7.6 بدء الصراع بين اليهود والمسلمين في المدينة بعد الهجرة:

لم يحدِّث المسلمين أنفسهم بنقض عهود اليهود، ولا فكروا في طردهم من أرض الجزيرة، بل على العكس توقع المسلمون منهم أن يكونوا عوناً لهم في حرب الوثنية المخرِّفة وتدعيم عقيدة التوحيد، ورجا المسلمون أن يصدق اليهود محمداً (صلَّى الله عليه وسلم) فيما يثبته لله من تنزيه ومجد وأن تكون صلتهم بالكتب القديمة وأُلفتهم لأحاديث المرسلين سبباً في إقناع العرب الأميين بأن الرسالات السماوية حق والإيمان بها واجب.
وهذه المشاعر الحسنة تتمشى مع القرآن النازل يومئذ يؤسسها ويؤكدها:
{وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ}.
{وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمِنْ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ}.

بَيْدَ أن اليهود كانوا عند أسوأ الظن فلم تمض أيام على اختلاطهم بالمسلمين في المدينة حتى شرعوا يحرجون صدورهم ويعينون عليهم، ولو أنهم كذّبوا بمحمد (صلَّى الله عليه وسلم) كما كذبوا بعيسى من قبل، واعتقدوا أن ما وراء توراتهم باطل، واكتفوا بأداء عبادتهم في بِيَعهم، وحبسوا في أفواههم المطاعن على أنبياء الله...لتركهم المسلمون وشأنهم يكفرون إلى قيام الساعة، دون حرب أو ضرب.
أما أن يجتهد المسلمون في بناء دولتهم فيجتهد هؤلاء في نقضها. أما أن يصطدم الإسلام بالشرك فينضم بنو إسرائيل بعواطفهم وألسنتهم ودعاياتهم ضد محمد وصحبه... فهذا ما لا يستساغ.
وفي فرحة المسلمين بانتصارهم في بدر ، لم يستح أولئك اليهود أن يقولوا لرسول الله عليه الصلاة والسلام: "لا يغرنك أنك لقيت قوماً لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة، أما والله لئن حاربناك لتعلمن أنا نحن الناس!!".
وقد نزل الوحي ينذر هؤلاء بسوء المنقلب:
{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ. قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُوْلِي الْأَبْصَارِ}.
والآية الأخيرة تذكير بما وقع في بدر .