18.7 موقف المنافقين في المدينة من الرسول والدعوة المحمدية:
وكان حقيقاً بالذين خالجتهم الريبة في رسالة محمد أن يتوسموا في هذه الآيات البيِّنات ما يقربهم من دينه، ويغريهم بالتصديق ونبذ الجفوة والعناد.
إلاَّ أن النفوس الخسيسة تزداد شراً وجحوداً كلما ازداد خصومها نجاحاً وصعوداً.
فما تظنه سبب إقبالها قد يكون سبب انتكاسها.
لذلك لا يستغرب أن يرجع رسول الله إلى المدينة ، فيجد قلوب المنافقين لا تزال مطوية على دَخَلها، تبتسم للفاتح العائد وهي تود لو لم تر شبحه. يستوي في ذلك رؤساء العشائر الذين وهى سلطانهم أمام انتشار الإسلام، وسواد الأعراب الذين يمرحون في البادية كالسوائم الغفل لا يكادون يفقهون حديثاً.
وثَمَّ أمر آخر زاد في غواية المنافقين وتربصهم الشر بالإسلام ونبي الإسلام، ذلك هو عرفانهم بالخصومة التي نشبت بين المسلمين والرومان، وإدراكهم لما تحمله في أطوائها من خطورة وعنف.
فالعرب ينظرون إلى دولة الروم نظرة أهل أفريقية اليوم إلى أوروبا وأمريكا، إنها قوة لا تنال ولا تناوش.
ولئن كان الرومان بهذه المثابة المرهوبة إن محمداً -كما عرف القوم من سيرته- لا يوجل من سلطان على ظهر الأرض، وقد مضى برسالته يذيب ما اعترضه من عوائق، فمحا الوثنية، وأجلى اليهودية، وقاوم بطش الروم مقاومة الواثق المعتد.
والمنافقون مسرورون بهذه الخصومة الجديدة، يحسبون أن مقبرة الإسلام ستحفر فيها..
لذلك لما أعلن النبي في المدينة أنه منطلق إلى "تبوك" تجمع رهط من المنافقين فقال بعضهم لبعض -مشيرين إلى المسلمين-: أتحسبون جِلاَد بني الأصفر كقتال العرب بعضهم بعضاً؟.
والله لكأنا بكم غداً مُقرَّنين في الحبال...إرجافاً وترهيباً للمؤمنين!!.