10.7 ذكر معركة حنين:

بيدَ أن هذا الغلب كان له رَد فعل معاكس لدى القبائل الكبيرة القريبة من مكة ، وفي مقدمتها "هوازن" و"ثقيف" وتعتبر "الطائف" قصبتها وهي أكبر المدن في الجزيرة بعد مكة ويثرب.
اجتمع رؤساء هذه القبائل على "مالك بن عوف" سيد "هوازن"، وأجمعوا أمرهم على المسير لقتال المسلمين قبل أن تتوطد دعائم الفتح، وقبل أن يتحركوا لاستئصال ما بقي من معالم الوثنية المدبرة.
وكان "مالك بن عوف" شجاعاً مقداماً، إلا أنه سقيم الرأي سيء المشورة.
فأمر قومه -وهم خارجون للغزو- أن يأخذوا معهم نساءهم وأموالهم وذراريهم، ليشعر كل رجل وهو يقاتل أن ثروته وحرمته وراءه فلا يفر عنها..
وقد اعترضه "دريد بن الصمَّة"، وهو فارس مجرّب محنّك، وقال له: هل يرد المنهزم شيء؟ إن كانت الدائرة لك، لم ينفعك إلا رجل برمحه وسيفه، وإن كانت عليك فُضحت في أهلك ومالك.
فسفَّه مالك رأيه، وأصر على خطته.
وعلم المسلمون بمخرج أعدائهم، فأرسلوا عيونهم يتعرفون عدتهم وهيئتهم.
روى أبو داود أن رجلا جاء إلى رسول الله فقال له: إني انطلقت بين أيديكم حتى طلعت جبل كذا وكذا، فإذا أنا "بهوازن" عن بكرة أبيهم بظعنهم وبنعمهم وشائهم، اجتمعوا إلى "حنين".. فتبسم رسول الله وقال: تلك غنيمة المسلمين غداً إن شاء الله.
إن السهولة التي تم بها فتح مكة ، وإحساس جمهور المؤمنين أن الجاهلية تلفظ أنفاسها الأخيرة فلن تبدي مقاومة تذكر، وظَنُّ حدثاء العهد بالإسلام أن شيئاً ما لن يقف في طريقه، كل ذلك جعل الجيش يزحف للقاء المشركين وهو غير مكترث لما سوف يواجه، ولم يكترث؟.
إنهم -وهم قلة- كانوا يكسبون المعارك الطاحنة، فكيف وهم اليوم يخرجون في عدد لم يجمعوا مثله قبلاً؟ قيل: إن أبا بكر الصديق لما نظر إلى الجيش قال: لن نغلب اليوم من قلَّة..!
ذلك أن المسلمين بلغوا اثني عشر ألفاً بمن انضم إليهم من أهل مكة .