8.7 سرية عمرو بن العاص إلى ذات السلاسل:

كانت "مؤتة" في جمادى الأولى من السنة الثامنة، ولم يلبث المسلمون طويلاً بعدها حتى عادوا إلى مشارف الشام يلاحقون خصومهم قبل أن يستريحوا، فخرج "عمرو بن العاص" ليؤدب القبائل الضاربة هناك إلا أنه خشي من كثرة عدوه، فأرسل إلى النبي (صلَّى الله عليه وسلم) يطلب مدداً، وانحاز إلى ماء يسمى السلاسل حتى يجيئه العون..
وبعث رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) جيشاً من المهاجرين الأولين -فيهم أبو بكر وعمر- يقوده أبو عبيدة بن الجراح. ووصّاه رسول الله حين وجَّهه لنجدة "عمرو" فقال: لا تختلفا.
فلما وصل أبو عبيدة قال له عمرو: إنما جئت مدداً لي، فقال له أبو عبيدة: لا، ولكني على ما أنا عليه وأنت على ما أنت عليه! فقال عمرو: أنت مددٌ لي! -وكان أبو عبيدة رجلاً ليناً سهلاً، هيناً عليه أمر الدنيا - فقال: يا عمرو، إن رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) قال لي: لا تختلفا، وإنك إن عصيتني أطعتك! قال عمرو: فإني أمير عليك، وإنما أنت مددٌ لي. قال: فدونك، فصلّى عمرو بالناس وتولى قيادهم جميعاً..
وأخذ عمرو يطارد القبائل الموالية للروم، فتوغل في بلاد بَليّ وعُذْرة وبَلْقَين وطيء. وكلما انتهى إلى موضع قيل له كان هنا جمع فلما سمعوا بك تفرقوا! وظفر مرة بواحد من هذه الجموع فاقتتلوا، وحمل عليهم المسلمون فهُزموا، وأعجزوهم هرباً في البلاد.
ومع أن عَمْراً دوَّخ أولئك الأعراب وشتّت شملهم؛ إلا أنه لم يلقهم في معركة حاسمة، وعلى أية حال فإن سمعة المسلمين انزاح عنها غبار كثير بهذه الغزوة.
وحدث أن عمرو بن العاص احتلم في ليلة باردة، وخشي على نفسه إن اغتسل أن يعتل فتيمم وصلَّى بالناس، وكأن بعض الصحابة شك في هذا الصنيع من عمرو، فذهب إلى النبي (صلَّى الله عليه وسلم) يقول له: إن عَمْراً صلَّى بنا وهو جُنُب! فقال الرسول: يا عمرو، صليت بأصحابك وأنت جنب؟ فأخبره بالذي منعه من الاغتسال. لقد خاف على نفسه قسوة البرد، والله يقول:
{ولا تَقتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إنَّ اللهَ كان بِكُمْ رَحيماً}.
فضحك الرسول ولم يقل شيئاً.
وفقه عمرو في هذه المسألة صحيح، فإن التيمم يجوز إذا كان استعمال الماء مظنة الضرر.