11.7 هزيمة الجيش الإسلامي بشكل مبدئي في غزوة حنين:

وسار الجيش الواثق حتى وصل إلى وادي "حنين".
وكان "مالك بن عوف" ورجاله قد سبقوا إلى احتلال مضايقه، وانبثوا في الشعاب والأجناب المنيعة، ثم تهيأوا لاستقبال المسلمين.
وأقبلت الطلائع الغفيرة تتدافع نحو الوادي -وهي غافلة عمّا يكمن فيه- وكان وادياً أجوف منحدراً، ينحط فيه الركبان كلما أوغلوا كأنهم يسيرون إلى هاوية.
فلما تكاثرت في دروبه الفرق الزاحفة، لم يرعهم إلا وابل من السهام يتساقط فوقهم من المكامن العالية، وكان غبش الفجر لا يزال يترك بقاياه في الجو الغائم فارتاعت المقدمة لهذه المفاجأة، فهي في عماية من الليل وعماية من أمرها، لا تعرف إلا أن تستدير ثم تولي الأدبار..
وانتشرت موجة الفزع، فكسرت الصفوف المرصوصة وبعثرتها.
واستغل رجال مالك بن عوف هذا الارتباك فهجمت كتائبهم، وحملت الخيل على ما أمامها، فانكفأ المسلمون مهزومين لا يلوي أحد على أحد.
ونظر زعماء مكة إلى الجيش المولي نظرة تشفٍّ وفرح.
وعاد إلى بعضهم كفره بالله ورسوله فقال أبو سفيان: لا تنتهي هزيمتهم دون البحر! ولا عجب فإن الأزلام التي يستقسم بها في جاهليته لا تزال في كنانته.
وقال "كَلَدة بن الجنيد": ألا بطل السحر اليوم.
فأجابه "صفوان بن أمية" -ولما يزل مشركاً-: اسكت فضَّ الله فاك، فوالله لأن يربّني رجل من "قريش" أحب إليّ من أن يربّني رجل من "هوازن".
وانحاز رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) ذات اليمين وقد أغضبه هذا الفرار، فقال: أين أيها الناس؟ هلموا إلي، أنا رسول الله، أنا محمد بن عبدالله..
فلا يرد عليه شيء، وركبت الإبل بعضها بعضاً وهي مولية بأصحابها. ولمح النبي وراءها رجلاً من "هوازن" على جمل له أحمر، بيده راية سوداء في رأس رمح طويل، "وهوازن" خلفه، إذا أدرك الفارين طعن برمحه، وإذا فاتوه رفع رمحه لمن وراءه فاتبعوه.
إن الذي تولى كبر هذه المهزلة الشائنة هم الطلقاء من أهل مكة ورعاع البدو.
ووقف النبي (صلَّى الله عليه وسلم) ساكن الجأش، يدير الرأي في خطة ينقذ بها سمعة الإسلام ومستقبله، وقد أحاط به لفيف من المهاجرين الأولين ومن أهل بيته.
فأمر العباس بن عبد المطلب -وكان جهير الصوت- أن ينادي: يا معشر الأنصار، يا أصحاب البيعة يوم الحديبية.
لقد هداه الحق أن يهتف بأصحاب العقائد، ورجال الفداء عند الصدام فهم -وحدهم- الذين تنجح بهم الرسالات وتفرج الكروب.
أما هذا الغثاء من العوام الحراص على الدنيا، السعاة إلى المغانم، فما يقوم بهم أمر، أو تثبت بهم قدم.