12.7 الثبات والنصر لدى الجيش الإسلامي في معركة حنين:

وفي ضجة الفزع الذي ساد المعركة أولا، علت صيحات العباس، ووصلت إلى آذان الرجال المشدوهين لما وقع، فأخذوا يكافحون ليبلغوا مصدر الصوت.
إذا أراد أحدهم أن يعطف بعيره ليعود به لا يقدر من ضغط الفارين، فما يجد بداً من أن يقذف درعه من عنقه، ويحمل سيفه وترسه ثم يؤم الصوت.
واجتمع حول رسول الله عدد من الرجال الذين دعاهم، وهم يصيحون: لبيك لبيك، حتى قارب القوم مائة، فاستقبل النبي بهم المشركين، وقد ملك زمام الموقف وأعاد الكرة عليهم، فاجتلد الفريقان اجتلاداً شديداً.
وقصد "علي" وأحد الأنصار إلى حامل العلم في طليعة هوازن، فضرب "علي" عرقوبي جمله فوقع على عجزه، ثم استمكن منه الأنصاري فهوى به عن رحله.
وكان النبي على بغلته يقول:
أنا النبيّ لا كذب

أنا ابن عبد المطلب

ويدعو: اللهم نزِّل نصرك.
والمهاجرون والأنصار قد التحموا مع رجال هوازن وثقيف.
قال "العباس" ونظر رسول الله -وهو على بغلته كالمتطاول عليها- إلى قتالهم فقال: الآن حَميَ الوطيس، ثم أخذ حصيات، فرمى بهن في وجوه الكفار، ثم قال: انهزموا وربِّ محمد.
قال "العباس": فذهبت أنظر، فإذا القتال على هيئته فيما أرى، فما هو إلا أن رماهم فما زلت أجد حدَّهم كليلاً. وأمرهم مدبراً.
ولم يطل وقت، حتى كان رجال (ثقيف) ومن معهم يُوغِلون مولِّين الأدبار في وادي حُنين، ورجع الطلقاء والبدو إلى رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم)، فإذا هم يَرَوْن الأسرى مكتفين!.
وفي هذه المعركة نزل قول الله عز وجل: {لقدْ نصرَكم الله في مواطن كثيرةٍ ويوْمَ حُنَينٍ إذْ أعجبتْكمْ كثرتكمْ فلمْ تغنِ عنكمْ شيئاً، وَضاقتْ عليكمُ الأرضُ بِما رَحُبتْ ثمَّ وَليتمْ مُدْبرين. ثمَّ أنزَلَ اللهُ سكِينَتهُ على رَسُولِه وعلى المؤْمِنينَ، وأنزلَ جنوداً لم ترَوْها وعذَّبَ الذينَ كَفَروا وَذلك جَزاءُ الكافِرين}.
واعتصم بعض المنهزمين بناحية يقال لها: "أوطاس".
فأرسل النبي (صلَّى الله عليه وسلم) في أعقابهم (أبا عامر الأشعري) فقاتلهم حتى قتل فأخذ الراية منه ابن أخيه (أبو موسى الأشعري) فما زال يناوش القوم حتى بدَّد شملهم، وهزموا شر هزيمة.
واضطر (مالك بن عوف) ومن معه من رجالات قومه أن يمضوا في الفرار حتى يصلوا إلى (الطائف) فيمتنعوا بحصنها تاركين في هذا الفرار مغانم هائلة.
فإن مالكا ً-كما علمت- خرج يغزو، ومعه نساء القبيلة وما تملك.
فخلَّف في الميدان أربعة وعشرين ألفاً من الإبل، وأكثر من أربعين ألفاً من الغنم، وأربعة آلاف أوقية من الفضة، هذا إلى جانب ستة آلاف من السبي.