3.7 عودة مهاجري الحبشة في وقت غزوة خيبر:

ووافق فتح "خيبر" قدوم "جعفر بن أبي طالب" ومن معه من المهاجرين إلى الحبشة . وقد سر رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) أيما سرور لمجيء هؤلاء الصحابة الكرام.
إنهم خرجوا من مكة فارين بدينهم من الفُتَّان، واليوم يعودون وأمر الإسلام يعلو، وسلطانه يمتد شمالي الجزيرة وجنوبيها، فلا خوف من غشم أو ظلم.
وعندما حلوا بالمدينة قال رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) مبتهجاً: "والله ما أدري بأيهما أفرح؟ بفتح خيبر أم بقدوم جعفر".
وجعفر وإخوانه مكثوا في الحبشة بضعة عشر عاماً، نزل خلالها قرآن كثير، ودارت معارك شتى مع الكفار، وتقلَّب المسلمون قبل الهجرة العامة وبعدها في أطوار متباينة، حتى ظن البعض أن مهاجري الحبشة -وقد فاتهم هذا كله- أنزل قدراً من غيرهم. فعن أبي موسى الأشعري: كان أناس يقولون لنا سبقناكم بالهجرة، ودخلت أسماء بنت عميس على حفصة زوج النبي زائرة -وكانت هاجرت إلى النجاشي فيمن هاجر- فدخل عمر على حفصة وأسماء عندها، فقال حين رأى أسماء: من هذه؟ قالت: أسماء بنت عميس. قال عمر: الحبشية هذه؟ البحرية هذه؟ قالت أسماء: نعم! قال عمر: سبقناكم بالهجرة فنحن أحق برسول الله منكم! فغضبت وقالت: كلا والله، كنتم مع رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم. وكنا في أرض البعداء البغضاء بالحبشة! وذلك في الله وفي رسول الله، وايم الله لا أطعم طعاماً ولا أشرب شراباً حتى أذكر ما قلت لرسول الله وأسأله، ووالله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد عليه. فلما جاءت النبي قالت: يا نبي الله إن عمر قال كذا وكذا، قال: فما قلت له؟ قالت: كذا وكذا. قال: ليس بأحق بي منكم، وله ولأصحابه هجرة واحدة. ولكم أنتم -أهل السفينة- هجرتان!".
ولم يمضِ كبير وقت على أولئك العائدين حتى اكتسبوا ما فاتهم من علم بالقرآن والسنة، وانتظموا في مواكب الجهاد مع من سبقوهم بإحسان.
وقد أشركهم النبي في مغانم خيبر مع أهل الحديبية ولم يقسم لأحد غيرهم معهم. فإن الله جعل خيبر مكافأة سخية لمن ساروا إلى مكة ، وبايعوا على الموت تحت شجرة الرضوان.