2.3 دين محمد الجديد إلام يدعو الناس؟
شرع محمد (صلَّى الله عليه وسلم) يكلم الناس في الإسلام ويعرض عليهم الأخذ بهذا الدين الذي أرسله الله به.
وسور القرآن الذي نزل بمكة تبين العقائد والأعمال التي كلف الله بها عباده وأوصى رسوله أن يتعهد قيامها ونماءها، وأول ذلك:
1- الوحدانية المطلقة: فالإنسان ليس عبداً لكائن في الأرض أو عنصر في السماء، لأن كل شيء في السماء والأرض عبد لله، يعنو لجلاله ويذل في ساحته ويخضع لحكمه، وليس هناك شركاء ولا شفعاء ولا وسطاء، ومن حق كل امرىء أن يهرع إلى ربه رأساً غير مستصحب معه خلقاً آخر، كبر أو حقر. وحق على كل امرىء أن ينكر من أقاموا أنفسهم أو أقامهم غيرهم زلفى إلى الله، وأن ينزل بهم إلى مكانهم المحدود إن كانوا بشراً أو حجارة أو ما سوى ذلك، ويجب أن تبنى جميع الصلات الفردية والجماعية على أساس تفرد الله في ملكوته بهذه الوحدانية التامة.
ونتيجة هذه العقيدة أن الحجارة التي يعبدها العرب أصبحت لا تزيد عن الحجارة التي تبنى بها البيوت أو ترصف بها الطرق، وأن البشر الذين ألهوا في ديانات أخرى صحِّحت أوضاعهم، فعرفوا على أنهم عبيد لمن خلقهم ورزقهم، يتقدمون عنده بالطاعة، ويتأخرون بالمعصية. ولا شأن لهم في خلق أو رزق.
2- الدار الآخرة: فهناك يوم لا شك في قدومه، يلقى الناس فيه ربهم فيحاسبهم حساباً دقيقاً على حياتهم الأولى: "فمنْ يعْمل مثقال ذرة خيراً يره. ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره": فإما نعيم ضاحك يمرح فيه الأخيار ويستريحون، وإما جحيم مشئومة، يشقى فيها الأشرار ويكتئبون...
والنظر إلى الدار الآخرة في كل عمر يأتيه المرء أو يذره من أصول السلوك الصحيح في الإسلام. فكما أن راكب القطار موقن بأنه سينزل في محط قادم فكذلك المسلم يعلم أن الأيام الجارية به ستقف -حتماً- لترده إلى مولاه، حيث يلقى جزاء العمر، ويجني ما غرست يداه..
3- تزكية النفس: وذلك بلزوم عبادات معينة شرعها الله عز وجل، وترك أموراً أخرى حذراً من مغبتها:
{قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ. وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَاوَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
قال أكثم بن صيفي: "إن ما جاء به محمد عليه الصلاة والسلام لو لم يكن ديناً لكان في خُلق الناس حسناً".
4-حفظ كيان الجماعة المسلمة: باعتبارها وحدة متماسكة تقوم على الأخوة والتعاون، وذلك يقتضي نصرة المظلوم، وإعطاء المحروم، وتقوية الضعيف. وفي سورة "المدثر" -وهي أول سورة أمر الرسول فيها بالبلاغ- تقرأ قول الله تبارك وتعالى:
{كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ. إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ. فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ. عَنْ الْمُجْرِمِينَ. مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ. قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ. وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ. وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ. وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ. حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ. فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ}.
وكان أبو بكر لا يرى مستضعفاً يعذَّب من المسلمين، إلا بذل جهده وماله في سبيل فك إساره وإنقاذه مما به، وذلك حق الفرد على الجماعة.