6.3 الاضطهاد الذي مارسه المشركون على المؤمنين:

قرر المشركون ألا يألوا جهداً في محاربة الإسلام وإيذاء الداخلين فيه والتعرض لهم بألوان النكال والإيلام. ومنذ جهر الرسول بالدعوة إلى الله، وعالن قومه بضلال ما ورثوه عن آبائهم انفجرت مكة بمشاعر الغضب، وظلت عشرة أعوام تعد المسلمين عصاة ثائرين، فزلزلت الأرض من تحت أقدامهم، واستباحت في الحرم الآمن دماءهم وأموالهم وأعراضهم، وجعلت مقامهم تحملاً للضيم وتوقعاً للويل.
صاحبت هذه السخائم المشتعلة حرب من السخرية والتحقير قصد بها تخذيل المسلمين وتوهين قواهم المعنوية. فرمي النبي (صلَّى الله عليه وسلم) وصحابته بتهم هازلة وشتائم سفيهة، وتألفت جماعة للاستهزاء بالإسلام ورجاله. على نحو ما تفعل الصحافة المعارضة عندما تنشر عن الخصوم نكتاً لاذعة وصوراً مضحكة للحط من مكانتهم لدى الجماهير.
وبهذين اللونين من العداوة وقع المسلمون بين شِقي الرحى.
فرسولهم ينادَى بالجنون.
{وَقَالُوا يَاأَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ}.
ويوصم بالسحر والكذب.
{وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ}.
ويُشيَّعُ ويستقبلُ بنظرات ملتهمة ناقمة وعواطف منفعلة هائجة.
{وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ}.
وليس حظ سائر المسلمين بأفضل من هذه المعاملة، فهم في غدوهم، ورواحهم -محل التندر واللمز.
{إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ. وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ. وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ انقَلَبُوا فَكِهِينَ. وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ. وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ}.
وانقلبت هذه الحرب إلى تنكيل وسفك دم بالنسبة إلى المستضعفين من المؤمنين، فمن ليست له عصبية تدفع عنه لا يعصمه من الهوان والقتل شيء، بل يحبس على الآلام حتى يكفر أو يموت أو يسقط إعياء.