسلام المختلفة وهذا يدل بوضوح على أن الإسلام ضمن قيمة العدل في جميع مجالات الحياة ، بل إنه ركز كافة أهدافه على ضوئها ، مما شهد له التاريخ على سلامة المجتمعات التي حكمها ، من الانهيار الخطير في الأخلاق ، وأمنها من اضطراب الموازين والمعايير ، وصانها من دمار النفوس ، وخراب العمران .

2 / أنواع العدل :
يمكن تقسيمه إلى أنواع باعتبارات مختلفة ، منها :
أ - تقسيم العدل باعتبار زمانه ومكانه :
والعدل بهذا الاعتبار ينقسم إلى قسمين :

1 / عدل في الدنيا : وهو يشمل الحياة البشرية كلها ، منذ أن خلق الله آدم - عليه السلام - إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها . قال تعالى : { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ } ومعلوم أن رسل الله وأنبياءه ، موزعون على الأزمان والأجيال بالتعاقب ، ليقيموا العدل بين الناس ، إذ الناس يختلفون ويختصمون ، ويؤثر فيهم الهوى والشهوة ، فيقع الظلم بينهم ، فجاء الأنبياء بالعدل لرفع ذلك الظلم ، ومنع ضرره ، ولولاهم ، لفسدت حياة الناس وخربت عليهم الديار . وفي قصة ابني آدم - عليه السلام وهما قابيل وهابيل - التي خلّد ذكرها القرآن ما يعطي صورة واضحة على خطورة الظلم وضرره ، حيث إنه أول معصية أودت بحياة إنسان على وجه الأرض ، ويؤكد على ضرورة العدل ، كي تعيش البشرية في أمن وسلام واستقرار . وهذا العدل الدنيوي عدل تبين لأنه يقوم على حسب وسع البشر في تطبيقهم لمقتضيات العدل الإلهي المثبت في أحكامه وشرائعه .

2 / عدل في الآخرة : وهو الذي استأثر به الله تعالى يوم القيامة ، إذ قد يفلت الظالم في الدنيا من سلطة الحكم العادل ، الذي يرد عليه ظلمه ، ويؤاخذه بذنبه ، كما أن من التزم العدل في الدنيا ، يتشوق إلى الأجر العظيم ، الذي أعده الله له يوم القيامة مقابل التزامه وصبره وتحمله . وفي هذا وذاك ، يقول الله تعالى : { وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ } وهذا هو العدل المطلق لأن الذي يتولى القيام به هو الله تعالى الذي لا يعزب عنه مثقال حبة أو ذرة في السماوات ولا في الأرض .
ب - تقسيم العدل باعتبار عمومه وشموله :

والعدل بهذا الاعتبار يعمّ الإنسان والحيوان وسائر الكائنات . أما شموله للإنسان فتدّل عليه أدلة كثيرة ، منها قوله تعالى : { وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى } والخطاب للعقلاء ، فكل عاقل مطالب بإقامة العدل في حياته ، مع نفسه وغيره ، حتى لو كان الغير عدوّه وخصمه لأن سلطان العدل ، ليس له حدود ، فهو يتجاوز حدود الدين والعقيدة ، ويتجاوز حدود القرابة والنّسب ، ويتجاوز حدود الأرض أو الوطن ، فمن كان له حق لآخر ، فلا يظلمه ، بحجة أنه يختلف معه في الدّين أو النسب ، أو الوطن ، بل الواجب عليه أن يعطيه حقه لإنسانيته ، إذ العدل حق يشترك فيه جميع الناس .

وأما شموله للحيوان ، فلأن الإنسان مأمور بعدم ظلمه وإيذائه ، سواء كان بحبس أو تجويع أو تحميل له فوق طاقته أو غير ذلك ، وقد دخلت امرأة النار في هرة ، حبستها من غير أن تطعمها أو تخلي سبيلها فتأكل من حشاش الأرض ودخل رجل الجنة في كلبٍ وجده يلهث ويأكل التراب من شدة العطش ، فنزل في البئر ، فملأ خفّه ماء ، فسقاه ، فشكر الله له ، وأدخله الجنة فالحيوان وإن كان لا يستطيع هو بنفسه أن يحقق العدل في حياته - لعدم تكليفه حيث لا يعقل الخطاب عن المكلف - إلا أن الذين يعيشون معه مطالبون بالعدل معه ، والكف عن أذيته .

وأما شمول العدل لسائر الكائنات ، فهو ما نراه ونلحظه في حركة الكائنات التي تسبح في الأرض ، أو التي تسبح في الفضاء ، فإنها تتحرك حركة عادلة ، فمنها ما يلاحظ عدله في الحركة بين السرعة والبطء ، كالليل والنّهار ، والشمس والقمر ، والنجوم والكواكب ، لهذا قال الله تعالى : { وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ } ، { وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ }{ لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } ومنها ما يكون عدله مركوزًا في حركته بين الزيادة والنقصان ، كالماء واليابسة ، فإن الماء لو طغى على اليابسة ، لهلك كل شيء يقطن اليابسة ، كما أنه لو نقص ، لهلك كل كائن يعيش في الماء . ومن الكائنات ما عدله ملاحظ في طبيعته وتكوينه البيولوجي والكيمائي ، كالحيوانات التي تدبّ على الأرض وما من شيء في الكون ، إلاّ وقد رُكّز "العدل" في نظام حياته ، مما فيه الحياة أو نظام حركته ، مما لا حياة فيه ، ولكنه يسير ويتحرك .

ج - تقسيم العدل باعتبار تعلقه بالإنسان :
والعدل بهذا الاعتبار ينقسم إلى قسمين :
- عدل فردي : وهو ما كان مظهرًا للتوازن النفسي لدى الفرد ، وذلك أن تناسب قوى المرء الثلاث - العقل والغضب والشهوة - أمر راجع إلى الإنسان نفسه ، إما لذاته ، نتيجة تأملاته وأفكاره الفردية ، وإما بتأثير غيره ، عن طريق العلم والمعرفة والإدراك مثال ذلك : عدل الإنسان في نفسه ، بأن يعدل في جسده وروحه ، وعقله وفكره ، وأخذه وعطائه ، وعمله ونشاطه ، ونحو ذلك من الأمور التي تخص الفرد في هذه الحياة .

- عدل جماعي : وهو ما روعي فيه حقوق الآخرين ، وما يجب نحوهم من احترام وتقدير أي أن الإنسان يعتدل في أخذ ما له من حقوق ، وأداء ما عليه من واجبات . مثال ذلك : عدل الإنسان في بيعه وشرائه ، وفي حكمه وقضائه ، وشهادته وأمانته ، ومنعه وعطائه ، وغير ذلك من المظاهر الاجتماعية الكثيرة ، التي يجري فيها العدل بين الفرد وغيره . فالحاكم الأعلى أو الرّئيس - وهو إنسان فرد - يجب عليه إزاء الجماعة أن يتبع قواعد العدل في توليتها ، وذلك بإسناد الأعمال إلى أهلها من ذوي الكفاءة والخبرة . والقاضي يجب أن يراعي العدل بين الخصمين ، بإعطاء كل ذي حق حقه ، وإلزام من عليه الحق أن يدفعه لمستحقه .

والزوج كذلك عليه أن يعامل زوجته أو زوجاته بالعدل ، ويعطي كل واحدة منهن حقها المشروع ، من النفقة والسكن ، والمبيت والركوب ، والطعام واللباس ونحوه . والأب مطالب بالعدل بين أبنائه ، في التربية والتعليم ، والصحة ، والمنع والعطاء ، وألاّ يفضل أحدًا على آخر إلاّ بحقّه وقد ثبت كل ذلك بنصوص صريحة ومباشرة قال الله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ } وقال صلى الله عليه وسلم : « اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم » وقال تعالى : { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً }

3 / ثمرة العدل :
إن المجتمع الذي يضمن نظامه العدل ، لا بدّ أن يجني في حياته ثمرات عظيمة ومنافع كثيرة ، نذكر منها ما يلي :

أ - العدل مشعر للناس بالاطمئنان والاستقرار ، وحافز كبير لهم على الإقبال على العمل والإنتاج ، فيترتب على ذلك : نماء العمران واتساعه ، وكثرة الخيرات وزيادة الأموال والأرزاق ، ولا يخفى أن المال والعمل ، من أكبر العوامل لتقّدم الدّول وازدهارها ، بينما في المقابل تكون عواقب الاعتداء على أموال الناس وممتلكاتهم ، وغمطهم حقوقهم ، هي الإحجام عن العمل ، والركود عن الحركة والنشاط ، لفقد الشعور بالاطمئنان والثقة بين الناس . وهذا يؤدي بدوره إلى الكساد الاقتصادي ، والتأخر العمراني ، والتعثر السّياسي يقول ابن خلدون : [اعلم أن العدوان على الناس في أموالهم ، ذاهب بآمالهم في تحصيلها واكتسابها ، لما يرونه حينئذ من أنّ غايتها ومصيرها ، انتهابها من أيديهم ، وعلى قدر الاعتداء ونسبته يكون انقباض الرّعايا عن السّعي في الاكتساب ، والعمران ووفوره ، ونفاق أسواقه إنما هو بالأعمال ، فإذا قعد الناس عن المعاش ، كسدت أسواق العمران ، وانتقصت الأموال ، وابذعر-أي تفرق- الناس في الآفاق ، وفي طلب الرّزق ، فخفّ ساكن القطر ، وخلّت دياره ، وخربت أمصاره ، واختل باختلافه حال الدّولة]

ب-أنه بغير العدل ، يتحيّن الناس الفرصة ، للثورة على الحكومة الظالمة ، وخلع يد الطاعة عن أعناقهم ، ذلك أن النفوس مجبولة على حبّ من أحسن إليها ، وكره من أساء إليها ، وليس هناك إساءة أشد من الظلم ، وأفدح من الجور ، ولذلك تقوم الثورات كل حين ، وتزداد الانتفاضات هنا وهناك ، لتقويض كابوس الظلم ، ورفع وطأته عن كاهل الشعوب . وما قيام "الثورة الفرنسية" في أوروبا ، والانتفاضة الفلسطينية في الشرق الأوسط ومقاومة التمييز العنصري في أمريكا وجنوب أفريقيا إلاّ صورة معبرة عن فقدان العدل في تلك الأماكن وانتشار الظلم فيها ، فأسفر عن إعلان غضب شعوب المنطقة على الظلم وأهله ، وكراهيتها لأساليب القمع والاضطهاد ، والتعذيب والتنكيل ، والطغيان والاستبداد التي تمارسها السّلطات القائمة في تلك المناطق ضد شعوبها .

4 / تطبيقات العدل في الإسلام :

طبّق المسلمون "العدل" في أعلى صوره ، بدءًا برسول الله ، الذي حكى عنه القرآن قوله : { إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ } فقد وضع نفسه في مصاف مرتبة البشر ، ولم يحمله شرفه العظيم للامتياز عن الناس تبريرًا لأخذ حقوقهم من غير وجه حق ، بل كان نموذجًا رائعًا في إقامة العدل ، حتى على نفسه الكريمة رغم كونه نبي الله ورسوله . فقد رُوى أن « أسيد بن حضير - رضي الله عنه - كان رجلا صالحا ضاحكا مليحا ، فبينما هو عند رسول الله ، يحدث القوم ويضحكهم ، طعن رسول الله في خاصرته ، فقال : أوجعتني . قال صلى الله عليه وسلم : "اقتص" قال : يا رسول الله إن عليك قميصا ، ولم يكن عليّ قميص . قال : فرفع رسول الله قميصه ، فاحتضنه ، ثم جعل يقبل كشحه ، فقال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، أردت هذا » وهذا من أروع الأمثلة على العدل ، الذي سيظلّ يعجز عن تحقيقه أعظم الزعماء إنصافًا مع رعاياه عبر القرون والأجيال . ومثال آخر في تطبيق العدل في الإسلام ، عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أمير المؤمنين ، الذي لم تزد قيمة شهادته على شهادة غيره من الناس لمجرد كونه أميرًا . فقد روي عنه أنه كان يمر ليلًا - على عادته - ليتفقد أحوال

رعيته ، فرأى رجلًا وامرأة على فاحشة ، وجمع الناس وخطب فيهم : "ما قولكم أيها الناس في رجل وامرأة رآهما أمير المؤمنين على فاحشة؟ فرد عليه عليّ بن أبي طالب : يأتي أمير المؤمنين بأربعة شهداء ، أو يجلد حد القذف ، شأنه شأن سائر المسلمين . ثم تلا قوله تعالى : { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } ولم يملك أمير المؤمنين إلاّ أن يمسك عن ذكر أسماء الجناة ، حيث أدرك أنه لا يستطيع أن يأتي بباقي نصاب الشهادة وأنه لا فرق في هذا بينه وبين سائر المسلمين .

ومثال آخر : عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - الخليفة الرابع ، افتقد درعه - يوما من الأيام - فوجدها عند رجل نصراني ، فاختصمه إلى شريح القاضي ، فقال عليّ مدعيا : الدّرع درعي ، ولم أبع ولم أهب ، وسأل شريح النصراني في ذلك فقال : ما الدّرع إلاّ درعي ، وما أمير المؤمنين عندي بكاذبٍ . فالتفت القاضي إلى أمير المؤمنين عليّ ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إن النصراني صاحب اليد على الدّرع ، وله بذلك حقٌ ظاهر عليها ، فهل لديك بيّنة على خلاف ذلك تؤيد ما تقول؟ فقال أمير المؤمنين أصاب شريح ، مالي بيّنة ، وقضى شريحٌ بالدرع للنصراني ، وأخذ النصراني الدّرع وانصرف بضع خطوات ، ثم عاد فقال أما أني أشهد أن هذه أحكام الأنبياء ، أمير المؤمنين يدنيني إلى قاضيه ، فيقضي لي عليه ، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، الدّرع درعك يا أمير المؤمنين ، اتبعت الجيش وأنت منطلق من صفين ، فخرجت من بعيرك الأورق . فقال علي : أما وقد أسلمت فهي لك وغير ذلك من الأمثلة الكثيرة ، التي تدلّ على تطبيق العدل في الإسلام في أعلى درجاته ، قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ

بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }

1 / مفهوم الحرية
يقصد بالحرية : قدرة الإنسان على فعل الشيء أو تركه بإرادته الذاتية وهي ملكة خاصة يتمتع بها كل إنسان عاقل ويصدر بها أفعاله ، بعيدا" عن سيطرة الآخرين لأنه ليس مملوكا" لأحد لا في نفسه ولا في بلده ولا في قومه ولا في أمته .
هل "الحرية" تعني الإطلاق من كل قيد ؟
لا يعني بطبيعة الحال ، إقرار الإسلام للحرية ، أنه أطلقها من كل قيد وضابط ، لأن الحرية بهذا الشكل أقرب ما تكون إلى الفوضى ، التي يثيرها الهوى والشهوة ، ومن المعلوم أن الهوى يدمر الإنسان أكثر مما يبنيه ، ولذلك منع من اتباعه ، والإسلام ينظر إلى الإنسان على أنه مدني بطبعه ، يعيش بين كثير من بني جنسه ، فلم يقر لأحد بحرية دون آخر ، ولكنه أعطى كل واحد منهم حريته كيفما كان ، سواء كان فردا" أو جماعة" ، ولذلك وضع قيودا" ضرورية" ، تضمن حرية الجميع ، وتتمثل الضوابط التي وضعها الإسلام في الآتي :
أ- ألا تؤدي حرية الفرد أو الجماعة إلى تهديد سلامة النظام العام وتقويض أركانه .
ب- ألا تفوت حقوقا أعم منها ، وذلك بالنظر إلى قيمتها في ذاتها ورتبتها ونتائجها .
ج - ألا تؤدي حريته إلى الإضرار بحرية الآخرين .

وبهذه القيود والضوابط ندرك أن الإسلام لم يقر الحرية لفرد على حساب الجماعة ، كما لم يثبتها للجماعة على حساب الفرد ، ولكنه وازن بينهما ، فأعطى كلا" منهما حقه .

أنواع الحرية
- الحرية المتعلقة بحقوق الفرد المادية .
- الحرية المتعلقة بحقوق الفرد المعنوية .
الصنف الأول :
الحرية المتعلقة بحقوق الفرد المادية ، وهذا الصنف يشمل الآتي :
أ - الحرية الشخصية : والمقصود بها : أن يكون الإنسان قادرا" على التصرف في شئون نفسه ، وفي كل ما يتعلق بذاته ، آمنا من الاعتداء عليه ، في نفسه وعرضه وماله ، على ألا يكون في تصرفه عدوان على غيره . والحرية الشخصية تتضمن شيئين .

1 / حرمة الذات ، وقد عنى الإسلام بتقرير كرامة الإنسان ، وعلو منزلته . فأوصى باحترامه وعدم امتهانه واحتقاره ، قال تعالى : { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ } ، وقال تعالى : { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ } وميزه بالعقل والتفكير تكريما" له وتعظيما" لشأنه ، وتفضيلا" له على سائر مخلوقاته ، وفي الحديث عن عائشة - رضي الله عنها - مرفوعا" : « أول ما خلق الله العقل قال له : أقبل ، فأقبل ، ثم قال له : أدبر ، فأدبر ، ثم قال له عز وجل : وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أكرم علي منك ، بك آخذ ، وبك أعطي ، وبك أثيب ، وبك أعاقب » وفي هذه النصوص ما يدعو إلى احترام الإنسان ، وتكريم ذاته ، والحرص على تقدير مشاعره ، وبذلك يضع الإسلام الإنسان ، في أعلى منزلة ، وأسمى مكان ، حتى أنه يعتبر الاعتداء عليه ، اعتداء على المجتمع كله ، والرعاية له رعاية للمجتمع كله ، وقال تعالى : { مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى

بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا } وتقرير الكرامة الإنسانية للفرد ، يتحقق أيا كان الشخص ، رجلا أو امراة ، حاكما أو محكوما ، فهو حق ثابت لكل إنسان ، من غير نظر إلى لون أو جنس أو دين . حتى اللقيط في الطرقات ونحوها ، يجب التقاطه احتراما لذاته وشخصيته ، فإذا رآه أحد ملقى في الطريق ، وجب عليه أخذه ، فان تركوه دون التقاطه أثموا جميعا أمام الله تعالى ، وكان عليهم تبعة هلاكه . هذا وكما حرص الإسلام على احترام الإنسان حيا ، فقد أمر بالمحافظة على كرامته ميتا ، فمنع التمثيل بجثته ، والزم تجهيزه ومواراته ، ونهى عن الاختلاء والجلوس على القبور .
2 / تأمين الذات : بضمان سلامة الفرد وأمنه في نفسه وعرضه وماله :

فلا يجوز التعرض له بقتل أو جرح ، أو أي شكل من أشكال الاعتداء ، سواء كان على البدن ، كالضرب والسجن ونحوه ، أو على النفس والضمير ، كالسب أو الشتم والازدراء والانتقاص وسوء الظن ونحوه ، ولهذا قرر الإسلام زواجر وعقوبات ، تكفل حماية الإنسان ووقايته من كل ضرر أو اعتداء يقع عليه ، ليتسنى له ممارسة حقه في الحرية الشخصية . وكلما كان الاعتداء قويا كان الزجر أشد ، ففي الاعتداء على النفس بالقتل وجب القصاص ، كما قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى } أو كان الاعتداء على الجوارح بالقطع وجب القصاص أيضا كما قال تعالى : { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ } ومنع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه - الولاة من أن يضربوا أحدا إلا أن يكون بحكم قاض عادل ، كما أمر بضرب الولاة الذين يخالفون ذلك بمقدار ما ضربوا رعاياهم بل انه في سبيل ذلك منع الولاة من أن يسبوا أحدا من الرعية ، ووضع عقوبة على من يخالف ذلك .

ب-حرية التنقل (الغدو والرواح ) : والمقصود بها : أن يكون الإنسان حرا في السفر والتنقل داخل بلده وخارجه دون عوائق تمنعه . والتنقل بالغدو والرواح حق إنساني طبيعي ، تقتضيه ظروف الحياة البشرية من الكسب والعمل وطلب الرزق والعلم ونحوه ، ذلك أن الحركة شأن الأحياء كلها ، بل تعتبر قوام الحياة وضرورتها وقد جاء تقرير حرية التنقل بالكتاب والسنة والإجماع ففي الكتاب قوله تعالى : { هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ } ولا يمنع الإنسان من التنقل إلا لمصلحة راجحة ، كما فعل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في طاعون عمواس ، حين منع الناس من السفر إلى بلاد الشام ، الذي كان به هذا الوباء ، ولم يفعل ذلك إلا تطبيقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه » ولأجل تمكين الناس من التمتع بحرية التنقل ، حرم الإسلام الاعتداء على المسافرين ، والتربص لهم في الطرقات ، وأنزل عقوبة شديدة على الذين يقطعون الطرق ويروعون الناس بالقتل والنهب والسرقة ، قال تعالى : {

إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } ولتأكيد حسن استعمال الطرق وتأمينها ، نهى النبي صلى الله عليه وسلم صحابته عن الجلوس فيها ، فقال : « إياكم والجلوس في الطرقات ، قالوا : يا رسول الله ، ما لنا بد في مجالسنا ، قال : فإن كان ذلك ، فأعطوا الطريق حقها ، قالوا : وما حق الطريق يا رسول الله ؟ قال : غض البصر وكف الأذى ، ورد السلام ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر » فالطرق يجب أن تفسح لما هيئ لها ، من السفر والتنقل والمرور ، وأي استعمال لغير هدفها محظور لا سيما إذا أدى إلى الاعتداء على الآمنين ، ولأهمية التنقل في حياة المسلم وأنه مظنة للطوارئ ، فقد جعل الله تعالى ابن السبيل- وهو المسافر- أحد مصارف الزكاة إذا ألم به ما يدعوه إلى الأخذ من مال الزكاة ، ولو كان غنيًّا في موطنه .

ج-حرية المأوى والمسكن : فمتى قدر الإنسان على اقتناء مسكنه ، فله حرية ذلك ، كما أن العاجز عن ذلك ، ينبغي على الدولة أن تدبر له السكن المناسب ، حتى تضمن له أدنى مستوى لمعيشته .
روى أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه-أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له ، ومن كان معه فضل زاد فليعد به على من لا زاد له » وقد استدل الإمام ابن حزم بهذا الحديث وغيره على أن أغنياء المسلمين مطالبون بالقيام على حاجة فقرائهم إذا عجزت أموال الزكاة والفيئ عن القيام بحاجة الجميع من الطعام والشراب واللباس والمأوى الذي يقيهم حر الصيف وبرد الشتاء وعيون المارة والدولة هي التي تجمع هذه الأموال وتوزعها على المحتاجين ولا فرق في هذا بين المسلمين وغيرهم لأن هذا الحق يشترك فيه جميع الناس كاشتراكهم في الماء والنار فيضمن ذلك لكل فرد من أفراد الدولة بغض النظر عن دينه .

فإذا ما ملك الإنسان مأوى ومسكن ، فلا يجوز لأحد ، أن يقتحم مأواه ، أو يدخل منزله إلا بإذنه ، حتى لو كان الداخل خليفة ، أو حاكما أعلى -رئيس دوله-ما لم تدع إليه ضرورة قصوى ، أو مصلحة بالغة ، لان الله تعالى يقول : { يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }{ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } وإذا نهي عن دخول البيوت بغير إذن أصحابها ، فالاستيلاء عليها ، أو هدمها أو إحراقها من باب أولى ، إلا إذا كان ذلك لمصلحة الجماعة ، بعد ضمان البيت ضمانا عادلا ، وهذه المصلحة قد تكون بتوسعة مسجد ، أو بناء شارع ، أو إقامة مستشفى ، أو نحو ذلك ، وقد أجلى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه -أهل نجران ، وعوضهم بالكوفة ولحفظ حرمة المنازل وعظمتها ، حرم الإسلام التجسس ، فقال تعالى : { وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا } وذلك لأن في

التجسس انتهاكا لحقوق الغير ، والتي منها : حفظ حرمة المسكن ، وحرية صاحبه الشخصية بعدم الاطلاع على أسراره بل وبالغ الإسلام في تقرير حرية المسكن بأن أسقط القصاص والديه عمن انتهك له حرمة بيته ، بالنظر فيه ونحوه يدل على ذلك حديث أبى هريرة -رضي الله عنه-أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « من اطلع في دار قوم بغير إذنهم ففقأوا عينه فقد هدرت عينه » وهدرت : أي لاضمان على صاحب البيت . فعين الإنسان -رغم حرمتها وصيانتها من الاعتداء عليها ، وتغليظ الدية فيها -لكنها هنا أهدرت ديتها بسب سوء استعمالها واعتدائها على حقوق الغير .
د-حرية التملك : ويقصد بالتملك : حيازة الإنسان للشيء وامتلاكه له ، وقدرته على التصرف فيه ، وانتفاعه به عند انتقاء الموانع الشرعية وله أنواع ووسائل نوجزها في الآتي :
1 / أنواع الملكية : للملكية أو التملك نوعان بارزان ، هما : تملك فردي ، وتملك جماعي .
فالتملك الفردي : هو أن يحرز الشخص شيئا ما ، وينتفع به على وجه الاختصاص والتعين .

وقد أعطى الإسلام للفرد حق التملك ، وجعله قاعدة أساسية للاقتصاد الإسلامي ، ورتب على هذا الحق نتائجه الطبيعية في حفظه لصاحبه ، وصيانته له عن النهب والسرقة ، والاختلاس ونحوه ، ووضع عقوبات رادعة لمن اعتدى عليه ، ضمانا له لهذا الحق ، ودفعا لما يتهدد الفرد في حقه المشروع . كما أن الإسلام رتب على هذا الحق أيضا نتائجه الأخرى ، وهي حرية التصرف فيه بالبيع أو الشراء ، والإجارة والرهن ، والهبة والوصية وغيرها من أنواع التصرف المباح .
غير أن الإسلام لم يترك (التملك الفردي) مطلقا من غير قيد ، ولكنه وضع له قيودا كي لا يصطدم بحقوق الآخرين ، كمنع الربا والغش والرشوة والاحتكار ونحو ذلك ، مما يصطدم ويضيع مصلحة الجماعة . و هذه الحرية لا فرق فيها بين الرجل والمرأة قال الله تعالى : { لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ }

أما النوع الثاني : فهو التملك الجماعي : و هو الذي يستحوذ عليه المجتمع البشري الكبير ، أو بعض جماعاته ، ويكون الانتفاع بآثاره لكل أفراده ، ولا يكون انتفاع الفرد به ، إلا لكونه عضوا في الجماعة ، دون أن يكون له اختصاص معين بجزء منه مثاله : المساجد والمستشفيات العامة والطرق والأنهار والبحار وبيت المال ونحو ذلك . وما ملك ملكا عاما يصرف في المصالح العامة ، وليس لحاكم أو نائبه أو أي أحد سواهما أن يستقل به أو يؤثر به أحد ليس له فيه استحقاق بسب مشروع وإنما هو مسؤول عن حسن إدارته وتوجيهه التوجيه الصحيح الذي يحقق مصالح الجماعة ويسد حاجاتها .
2 / وسائل الملكية : وهي طرق اكتسابها التي حددها الإسلام ، وعينها ، وحرم ما سواها ، ويمكن تقسيمها أيضا إلى قسمين : وسائل الملكية الفردية ، والجماعية .
- وسائل الملكية الفردية ، ولها مظهران :
المظهر الأول : الأموال المملوكة ، أي المسبوقة بملك ، وهذه الأموال لا تخرج من ملك صاحبها إلى غيره إلا بسبب شرعي كالوراثة ، أو الوصية ، أو الشفعة ، أو العقد ، أو الهبة ، أو نحوها .

المظهر الثاني : الأموال المباحة ، أي غير المسبوقة بملك شخص معين ، وهذه الأموال لا يتحقق للفرد تملكها إلا بفعل يؤدي إلى التملك ووضع اليد ، كإحياء موات الأرض والصيد ، واستخراج ما في الأرض من معادن ، وإقطاع ولي الأمر جزءا من المال لشخص معين ، والعمل ، ونحوه .
على أن ثمة قيودا على الملكية الفردية ، تجمل فيما يلي :
1 / مداومة الشخص على استثمار المال ، لأن في تعطيله إضرارا بصاحبه ، وبنماء ثروة المجتمع .
2 / أداء زكاته ، إذا بلغ نصابا ، لأن الزكاة حق المال ، وكذلك إنفاقه في سبيل الله .
3 / اجتناب الطرق المحرمة للحصول عليه ، كالربا ، والغش والاحتكار ونحوه .
4 / عدم الإسراف في بذله أو التقتير .
- وسائل الملكية الجماعية ، ولها مظاهر كثيرة ، نوجزها في الآتي :
المظهر الأول : الموارد الطبيعية العامة ، وهي التي يتناولها جميع الناس في الدولة دون جهد أو عمل . كالماء ، والكلأ ، والنار ، وملحقاتها .
المظهر الثاني : الموارد المحمية ، أي التي تحميها الدولة لمنفعة المسلمين أو الناس كافة ، مثل : المقابر ، والمعسكرات ، والدوائر الحكومية ، والأوقاف ، والزكوات ونحوها .

المظهر الثالث : الموارد التي لم تقع عليها يد أحد ، أو وقعت عليها ثم أهملتها مدة طويلة كأرض الموات .
المظهر الرابع : الموارد التي تجنيها الدولة بسبب الجهاد كالغنائم والفيء ونحوها .

هـ- حرية العمل : العمل عنصر فعال في كل طرق الكسب التي أباحها الإسلام ، وله شرف عظيم باعتباره قوام الحياة ولذلك فإن الإسلام أقر بحق الإنسان فيه في أي ميدان يشاؤه ولم يقيده إلا في نطاق تضاربه مع أهدافه أو تعارضه مع مصلحة الجماعة . ولأهمية العمل في الإسلام ، اعتبر نوعا من الجهاد في سبيل الله ، كما روى ذلك « كعب بن عجرة -رضي الله عنه -قال : (مر على النبي صلى الله عليه وسلم رجل ، فرأى أصحاب الرسول الله صلى الله عليه وسلم من جلده ونشاطه ، فقالوا : يا رسول الله ، لو كان هذا في سبيل الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن كان خرج يسعى على ولده صغارا ، فهو في سبيل الله ، وإن خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين ، فهو في سبيل الله ، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله ، وإن كان خرج يسعى رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان » وهكذا نجد كثيرا من نصوص الكتاب والسنة ، تتحدث عن العمل ، وتحث عليه ، وتنوه بأعمال متنوعة كصناعة الحديد ونجارة السفن ، وفلاحة الأرض ، ونحو ذلك ، لأن العمل في ذاته وسيلة للبقاء ، والبقاء -من حيث هو - هدف مرحلي للغاية الكبرى ، وهي عبادة الله ، وابتغاء رضوانه ، وبقدر

عظم الغاية تكون منزلة الوسيلة ، فأعظم الغايات هو رضوان الله تعالى ، وبالتالي فإن أعظم وسيلة إليها هي العمل والتضحية ، وإنما نوه القرآن بالعمل والكسب للتنبيه على عظم فائدته وأهميته للوجود الإنساني ، وأنه أكبر نعمة الله على الإنسان .

الصنف الثاني :
الحرية المتعلقة بحقوق الفرد المعنوية ، وهذا الصنف يشمل الآتي :

أ-حرية الاعتقاد ، ويقصد بها : اختيار الإنسان لدين يريده بيقين ، وعقيدة يرتضيها عن قناعة ، دون أن يكرهه شخص آخر على ذلك . فإن الإكراه يفسد اختيار الإنسان ، ويجعل المكره مسلوب الإرادة ، فينتفي بذلك رضاه واقتناعه وإذا تأملنا قول الله تعالى : { لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ } نجد أن الإسلام رفع الإكراه عن المرء في عقيدته ، وأقر أن الفكر والاعتقاد ، لا بد أن يتسم بالحرية ، وأن أي إجبار للإنسان ، أو تخويفه ، أو تهديده على اعتناق دين أو مذهب أو فكرة ، باطل ومرفوض ، لأنه لا يرسخ عقيدة في القلب ، ولا يثبتها في الضمير . لذلك قال تعالى : { وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ } وقال أيضا { فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ }{ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ } كل هذه الآيات وغيرها ، تنفي الإكراه في الدين ، وتثبت حق الإنسان في اختيار دينه الذي يؤمن به . هذا ويترتب على حرية الاعتقاد ما يلي :

1 / إجراء الحوار والنقاش الديني ، وذلك بتبادل الرأي والاستفسار في المسائل الملتبسة ، التي لم تتضح للإنسان ، وكانت داخلة تحت عقله وفهمه -أي ليست من مسائل الغيب - وذلك للاطمئنان القلبي بوصول المرء إلى الحقيقة التي قد تخفى عليه ، وقد كان الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام يحاورون أقوامهم ليسلموا عن قناعة ورضا وطواعية ، بل إن إبراهيم -أبا الأنبياء عليه السلام -حاور ربه في قضية الإحياء والإماتة ليزداد قلبه قناعة ويقينا وذلك فيما حكاه القرآن لنا في قوله تعالى : { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } بل إن في حديث جبريل عليه السلام ، الذي استفسر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإسلام والإيمان والإحسان وعلامات الساعة دليل واضح على تقرير الإسلام لحرية المناقشة الدينية ، سواء كانت بين المسلمين أنفسهم ، أو

بينهم وبين أصحاب الأديان الأخرى ، بهدف الوصول إلى الحقائق وتصديقها ، لا يقصد إثارة الشبه والشكوك والخلافات ، فمثل تلك المناقشة ممنوعة ، لأنها لا تكشف الحقائق التي يصل بها المرء إلى شاطئ اليقين .

2 / ممارسة الشعائر الدينية ، وذلك بأن يقوم المرء بإقامة شعائره الدينية ، دون انتقاد أو استهزاء ، أو تخويف أو تهديد ، ولعل موقف الإسلام الذي حواه التاريخ تجاه أهل الذمة -أصحاب الديانات الأخرى -من دواعي فخره واعتزازه ، وسماحته ، فمنذ نزل الرسول صلى الله عليه وسلم يثرب -المدينة المنورة - أعطى اليهود عهد أمان ، يقتضي فسح المجال لهم أمام دينهم وعقيدتهم ، وإقامة شعائرهم في أماكن عبادتهم . ثم سار على هذا النهج الخلفاء الراشدون ، فكتب عمر بن الخطاب -رضي الله عنه - لأهل إيلياء -القدس- معاهدة جاء فيها : هذا ما أعطاه عمر أمير المؤمنين ، أهل إيلياء من الأمان ، أعطاهم أمانا على أنفسهم ، ولكنائسهم وصلبانهم ، لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينتقص منها ولا من غيرها ولا من صلبهم ، ولا يكرهون على دينهم ، ولا يضار أحد منهم . وها هم علماء أوروبا اليوم ، يشهدون لسماحة الإسلام ، ويقرون له بذلك في كتبهم . قال ميشود في كتابه (تاريخ الحروب الصليبية ) : إن الإسلام الذي أمر بالجهاد ، متسامح نحو أتباع الأديان الأخرى وهو قد أعفى البطاركة والرهبان وخدمهم من الضرائب ، وقد حرم قتل الرهبان -على الخصوص - لعكوفهم على

العبادات ، ولم يمس عمر بن الخطاب النصارى بسوء حين فتح القدس ، وقد ذبح الصليبيون المسلمين وحرقوا اليهود عندما دخلوها أي مدينة القدس .
ب- حرية الرأي ، وتسمى أيضا بحرية التفكير والتعبير ، وقد جوز الإسلام للإنسان أن يقلب نظره في صفحات الكون المليئة بالحقائق المتنوعة ، والظواهر المختلفة ، ويحاول تجربتها بعقله ، واستخدامها لمصلحته مع بني جنسه ، لأن كل ما في الكون مسخر للإنسان ، يستطيع أن يستخدمه عن طريق معرفة طبيعته ومدى قابليته للتفاعل والتأثير ، ولا يتأتى ذلك إلا بالنظر وطول التفكير .
هذا ولإبداء الرأي عدة مجالات وغايات منها :
1 / إظهار الحق وإخماد الباطل ، قال تعالى : { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } فالمعروف هو سبيل الحق ، ولذلك طلب من المؤمن أن يظهره ، كما أن المنكر هو سبيل الباطل ، ولذلك طلب من المؤمن أن يخمده .

2 / منع الظلم ونشر العدل ، وهذا ما فعله الأنبياء والرسل إزاء الملوك والحكام ويفعله العلماء والمفكرون مع القضاة والسلاطين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر »
3 / وقد يكون إبداء الرأي ، بتقديم الأمور حسب أهميتها وأولويتها ، وهذا أكثر ما يقوم به أهل الشورى في أكثر من بلد ، وأكثر من مجتمع وقد يكون بأي أسلوب آخر ، إذ من الصعب حصرها ، ولكنها لا تعني أن يخوض الإنسان فيما يضره ، ويعود عليه بالفساد ، بل لا بد أن تكون في إطار الخير والمصلحة إذ الإسلام بتقريره حرية الرأي ، إنما أراد من الإنسان أن يفكر كيف يصعد ، لا كيف ينزل ، كيف يبني نفسه وأمته ، لا كيف يهدمها ، سعيا وراء شهوتها وهواها .

وباستعراض التاريخ الإسلامي ، نجد أن حرية الرأي طبقت تطبيقا رائعا ، منذ عصر النبوة ، فهذا الصحابي الجليل ، حباب بن المنذر ، أبدى رأيه الشخصي في موقف المسلمين في غزوة بدر ، على غير ما كان قد رآه النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخذ النبي صلى الله علبه وسلم برأيه ، وأبدى بعض الصحابة رأيهم في حادثة الإفك ، وأشاروا على النبي صلى الله عليه وسلم بتطليق زوجته عائشة -رضي الله عنها -إلا أن القرآن برأها ، وغير ذلك من المواقف الكثيرة التي كانوا يبدون فيها آراءهم .
ج-حرية التعلم : طلب العلم والمعرفة حق كفله الإسلام للفرد ، ومنحه حرية السعي في تحصيله ، ولم يقيد شيئا منه ، مما تعلقت به مصلحة المسلمين دينا ودنيا ، بل انتدبهم لتحصيل ذلك كله ، وسلوك السبيل الموصل إليه ، أما ما كان من العلوم بحيث لا يترتب على تحصيله مصلحة ، وإنما تتحقق به مضرة ومفسدة ، فهذا منهي عنه ، ومحرم على المسلم طلبه ، مثل علم السحر والكهانة ، ونحو ذلك .

ولأهمية العلم والمعرفة في الحياة ، نزلت آيات القرآن الأولى تأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالقراءة قال تعالى : { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ }{ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ }{ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ }{ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ }{ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } والقراءة هي مفتاح العلم ، ولذلك لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، ونصب عليه الكفار الحرب ، وانتصر المسلمون وأسروا من أسروا من المشركين ، جعل فداء كل أسير من أسراهم ، تعليم القراءة والكتابة لعشرة من صبيان المدينة وهذا من فضائل الإسلام الكبرى ، حيث فتح للناس أبواب المعرفة ، وحثهم على ولوجها والتقدم فيها ، وكره لهم القعود عن العلم والتخلف عن قافلة الحضارة والرفاهية والازدهار . و من أجل ذلك كان على الدولة الإسلامية ، أن تيسر سبل التعليم للناس كافة ، وتضمن لكل فرد حقه في ذلك لأن هذا الحق مضمون لكل فرد من رعاياها ، كسائر الحقوق الأخرى .

د- الحرية السياسية : ويقصد بها : حق الإنسان في اختيار سلطة الحكم ، وانتخابها ، ومراقبة أدائها ، ومحاسبتها ، ونقدها ، وعزلها ، إذا انحرفت عن منهج الله وشرعه ، وحولت ظهرها عن جادة الحق والصلاح .

كما أنه يحق له المشاركة في القيام بأعباء السلطة ، ووظائفها الكثيرة ، لأن السلطة حق مشترك بين رعايا الدولة ، وليس حكرا على أحد ، أو وقفا على فئة دون أخرى واختيار الإنسان للسلطة ، قد يتم بنفسه ، أو من ينوب عنه من أهل الحل والعقد وهم أهل الشورى ، الذين ينوبون عن الأمة كلها في كثير من الأمور منها : القيام بالاجتهاد فيما لا نص فيه ، إذ الحاكم يرجع في ذلك ، إلى أهل الخبرة والاختصاص من ذوى العلم والرأي ، كما أنهم يوجهون الحاكم في التصرفات ذات الصفة العامة ، أو الدولية ، كإعلان الحرب ، أو الهدنة ، أو إبرام معاهدة ، أو تجميد علاقات ، أو وضع ميزانية أو تخصيص نفقات لجهة معينة أو غير ذلك من التصرفات العامة ، التي لا يقطع فيها برأي الواحد . قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ } وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « الدين النصيحة . قلنا : لمن يا رسول الله؟ قال : لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم . »

المساواة
1 / تعريفها : تعني المساواة : المماثلة والعدالة ، والمراد بها : المماثلة والمشابهة بين الشيئين في القدر والقيمة . فإذا قلنا : الإنسان يتساوى مع أخيه الإنسان ، إنما ذلك يعني أنه يكافئه في الرتبة ، ويعادله في القيمة الإنسانية ، وله من الحقوق مثل ما له ، وعليه من الواجبات مثل ما عليه .

2 / أهميتها : المساواة مبدأ هام في حياة البشر ، أقره الشرع ، ورضيه العقل ، وأملته سنة التمدن والاجتماع ، ومن أجل دفع التميز بين فرد وآخر للحصول على هذه الحاجة أو تلك المنفعة ، كان لا بد من وضع قاعدة مستقيمة ، تحفظ هذا الحق للجميع في ظروف متشابهة ، فكانت المساواة أنسب قاعدة له ، إذ عن طريقها يمكن أن تضمن الحقوق البشرية كلها ، فضلا عن الحقوق التي يطلبها اثنان من الناس .

3 / أنواعها : للمساواة في الإسلام أنواع كثيرة ، يمكن حصرها وتطبيقاتها في الآتي :
أ- المساواة في القيمة الإنسانية :

جاء الإسلام ووجد الناس يتفاضلون في الخلق والنشأة ، ويتميزون في الأحساب والأنساب ، ويتقاتلون للحمية والعصبية ، ناسين أنهم من أصل واحد ومصدر واحد . فقد كان الهنود البراهميون يقرون التفاضل في القيمة الإنسانية ، وأنهم يفضلون غيرهم في ذلك . أما اليونان فقد كانوا يعتقدون أنهم شعب مفضل على سائر الشعوب وأنهم خلقوا من عناصر تختلف عن العناصر التي خلقت منها الشعوب الأخرى ، التي أطلقوا عليها اسم البربر . و أما الرومان فقد نصوا في كتبهم أن غير الرومان مجردون من جميع ما يتمتع به الرومان من حقوق ، وأنه لم يخلق غيرهم إلا ليكون رقيقا للرومان . وأما اليهود فقد اعتقدوا أنهم شعب الله المختار ، وأن الكنعانيين -بقية الشعوب الأخرى -شعب وضيع بحسب النشأة الأولى ، وأن الله خلقه لخدمتهم . و أما العرب فقد رأوا أنفسهم أنهم أكمل شعب على الإطلاق وأن بقية الشعوب -التي سموها الأعاجم -شعوب وضيعة ناقصة الإنسانية . تلك هي الظاهرة الاجتماعية التي كان الناس يعانون منها ، ويقاسمون آلامها ، حيث فرقت البشر فرقتين ، فرقة الأشراف وفرقة العبيد .

المساواة في الإسلام : أما الإسلام فقد حرص كل الحرص على تقرير المساواة بين الناس في القيمة البشرية ، وعدها من الأمور الأساسية التي يجب أن يدين بها كل إنسان ربه ، فقد قرر أن الناس سواسية كأسنان المشط ، في أصل نشأتهم وتكوينهم ، وأنه لا فرق في ذلك بين الذكر والأنثى ، ولا بين العربي والأعجمي ، ولا بين الأبيض والأسود ، ولا بين السيد والعبد ، ولا بين الغني والفقير ، لأن هؤلاء جميعا ينحدرون من أصل واحد هو آدم ، وآدم من تراب . و عن هذا النوع من المساواة ، نوه القرآن الكريم فقال تعالى : { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا } والتكرم هنا شامل للجنس كله فجنس الإنسان مكرم عند الله بلا تفرقة بين مجموعة وأخرى ، بل كل مجموعة ينظر إليها بمنظار واحد هو الإنسانية فالإسلام لا يسمح بقيام نظام طبقي تسيطر فيه طبقة على أخرى ، كما لا يسمح بتحكم فئة تدعي لنفسها الاستعلاء بالبيئة أو العنصر أو اللون أو الجاه على الفئات الأخرى ، بل إنه ألغى كل سبب يدفع الإنسان إلى الاستعلاء والتحكم

في الآخرين فقد قال تعالى { يا أيها النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً } وقال صلى الله عليه وسلم : « الناس سواسية كأسنان المشط » ، « وقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم أبا ذر الغفاري -وهو عربي-يعتدي على بلال بن رباح -وهو حبشي- ويقول له : يا ابن السوداء ، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا وانتهر أبا ذر وقال : طف الصاع طف الصاع ثم اتجه إلى أبي ذر وقال له : إنك امرؤ فيك جاهلية ، ليس لابن البيضاء على ابن السوداء فضل إلا بالتقوى أو عمل صالح ) فوضع أبو ذر خده على الأرض ، وأقسم على بلال أن يطأه بحذائه حتى يغفر الله له زلته هذه ، ويكفر عنه ما بدر منه من خلق الجاهلية الأولى . » .
هل المساواة في القيمة الإنسانية ينافي التفاضل بين الناس ؟

التفاضل لا يمكن أن يقع في أصل النشأة والتكوين ، بأن يكون هناك فرد أفضل من غيره ، أو جماعة تفوق غيرها بحسب عنصرها الإنساني ، أو انحدارها من سلالة معينة ، بل إن آدم - عليه السلام وهو أول إنسان وجد على وجه الأرض - يساوي آخر إنسان ينفخ فيه الروح في تلك القيمة الإنسانية . فالتفاضل لا يجري فيما لا يملكه الإنسان كالخلق والتكوين ، وإنما يقع فيما يملكه ويندرج تحت قدرته وطاقته ، كفعل الخيرات وترك المنكرات ، فالإيمان بالله تعالى والصلاة والزكاة والصوم والحج ونحوه من الأعمال الصالحة ، كلها أعمال يستطيع الإنسان القيام بها ، وأداءها على أحسن وجه ولذلك صح التفاضل فيها بحسب عمل كل واحد منهم وأدائه لها . قال الله تعالى : { يا أيها النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } ولهذا فضل المسلم على الكافر لأنه أتى بالأعمال الصالحة التي يريدها الله تعالى ، قال تعالى : { أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ }

بل إن التفاضل في العمل يجري أيضا بين المسلمين أنفسهم كما قال تعالى : { لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا } كما امتد هذا التفاضل أيضا إلى الأنبياء والرسل ، فكان بعضهم أولى من بعض ، وأعلى درجة من بعض ، قال تعالى : { تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ } فتفاضلهم ليس واردا على أصل خلقتهم وانتمائهم الإنساني ، ولكنه وارد على الأعمال الجليلة التي قاموا بها والرسالات السماوية التي تحملونها ، فمن بعث إلى قومه خاصة ليس كمن بعث إلى الناس كافة .
كيف تكون هناك مساواة وقد خلق الناس مختلفين أمة وشعبا ، ولغة ولونا ؟

نعم هذا الاختلاف موجود كونا ، وليس بمرعي شرعا ، فهو اختلاف تصنيف وتنويع للدلالة على قدرة الخالق جل وعلا ، الذي يتصرف في مخلوقاته كيف يشاء ، وليس اختلاف تفرق وعداء ولهذا وردت الحكمة من هذا الاختلاف ، في نفس الآية (ليتعارفوا) أي أن الاختلاف الكوني وجد ليتم بين الناس التعاون والتآلف ، والتآزر لمصلحة إنسانيتهم ، فيسعى كل واحد منهم لعبادة ربه وخالقه ، ومنفعة نفسه وبني جنسه فتنمو الإنسانية وتسعد بما يقدم لها أبناؤها من مواهب وقدرات إنمائية وحضارية وثقافية .
ب-المساواة أمام الشريعة :

إن الله تعالى استقل بالخلق والتشريع ليضع أرسخ قاعدة لكفالة حق الناس في المساواة أمام حكمه وشرعه ، وقطع بذلك السبيل أمام أي فرد أو فئة من الناس قد تدعي لنفسها الفضل والتميز عن غيرها ، وتذهب بالسيادة فتضع لغيرها من الأحكام ما تهواه ، ومن أنظمة الحياة ما تشتهيه ، سواء أضرها أم لا ، ولذلك اختص الله وحده بالتشريع ، كما اختص كذلك بالخلق والتكوين قال الله تعالى : { إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ } وقال تعالى : { وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ } وإنما اختص الله بالتشريع ، لأن التشريع يراد به إصابة الحق والعدل ، وعدم التحيز للهوى والشهوات ، والإنسان مهما وضع من نظم وقوانين ، فلا يمكنه إصابة الحق والعدل فيها على الدوام ، بل إن أصابه مرة ، أخطأه مرات ، لأنه تتحكم فيه الأهواء والنزعات ، وينتابه النقص والقصور ، ولهذا امتلأ التاريخ البشري بأنواع كثيرة من الظلم ، في الأحكام التي صنعتها يد الإنسان ، أو تدخلت فيها أما كيف يتساوى الناس أمام

الشريعة ، فذلك أن خطاب الشرع عام يشمل جميع الناس ، حكاما ومحكومين ، رجالا ونساء ، فالأوامر كلها كالصلاة والزكاة والصيام والحج ونحوه ، يطالب الجميع بأدائها والقيام بها ، فيطالب الراعي بالصلاة ونحوها ، كما يطالب بها المرعى ، وكذلك النواهي كالسرقة والزنا والقذف ، يطالب من الجميع الكف عن ذلك دون استثناء أحد ، وهذا معنى المساواة أمام الشريعة .
ج- المساواة أمام القضاء

يعتمد القضاء في الإسلام على التشريع الإلهي ، فإذا كان الناس أمام التشريع سواء ، فهم عند تنفيذه كذلك سواء ، لا تفريق في ذلك بين القاضي والمقضي له ، والحاكم والمحكوم ، وكل إنسان في الإسلام تطاله يد القضاء كائنا من كان حين يقتضي الأمر ذلك ، وقد عمل بالمساواة أمام القضاء منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد الخلفاء الراشدين ، فقد روت عائشة -رضي الله عنها - « أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت ، فقالوا : من يكلم فيها رسول الله ، ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد ، حب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكلمه أسامه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أتشفع في حد من حدود الله ؟ ) ثم قام فخطب فقال : (أيها الناس ! إنما أهلك الذين قبلكم ، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، وايم الله ! لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها »

د- المساواة بين المسلمين وأهل الذمة

أهل الذمة : هم المعاهدون من أهل الكتاب ، ومن في حكمهم ، الذين يقيمون بدولة الإسلام ، وقد سموا بذلك ، لأن لهم حقوقا قبل المسلمين ، فعقد الذمة ، يمنحهم عهدا بإباحة إقامتهم على التأبيد في دولة الإسلام ، كما يمنحهم الأمان على دمائهم وأموالهم وأعراضهم ، أي حمايتهم من العدوان الخارجي ، أو التعدي الداخلي ، وعليهم في مقابل ذلك التزامات معينة . ولقد سوى الإسلام بين المسلمين وغيرهم ، في الحقوق العامة ، وقرر أن الذميين لهم في بلد المسلمين ما للمسلمين من حقوق ، وعليهم ما عليهم من الالتزامات ، سوى ما كان يتعلق منها بشئون الدين والعقيدة ، فلا توقع عليهم مثلا : الحدود الشرعية فيما لا يحرمونه ، ولا يدعون للقضاء في أيام أعيادهم وهناك نصوص ووقائع كثيرة ، تدل على شرعية المساواة بين المسلمين وغيرهم . منها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته ، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة » ولقد خاصم يهودي عليا - رضي الله عنه - فحضر الخصمان فنادى عمر عليا بقوله : قف يا أبا الحسن - ليقف بجانب اليهودي -فبدا الغضب على وجه علي -رضي الله عنه -فقال عمر رضي الله

عنه : أكرهت أن نسوي بينك وبين خصمك في مجلس القضاء؟ فقال : لا ، ولكني كرهت منك أن عظمتني في الخطاب وناديتني بكنيتي .

ومن مظاهر التسوية بين المسلمين وغيرهم ما يلي :
المساواة في الانتفاع ببيت المال : فقد اتفق علماء المسلمين على أن للذمي حقا في بيت المال وأنه سواء مع المسلم في هذا الحق ، إذا صار شيخا كبيرا ، أو عاجزا عن الكسب والعمل وقد روي أبو عبيد عن سعيد بن المسيب « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تصدق على بيت من اليهود ثم أجريت عليهم الصدقة من بعد » وكتب الخليفة عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه - إلى عامله في البصرة -و هو عدي بن أرطاة -فقال : (وانظر من قبلك من أهل الذمة من كبرت سنه ، وضعفت قوته ، وولت عنه المكاسب ، فأجر عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه )وبهذا كفل الإسلام كافة الحقوق الأساسية لرعايا الدولة الإسلامية ، دون تمييز ، فتعطي للذمي مثلما تعطي للمسلم .

2 / المساواة في التوظيف : يستطيع الذمي أن يتقلد الوظيفة في الدولة الإسلامية إذا كانت من وظائف السلطة التنفيذية ، كالمحاسب العام أو المهندس الأعلى أو ناظر البريد ، أو فوقه . ويستثنى من ذلك ، ما له صلة مباشرة بالعقيدة والدين ، فان هذا لا يتولاه غير المسلم لخطورته في حياة الدولة الإسلامية . وتولية أهل الذمة المناصب الحكومية الإسلامية ، دليل واضح على المساواة في الإسلام ، والتزام المسلمين بتطبيقها ، مما جعل كتاب الغرب يشهدون للإسلام فضله ، وللمسلمين منقبتهم ، قال " متز " " من الأمور التي نعجب لها ، كثرة عدد العمال والمتصرفين غير المسلمين في الدولة الإسلامية " وقال آخر : " الواقع أن اليهود والنصارى لم يمنحوا حرية المعتقد الديني فحسب ، بل عهد إليهم تولي المناصب الحكومية حين كانت مؤهلاتهم الشخصية من القوة بحيث تلفت انتباه الحاكمين"

3 / المساواة في الخراج : والخراج : ضريبة مالية وضعت على الأرض وتؤدى عنها لبيت مال المسلمين فإذا فتح المسلمون أرضا" عنوة (وهي ما أجلي عنها أهلها بالحرب ولم تقسم بين الغانمين ) تصير وقفا" على المسلمين ، ويضرب عليها خراج معلوم ، يؤخذ منها في كل عام ، يكون أجرة لها ، وتقر الأرض في أيدي أصحابها ، ما داموا يؤدون خراجها ، وهذا النوع من الخراج ، يتساوى المسلم والذمي في دفعه والتزامه ، لأن الخراج إنما فرض على الأرض ، لا على أصحابها القائمين بها ، ولا يسقط خراج تلك الأرض بإسلام أربابها ، أو بانتقالها إلى شخص مسلم .

1 / مفهوم الإخاء : الأصل في الإخاء انه اشتراك الطرفين في الولادة القريبة أو البعيدة . أما القريبة فمثل موسى وهارون عليهما السلام ، فقد كان بينهما إخاء في الأب والأم قال تعالى مخبرا عنهما : { وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي } قال القرطبي في تفسير قوله تعالى : { قَالَ ابْنَ أُمَّ } كان ابن أمه وأبيه وقال ابن كثير : شقيقه لأبيه وأمه وهذا هو الإخاء في النسب القريب . و أما البعيد فمثل عاد وهود ، قال تعالى : { وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا } قيل : أخوهم في القبيلة ، وقيل : بشر من بني أبيهم آدم والمراد بالإخاء هنا ، الإخاء في الدين والحرمة ، وهو أن يتآخى مجموعة من الناس في العقيدة ، ويشتركوا في الدين ، قال تعالى : { وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ } وقد وصف الله المؤمنين بأنهم إخوة ، قال تعالى : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } وإنما وصفهم بالاخوة ، لأن كل واحد منهم يتوخى مذهب أخيه ويقصده فلا يفارقه

اعتقادا ، وعملا ، وسلوكا .

ونحن إذا دققنا النظر في مسمى الإخاء ومدلوله اللغوي والشرعي ، وجدنا أنه تنتظمه ثلاثة أنواع :
أ-أخوة في النسب والقرابة ، وهي المراد في باب المواريث ، مثل قوله تعالى : { وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ } وكل إنسان يولد مزودا بها .

ب-أخوة في الآدمية والإنسانية ، وهي المراد في مطلق الإنسان ، أو بني آدم ، أو النوع قال تعالى : { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا } قال ابن كثير : استدل بهذه الآية الكريمة على أفضلية جنس البشر على جنس الملائكة أي استدل بها من قال بأن بني آدم -و هم جنس البشر -أفضل من الملائكة . وقال تعالى : { يا أيها النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا } أي جميع الناس مؤمنهم وكافرهم ، نسيبهم ودعيهم ، قريبهم وبعيدهم ، حاضرهم وغائبهم .

ج-أخوة في الدين والعقيدة ، وهذه هي المرادة في باب الإيمان وفروعه ، كقوله تعالى : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } وقوله تعالى : { فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا } أي أصبحتم بالإسلام إخوانا متحابين بجلال الله تعالى ، متواصلين في ذات الله ، متعاونين على البر والتقوى وفي الحديث : « المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره » وغير ذلك من الآيات والأحاديث الدالة على هذا النوع من الأخوة .

لماذا بني الإسلام الأخوة على أساس الإيمان دون النسب والجنس ؟
إن الإسلام لم يبن الأخوة على النسب والجنس لكونهما مبنيين على الالتقاء الجسدي المادي وهو لا يكون جماعة قوية متماسكة ، تصمد لعواصف التمزق والتفرق ، ورياح الاختلاف والتنازع ، لا سيما إذا كان الاختلاف في الفكر والتصور ، والعقيدة والمنهج ، ومن المشاهد المتكررة ، إن أبناء النسب يتقاتلون متى اختلفت عقائدهم وأهدافهم ، وتضاربت أفكارهم ومذاهبهم ، بينما يتعامل أبناء الدين والعقيدة ، ويتعاونون فيما بينهم وإن اختلفت أنسابهم وألوانهم ، وتغايرت أوطانهم ولغاتهم . ولأجل هذا أقام الإسلام أخوة البشر على الإيمان ، لأن الإيمان رابطة قوية ، تستولي على الروح والضمير ، فتجعله خاضعا لصوتها ، أضف إلى ذلك ، أنها لا تحد بالحدود النسبية واللونية ، ولا بالحدود القومية والوطنية ، ولا بالحدود الإقليمية والجغرافية ، وإنما تتجاوزها بحذافيرها وتشمل أقطار الأرض كلها ، لأنها تهدف إلى إقامة مجتمع بشري عالمي ، يسوده الإخاء والمودة .

2 / مقومات الأخوة الإسلامية :
إذا كان العمران بلا عمود ينهد ، فكذلك الأخوة الإسلامية تصاب بالخروق إذا فقدت الأساس الذي تقوم عليه ، والذي يمدها بالثبات والاستقرار ، ولو ذهبنا نعدد مقومات هذه الأخوة ، لا نحصيها كثرة ، ولكن سنوجزها في الآتي :
أ-المحبة والولاء : لا يمكن أن تتحقق أخوة الإسلام إلا إذا أحب المسلم أخاه المسلم محبة صادقة تصدر من القلب والضمير ، فتترجمها الجوارح والأعضاء ، يسلم عليه إذا لقيه ، ويساعده إذا احتاج إليه ، ويكرمه إذا نزل عنده ويجلب إليه الخير كله ، ويدفع عنه الشر كله ، حتى انه من كثرة حبه له ينزله منزله نفسه ، أو أقرب الناس إليه .
الأمثلة على ذلك :

مثال من القرآن الكريم ، قوله تعالى : واصفا حال الأنصار مع من هاجر إليهم من مؤمني مكة { وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } روى عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - قال : (لما قدمنا المدينة آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبين سعد بن الربيع ، فقال سعد لي : أي أخي أنا أكثر أهل المدينة مالا ، فانظر شطر مالي فخذه ، وتحتي امرأتان ، فانظر أيهما أعجب إليك حتى أطلقها ) أي حب أعظم من هذا ، أن يطلق لك أخوك زوجته ، وكريمته حتى تتزوجها وأي إخاء أمتن من أن يشاطرك أخوك ماله وجهده .

ب -الصبر واحتمال الأذى : المؤمن يصبر محتسبا لما يجده من إخوانه من جفاء وغلظة ، ويتحمل كل ما يلقاه منهم من إساءة وأذى قولي أو فعلي ، حفاظا على الأخوة ، وحرصا على بقائها واستمرارها ، فلو ذهب ينتقم من كل من أساء إليه ، ويدفع سيئته بمثلها ، ربما لا ينتهي الدور ، خصوصا إذا كان المنتقم ، أضعف من المنتقم منه ، ولا أحد يعينه على قضاء وطره منه ، فيصبح الناس في دوامة العنف والبطش ، وهذا أشد خطورة من مصلحة الانتقام . قال تعالى عن هذا : { وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ }{ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ }

ج- حفظ السر وترك الفضيحة ، والمؤمن ستار لعيوب أخيه ، مهما بلغت من الخطورة غايتها ، ما لم يكن مجاهرا بها ، مفتخرا بالتلبس بها ، حتى يصون كرامة أخيه ، ويمنعها من التردي والانحطاط لو افتضح أمام الناس ، ولذلك قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } وقال صلى الله عليه وسلم : « لا يستر عبد عبدا في الدنيا ، إلا ستره الله يوم القيامة »
ما السر في منع الإسلام إعلان العيوب وإشهارها ؟ لقد منع الإسلام إعلان العيوب وإشهارها ، واعتبر الإعلان نفسه جريمة أخرى ، منفصلة عن جريمة مرتكب المعايب والذنوب لأمرين :

أ-إتاحة الفرصة للمذنب أن يراجع نفسه ويتوب إلى الله ، فلو افتضح أمره ، وانكشف ذنبه ، فقد ضاع الحياء من وجهه ، وربما أغراه الافتضاح والتشهير على السير قدما في المعايب والرذائل . أما لو ظل عيبه مستورا ، فإن الاحتفاظ بسمعته ، وسيرته يبقى قائما لديه ، ولذلك نصح الإسلام بعدم كشف العيب ، فقد روى معاوية -رضي الله عنه -قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم » وروى عقبة ابن عامر -رضي الله عنه -مرفوعا « من رأى عورة فسترها كان كمن أحيا موءودة »
ب-منع انتشار الفساد في الأرض ، فإعلان العيوب والعورات دون أن يصحبه العقاب ، يفسد الجو الاجتماعي ، ويغري الناس بارتكابها ، وكان ذلك الإعلان بمثابة تنبيه وتعليم للأشرار وكثيرا ما يصرح الفساق بأن ما ارتكبوه من الذنوب ، لم يكن إلا نتيجة لما تعلموه من خلال خبر كتبته صحيفة ، أو بثته إذاعة ، أو عرضه تلفاز ، أو تناقلته ألسنة الناس .
حالات يجب ستر العورة فيها ، أوجب الإسلام ستر العورة والعيب في الحالات التالية :
أ- الزنا الذي لم يبلغ نصاب الشهود فيه أربعة أشخاص .

ب-أن يكون الذنب -من حيث أثره -يخص المذنب ولا يتعداه إلى غيره .
ج-أن يكون الإعلان له يؤدي إلى فساد أكبر ، وضرر أوسع .
د-أن يكون الإعلان سببا لإسقاط ثقة الإنسان ، الذي ينتفع الناس بثقته .
ه-أن يكون المذنب مستفتيا ، يبحث عن حكم الشرع في ذنبه ، وطريق التوبة منه .
حالات يجب كشف العورة فيها : ويجب كشف العورة فيما عدا الحالات السابقة وخاصة إذا كان المذنب مجاهرا بذنبه ، عارفا لحكم الله ، ويعاقب عليه حتى لا يتشجع الناس على اقترافه .
تميز رابطة الأخوة الإسلامية على غيرها من الروابط : إن رابطة الأخوة الإسلامية عميقة الأثر في كيان الجماعة ، لا تعدلها رابطة أخرى من الجنس أو اللغة أو الوطن ، أو الجوار أو المصلحة المادية المشتركة ، بل إن هذه الروابط مجتمعة ، مهما يكن أثرها الظاهري من كف الأذى ، وبذل المعروف ، تظل روابط سطحية ، لا تزال تتخللها الفجوات والثغرات ، حتى تشدها رابطة الأخوة الروحية ، والقيم العليا ، فهنا تعود الكثرة وحدة .

3 / ثمرة الإخاء ، ويمكن تقسيمها إلى قسمين :
أ-ثمرة في الدنيا : وهي كالآتي :
- الوحدة والجماعة : فالمسلمون يتحدون بالأخوة ، ويجتمعون عليها ، فهم حقا يتمثل فيهم قوله صلى الله عليه وسلم : « المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا »
- إزالة الفوارق الطبقية والاجتماعية : فالاخوة الإسلامية تذيب الفوارق النسبية والامتيازات الطبقية ، لا يفضل أحدهم على آخر إلا بالجد والعمل ، كلهم متساوون في الحقوق والواجبات { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ }
- النصح والإرشاد : فالمسلمون إخوة ، يتناصحون فيما يهمهم من أمور الدنيا والآخرة ، هذا التناصح الذي لم يكن ليحصل ، لولا امتلاء قلوبهم بالحب الصادق لأخوتهم ، ورغبتهم الملحة لجلب المعروف إلى ساحتهم ، وإبعاد المنكر عنها .
- تقدم المسلمين في كل مجال وميدان : فإن لهذه الأخوة أثرا كبيرا في نشأة الحضارة ، لأنه ما من مجتمع يتفرق أفراده ، إلا ويتخلف عن ركب الحضارة تضرب عليه الذلة والمسكنة لعدم التآخي فيه ، وبقدر تباعد أفراده واختلافهم وعدم اتحادهم ، يتسرب إليهم الضعف والوهن ، فتذوب قوتهم وتذهب ريحهم ، ويصبحون أذلة بعد عزة .

ب-ثمرته في الآخرة : وهي كالآتي :
- الحصول على مرضاة الله بدخول الجنة : فإن المؤمن إذا آخى مؤمنا ، وأحبه ، أدخله الله الجنة لأنه آخى من أمر الله بمؤاخاته ، وأحب من أمر الله بحبه ، وفي الحديث : « لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتى تحابوا ، أولا أدلكم على شيء لو فعلتموه تحاببتم ، أفشوا السلام بينكم »
- الأمن من شدائد يوم القيامة وأهواله : فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم سبعة أصناف يظلهم الله في ظله ، يوم لا ظل إلا ظله ، وفيه : « ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه ، وتفرقا عليه » والمراد بالتظليل ، هو النجاة من دنو الشمس وشدة حرها ، وهذا لا يحصل إلا للإخوة المتحابين .
- الفوز بدعوة المؤمنين الصالحين قبل وبعد الموت : وذلك أن كل مصل ، يدعو في تشهده بهذا الدعاء : ( السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ) وهو دعاء عام ، يصيب كل عبد صالح في السماء والأرض والصلاح يتحقق بإتيان كل معروف شرعه الله ، واجتناب كل منكر نهى الله عنه ، ومن المعروف : أن تحب من وافقك في القصد والتوجه ، وتؤاخي من شاركك في العمل والأداء .

الجمال
1 / تعريفه : الجمال ضد القبح ، وهو الحسن والزينة ، ومنه الحديث : « إن الله جميل يحب الجمال » أي حسن الأفعال ، كامل الأوصاف واصطلاحا : حسن الشيء ونضرته وكماله على وجه يليق به ومعنى ذلك ، أن كل شيء جماله وحسنه كامن في كماله اللائق به ، الممكن له ، فإذا كان جميع كمالاته الممكنة حاضرة فهو في غاية الجمال ، وإن كان الحاضر بعضها فله من الحسن والجمال بقدر ما حضر . فالفرس الجميل هو الذي جمع كل ما يليق بالفرس الكامل ، من هيئة وشكل ولون وحسن عدو ، وتيسر كر وفر عليه . والخط الجميل هو الذي جمع ما يليق بالخط ، من تناسب الحروف وتوازيها ، واستقامة ترتيبها ، وحسن انتظامها ، فلا يجمل الإنسان بما يجمل به الحيوان مما هو من خصوصيته ، ولا يجمل الخط بما يجمل به الصوت تخصيصا ، ولا تجمل الأواني بما تجمل به الثياب خاصة ، وهكذا سائر الأشياء .

2 / أهميته : الجمال سمة واضحة في الصنعة الإلهية ، وحيثما اتجه الإنسان ببصره ، يجد من صنع الله ما يجذبه بلونه ، أو يستهويه بصوته ، أو يتملك فؤاده بدقته المتناهية وصنعته المحكمة ، فهو -أي الجمال - بعض آيات الله ، التي أودعها في خلقه ، وطلب الإنسان أن ينظر فيه ، ويستجلى أسراره ، ويستقبل تأثيراته ، ويعتبر بعبرته قال تعالى : { وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } فقد تضمنت الآية جمالا من الطبيعة ومظاهرها ، ما يدعو المرء إلى النظر والتأمل فيها ، بل إن هذا الجمال ما ذكر هنا ليحفظ ويعلم فحسب ، ولكنه ذكر أيضا كي يستمتع به الإنسان ، لأن المنفعة المادية ، ليست وحدها هي الغاية من خلق هذه المخلوقات ، على هذا الوجه ، ولكن الجمال كذلك منفعة معنوية ،

لأنه مما يستمتع به الإنسان لذلك قال الله تعالى في الأنعام { وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ }{ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ } فذكر الله تعالى المنافع المادية وأعقبها بالمنافع المعنوية والمتمثلة في الناحية الجمالية التي تحدثها في نفس صاحب الأنعام أو غيره .

3 / مقومات الجمال : ولكي يكون الشيء جميلا ، لا بد أن يتضمن الأمور الآتية :
أ-السلامة من العيوب : فكل شيء جميل ، يدرك جماله وحسنه بسلامته من العيوب ، وخلوه من أي خلل ونقص . وقد لفت القرآن الكريم النظر إلى التأكد من وجود هذه السمة في الجمال ، وذلك بعد تسجيله بعض مظاهر الجمال في الكون ، ففي الحديث عن جمال السماء ، قال تعالى : { أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ } فقد نصت الآية على جمال السماء وزينتها ، وأنها سالمة من الشقوق . وما ذلك إلا نفيا للعيوب عنها ، وتأكيدا على جمالها .

ب-التناسق والتنظيم : وهو سمة أخرى للجمال تقوم أساسا على التقدير والضبط والإحكام وتحديد نسب الأشياء بعضها إلى بعض ، في الحجم والشكل واللون والحركة والصوت ، وقد تحدث القرآن الكريم عن هذه السمة ، مقررا اعتبارها في أصل الخلقة والتكوين ، قال تعالى : { وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا } سواء كان صغيرا أو كبيرا ، ناطقا أو صامتا ، متحركا أو ساكنا . إننا لو ألقينا نظرة فاحصة على الإنسان ، لأدركنا التناسق الذي يتجمل به هذا المخلوق الصغير ، ولعل قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ } ، { الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ }{ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ } إضافة إلى دلالته على الإحكام والتقدير والتسوية والتعديل ، فانه يشير إلى دقة التناسق بين عقل الإنسان وروحه وجسده ، والتناسق بين أعضاء جسمه وبين الأعضاء الأخرى ، والتناسق بين أجهزة عضو من أعضائه ، وبين سائر الأجهزة

ج-النص والتعيين : ليس كل جمال في هذا الكون الفسيح ، مما يدركه الإنسان ، دون أن يساعده في تعينه وحي من السماء ، فإن الكون أوسع من أن يحيطه الإنسان بعقله المحدود ، وقد يخفي عليه وجه الجمال في شيء من الأشياء لا لخلل يرجع إلى الشيء نفسه ، أو كونه فاقدا للتناسق والتنظيم ، ولكن لكون الإنسان عاجزا عن إدراكه ، وقاصرا عن الإحاطة به ، ولعل مجال الجمال المعنوي أكبر دليل على ذلك ، إذ لو لم يتم النص عليه والتعيين له بالوحي ، لما أدركه الإنسان ، ولظل جاهلا دهرا طويلا بمجال رحب للجمال الذي لا غنى له عنه . وسيأتي تفصيل ذلك في الفقرة التالية :

4 / أنواع الجمال : الأشياء التي تنتظم هذا الكون الفسيح ، إما أن تكون أجساما ، لها طول وعرض وعمق كالإنسان والحيوان ، والسماء والأرض ، والشمس والقمر ، ونحوها ، وإما أن تكون معان ، كالأقوال والأفعال والأسماء والصفات ونحوها وعلى هذا ، يمكن تقسيم الجمال إلى قسمين : -

أ-جمال حسي : وهو الذي يدرك بالحس ، كجمال الطبيعة في سمائها وأرضها وشمسها وقمرها وليلها ونهارها وبرها وبحرها ، وكجمال الإنسان من حيث تكوينه ، وقد ذكر القرآن الكريم كثيرا من مظاهر الكون مشيرا إلى جمالها الحسي ، كي ينتفع به الإنسان ، ويشكر ربه الذي سخر له الكون وما فيه ، قال تعالى عن الأنعام : { وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } ، { وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ } ، { وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ }{ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ } وقال تعالى عن الإنسان : { لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } ثم فسر قوله { أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } بقوله تعالى : { يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ }{ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ }{ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ } فهذه الآية وتلك ، تعبران عن الهيكل الجمالي الذي بني

عليه الإنسان . فالجمال سمة بارزه في الإنسان ، مثلما هو مثبوت في الأعيان الأخرى ، وهو في الحقيقة آية عظيمة ، تدل على قدرة الخالق سبحانه وتعالى وإبداعه ، إذ إنه لم يخلق الخلق فحسب ، ولكنه خلق فأحكم ، وبرأ فأبدع ، وصبغ فأحسن ، ولا يستطيع أحد - ولو أعانه أهل الأرض جميعا - أن يأتي بمثل خلقه في الجمال والإبداع .
ب - جمال معنوي : ويتمثل في أمور كثيرة ، لا تدرك بالحس والرؤية ، ولكنها تدرك بالعقل الواعي ، والبصيرة المفتوحة . ويمكن تصنيفها كالأتي : -
- الأقوال : فالجمال المعنوي موجود في الأقوال الحسنة ، والألفاظ الطيبة ، قال تعالى : { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } فقد جعل الله الدعوة إلى الإسلام ، والنطق بكلمة الشهادة من أحسن الأقوال وأجملها ، فدل ذلك على أن الجمال موجود في الأقوال التي يقولها الناس ، وفي الألفاظ التي ينطقونها لا من حيث تركيبها اللفظي وصياغتها البلاغية ، ولكن بالنظر إلى ما تحمله من المعاني والمدلولات .

- الأفعال : والفعل قرين القول ، بل إن القول إذا لم يقترن بالفعل ، لا يبلغ الكمال في الحسن ، ولهذا ذكر الله تعالى في الآية السابقة قوله : وعمل صالحا ، إذ القول وحده - مهما كان جميلا - لا يكفي صاحبه ، لاعتباره مسلما ، ما لم ينضم إليه فعل ولهذا أورد أهل العلم تعريفا جميلا عن الإيمان فقالوا : هو نطق باللسان ، وعمل بالأركان ، وتصديق بالجنان وعلى العموم ، فان الجمال يوجد في الفعل كما يوجد في القول .

5 / ميادين الجمال : من خلال ما سبق ذكره من تقسيم الجمال إلى حسّي ومعنوي ، نستطيع أن ننطلق منه ، لمعرفة ميادين الجمال ومجالاته وهي : -
أ-الطبيعة : فالطبيعة بكل ما تحتويه من أرض وسماء ، وإنسان وحيوان ، ونبات وجماد ، تصلح ميدانا" رحبا" ، ومجالا" فسيحا" للجمال ، والقرآن الكريم حين تناول "الطبيعة" لفت الإنسان إلى كثير من دقائقها . وأسلوب القرآن في عرض مشاهد الجمال من الطبيعة على نوعين :

- نوع إجمالي : وذلك أن يتناول الأشياء الكلية على وجه الإجمال ، ثم يحوّل النظر إليها ، كي يعيش المرء معها بعمق وتمعن ، ويستخرج منها نتائج وأسرارا" . قال تعالى { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } فهذا المشهد العظيم لوحة من الطبيعة ، التي لا تحدها الأبعاد والأنظار ، يسرح فيها العقل والبصر ، ليستنتج منها نتائج معينة ، الجمال ليس بآخرها .
- نوع تفصيلي : وذلك أن يتناول جزءا من أجزاء الطبيعة ، ومظهرا من مظاهرها ، ويرشد إلى الجمال فيه ، بالتصريح أو بالتلميح . قال تعالى : { أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ }

ب-الإنسان : الإنسان ميدان آخر للجمال ، يتخلله الجمال منذ مرحلة تكوينه ونشأته ، إلى مرحلة نضجه وتكامله ، بل إن الجمال من أبرز سمات الإنسان التي نوه بها القرآن الكريم ، للدلالة على قدرة الله تعالى وإبداعه ، يمتن الله به على عباده ، فيقول تعالى : { خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ } وقال جل وعلا : { لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } وقال عز سبحانه : { يا أيها الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ }{ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ }{ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ } فالتسوية التامة للإنسان ، هي النقطة الأساسية ، التي ينطلق منها جمال الإنسان ، لأن عدم الخلل والنقص في بنيته ، دليل على جماله وقد خلق الله الإنسان فبلغ به من الإحسان والإتقان ما بلغه .

ج-الفن : والفن نتاج إنساني ، استفاده من الطبيعة التي سخرها الله له ، ومن عقله الذي وهبه إياه ، والإسلام قائم على أساس العقيدة ، ذات التصور الشامل عن الكون والحياة والإنسان ، ولهذا فلا مجال فيه للباطل من الأوهام والخرافات ، والأصنام والأوثان . ويعد الفن مجالا خصبا للجمال لا ينضب ما دام الإنسان قائما على وجه الأرض ، وقد تمثل الجمال الفني في الإسلام في أمور كثيرة ، أهمها ما يلي :
* النقش والزخرفة : عرف المسلمون قديما بهذا الفن الجمالي ، حتى قيل : إن الفن الإسلامي فن زخرفي ، ذلك أنه لا يكاد يخلو أثر إسلامي ، بدءا بالخاتم ومرورا بالأواني ، وانتهاء بالبناء الضخم وقد قامت الزخرفة على نمطين :
- نمط نباتي أو ورقي : وهو الذي أبرز بأساليب متعددة ، من إفراد ومزاوجة ، وتقابل وتعانق ، وفي مجالات متنوعة ، من جدران وقباب ، وتحف نحاسية وزجاجية ، وصفحات الكتب وأغلفتها ، ونحو ذلك .
- نمط هندسي : وذلك باستعمال الخطوط الهندسية وصياغتها في أشكال فنية رائعة ، على شكل نجوم أو دوائر متداخلة ، أو نحو ذلك ، وقد زينت بهذا النوع من الزخرفة المباني والتحف الخشبية والنحاسية ، والأبواب والسقوف ، ونحو ذلك .

* الكتابة والخط : كانت الكلمة ولا زالت ، ميدانا رحبا للجمال الفني ، سواء كانت نثرا أو شعرا ، ولقد تبوأ الخط والكتابة مكانة عظيمة ، منذ بدء الوحي حيث اتخذ الرسول صلى الله عليه وسلم كتابا للوحي ، يكتبون كل ما ينزل من القرآن ، فكتب على جريد النخل ، وصفائح الحجارة ، وجلود الأنعام ، والأخشاب كما نقل من ذلك وكتب في مصحف واحد في عهد أبي بكر الصديق عندما خشي ضياعه بذهاب القراء في الجهاد . ولقد برع الكتاب براعة عظيمة ، عندما أصبح الخلفاء والأمراء والخطباء والعلماء ، والشعراء وغيرهم من صناع الكلمة ومصدرها ، ذوي منزلة في المجتمع ، وأصحاب الشأن في الدولة ، فبلغ الخط والكتابة شأوا بعيدا ، وحظي بعناية فائقة من المسلمين ، وتفنن الناس فيه ، حين صار أداة ضرورية للمعرفة ، فأكسبوه ألوانا وأشكالا ، فوجد الخط الكوفي ، والفارسي ، والنسخي والرقعي ، والمغربي والديوانى والثلث ، كما فَرَّعُوا عليها فروعا كثيرة ، لا يسع المجال لذكرها .

* العمارة والتخطيط : والعمارة قديمة قدم الإنسان ، وتتطور كلما طوّرت وسائلها عبر القرون والأجيال ، إلا أنها في الإسلام ، أحدث فيها ما لم يكن موجودا من قبل ، ووضعت أمام معطيات منهجية تجعلها تؤدي وظيفتها ، بطريقة جمالية مضبوطة ، وقد تركز هذا الفن الجمالي على شيئين بارزين ، هما :
1 / المساجد ودور العبادة : لقد قطع الفن المعماري أشواطا بعيدة ، حقق فيها التنوع الرائع ، والانسجام الجميل ، إذ ظل المسجد ، ذا طابع خاص ، وشكل مميز ، إضافة إلى العناصر الأخرى التي تؤكد ذلك التميز .
2 / المساكن والبيوت : كان للإسلام أيضا تأثيره على الفن المعماري للبيوت والمساكن التي يسكنها كثير من الناس ، والقصور التي يسكنها الخلفاء والأمراء ، وأصحاب الجاه والمال ، وقد شهد لهذا التأثير ، عالم غربي ، هو ج . مارسيه حين قال : ( لقد تغلغل الإسلام في الحياة البيتية ، كما دخل حياة المجتمع ، وصاغت الطبائع التي نشرها ، شكل البيوت والنفوس)
وإنما تميز البيت المسلم عن غيره ، لارتباطه بالكثير من الشئون الاجتماعية ، التي صاغها الإسلام صياغة جيدة ، ونظمها تنظيما رائعا والتي ينبغي مراعاتها في البيوت الإسلامية ، ومن تلك الأمور :

- الحجاب ، الذي يفصل الرجال عن النساء .
- الاستئذان خارج البيت ، للدخول فيه .
- الاستئذان داخل البيت ، للدخول في غرفه ، ونحو ذلك .

وقد بقي من القصور القديمة ، في الأندلس (أسبانيا الآن ) بقية ، يعد قصر الحمراء في غرناطة من أهمها ، أما القصور الحديثة فكثيرة ومتعددة ، لا يحصيها العد كثرة ، يراها كل الناس في البلاد التي يقطنها المسلمون ، وستبقى كل من البيوت والقصور ، تحكي ما وصل إليه المعماريون المسلمون من فن وعبقرية ، وعلم عميق بالهندسة . على أن عمارة البيوت والقصور ، والعناية بنقشها وزخرفتها ، يجب أن يكون في حدود المنهج الإسلامي ، الذي لا يسمح بالإسراف والتبذير ولا يرضي بالشح والتقتير ، ولكنه بالتوسط والاعتدال ، ولا ينسين المرء الجمال المادي ما حققه الإسلام من الجمال المعنوي ، الذي يجعل كل إنسان ، يهتم بالأمور الضرورية التي هي أكثر أهمية من غيرها ، فجمال القاضي بعدله وإنصافه ، وجمال الحاكم باهتمامه بشئون رعيته ، وسهره لأمنهم وراحتهم ، وجمال الغني بصدقته وإنفاقه ، وجمال الفقير بكده وعمله لذا قال الله تعالى : { يَابَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ } وقال تعالى : { يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ }