16.7 حصار المسلمين لثقيف في الطائف:
أما ثقيف فإنها -بعد أن تراجعت منهزمة في "حنين" و"أوطاس" دخلت حصونها وتهيأت فيها لحصار طويل، وعرف المسلمون أن القوم لا يزالون على إصرارهم والبقاء على جاهليتهم، وأن الخسائر التي لحقت بهم لم تكسر شوكتهم ولم ترهق عزيمتهم، فقرروا السير إليهم ومناجزتهم، وللمسلمين خبرة قديمة بهذا الأسلوب من القتال، فقد حاصروا وحُوصروا، وعرفوا أنجح طرائق الهجوم والدفاع. ونهض رسول الله بجيشه حتى اقترب من الطائف فعسكر حولها، وأخذت ثقيف من حصونها تقذف النبال فأصيب نفر من المسلمين، واضطر الجيش أن يؤخر مواقفه حتى لا تستهدف لقذائفهم.
ويظهر أن النبي لم يحرص على اقتحام الحصون واستنزال أهلها قسراً كما فعل ببني إسرائيل. لقد أمل فيهم خيراً، وأدار المعركة حولهم في حدود ضيقة وبضحايا يسيرة، وظل يحاصرهم خمس عشرة ليلة. ثم بدا له أن يدعهم وشأنهم، وأشار على المسلمين بذلك، فرغبوا أولاً في إطالة حصارها حتى تفتح عليهم، ثم نزلوا أخيراً على رأيه.
وروي أن رسول الله استشار نوفل بن معاوية فقال: يا نوفل ما ترى في المقام عليهم؟ فقال يا رسول الله: ثعلب في جحر، إن أقمت عليه أخذته، وإن تركته لم يضرك! فأمر النبي عمر بن الخطاب أن يؤذِّن في الناس بالرحيل.
فلما قفلت بهم المطايا، قالوا: يا رسول الله، أحقرتنا نبال ثقيف فادع الله عليهم فقال: اللهم اهد ثقيفاً..!
ولم يطل بقاء ثقيف على شركها. فما هي إلا شهور قلائل حتى أرسلوا وفدهم إلى المدينة يخبر النبي برغبتهم في الإسلام وانفساح قلوبهم له.