6.7 ذكر عمرة القضاء:
أوشكت السنة السابعة
أن تنقضي، وحق للمسلمين أن يعودوا
إلى مكة ليؤدوا مناسك العمرة التي
حرموا من أدائها قبلاً، لقد تأخروا
عاماً وهم كارهون، لكن مكاسبهم
للدعوة في هذه الفترة أربت على
الأماني، وها هم أولاء يسوقون
الهَدْي إلى الحرم مرة أخرى، ويجرّون
وراءهم أذيال نصر عريض.
وأحب أهل مكة أن يعزّوا أنفسهم وهم
يجلون عنها -وفق الاتفاق المبرم-
ليدخلها النبي (صلَّى الله عليه وسلم)
وصحابته معتمرين، فأشاعوا أن
المسلمين يعانون عسرة وَجهداً.
قال ابن عباس: صفُّوا له عند "دار
الندوة" لينظروا
إليه وإلى أصحابه، فلما دخل رسول
الله المسجد اضطبع بردائه، وأخرج
عضده اليمنى ثم قال: "رحم الله
أمرأً أراهم اليوم من نفسه قوة" ثم استلم الركن
وأخذ يهرول، ويهرول أصحابه معه حتى
واراه البيت عنهم.
والتطواف بهذه السرعة إظهار لبأس
المسلمين، وتكذيب لإشاعات الضعف،
وقد مضت السُّنَّة به بعد ذلك.
وروي أن رسول الله (صلَّى الله عليه
وسلم) لما دخل مكة كان عبدالله بن
رواحة آخذاً بخطام ناقته وهو ينشد:
خلُّوا بني الكفار عن سبيله
خلوا فكلُّ الخير في رسوله |
يا ربِّ إني مؤمن بِقيله
أعرفُ حقَّ الله في قبولهِ |
وأقام الرسول
ثلاثة أيام جاء في نهايتها نفر من
قريش يذكِّرونه بانقضاء الأجل
المضروب ويقولون له: اخرج عنا، فقال
لهم الرسول: لو تركتموني فأعرست بين
أظهركم، وصنعنا لكم طعاماً،
فحضرتموه.
قالوا: لا حاجة لنا في طعامك، فاخرج
عنا.
وكان العباس عم رسول الله قد زوّجه من
ميمونة بنت الحارث، خالة عبدالله بن
عباس، فعقد عليها في مكة ، وبنى بها
في سَرِف ، وفي هذه العمرة نزل قوله
تعالى:
{لقدْ
صدَقَ اللهُ رَسولَه الرؤيا بالحقِّ
لتدْخُلنَّ المسجدَ الحرَام إنْ
شاءَ اللهُ آمنينَ مُحلِّقين
رؤوسكمْ ومقصِّرينَ لا تخافونَ،
فَعَلمَ ما لمْ تَعْلَموا، فجعلَ
مِنْ دونِ ذلكَ فَتحاً قَريباً}.